وقال أحمد بن حنبل: يجب القضاء مطلقا.
وقال أبو حنيفة: إن أغمي عليه في خمس صلوات وجب قضاؤها، وإن أغمي عليه في ست لم يجب (1).
وقد خالفا في ذلك المعقول والمنقول.
أما المنقول، فهو خبر المتواتر بين الإمامية، وأهل السنة: " رفع القلم عن ثلاثة " (2).
وأما المعقول، فما تقدم من أن من شرائط التكليف: الفهم، والمغمى عليه غير فاهم.
وأن القضاء تابع للأداء، فإن سقط الأداء كان القضاء ساقطا.
2 - ذهبت الإمامية: إلى أن تقديم الصلاة في أول وقتها أفضل، إلا المتنفل، ومريد انتظار الإمام، والمغرب في المزدلفة.
وقال أبو حنيفة: يستحب الإسفار في الصبح، وتأخير الظهر والجمعة (3).
وقد خالف في ذلك أمر الله تعالى في قوله: " سارعوا إلى مغفرة من ربكم " (4)، " فاستبقوا الخيرات " (5)، وقول النبي صلى الله عليه وآله: " الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي آخره عفو الله " (6).
والمعقول، فإن المكلف في معرض الحدثان، فتقديم الفريضة أو لي، لما يحدث من تطرق الحوادث.
ولأنه مأمور في أول الوقت إجماعا، والاحتياط التقديم، لأن جماعة
____________
(1) بداية المجتهد ج 1 ص 78 والفقه على المذاهب ج 1 ص 488
(2) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 150
(3) بداية المجتهد ج 1 ص 76 والفقه على المذاهب ج 1 ص 185 و 275
(4) آل عمران: 133
(5) المائدة: 48
(6) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 146، وقال: رواه الترمذي.
3 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا انتقل على الراحلة لم يلزمه أن يتوجه إلى جهة سيرها.
وقال الشافعي: إن لم يستقبل القبلة، ولا جهة سيرها بطلت صلاته (1).
وقد خالف بذلك كتاب الله تعالى، حيث يقول: " أينما تولوا فثم وجه الله " (2).
وقد نص الصادق عليه السلام (3) في النوافل خاصة.
وخالف المعقول أيضا، لأن جهة السير غير مقصودة في الاستيصال، لمساواته غيره، بل ربما يكون غيره أولى بأن يكون ميامنا، ويكون جهة السير مستدبرا.
4 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجوز صلاة الفريضة على الراحلة مع الضرورة وقد خالف في ذلك الفقهاء الأربعة (4).
وقد خالفوا في ذلك كتاب الله تعالى، حيث يقول: " ما جعل الله عليكم في الدين من حرج " (5)، وقال: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " (6)، وقال: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " (7)، " لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها " (8).
____________
(1) الفقه على المذاهب ج 1 ص 172 والأم ج 1 ص 83 ومختصر التحفة الاثني عشرية للآلوسي ص 214.
(2) البقرة: 115
(3) وسائل الشيعة ج 3 ص 139
(4) بداية المجتهد ج 1 ص 237
(5 الحج: 78
(6) البقرة: 185، 286
(7) البقرة: 185، 286
(8) الطلاق: 7.
وخالفوا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه صلى الفريضة على الراحلة في يوم مطر (1).
5 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجب تكبيرة الافتتاح بصيغة " الله أكبر ".
وقال أبو حنيفة: ينعقد بكل اسم من أسماء الله تعالى على وجه التعظيم، مثل: الله عظيم، ومثل: الله جليل، وشبهه (2).
وقد خالف في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله، فإنه كبر كذلك، وقال:
" صلوا كما رأيتموني أصلي " (3)، وخالف في ذلك قوله المشهور:
تحريمها التكبير (4).
6 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجب التكبير بالعربية، فإن لم يحسن وجب عليه التعليم، إلى أن يضيق الوقت، ثم يكبر كما يحسن.
وقال أبو حنيفة: يجوز التكبير بغير العربية (5).
وقد خالف في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله، فإنه كبر بالعربية، وقال:
" صلوا كما رأيتموني أصلي "، وقوله: " تحريمها التكبير "، وغير العربية لا يسمى تكبيرا.
7 - ذهبت الإمامية: إلى استحباب التعوذ قبل القراءة في الركعة الأولى.
