الفصل الخامس
عمر بن الخطاب الولي المعصوم..
بداية:
قد ذكرنا في فصل: (من هم أئمته)، نصوصاً عن ابن عربي، قد أشرك فيها عمر بن الخطاب مع غيره في المقامات والكرامات..
فذكرها هناك أغنانا عن إعادتها هنا، غير أننا نذكر في هذا الفصل طائفة من النصوص التي خص فيها ابن عربي عمر بن الخطاب بأوسمة ومقامات رأى أنها تليق بشأنه، أو أنه ساقها له على سبيل التكريم، والتعظيم، والتفخيم، فنقول:
قصة زريب:
1ـ ذكر أن زريب بن برثملا، كان وصي عيسى، وأنه أرسل إلى عمر بن الخطاب بكلام يفيد في تأكيد مقام عمر وعظمته..
ومع أنه يذكر أن سند هذه الرواية ضعيف، إلا أنه يعود فيؤكد صحتها عن طريق الكشف!!(287).
ولا أدري لماذا لم يصل به هذا الكشف إلى تعريفه بما ارتكبه عمر في حق الزهراء عليها السلام وإلى حقيقة ما ظلم به جميع أهل البيت عليهم السلام؟! وإلى أن الإمامة بعد النبي هي للإمام علي عليه السلام، لا لأبي بكر، ولا لغيره؟! وإلى سائر حقائق الدين والعقيدة الصحيحة؟!
ولماذا بقي يلتزم بالعقائد التي اثبتت الأدلة القاطعة عدم صوابيتها؟!.
عمر والحق:
2ـ وقال في سياق كلام له: «قال عليه السلام، ما ترك الحق لعمر من صديق»(288).
3ـ وقال: «إلا أنه من التزم النصح قلّ أولياؤه، فإن الغالب على الناس اتباع الأهواء، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «ما ترك الحق لعمر من صديق»..(289).
قلب عمر لا تعلق له إلا بالله:
4ـ وقال: «وكان الحق صعب المرام، قوياً حمله على النفوس، لا تحمله ولا تقبله، بل تمجه وترده، لهذا قال صلى الله عليه [وآله] وسلم لعمر: ما ترك الحق لعمر من صديق.
وصدق صلى الله عليه [وآله] وسلم يعني في الظاهر والباطن. أما في الظاهر فلعدم الإتصاف»..
إلى أن قال:
«وأما في الباطن، فما ترك الحق لعمر في قلبه من صديق، فما كان له تعلق إلا بالله..»(290).
مع أن الصحيح هو أن أبا ذر هو الذي قال: «ما ترك الحق لي من صديق»(291) أو صديقاً.
قال العجلوني: عن نسبة هذا القول إلى عمر: «قال النجم: هذا غير معروف في كتب الحديث في حق عمر، لا عنه، ولا عن غيره. وإنما روى ابن سعد في طبقاته: ان اباذر قال الخ..»(292).
عمر فقيه يشهد له الرسول صلى الله عليه وآله:
5ـ وقال: «وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كيف اجتنب طيب الطعام، وفهم من كلام الله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا}(293).. أنه ينسحب(294) على كل إنسان من مؤمن وكافر..
أترى يا نفس، هذا العارف الذي وسع عليه في الدنيا يكون أفقه من عمر بن الخطاب؟!، الذي وافق رأيه في الأحكام، وقد شهد له الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم: أنه ليس من الباطل في شيء..»(295).
ونقول:
قد نسي ابن عربي: أن هذا الرأي من عمر يخالف القرآن الذي يقول: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(296)..
وأن عمر قد غلط في فهمه لمعنى الآية التي استشهد بها، حيث لا يغلط أحد، فإنها إنما تخاطب الكفار الذي استمتعوا بالطيبات في الدنيا ونسوا الآخرة.. قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ}(297)..
إن عمر نفسه يقول: كل النساء أفقه من عمر، حتى ربات الجمال في خدورهن(298).. وقد اظهر استدلاله بالآية الشريفة، صحة هذا الإعتراف العمري..
كما أنه قد أظهر في موارد كثيرة أنه لا يعرف أحكام الله، حتى ما كان منها بديهياً. فراجع الجزء السادس من كتاب الغدير للعلامة الأميني رحمه الله، فصل: نوادر الأثر في علم عمر..
