ومنها شرح أخيه السيد عميد الدين. وقد جمعهما شيخنا الشهيد في كتاب سماه: جامع البين، الجامع بين شرحي الأخوين.
5 - نهاية الوصول في علم الأصول: وهو كتاب كبير في أصول الفقه يشتمل على أربعة أجزاء.. قال صاحب الذريعة: ثم اختصره وسماه:
تهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول. وهذا الكتاب بالرغم من كثرة مخطوطاته الموجودة لم نعثر على نسخة مطبوعة له.
6 - نهج الوصول إلى علم الأصول: ذكره في الخلاصة.
مؤلفاته في الحكمة والفلسفة
1 - القواعد والمقاصد في المنطق، والطبيعي، والإلهي: ذكره في الخلاصة.
2 - الأسرار الخفية في العلوم العقلية: قال صاحب الذريعة: رأيت منه نسخة بخط مؤلفه في الخزانة الغروية... وهناك نسخ أخرى موجودة في إيران والعراق.
3 - كاشف الأستار في شرح كشف الأسرار. لأستاذه - دبيران -:
ذكره في الخلاصة.
4 - المقاومات: قال في الخلاصة: باحثنا فيه الحكماء السابقين يتم بتمام العمر.
وقد يسمى بالمقامات الحكمية - وفي الذريعة: إنه من تصانيفه الكبيرة في مجلدات كثيرة.
5 - حل المشكلات من كتاب التلويحات. للفيلسوف الأعظم الشيخ شهاب الدين السهروردي المقتول في حلب سنة 587 هـ. ذكره في الخلاصة.
6 - شرح حكمة الاشراق. للفيلسوف الإشراقي المقتول في حلب.
7 - إيضاح التلبيس من كلام الرئيس (وهو ابن سينا): قال في الخلاصة: باحثنا فيه مع الشيخ أبي علي بن سينا.
8 - إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد. للشيخ دبيران القزويني.
توجد نسخة منه في مكتبة جامعة طهران.
9 - كشف الخفاء من كتاب الشفاء للشيخ ابن سينا: ذكره في الخلاصة. ولعله شرح أو تعليق على كتاب الشفاء، وأنه في مجلدين كما في إجازته للمهنا.
10 - مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق: قسمة المنطق منه موجودة في مكتبة جامعة طهران. وقسمة العلم الإلهي موجودة مخطوطة في بعض مكاتب طهران.
11 - المحاكمات بين شراح الإشارات. في ثلاث مجلدات: ذكره في الخلاصة وفي الإجازة المهنائية.
13 - الإشارات إلى معنى الإشارات. للشيخ ابن سينا: وهو أحد شروحه الثلاثة للإشارات والتنبيهات كما في الذريعة.
13 - إيضاح المعضلات من شرح الإشارات لأستاذه الفيلسوف الطوسي.
14 - بسط الإشارات: وهو من شروحه لكتاب الإشارات للشيخ الرئيس.. كانت نسخة موجودة منه بخط المؤلف عند شيخنا البهائي.
15 - تجريد الأبحاث في معرفة العلوم الثلاث، المنطق والطبيعي والإلهي. كما في بعض نسخ الخلاصة، والمحكي عن بعضها أنه تحرير الأبحاث.
مؤلفاته في المنطق
1 - الدر المكنون في علم القانون: ذكره في الخلاصة.
2 - القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية، لأستاذه الشيخ دبيران القزويني شرحها بنحو قال، وأقول. ونسخة منه موجودة بخطه في المكتبة الرضوية.
3 - الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد لأستاذه الخواجة نصير الدين الطوسي: مطبوع في إيران بالطبع الحجري وعليه تعليق من الحكيم الميرزا طاهر التنكابني. وقد قرأه علي أخي موسى الصدر المسجون حاليا في ليبيا من غير جرم ولا ذنب، أنقذه الله تعالى وفرج عنه.
4 - نهج العرفان في علم الميزان: ذكره في الخلاصة.
5 - آداب البحث: قال صاحب الذريعة: توجد منه نسخة في خزانة المولى محمد علي الخوانساري في النجف.
