وهذا بعينه مذهب المجوس، نعوذ بالله تعالى من المصير إلى ذلك.
وقد قال الله تعالى: " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم " (1)، وهذه الصفات حقيقية، لا تتغير تتغير الشرائع والأديان.
ومنع إلحاقهم بالأنساب في الميراث وغيره من الحقوق الشرعية، لا يخرجهم عن الصفات الحقيقية، ولهذا يضاف إليه، فيقال: ابنته، أو أمه، أو أخته من الزنا، وليس هذا التقييد موجبا للمجازية، كما في قولنا أخته من النسب ليفصلها عن أخت الرضاع.
ولأن التحريم شامل لمن يصدق عليه هذه الألفاظ حقيقة أو مجازا، فإن الجدة داخلة تحت الأم مجازا، وكذا بنت البنت، ولا خلاف في تحريمهما بهذه الآية.
5 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا صرح للمعتدة بالنكاح فعل محرما، وإذا خرجت من العدة جاز له نكاحها.
وقال مالك: لا يجوز، ويفسخ النكاح بينهما (2).
وقد خالف قوله تعالى: " أحل لكم ما وراء ذلكم، فانكحوا ما طاب لكم ".
6 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا أسلم على أكثر من أربع كتابيات اختار منهن أربعا، ترتب عقده عليهن أولا. ولو كن وثنيات وأسلمن معه فكذلك.
وقال أبو حنيفة: يبطل نكاح الجميع، مع عدم ترتب العقد، ومعه يصح الأربع الأول خاصة (3).
____________
(1) النساء: 23
(2) موطأ مالك ج 2 ص 62 وأورده الفضل في مقام الاستدلال عند هذه المسألة.
(3) بداية المجتهد ج 2 ص 40 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 355.
7 - ذهبت الإمامية: إلى أن أنكحة الكفار جائزة.
وقال مالك: إنها باطلة (2).
وقد خالف قوله تعالى: " وامرأته حمالة الحطب " (3).
وأقر النبي صلى الله عليه وآله أبا سفيان لما أسلم قبل زوجته هند، ثم أسلمت على نكاح (4)، ولو كان فاسدا لم يقرهما، وكذا غيرهما، ولم يأمر أحدا بتجديد النكاح.
8 - ذهبت الإمامية: إلى إباحة نكاح المتعة.
وخالف الفقهاء الأربعة (5).
وقد خالفوا القرآن، والاجماع، والسنة النبوية:
أما القرآن فقوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة " (6)، وهو حقيقة في المتعة.
____________
(1) مختصر المزني ص 171 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 355 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 628
(2) بداية المجتهد ج 2 ص 41 والموطأ ج 2 ص 76 والفقه على المذاهب ج 4 ص 208
(3) المسد: 4
(4) أسد الغابة ج 5 ص 562 والاستيعاب هامش الإصابة ج 5 ص 424.
(5) وهذا اتفاقي عندهم، فراجع تصانيفهم في هذا الباب.
(6) النساء: 24
أقول: إن الفاء فيها لإفادة تفريع النوع من الكلي، وهذا النوع من التفريع شائع في القرآن، فراجع الآية 148 و 196 من سورة البقرة وغيرهما من الآيات، وقوله (ما) موصولة، وصلته الفعل الذي بعده، والباء في (به) للتعدية، والضمير راجع إلى الموصول، وتذكيره باعتبار لفظ الموصول، وضمير الجمع في (منهن) راجع إلى النساء، غير المحارم اللاتي سبق ذكرهن في الآية السابقة.