وقال مالك: لا يستحب، ولا يتعوذ في المكتوبة (6).
____________
(1) كما رواه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد في كتبهم.
(2) بداية المجتهد ج 1 ص 96 والفقه على المذاهب ج 1 ص 220
(3) بداية المجتهد ج 1 ص 95
(4) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 175 و 181 وبداية المجتهد ج 1 ص 95
(5) الفقه على المذاهب ج 1 ص 224 وبداية المجتهد ج 1 ص 96
(6) الفقه على المذاهب ج 1 ص 256.
وفعل رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " (2).
8 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة.
وقال أبو حنيفة: تجزي آية واحدة، وبعض آية من غيرها (3).
وقد خالف بذلك قوله صلى الله عليه وآله المتواتر عند الجميع: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب "، وقال: " لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب " (4).
9 - ذهبت الإمامية: إلى أن بسم الله الرحمن الرحيم " آية من كل سورة.
وخالف في ذلك أبو حنيفة، ومالك، حتى أن مالكا كره قراءتها في الصلاة (5).
وخالفا في ذلك العلم الضروري المتواتر: أنها آية، وأيضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إلى قوله: " نستعين " خمس آيات. (6).
10 - ذهبت الإمامية: إلى أن قول (أمين) يبطل الصلاة.
وخالف في ذلك الفقهاء الأربعة (7).
____________
(1) النحل: 98
(2) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 184 وقال: رواه أصحاب السنن، ومسلم.
(3) بداية المجتهد ص 98 والهداية ج 1 ص 31 والفقه على المذاهب ج 1 ص 229
(4) الهداية ج 1 ص 13 ومصابيح السنة ج 1 ص 42 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 177 وقال: رواه أصحاب السنن.
(5) الفقه على المذاهب ج 1 ص 257
(6) آيات الأحكام للجصاص ج 1 ص 9 وتفسير الخازن ج 1 ص 14 وروح المعاني ج 1 ص 37 - 40 والدر المنثور ج 1 ص 7
(7) الفقه على المذاهب ج 1 ص 250.
11 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب القراءة في الركعتين الأخيرتين.
أو التسبيح بالمأثور، وهو: " سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر ".
ولم يوجب أبو حنيفة القراءة، ولا التسبيح، بل جوز السكوت فيهما، وفي ثالثة المغرب (2).
وهو مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وآله، لأنه قرأ في الأخيرتين الحمد وحدها (3).
12 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب القراءة بالعربية.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يقرأ بعض آية من أي موضع شاء من القرآن، بالعربية وغيرها بأي لغة شاء (4)، وقد خالف بذلك قوله تعالى: " بلسان عربي مبين " (5)، " إنا أنزلناه قرآنا عربيا " (6)، " فالقارئ بغيرها لا يكون قارئا بالقرآن.
13 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب الطمأنينة في الركوع، والانحناء بحيث تصل يداه إلى ركبتيه.
وقال أبو حنيفة: لا تجب الطمأنينة (7).
____________
(1) مصابيح السنة ج 1 ص 49 وبداية المجتهد ج 1 ص 93 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 159 وقال: رواه مسلم، وأبو داود، وأحمد.
(2) بداية المجتهد ج 1 ص 98 والهداية ج 1 ص 34 و 35 والفقه على المذاهب ج 1 ص 238
(3) مصابيح السنة ج 1 ص 42 وصحيح مسلم ج 1 ص 170
(4) التفسير الكبير ج 1 ص 309 و 313 والهداية ج 1 ص 30 والمبسوط ج 1 ص 224.
(5) الشعراء: 195.
(6) يوسف: 2.
(7) الفقه على المذاهب ج 1 ص 134 وبداية المجتهد ج 1 ص 105 والهداية ج 1 ص 32.
14 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب الذكر في الركوع والسجود.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا تجب، حتى قال مالك:
لا أعرف الذكر في السجود (1).
وقد خالفوا في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله، وقوله فإنه فعل (2)، وقال لما نزل: " فسبح باسم ربك العظيم " (3)، اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل: " سبح اسم ربك الأعلى " (4)، قال: اجعلوها في سجودكم (5).
15 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجب رفع الرأس من الركوع، والطمأنينة في الانتصاب، وخالف أبو حنيفة فيهما (6).