6 - رسالة في آداب البحث والمناظرة: ولعله هو آداب البحث السابق.
7 - النور المشرق في المنطق.
مؤلفاته في النحو والعربية
1 - كشف المكنون من كتاب القانون: قال في الخلاصة: وهو اختصار شرح الجزولية في النحو.
2 - بسيط الكافية، للشيخ ابن الحاجب: ذكره في الخلاصة.
3 - المقاصد الوافية بفوائد القانون والكافية: قال في الخلاصة جمعنا فيه بين الجزولية والكافية في النحو مع تمثيل ما يحتاج إلى المثال.
4 - المطالب العلية في علم العربية: ذكره في الخلاصة.
مؤلفاته في علم الرجال
1 - خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال: طبع مرارا، ونظمه بعض، والمنظوم مطبوع أيضا..
2 - كشف المقال في معرفة الرجال: ذكره في مقدمة الخلاصة، وقال: ذكرنا فيه كل ما نقل عن الرواة والمصنفين مما وصل إلينا من المتقدمين، وذكرنا أحوال المتأخرين والمعاصرين. فمن أراد الاستقصاء فعليه به، فإنه كاف قي بابه.. ومع الأسف لم يعثر عليه أحد ممن له إلمام في هذا الفن.
3 - إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة. مع ضبط الحركات: طبع مرارا - وأتمه بإلحاق ما فات من الشيخ علم الهدى ابن الفيض الكاشاني وسماه نضد الايضاح. طبع في كلكته بالهند منضما إلى فهرست الشيخ.
ورتبه جد صاحب روضات الجنات وسماه - تتميم الافصاح - وله قدس الله سره مختصر شرح نهج البلاغة، كما ذكره في الخلاصة.
واستظهر بعض أنه مختصر الشرح الكبير لأستاذه ابن ميثم البحراني سنة 679 هـ. فهو في مختلف العلوم الإسلامية وغيرها.
ما خرج من قلمه في الإجازات
1 - الإجازة الكبيرة لبني زهرة وهم خمسة، كما ذكرها في أمل الآمل، وهي موجودة ومطبوعة.
2 - الإجازة الكبيرة للسيد نجم الدين مهنا بن سنان بن عبد الوهاب الحسيني المدني: ذكر فيها فهرس تصانيفه ومؤلفاته. وهي موجودة مطبوعة في كتاب البحار مجلد الإجازات.
3 - إجازة ثانية للسيد مهنا. متوسطة: كتبها له بالحلة في ذي الحجة سنة 709 هـ. مطبوعة في مجلد إجازات كتاب البحار.
تلامذته:
قيل إنه خرج من عالي مجلس تدريسه خمسمئة مجتهد.
نشاطاته الدينية والعلمية
توفي المفكر العظيم الملك غازان المغولي في سنة 703 هجرية. في تبريز عاصمة إيران وخلفه أخوه - أولجايتو - الذي لقب ب - خدابنده - عبد النبي. فكان على الملك المغولي إلى أن أدركه الأجل في سنة 716 هـ.
أتم أولجايتو بناء مدينة السلطانية وجعلها عاصمة ملكه.
وكانت أم أولجايتو من عشيرة مسيحية تسمى - كرائيت - وربت ولده تربية مسيحية وعمدته بماء المعمودية فكان أولجايتو مسيحيا إلى أن توفيت أمه.
تزوج أولجايتو بزوجة مسلمة فدعته زوجته إلى الإسلام وشوقته إلى ذلك ودعمت دعوتها توجيهات من العلماء الحنفية إذ كانت لهم اليد العليا في العاصمة، فترك أولجايتو، المسيحية واعتنق الإسلام وسمي بمحمد.
واختار المذهب الحنفي وصار من أنصاره دون أن يكون متعصبا له.
واغتنم علماء الحنفية الفرصة وبدأوا بإظهار التعصب للمذهب الحنفي وانتهى الأمر إلى إيذاء أتباع المذاهب الثلاثة الأخرى والسعي لترك مذهبهم، والدخول في الحنفية.