وما قيل في معنى الاستمتاع المذكور في الآية بأنه بمعنى الالتذاذ، وهو معناه اللغوي، فمنشؤه ليس إلا التحفظ على شأن الخليفة، لأن المتعين حمل الاستمتاع المذكور في الآية على نكاح المتعة، لمعروفيته بهذا الاسم عند نزول الآية، وكون هذا النكاح دائرا بينهم، معمولا به عندهم برهة من الزمان، بإجماع الأمة، وإطباق الأخبار، كما ذكروا:
أنه كان معمولا به في عصر النبي صلى الله عليه وآله، وأبي بكر، وبرهة من خلافة عمر (راجع صحيح مسلم ج 1 ص 623 ومسند أحمد ج 3 ص 380 وكنز العمال ج 8 ص 294)
وإن كان بمعناه اللغوي فهو لا يلائم الجزاء المترتب عليه، أعني قوله: " فآتوهن أجورهن " فإن المهر بإجماع الأمة، ونص القرآن يجب بمجرد العقد ولا يتوقف على نفس التمتع، ولا على طلبه. فمعنى الآية: هو الاستمتاع (بنوع خاص من أنواع النكاح الكلي) بأعيان النساء في مقابل الأجور.
وما قيل: بأن الآية قد نسخت فإنما هو الحفظ شأن الخليفة، ولكنه هو نفسه ينكر هذا بأشد بيان، بقوله: كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنا أنهي عنهما، وأعاقب عليهما:
متعة الحج، ومتعة النساء، وهذا الخبر من الخليفة متواتر في كتب أهل السنة، وغني عن الإشارة إلى مصادره.. وفي تاريخ ابن خلكان قال: على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى عهد أبي بكر.
وأما الاجماع، فلا خلاف في إباحتها، واستمرت الإباحة مدة نبوة النبي صلى الله عليه وآله، وخلافة أبي بكر، وكثيرا من خلافة عمر. ثم صعد المنبر وقال: أيها الناس، متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما (2).
____________
(1) أحكام القرآن ج 2 ص 148 والسنن الكبري ج 7 ص 205 وتفسير الكشاف ج 1 ص 519، والتفسير الكبير ج 10 ص 51.
(2) وهذا النهي من عمر قد تواتر في كتب الحديث، والتفسير والتاريخ، وليس إلا من مصاديق البدعة، وإدخال ما ليس من الدين في الدين، وتعرف قيمة هذا النهي، بما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله، وعلي أمير المؤمنين (ع)، وابن عباس، ومالك بن أنس.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من لا يعرف حق علي فهو واحد من الثلاثة: إما أمه الزانية، أو حملته أمه من غير طهر، أو منافق " (ينابيع المودة ص 252 ومناقب محمد صالح الترمذي ص 203 ط بمبئي).
وروى أبو محمد عثمان بن عبد الله الحنفي في كتابه: " الفرق المتفرقة " ص 27 ط أنقرة مسندا عن الشافعي، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: ما كنا نعرف الرجل لغير أبيه إلا ببغضه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ورواه الحمويني في فرائد السمطين، مسندا له عن مالك، عن أبي زناد، قال: قالت الأنصار: كنا لنعرف الرجل لغير أبيه ببغضه علي بن أبي طالب، وقال نقلته من خط الحافظ أبي بكر البيهقي.
وقال علي (ع): " لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي "، تفسير الطبري ج 5 ص 9 والدر المنثور ج 2 ص 140 بعدة طرق والتفسير للكبير ج 10 ص 50 وكنز العمال ج 8 ص 294 وقال ابن عباس: " ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد، ولولا نهيه لما احتاج إلى الزنا إلا شفا ". أحكام القرآن ج 2 ص 147 وبداية المجتهد ج 2 ص 48 والنهاية لابن الأثير ج 2 ص 488.
وأيضا أفتى بإباحتها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وسلمة الأكوع، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة، ومعاوية بن أبي سفيان، وابن جريح، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء وابن عمر، وغيرهم (2).
9 - ذهبت الإمامية: إلى أن النكاح الفاسد لا يحلل الزوجة المطلقة ثلاثا.
وقال الشافعي: إنه يحلل (3).
وقد خالف قوله تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره (4)، والنكاح هو المعتبر في نظر الشرع لاستحالة أن يأمر بالباطل.
