الصفحة 557

وقد خالف قوله تعالى: " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " (1)، وهذا نص.

2 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجوز أكل ما صاده شئ من الجوارح إلا بعد تذكيته.

وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: يجوز بجميع ذلك، إذا أمكن تعليمه.

وقال أحمد: يجوز بالجميع، إلا الكلب الأسود البهيم (2).

وقد خالفوا قوله تعالى: " وما علمتم من الجوارح مكلبين " (3).

3 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يحل أكل السمك إلا إذا مات حتف أنفه.

وقال مالك: لا يحل حتى يقطع رأسه (4).

وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: " أحلت لكم ميتان ودمان، فالميتان السمك والجراد " (5).

4 - ذهبت الإمامية: إلى استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وأن يقول: اللهم تقبل مني هذه الذبيحة (6).

وقال أبو حنيفة: يكره ذلك كله (7).

____________

(1) الأنعام: 119

(2) الفقه على المذاهب ج 2 ص 30 والتفسير الكبير ج 11 ص 144 وأحكام القرآن ج 2 ص 314 والموطأ ج 2 ص 41

(3) المائدة: 4

(4) بداية المجتهد ج 1 ص 359 والتفسير الكبير ج 5 ص 17

(5) سنن ابن ماجة ج 2 ص 1073 والأم ج 2 ص 233 والتفسير الكبير ج 5 ص 17

(6) تحفة الذاكرين للشوكاني ص 166 وقال: أخرجه مسلم، وفيه: ومن أمة محمد صلى الله عليه وآله.

(7) ذكره الفضل في المقام، وفي الفقه على المذاهب ج 1 ص 726 عن الحنفية: " أما ذكر اسم الله تعالى مقرونا بدعاء فإن الذبيحة لا تحل به ".


الصفحة 558
وقد خالف عموم قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " (1)، وقوله: " ورفعنا لك ذكرك " (2)، أي لا أذكر، إلا تذكر معي؟.

وروي أن جبرائيل (ع) قال للنبي صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى يقول:

من صلى عليك مرة صليت بها عشرا (3). أو قال على ذبيحته: بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد صلى الله عليه وآله (4).

5 - ذهبت الإمامية: إلى أن من اضطر إلى الميتة لا يجوز له الشبع منها.

وقال مالك: يجوز (5).

وقد خالف قوله تعالى: " فمن اضطر " (6)، وهذا غير مضطر إليه.

الفصل السادس عشر: في الأيمان وتوابعه

وفيه مسائل:

1 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا حلف: لا أكلت طيبا ولا لبست ناعما لم ينعقد.

وقال أبو حنيفة: المقام عليها طاعة ولازم (7).

وقد خالف قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل

____________

(1) الأحزاب: 56.

(2) ألم نشرح: 4

(3) مسند أحمد ج 1 ص 191 ورواه الشوكاني في تحفة الذاكرين بأسناد.

(4) تحفة الذاكرين ص 166 وقال أخرجه أحمد، وأبو داود.

(5). رواه فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير ج 5 ص 24

(6) البقرة: 172

(7) الهداية ج 2 ص 59.


الصفحة 559
الله لكم " (1)، وقوله تعالى: " وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " (2) " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده، والطيبات من الرزق " (3)، وقوله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " (4).

2 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا قال: أسألك بالله، وأقسم عليك بالله لم يكن يمينا، وإن أراد به اليمين.

وقال الشافعي: إذا أراد به اليمين صارت يمينا، وانعقدت على فعل الغير، فإن أقام الغير عليها لم يحنث، وإن خالف حنث الحالف، ولزمته الكفارة.

وقال أحمد: الكفارة على المحنث دون الحالف (5).

وقد خالفا العقل الدال على أصالة البراءة، وعلى عدم تعلق يمين الغير بفعل غيره، فإن الفاعل مختار في فعله.

ذهبت الإمامية: إلى أن لغو اليمين أن يسبق لسانه إليها، من غير أن يعقدها بقلبه كأنه إذا أراد أن يقول: بلى والله، فسبق على لسانه إلى قوله:

لا والله، ولا يجب بها كفارة.

وقال أبو حنيفة: يجب (6).

وقد خالف قوله تعالى: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " (7).

____________

(1) المائدة: 87 و 88

(2) المائدة: 87 و 88

(3) الأعراف: 32

(4) التحريم: 1

(5) الفقه على المذاهب ج 2 ص 76

(6) الهداية ج 2 ص 54 والفقه على المذاهب ج 2 ص 59

(7) البقرة: 225.