وقد خالف في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله، وقد فعله صلى الله عليه وآله (7).
16 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب وضع الجبهة على الأرض في السجود.
وقال أبو حنيفة: إن شاء وضع جبهته، وإن شاء وضع أنفه (8).
وقد خالف فيه قول النبي صلى الله عليه وآله، فإنه أمر أن يسجد على سبع:
يديه، وركبتيه، وأطراف أصابعه، وجبهته (9).
____________
(1) الفقه على المذاهب ج 1 ص 242 و 260 والهداية ج 1 ص 32
(2) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 190 و 192
(3) الواقعة: 84
(4) الأعلى: 1
(5) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 192 ومصابيح السنة ج 1 ص 45 وبداية المجتهد ج 1 ص 100
(6) الهداية ج 1 ص 32 وبداية المجتهد ج 1 ص 105 والفقه على المذاهب ج 1 ص 234
(7) بداية المجتهد ج 1 ص 105، والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 175، وقال: رواه الخمسة، ومصابيح السنة ج 1 ص 39 وصحيح مسلم ج 1 ص 185
(8) بداية المجتهد ج 1 ص 108
(9) صحيح مسلم ج 1 ص 183 وبداية المجتهد ج 1 ص 108.
وقال أبو حنيفة، والشافعي: إنه يستحب (1).
وقد خالفا بذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله، وقوله، وقد سبق.
وقال أيضا: إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب، وجهه، وكفاه وركبتاه، وقدماه (2).
18 - ذهبت الإمامية: إلى منع السجود على بعضه.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يسجد على كفه (3).
وقد خالف في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله، وقوله، وهو: " لا تتم صلاة أحدكم، (إلى أن قال): ثم يسجد ممكنا جبهته إلى الأرض، حتى يطمئن مفاصله (4).
19 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب الطمأنينة في السجود، والاعتدال منه، والطمأنينة فيه.
وقال أبو حنيفة: لا تجب الطمأنينة في السجود، ولا يجب رفع الرأس منه إلا بقدر ما يدخل السيف بين جبهته والأرض، وفي رواية: لا يجب الرفع مطلقا، بل لو حفر تحت جبهته حفيرة، فحط جبهته إليها، أجزأ عن السجود الثاني، وإن لم يرفع رأسه (5).
وقد خالف في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله، وقوله لمن علمه الصلاة:
ثم ارفع رأسك حتى تطمئن جالسا (6).
____________
(1) الهداية ج 1 ص 33 والفقه على المذاهب ج 1 ص 242 و 261
(2) آيات الأحكام للجصاص ج 3 ص 209
(3) الفقه على المذاهب ج 1 ص 223
(4) كتاب الأم للشافعي ج 1 ص 99
(5) الهداية ج 1 ص 33 وقد أقر به الفضل في المقام أيضا.
(6) بداية المجتهد ج 1 ص 99 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 175 وقال رواه الخمسة.
ومنع أبو حنيفة من استحبابها (1).
وقد خالف في ذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله روى أبو قلابة، قال:
جاء مالك بن الحويرث إلى مسجدنا، فقال: والله، إني لأصلي وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى الله عليه وآله يصلي، قال:
فقعد في الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الأخيرة، ثم قام، واعتمد على الأرض (2).
21 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب التشهد الأول، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله.
خلافا للشافعي، وأبي حنيفة (3)، فقد خالفا في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله (4) 22 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب التشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والجلوس فيه مطمئنا بقدره.
وقال مالك: لا يجبان.
وقال أبو حنيفة: لا يجب الجلوس دون التشهد (5).
وقد خالفا فعل النبي صلى الله عليه وآله... وقال ابن مسعود: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدي، وعلمني التشهد، وقال: إذا قلت هذا، وقضيت هذا،
____________
(1) الهداية ج 1 ص 33 والفقه على المذاهب ج 1 ص 243
(2) صحيح البخاري ج 1 ص 198 ومسند أحمد ج 3 ص 436 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 195 وقال: رواه الخمسة، إلا مسلم.
(3) كتاب الأم ج 1 ص 102 والفقه على المذاهب ج 1 ص 243 و 266 وبداية المجتهد ج 1 ص 101
(4) بداية المجتهد ج 1 ص 101 ومصابيح السنة ج 1 ص 46 وصحيح مسلم ج 1 ص 151 و 152
(5) الفقه على المذاهب ج 1 ص 235 و 236 و 266 وبداية المجتهد ج 1 ص 106.
