الصفحة 634
يشتم علي بن أبي طالب!

قال ابن حجر معلقاً: وقد كنت أستشكل توثيقهم الناصبي غالباً، وتوهينهم الشيعة مطلقاً، ولا سيما أن علياً ورد في حقه "لا يحبه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق"...!

وبعد أن يورد تبريراته لذلك، يعود الى القول:

وأيضاً فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجة والتمسك باُمور الديانة، بخلاف من يوصف بالرفض، فان غالبهم كاذب ولا يتورع في الاخبار، والأصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن علياً(رضي الله عنه) قتل عثمان أو كان أعان عليه، فكان بغضهم له ديانة بزعمهم، ثم انضاف ذلك أن منهم من قُتلت أقاربه في حروب علي!(1)

وقال الذهبي: بلى، غالب الشاميين فيهم توقف عن أمير المؤمنين علي(رضي الله عنه)من يوم صفّين(2).

في الحقيقة أن عبارة (توقّف) هي أخف العبارات التي استخدمها الذهبي في بيان مواقف الشاميين وغيرهم من النواصب في حق علي بن أبي طالب، كما أن البغض الذي قال به ابن حجر، هو الآخر من الوصف الحقيقي لمشاعرهم تجاه علي، ولكن مضافاً إليه السبّ واللعن، وافتراء الأخبار الكاذبة في انتقاص علي بن أبي طالب، ولا نعني رؤوس الحكم الاُموي الذين سنّوا سبّ علي على المنابر، ولا المتعاونين معهم من الصحابة كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وغيرهما، بل نقصد المحدّثين والرواة النواصب ومواقفهم الحقيقية المباينة لما يدعيه ابن حجر من وثاقتهم، من

____________

1- تهذيب التهذيب 8: 410.

2- ميزان الاعتدال 3: 551 ترجمة محمد بن زياد الالهاني.


الصفحة 635
خلال استعراض ترجمة أحدهم.

قال الإسكافي:وقد كان من المحدّثين من يبغضه عليه السلام، ويروي فيه الأحاديث المنكرة، منهم حريز بن عثمان، كان يبغضه عليه السلام، ويروي فيه أخباراً مكذوبة!(1).

وأود أن اُفصّل قليلا في أحوال هذا المحدّث الشامي، وأنقل أقوال العلماء فيه، مع إظهار مواقفه الحقيقية، وكما يعترف بها العلماء أنفسهم.

قال الذهبي في ترجمة حريز: كان متقناً ثبتاً، لكنه مبتدع(2).

وقال معاذ بن معاذ: حدثنا حريز بن عثمان، ولا أعلم اني رأيت بالشام أحداً اُفضله عليه.

وقال الآجري عن أبي داود: شيوخ حريز كلهم ثقات، قال: وسألت أحمد بن حنبل عنه فقال: ثقة ثقة. وقال أيضاً: ليس بالشام أثبت من حريز، إلاّ أن يكون بحير، وقال أيضاً عن أحمد -وذكر له حريز وأبو بكر بن أبي مريم وصفوان- فقال: ليس فيهم مثل حريز، ليس أثبت منه، ولم يكن يرى القدر.

وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: حريز، وعبدالرحمان بن يزيد بن جابر، وابن أبي مريم، هؤلاء ثقات.

وقال ابن المديني: لم يزل من أدركناه من أصحابنا يوثقونه.

وقال دحيم: حمصي جيد الإسناد صحيح الحديث. وقال أيضاً: ثقة.

وقال المفضل بن غسان: ثبت.

وقال البخاري: قال أبو اليمان: كان حريز يتناول رجلا ثم ترك!

وقال أحمد بن أبي يحيى عن احمد: حريز صحيح الحديث، إلاّ أنه يحمل

____________

1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 69.

2- ميزان الاعتدال 1: 475.


الصفحة 636
على علي!

وقال المفضل بن غسان: يقال في حريز مع تثبته انه كان سفيانياً.

وقال العجلي: شامي ثقة، وكان يحمل على علي.