الصفحة 560
4 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجزي في الكسوة: الخف، ولا القلنسوة.

وقال الشافعي: يجزي (1).

وقد خالف قوله تعالى: " أو كسوتهم " (2)، ولا يقال لمن أعطى غيره قلنسوة: إنه كساه، وكذا الخف.

5 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا قال: لا سكنت هذه الدار، حنث بأقل مدة بعد اليمين.

وقال مالك: لا يحنث، إلا إذا أقام يوما وليلة (3).

وقد خالف العرف في ذلك، والأيمان مبنية على العرف اللغوي، أو العرف الاصطلاحي، أو الشرعي، والكل معنا.

6 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا حلف: لا سكنت هذه الدار، وهم فيها، فانتقل بنفسه بر في يمينه، وإن لم ينقل المال والعيال.

وقال مالك: السكنى بنفسه، وبالعيال، دون المال.

وقال أبو حنيفة: بنفسه، وبالعيال، وبالمال (4).

وقد خالفا قوله تعالى: " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة، فيها متاع لكم " (5)، أخبر بأن من ترك المتاع وخرج عنها، فهي غير مسكونة.

____________

(1) رواه عن الشافعي ابن حزم، والجصاص في أحكام القرآن ج 2 ص 460

وقد خالف الشافعية إمامهم في ذلك.. (راجع: الفقه على المذاهب ج 2 ص 83)

(2) المائدة: 89

(3) واعترف بذلك الفضل في المقام، والفقه على المذاهب ج 2 ص 113

(4) الفقه على المذاهب ج 2 ص 110 والهداية ح 2 ص 58 وذكره الفضل في المقام.

(5) النور: 29.


الصفحة 561
وعند أبي حنيفة: إنها مسكونة (1)، وقال الله تعالى: " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع " (2)، أسكن زوجته وولده في المكان، فقال: أسكنتهم، وإن لم يكن ساكنا معهم، وقال: أسكنت ولم يسكن هو معهم، ثبت أنه ساكن في مكان آخر، وإن كان عياله وولده في غير ذلك المكان.

7 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لو حلف: لا يدخل دارا فصعد سطحها لم يحنث.

وقال أبو حنيفة: يحنث (3).

وقد خالف العرف، إذ يقال لمثل هذا: صعد السطح، ولم يدخل الدار.

ولأن السطح حاجز كالحائط، ولو وقف على الحائط لم يحنث.

ولأنه لو حلف لا يدخل بيتا، فدخل غرفة فوقه لم يحنث، والسطح كذلك.

8 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا حلف لا يشم وردا، فشم دهنه لم يحنث.

قال أبو حنيفة: يحنث.

وقد خالف العرف، لأن الدهن لا يسمى وردا.

وقال: إذا حلف لا ضرب زوجته، فعضها، أو نتف شعرها يحنث.

وهو خلاف العرف.

وقال: لو حلف لا يأكل أدما لم يحنث بأكل اللحم المشوي والمطبوخ.

وقد خالف العرف، وقول النبي صلى الله عليه وآله: سيد الأدم اللحم.

وقال: لو حلف أن يمشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله، أو المسجد الأقصى،

____________

(1) الهداية ج 2 ص 58

(2) إبراهيم: 37

(3) الهداية ج 2 ص 57 والفقه على المذاهب ج 2 ص 109.


الصفحة 562
أو قبور الأئمة عيلهم السلام لم يجب عليه الوفاء به (1).

وقد خالف قوله تعالى: " يوفون بالنذر " (2).

وقال: إذا نذر أن يصوم يوم الفطر انعقد نذره، ويصوم يوما غير يوم الفطر، فإن صامه عن نذر صح، وأجزأه عن نذره (3).

وقد خالف الاجماع على أن الصوم يوم العيد معصية، ولا نذر في معصية (4).

الفصل السابع عشر: في القضاء وتوابعه

وفيه مسائل:

1 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجوز أن يتولى القضاء العامي.

وقال أبو حنيفة: يجوز (5).

وقد خالف قوله تعالى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " (6)، والعامي إذا حكم بالتقليد حكم بغير ما أنزل الله.

2 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجوز أن يتولى المرأة القضاء.

وقال أبو حنيفة: يجوز (7).

وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: " أخروهن من حيث أخرهن الله تعالى، ومن ولاها القضاء قدمها وأخر الرجال " (8).

____________

(1) وما روي في هذه المسألة عن أبي حنيفة، ذكره الفضل في المقام، واعترف به، وذكر في الفقه على المذاهب ج 2 ص 145 والهداية ج 2 ص 69

(2) الإنسان: 7

(3) الفقه على المذاهب ج 2 ص 145 وبداية المجتهد ج 1 ص 343

(4) وقد ذكرنا فيما سبق جملة من مصادره، وراجع أيضا: بداية المجتهد ج 1 ص 243

(5) بداية المجتهد ج 2 ص 384 والهداية ج 3 ص 74

(6) المائدة: 44

(7) بداية المجتهد ج 2 ص 384 والهداية ج 3 ص 78

(8) وقد اعترف الفضل في المقام بدلالة الحديث على تنزيل رتبهن عن رتبة الرجال، في جملة الأحوال، ومنها منصب القضاء.


الصفحة 563
ولأن سماع صوتها حرام.

ولأنه يخاف منه الافتتان، وهو يمنع القضاء.

وقال أبو حنيفة: إذا أخطأ القاضي فحكم بما يخالف الكتاب والسنة لم ينقض حكمه (1).

وقد خالف قوله تعالى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " (2).

وقال صلى الله عليه وآله: " من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد ".

وقال صلى الله عليه وآله: " ردوا الجهالات إلى السنن " وهذه جهالة.

مع أن أبا حنيفة ناقض قوله. لأنه قال: لو حكم بجواز بيع ما ترك التسمية على ذبحه عامدا نقض حكمه، لأنه حكم بجواز بيع الميتة (3).

3 - ذهبت الإمامية: إلى أن للقاضي أن يحكم بعلمه.

وقال الفقهاء الأربعة: لا يقضي بعلمه، إلا أن أبا حنيفة قال: إن علم بذلك في موضع ولايته قبل التولية، أو بعدها حكم، وإن علم في غير موضع ولايته قبل التولية أو بعدها لم يقض (4).

وقد خالفوا بذلك قول الله تعالى: " فاحكم بين الناس بالحق " (5)، وقوله: " فإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " (6).

ولأن الشهادة تثمر الظن، والعلم يقيني، فيكون العمل به أولى.

وأيضا يلزم: إما فسق الحاكم، وإيقاف الأحكام، لأن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بحضرة الحاكم، ثم جحد الطلاق كان القول قوله مع

____________

(1) الهداية ج 3 ص 74 وبداية المجتهد ج 2 ص 384

(2) المائدة: 44

(3) قال القاضي روزبهان ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أن الحكم عنده لا يقبل النقض وهذا بعيد جدا أقول هذا اعتراف من المتعصب العنيد.

(4) بداية المجتهد ج 2 ص 392 و 393

(5) ص: 26

(6) المائدة: 42.


الصفحة 564
يمينه، فإن حكم بغير علمه، واستحلف الزوج، وسلمها إليه فسق، لأنها عليه حرام، وإن لم يحكم وقف الحكم. وهكذا إذا أعتق أو غصب بحضرته، ثم جحد.

ولأنه لو شهد عنده عدلان بخلاف ما يعلمه: إن عمل بها كان حكما بالباطل، وإن عمل بما يعلمه ثبت المطلوب.

4 - ذهبت الإمامية: إلى أن حكم الحاكم تبع لشهادة الشاهدين، فإن كانا صادقين كان حكمه صحيحا ظاهرا أو باطنا، وإن كانا كاذبين كان حكمه صحيحا ظاهرا، باطلا باطنا، سواء كان في عقد، أو رفع عقد، أو فسخ عقد أو لا.

وقال أبو حنيفة: إن حكم بعقد: أو رفعه، أو فسخه وقع حكما صحيحا باطنا وظاهرا، فمنه في إثبات العقد: إذا ادعى زوجته امرأة، فأنكرت، فأقام شاهدين يشهدان بالزوجية حكم بها له، حلت له باطنا وظاهرا، وإن كان لها زوج بانت منه بذلك، وحرمت عليه، وحلت للمحكوم له. ومنه في رفع العقد: إذا ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا، وأقامت شاهدين، فحكم بذلك بانت منه باطنا وظاهرا، وحلت لكل واحد من الشاهدين أن يتزوج بها، وإن كانا يعلمان أنهما شهدا بالزور ومنه بالفسخ لإقالة (1).

