إن التاريخ الاسلامي لم يبدأ تدوينه إلاّ بعد زوال بني اُمية وقيام دول لا يسرّ رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي ومحاسن أهله، فتولى تدوين تاريخ الإسلام ثلاث طوائف: طائفة كانت ترى العيش والجدة من التقرب الى مبغضي بني اُمية بما تكتبه وتؤلفه، وطائفة ظنت ان التديّن لا يتم، ولا يكون التقرب الى الله إلاّ بتشويه سمعة أبي بكر وعمر وعثمان وبني عبد شمس جميعاً، وطائفة ثالثة من أهل الانصاف والدين -كالطبري وابن عساكر وابن كثير- رأت أن من الإنصاف أن تجمع أخبار الأخباريين من كل المذاهب والمشارب- كلوط بن يحيى الشيعي المحترق، وسيف بن عمر العراقي المعتدل- ولعل بعضهم اضطر الى ذلك إرضاء لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها، وقد أثبت أكثر هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردوها ليكون الباحث على بصيرة من كل خبر بالبحث عن حال راويه. وقد وصلت الينا هذه التركة، لا على أنها هي تاريخنا، بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا، وهذا ممكن وميسور إذا تولاّه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المراجع، وله من الالمعية ما يستخلص به حقيقة ما وقع ويجردها عن الذي لم يقع، مكتفياً باُصول الأخبار الصحيحة من الزيادات الطارئة عليها...(1).
ولسوف يتبيّن للقارئ أن الشيخ محب الدين الخطيب لم يلتزم بهذه
____________
1- العواصم من القواصم: 179 هامش: 309.
فأما إدعاؤه أن المؤرخين قد كتبوا ما كتبوه في العصر العباسي ذماً لبني اُمية، فليس صحيحاً تماماً لأسباب:
أولها: إننا حينما أوردنا طرق تحمل الرواية، كنا نستهدف لفت إنتباه القراء الى أن الروايات التي دونت في العصر العباسي، إنما جاءت من طريق الرواة الذين دونوها في العصر الاُموي على أيدي كتاب السيرة والتاريخ - كالزهري وعروة بن الزبير وغيرهم- ثم انتقلت هذه الروايات بتلك الطرق الى المؤرخين الكبار كالطبري في العصر العباسي، حيث تم تجميعها في تلك المدونات الكبيرة.
يقول فؤاد سزگين: إذا أراد الباحث إذاً تقدير قيمة المواد المتعلقة بالقرنين الأول والثاني للهجرة في المصادر التي وصلت إلينا اعتماداً على الاسناد، فعليه أن يتحرر من الآراء القائلة بأن هذه الأخبار ظلت تتداول شفاهاً على مدى مائة وخمسين عاماً، أو أن المحدثين قد اخترعوا الاسناد في نهاية القرن الثاني للهجرة وأضافوه الى الأخبار فدونت به بعد ذلك، وعليه أن ينظر الى هذه المؤلفات باعتبارها كتباً مجموعة من مصادر مدونة تعود بدورها الى مصادر مدونة أقدم، فالأسماء الواردة في الأسانيد تعطي -في مجموعها أو معظمها- أسماء المؤلفين، أو أسماء عدد من الرواة والمؤلف، وعلى كل حال فإننا نجد في كل خبر من الأخبار مصدراً مدوناً واحداً على الأقل. وهكذا فليست كل الأسماء الواردة في الاسناد التالي المذكور عن الطبري أسماء مؤلفين: "حدثنا حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير". فالنص الذي نقله
فيتبين من هذا أن أصل رواية الطبري هذه قد جاءت عن عروة بن الزبير المتوفى سنة (94 هـ)، أي أنه قد عاش الشطر الأكبر من عمره وكتب وتوفي في العصر الاُموي، وفيه دوّن هذه الرواية التي تناقلها عنه الرواة حتى وصلت الى الطبري في العصر العباسي.
