وفي غزاة (أحد) انهزم المسلمون عن النبي صلى الله عليه وآله، ورمي رسول الله صلى الله عليه وآله،، وضربه المشركون بالسيوف والرماح، وعلي يدافع عنه، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وآله بعد إفاقته من غشيته، وقال: ما فعل المسلمون؟
فقال: نقضوا العهد، وولوا الدبر، فقال: اكفني هؤلاء، فكشفهم عنه، وصاح صائح بالمدينة: قتل رسول صلى الله عليه وآله، فانخلعت القلوب، ونزل جبرائيل قائلا: " لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي "، وقال للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله، لقد عجبت الملائكة من حسن مواساة علي لك بنفسه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما يمنعه من ذلك، وهو مني وأنا منه؟ ورجع بعض الناس لثبات علي (ع)، ورجع عثمان بعد ثلاثة أيام، فقال النبي صلى الله عليه وآله: لقد ذهبت بها عريضا (2).
وفي غزاة (الخندق) أحدق المشركون بالمدينة، كما قال الله تعالى:
" إذ جاؤوكم من فوقكم، ومن أسفل منكم " (3)، ونادى المشركون بالبراز، فلم يخرج سوى علي، وفيه قتل أمير المؤمنين (ع) عمرو بن عبد ود.
قال ربيعة السعدي: أتيت حذيفة بن اليمان، فقلت: يا أبا عبد الله، إنا لنتحدث عن علي ومناقبه، فيقول أهل البصرة: إنكم لتفرطون في
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 8، وقال: إذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي، وتاريخ الأشراف ليحيى بن جابر البلاذري، وغيرها علمت صحة ذلك.
وليراجع أيضا: نور الأبصار ص 86
(2) تاريخ الطبري ج 2 ص 197، وشرح نهج البلاغة ج 3 ص 380 و 397، وينابيع المودة ص 64، وابن المغازلي في المناقب.
(3) الأحزاب: 10.
يا لكع، وكيف لا يحمل، وأين كان أبو بكر، وعمر، وحذيفة، وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يوم عمرو بن عبد ود، وقد دعا إلى المبارزة، فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا، فإنه نزل إليه فقتله، والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة (1).
وفي يوم الأحزاب تولى أمير المؤمنين قتل الجماعة (2).
وفي غزاة " بني المصطلق " قتل أمير المؤمنين مالكا وابنه، وسبى جويرية بنت الحارث، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وآله (3).
وفي غزاة " خيبر " كان الفتح فيها لأمير المؤمنين عليه السلام، قتل مرحبا، وانهزم الجيش بقتله، أغلقوا باب الحصن، فعالجه أمير المؤمنين عليه السلام، ورمى به، وجعله جسرا على الخندق للمسلمين، وظفروا بالحصن، وأخذوا الغنائم، وكان يقله سبعون رجلا، وقال عليه السلام:
" والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية، بل بقوة ربانية " (4).
وفي غزاة " الفتح " قتل أمير المؤمنين عليه السلام الحويرث بن نقيذ بن
____________
(1) شرح نهج البلاغة ج 4 ص 344، ينابيع المودة ص 95 و 137، المواقف لعضد الدين الإيجي ص 617 (إسلامبول).
(2) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 41، وتاريخ الخميس ج 1 ص 487
(3) السيرة الحلبية ج 2 ص 280، وتاريخ الخميس ج 1 ص 474، ورواه الشيخ المفيد في الارشاد، كما في بحار الأنوار ج 20 ص 289.
(4) السيرة الحلبية ج 3 ص 37، وفي هامشها سيرة زيني دحلان ج 2 ص 201، ومسند أحمد ج 6 ص 8، وشرح نهج البلاغة ج 1 ص 4.