وقال في النسب: لو ادعى أن هذه بنته، فشهد له بذلك شاهدا زور، فحكم الحاكم بذلك حكمنا بثبوت النسب ظاهرا وباطنا، وصار محرما لها ويتوارثان (2).

____________

(1) وقد اعترف بما رواه المصنف عن أبي حنيفة فضل بن روزبهان في المقام، واعترف به أيضا في المسألة الخامسة من فصل الطلاق، فراجع، وقال في الهداية ج 3 ص 96: قال أبو حنيفة رحمه الله: (شاهد الزور أشهره في السوق، ولا أعزره) فمن أراد التفصيل فعليه بالمطولات من كتب الحنفية.

(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.


الصفحة 565
وقد خالف في ذلك قوله تعالى: " والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم " (1)، وأراد بالمحصنات: زوجات الغير، فحرمهن علينا إلا بملك اليمين سببا واسترقاقا، وأبو حنيفة أباحهن لنا بحكم باطل.

وقال تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " (2) وحكم إذا طلقها لا تحل له إلا بعد زوج. وأبو حنيفة قال: إذا جحد الطلاق حلت له (3).

وأيضا قوله تعالى: " فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره "، دل على أنها حلال له ما لم يطلقها. وأبو حنيفة يقول: إذا قضى له بزوجة غيره حرمت على الزوجة زوجها بغير طلاق منه، أو ادعت عليه أنه طلقها، وأقامت بذلك شاهدي زور حرمت عليه، وما طلقا (4).

وقال صلى الله عليه وآله: أنا بشر مثلكم، وإنكم لتختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه: فمن قضيت له بشئ من حق أخيه، فلا يأخذنه، فإنما أقطع له قطعة من النار (5).

فلا يجوز للعامي أن يتغافل ويتعامى عن مثل هذه المسائل، ويقول:

إن هذا فقيه عظيم، وإني طول عمري أقلده، وكذا آبائي وجماعة كثيرة من الناس، فكيف أخالف الجماعة الكثيرة؟ فإن هذا عذر لا يقبله الله منه في الآخرة، ولا يسمعه الله تعالى.

وقال أبو حنيفة: إذا قذف وجلد الحد لم تقبل شهادته أبدا، ولو تاب ألف توبة، ولو لم يجلد قبلت شهادته، فذهب إلى أن القذف بمجرده

____________

(1) النساء: 24

(2) البقرة: 230 -

(3) وقد أيد الفضل في المقام ما رواه مؤلفنا، وذكره وأشباهه أبو حامد الغزالي في كتابه: المنخول

(4) وقد تقدم ذكره، واعترف بذلك أيضا الفضل في المقام.

(5) منتخب كنز العمال ج 2 ص 201 والموطأ ج 2 ص 197 ومصابيح السنة ج 2 ص 54.


الصفحة 566
لا ترد به الشهادة، بل بالجلد وبعد الجلد لا يقبل شهادته (1)، وإن تاب.

وقد خالف قوله تعالى: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون " (2)، علق على القذف الجلد ورد الشهادة، ولم يعلق رد الشهادة على الجلد بل عطفها عليه، ثم قال: " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " (3) والاستثناء يرجع إلى الجمل المعطوف بعضها إلى بعض، لاتحادها في الحكم، ولأنه تعالى قال: " وأصلحوا "، شرط مع التوبة إصلاح العمل، فلا يكون الاستثناء عائدا إلى الفسق الأقرب لزواله بمجرد التوبة، وإصلاح العمل إنما يشترط في قبول الشهادة، فوجب عود الاستثناء إليه، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال قوله تعالى: " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " (4). توبته إكذابه نفسه، فإذا تاب قبلت شهادته، وهو نص، لأن المانع من قبول الشهادة الفسق إذ الوثوق بصدقه إنما يحصل بعدمه، فلا معنى لرد الشهادة بعد عدمه.

وقال أبو حنيفة: لو شهد عند الحاكم عدلان، فعميا قبل الحكم بشهادتهما لم يثبت الحكم، سواء كان المشهود به مما يحتاج إلى المشاهدة أو لا (5).

وقد خالف قوله تعالى: " وأشهدوا ذوي عدل منكم " (6)، وغيره من النصوص.

وقال أبو حنيفة: يقبل شهادة أهل الذمة على أمثالهم، وإن اختلفت مللهم كاليهود على النصارى (7).