وقال عمرو بن علي: كان ينتقص علياً وينال منه، وكان حافظاً لحديثه، وقال في موضع آخر: ثبت، شديد التحامل على علي.

وقال الحسن بن خلال: سمعت عمران بن إياس، سمعت حريز بن عثمان يقول: لا اُحبه، قتل آبائي ـ يعني علياًـ.

وعن إسماعيل بن عياش قال: عادلت حريز بن عثمان من مصر الى مكة، فجعل يسب علياً ويلعنه!

وقال غنجار: قيل ليحيى بن صالح: لِمَ لَمْ تكتب عن حريز؟ قال: كيف أكتب عن رجل صلّيت معه الفجر سبع سنين، فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن علياً سبعين مرة!

وقال ابن حبان: كان يلعن علياً بالغداة سبعين مرة، وبالعشي سبعين مرة!

فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي.

وقال ابن عمار: يتهمونه أنه كان ينتقص علياً ويروون عنه ويحتجون به ولا يتركونه!(1).

هذه مقاطع من ترجمة حريز بن عثمان الحمصي، وأقوال الأئمة المحدّثين فيه وتوثيقهم إياه. قال ابن حجر: وإنما أخرج له البخاري لقول أبي اليمان: أنه رجع عن النصب.

فالبخاري اعتمد على قول قائل واحد لا شاهد له عليه، فبادر الى إخراج

____________

1- ميزان الإعتدال 1: 475.


الصفحة 637
حديث حريز متابعة لمعظم المحدثين الذين سبقوه، وتبعه من لحقه منهم.

ولو أننا تغاضينا عن سب حريز لعلي بن أبي طالب ولعنه وبغضه له، ووافقنا المحدثين على عدم توهينه لذلك السبب -كما هي عادتهم- وإنما آخذناه بروايته للحديث فقط، فاننا سوف نعجب من اُولئك المحدثين المعدّلين له، فانهم رووا عنه اُموراً تكفي إحداها لاسقاطه من الاعتبار وطرح رواياته لإتضاح الكذب فيها لكل ذي عينين.

قال اسماعيل بن عياش: سمعت حريز بن عثمان يقول: هذا الذي يرويه الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" حق، ولكن أخطأ السامع. قلت: فما هو؟ فقال: إنما هو "أنت مني بمنزلة قارون من موسى"!! قلت: عمن ترويه؟ قال: سمعت الوليد بن عبدالملك يقوله وهو على المنبر!

وقال ابن حجر: وحكى الأزدي في الضعفاء، أن حريز بن عثمان روى: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أراد أن يركب بغلته، جاء علي بن أبي طالب فحلّ حزام البغلة ليقع النبي (صلى الله عليه وآله)!

قال الأزدي: من كانت هذه حاله لا يُروى عنه.

قال ابن حجر (مدافعاً): لعله سمع هذه القصة من الوليد!

وقال ابن عدي: قال يحيى بن صالح الوحاظي: أملى عليّ حريز بن عثمان، عن عبدالرحمن بن ميسرة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) حديثاً في تنقيص عليّ بن أبي طالب لا يصلح ذكره، حديث منكر جداً لا يروي مثله من يتقي الله. قال الوحاظي: فلما حدثني بذلك، قمت عنه وتركته(1).

أما الحديث المنكر الذي لم يذكره ابن حجر في ترجمة حريز، فقد

____________

1- تهذيب التهذيب 2: 207.


الصفحة 638
أوضحه ابن أبي الحديد نقلا عن الإسكافي، قال: قال محفوظ: قلت ليحيى بن صالح الوحاظي: قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز، فما بالك لم تحمل عن حريز؟ قال: إني أتيته فناولني كتاباً، فاذا فيه: حدثني فلان عن فلان، أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما حضرته الوفاة، أوصى أن تُقطع يد علي بن أبي طالب! فرددت الكتاب، ولم استحل أن أكتب عنه شيئاً(1).

هكذا فلتكن الوثاقة والأمانة والحرص على حديث النبي (صلى الله عليه وآله)، والأعجب من كل ذلك أنهم يدعون أن أحاديث حريز صحيحة الإسناد وشيوخه كلهم ثقات!