ثانيها: أن الكثير من المؤرخين والكتّاب الذين عاشوا في العصر الاُموي قد أطْروا عصرهم هذا وذكروا لهم الفضائل الكثيرة، وبقيت كتبهم متداولة الى العصر العباسي دون اعتراض، فقد ذكر المسعودي -وهو من المؤرخين الذين عاشوا في العصر العباسي كما هو معلوم -أسماء بعض المؤرخين- في معرض تعداده لهم - فأثنى على أحدهم وذكر أنه كتب في "أخبار الاُمويين ومناقبهم وذكر فضائلهم وما أتوا به من غيرهم وما أحدثوه من السيرة في أيامهم، تأليف أبي عبدالرحمان خالد بن هشام الاُموي"(2).
هذا فضلا عن أن كثيراً من المؤرخين في العصر العباسي قد أثنوا على الاُمويين في مؤلفاتهم، "ولقد ظن الكثيرون أن سبب طمس تاريخ بني اُمية وتشويه الكثير من آثارهم يعود الى الحزبية فما قولك بأنساب الأشراف الذي يعدّ من أدق ما عندنا عن بني اُمية، مع أن مؤلفه البلاذري عاش في العصر العباسي وبقرب خليفة متعصب هو المتوكل"(3).
ثالثها: ان عمر بن عبدالعزيز هو أحد خلفاء بني اُمية من الفرع المرواني،
____________
1- تاريخ التراث العربي 2: 8.
2- مروج الذهب 1: 15.
3- مقدمة في تاريخ صدر الاسلام: 13.
رابعها: أن بعض المؤرخين الذين ألّفوا في العصر العباسي، كانوا على درجة من الشجاعة والجرأة، بحيث أنهم ذكروا بعض مثالب العباسيين بكل صراحة، وتحمل البعض منهم العقاب الأليم بسبب ذلك، فقد ذكر ابن النديم في ترجمة الجهمي (أحمد بن محمد بن حميد) أنه: "وقع بينه وبين قوم من العمريين والعثمانيين شر، فذكر سلفهم بأقبح ذكر، فقال له بعض الهاشميين في ذلك، فذكر العباس بأمر عظيم، فأُنهي خبره الى المتوكل، فأمر بضربه مائة سوط"(1).
والحقيقة: فإن موقف العباسيين من الاُمويين قد مرّ بأدوار متعددة، وذلك لأسباب سوف أذكرها في مباحث قادمة، ومع كل ذلك فإنه "لا ينكر أثر العباسيين، ولكن هؤلاء لم يقيدوا الكتابة أو يوجههوها كما يظن، بدليل أنهم أنفسهم رُسمت لهم صورة لا تقل عبوساً في كثير من نواحيها"(2).
المواقف من المؤرخين
من المقولات الملفتة للإنتباه، فيما يتعلق بالمواقف من المؤرخين، مقولة القاضي أبو بكر ابن العربي في اُخريات كتابه (العواصم من القواصم)، بعد ايراده الاحداث التي مرت بها الاُمة الاسلامية بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) والى ما بعد نصف قرن من ذلك التاريخ أو أكثر قليلا، نراه يوجّه نصيحته الى القرّاء في
____________
1- الفهرست: 141.
2- مقدمة في تاريخ صدر الاسلام: 13.