وكان الشيخ المحنك وزيره الشافعي الخواجة رشيد الدين فضل الله ينظر إلى ذلك عن كثب فشوق الشاه إلى إصدار منشور لنصب الخواجة نظام الدين عبد الملك المراغي الشافعي قاضي القضاة لجميع البلاد المغولية الإيرانية وجعل
ولما استلم منصب القضاء الرفيع بدأ بنقض المذاهب الثلاثة التي لم يتمذهب بها وعلى رأسها المذهب الحنفي.
وافتتح باب المناظرات والمجادلات الدينية بين أرباب المذاهب الإسلامية وعلمائها وراجت سلعة المخاصمات والنزاع. حتى وصل الأمر إلى المشاتمة بين علماء المذهبين الشافعي والحنفي!.
وفي سنة 707 هـ. جاء ابن صدر جهان الحنفي من مدينة - بخارى - إلى العاصمة. وكان يتعصب شديدا للحنفية. فاشتد الجدال والخصام بينه وبين القاضي وآل الأمر إلى الفضيحة حيث لم يقصر كل واحد من علماء الطائفتين عن ذكر قبائح المذهب الآخر وسخائف ما فيه من الأصول والفروع حتى وصل الأمر إلى الإهانة بالإسلام!!.
وأدى الأمر إلى ملال أمراء المغول وندامتهم من ترك مذهبهم واعتناقهم للإسلام.. وغضب الشاه خدابنده على المناظرين حتى قام من مجلس المناظرة وخرج... ثم خاطب الأمير المغولي - قتلفشاه - أمراء المغول قائلا:
قد صدرت منا خبطة عشواء حيث تركنا ملة آبائنا ورفضنا - إلياسا الجنكيزي - ودخلنا في دين العرب. وهو دين يختلف فيه المتدينون به اختلافا شديدا كما ترون، فالأولى أن نرجع إلى ملة آبائنا ونعمل ب: ياسار:
وانتشر الخبر في الجيش المغولي فنفروا من الإسلام وكانت النفرة تزداد بينهم يوما فيوما فكان إذا رأى أحدهم رجلا من أصحاب العمائم يستهزئ به ويطعن عليه!.
ولم يكتفوا بذلك حتى تركوا عقد الزواج على طريق الإسلام.
وبقي الشاه أولجايتو متفكرا حائرا في أمر دينه ثلاث سنين ولم يختر مذهبا بعد رفض الحنفية، ولكنه لم يترك الإسلام ولم يرتد على أعقابه بالرغم
فاقترح عليه أحد أمرائه المسمى - طي مطاز - اختيار مذهب الشيعة قائلا له:
إن الملك غازان، كان أعقل أهل زمانه وأكملهم، وقد اختار مذهب الشيعة، والمناسب أن يكون خليفته على طريقته...
فلم يعجب الشاه كلامه وصاح به، مجيبا:
يا شقي، أتريد أن تجعلني رافضيا؟!. لن يكون ذلك...
ولكن الأمير بدأ يحدثه بهدوء ولين، مبينا له مذهب الشيعة وأنه مذهب أهل البيت الذين هم أدرى بالبيت، ببيان أوفى وكلام متين.
وحاول أن يزيل من قلب الشاه ما قرع سمعه من الدعايات الفاسدة والإشاعات الكاذبة ضد هذا المذهب. ولكن أولجايتو لم يقنع بحديثه.
وكان قرع سمع الشاه اسم شيخنا المترجم وأنه أفضل علماء عصره بالحلة وكبيرهم، جامع المعقول والمنقول، وأنه قد حاز السبق في الفروع والأصول. فطلب منه أن يؤلف كتابا في أصول العقائد الإسلامية مع ذكر البراهين العقلية والنقلية. فأجاب الشيخ طلبه ولبى دعوته (لقد أعطى القوس باريها).
وألف الشيخ كتاب، نهج الحق وكشف الصدق. وهو هذا الكتاب.