____________

(1) بداية المجتهد ج 2 ص 386 والهداية ج 3 ص 89

(2) النور: 4 و 5

(3) النور: 4 و 5

(4) آل عمران: 89

(5) الهداية ج 3 ص 89

(6) الطلاق. 2

(7) الهداية ج 3 ص 90 و 91 ومختصر الوقاية ص 211.


الصفحة 567
وقد خالف قوله تعالى: " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " (1)، أمر بالتبين عند مجئ الفاسق، والكافر فاسق.

وقال: إذا حكم بشهادة عدلين في الظاهر، ثم تبين أنهما كانا فاسقين قبل الحكم لم ينقض حكمه (2).

وقد خالف قوله تعالى: " إن جاء كم فاسق بنبأ فتبينوا ".

ولأن الشرع أوجب الحكم بشهادة العدل، فإذا ظهر أنه غير عدل لو بقي حاكما لكان حاكما بغير الشرع.

ولأن رد شهادة الفاسق مجمع عليه قطعي فوجب نقض الحكم له.

وقال أبو حنيفة: يقبل شهادة الخصم على خصمه (3).

وقد خالف قوله النبي صلى الله عليه وآله: " لا يقبل شهادة الخائن ولا الخائنة، ولا الزاني ولا الزانية، ولا ذي غمز على أخيه، وذو الغمز من كان في قلبه حقد أو بغض، وأمر مناديا فنادى: لا يقبل شهادة خصم، ولا ظنين، والعدو منهم " (4).

ولأن المناط في قبول الشهادة حصول ظن الحاكم بصدق المدعي باعتبارها، ومع العداوة لا يثبت الظن.

وقال أبو حنيفة: الفسق الذي يرد به الشهادة ما لم يكن على وجه الدين كالزنا والسرقة، أما من يتدين به ويعتقده مذهبا، فلا يرد شهادته، كأهل الذمة فسقوا على سبيل التدين، وكذا أهل البغي فوجب أن لا يرد شهادتهم (5).

____________

(1) الحجرات: 6.

(2) الهداية ج 3 ص 88، 9.

(3) بداية المجتهد ج 2 ص 387 ورواه ابن الحاجب في مختصره، والعضد الإيجي في شرحه.

(4) مصابيح السنة ج 2 ص 55 وسنن ابن ماجة ج 2 ص 792

(5) الهداية ج 3 ص 90 ومختصر الوقاية ص 212.


الصفحة 568
وقد خالف قوله تعالى: " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " (1).

وقال أبو حنيفة، ومالك: اللعب بالشطرنج غير حرام لكن ترد به الشهادة.

وقال الشافعي: مكروه وليس بحرام ولا ترد به الشهادة (2).

وقد خالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله، حيث نهى عن اللعب بالشطرنج.

ومر علي (ع) بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال: " يأتي على الناس زمان يلعبون بها، ولا يلعب بها إلا كل جبار، والجبار من النار، يعني الشطرنج " (3).

ومر بقوم يلعبون بالشطرنج فقال: " ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون "، شبهها بالأصنام المعبودة.

وقال: اللاعب بالشطرنج من أكذب خلق الله تعالى يقول: مات وما مات (4).

وقال أبو حنيفة: لا يفسق شارب النبيذ المطبوخ ولا غيره، ولا أحده، ولا أرد شهادته (5).

وهو خلاف ما تقدم من تحريم النبيذ.

ذهبت الإمامية: إلى تحريم اللعب بالنرد، ورد الشهادة به.

وقال الشافعي: ليس بحرام، ولا يرد به الشهادة (6).

____________

(1) الحجرات: 4

(2) الهداية ج 3 ص 90 والأم ج 6 ص 208 و ج 8 ص 310 ومختصر الوقاية ص 212

(3) مختصر كنز العمال ج 6 ص 175 أقول: وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وآله، وعلي (ع) روايات في النهي عن اللعب بها.

(4) مختصر كنز العمال ج 6 ص 175 أقول: وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وآله، وعلي (ع) روايات في النهي عن اللعب بها.

(5) لأن من مذهب أبي حنيفة جواز استعمال النبيذ، ولذا توسل الفضل في المقام بالتوجيه والتأويل

(6) الأم ج 6 ص 208.


الصفحة 569
وقد خالف قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " من لعب بالنرد، فقد عصى الله ورسوله " (1).