إنما ذكرت لكم هذا لتحترزوا من الخلق، وخاصة من المفسرين والمؤرخين وأهل الأدب، فإنهم أهل جهالة بحرمات الدين، أو على بدعة مصرّين، فلا تبالوا بما رووا، ولا تقبلوا رواية إلاّ عن أئمة الحديث، ولا تسمعوا لمؤرخ كلاماً الاّ الطبري، وغير ذلك هو الموت الأحمر، والداء الأكبر، فإنهم ينشؤون أحاديث استحقار الصحابة والسلف، والاستخفاف بهم، واختراع الاسترسال في الأقوال والأفعال عنهم، وخروج مقاصدهم عن الدين الى الدنيا، وعن الحق الى الهوى، فإذا قاطعتم أهل الباطل، واقتصرتم على رواية العدول، سلمتم من هذه الحبائل، ولم تطووا كشحاً على هذه الغوائل، ومن أشد شيء على الناس، جاهل عاقل، أو مبتدع محتال، فأما الجاهل فهو ابن قتيبة، فلم يُبق ولم يذر للصحابة رسماً في كتاب (الإمامة والسياسة) إن صح عنه جميع ما فيه، وكالمبرّد في كتابه الأدبي، وأين عقله من عقل ثعلب الإمام المتقدم في أماليه، فإنه ساقها بطريقة أدبية سالمة من الطعن على أفاضل الاُمة. وأما المبتدع المحتال، فالمسعودي، فإنه بها يأتي متاخمة الإلحاد فيما روى من ذلك، وأما البدعة فلا شك فيه، فإذا صنتم أسماعكم وأبصاركم عن مطالعة الباطل، ولم تسمعوا في خليفة ممن ينسب إليه ما لا يليق، ويذكر عنه ما لا يجوز نقله، كنتم على منهج السلف سائرين، وعن سبيل الباطل ناكبين(1).
إن أهم ما يلفت الانتباه في مقولة ابن العربي هذه، هو توجيهه للقارئ إلى عدم الاعتماد على أحد من المؤرخين غير الطبري، والإعراض عن المفسرين
____________
1- العواصم من القواصم: 260.
إن المشكلة التي تثار دائماً حول التاريخ الإسلامي تتركز في الغالب على النقطة الحساسة في هذا التاريخ، ألا وهو الجانب السياسي، والخلاف الذي وقع بين المسلمين في وقت مبكر، والذي أدى في النهاية الى الصدام الدموي بينهم في ذلك العهد الذي اُصطلح على تسميته بعصر صدر الإسلام، وأن اشتراك الصحابة في أجزاء من ذلك الصراع هو محور المشكلة، والدعوات ذات الطابع المحافظ لتصحيح التاريخ الإسلامي، إنما تدّعي الحرص على تبرئة الصحابة مما وقع من خلاف سياسي انسحب أثره على مواقف ذلك السلف، لأن "التاريخ السياسي للمسلمين، هو أسوأ ما في تاريخهم كله"(1).
____________
1- كيف نكتب التاريخ. محمّد قطب: 16.
لقد سبق وأن ذكرنا أن كبار المؤرخين وكتاب السيرة والمغازي كالطبري وابن إسحاق والبلاذري وغيرهم، قد اعتمدوا على ما كتبه من سبقهم من رواة هذه الأخبار، فالمصادر تكاد تكون واحدة، "إن ابن إسحاق قد استخدم النص من كتاب يزيد بن رومان والزهري، وقد اعتمدا بدورهما على المغازي لعروة"(1)، فما هو الفرق إذاً بين ما كتبه الطبري عن غيره من المؤرخين. طالما أن المصادر واحدة تقريباً؟
الحقيقة: أن من يراجع المصادر التي اعتمد عليها الطبري، ويقارنها مع المصادر التي اعتمدها غيره من المؤرخين من سابقيه أو معاصريه، سوف يلاحظ أن الطبري قد انفرد بذكر مصدر يكاد يكون المتغلب على الأجزاء التي تناولت أهم وأخطر فترة في تاريخنا الإسلامي كله، وهو العصر الذي يسمى بعصر صدر الإسلام، وبالتحديد الفترة الممتدة من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وبدء أحداث السقيفة، وحتى أواخر الخلافة الراشدة، وتحديداً بانتهاء معركة
____________
1- سزگين: تاريخ التراث العربي.