وعندما اشتهرت حيرة الشاه في اختياره للمذهب قصده علماء الإسلام من أطراف البلاد طامعين بدعوته إلى مذهبهم وكان منهم علماء الشيعة، إذ كان على مقدمتهم المصنف. فقد قصده بعد الفراغ من تأليف الكتاب ومعه ابنه العلامة فخر الدين. وحينما وصل الوالد والولد العلامتان إلى السلطانية قدم الأب إلى الشاه كتابين خرجا من قلمه:
- أحدهما هذا الكتاب الذي ألف بطلب منه.
واحتفل الشاه بقدوم الأب والابن وأكرمهما.
وافتتح باب المناظرات والمباحثات بين العلامة وبين قاضي القضاة - الخواجة نظام الدين المراغي، في التشيع والتسنن بأحسن وجه وأحدث طرز. ولم يخرج العلمان الكبيران عن حد الأدب المجلسي والكلام العلمي.
كما لم يصل البحث بينهما إلى شتم أو فحش أو هتك عرض أو إساءة إلى مذهب أبدا. وكانت المناظرات تدور مرة بحضور الشاه، ومرة يطلع على تفاصيلها بالواسطة. ثم طار صيتها وكان لها صدى في البلاد، سيما بين أمراء المغول والجيش.
فاستقبل السلطان محمد خدابنده مذهب التشيع وصار من أنصاره من دون أن يضغط على المذاهب الأخرى، لأنه كان رجلا حكيما، يرشده العلامة وهو حكيم.
وقد جعل الشاه أصحاب المذاهب الإسلامية أحرارا في إقامة السنن والنسك على طريقتهم والدعوة لها.
ولكن علماء السنة لم يرضوا بذلك بل قصدوا إرجاع الشاه عن التشيع إلى التسنن وبذلوا في ذلك غاية سعيهم ولكنهم لم يتوفقوا، إذ وضح الحق للشاه. كفلق الصباح.
ثم تبع الشاه خدابنده في اختياره لمذهب التشيع جميع أمراء المغول دون أن يكونوا مكرهين من قبل الشاه، ولذا بقي أميران منهم على مذهب التسنن وهما: جويان وإيسن قتلغ.
وقد بنى الشاه مدرسة دينية في مدينة سلطانية لتعليم العلوم الإسلامية في جنب القبة العظيمة المشتهرة بالقبة السلطانية التي هي باقية حتى الآن.
وأسس مدرسة سيارة ترحل معه في أسفاره ورحلاته. وطلب من
وكانت هذه المدرسة تتألف من أربعة أواوين، وعدة غرف وعدد من القاعات. كلها مكونة من الخيام الكرباسية. فكانت مضارب يأوي إليها الطلبة والمدرسون. وكان يقرب عدد الطلاب والمشتغلين فيها من مئة طالب.
ومن المدرسين الذين ساهموا العلامة في التدريس فيها العضد الإيجي وبدر الدين الشوشتري والفقيه الحكيم قطب الدين اليمني التستري. وكلهم من علماء السنة. فكانت الديمقراطية الدينية حاكمة فيها فأصبحت أنموذجا عمليا للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
ويظهر من جميع ذلك (حضوره عند أساتذة إيرانيين، ومناظراته مع علماء فارسيين، وتدريسه لطلاب يجهلون اللغة العربية) أن شيخنا المترجم كان عارفا باللغة الفارسية وإن لم أجد من ذكر ذلك في ترجمته.
هذا الكتاب
هذا الكتاب (نهج الحق وكشف الصدق) وضعه المؤلف خشية لله، ورجاء ثوابه، وطلبا للخلاص من أليم عقابه بكتمان الحق وإرشاد الخلق وإجابة لطلب أولجايتو، الملك الباحث عن الحق، كما صرح بذلك المصنف في مقدمة الكتاب.
وينبئ هذا الكلام عن خطوات مؤلفه في الكتاب فقد كانت خطوات الباحثين الفاحصين عن الحق، غير المتعصبين للرأي، ولا المنحازين إلى عقيدة ابتداء.
ولم يطبق البرهان على ما ارتآه، ولم يفحص عن الدليل لعقيدته، بل جعل رأيه وعقيدته تابعين للبرهان وخاضعين للدليل.. فمشى مع الدليل أينما حداه، خشية لله ورجاء ثوابه، وخوفا من أليم عذابه.