عمر وأويس:
6ـ ثم هو يذكر الحديث الذي يزعمون أنه؛ عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حول شفاعة أويس في مثل ربيعة ومضر، ثم يقول راوياً لذلك عن النبي صلى الله عليه وآله:
«.. يا عمر، ويا علي، إذا أنتما لقيتماه فاطلبا منه أن يستغفر لكما، يغفر لكما الله تعالى.
قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين، فلما كان آخر السنة التي هلك فيها عمر..».
ثم ذكر لقاءهما بأويس، قال:
«فاستوى أويس قائماً، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، ورحمة الله وبركاته، وأنت يا ابن أبي طالب. فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً الخ..»(299).
7ـ ثم يورد قصة هرم بن حيان مع أويس، وأن أويساً القرني، أخبره بموت عمر بقوله:
«يا ابن حيان، مات أبو بكر خليفة المسلمين، ومات أخي وصديقي، وصفيي عمر ـ واعمراه ـ الخ..»(300).
حسب الشيطان أن ينجو من عمر:
8 ـ ويقول: «هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الصلب، القوي، الذي ليس للشيطان عليه سبيل، حسب الشيطان أن ينجو منه، نزل القرآن موافقاً لحكمه، وأداه أن يقول:
«لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً»(301). ما يعرفه من إيمانه وعلمه، قد جمع بين العلم والعيان، وتبرز في صدر المشاهدة الأعيان، ليس أحد من وقته إلى يوم القيامة، يبرز أمامه، ولا يكون في حالة من الأحوال إمامه، قد اهتز لموعظة أويس القرني خير التابعين همه، وقال ما أداه إليه كشفه وعلمه المعصوم: ليت عمر لم تلده أمه الخ..»(302).
ويلاحظ قوله: إنه ليس للشيطان سبيل على عمر بن الخطاب، في حين أن أبا بكر كان له شيطان يعتريه، حتى طلب من الناس: أن يقوِّموه إذا زاغ!! فهل عمر أفضل عنده من أبي بكر؟!
عمر يحدثه الله:
9ـ وقال صلى الله عليه [وآله] وسلم في عمر: «إنه من المحدثين، إن يكن في هذه الأمة منهم أحد، وأريد حديثه تعالى مع أوليائه، لا مع الأنبياء والرسل، فإن الأذواق تختلف باختلاف المراتب..»(303).
10ـ وقال: «ومنهم رضي الله عنهم المحدثون، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه منهم، وكان في زماننا منهم أبو العباس الخشاب الخ..»(304).
ثم هو يعتبر أن المحدث نبي الأولياء..(305).
عمر محدث في قصة: يا سارية الجبل:
11ـ ويقول: «.. ومنها: أن يكون صاحب هذا المقام محدثاً، ولا يرى من يحدثه من جهة هذه الحضرة، فإن رآه فمن جهة حضرة تحققه بالبصر، فيلحقك السماع بدرجة المحدَّثين، ويهتف بك، وتسمع الخطاب، إما بديهاً، وإما جواباً عن سؤال منك، ورد السلام عليك..
وقد شاهدنا هذه الأمور كلها. وأخبرني غير واحد عن أبي العباس الخشاب رضي الله عنه (كذا): أنه كان محدثاً اشتهر عنه هذا..
ومن هذا الباب سماع سارية صوت عمر من المدينة، وبينهما أيام، فكل كرامة يكون خطاب فيها، فهي من هذا الباب..»(306).
ويلاحظ هنا: أنه قد ورد في بعض الأحاديث: أن علياً عليه السلام هو الذي مسح على عيني عمر، حتى رأى المسلمين في نهاوند، وقد كمن لهم عدوهم، ولم يكن لهم نجاة منه إلا بالإلتجاء إلى جبل هناك. فقال عمر لهم ذلك حينئذٍٍ(307)..
كن عُمَرِي الفعل:
12ـ وقال: «كن عمري الفعل، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «من خدعنا في الله انخدعنا له»..(308).
الدليل على عصمة عمر:
13ـ وقال: «من أقطاب هذا المقام عمر بن الخطاب، وأحمد بن حنبل، ولهذا قال صلى الله عليه [وآله] وسلم في عمر بن الخطاب، يذكر ما أعطاه الله من القوة: يا عمر، ما لقيك الشيطان في فج إلا سلك فجاً غير فجك».
فدل هذا على عصمته، بشهادة المعصوم.