23 - ذهبت الإمامية: إلى أن الخروج يحصل بإكمال الصلاة على النبي وآله، والتسليم لا غير.
وقال أبو حنيفة: يخرج بالتسليم، أو بالكلام، أو بخروج الريح (2).
وما أقبح المذهب المؤدي إلى الخروج من الصلاة بالريح. لكن مثل الصلاة التي شرعها يصلح الخروج منها بمثل ما قاله، فإنه ذاهب إلى جواز أن يصلي الإنسان في الدار المغصوبة (3)، على جلد كلب، لابسا جلد كلب، وبيده قطعة من لحم كلب، لأنه يقبل الذكاة عنده (4)، ثم يتوضأ بنبيذ التمر المغصوب (5)، فيغسل رجليه أولا، ثم ينتهي إلى غسل الوجه، عكس ما ورد به القرآن (6)، ثم يقوم وعليه نجاسة، ثم يكبر بالفارسية، ويقرأ بالفارسية (7): " مدهامتان " لا غير، ثم يطأطئ رأسه يسيرا جدا، غير ذاكر (8)، ثم يهوي إلى السجود من غير رفع، ثم يخفض يسيرا لينزل جبهته وأنفه فيها، من غير ذكر، ولا طمأنينة، ولا رفع منهما، ثم ينهض إلى الثانية، فيفعل مثل ذلك، ثم يقعد من غير تشهد بقدره (9)، ثم يخرج بالريح (10)...
____________
(1) بداية المجتهد ج 1 ص 107 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 196 والموطأ ج 1 ص 113
(2) الفقه على المذاهب ج 1 ص 237 و 271 وبداية المجتهد ج 1 ص 91
(3) الفقه على المذاهب ج 1 ص 237 و 271 وبداية المجتهد ج 1 ص 91
(4) الفقه على المذاهب ج 1 ص 26
(5) بداية المجتهد ج 1 ص 25 والفقه على المذاهب ج 1 ص 52 و 53
(6) الفقه على المذاهب ج 1 ص 63 وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 260
(7) التفسير الكبير ج 1 ص 309 والهداية ج 1 ص 30
(8) الفقه على المذاهب ج 1 ص 231، 260 وبداية المجتهد ج 1 ص 102
(9) الهداية ج 1 ص 33 وبداية المجتهد ج 1 ص 101 و 108 والفقه على المذاهب ج 1 ص 243
(10) الفقه على المذاهب ج 1 ص 237 - وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان ج 4 ص 267 (ط مصر): " ذكر إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في كتابه: " مغيث الخلق في اختيار الحق ". أن السلطان محمود السبكتكين كان على مذهب أبي حنيفة، وكان مولعا بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه، وهو يسمع، وكان يستفسر الأحاديث، فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي
(رض)، فوقع في خلده حكمه فجمع الفقهاء من الفريقين في مرو، والتمس منهم الكلام في ترجيح المذهبين على الآخر، فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الشافعي، وعلى مذهب أبي حنيفة، لينظر فيه السلطان، ويتفكر، ويختار ما هو أحسنها، فصلى القفال المروزي بطهارة مسبغة، وشرائط معتبرة من الطهارة والسترة، واستقبال القبلة، وأتى بالأركان والهيئات، والسنن، والآداب، والفرائض على وجوه الكمال والتمام، وقال: هذه صلاة لا يجوز الإمام الشافعي دونها.
ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة، فلبس جلد كلب مدبوغا، ثم لطخ ربعه بالنجاسة، وتوضأ بنبيذ التمر، وكان في صميم الصيف في المفازة، واجتمع الذباب، والبعوض، وكان وضوؤه منكسا منعكسا، ثم استقبل القبلة، وأحرم بالصلاة من غير نية في الوضوء، وكبر بالفارسية، ثم قرأ آية بالفارسية: (دو بركك سبز)، ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل، ومن غير ركوع، وتشهد، وضرط. وقال: أيها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة، فقال السلطان: لو لم تكن هذه الصلاة صلاة أبي حنيفة لقتلتك، لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دين.