فهل هذه المرويات التي افتراها هي أيضاً من أحاديثه الصحيحة الأسناد، وهل نقلها عن شيوخ ثقات، وهل ما بين شيوخه الثقات الوليد بن عبدالملك، وهل عُرف الوليد بأنه من المحدثين الأجلاّء الاُمناء على سنّة النبي وسيرته، وهل إن اعتذار إبن حجر لحريز بأنه ربما يكون سمع هذه الأحاديث المفتراة من الوليد في محله، وبماذا يعتذر البخاري والأئمة الأربعة الذين رووا عنه في كتبهم التي سميت بالصحاح؟!

أوليس من حق المقدسي أن يقول: وأما أربعة لقّب بها أهل الحديث:

فالحشوية، والشكّاك، والنواصب، والمجبّرة(2).

ومن الأمثلة الاُخرى التي تثبت أن نهج المحدثين في التوثيق للنواصب إنما كان امتداداً لمواقف الاُمويين والعباسيين، ما نجده في تراجم بعض الرواة، وأقول بعض العلماء فيهم، منهم:

خالد بن سلمة بن العاص المخزومي، المعروف بالفأفاء: روى له

____________

1- شرح نهج البلاغة 4: 70.

2- أحسن التقاسيم: 138.


الصفحة 639
البخاري ومسلم والأربعة: عن جرير، قال: كان مرجئاً يبغض علياً.

وذكر ابن عائشة أنه كان ينشد بني مروان الأشعار التي هجا بها المصطفى (صلى الله عليه وآله)!

قال أحمد وابن معين وابن المديني: ثقة، وكذا قال ابن عمار ويعقوب ابن شيبة والنسائي.

وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه.

وقال ابن عدي: هو في عداد من يجمع حديثه، ولا أرى بروايته بأساً.

قال ابن سعد: اُخذ مع ابن هبيرة، فيقولون: إن أبا جعفر قطع لسانه ثم قتله سنة 132 هـ.

ذكره علي بن المديني يوماً فقال: قُتل مظلوماً!(1).

فعلي بن المديني يبدي أسفه على قتل هذا الزنديق الذي كان يهجو النبي (صلى الله عليه وآله) بحضرة بني مروان، بينما يوثقه الآخرون ويكتبون حديثه.

وفي ترجمة شبابة بن سوّار المدائني، الذي روى له الستّة، قال فيه الذهبي: صدوق مكثر، صاحب حديث، فيه بدعة.

قال ابن حجر: قال أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج: حدثني أبو علي بن سختي المدائني، حدثني رجل معروف من أهل المدائن. قال: رأيت في المنام رجلا نظيف الثوب حسن الهيئة، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل المدائن. قال: من أهل الجانب الذي فيه شبابة؟ قلت: نعم. قال: فاني أدعو الله فأمّن على دعائي: اللهم إن كان شبابة يبغض أهل بيت نبيّك، فاضربه الساعة بفالج. قال: فانتبهت وجئت المدائن وقت الظهر، وإذا الناس في هرج، فقلت:

____________

1- تهذيب التهذيب 3: 83، ميزان الاعتدال 1: 631.


الصفحة 640
ما للناس؟ فقالوا: فلج شبابة في السحر ومات الساعة(1).

قال الذهبي: وشبابة يحتج به في كتب الإسلام، ثقة!(2).

وفي ترجمة عبدالله بن سالم الأشعري الحمصي، الذي روى له البخاري وأبو داود والنسائي.

قال يحيى بن حسان: ما رأيت بالشام مثله.

وقال عبدالله بن يوسف: ما رأيت أحداً أنبل في مروته وعقله منه.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وذكره ابن حبان في الثقات.

قال ابن حجر: ووثقه الدارقطني.

قال الآجري عن أبي داود: كان يقول: أعان علي على قتل أبي بكر وعمر!(3).

فهذا الناصبي يدعي أن علياً قد أعان على قتل أبي بكر وعمر، ولا يشك أحد في كذب ذلك ومع ذلك فهم يوثقونه ولا يكذبونه!