وقد علمنا: أن الشيطان ما يسلك قط بنا إلا إلى الباطل، وهو غير فج عمر بن الخطاب. فما كان عمر يسلك الافجاج الحق بالنص، فكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، في جميع مسالكه، وللحق صولة»(309).
وقد تقدم: أن أبا بكر له شيطان يعتريه، ويخاف من الزيغ بسبب ذلك.. أما عمر فإن الشيطان يسلك غير فجه.. فكيف يكون ابو بكر مقدماً عنده على عمر يا ترى؟!
كما أن من المعلوم: أن ادعاء عصمة عمر بن الخطاب مما لا يوافقه عليه أحد من أهل المذاهب..
علم عمر:
14ـ وقال: «ألا ترى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أتي في المنام بقدح لبن، «فشربته حتى خرج الري من أظافيري، ثم أعطيت فضلي عمر»..
وقيل: ما أولته يا رسول الله؟
قال: العلم.
وما تركه لبناً على صورة ما رآه، لعلمه بموطن الرؤيا، وما تقتضيه من التعبير»(310).
ولا ندري أين كان عنه هذا العلم حين قال: كل الناس أفقه من عمر، حتى ربات الحجال في خدورهن؟! وأين كان علمه، وهو لم يزل يردد في أكثر من سبعين مورداً: لولا علي لهلك عمر؟!، أو نحو ذلك..
عمر يشاهد الربوبية:
15ـ وقال: «فشاهدوا الربوبية قبل كل شيء، ولهذا تأول صلى الله عليه وآله، اللبن لما شربه في النوم، وناول فضله عمر. قيل: ما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم..»(311).
عمر يجهز الجيش في الصلاة:
16ـ ويقول: «كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهز الجيش في الصلاة، فإن المؤمن الصادق ماله حديث إلا مع ربه، الخ..»(312).
إقتداء عمر بالرسول:
17ـ وقد تقدم قوله: «إن الله تعالى أودع الكعبة كنزاً، أراد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يخرجه، فينفقه، ثم بدا له في ذلك أمر آخر لمصلحة رآها، ثم أراد عمر بعد أن يخرجه، فامتنع اقتداء برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم..»(313).
الفصل السادس
شخصيات يعظمها إلى حد التقديس
بداية:
إن تعظيم ابن عربي للشخصيات المناوئة لعلي، وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وعليهم، لا يقتصر على أولئك الذين غصبوا الخلافة منه عليه السلام في البداية، بل هو يمتد إلى كل من كان يكره علياً عليه السلام، ويعين عليه، ويقف في موقع المسيء لذريته، ولشيعته..
إنه يعظم تلك الشخصيات وينتحل لها مواصفات، ويطلق عليها أوصافاً وألقاباً، وينتحل لها مقامات مجيدة وفريدة، مع أنها ليست موالية لأهل البيت، إن لم تكن ممن ساعد وعاضد الآخرين ضدهم، أو هي على الأقل تسير في غير نهجهم عليهم السلام، وتوالي وتؤيد من لم يزل يقف في وجههم، وينكل بشيعتهم..
ونحن نذكر في هذا الفصل بعضاً مما قاله حول هؤلاء، الذين كانوا يسيرون في الإتجاه الآخر، أو أنهم على الأقل، لا يتولونهم، ولا يعترفون بإمامتهم، فنقول:
الخلافة الباطنية والظاهرية للمتوكل:
1ـ قد ذكرنا فيما سبق: أنه يقول: إن ممن حاز الخلافة الظاهرية والباطنية: المتوكل العباسي ومعاوية بن يزيد، وعمر بن عبد العزيز.. و.. و..(314).
علوم أبي هريرة، ومقاماته:
2ـ وقال: «وشكا لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أبو هريرة: أنه ينسى ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم..
فقال له: يا أبا هريرة، أبسط رداءك..
فبسط أبو هريرة رداءه، فاغترف رسول الله غرفة من الهواء، وثلاث غرفات، فألقاها في رداء أبي هريرة، وقال له: ضم رداءك إلى صدرك.
فضمه إلى صدره، فما نسي بعد ذلك شيئاً يسمعه، وهذا كله من هذا المقام..»(315).
عائشة ومصحفها:
3ـ ثم إنه يدعي أيضاً تبعاً لروايات أهل السنة: أن لعائشة مصحفاً خاصاً بها، وأن فيه زيادة ليست في مصاحف المسلمين، وهي أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر..