وهو يتناول نبذة من مسائل علم الفقه، مما اختلفت فيها آراء فقهاء الإسلام، ويحتوي علوما ثلاثة إليك أبوابها وهي في ثمان مسائل:
1 - في الادراك.
2 - في النظر.
3 - في صفاته تعالى.
4 - في النبوة.
5 - في الإمامة.
6 - في المعاد.
7 - في أصول الفقه.
8 - في ما يتعلق بالفقه.
وقد قام بعده فضل بن روزبهان الأصفهاني بنقض هذا الكتاب وسماه إبطال الباطل وإهمال كشف العاطل.
ثم قام بعده الشهيد القاضي سيد نور الله الشوشتري بنقض كتاب ابن روزبهان بكتابه - إحقاق الحق -.
ولما اطلع عليه العامة استعملوا السياط بدل القلم في جوابه حتى قتلوه في سنة 1019 هـ. ببلدة - آكره - من بلاد الهند في عهد جهانكير شاه التيموري!.
إيران - قم - رضا الصدر
15 شعبان سنة 1400 هجرية
الحمد لله الذي غرقت في معرفته أفكار العلماء، وتحيرت في إدراك ذاته أنظار الفهماء، والكملاء، والأدباء العقلاء، وحسرت عن معرفة كماله عقول الأولياء، وقصرت عن وصف هويته ألسنة الفضلاء، وعجزت عن تحقيق ماهيته أذهان الأولياء، فلم يحصل لأحد منهم غير الصفات والأسماء. لا يشبهه شئ في الأرض ولا في السماء، رافع درجات العلماء إلى ذروة العلى وجاعلهم ورثة الأنبياء، ومفضل مدادهم على دماء الشهداء.
أحمده حمدا يتجاوز عن العد والإحصاء، ويرتفع عن التناهي والانقضاء، وصلى الله على سيد الأنبياء محمد المصطفى، وعلى عترته البررة الأصفياء، الأئمة الأتقياء، صلاة تملأ أقطار الأرض والسماء.
أما بعد: فإن الله تعالى، حيث حرم في كتابه العزيز كتمان وآياته، وحظر إخفاء براهينه ودلالاته، فقال تعالى: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى، من بعد ما بيناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله، ويلعنهم اللاعنون " (1)، وقال تعالى: " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، ويشترون به ثمنا قليلا، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة، فما أصبرهم على النار " (2)!.
____________
(1): البقرة: 159 و 174 و 175.
(2): البقرة: 159 و 174 و 175.
فحينئذ وجب على كل مجتهد وعارف إظهار ما أوجب الله إظهاره من الدين، وكشف الحق، وإرشاد الضالين، لئلا يدخل تحت الملعونين على لسان رب العالمين، وجميع الخلائق أجمعين، بمقتضى الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله " (3).
ولما كان أبناء هذا الزمان، ممن استغواهم الشيطان إلا الشاذ القليل، الفائز بالتحصيل، حتى أنكروا كثيرا من الضروريات، وأخطأوا في معظم المحسوسات، وجب بيان خطائهم، لئلا يقتدي غيرهم بهم، فتعم البلية جميع الخلق، ويتركون نهج الصدق.
وقد وضعنا هذا الكتاب الموسوم ب: " نهج الحق وكشف الصدق " طالبين فيه الاختصار، وترك الاكثار، بل اقتصرنا فيه على مسائل ظاهرة معدودة، ومطالب واضحة محدودة، وأوضحت فيه لطائفة المقلدين، من طوائف المخالفين، إنكار رؤسائهم ومقلديهم، القضايا البديهية، والمكابرة في المشاهدات الحسية، ودخولهم تحت فرق السوفسطائية، وارتكاب الأحكام التي لا يرتضيها لنفسه ذو عقل وروية، لعلمي بأن
____________
(1) رواه ابن ماجة في سننه - ج 1 ص 96 بأسانيد متعددة، وبألفاظ متفاوتة، ومسند أحمد - ج 2 ص 296، ومصابيح السنة للبغوي - ج 1 ص 16، وغيرها من مصادر أهل السنة.