وفي غزاة " حنين " حين استظهر النبي صلى الله عليه وآله بالكثرة، فخرج بعشرة آلاف من المسلمين، فعاينهم أبو بكر، وقال: لن نغلب اليوم من قلة، فانهزموا بأجمعهم، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله سوى تسعة من بني هاشم، فأنزل الله تعالى: " ثم وليتم مدبرين، ثم أنزل سكينة على رسوله، وعلي المؤمنين " (2)، يريد عليا، ومن ثبت معه، وكان يضرب بالسيف بين يديه، والعباس عن يمينه، والفضل عن يساره، وأبو سفيان بن الحارث يمسك سرجه، ونوفل وربيعة ابنا الحارث، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وعتبة، ومعتب ابنا أبي لهب، من وراء ظهره عليه السلام، فقتل أمير المؤمنين (ع) رئيس القوم، وجمعا كثيرا، فانهزم المشركون، وحصل الأسر (3).
وابتلى بجميع الغزوات، وقتال " الناكثين "، و " القاسطين "، و " المارقين " (4).
وروى أبو بكر الأنباري في أماليه: أن عليا (ع) جلس إلى عمر في المسجد، وعنده ناس، فلما قام عرض واحد بذكره، ونسبه إلى التيه، والعجب، فقال عمر: " حق لمثله أن يتيه، والله، لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو بعد أقضى الأمة، وذو سبقها، وذو شرفها "،
____________
(1) تاريخ الكامل ج 2 ص 169، وتاريخ الخميس ج 2 ص 92
(2) التوبة: 25
(3) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 25، والسيرة الحلبية ج 3 ص 109، وتفسير الخازن ج 2 ص 225
(4) الناكثون هم: أصحاب الجمل: طلحة، والزبير، وعائشة، وأتباعهم. والقاسطون هم:
أصحاب صفين: معاوية وأتباعه: " (القاسطون: أي الجائرون) والمارقون: أصحاب:
النهروان.
وحمله سورة البراءة إلى مكة، وكان النبي صلى الله عليه وآله أنفذ بها أبا بكر، فنزل عليه جبرائيل، وقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: لا يؤديها إلا أنت أو واحد منك (3).
وفي هذه القصة، وحده كفاية في شرف علي وعلو مرتبته بأضعاف كثيرة على من لا يوثق على أدائها، ولم يؤتمن عليها.
وهذه الشجاعة مع خشونة مأكله، فإنه لم يطعم البر ثلاثة أيام، وكان يأكل الشعير بغير إدام، ويختم جريشه لئلا يؤدمه الحسنان عليهما السلام (3).
وكان كثير الصوم، كثير الصلاة (4)، مع شدة قوته، حتى قلع باب خيبر، وقد عجز عنه المسلمون (5)، وفضائله أكثر من أن تحصى.
القسم الثالث في الفضائل الخارجية
(نسبه) وفيه مطالب:
الأول: في نسبه:
____________
(1) ورواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 115
(2) وقد قدمنا جملة من مصادره، وراجع أيضا التفسير الكبير ج 15 ص 218، وتفسير الخازن ج 2 ص 215، وذخائر العقبى ص 69 والفصول المهمة ص 22 وأحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 77.
(3) شرح النهج ج 1 ص 8 و 181، وينابيع المودة ص 143 إلى 146، وذخائر العقبى ص 107، والاتحاف للشبراوي ص 25
(4) شرح النهج ج 1 ص 9 وينابيع المودة ص 150
(5) تاريخ بغداد ج 11 ص 324 (ط القاهرة)، ولسان الميزان ج 4 ص 196 وينابيع المودة ص 38.
والأطيبان علي وفاطمة، والسبطان الحسن والحسين، والشهيدان حمزة، وذو الجناحين جعفر، وسيد الوادي عبد المطلب، وساقي الحجيج عباس، وحليم البطحاء أبو طالب؟، والنجدة والخيرة فيهم؟، والأنصار من نصرهم، والمهاجرون من هاجر إليهم ومعهم، والصديق من صدقهم، والفاروق من فرق الحق والباطل فيهم، والحواري حواريهم، وذو الشهادتين لأنه شهد لهم، ولا خير إلا فيهم، ولهم، ومنهم، وأبان رسول الله صلى الله عليه وآله أهل بيته بقوله: " إني تارك فيكم الخليفتين: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى أهل الأرض، وعترتي وأهل بيتي، نبأني اللطيف الخبير:
أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ".
ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر، لما طلب مصاهرة علي: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي.
فأما علي فلو أوردنا لأيامه الشريفة، ومقاماته الكريمة، ومناقبه السنية، لأفنينا في ذلك الطوامير الطول، العرق صحيح، والمنشأ كريم، والشأن عظيم، والعمل جسيم، والعلم كثير، والبيان عجيب، واللسان خطيب، والصدر رحيب، وأخلاقه وفق أعراقه، وحديثه يشهد لقديمه (2).
____________
(1) منتخب كنز العمال ج 5 ص 94، وذخائر العقبى ص 17، وقال: أخرجه الملا..
(2) قال الفضل بن روزبهان في إبطال نهج الحق: ما ذكر من كلام الجاحظ صحيح، لا شك فيه.
وقريب من قول الجاحظ ما حققه تفصيلا ابن أبي الحديد عند شرح قوله (ع): " لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحد، شرح النهج ج 1 ص 45.
شرف زوجته وأولاده
المطلب الثاني: في زوجته وأولاده.
كانت فاطمة سيدة نساء العالمين زوجته، قال ابن عباس: " لما زف النبي صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام، كان قدامها، وجبرائيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك من ورائها، يسبحون الله، ويقدسونه حتى طلع الفجر " (1).
فانظر أيها العاقل: كيف يروي الجمهور هذه الروايات، ويظلمونها، ويأخذون حقها (2)، ويكسرون ضلعها، ويجهضون ولدها من
____________
(1) تاريخ بغداد ج 5 ص 7، وذخائر العقبى ص 32، وينابيع المودة ص 197، ولسان الميزان ج 2 ص 74
(2) ومن حقوق بضعة النبي صلى الله عليه وآله الصديقة الكبرى سلام الله عليها، نحلتها " فدك " فلما صارت ملكا خالصا لرسول الله صلى الله عليه وآله (راجع: فتوح البلدان ص 41 و 46، والدر المنثور ج 6 ص 192، وأحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 430، ومعجم البلدان:
كلمة: " فدك "، وغيرها). أنزل الله تعالى: " وآت ذا القربى حقه " الإسراء: 26 فنحل صلى الله عليه وآله فاطمة فدكا، فصارت ملكا خالصا لها بإذن الله، وإعطاء النبي الأعظم ومن جملة مصادر ذلك: شواهد التنزيل ج 1 ص 338، وكنز العمال ج 2 ص 158، وشرح النهج ج 4 ص 78 و 102، والدر المنثور ج 4 ص 177، قال: وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، وقال: أخرجه ابن مردويه، عن ابن عباس، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 1 ص 228، وتفسير الطبري ج 15 ص 72، ومجمع الزوائد ج 7 ص 49، وميزان الاعتدال ج 2 ص 228، وصححه وفضائل الخمسة ج 3 ص 136 ومنها: سهم الرسول من الغنيمة والفيئ. راجع: شرح النهج ج 4 ص 86، رواه عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجواهري، وأحكام القرآن ج 3 ص 430، وتفسير الطبري ج 10 ص 2 و 3، ومكاتيب الرسول للعلامة الأحمدي ج 2 ص 538 (ط بيروت)، وطبقات ابن سعد ج 2 ق 2 ص 86 ومنها: سهم ذوي القربى. راجع: شرح النهج ج 4 ص 78، عن كتاب السقيفة، وأحكام القرآن ج 2 ص 60، باب قسمة الخمس و ج 3 ص 430، وتفسير الطبري ج 10 ص 1 و 6، والدر المنثور ج 3 ص 185 و 188
ومنها: صدقات النبي صلى الله عليه وآله، وهي على أقسام:
منها: الأنفال. قال تعالى: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله ولرسوله فاتقوا الله
(الآية) الأنفال: 1
أقول: النفل، على ما صرح به اللغويون والكشاف وغيره من التفاسير: هو الزيادة، وأطلق على الغنيمة بالعناية، إما لأنها زيادة على ما رزقهم الله من الفتح، أو لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الماضية (راجع: القاموس، والنهاية، وأحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 44، والكشاف ج 1 ص 523، ومكاتيب الرسول ج 2 ص 573).