أما الشاعر علي بن الجهم الذي كان من ندماء المتوكل والذي كان يلعن أباه لأنه سماه علياً، فقد قال ابن كثير في ترجمته: أحد الشعراء المشهورين، وأهل الديانة المعتبرين. وله ديوان شعر فيه أشعار حسنة، وكان فيه تحامل على علي بن أبي طالب(4)(رضي الله عنه).

ومتابعة أخبار الرواة النواصب يستغرق الكثير، إلاّ أننا أردنا فقط أن نذكر

____________

1- تهذيب التهذيب 4: 264.

2- ميزان الاعتدال 2: 260.

3- ميزان الاعتدال 2: 426، تهذيب التهذيب 5: 200.

4- البداية والنهاية 11: 8 حوادث 249.


الصفحة 641
بعض الشواهد التي تظهر حقيقة مواقف أهل الحديث من الرواة، ومدى عدم دقة مقاييسهم، ويتضح ذلك أيضاً من مواقفهم من الرواة الشيعة.

2 - الموقف من الشيعة

بعد أن ذكرنا بعض مواقف المحدّثين من النواصب، وأثبتنا عدم صحة ادعاء ابن حجر في وثاقتهم، نعود الى مناقشة الشق الثاني من مقولة ابن حجر، وهو توهين المحدثين للشيعة مطلقاً واتهامهم بالكذب، لمعرفة الأسباب التي تدفع المحدثين الى اتهام الشيعة بالكذب، وذلك من خلال تراجم بعض الرواة المنسوبين الى التشيع، ومنهم:

1 ـ الحارث بن عبد الله الهمداني، الأعور:

قال الذهبي: من كبار علماء التابعين، على ضعف فيه.

قال أبو بكر بن أبي داود: كان الحارث الأعور أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس، تعلّم الفرائض من علي.

وقال مُرّة بن خالد: أنبأنا محمد بن سيرين، قال: كان من أصحاب ابن مسعود خمسة يؤخذ عنهم، أدركت منهم أربعة، وفاتني الحارث فلم أره، وكان يفضّل عليهم، وكان أحسنهم...

وقال الذهبي: وحديث الحارث في السنن الأربعة، والنسائي مع تعنّته في الرجال فقد احتج به وقوّى أمره، والجمهور على توهين أمره مع روايتهم لحديثه في الأبواب، فهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه، والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكاياته، وأما في الحديث النبوي فلا، وكان من أوعية العلم!


الصفحة 642
قال ابن المديني: كذاب.

وقال جرير بن عبدالحميد: كان زيفاً.

وقال الدارقطني: ضعيف.

وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ.

وقال عثمان الدارمي: سألت يحيى بن معين عن الحارث الأعور، فقال: ثقة!

قال عثمان: ليس يتابع يحيى على هذا!(1).

قال ابن حجر: وقال ابن عبد البر في كتاب العلم له - لما حكى عن إبراهيم أنه كذّب الحارث-: أظن أن الشعبي عوقب لقوله في الحارث كذاب، ولم يبن من الحارث كذبه، وإنما نُقم عليه إفراطه في حب علي!!(2).

فهذه المقولات في ذمه وتوهينه سببها محبته لعلي بن أبي طالب ولا شيء غيرها.

2 - ناصح بن عبد الله:

قال الذهبي: ضعفه النسائي وغيره.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال الفلاّس: متروك.

وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال مرّة: ليس بثقة.

قلت (الذهبي): وكان من العابدين، ذكره الحسن بن صالح فقال: رجل صالح، نعم الرجل!

(روى) عن جابر، قالوا: يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟

____________

1- ميزان الاعتدال 1: 435.

2- تهذيب التهذيب 2: 126.


الصفحة 643
قال: "من عسى أن يحملها إلاّ من حملها في الدنيا". يعني علياً.

وعن سلمان، قال: قلت: يا رسول الله، لكل نبي وصي، فمن وصيّك؟ فسكت عني، فلما كان بعد قال: "يا سلمان، إن وصيّي، وموضع سرّي، وخير من أترك بعدي، ينجز موعدي، ويقضي ديني: علي بن أبي طالب".