وهذه السلسلة التي يربط حلقاتها سيف بن عمر، أصبحت فيما بعد هي العمود الفقري في كتابات معظم المؤلفين الذين جاوءا بعد الطبري وحتى العصر الراهن. والسؤال الذي قد يطرأ على ذهن القارئ هو: ما هي مواصفات هذه السلسلة، وبماذا تمتاز عن غيرها، حتى صارت العمدة في تاريخ الطبري ومن جاء بعده دون غيرها؟
وأجد أن من المناسب أن استعرض باختصار أسماء أهم المؤلفين الذين اعتمدهم الطبري في رواية هذه الأحداث، مع بيان بعض أحوالهم وأقوال
إن معرفة أحوال هؤلاء الرواة والمؤلفين في التاريخ والسيرة ضرورية جداً، بسبب الترابط الصميمي بين التاريخ الإسلامي والعقيدة الإسلامية، فمعرفة أحداث تلك الفترة على وجهها الصحيح من أكبر الضرورات، ولا يتم ذلك إلاّ بمعرفة مصادر تراثنا الإسلامي، بسبب الترابط بين علوم التاريخ وعلوم الحديث، وليس كما حاول البعض الفصل بينهما، لأن من علوم الحديث "معرفة مغازي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسراياه وبعوثه وكتبه الى ملوك المشركين، وما يصح من ذلك وما يشذّ، وما أبلى كل واحد من الصحابة في تلك الحروب بين يديه وثبت ومن هرب، ومن جبُن عن القتال ومن كرّ، ومن تديّن بنصرته (صلى الله عليه وآله) ومن نافق، وكيف قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الغنائم، ومن زاد ومن نقص، وكيف جعل سلب القتيل بين الاثنين والثلاثة، وكيف أقام الحدود في الغلول، وهذه أنواع من العلوم التي لا يستغني عنها عالم"(1).
____________
1- الحاكم النيسابوري. كتاب معرفة علوم الحديث: 238.
روافد الطبري
تبين لنا مما سبق أن الطبري -كغيره من كبار المؤرخين في العصر العباسي- الذين اعتمدوا على كتب من سبقهم من المؤلفين الذين تناولوا حوادث عصر صدر الإسلام بشكل متفرق، فألفوا كتباً صغيرة تناول كل منها حادثة معينة أو فترة قصيرة من هذه الحقبة، حتى جاء كبار المؤرخين فجمعوا هذه الحوادث في أسفار كبيرة أصبحت فيما بعد تشكل مصادر التاريخ الإسلامي، خصوصاً بعد أن فُقدت معظم تلك الاُصول التي نقلوا عنها، وبذلك حفظوا لنا هذا التراث من الضياع.
ولكن هذا التراث قد حوى الغث والسمين، فصار من أهم الضرورات تمحيصه بمقارنة الروايات التي جاءت فيه، بعد بيان أحوال اُولئك المؤلفين ومدى وثاقتهم أو عدمها، لأن ذلك يساعد كثيراً على الإقتراب من الحقيقة. فمن أشهر اُولئك المؤلفين الذين نقل عنهم الطبري:
1 - المدائني، علي بن محمد بن عبدالله المتوفّى سنة(224 أو 225 هـ): الأخباري صاحب التصانيف الكثيرة، ككتاب مقتل عثمان، كتاب الجمل، كتاب الردة... الخ ينقل عنه الطبري بلا واسطة، ويقول عنه "كان عالماً بأيام الناس صدوقاً في ذلك"(1).
وقد أجمع العلماء على وثاقته وصدقه، وروى عنه الزبير بن بكار وأحمد ابن زهير والحارث بن أبي اُسامة.
قال أحمد بن أبي خيثمة: كان أبي وابن معين ومصعب الزبيري يجلسون
____________
1- لسان الميزان 4: 253.
2 - زهير بن حرب، أبو خيثمة النسائي المتوفّى سنة (234 هـ) يروي عنه الطبري بلا واسطة روايات مهمة في الفتنة وموقعة الجمل، وله تصانيف مهمة منها (كتاب التاريخ) أجمع العلماء أيضاً على وثاقته وسعة علمه، قال معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين: ثقة.
وقال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: أبو خيثمة حجة في الرجال؟ قال: ما كان أحسن علمه.
وقال النسائي: ثقة مأمون(2).
وقال الحسين بن فهم: ثقة ثبت.
وقال أبو بكر الخطيب: كان ثقة ثبتاً حافظاً متقناً(3).