10 - ذهبت الإمامية: إلى أن المهر ما تراضى عليه الزوجان قل أو كثر.
وقال مالك: إنه يقدر فيه القطع وهو ثلاثة دراهم.
____________
(1) صحيح مسلم ج 1 ص 623 ومسند أحمد ج 2 ص 95 و ج 4 ص 252 والسنن الكبرى ج 4 ص 244 وغيرها.
(2) بداية المجتهد ج 2 ص 48 والتفسير الكبير ج 10 ص 51 ومسند أحمد ج 2 ص 95
(3) بداية المجتهد ج 2 ص 48 و 72 والفقه على المذاهب ج 4 ص 117
(4) البقرة: 230.
وقد خالفا قول الله تعالى: " فإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم (2) "، وهو عام.
وعند أبي حنيفة لو سمى خمسة وجب لها كمال ما فرض لا نصفه (3).
وقول النبي صلى الله عليه وآله: أدوا العلايق، قيل يا رسول الله، وما العلايق؟
قال: ما تراضى عليه الأهلون " (4)، وقد يحصل التراضي بدرهم.
وقال (ص: " من استحل بدرهمين فقد استحل " (5).
وقال صلى الله عليه وآله: " لا جناح على امرئ أن يصدق امرأة، قليلا كان أو كثيرا (5).
وزوج امرأة على تعليم القرآن، بعد أن طلب من الزوج خاتما من حديد، فلم يقدر عليه (6).
11 - ذهبت الإمامية: إلى أن المفوضة إذا طلقها قبل الفرض والدخول يجب لها المتعة.
وقال مالك: لا يجب (7).. وقد خالف قوله تعالى: " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن، أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره، متاعا بالمعروف حقا على
____________
(1) الهداية ج 1 ص 148 والموطأ ج 2 ص 65 وبداية المجتهد ج 2 ص 15
(2) البقرة: 237
(3) الهداية ج 1 ص 148
(4) النهاية لابن الأثير ج 3 ص 286
(5) الدر المنثور ج 2 ص 120
(6) مصابيح السنة ج 2 ص 23 ومسند أحمد ج 5 ص 336 ومسند الشافعي ص 425
(7) الهداية ج 1 ص 148 وبداية المجتهد ج 2 ص 80.
وقوله: حقا على المحسنين. والحق: الثابت، وعلى: للوجوب، وقال تعالى: " للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين " (2).
12 - ذهبت الإمامية: أنه إذا تزوج امرأة، ودخل، ثم خالعها، فلزوجها نكاحها في العدة، فإذا تزوجها بمهر، فإن دخل استقر المهر، وإن طلق قبل الدخول، فلها النصف.
وقال أبو حنيفة: يجب الجميع (3).
وقد خالف قوله تعالى: " فنصف ما فرضتم " (4).
13 - ذهبت الإمامية: إلى أن الوليمة مستحبة ليست واجبة، وإجابة الدعاء إليها مستحب غير واجب، وكذا الأكل.
وأوجب الشافعي الجميع (5).. وقد خالف براءة الذمة.
وقوله صلى الله عليه وآله: ليس في المال حق سوى الزكاة (6).
الفصل الثالث عشر: في الطلاق وتوابعه
وفيه مسائل:
1 - ذهبت الإمامية: إلى أن الطلاق المحرم، وهو أن يطلق المدخول بها الحاضر معها الحائل حال حيضها، أو في طهر قد جامعها فيه، فإنه لا يقع.
____________
(1) البقرة: 236 و 241
(2) البقرة: 236 و 241
(3) الهداية ج 2 ص 23
(4) البقرة: 237
(5) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 303 والأم ج 5 ص 181 ورواه النووي في كتابه، الروضة.
(6) رواه ابن ماجة في سننه ج 1 ص 570 رقم الحديث 1789.
وقد خالفوا قوله تعالى: " فطلقوهن لعدتهن " (2)، أي لقبل عدتهن، فهو يدل على تحريم الطلاق في غير الطهر، فيكون منهيا عنه، والنهي يدل على الفساد.