ومن جملة رواته في مصادر الشيعة الشيخ الصدوق في كتابه " الأمالي "، والعلامة المجلسي في البحار - ج 2 ص 68.
(2) وفي نسخة: على عمله.
(3) رواه في الكافي - ج 1 ص 54، وفي معناه روايات في منتخب كنز العمال - ج 4 ص 49، المطبوع في هامش المسند.
وإنما وضعنا هذا الكتاب خشية (2) لله، ورجاء لثوابه، وطلبا للخلاص من أليم عقابه، بكتمان الحق، وترك إرشاد الخلق، وامتثلت فيه مرسوم سلطان وجه الأرض، الباقية دولته إلى يوم النشر والعرض، سلطان السلاطين، وخاقان الخواقين، مالك رقاب العباد وحاكمهم، وحافظ أهل البلاد وراحمهم، المظفر على جميع الأعداء، المنصور من إله السماء، المؤيد بالنفس القدسية، والرياسة الملكية، الواصل بفكره العالي إلى أسنى مراتب العلى، البالغ بحدسه الصائب إلى معرفة الشهب الثواقب، غياث الملة والحق والدين،: " أولجايتو خدابنده محمد " خلد الله ملكه إلى يوم الدين، وقرن دولته بالبقاء والنصر والتمكين، وجعلت ثواب هذا الكتاب واصلا إليه، أعاد الله تعالى بركاته عليه، بمحمد وآله الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين. وقد اشتمل هذا الكتاب على مسائل:
____________
(1) البقرة: 166.
(2) وفي نسخة: حسبة.
المسألة الأولى
المحسوسات أصل الاعتقادات
المسألة الأولى: في الادراك
وفيه مباحث:
البحث الأول: كما كان الادراك أعرف الأشياء وأظهرها على ما يأتي، وبه تعرف الأشياء، وحصل فيه من مقالاتهم أشياء عجيبة غريبة، وجب البدأة به، فلهذا قدمناه.
إعلم: أن الله تعالى خلق النفس الإنسانية في مبدأ الفطرة خالية عن جميع العلوم بالضرورة، قابلة لها بالضرورة، (1) وذلك مشاهد في حال الأطفال. ثم إن الله تعالى خلق للنفس آلات بها يحصل الادراك، وهي القوى الحساسة، فيحس الطفل في أول ولادته بحس لمس ما يدركه من الملموسات، ويميز بواسطة الادراك البصري، على سبيل التدريج بين أبويه وغيرهما، وكذا يتدرج في الطعوم، وباقي المحسوسات إلى إدراك ما يتعلق بتلك الآلات. ثم يزداد تفطنه فيدرك بواسطة إحساسه بالأمور الجزئية، الأمور الكلية من المشاركة، والمباينة، ويعقل الأمور الكلية الضرورية بواسطة إدراك المحسوسات الجزئية، ثم إذا استكمل الاستدلال،
____________
(1) في نسخة: قابلة له، وذلك.
وجماعة الأشاعرة الذين هم اليوم كل الجمهور من الحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنابلة، إلا اليسير من فقهاء ما وراء النهر، أنكروا قضايا محسوسة على ما يأتي بيانه، فلزمهم إنكار المعقولات الكلية، التي هي فرع المحسوسات، ويلزمهم إنكار الكسبيات وذلك هو عين السفسطة.
شرائط الرؤية
البحث الثاني: في شرائط الرؤية(1) أطبق العقلاء بأسرهم عدا الأشاعرة، على أن الرؤية مشروطة بأمور ثمانية:
الأول: سلامة الحاسة.
الثاني: المقابلة أو حكمها، في الأعراض، والصور في المرايا فلا تبصر شيئا لا يكون مقابلا، ولا في حكم المقابل.
الثالث: عدم القرب المفرط، فإن الجسم لو التسق بالعين، لم يمكن رؤيته.
الرابع: عدم البعد المفرط، فإن البعد إذا أفرط، لم يمكن الرؤية.
الخامس: عدم الحجاب فإنه مع وجود الحجاب بين الرائي والمرئي، لا يمكن الرؤية.