وقال ابن سعد: ثقة ثبت(4).
وقال عنه الذهبي: الحافظ الكبير محدّث بغداد، وثقه ابن معين وغيره(5).
روى عنه مسلم أكثر من الف حديث(6).
____________
1- ميزان الاعتدال 3: 153.
2- تهذيب التهذيب 3: 342.
3- تاريخ بغداد 8: 484.
4- الطبقات الكبرى 7: 253.
5- تذكرة الحفاظ 2: 734.
6- تقريب التهذيب: 157.
قال عنه الذهبي: أبو بكر الحافظ النسائي ثم البغدادي، صاحب التاريخ الكبير، قال الدارقطني: ثقة مأمون(1).
وقال الخطيب: كان ثقة عالماً متقناً حافظاً بصيراً بأيام الناس، راوية للأدب، أخذ علم الحديث عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، وعلم النسب عن مصعب بن عبدالله الزبيري، وأيام الناس عن أبي الحسن المدائني، والأدب عن محمد بن سلام الجمحي. وله (كتاب التاريخ) الذي أحسن تصنيفه وأكثر فائدته.. ولا أعرف أغزر فوائد من كتاب التاريخ الذي صنفه ابن خيثمة، وكان لا يرويه إلاّ على الوجه، فسمعه الشيوخ الأكابر، كأبي القاسم البغوي ونحوه(2).
4 - عمر بن شبة، أبو زيد البصري المتوفّى سنة (262 هـ):
النحوي الأخباري، نزيل بغداد(3).
له من الكتب: كتاب (مقتل عثمان)، كتاب (التاريخ)...الخ(4).
يروي عنه الطبري بلا واسطة روايات مهمة جداً في الفتنة وحرب الجمل، وهو من الأئمة الثقات الذين أجمع العلماء على الثناء عليهم.
قال عبدالرحمان بن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق صاحب عربية وأدب(5).
وقال الدارقطني: ثقة.
وقال أبو بكر بن الخطيب: كان ثقة عالماً بالسير وأيام الناس، وله
____________
1- تذكرة الحفاظ 2: 596.
2- تاريخ بغداد 4: 384.
3- تهذيب الكمال 21: 386.
4- الفهرست: 142.
5- الجرح والتعديل 6: 624.
وذكره ابن حبان في الثقات وقال: مستقيم الحديث، وكان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأيام الناس(2).
5 - يعقوب بن ابراهيم بن سعد الزهري، أبو يوسف المدني المتوفّى سنة (208هـ):
يروي عنه الطبري بدون واسطة، وهو أيضاً من الرواة الذين أجمع العلماء على الثناء عليهم.
قال الدارمي: سألت يحيى بن معين عن يعقوب بن ابراهيم بن سعد، فقال: ثقة(3).
وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: سمعت المغازي من يعقوب ابن ابراهيم بن سعد(4).
وقال العجلي: ثقة(5).
وقال أبو حاتم: صدوق(6).
وذكره ابن حبان في الثقات(7).
وقال محمد بن سعد: كان ثقة مأموناً يقدّم على أخيه في الفضل والورع والحديث(8).
____________
1- تاريخ بغداد 11: 208.
2- الثقات 8: 446.
3- تاريخ الدارمي: رقم 855.
4- الجرح والتعديل: رقم 843.
5- الثقات: 59.
6- الجرح والتعديل: رقم 843.
7- الثقات لابن حبان 9: 284.
8- الطبقات 7: 343.
يروي عنه الطبري بلا واسطة روايات مهمة في الفتنة وله من الكتب (كتاب التاريخ، والمغازي، والمبعث)، (كتاب الجمل)، (كتاب الردة)، (والدار)...الخ(1).
وقد تضاربت الأقوال فيه، فبعض العلماء طعنوا عليه، وأثنى عليه آخرون، ويبدو أنه لم يكن مرضياً في الحديث، ولكن في الأخبار كان يحتج به.