«وقد أثبتتها عائشة أم المؤمنين في مصحفها بواو التوكيد، وهذا في المسألة من أعظم تأييد»(316).
أما نحن فنعتقد: أنه لو صح أن عائشة قد أضافت في مصحفها كلمة: «وصلاة العصر» فإنها إنما فعلت ذلك على سبيل التفسير، لا على أنه من القرآن المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله..
أو أنها أضافت إلى القرآن ما ليس منه، تحريفاً لكلام الله عن مواضعه..
الطيبات للطيبين نزلت في عائشة:
4ـ وقال: «وقد جعل الطيب تعالى، في هذا الالتحام النكاحي، في براءة عائشة، فقال: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ}(317)، فجعل روائحهم طيبة الخ..»(318).
صورة عائشة في سرقة حرير:
5ـ وقال: «ومقتد برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لما رأى في المنام: أن جبرئيل عليه السلام أتاه بعائشة في سرقة حرير حمراء. وقال له: هذه زوجتك.
فما قصها على أصحابه. قال: إن يكن من عند الله يمضه»..(319).
مالك بن أنس:
6ـ وقال: «ولهذا كان من علم مالك بن أنس، ودينه، وورعه: أنه إذا سئل عن مسألة في دين الله يقول: نزلت. فإن قيل له: نعم، أفتى. وإن قيل له: لم تنزل، لم يفت»(320).
الثناء على الحجاج:
7ـ إنه يثني ويترحم حتى على الحجاج بن يوسف، فيقول:
«ولقد وفق الله الحجاج رحمه الله لرد البيت على ما كان عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، والخلفاء الراشدين، فإن عبد الله بن الزبير غيَّره، وأدخله في البيت، فأبى الله إلا ما هو الأمر عليه، وجهلوا حكمة الله فيه..»(321).
لمعاوية رأي في الفقه:
8 ـ بل هو يستشهد في فقهه بآراء معاوية، ويقول: في بعض موارد الزكاة:
«.. وما خالف في ذلك أحد في الصدر الأول، فيما نقل إلينا إلا ابن عباس ومعاوية، لأنه لم يثبت عندهما حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم»(322).
الفقه الروحاني لابن عمر:
9ـ ويقول: «فانظر إلى فقه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، لما تحقق أن الله تعالى يريد التخفيف عن عبده بوضع شطر الصلاة عنه في السفر، ما رأى أن يتنفل، موافقة لمقصود الحق في ذلك، فهذا تفقه روحاني»(323).
والحقيقة هي أن ابن عمر قد أخذ في هذه المسألة بالفقه الشيعي، الذي خالفه أهل السنة، ولكنه ينسبه إلىابن عمر، ويعتبره تفقهاً روحانياً له..
10ـ كما أنه في مسألة امامة الفاسق قد استدل بائتمام عبدالله بن عمر بالحجاج، فراجع فصل: نبذة من عقائده..
أبو عبيدة أمين هذه الأمة:
11ـ وقال: ومنهم رضي الله عنهم الأمناء، قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: إن لله أمناء، وقال في أبي عبيدة بن الجراح: «إنه أمين هذه الأمة»..(324).
مع أن أبا عبيدة كان من الرؤوس المدبرة والمؤثرة في إبعاد أمير المؤمنين علي عليه السلام عن الخلافة، وكان هو ثالث الرجلين في هذا الأمر بعد عمر، وأبي بكر..
أحمد بن حنبل، من أئمة الدين:
12ـ وهو يعتبر أحمد بن حنبل من أئمة الدين وحفاظ الشريعة، قال: «حكي أن أخت بشر الحافي سألت أحد أئمة الدين ـ هو أحمد بن حنبل ـ في الغزل الذي تغزله..».
إلى أن قال:
«فأفتاها الإمام المسؤول، وهو أحمد بن حنبل، وأثنى عليها بذلك»..(325).
ابن حنبل حافظ الشريعة والبطيخ:
13ـ ويقول: «لم يتسموا بأنبياء ولا برسل، وأخلصوا في اتباع آثارهم، قدماً بقدم، كما روي عن الإمام أحمد بن حنبل المتبع، المقتدي، سيد وقته في تركه أكل البطيخ، لأنه ما ثبت عنده كيف كان يأكله رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فدل ذلك على قوة اتباعه كيفيات أحوال الرسول في حركاته وسكناته، وجميع أفعاله وأحواله.