فأنكر الحنفية أن تكون هذه الصلاة صلاة أبي حنيفة، فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة، وأمر السلطان نصرانيا كاتبا يقرأ المذهبين جميعا، فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة، على ما حكاه القفال، فأعرض السلطان، وتمسك بمذهب الشافعي.
أقول: صحح كتاب وفيات الأعيان وحققه محمد محيي الدين عبد الحميد، مفتش العلوم الدينية والعربية بالجامع الأزهر، والمعاهد الدينية، ومن غير نكير في الطبعة الأولى المطبوع بمطبعة السعادة سنة 1367 هـ - 1948 م.
24 - ذهبت الإمامية: إلى أن تعمد الكلام مبطل وإن كان لمصلحتها كقوله لإمامه: قد سهوت.
خلافا لمالك فإنه جوزه إذا كان متعلقا لمصلحة الصلاة (1).
____________
(1) الفقه على المذاهب ج 1 ص 298 وبداية المجتهد ج 1 ص 93.
25 - ذهبت الإمامية: إلى أن من سبقه بول، أو غائط، أو ريح في صلاته بطلت.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: يبني على صلاته (2).
وقد خالفوا في ذلك المعقول، حيث جمعوا بين الضدين، وهما الحدث، والصلاة.
ولو سبقه الحدث، فخرج ليعيد الوضوء، فقاء، أو أحدث متعمدا، قال الشافعي: إنه يبني (3)، وهذا أغرب من الأول.
26 - ذهبت الإمامية: إلى أن من قدر على القيام، وعجز عن الركوع يجب أن يقوم في صلاته، ولا يسقط عنه بعجزه عن الركوع.
وقال أبو حنيفة: هو مخير بين أن يصلي قائما، أو قاعدا (4).
وقد خالف بذلك قوله تعالى: " وقوموا لله قانتين " (5).
وخالف الاجماع الدال على وجوب القيام على القادر، وكيف يسقط عنه فعل بعجزه عن غيره؟.
27 - ذهبت الإمامية: إلى استحباب سجدة الشكر.
وقال مالك: إنه مكروه.
وقال أبو حنيفة: إنها ليست مشروعة (6).
____________
(1) مصابيح السنة ج 1 ص 49 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 159 وقال: رواه مسلم، وأبو داود، وأحمد.
(2) الهداية ج 1 ص 39 وكتاب الأم ج 1 ص 183
(3) الهداية ج 1 ص 39 وكتاب الأم ج 1 ص 183
(4) الفقه على المذاهب ج 1 ص 499
(5) البقرة: 283
(6) الفقه على المذاهب ج 1 ص 470.
أما العقل، فلأن الاعتراف بنعمة الله تعالى، وشكره واجب، وأبلغ أنواع الشكر وضع الجبهة على الأرض، تذللا لله تعالى، واستكانة وتضرعا إليه.
وأما النقل، فقوله تعالى: " واشكروا لي ولا تكفرون " (1)، وقال:
" إن شكرتم لأزيدنكم " (2)، وأعظم مراتب الشكر السجود.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جاء شئ يسره خر ساجدا شكرا لله (3)، وقال عبد الرحمن بن عوف: سجد رسول الله صلى الله عليه وآله وأطال السجود، قلنا له: سجدت فأطلت السجود، قال: نعم، أتاني جبرئيل، فقال:
من صلى عليك مرة صلى الله له عشر مرات، فخررت شكرا لله (4)، ولما أتي برأس أبي جهل سجد خمس سجدات شكرا لله (5)، وروى أبو داود في صحيحه عن أبي بكر قال: إن النبي صلى الله عليه وآله إذا جاءه أمر يسره أو يسوءه، خر ساجدا شكرا لله تعالى (6)، وروى في الجمع بين الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما من عبد (مسلم) يسجد لله سجدة إلا رفعه تعالى بها درجة، وحط عنه خطيئة (7).
وروي: أن النبي صلى الله عليه وآله زار فاطمة يوما، فصنعت له عصيدة من تمر، ثم قدمتها بين يديه، فأكل هو وعلي، وفاطمة، والحسنان، فلما
____________
(1) البقرة: 152
(2) إبراهيم: 7
(3) مصابيح السنة ج 1 ص 74 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 225
(4) ورواه أحمد في مسنده ج 1 ص 191 عن عبد الرحمن، وفي التاج الجامع للأصول بلفظ آخر، واستدل به الإسفرائيني في الينابيع، على مذهب الشافعي.