وقال صلى الله عليه وآله: " من لعب بالنرد شير، فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه " (2).

وقال الشافعي، ومالك: الغناء ليس بحرام، ولا يفسق فاعله، ولا يرد شهادته (3).

وقد خالفا قوله تعالى: " واجتنبوا قول الزور " (4) وقال محمد بن الحنيفة: قول الزور: الغناء (5).

وقال الله تعالى: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " (6).

وقال ابن عباس، وابن مسعود: إنه الغناء (7)، وقال صلى الله عليه وآله:

الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل (8).

ونهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع المغنيات وشرائهن، والتجارة فيهن، وأكل أثمانهن، وثمنهن حرام (9).

____________

(1) التاج الجامع للأصول ج 5 ص 287 وسنن ابن ماجة ج 2 ص 1238

(2) سنن ابن ماجة ج 2 ص 1238 والتاج الجامع للأصول ج 5 ص 287 وقال: رواه أبو داود، ومسلم.

(3) الأم ج 6 ص 209

(4) الحج: 30

(5) وفي مجمع البيان ج 7 ص 72 وفي تفسير البرهان رواه عن الإمام الصادق (ع)

(6) لقمان: 6

(7) الدر المنثور ج 5 ص 159 وتفسير الخازن، وفي هامشه النسفي ج 3 ص 468

(8) التاج الجامع للأصول ج 5 ص 286 وقال: رواه أبو داود، وابن أبي الدنيا، ومنتخب كنز العمال ج 6 ص 175

(9) التاج الجامع للأصول ج 5 ص 287 وقال: رواه الترمذي، والإمام أحمد، ومنتخب كنز العمال ج 6 ص 176 والدر المنثور ج 5 ص 159.


الصفحة 570
وقال مالك: كل من حد في معصية لا أقبل شهادته بعد توبته وعدالته (1) وقد خالف قوله تعالى: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " (2).

وقال مالك: لا أقبل شهادة البدوي على الحضري إلا في الجراح (3).

وقد خالف الآية.

وقال مالك: إذا شهد صبي، أو عبد، أو كافر عند الحاكم فردت شهادتهم، ثم بلغ الصبي، وأعتق العبد، وأسلم الكافر، ثم أعادوها لم يقبل (4).

وقد خالف الآية.

وقال مالك: شهادة المخبتي، وهو الذي يخفيه صاحب الدين عن المقربه، ثم يجادل المقر في الحديث، فيقر ويسمعه المخبتي لا تقبل (5).

وقد خالف الآية.

ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا شهد على أصل شاهد واحد، وعلى الأصل الثاني آخر لم يقبل، وقال أحمد: يقبل (6).

وهو خلاف الاجماع.

ولأن كل أصل لم يثبت بشهادته.

ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا ادعى زوجية امرأة فأنكرت، ولم يكن له بينة كان عليها اليمين.

____________

(1) الفروق ج 4 ص 71 ورواه عن أحمد بن حنبل أيضا، وتهذيب الفروق ج 4 ص 114 المطبوع في هامش الفروق.

(2) البقرة: 282

(3) الفروق ج 7 ص 71 وتهذيب الفروق ج 4 ص 114 وبداية المجتهد ج 2 ص 388

(4) الفروق ج 7 ص 71 وتهذيب الفروق ج 4 ص 114 وبداية المجتهد ج 2 ص 388

(5) وقال الفضل في المقام: إنها مسألة اجتهادية. ولا خفاء أن أمثال هذا الاجتهاد مما لا يرضى به الفقيه.

(6) ذكره الفضل في المقام، وتوسل في الرد بالتوجيه والتأويل.


الصفحة 571
وقال أبو حنيفة: لا يمين عليها (1).

وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: " البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه (2).

وقال أبو حنيفة: إذا وطئ اثنان امرأة في طهر واحد وطيا يلحق به النسب، وأتت به لمدة يمكن أن يكون لكل واحد منهما يلحق بهما معا.

ونقل الطحاوي عنه: إنه يلحقه باثنين، ولا يلحقه بثلاثة.

وحكى الكرخي، والرازي، وغيرهما عنه: أنه لو ادعاه مائة أب ألحقه بهم.

ثم قال أبو حنيفة: لو كان لرجل أمتان فحدث ولده، فقالت كل واحدة منهما: هو ابني من سيدي، ألحق بالأمتين معا (3).