وطلق ابن عمر امرأته ثلاثا، وهي حائض فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن يراجعها، فقال عبد الله: فردها علي ولم يرها شيئا (3).
وفي رواية عن ابن عمر: طلقت وهي حائض، فقال صلى الله عليه وآله:
ما هكذا أمر ربك، إنما السنة أن تستقبل بها الطهر، فتطلقها في كل قرء تطليقة (4).
2 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد، مثل أن تقول: طلقتك ثلاثا، فإنه يقع واحدة.
وقال الشافعي، وأحمد: يقع الثلاث وليس بمحرم.
وقال أبو حنيفة: ومالك: يكون محرما، ويقع الثلاث (5).
وقد خالفوا قوله تعالى: " الطلاق مرتان " (6).
وسأل عمر النبي صلى الله عليه وآله: لو طلقها ثلاثا، فقال: " عصيت ربك " (7)،
____________
(1) الهداية ج 1 ص 167 و ج 2 ص 21 والفقه على المذاهب ج 4 ص 300 و 301 و 302 و 307 وبداية المجتهد ج 2 ص 52
(2) الطلاق: 1
(3) رواه أحمد بن حنبل، ومالك والشافعي، كما في منتخب كنز العمال، ج 3 ص 483، والموطأ ج 2 ص 96
(4) تفسير روح المعاني للآلوسي ج 28 ص 114 و 117
(5) بداية المجتهد ج 2 ص 50 وأحكام القرآن ج 3 ص 254 والفقه على المذاهب ج 4 ص 297 و 342 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 240
(6) البقرة: 229
(7) وفي أعلام الموقعين ج 4 ص 349: سأله صلى الله عليه وآله عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبان، ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟.
وروى ابن عباس، قال: كان الطلاق على عهد رسول الله، وأبي بكر، وصدرا من خلافة عمر الثلاث واحدة. فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا فيما كان لهم فيه أناة، فلو أمضينا عليهم، فأمضاه عليهم، فألزمهم الثلث(1).
وقال ابن عباس: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد.
فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف طلقتها؟
قال: طلقتها ثلاثا في مجلس واحد. فقال صلى الله عليه وآله: إنما تلك واحدة، فأرجعها إن شئت. فراجعها (2).
3 - ذهبت الإمامية: إلى أن الإشهاد في الطلاق واجب، وشرط فيه.
وقال الفقهاء (الأربعة): ليس شرطا، ولا واجبا (3).
وقد خالفوا قوله تعالى: " وأشهدوا ذوي عدل منكم " (4)، ولا يجوز حمله على الرجعة، لأن الفرق أقرب، حيث قال: " أو فارقوهن بمعروف " (5) يعني الطلاق.
ولأن الإشهاد على الرجعة غير واجب، ولا هو شرط في صحتها، فهو شرط في إيقاع الطلاق، فوجب حمله عليه.
____________
(1) الفقه على المذاهب ج 3 ص 241 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 339 و 340 وبداية المجتهد ج 2 ص 50
قال الشيخ منصور علي ناصف، في كتابه: التاج: فمعنى الحديثين: أنهم في عهد النبي صلى الله عليه وآله، وأبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، كانت طالق ثلاثا (بلفظ واحد) واحدة فقط، وجعله عمر ثلاثا، فجمع أصحابه، وشاورهم في ذلك، فوافقوه، فأمضاه عليهم أي حكم بجعله ثلاثا، فصار إجماعا من الصحابة.
أقول: هذا الاعتراف يعلن بأن الطلقات الثلاث بلفظ واحد لم تكن في كتاب، ولا في سنة، بل هو إدخال ما ليس من الدين في الدين، من قبل الخليفة.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) روح المعاني ج 2 ص 118 وأحكام القرآن ج 3 ص 454 والتفسير الكبير ج 30 ص 34
(4) الطلاق: 2
(5) الطلاق: 2.