(5) السيرة الحلبية ج 2 ص 172 وفي هامشها سيرة زيني دحلان ج 1 ص 393
(6) ورواه ابن حزم في المحلى، والاسفرائيني في الينابيع.
(7) مسند أحمد ج 5 ص 276 وفي صحيح مسلم ج 1 ص 183 ومصابيح السنة ج 1 ص 46 بلفظ الخطاب.
إني مخبرك بما يجري لهم:
إن فاطمة (عليها السلام) تظلم، وتغصب حقها، وهي أول من يلحقك، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يظلم، ويؤخذ حقه، ويضطهد، ويقتل ولدك الحسن، يقتل بعد أن يؤخذ حقه بالسم، وولدك الحسين يظلم، ويقتل، ولا يدفنه إلا الغرباء، فبكيت، ثم قال:
إن من زار ولدك الحسين (عليه السلام) كتب له بكل خطوة مائة حسنة، ورفع عنه مائة سيئة، فضحكت فرحا بذلك (1). والأخبار في ذلك متواترة.
وكذلك التعفير فيها مستحب عند الإمامية.
وخالف الفقهاء في ذلك.
وقد خالفوا فيه ما رواه حجاج بن مسلم (الظاهر هو: مسلم بن الحجاج) في صحيحه، عن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل له: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأعلن رقبته، ولأعفرن وجهه بالتراب، فرآه يفعل ذلك فأراد أن يفعل ما عزم عليه، فحالت الملائكة بينه وبينه (2).
28 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يقطع الصلاة ما يمر بين يدي المصلي.
____________
(1) كما اعترف بذلك الفضل في المقام.
(2) ورواه ابن الأثير في النهاية ج 3 ص 362.
وقد خالف في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله المتواتر: " لا يقطع الصلاة شئ، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو الشيطان " (2).
29 - ذهبت الإمامية: إلى أن المرتد إذ فاته شئ من الصلاة، أو الصوم، أو الزكاة، أو حج حال ردته، أو حال إسلامه، وجب عليه قضاؤه.
وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يجب قضاء شئ من ذلك (3).
وقد خالف في ذلك المعقول والمنقول:
أما المعقول، فلأنه لو لم يجب القضاء، لكان ذلك ذريعة وتوصلا إلى ترك العبادات بالكلية، لأن المسلم إذا ترك جميع العبادات طول عمره، فإذا حضره الموت ارتد، فيسقط عنه جميع ما تقدم، وذلك أعظم أنواع الفساد.
وأما المنقول، فقوله صلى الله عليه وآله: من نام عن صلاة، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها (4). وهو عام.
ونفرض أيضا شخصا نام عن صلاته، أو نسيها قبل ردته، ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام، ثم ذكرها، فإنه بمقتضى هذا الحديث يجب عليه قضاؤها، وإذا وجب قضاؤها هنا، وجب قضاء جميع العبادات لعدم القائل بالفرق.
____________
(1) بداية المجتهد ج 1 ص 141، وغاية المسؤول شرح التاج الجامع للأصول، ج 1 ص 174، والفتاوى الكبرى لابن تيمية ج 4 ص 423
(2) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 184 وقال: رواه أبو داود، ومالك، والدارقطني.
(3) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 488
(4) بداية المجتهد ج 1 ص 143 ومنتخب كنز العمال ج 3 ص 224.
وقال أبو حنيفة: يقوم ساكتا من غير ذكر (1).
وقد خالف في ذلك العقل، والنقل.
أما العقل، فإن الذكر أنسب بالقراءة من السكوت.
وأما النقل،: فقوله صلى الله عليه وآله المشهور: " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمره الله تعالى، فإن كان معه شئ من القرآن فليقرء به، وإن لم يكن معه شئ من القرآن، فليحمد الله تعالى وليكبره " (2). والأمر يقتضي الوجوب.
31 - ذهبت الإمامية: إلى بطلان الوضوء بالماء المغصوب.
وخالف في ذلك جميع الفقهاء فيه (3). وقد خالفوا في ذلك العقل والنقل:
أما العقل، فلقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا، والقبيح لا يقع مأمورا به، والوضوء مأمور به، فهذا ليس وضوءا معتبرا في نظر الشرع، فيبقى في عهدة التكليف.