السادس: عدم الشفافية، فإن الجسم الشفاف، الذي لا لون له، كالهواء. لا يمكن رؤيته.
____________
(1) وفي نسخة الادراك.
الثامن: وقوع الضوء عليه، فإن الجسم الملون لا يشاهد في الظلمة..
وحكموا بذلك حكما ضروريا، لا يرتابون فيه.
وخالف الأشاعرة (1) في ذلك جميع العقلاء، من المتكلمين والفلاسفة، ولم يجعلوا للرؤية شرطا من هذه الشرائط، وهو مكابرة محضة، لا يشك فيها عاقل.
في وجوب الرؤية عند حصول شروطها
البحث الثالث: في وجوب الرؤية عند حصول هذه الشرائط، أجمع العقلاء كافة، عدا الأشاعرة على ذلك، للضرورة القاضية به، فإن عاقلا من العقلاء لا يشك في حصول الرؤية عند استجماع شرائطها.
وخالفت الأشاعرة (2)، جميع العقلاء في ذلك، وارتكبوا السفسطة فيه، وجوزوا أن يكون بين أيدينا وبحضرتنا جبال شاهقة من الأرض إلى عنان السماء، محيطة بنا من جميع الجوانب، ملاسقة لنا، تملأ الأرض شرقا وغربا بألوان مشرقة، مضيئة ظاهرة غاية الظهور، وتقع عليها الشمس وقت الظهيرة ولا نشاهدها، ولا نبصرها، ولا شيئا منها البتة.
وكذا يكون بحضرتنا أصوات هائلة، تملأ أقطار الأرض بحيث يدعج
(يتزعزع ظ) منها، كل أحد يسمعها أشد ما يكون من الأصوات، وحواسنا سليمة، ولا حجاب بيننا، ولا بعد البتة، بل هي في غاية القرب منا، ولا نسمعها، ولا نحس بها أصلا، وكذا إذا لمس أحد بباطن كفه حديدة محمية بالنار حتى تبيض، ولا يحس بحرارتها، بل يرمى في تنور أذيب فيه الرصاص أو الزيت، وهو لا يشاهد التنور، ولا الرصاص
____________
(1): شرح العقائد للتفتازاني وحاشية الكستلي - ص 32، وشرح التجريد للقوشجي ص 238، والتفسير الكبير - ج 13 ص 129.
(2): شرح العقائد للتفتازاني وحاشية الكستلي - ص 32، وشرح التجريد للقوشجي ص 238، والتفسير الكبير - ج 13 ص 129.
ولا شك أن هذا هو عين السفسطة، والضرورة تقتضي فساده، ومن شك في هذا فقد أنكر أظهر المحسوسات عندنا.
في امتناع الادراك مع فقد الشرائط
البحث الرابع: في امتناع الادراك عند فقد الشرائط.
والأشاعرة خالفوا جميع العقلاء في ذلك، وجوزوا الادراك مع فقد جميع الشرائط، فجوزوا في الأعمى إذا كان في المشرق أن يشاهد ويبصر النملة السوداء الصغيرة على الصخرة السوداء في طرف المغرب في الليل المظلم، وبينهما ما بين المشرق والمغرب من البعد، وبينهما حجب جميع الجبال والحيطان.
ويسمع الأطرش وهو في طرف المشرق أخفى صوت، يسمع وهو في طرف المغرب (2) وكفى من اعتقد ذلك نقصا، ومكابرة للضرورة، ودخولا في السفسطة هذا اعتقادهم وكيف من يجوز لعاقل أن يقلد من كان هذا اعتقاده.
وما أعجب حالهم يمنعون من مشاهدة أعظم الأجسام قدرا، وأشدها لونا وإشراقا، وأقربها إلينا مع ارتفاع الموانع، وحصول الشرائط، ومن سماع الأصوات الهائلة القريبة، ويجوزون مشاهدة الأعمى لأصغر الأجسام وأخفاها في الظلمة الشديدة، وبينهما غاية البعد، وكذا في السماع، فهل بلغ أحد من السوفسطائية في إنكارهم المحسوسات إلى هذه الغاية، ووصل إلى هذه النهاية؟.