وقال أبو حنيفة: يقع طلاقه، وعتقه، وكل عقد يلحقه فسخ وما لا يلحقه فسخ كالبيع، والصلح، فإنه يقع موقوفا، يصح أن أجازها وإلا بطلت (1).
وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: " رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه " (2).
وقال صلى الله عليه وآله: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " (3) والاغلاق:
الاكراه.
5 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجوز استعمال الحيل المحرمة، وأن يوصل بها إلى المباح.
وقال أبو حنيفة: يجوز (4).
قال ابن المبارك: شكت امرأة إلى أبي حنيفة زوجها، وآثرت فراقه؟
فقال لها: ارتدي، ويزول النكاح.
وقال لزوج امرأة: قبل أمها بشهوة: فإن نكاح زوجتك ينفسخ.
وقال النضر بن شميل: في كتاب الحيل: ثلاثمائة وعشرون مسألة كلها كفر، يعني من استباح ذلك كفر (5).
____________
(1) الهداية ج 1 ص 167 و ج 2 ص 41
(2) وقد ذكرنا مصادره فسبق مرارا.
(3) أعلام الموقعين ج 4 ص 16 و ج 4 ص 50
(4) أعلام الموقعين ج 4 ص 16 و ج 4 ص 50
(5) وقال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر.
وكان محمد بن شجاع أبو عبد الله، فقيه أهل العراق يحتال في إبطال الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ورده، نصرة لأبي حنيفة، ورأيه.
عن علي بن جرير قال: قدمت على ابن المبارك، فقال له رجل: إن رجلين تماريا عندنا في مسألة فقال أحدهما: قال أبو حنيفة. وقال الآخر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال ابن المبارك: أعد علي، فأعاد عليه، فقال: كفر، كفر. قلت بك كفروا، وبك اتخذوا الكافر إماما، قال: ولم؟ قلت: بروايتك عن أبي حنيفة، قال: أستغفر الله من رواياتي عن أبي حنيفة (راجع تاريخ بغداد ج 5 ص 351 و ج 13 ص 414) وذكر الخطيب في تاريخه أيضا ج 13 ص 379 استتابة أبي حنيفة من الكفر عن جمع كثير.
وله مثالب أخرى فراجع.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: " لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها " (2).
ولما نظر محمد بن الحسن الشيباني إلى هذا قال: ينبغي أن لا يتوصل إلى المباح بالمعاصي، ثم نقض هذا القول، فقال: لو أن رجلا حضر عند الحاكم، وادعى أن فلانة زوجتي، وهو يعلم أنه كاذب، وشهد له بذلك شاهدان زورا، وهما يعلمان ذلك، فحكم الحاكم له بها حلت له ظاهرا وباطنا.
وقالوا أيضا: لو أن رجلا تزوج امرأة جميلة، فرغب فيها أجنبي قبل دخول زوجها بها، فأتى هذا الأجنبي فادعاها زوجته، وأن زوجها طلقها قبل الدخول بها، وتزوج بها، وشهد له بذلك شاهد زور، وحكم الحاكم بذلك فقد حكمه، وحرمت على الأول ظاهرا وباطنا، وحلت للمحتال ظاهرا وباطنا، هذا مذهبهم لا يختلف الحنفية فيه (3).
____________
(1) الأعراف: 166
(2) النهاية لابن الأثير ج 2 ص 449
(3) كما وقد ذكر فضل بن روزبهان في كتابه في المقام: اتفاق علماء الحنفية على ذلك، وروى ابن القيم العديد من موارد حيلهم في كتابه: أعلام الموقعين ج 4 ص 16 و 43 و 44.
وقال الشافعي: الاعتبار بالزوج إن كان حرا فثلاث طلقات، وإن كان مملوكا فطلقتان (1).
وقد خالف قوله تعالى: " الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان "، فجعل للزوج الطلقة الثالثة، وهذه الآية وردت في الحرة لقوله تعالى: " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " (2) والحرة هي التي تفتدي، دون الأمة، فإنها لا تملك شيئا.