وهذا خلاف المعقول، والمنقول: للعلم الضروري بأن الوالد الواحد لم يولد من أمهات شتى، ولا من آباء شتى.

وقال الله تعالى: " يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " (4).

وقال أبو حنيفة: الكتابة الفاسدة لازمة (5).

وهو خلاف الأصل الدال على أصالة بقاء الملك، السالم عن معارضة المزيل.

وقال أبو حنيفة: إذا كاتب عبده، ومات وخلف اثنين، فأبرأه أحدهما من نصيبه أو أعتقه لا يصح الابراء ولا العتق (6).

____________

(1) وقد أشار إليه الفضل، فمن أراد التحقيق فليراجع كتب الحنفية.

(2) التاج الجامع للأصول ج 3 ص 61 وقال رواه الترمذي.

(3) الهداية ج 2 ص 53 وهذا أيضا مما اعترف به الفضل في المقام، وتمسك بالتوجيه.

(4) الحجرات: 13

(5) بداية المجتهد ج 2 ص 314.

(6) الهداية ج 3 ص 186 و 197.


الصفحة 572
وهو خلاف قوله صلى الله عليه وآله: " الناس مسلطون على أموالهم ".

وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: إذا كان عبد بين اثنين، فكاتب أحدهما على نصيبه بغير إذن شريكه لم يصح (1).

وقد خالفوا قوله تعالى: " فكاتبوهم إن علمتم " (2).

وقوله صلى الله عليه وآله: " الناس مسلطون على أموالهم ".

وقال الشافعي: إذا كان عبد بين اثنين، لأحدهما الثلثان، وللآخر الثلث، فكاتباه بمائتين على التسوية، لم يصح حتى يتفاوتا على النسبة (3).

وقد خالف العمومات، ولعدم التقدير في المال بل لكل أحد أن يكاتب عبده بما شاء، فكذا بعضه.

فهذه الأحكام الشرعية، التي خالف فيها الجمهور القرآن والسنة، بعض من كل، ومن أراد الاستقصاء فعليه بكتب الفقه، فإنه يظفر على أكثر من هذا، وإنما اقتصرنا على هذا طلبا للاختصار.

ولأن المطلوب بيان أنه لا يجوز للعامي أن يقلد أمثال هؤلاء، بل من يكون معصوما، لا يجوز عليه الخطأ، ولا الزلل، وهو حاصل بذلك.

____________

(1) الهداية ج 2 ص 192 وبداية المجتهد ج 2 ص 316

(2) النور: 33

(3) الأم الشافعي ج 8 ص 41

تمت هذه التعليقة، وتصحيح الكتاب، والحمد لله على كمالها، وفيها من الفوائد ما لا يستغنى عنه أبدا، ومن راجعها علم أنها كذلك، وفي الختام أبتهل إلى الله تعالى أن يتقبل أعمالنا، ومنه وحده عز وجل أطلب المكافأة والجزاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، كما وأسأله تعالى مكافأة من شجعني وأعانني، مع الشكر والتقدير لهم سيما سيدنا الفقيه الجامع، آية الله السيد رضا الصدر، دام ظله الوارف. وكان الفراغ من التعليقة، والتصحيح ليلة الجمعة السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1398 بقلم أقل خدمة الدين الإسلامي، وسدنة المذهب الإمامي، عين الله حسني الأرموي، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله وسلم...


الصفحة 573
فليحذر من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعرف أنه مسؤول غدا عن عمله، واعتقاده، من اتباع ذوي الأهواء، والانقياد إلى تقليد الأجداد والآباء، ولا يدخل نفسه في زمرة الأشقياء، فإن الرؤساء منهم اعبدوا ما اعتقدوه من العقائد الباطلة منهم، طلبا للمنافع الدنيوية، وأهملوا من الآخرة، وطلبوا العاجلة، ورفضوا الآجلة، نعوذ بالله تعالى من مزل الأقدام.

وفيما أوردناه في هذا الكتاب كفاية لمن له أدنى تحصيل، فكيف من يستغني عن كثير التنبيه بالقليل، والله الموفق للصواب، والمآب.

وصلواته على سيدنا، ونبينا، وهادينا، ومهدينا محمد المصطفى، وعلى ابن عمه ووصيه، وعترته النجباء، صلاة ينقد أولها، ولا ينفد آخرها، تقصم بها ظهور الجاحدين، ويرغم بها أنوف المبطلين، جعلنا الله وإياكم من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.