وأما النقل، فالمتواتر من الشرع المطهر دل على تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه، والحرام لا يقع عبادة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه " (4)، وقال صلى الله عليه وآله: " من انتهب نهبة فليس منا " (5)، وقال: " ولا ينهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها فهو مؤمن " (6).
____________
(1) التفسير الكبير ج 1 ص 218 وأوعز إليه الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 230
(2) التفسير الكبير ج 1 ص 218 وأسد الغابة ج 2 ص 178 وكتاب الأم ج 1 ص 89
(3) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 52 و 53
(4) مصابيح السنة ج 1 ص 11
(5) مصابيح السنة ج 1 ص 11
(6) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 238 وقال: رواه الشيخان.
وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يجوز (1). وقد خالفا نص القرآن، وهو قوله تعالى: " ولا جنبا إلا عابري سبيل " (2).
33 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجوز للمشركين دخول مسجد من المساجد، لا بإذن ولا بغيره.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يدخلوا جميع المساجد بالإذن.
وقال الشافعي: يجوز أيضا إلا في المسجد الحرام (3).
وقد خالفا في ذلك النص، قال الله تعالى: " إنما المشركون نجس، فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " (4)، علل عدم قربانهم بانحصار أحوالهم، وصفاتهم، وذواتهم في النجاسة، ولا خلاف في تجنب المساجد كلها عن النجاسات بأجمعها.
والعجب: أن أبا حنيفة منع المؤمنين من دخول الجنب المسجد، وقد سوغه الله تعالى في كتابه العزير، وجوز للمشرك الدخول، وقد منع الله تعالى منه؟ وهل هذا إلا تحريم ما أباحه الله؟ وتحليل ما حرمه بنص القرآن؟؟
34 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يحرم قضاء الفرائض في شئ من الأوقات.
وقال أبو حنيفة: تحرم في أوقات الخمسة (5).
____________
(1) آيات الأحكام للجصاص ج 2 ص 203، وبداية المجتهد ج 1 ص 37 والفقه على المذاهب ج 1 ص 121 و 123
(2) النساء: 43
(3) آيات الأحكام ج 3 ص 88 وتفسير الخازن ج 2 ص 228 والتفسير الكبير ج 16 ص 26
(4) التوبة: 28
(5) بداية المجتهد ج 1 ص 81.
أما العقل: فلأن بعض هذه الأوقات صالح للأداء، فيكون صالحا للقضاء، لمساواته إياه، وإن المبادرة إلى فعل الطاعة، والمسارعة إليها، وإبراء الذمة، وإسقاط ما شغلها أمر مطلوب للشارع، فإن الإنسان في معرض الحوادث، فربما أدركه الموت قبل القضاء، فيكون مؤاخذا.
وأما النقل: فعموم قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " (1) وقول النبي صلى الله عليه وآله: " من نسي أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها " (2).
وقال: " يا بني عبد مناف، من ولي منكم من أمر الناس شيئا، فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت، وصلى أي وقت شاء من ليل أو نهار " (3).
35 - ذهبت الإمامية: إلى أن القنوت مستحب، ومحله بعد القراءة قبل الركوع.
وقال أبو حنيفة: إنه بدعة.
وقال الشافعي: محله بعد الركوع (4).
وقد خالف ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وآله قنت في صلاة الغداة، بعد القراءة، وقبل الركوع (5).
36 - ذهبت الإمامية: إلى أن الوتر مستحب، وليس واجبا.
وقال أبو حنيفة: إنه فرض (6).
____________
(1) الإسراء: 78
(2) مصابيح السنة ج 1 ص 31 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 147 وصحيح البخاري ج 1 ص 146
(3) مسند أحمد ج 4 ص 80 وفي هامشه منتخب كنز العمال ج 2 ص 350 عن المستدرك وغيره.
(4) الفقه على المذاهب ج 1 ص 337 وبداية المجتهد ج 1 ص 103
(5) منتخب كنز العمال في هامش المسند ج 2 ص 129
(6) بداية المجتهد ج 1 ص 70 والفقه على المذاهب ج 1 ص 336 وراجع: ترجمة حماد بن زيد، في معارف ابن قتيبة ص 220 وتهذيب التهذيب ج 3 ص 9.