قال البخاري: الواقدي مديني سكن بغداد، متروك الحديث، تركه أحمد وابن نمير وابن المبارك واسماعيل بن زكريا(2).
وقال في تاريخه الكبير: سكتوا عنه(3).
وقال في تاريخه الصغير: تركوه(4).
وقال في موضع آخر: كذّبه أحمد(5).
وقال معاوية بن صالح، قال لي أحمد بن حنبل: هو كذّاب، وقال في موضع آخر: ليس بشيء(6).
وقال في موضع آخر: قلت ليحيى: لمَ لمْ تُعلم عليه حيث كان الكتاب عنك؟ قال: أستحيي من ابنه، وهو لي صديق. قلت: فماذا نقول فيه؟ قال: كان
____________
1- الفهرست: 128.
2- ضعفاء العقيلي: 197.
3- التاريخ الكبير رقم 543.
4- التاريخ الصغير 2: 11.
5- الكامل في الضعفاء لابن عدي 3: 85.
6- المصدر السابق.
وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ليس بشيء(2).
وقال عبد الوهاب بن الفرات الهذاني: سألت يحيى بن معين عن الواقدي فقال: ليس بثقة(3).
وقال مسلم: متروك الحديث(4).
وقال النسائي: ليس بثقة.
وفي مقابل ذلك، فقد وثقه عدد من العلماء والمحدّثين لا يقلون عن عشرة أشخاص، كما يقول الذهبي(5).
فقد قال عنه تلميذه ابن سعد: كان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح، وباختلاف الناس في الحديث والأحكام، واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه. وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدّث بها(6).
وقال الخطيب البغدادي: قدم الواقدي بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي منها، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخفَ على أحد عرف أخبار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي (صلى الله عليه وآله) والأحداث التي كانت في وقته وبعد وفاته (صلى الله عليه وآله)، وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك، وكان جواداً كريماً مشهوراً بالسخاء.
____________
1- الضعفاء للعقيلي:197.
2- تاريخ الدوري 2: 532.
3- الكامل لابن عدي 3:85.
4- الكنى: 64.
5- سير أعلام النبلاء 9: 454 وما بعدها.
6- الطبقات الكبرى 5: 425.
وعن ابراهيم الحربي قال: الواقدي أمين الناس على أهل الاسلام.
وعن ابراهيم بن سعيد الجوهري، قال: سمعت المأمون يقول: ما قدمت بغداد إلاّ لأكتب كتب الواقدي.
وعن ابراهيم الحربي قال: كان الواقدي أعلم الناس بأمر الاسلام، فأما الجاهلية فلم يعلم منها شيئاً.
وعن موسرة بن هارون، قال: سمعت مصعباً الزبيري يذكر الواقدي، قال: والله ما رأيت مثله قط. قال: وسمعت مصعباً يقول: حدثني من سمع عبدالله، يعني ابن المبارك، يقول: كنت أقدم المدينة فما يفيدني ولا يدلني على الشيوخ إلاّ الواقدي.
وعن يقعوب مولى عبدالله، قال: سمعت الدراوردي، وذكر الواقدي فقال: ذاك أمير المؤمنين في الحديث.
وعن يعقوب بن شيبة، قال: حدثني بعض أصحابنا ثقة، قال: سمعت أبا عامر العقدي يُسأل عن الواقدي، فقال: نحن نُسأل عن الواقدي؟! إنما يُسأل الواقدي عنّا، وهل كان يفيدنا الشيوخ والأحاديث إلاّ الواقدي.
وقال يعقوب: حدثني مفضل، قال: قال الواقدي: لقد كانت ألواحي تضيع بالمدينة فاُوتى بها من شهرتها بالمدينة، يقال: هذه ألواح ابن واقد.
وعن أحمد بن علي الأبار، قال: سألت مجاهداً يعني ابن موسى عن الواقدي، فقال: ما كتبت عن أحد أحفظ منه.
وقال ابراهيم بن جابر الفقيه: سمعت الصاغاني، وذكر الواقدي، فقال: