الصفحة 29

"سألت الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم...) وما يقوله الناس: ما باله لم يُسمّ عليّاً وأهل بيته. قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هو الذي فسّر لهم ذلك..."(1).

فقد قرّر عليه السلام أنـّه لم يأت ذكرهم في الكتاب نصّاً وإنْ كانوا مقصودين بالذات من العمومات الواردة في القرآن كثيراً، وقد نبّه على ذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في كثير من المواقف أوّلها حديث يوم الإنذار، وآخرها حديث الغدير، والآيات في جميع هذه الموارد كثيرة، جمع جلّها الحاكم الحسكاني في كتابه "شواهد التنزيل" وغيره، وهذه الصحيحة حاكمة على جميع الرّوايات الّتي تدلّ على ذكرهم في الكتاب. ونحن نعلم أنّ ذكرهم عليهم السلام في الكتاب بالنعوت والأوصاف لا بالتسمية المتعارفة.

3 ـ الرّوايات الّتي بصدد بيان علوّ القرآن ومقامه ومعرفة شأنه في حياة الإنسان.

منها ما عن الإمام الحسن عليه السلام عن جدّه الأطهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:

"... هو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم... وهو الفصل ليس بالهزل..."(2).

وعن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام:

____________

1 ـ الكافي: ج 1، ص 286 والآية 59 من سورة النساء.

2 ـ تفسير العياشي: ج 1، ص 3، رقم 2 وص 6 رقم 11.


الصفحة 30

"فالقرآن آمرٌ زاجر وصامت ناطق، حجّة الله على خلقه..."(1).

وفي خطبة فاطمة عليها السلام في أمر فدك:

"... ومعنا كتاب الله بيّنة بصائره، وآي فينا منكشفة سرائره، وبرهان منجلية ظواهره... فيه بيان حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذرة وبيّنانه الجالية و..."(2).

وعن الإمام الحسن بن علي عليهما السّلام:

"إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النّور وشفاء الصدور..."(3).

وعن أبي عبد الله عليه السلام:

"إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدّجى و..."(4).

وروايات اُخرى عن أهل البيت عليهم السلام وهي كثيرة جداً تركناها خوف الإطالة(5).

4 ـ الرّوايات الواردة في عرض الأخبار على الكتاب مطلقاً وترك العمل بما لم يوافقه أو لم يشبهه وستأتي جملة منها.

5 ـ الرّوايات المتظافرة في أبواب الفقه وغيره في آداب تلاوة القرآن وغيرها الّتي جمعت في أبواب عديدة كروايات "باب الاستشفاء بالقرآن"، "باب التوسل بالقرآن"، "باب حفظ القرآن"، "باب حملة القرآن"، "باب قراءة القرآن"، "باب استماع القرآن"، "باب كتابة القرآن"، "باب الحلف بالقرآن" و... ويشمل كلّ باب

____________

1 ـ نهج البلاغة: الخطبة 181.

2 ـ كتاب بلاغات النساء: ص 28، وكتاب السقيفة، للجوهري، كما عنه في كشف الغمة: ص 483.

3 ـ الكافي: ج 2، ص 600.

4 ـ نفس المصدر.

5 ـ كما ورد في عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 87 وما بعده والأمالي (للطوسي): ج 2، ص 193 وما بعده. وقد جمع كثير منها في كتاب "عدّة الداعي" لابن فهد الحلي: ص 327 ـ 364 وكتاب "الحياة": الباب السادس: ج 2، ص 41 وما بعدها.


الصفحة 31
منها عشرات الرّوايات(1).

فمجموع هذه الرّوايات على اختلاف أصنافها يدلّ دلالة قاطعة على أنّ القرآن الموجود هو القرآن النازل على النبىّ صلى الله عليه وآله وسلّم من دون أي تغيير أو تحريف. ولو كان القرآن الموجود محرّفاً ـ نعوذ بالله ـ لما بقي أثر لهذه الأبواب وما شابهها.

فعلماء الإمامية من المتقدّمين والمتأخرين قد استدلّوا بالطوائف المذكورة من الرّوايات التي قد تَنُوف على الآلاف من الأحاديث المعتبرة لجهتين:

الجهة الاولى:

إثبات صيانة القرآن عن التّحريف.

الجهة الثانية:

إسقاط الرّوايات الّتي تدلّ بظاهرها على التّحريف إذ لم يوجد لها تأويل صحيح، لأنّ في مقام تعارض الرّوايات، يسقط ما هو أضعف دلالة وسنداً وما هو مخالف للقرآن الكريم ـ وهي روايات موهمة لتحريف القرآن ـ لا محالة، وإليك أسماء جماعة منهم:

فمن المتقدمين:

  • الشيخ أبو جعفر الصدوق (ت 381 هـ.)(2).

  • شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت 460 هـ.)(3).

  • أبو المكارم قوام الدين الحسني (توفي في القرن السابع)(4).

  • المحقق الثاني علي بن عبد العالي الكركي (ت 940 هـ.)(5).

    ____________

    1 ـ انظر: بحار الأنوار; كتاب القرآن: ج 92، ص 13 ـ 34 وص 175 ـ 372 وأيضاً ج 93 كتاب القرآن، والحياة: الباب السادس: ج 2، ص 41 وما بعدها.

    2 ـ الاعتقادات: ص 103.

    3 ـ التبيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 3 و4.

    4 ـ تفسير البلابل والقلاقل: ج 1، ص 244 و258.

    5 ـ عن آلاء الرحمن: ص 26.


    الصفحة 32

  • محمّد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي الملقب بصدر المتألّهين (ت 1050 هـ.)(1).

  • السيد محمّد مهدي الطباطبائي (ت 1212 هـ.)(2).

  • الشيخ جعفر الكبير (ت 1228 هـ.)(3).

  • السيد حسين الكوه كمري (ت 1299 هـ.)(4).

    ومن المتأخرين:

  • العلاّمة السيد محمّد حسين الطباطبائي (ت 1402 هـ.)(5).

  • آية الله السيد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 هـ.)(6).

  • الاستاذ مير محمّدي زرندي "مُدَّ ظلُّه"(7).

  • الاستاذ محمّد هادي معرفة "مُدَّ ظلُّه"(8).

    وغيرهم(9).

    قال العلامة الطباطبائي في عِداد أدلة عدم تحريف القرآن:

    "ويدل على عدم وقوع التّحريف الأخبار الكثيرة المروية عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من طرق الفريقين الآمرة بالرجوع إلى

    ____________

    1 ـ شرح الكافي: ص 199 و202 و205.

    2 ـ الفوائد في علم الاصول، مبحث حجية الكتاب، عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 25.

    3 ـ كشف الغطاء; كتاب القرآن: ص 229.

    4 ـ بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 27.

    5 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 107.

    6 ـ البيان في تفسير القرآن: ص 221 وما بعدها.

    7 ـ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه: ص 30.

    8 ـ صيانة القرآن عن التّحريف: ص 51 وما بعدها.

    9 ـ راجع آراء حول القرآن الكريم (للفاني): ص 113 وحقائق هامة حول القرآن الكريم (للسيد جعفر مرتضى): ص 95 وما بعدها وتدوين القرآن (للشيخ علي الكوراني): ص 446 ومابعدها.


    الصفحة 33

    القرآن عند الفتن، وفي حلّ عقد المشكلات.

    وكذا حديث الثقلين المتواتر من طرق الفريقين.

    وكذا الأخبار الكثيرة الواردة عن النبىّ والأئمة عليهم السلام الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب... وأخبار العرض كالصريح أو هو الصريح في أنّ الأمر بالعرض إنّما هو لتمييز الصدق عن الكذب والحقّ عن الباطل مطلقاً ولا يختص برواية دون رواية.

    وكذا الأخبار التي تتضمن تمسك أئمة أهل البيت بمختلف الآيات القرآنية في كلّ باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا...

    وكذا الرّوايات الواردة عن الإمام أمير المؤمنين وسائر الأئمة من ذريّتهم عليهم السلام في أنّ ما في أيدي الناس قرآن نازل من عند الله سبحانه...

    فمجموع هذه الرّوايات على اختلاف أصنافها يدلّ دلالة قاطعة على أنّ الّذي في أيدينا من القرآن هو القرآن النازل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم من غير أن يفقد شيئاً من أوصافه الكريمة وآثارها وبركاتها"(1).

    ____________

    1 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 107 ـ 108.


    الصفحة 34

    ج ـ الشواهد التاريخية

    إنّ الشواهد التاريخية الكثيرة تدلّ على أنّ القرآن الكريم متواتر بجميع أجزائه تواتراً قطعياً، فالمسلمون اعتنوا عناية فائقة على مدى التأريخ بحفظ القرآن الكريم وضبطه وقراءته ورسمه، لأنسهم العظيم به ولقداسته في نفوسهم ولحساسيتهم الشديدة تجاه حصول أىّ تغيير فيه، كلّ هذا منع من حصول أي تغيير أو تبديل فيه على مدى التاريخ.

    فبالاضافة الى استدلال علماء الإمامية بالأدلة القرآنية والحديثية; اعتمدوا على الشواهد التاريخية، وإليك بعضهم:

  • الشريف المرتضى علي بن الحسين علم الهدى (ت 436): قال في كتابه "الذخيرة في علم الكلام":

    "قد بيّنا صحّة نقل القرآن في المسائل الطرابلسيات، وأنـّه غير منقوص ولا مبدَّل ولا مغيَّر وأن العلم بأنّ هذا القرآن الذي في أيدينا هو الذي ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المصنّفة المشهورة والأشعار المدوّنة.

    وذكرنا أنّ العناية اشتدت بالقرآن، والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حد لم تبلغه في نقل الحوادث والوقائع والكتب المصنّفة... وانّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه كالعلم بجملته وأنه يجري في ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنّفة ككتاب سيبويه والمزني... ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء..."(1).

    ____________

    1 ـ الذخيرة في علم الكلام: ص 361 ـ 364 وأيضاً المسائل الطرابلسيات عن مجمع البيان: ج 1، ص 15.


    الصفحة 35

  • الشيخ سديد الدين محمود الحِمصي الرازي(1) (ت اوائل المائة السابعة)

  • جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر العلامة الحلّي(2) (ت 726 هـ.).

  • الشيخ زين الدين أبو محمّد العاملي البياضي(3) (ت 877 هـ.).

  • المولى المحقق الأردبيلي (ت 993 هـ.) قال:

    "... ولمّا ثبت تواتره ـ أي القرآن ـ فهو مأمون من الإختلال مع أنـّه مضبوط في الكتب حتى أنـّه معدود حرفاً حرفاً وحركة حركة وكذا طريق الكتابة وغيرها ممّا يفيد الظن الغالب بل العلم بعدم الزيادة على ذلك والنقص..."(4).

  • الشيخ حسن بن زين الدين(5) (ت 1011 هـ.).

  • الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي(6) (ت 1104 هـ.).

  • السيد محمّد الطباطبائي(7) (ت 1242 هـ.).

  • المحقق التبريزي(8) (ت 1307 هـ.).

    ____________

    1 ـ المنقذ من التقليد: ص 477 ـ 478.

    2 ـ أجوبة المسائل المهنائية: ص 121.

    3 ـ الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم: ج 1، ص 45.

    4 ـ مجمع الفوائد والبرهان: ج 2، ص 218.

    5 ـ معالم الدين وملاذ المجتهدين: ص 147 ـ 148.

    6 ـ كما في الفصول المهمة للسيّد عبد الحسين شرف الدين: ص 166 هذا ويبدأ الشيخ الحرّ العاملي عند ذكره لمؤلفاته بـ "رسالة تواتر القرآن". راجع وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ج 1، ص 86، (30 مجلّداً)، طبع مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

    7 ـ مفاتيح الاصول، "مبحث في بيان احوال الكتاب الكريم": ص 322.

    8 ـ أوثق الوسائل بشرح الرسائل: ص 91.


    الصفحة 36

  • السيد شرف الدين العاملي(1) (ت 1377 هـ.).

  • الإمام روح الله الموسوي الخميني (ت 1409 هـ.). قال:

    "... فإنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه وقراءته وكتابته يقف على بطلان تلك المزعومة ـ أي مزعومة التّحريف ـ وأنـّه لاينبغي أن يركن إليه ذو مسكة..."(2).

  • السيد أبو القاسم الخوئي(3) (ت 1413 هـ.).

    ____________

    1 ـ أجوبة مسائل جار الله: ص 28 والفصول المهمة: ص 163.

    2 ـ تهذيب الاُصول: ج 2، ص 165.

    3 ـ البيان في تفسير القرآن: ص 123 ـ 124.


    الصفحة 37

    د ـ الدليل العقلي

    يستنتج بعض الأعلام من الدليل الآتي الذي يعتمد على بعض المقدمات، صيانة القرآن عن التّحريف:

    1 ـ إنّ الله عزّ وجلّ بحكمته أنزل القرآن لهداية الناس.

    2 ـ إنّ هذا الكتاب هو خاتم الكتب السماوية، كما أنّ المرسل به هو خاتم الأنبياء.

    3 ـ إذا ثبت التّحريف في القرآن ولم ينزل كتاب آخر أو يأتي رسول آخر يبين للناس الطريق الصحيح، فهو ممّا يؤدي بالأجيال الآتية بعد التّحريف الى التيه والضياع وهو طبعاً ليس بتقصير منهم.

    4 ـ لا يمكن نسبة هذا الضياع والإهمال إلى الله عزّ وجلّ، لأنّه يؤدي إلى نقض الغرض الذي من أجله بعث الله الانبياء لهداية البشرية.

    إذن فالقرآن يجب أن يكون مصوناً من كلّ تحريف(1).

    وقد قرّر هذا الدليل بأشكال مختلفة ينتج منها بالبداهة حكم العقل بمخالفة وقوع التّحريف في القرآن الكريم(2).

    ملحوظة:

    مع وجود الأدلّة المتقدمة في نفي وقوع التّحريف، والاطلاع على آراء علماء الإمامية حول هذا الموضوع يمكن الاذعان لهذه النكتة، وهي أنّ صيانة القرآن عن التّحريف هو مذهب محققي الشيعة واجماع الطائفة، ويندر وجود مخالف في هذا الأمر، وإليك بعض من ادعى الاجماع بصيانة القرآن عن التّحريف عبر القرون:

    ____________

    1 ـ هذا من تقريرات حضرة الاستاذ الجوادي الآملي "مدّ ظله" في رسالة "نزاهة القرآن عن التّحريف" مخطوط.

    2 ـ ومن علماء الإمامية الذين ذكروا هذا الدليل: المحقق التبريزي في "اوثق الوسائل بشرح الرسائل": ص 91 والنهاوندي في تفسيره "نفحات الرحمن في تفسير القرآن وتبيين الفرقان": ج 1، ص 11 والسيد أبو القاسم الخوئي في "البيان في تفسير القرآن": ص 27.


    الصفحة 38

  • في القرن الخامس: الشريف المرتضى علم الهدى (ت 436 هـ.).

    "... وقد بيّنا... أنّ القرآن كان على عهد النبىّ صلى الله عليه وآله مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن... غير منثور ولا مبثوث وذكرنا أيضاً أنّ من يخالف هذا الباب من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم و..."(1).

  • في القرن السادس: أمين الإسلام الطبرسي (المتوفّى في 548 هـ.). قال رحمه الله تعالى:

    "... أمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنَّ في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه..."(2).

  • في القرن الحادي عشر: الشهيد السعيد القاضي نور الله التستري(3) (ت 1019 هـ.).

  • في القرن الثالث عشر: الشيخ جعفر الكبير (كاشف الغطاء)(4) (ت 1228 هـ.).

    قال في كتابه القيّم "كشف الغطاء":

    "... لا زيادة فيه من سورة ولا آية من بسملة وغيرها ولا كلمة ولا حرف. وجميع ما بين الدفّتين مما يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين وإجماع المسلمين وأخبار النبىّ صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمة الطاهرين عليهم السلام وإن خالف بعض من لا يعتدّ

    ____________

    1 ـ الذخيرة في علم الكلام: ص 363.

    2 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 1، الفن الخامس، ص 15.

    3 ـ عن آلاء الرحمن: ج 1، ص 25 عن كتابه "مصائب النواصب".

    4 ـ كشف الغطاء: كتاب القرآن: ص 299.


    الصفحة 39

    به...".

    وأيضاً المولى أبو القاسم الجيلاني(1) (ت 1231 هـ.) والسيد محمّد الشهشهاني(2)(ت 1289 هـ.).

  • وفي القرنين الأخيرين:

    الشيخ محمّد حسن الآشتياني(3) (ت 1319 هـ.).

    السيد محسن الأمين العاملي(4) (ت 1371 هـ.).

    الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء(5) (ت 1373 هـ.).

    الشيخ عبد الحسين أحمد الاميني النجفي(6) (ت 1390 هـ.).

    والإمام روح الله الموسوي الخميني(7) (ت 1409 هـ.).

    *  *  *

    ____________

    1 ـ قوانين الاصول: ص 99 عن "البرهان" للبروجردي: ص 112.

    2 ـ عن "البيان في تفسير القرآن": ص 200.

    3 ـ بحر الفوائد في شرح الفرائد: ص 99.

    4 ـ نقض الوشيعة: ص 160.

    5 ـ أصل الشيعة وأصولها: ص 133.

    6 ـ الغدير في الكتاب والسنة والادب: ج 2، ص 101.

    7 ـ انوار الهداية: ص 243.


    الصفحة 40

    الصفحة 41

    الفصل الثاني
    دراسة روايات تحريف القرآن في كتب الشيعة

    النقطتان الأساسيّتان

    إنّ التحريف الذي تسرّب إلى الكتب السماوية السابقة (سواء أكان ذلك التحريف في معانيها ثمّ أخذ طريقه إلى نصوصها فيما بعد، كما نسب ذلك إلى ابن عباس(1)، أو كان التحريف في ألفاظها مباشرة) واضح من خلال نصوصها، حينما ينظر الإنسان إلى كتب العهدين يمكنه ادراك التحريف فيها بسهولة(2)، لكن ليس بوسع أحد التحدّث عن تحريف القرآن بالاستناد إلى النص القرآني، وهذا نفسه أفضل شاهد على تحقّق الوعد الالهي في حفظ القرآن من التحريف، وكلّ النزاعات المتعلّقة بتحريف القرآن تدور حول الرّوايات التي جاءت بهذا الصدد في كتب الفريقين، وكلّ من قال بتحريف القرآن كان مستنده هذه الرّوايات فقط، وليس

    ____________

    1 ـ صحيح البخاري: كتاب التوحيد، ج 9، ص 195.

    2 ـ انظر على سبيل المثال: قاموس الكتاب المقدس: مادة انجيل، والرحلة المدرسيّة: 4 ـ 68، والهدى إلى دين المصطفى: ج 1، ص 35 ـ 38، 71 ـ 306.


    الصفحة 42
    بمقدوره التشبث بالنص القرآني نفسه، فلهذا ينبغي أن يتركز البحث حول هذه الرّوايات، فنلاحظ أولا ما مقدار اعتبار هذه الرّوايات؟ وهل بالإمكان تأييدها من قبل القرآن نفسه أو لا؟

    وثانياً، ما هو معنى المفاهيم الأساسية التي تورد في مضامين الرّوايات ويدور مفاد الرّوايات في الواقع على تلك المفاهيم.

    النقطة الاولى: مدى اعتبار روايات تحريف القرآن

    إذا اخذنا هذا بنظر الاعتبار علمنا أنّ حجية الرّوايات حدوثاً وبقاءً تعتمد على القرآن إذ إنّ القرآن نفسه أرشد إلى السنة في تبيينه وتفسيره وهذا يعني أنّ حجية أيّ رواية تدور مدار إمضاء القرآن لها وعدمه فان أمضى صارت الرواية حجة وإلاّ فلا، وبناءً على هذا فاذا كان نصُّ الرّوايات ـ بعد الفراغ من صحة السند ـ موافقاً للقرآن فبها; وإلاّ وجب طرحه كما هو حال السيرة المتلقاة عن المعصومين عليهم السلام. وهنا عندنا طائفتان من الرّوايات:

    الاولى تثبت التّحريف في القرآن والاخرى تنفيه فاذا عرضناهما على القرآن رأينا بوضوح ان القرآن ينفي الاولى ويثبت الثانية، فاسقاط روايات التّحريف أمر لابد منه.

    بل ان روايات التّحريف مخالفة للسنة القطعية أيضاً اذ كيف يمكن للعترة التي هي مبيّنة للوحي ووارثة للكتاب وعدل القرآن ـ بدليل حديث الثقلين(1) ـ أن تكون على خلاف الهدف الذي نزل من أجله القرآن وتخالف تعاليمه صراحةً، ونظراً للأهمية الكبرى لهذه المسألة (أي إثبات التّحريف في القرآن) فقد لزم أن تكون الرّوايات في هذا الموضوع نصوصاً صريحة واضحة الدلالة على المراد، وإلاّ

    ____________

    1 ـ سيبحث عن حديث الثقلين بالإجمال في المقام الثاني.


    الصفحة 43
    صارت مُضِلّةً ومضيّعة للإنسان ومبعدة له عن القرآن وعن السنّة الصحيحة; إذ كيف يمكن لنا الهداية إذا كان القرآن محرّفاً والسنة غير صحيحة؟ ذلك لأنّ القرآن إذا كان محرّفاً فلا يمكن اعتباره معياراً لمعرفة صحيح الأحاديث من سقيمها كي يتمّ الاعتماد على الصحيح منها.

    وبهذه المقدّمة اتّضح أنّ ذلك العدد القليل من المحدّثين الذين يصرفون همهم إلى زيادة عدد الرّوايات دون التحرّي عن صحتها وسقمها، قد اعتمدوا على تلك الرّوايات ـ التي تشعر بظاهرها على التحريف ـ نتيجة غفلتهم عن النكتة آنفة الذكر، وبالتالي صارت الرّوايات عندهم حاكمة على القرآن في حال كونها مقابلة للنصوص الصريحة الواردة عن المعصومين عليهم السلام في حاكمية القرآن، ومخالفة صراحة لظاهر القرآن الذي أوكل الى السنّة الشريفة تبيين الوحي وتفسيره، ومعنى هذا الإيكال هو أنّ الرّوايات في مدار تبيين الوحي صارت حجة فقط لا غير.

    نعم ان هذا النوع من المحدثين لإفراطهم في التعلّق بالروايات دون القرآن ابتعدوا ـ من حيث لا يشعرون ـ عن النسج والنهج القرآني وصدر منهم كل غريب(1). فيستحيل مثلا على كلّ من له حظّ من المعرفة بالنسج القرآني ـ مهما كان قليلا ـ أن يقول: انّه لا يوجد تناسب بين الجملتين في قوله تعالى: (... وإنْ خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء...)(2) وانه قد سقط شيء بينهما;

    ____________

    1 ـ يوجد هذا النوع من تعلق الخاطر بين العامّة والخاصّة، فقد كتب القاضي عياض في البحث عن اسطورة القاء الشيطان في الوحي والذي روي في بعض تفاسير أهل السنة كتفسير الطبري وغيره: "ان هذا حديث لم يخرجه احد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل وانما اولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم" (الشفاء بتعريف حقوق المصطفى: ج 2، ص 750).