وقالت عائشة: النبي صلى الله عليه وآله: قال " طلاق الأمة طلقتان، وعدتها حيضتان " (3): إن رجلين أتيا عمر بن الخطاب في خلافته، وسألاه عن طلاق الأمة، فلم يعلم ما يقول فسارا إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وكان حاضرا، فأشار إليه بإصبعيه فقال له: اثنتان: فأخبرهما عمر بذلك، فقال أحدهما إنا سألناك، فسألته، ورضيت منه؟ فقال: ويلك أتدري من هذا؟ هذا علي بن أبي طالب (4).
7 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا كانت الأخلاق ملتئمة بين الزوجين، والحال عامرة، فبذلت له شيئا على طلاقها لم يحل له أخذه.
____________
(1) بداية المجتهد ج 2 ص 51 والأم ج 5 ص 244
(2) البقرة: 229
(3) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 241 وقال: رواه أبو داود، والترمذي، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 672
(4) كنز العمال ج 6 ص 156 وفيه: أخرجه الديلمي، عن ابن عمر، والرياض النضرة ج 2 ص 226 ورواه ابن عساكر في تاريخه، والدارقطني كما في كفاية الطالب ص 299 وغيرهم من أعلام القوم.
وقد خالفوا قوله تعالى: " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا، إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله " (2)، وقال تعالى: " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله، فلا جناح عليهما فيما افتدت به " (3).
8 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يصح الطلاق قبل النكاح، فلو قال:
كل امرأة طالق، كان باطلا، ولا اعتبار به، ولو تزوج لم تطلق.
وقال أبو حنيفة: يصح، فإذا تزوج امرأة طلقت (4).
وقد خالف قول النبي صلى الله عليه وآله: " لا طلاق قبل النكاح " (5).
وقال صلى الله عليه وآله: " لا طلاق فيما لا يملك، ولا بيع ولا عتق فيما لا يملك " (6).
ولأن الطلاق إزالة قيد النكاح، وإنما يتحقق بعده لا قبله.
9 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يصح طلاق الولي عمن له عليه ولاية، لا بعوض ولا بغيره.
وقال مالك: يصح بعوض (7).
وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: الطلاق لمن أخذ بالساق (8).
10 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يشترط في مدة الايلاء زيادة من أربعة أشهر.
____________
(1) بداية المجتهد ج 2 ص 56 والموطأ ج 2 ص 88 والتفسير الكبير ج 6 ص 102 وتفسير الخازن ج 1 ص 170
(2) البقرة: 229
(3) البقرة: 229
(4) بداية المجتهد ج 2 ص 69 والهداية ج 2 ص 182
(5) سنن ابن ماجة ج 1 ص 660 والهداية ج 1 ص 182 وبداية المجتهد ج 2 ص 69
(6) سنن ابن ماجة ج 1 ص 660 والهداية ج 1 ص 182 وبداية المجتهد ج 2 ص 69
(7) بداية المجتهد ج 2 ص 56
(8) أعلام الموقعين ج 4 ص 351.
وقد خالف قوله تعالى: " الذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " (2)، فجعل مدة التربص أربعة أشهر.
11 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يقع الطلاق بمجرد خروج مدة التربص، بل إذا انقضت طالبه الحاكم بالفئة، أو الطلاق، فمحل المطالبة بالفئة أو الطلاق بعد المدة.
وقال أبو حنيفة: محل المطالبة في المدة، فإن خرجت طلقت بالخروج بائنا (3).
وقد خالف قوله تعالى: " الذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق، فإن الله سميع عليم " (4)، أضاف المدة إلى المولى بلام التمليك، فإذا كانت حقا له لم يكن حقا لغيره، كالدين المؤجل ليس لصاحبه المطالبة في الأجل.