فالأنفال: كل نفل من الأموال ليس له مالك مسلم، أو أخذ من كافر، فلا يختص بغنائم دار الحرب كما توهم، بل يشمل الأرض التي تملك من الكفار من غير قتال، والموات من الأرض، ورؤوس الجبال، وما فيها من المواد، وبطون الأودية والآجام، وقطايع الملوك وصفاياهم، وما يغنمه المقاتلون بغير إذن النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام (ع).
ومنها: الفيئ. وهو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، ومن الفيئ أموال مخيريق، وقرى عرينة، وينبع من نواحي المدينة، على أربعة أيام منها. راجع الدر المنثور ج 6 ص 192، وتاريخ الكامل ج 2 ص 112، 119، وأحكام القرآن ج 3 ص 426 والسيرة الحلبية ج 2 ص 263 و ج 3 ص 363، وفي هامشها زيني دحلان ج 2 ص 100 و 249، واليعقوبي ج 2 ص 40، ووفاء الوفاء للسمهودي ج 2 ص 305 و 392، وغيرها من الكتب المعتبرة.
وكان سبطاه الحسنان أشرف الناس بعده.
روى أخطب خوارزم، بإسناده إلى ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (2).
وعن البراء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله والحسن على عاتقه، وهو يقول:
____________
(1) وممن صرح بهذه الداهية العظمى، عبد الكريم الشهرستاني، عن النظام المعتزلي، في الملل والنحل ج 1 ص 57 والمسعودي في إثبات الوصية ص 143، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 359، وأوعز إليه ابن قتيبة بذكر اسمه في المعارف ص 91
(2) ورواه الترمذي في صحيحه ج 2 ص 306، وكنز العمال ج 6 ص 220، وأسد الغابة ج 5 ص 574، وتهذيب التهذيب ج 3 ص 358.
وقال أبو هريرة: رأيت النبي صلى الله عليه وآله يمص لعاب الحسن والحسين، كما يمص الرجل التمر (2).
وعن أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، ما هذا الذي أنت مشتمل عليه، فإذا هو حسن وحسين على ركبتيه، فقال: " هذان ابناي، وابنا بنتي، اللهم إنك تعلم: أني أحبهما فأحبهما، ثلاث مرات " (3).
وعن جابر، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله، والحسن والحسين على ظهره، وهو يقول: " نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما " (4).
وروى صاحب كتاب: " الطلب وغاية السؤال " الحنبلي، بإسناده إلى ابن عباس، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله، وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم، وعلى فخذه الأيمن الحسين، وهو يقبل هذا تارة وهذا أخرى، إذ هبط جبرائيل، فقال: " يا محمد إن الله يقرؤك السلام، وهو يقول:
لست أجمعهما لك، فأفد أحدهما بصاحبه، فنظر إلى ولده إبراهيم وبكى، ونظر إلى الحسين وبكى، ثم قال: إن إبراهيم أمه أمة، متى مات لم يحزن غيري، وأم الحسين فاطمة، وأبوه علي، ابن عمي، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، ومتى مات حزنت عليه ابنتي، وحزن ابن عمي، وحزنت أنا عليه، وأنا أؤثر حزني على حزنهما، يا جبرائيل، تقبض إبراهيم، فديته بإبراهيم " قال: فقبض بعد ثلاث، فكان النبي صلى الله عليه وآله إذا رأى الحسين مقبلا، قبله، وضمه إلى صدره، ورشف ثناياه، وقال:
____________
(1) التاج الجامع للأصول ج 3 ص 357، وقال: رواه الشيخان، والترمذي، ومسند أحمد ج 4 ص 292، وأسد الغابة ج 2 ص 12
(2) كنز العمال ج 7 ص 104
(3) خصائص النسائي ص 36 وذخائر العقبى ص 122، والصواعق المحرقة ص 82 والإصابة ج 1 ص 328
(4) ذخائر العقبى ص 132، ومجمع الزوائد ج 9 ص 182، وكنز العمال ج 7 ص 108.