وإنما عرف هذا منه، لأنه كان في مقام الوراثة في التبليغ والإرشاد، بالقول، والعمل، والحال، لأن ذلك أمكن في نفس السامع..
فهو ـ أي ابن حنبل ـ وأمثاله حفاظ الشريعة على هذه الأمة..»(326).
ونقول:
إن قوله: لأن ذلك أمكن في نفس السامع قد يوحي بأنه إنما يفعل ذلك على سبيل التظاهر به للعوام، لا لأجل قوة الاتباع.
ثم إن ذلك يوحي إلى العوام بأن ابن حنبل كان عارفاً بجميع كيفيات أكل النبي لجميع الفواكه، والخضار، والأغذية، وأن لديه روايات بذلك كله!!..
الزبير، وارث معجزات الرسول:
14ـ قال: «.. ومنهم ـ رضي الله عنهم ـ الحواريون. وهو واحد في كل زمان، لا يكون فيه اثنان. فإذا مات ذلك الواحد، أقيم غيره.
وكان في زمان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ الزبير بن العوام، هو كان صاحب هذا المقام، مع كثرة أنصار الدين بالسيف.
فالحواري (هو) من جمع في نصرة الدين بين السيف والحجة، فأُعْطِى العلم، والعبارة والحجة، وأُعْطِى السيف، والشجاعة والإقدام.
ومقامه التحدي في إقامة الحجة على صحة الدين المشروع، كالمعجزة التي للنبي. فلا يقوم بعد رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ بدليله الذي يقيمه على صدقه فيما ادعاه، إلا حواريه. فهو يرث المعجزة، ولا يقيمها إلا على صدق نبيه ـ صلى الله عليه [وآله] وسلم..»(327).
ونقول:
أين يكون الزبير من الإمام علي عليه السلام، في جهاده وشجاعته، وقوة حجته في نصرة هذا الدين؟!. وأين هي تلك الاحتجاجات التي أثرت عن الزبير؟ هل يستطيع ابن عربي أو غيره، أن يقدم لنا نموذجاً يحسن السكوت عليه منها؟!
بل أي ميزة للزبير على أبي دجانة والمقداد، ليكون الزبير ناصراً للدين بسيفه دونهما، أو مجادلاً بالحق عن أهل الحق، بما جعل له امتيازاً عليهما أو على غيرهما من الصحابة المجاهدين الأخيار..
علماء بمنزلة الأنبياء:
15ـ ومن جملة الشواهد على عدم تشيع ابن عربي، أنه قد ذكر علماء الأمة الذين هم ـ عنده ـ كأنبياء بني إسرائيل، فقال: «كعلماء الصحابة، ومن نزل عنهم من التابعين، وأتباع التابعين..
كالثوري..
وابن عيينة..
وابن سيرين..
والحسن..
ومالك..
وابن أبي رباح..
وأبي حنيفة..
ومن نزل عنهم..
كالشافعي..
وابن حنبل..
ومن جرى مجرى هؤلاء إلى هلم جراً في حفظ الأحكام..
وطائفة أخرى من علماء هذه الأمة، يحفظون عليها أحوال الرسول، وأسرار علومه..
كعلي..
وابن عباس..
وسلمان..
وأبي هريرة..
وحذيفة..
ومن التابعين..
كالحسن البصري..
ومالك بن دينار..
وبنان الحمال..
وأيوب السختياني..
ومن نزل عنهم..
كشيبان الراعي..
وفرح الأسود المعمر..
والفضيل بن عياض..
وذي النون البصري.. (أو المصري)..
ومن نزل عنهم..
كالجنيد..
والتستري..
ومن جرى مجرى هؤلاء السادة في حفظ الحال النبوي، والعلم المدني..»(328).
ولا نحتاج بعد هذا إلى أي تعليق أو إيضاح..
16ـ وقد تقدم أنه يقول عن الشافعي: «إنه كان من الأربعة الأوتاد، وكأن قيامه بعلم الشرع حجبه عن أهل زمانه ومن بعده.
روينا عن بعض الصالحين: أنه لقي الخضر، فقال له: ما تقول في الشافعي؟
فقال: هو من الأوتاد.
فقال: فما تقول في أحمد بن حنبل؟
قال: رجل صديق.
قال: فما تقول في بشر الحافي؟
قال: ما ترك بعده مثله.
فهذه شهادة الخضر في الشافعي رحمه الله..»(329).