    2 ـ سورة النساء (4): الآية 3.


    الصفحة 44
    وذلك لأنّه بأقل تأمل يتضح وجود ارتباط وثيق وتناسب دقيق بين الجملتين، حيث إنّ الخطاب في الآية السابقة يتعلّق بأموال اليتامى والنهي عن التجاوز على حقوقهم، فقال تعالى عزُّه: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنّه كان حوباً كبيراً)(1) فالآية واقعة موقع الترقي بالنسبة إلى النهي الواقع في هذه الآية فالمعنى ـ والله أعلم ـ اتقوا أمر اليتامى، ولا تتبدلوا خبيث أموالكم بطيب أموالهم، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم حتى إنّكم إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتيمات منهم ولم تطب نفوسكم للخوف من عدم القسط فلا تنكحوهن وتتزوجوا بهن، فدعوهن وانكحوا نساءً غيرهن ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع والشاهد عليه الآية 127 من السورة نفسها، قال تعالى: (يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهنَّ ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط...).

    وعلى هذا كيف تقبل رواية تقول; "سقط بين هاتين الجملتين المتقدمتين من الآية الشريفة ثلث القرآن"(2)، وهذه الرواية بالاضافة إلى كونها مرسلة فهي مخالفة للنص القرآني الصريح فتكون ساقطة عن الاعتبار من حيث الدلالة، ولو أضفنا إلى ذلك كون المخاطب بهذا الكلام هو أحد الزنادقة الذي أحتج واستدل على تحريف القرآن بهذه الآية، فكيف يصحّ من الإمام علىّ ـ عليه السلام ـ أن يجيبه بما يدلّ على سقوط ثلث القرآن بين جملتي الآية; وهذا يكون دليلا ضد

    ____________

    1 ـ سورة النساء (4): الآية 2.

    2 ـ الاحتجاج: ج 1، ص 377 ـ 378. لا يخفى انه لم يخرج احد هذه الرواية اِلاّ صاحب كتاب الاحتجاج مرسلة.


    الصفحة 45
    القرآن لا له، ثمّ هل يعقل أساساً أنّ ثلث القرآن قد سقط بين جملتين؟!!(1) ومع هذا كله نرى بعض المحدثين قد تلقفوا الحديث وأخذوه بنظر الاعتبار!! لانهم ـ كما قلنا ـ قد ابتعدوا عن النسج والنظم القرآني، بل الروح القرآني ولم يفهموا الدين الاّ من خلال روايات مبعثرة ومتضاربة دون ان تكون لهم رؤية واضحة أو يلجأوا إلى ركن وثيق.

    وهلمّ معي وانظر إلى روايات أهل السنة الموجودة في كتبهم المتعددة والتي نقلت بأسانيد مختلفة عن اُبي بن كعب أنـّه قرأ من سورة البينّة:

    "لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فاعطيه لسأل ثانياً فاعطيه لسأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب وان ذلك الدين القيم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية...".

    وفي رواية عن "أبي واقد الليثي" قال: أنزل الله تعالى:

    "انا انزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحبَّ أن يكون له ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون لهما ثالثٌ ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ثم يتوب الله على من تاب".

    ونقلت روايات أُخرى بصور مختلفة(2).

    ولنقرأ معاً الردّ الجميل الذي ذكره العلامة البلاغي المفسّر:

    "هب أنّ المعرفة والصدق لا يطالبان المحدثين "ولا نقول القصاص"

    ____________

    1 ـ قد أجاد وأتقن الشريف الرضي (ت / 406 هـ.) في دفع شبهة عدم التناسب بين جملتين في الآية الكريمة. انظر: حقائق التأويل في متشابه التنزيل: ص 291 ـ 296.

    2 ـ ستأتي هذه الرّوايات وروايات أُخر مع ذكر مصادرها في فصل: دراسة أحاديث التحريف في كتب أهل السنة.