وفي صحيح مسلم في تفسير قوله تعالى: " فما بكت عليهم السماء والأرض " (2) قال: لما قتل الحسين بن علي بكت السماء وبكاؤها حمرتها (3) وفي مسند أحمد بن حنبل: أن من دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة، أو قطرت قطرة، بوأه الله عز وجل الجنة " (4).
وفي تفسير الثعلبي، بإسناده قال: مطرنا دما أيام قتل الحسين عليه السلام (5).
وكان مولانا " زين العابدين " علي بن الحسين عليهما السلام أعبد أهل زمانه، وأزهدهم، يحج ماشيا والمحامل تساق معه (6).
وولده " الباقر " سلم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله، قال لجابر: " أنت تدرك ولدي محمد الباقر، إنه يبقر العلم بقرا، فإذا رأيته، فاقرأه عني السلام " (7).
و " الصادق " أعلم أهل زمانه، وأزهدهم، وكان يخبر بالغيب،
____________
(1) ورواه أيضا الخطيب البغدادي في تاريخه ج 2 ص 204
(2) الدخان: 29
(3) ورواه الشبلنجي في نور الأبصار ص 133، والسيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 31 والقندوزي في ينابيع المودة ص 357
(4) ورواه الطبري في ذخائر العقبى ص 19، وقال: أخرجه أحمد في المناقب، وعلي بن سلطان القاري في مرقاة المفاتيح ص 604، كما في فضائل الخمسة ج 3 ص 322
(5) ورواه الشبراوي في الاتحاف ص 72، والطبري في ذخائر العقبى ص 145 وابن حجر في الصواعق ص 116
(6) راجع: الصواعق ص 119، والاتحاف ص 136، وتهذيب التهذيب ج 7 ص 305 ونور الأبصار ص 139
(7) نور الأبصار ص 143، وينابيع المودة ص 333 و 495، والصواعق المحرقة ص 120، ولسان الميزان ج 5 ص 168.
وكان " الكاظم " أزهد أهل زمانه وأعلمهم (2).
وكذا ولده " الرضا " (3).
و " الجواد " (4).
و " الهادي " (5).
و " العسكري " (6).
و " المهدي " (7). فهؤلاء الأئمة الاثني عشر لم يسبقهم سابق، ولم يلحقهم لاحق، اشتهر فضلهم وزهدهم بين المخالف والمؤالف، وأقروا لهم بالعلم، ولم يؤخذ عليهم في شئ البتة، كما أخذ على غيرهم (8)،
____________
(1) الصواعق ص 120 و 121، ونور الأبصار ص 145، والاتحاف ص 146، وينابيع المودة ص 23 و 332
(2) مرآة الجنان ج 1 ص 394، على ما في الاحقاق ج 12 ص 301، ونور الأبصار ص 148، والصواعق المحرقة ص 121
(3) نور الأبصار ص 151، والصواعق ص 122، والاتحاف ص 155، وينابيع المودة ص 385، والفصول المهمة ص 213
(4) الصواعق ص 123، والاتحاف بحب الأشراف ص 168، ونور الأبصار ص 160 والفصول المهمة ص 248، ومطالب السؤل ص 87
(5) تاريخ بغداد ج 12 ص 56، ونور الأبصار ص 164، وينابيع المودة ص 386، وكفاية الطالب ص 458
(6) نور الأبصار ص 166 والصواعق ص 124، وينابيع المودة ص 386 والفصول المهمة ص 269
(7) ينابيع المودة ص 421 إلى 496، ونور الأبصار ص 168، والبيان في أخبار صاحب الزمان لكنجي الشافعي، والاتحاف في حب الأشراف ص 179، وكنز العمال ج 7 ص 187 و 215، وفيض القدير ج 6 ص 17، وذخائر العقبى ص 136
(8) قال الفضل في المقام: ما ذكر من فضائل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها، وعلى سائر آل محمد والسلام، أمر لا ينكر، فإن الانكار على البحر برحمته وعلى البر بسعته، وعلى الشمس بنورها، وعلى الأنوار بظهورها، وعلى السحاب بجودها، وعلى الملك بسجوده، إنكار لا يزيد المنكر إلا الاستهزاء، ومن هو قادر على أن ينكر على جماعة هم أهل السداد.