____________
(1) وقد اعترف الفضل في المقام بذلك لكنه حاول التوجيه والتأويل، ولا بأس بمراجعة:
شرح العقائد - ص 32، وكتاب " المحصل "، و " الأربعين "، والإمام فخر الدين الرازي.
(2) شرح التجريد للقوشجي - ص 239.
فلينظر العاقل المنصف المقلد لهم: هل يجوز له أن يقلد مثل هؤلاء القوم، ويجعلهم واسطة بينه وبين الله تعالى، ويكون معذورا برجوعه إليهم، وقبوله منهم أم لا؟ فإن جوز ذلك لنفسه، بعد تعقل ذلك وتحصيله، فقد خلص المقلد من إثمه، وباء (1) هو بالإثم، نعوذ بالله من زوال الأقدام!.
وقال بعض الفضلاء ونعم ما قال: كل عاقل جرب الأمور، فإنه لا يشك في إدراك السليم حرارة النار إذا بقي فيها مدة مديدة حتى تنفصل أعضاؤه، ومحال أن يكون أهل بغداد على كثرتهم، وصحة حواسهم، يجوز عليهم جيش عظيم، ويقتلون، وتضرب فيهم البوقات الكثيرة، ويرتفع الريح، وتشتد الأصوات، ولا يشاهد ذلك أحد منهم، ولا يسمعه! ومحال أن يرفع أهل الأرض بأجمعهم أبصارهم إلى السماء، ولا يشاهدونها!. ومحال أن يكون في السماء ألف شمس كل واحدة منها ألف ضعف من هذه الشمس ولا يشاهدونها!. ومحال أن يكون لانسان واحد مشاهد أن عليه رأسا واحدا، ألف رأس لا يشاهدونها، وكل واحد منها مثل الرأس الذي يشاهدونه. ومحال أن يخبر أحد بأعلى صوته ألف مرة، بمحضر ألف نفس، كل واحد منهم يسمع جميع ما يقوله بأن زيدا ما قام، ويكون قد أخبر بالنفي، ولم يسمع الحاضرون حرف النفي.
مع تكرره ألف مرة، وسماع كل واحد منهم جميع ما قاله، بل علمنا بهذه الأشياء أقوى بكثير من علمنا بأنا حال خروجنا من منازلنا، لا تنقلب
____________
(1) وفي النهاية لابن الأثير - ج 1: أبوء بنعمك، أي ألزم، وأرجع، وأقر، وأصل البواء:
اللزوم.
وقد نسب السوفسطائية إلى الغلط، وكذبوا كل التكذيب في هذه القضايا الجايزة، فكيف بالقضايا التي جوزها الأشاعرة التي تقتضي زوال الثقة عن المشاهدات.
ومن أعجب الأشياء جواب رئيسهم، وأفضل متأخريهم " فخر الدين الرازي " في هذا الموضع حيث قال: (يجوز أن يخلق الله تعالى في الحديدة المحماة بالنار برودة عند خروجها من النار، فلهذا لا تحس، واللون الذي فيها، والضوء المشاهد منها يجوز أن يخلقه الله تعالى في الجسم البارد) (2).
وغفل عن أن هذا ليس بموضع النزاع لأن المتنازع فيه: أن الجسم الذي هو في غاية الحرارة، يلمسه الإنسان الصحيح البنية، السليم الحواس حال شدة حرارته، ولا يحس بتلك الحرارة، فإن أصحابه يجوزون ذلك، فكيف يكون ما ذكره جوابا؟!.
الوجود ليس علة تامة في الرؤية
البحث الخامس: في أن الوجود ليس علة تامة في الرؤية.
خالفت الأشاعرة، كافة العقلاء ها هنا، وحكموا بنقيض المعلوم
____________
(1) تجد في كتاب الفصل لابن حزم - ج 5 ص 14 وجه ما ذهب إليه الأشاعرة في أشباه هذه المسألة.
(2) واستند إلى ذلك الفضل بن روزبهان في المقام، مع ما فيه من الخروج عن حريم النزاع.