وعقب التربص بالفئة بفاء التعقيب، وقال: " فإن فاؤوا " أي جامعا، وأضافه إلى المولى، وقال: " فإن عزموا الطلاق، فإن الله سميع عليم "، أضافه إليهم أيضا، فوجب أن يقع الطلاق بفعله كالفئة.
والحنفية لا يجعلونه بفعله، بل بانقضاء المدة (5).
ولأنه تعالى وصف نفسه بالغفران والرحمة مع الفئة، وهو وإن لم يكن مأثوما لكنه في صورة المفتقر إلى الغفران، حيث هتك حرمة الإثم، فلما كان في صورة من يغفر له وصف الله تعالى نفسه بالغفران، ولما ذكر
____________
(1) الفقه على المذاهب ج 4 ص 462 وبداية المجتهد ج 2 ص 84
(2) البقرة: 226
(3) أحكام القرآن ج 1 ص 360 والهداية ج 2 ص 9
(4) البقرة: 226 و 227
(5) أحكام القرآن ج 1 ص 260 والهداية ج 2 ص 9.
12 - ذهبت الإمامية: إلى أن الزوج، إن ماطل بعد مدة التربص، ودافع لم يطلق عنه السلطان، بل يجبر على أحد الأمرين: إما الرجوع، أو الطلاق.
وقال الشافعي: يطلق عنه (1).
وقد خالف قوله تعالى: " وإن عزموا الطلاق "، جعل العزم على الطلاق إليه.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: الطلاق لمن أخذ بالساق (2).
13 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يقع الظهار قبل التزويج.
وقال أبو حنيفة، ومالك: يصح (3).
وقد خالفا قوله تعالى: " والذين يظاهرون من نسائهم " (4).
14 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يجب إطعام ستين مسكينا في الظهار، ولا يجزي في واحد ستين يوما.
وقال أبو حنيفة: يجزي (5).
وقد خالف قوله تعالى: " فإطعام ستين مسكينا " (6)، اعتبر العدد.
15 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجوز إعطاء الكفارة للكافر.
وقال أبو حنيفة: يجزي (7).
____________
(1) الفقه على المذاهب ج 4 ص 454 والأم ج 5 ص 171
(2) منتخب كنز العمال ج 3 ص 479
(3) الفقه على المذاهب ج 4 ص 493 والموطأ ج 2 ص 85 وروح المعاني ج 28 ص 10
(4) المجادلة: 3
(5) الهداية ج 2 ص 17 والتفسير الكبير ج 2 ص 76
(6) المجادلة: 4
(7) بداية المجتهد ج 1 ص 339 وتفسير الخازن ج 1 ص 523.
16 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا أطعم الستين ما يجب من الطعام أجزأه.
وقال الشافعي: يجب أن يملكهم، ولا يجزي الاطعام (2).
وقد خالف قوله تعالى: " فإطعام ستين مسكينا ".
17 - ذهبت الإمامية: إلى إجزاء الخبز.
وقال الشافعي: يجب الحب (3).
وقد خالف قوله تعالى: " فإطعام ستين " وهو ينصرف إلى الخبز.
18 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا أطعم خمسا وكسا خمسا لم يجزه.
وقال مالك:، يجزيه.
وقال أبو حنيفة: إن أطعم خمسا، وكسا خمسا بقيمة إطعام خمس لم يجزه، وإن كسا خمسا، وأطعم خمسا بقيمة كسوة خمس أجزأه (4).
وقد خالفا قوله تعالى: " فإطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم " (5)، وخير بين الشيئين لا غير.
19 - ذهبت الإمامية: إلى أن الزوجة إذا امتنعت من اللعان حدت.
وقال أبو حنيفة: تحبس حتى تلاعن (6).
وقد خالف قوله تعالى: " ويدرأ عنها العذاب، أن تشهد أربع
____________
(1) المجادلة: 22
(2) الهداية ج 2 ص 17 والتفسير الكبير ج 12 ص 75
(3) الأم ج 7 ص 64 ومختصر المزني.