وخزان معدن النبوة، وحفاظ آداب الفتوة صلوات الله وسلامه عليهم.
محبته وموالاته
المطلب الثالث: في محبته.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله، كما في مسند أحمد بن حنبل، وقد أخذ بيد الحسن والحسين: " من أحبني، وأحب هذين، وأحب أباهما، وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة " (1).
وعن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله، قال لها: كوني فكانت، فليتول علي ابن أبي طالب من بعدي " (2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لو اجتمع الناس على حب علي لم يخلق الله النار " (3).
وقال صلى الله عليه وآله: " حب علي حسنة، لا يضر معها سيئة، وبغض علي سيئة لا ينفع معها حسنة " (4).
وقال رجل لسلمان: ما أشد حبك لعلي؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد
____________
(1) مسند أحمد ج 1 ص 77، والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 346، وذخائر العقبى ص 19 و 123، وصحيح الترمذي ج 2 ص 301، وكفاية الطالب ص 80 والصواعق المحرقة ص 82
(2) مناقب ابن المغازلي ص 215 وميزان الاعتدال ج 1 ص 325، ومنتخب كنز العمال ج 5 ص 32، وحلية الأولياء ج 1 ص 86
(3) ينابيع المودة ص 91 و 125 و 27 و 251، بأسانيد متعددة منها: عن عبد الله بن مسعود، وعمر بن الخطاب، والديلمي في فردوس الأخبار.
(4) كنوز الحقائق ص 53 و 57 و 67 (ط بولاق بمصر)، وينابيع المودة ص 19.
والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى، وآيات القرآن دالة عليه، قال الله تعالى: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " (3). جعل مودة علي وآله أجرا لرسالة رسول الله صلى الله عليه وآله (4).
وفي الجمع بين الصحاح الستة، عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة، ولما هو أهله، وأحبوني لحب الله تعالى، وأحبوا أهل بيتي لحبي " (5).
وفي مناقب الخوارزمي، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" من ناصب عليا الخلافة بعدي فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله " (6).
ومنه، عن معاوية بن وحيد، بخط القشيري، قال: سمعت النبي
____________
(1) كنز العمال ج 6 ص 157 و 158، وكنوز الحقائق ص 188، ومجمع الزوائد ج 9 ص 132، والرياض النضرة ج 2 ص 166
(2) مناقب الخوارزمي ص 43 وفي مقتله ص 40 ولسان الميزان ج 5 ص 62، وينابيع المودة ص 86 و 113، وذخائر العقبى ص 71
(3) الشورى: 23
(4) راجع تفسير الآية في بحث الآيات القرآنية.
(5) ورواه في التاج الجامع للأصول ج 3 ص 349، وفي الصواعق المحرقة ص 102
(6) وأخرجه الموصلي في بحر المناقب، على ما في ذيل إحقاق الحق ج 7 ص 330، وابن المغازلي في المناقب ص 45 وفي كنوز الحقائق ص 156 وفي ينابيع المودة ص 181، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من قاتل عليا على الخلافة فاقتلوه كائنا من كان ". وقال أخرجه الديلمي.
ومنه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي:
" كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني، (2) وعن أبي هريرة قال: أبصر النبي صلى الله عليه وآله عليا، وحسنا، وحسينا، وفاطمة، فقال: " أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم " (3).
ومنه، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: " أنت سيد في الدنيا والآخرة من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني أحب الله عز وجل، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله، ويل لمن أبغضك " (4).
إنه صاحب الحوض واللواء والصراط والإذن
المطلب الرابع: في أنه صاحب الحوض، واللواء، والصراط، والإذن، روى الخوارزمي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" إذا كان يوم القيامة أمر الله جبرائيل: أن يجلس على باب الجنة، فلا يدخلها إلا من معه براءة من علي عليه السلام " (5).
وعن جابر بن سمرة، قال: قيل: يا رسول الله، من صاحب لوائك
____________
(1) ورواه ابن المغازلي في المناقب ص 50 وميزان الاعتدال ج 3 ص 151 وينابيع المودة ص 251 و 257
(2) وأخرجه المتقي في كنز العمال ج 6 ص 395، وابن المغازلي في المناقب ص 51 والحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال.
(3) مسند أحمد ج 2 ص 442، وذخائر العقبى ص 25 والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 350، وأسد الغابة ج 5 ص 523، والصواعق المحرقة ص 112
(4) مستدرك الحاكم ج 3 ص 127، وتاريخ بغداد ج 4 ص 40، بخمسة طرق، والرياض النضرة ج 2 ص 166 و 167
(5) مناقب الخوارزمي ص 253، ومناقب ابن المغازلي ص 131، وبمعناه روايات كثيرة.
فراجع: ذخائر العقبى ص 71 والرياض النضرة ج 2 ص 177.
وعن عبد الله بن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا كان يوم القيامة، ونصب الصراط على شفير جهنم، لم يجز عليه إلا من معه كتاب بولاية علي بن أبي طالب " (2).
والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.
فلينظر العاقل: إذا كانت مثل هذه وأضعافها أضعافا مضاعفة، يرويها السنة في صحاح الأخبار عندهم، والآيات أيضا موافقة لها، ثم يتركونها، هل يجوز له تقليدهم؟ ومع ذلك لم ينقلوا عن أئمة الشيعة منقصة، ولا رذيلة، ولا معصية البتة.
ما جاء في كتب القوم من المطاعن
والتجأوا (أهل السنة والجماعة) في التقليد إلى قوم، رووا عنهم كل رذيلة، ونسبوهم إلى مخالفة الشريعة، في قضايا كثيرة، ولنذكر هنا بعضها في مطالب:
تسمية أبي بكر بخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله
المطلب الأول: في المطاعن التي رواها السنة في أبي بكر.
منها: قالوا: إنه سمى نفسه: خليفة رسول الله (3)، صلى الله عليه وآله وكتب إلى الأطراف بذلك (4).
____________
(1) الرياض النضرة ج 2 ص 102، وقال: أخرجه نظام الملك في أماليه، وكنز العمال ج 6 ص 398، وقال: أخرجه الطبراني.
(2) الصواعق المحرقة ص 75 والرياض النضرة ج 2 ص 177، وذخائر العقبى ص 71 ومناقب ابن المغازلي ص 242
(3) الإمامة والسياسة ج 1 ص 13 وتاريخ الخلفاء ص 78
(4) الصواعق المحرقة ص 54 والاستيعاب هامش الإصابة ج 2 ص 466.
فالإمامية قالوا: إنه مات صلى الله عليه وآله عن وصية، وأنه استخلف أمير المؤمنين عليه السلام إماما بعده.
وقالت السنة كافة: إنه مات بغير وصية، ولم يستخلف أحدا، وأن إمامة أبي بكر لم تثبت بالنص إجماعا، بل ببيعة عمر بن الخطاب وأصحابه، وهم أربعة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة الجراح، وأسيد بن حضير، وسالم مولى أبي حذيفة لا غير (1).
وقال عمر: (إن لم أستخلف فإن رسول الله لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف) (2).
وهذا تصريح بعدم استخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا.
وقد كان الأولى أن يقال: إنه خليفة عمر، لأنه هو الذي استخلفه.
أبو بكر في جيش أسامة
ومنها: أنه تخلف عن جيش أسامة وقد أنفذه رسول الله صلى الله عليه وآله معه، وجعل أسامة مولاه أميرا عليه، ولم يزل يكرر الأمر بالخروج، ويقول:
" جهزوا جيش أسامة، لعن الله المتخلف عن جيش أسامة " (3).