(4) أحكام القرآن ج 2 ص 459 والمحلى لابن حزم.
(5) المائدة: 89
(6) الهداية ج 2 ص 18، وتفسير الخازن ج 3 ص 338 وبداية المجتهد ج 2 ص 99.
ولأنها قد تكون كاذبة، فيكون اللعان حراما، فلا يجوز إلزامها بفعله.
20 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا نقص بعض اللعان لم يعتد به، وإن حكم به حاكم.
وقال أبو حنيفة: إن حكم بها حاكم نفذ إن ترك الأقل (4).
وقد خالف قوله تعالى: " فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله " (5).
وفعل النبي صلى الله عليه وآله، فإنه كذلك فعل (6).
21 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب الترتيب في اللعان، يبدأ أولا بلعان الرجل، ثم يعقب بلعان المرأة، فإن خالف بطل اللعان، وإن حكم به حاكم لم ينفذ.
وقال أبو حنيفة، ومالك: على عدم وجوب الترتيب، وقالا: إن حكم الحاكم اعتد به (7).
وقد خالفا قوله تعالى: " فشهادة أحدهم "، عقب اللعان بشهادة
____________
(1) النور: 2 و 8
(2) النور: 2 و 8
(3) النساء: 25
(4) تفسير الخازن ج 3 ص 339 والتفسير الكبير ج 24 ص 171
(5) النور: 6
(6) روى الجصاص في أحكام القرآن ج 3 ص 270 موارد من فعل النبي صلى الله عليه وآله وذكر ذلك الفضل في المقام مستدلا بفعله صلى الله عليه وآله.
(7) الفقه على المذاهب ج 5 ص 105 والتفسير الكبير ج 24 ص 171
وقال الفضل في المقام: ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة، أن حكم الحاكم محلل، ومحرم.
وقال الآلوسي في تفسيره ج ص 98: ويشعر ظاهر الآية بتقدم لعان الزوج، وهو المأثور في السنة، فلو بدأ القاضي بأمرها فلاعنت قبله، فقد أخطأ السنة.
22 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يعتبر في إلحاق الأولاد، وإمكانه الوطي، ولا يكفي قدرة الرجل وتمكينه.
وقال أبو حنيفة: المعتبر قدرته من الوطي، دون إمكانه.
وحكى الشافعي عنه ثلاث مسائل: الأولى: إذا نكح رجل امرأته بحضرة القاضي، وطلقها في الحال ثلاثا، والمجلس واحد، ولم يحكم بها، ثم أتت بولد من العقد لستة أشهر، فإنه يلحقه، وإن علمنا أنه لا يمكن وطؤها بعد العقد، ولا يمكن نفيها باللعان.
الثانية: لو تزوج مشرقي بمغربية، ثم أتت بولد من حين العقد لستة أشهر، فإنه يلحقه، وإن علمنا أنه لا يمكن وطؤها بعد العقد بحال، بل لو غلق عليه وعلى الأب بيت ولم يتفارقا ليلا ونهارا مدة خمسين سنة، ثم سافر إلى بلد الزوجة، فوجد جماعة من النسل من تلك المرأة من الأولاد، وأولاد الأولاد، فإنهم بأجمعهم يلحقون بذلك الرجل!!
الثالثة: إذا تزوج رجل امرأة، فغاب عنها، وانقطع خبره، فقيل لامرأته، إنه قد مات فاعتدت، وانقضت عدتها، وتزوجت بآخر، وأولدها أولادا، ثم غاب، وحضر الأول، فإن هؤلاء الأولاد كلهم للأول، ولا شئ للثاني! (1).
وقد خالف الضرورة في ذلك.
____________
(1) قال الفضل في المقام: ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة: أن الأقدار والتمكين من الوطي، ولا نظر للشرع إلى الامكان.
أقول: تجد أشباه هذه المسائل في كتاب: الهداية ج 2 ص 26 و ج 3 ص 129 و 139 وغيره من كتب الحنفية فراجع.