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن الحديد ج 1 ص 73 و 133 و ج 2 ص 7
(2) صحيح مسلم ج 2 ص 193 في كتاب الإمارة، باب الاستخلاف. وتركه، والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 57، والإمامة والسياسة ج 1 ص 23
(3) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 53 وتاريخ الكامل ج 2 ص 215
أقول: وصرح هؤلاء وغيرهم من أرباب السير والتاريخ بأن أبا بكر، وعمر بن الخطاب، وأبا عبيدة، كانوا في جيش أسامة، ولعن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بلسانه الذي هو لسان الوحي ثابت لكل من تخلف عن جيشه.
وإن له شيطانا يعتريه
ومنها: أنه قال: (إن لي شيطانا يعتريني، فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني) (1).
وكيف يجوز نصب من يرشده العالم، وهو يطلب الرشاد منهم؟؟.
بيعة أبي بكر فلتة:
ومنها: قول عمر: (كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله المسلمين شرها، فمن عاد مثلها فاقتلوه) (2).
فيلزم منه: خطأ أحد الرجلين، لارتكاب أحدهما ما يوجب القتل.
قول أبي بكر أقيلوني
ومنها: قول أبي بكر: (أقيلوني فلست بخيركم) (3)، (وزيد في بعض الأخبار): وعلي فيكم.
فإن كان صادقا لم يصلح للإمامة، وإلا لم يصلح أيضا.
____________
(1) الإمامة والسياسة ج 1 ص 6، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 8 والصواعق المحرقة ص 7 ونور الأبصار ص 53 وقال في كنز العمال ج 3 ص 126: " جاء أعرابي إلى أبي بكر فقال أنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: لا، قال: فما أنت؟ قال: أنا الخالفة بعده "، أي القاعدة بعده.
أقول: وقد روى ذلك ابن الأثير في نهاية اللغة ج 2 ص 69، ولم يذكر من معاني الخالفة القاعدة، بل ذكر له معاني أخر أحدها: كثير الخلاف. ثانيها: من لا غناء عنده، ولا خير فيه، وفي القاموس ج 3 ص 141: ثالثها: غير نجيب لا خير فيه. ورابعها: الأحمق.
وهكذا في أقرب الموارد ج 1 ص 294، باب خلف.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 67 وصحيح البخاري، باب رجم الحبلى ج 5 ص 208، والسيرة الحلبية ج 3 ص 363 والصواعق المحرقة ص 5 و 8 و 21، وقال: سنده صحيح.
وفي تاريخ الطبري ج 3 ص 210: (فلتة كفلتات الجاهلية، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه).
(3) الإمامة والسياسة ج 1 ص 14، وكنز العمال كتاب الخلافة ج 3 ص 132 و 135 و 141، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 58 و ج 4 ص 166 و 169.
كون أبي بكر شاكا في خلافته
ومنها: قوله عند موته: (ليتني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله، هل للأنصار في هذا الأمر حق)؟ (1).
وهذا شك في صحة ما كان عليه وبطلانه، وهو الذي دفع الأنصار لما قالوا: (منا الأمير): بقوله: (الأئمة في قريش)، فإن كان الذي رواه حقا، فكيف يحصل له الشك، وإلا فقد دفع بالباطل؟.
من تمنياته عند موته:
ومنها: قوله في مرضه: (ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكشفه، وليتني في ظلة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين: أبي عبيدة، أو عمر، فكان هو الأمير، وكنت أنا الوزير) (2).
أبو بكر لم يول شيئا من الأعمال
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوله شيئا من الأعمال، وولى غيره.
وأنفذه لأداء سورة " براءة "، ثم رده، فمن لم يستصلح لأداء آيات (3)، كيف يستصلح للرياسة العامة، المتضمنة لأداء جميع الأحكام إلى عموم الرعايا، في سائر بلاده؟.
منعه فاطمة إرثها
ومنها: أنه منع فاطمة إرثها، فقالت: " يا ابن أبي قحافة، أترث
____________
(1) مروج الذهب ج 2 ص 302، والإمامة والسياسة ج 1 ص 18 و 19، وشرح النهج ج 1 ص 130، و ج 4 ص 130 و 169، والعقد الفريد ج 2 ص 254، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 127
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) ذكرنا عددا من مصادره فيما سبق.