قال الذهبي: هذا خبر منكر!

وروى له ابن عدي أحاديث عن سماك، عن جابر بن سمرة، منها قال: قالوا: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من يحمل رايتك... الخ و "علي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنه لا نبي بعدي".

وقال (صلى الله عليه وآله): "تقتل عماراً الفئة الباغية ".

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: "إنك مستخلف، وإنك مقتول، وإن هذه مخضوبة من هذا" يعني لحيته من رأسه(1).

ثم قال: وهو في جملة متشيعي الكوفة، وهو ممن يكتب حديثه(2).

3 - سالم بن أبي حفصة العجلي الكوفي:

قال الفلاّس: ضعيف، مفرط في التشيّع.

وأما ابن معين فوثقه.

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال ابن عدي: عيب عليه الغلو، وأرجو أنه لا بأس به.

وقال محمد بن بشر العبدي: رأيت سالم بن أبي حفصة ذا لحية طويلة أحمِقْ بها من لحية، وهو يقول: وددت أني كنت شريك علي (عليه السلام) في كل ما كان فيه.

____________

1- الكامل 8: 302.

2- ميزان الاعتدال 4: 240، تهذيب التهذيب 10: 358.


الصفحة 644
قال ابن عينية: قال عمر بن ذر لسالم بن أبي حفصة: أنت قتلت عثمان؟! فخرج لذلك وقال: أنا؟! قال: نعم، أنت ترضى بقتله.

وقال حسين بن علي الجعفي: رأيت سالم بن أبي حفصة، طويل اللحية أحمق، وهو يقول: لبّيك قاتل نعثل، لبّيك مُهلك بني اُمية.

قال الذهبي: وكان من رؤوس من ينتقص أبا بكر وعمر...(1)

لقد مرّ بنا فيما سبق أن الذهبي جعل انتقاص أبي بكر وعمر من علامات الرفض، وأن ذلك من أسباب ردّ حديث الراوي، ولكن الوقيعة في علي بن أبي طالب يبدو غير كاف لردّ رواية الراوي واتهامه بالنصب، بل لعل ذلك شيء مرغوب فيه، كما تبين من تراجم النواصب.

4 - ثعلبة بن يزيد الحماني:

صاحب شرطة علي، شيعي غال.

قال البخاري: في حديثه نظر.

روى قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي: "إن الاُمة ستغدر بك".

وقال النسائي: ثقة.

وقال ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً!(2).

فهذا الرجل لمجرد أنه روى ما ليس مستحباً عند الجمهور صار شيعياً غالياً، وردّ البخاري حديثه.

5 - جابر بن يزيد الجعفي، أبو عبد الله:

قال أبو نعيم عن الثوري: إذا قال جابر: حدثنا وأخبرنا، فذاك.

وقال ابن مهدي عن سفيان: ما رأيت أورع في الحديث منه.

____________

1- ميزان الاعتدال 2: 110 تهذيب التهذيب 3: 374.

2- ميزان الاعتدال 1: 371 تهذيب التهذيب 2: 23.


الصفحة 645
وقال ابن علية عن شعبة: جابر صدوق في الحديث.

وقال يحيى بن أبي بكير عن شعبة: كان جابر إذا قال: حدثنا، وسمعت، أو سألت، فهو من أصدق الناس.

وقال وكيع: مهما شككتم في شيء، فلا تشكوا في أن جابراً ثقة.

وقال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان الثوري لشعبة: لئن تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمنّ فيك.

وقال معلى بن منصور: قال لي أبو عوانة: كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي، وكنت أدخل عليه فأقول: من كان عندك؟ فيقول: شعبة وسفيان!

وقال وكيع: قيل لشعبة: لِمَ طرحت فلاناً وفلاناً، ورويت عن جابر؟

قال: لأنه جاء بأحاديث لم نصبر عليها.

قال الدوري عن ابن معين: لم يدع جابراً ممن رآه إلاّ زائدة، وكان جابر كذاباً!

وقال جرير بن عبد الحميد، عن ثعلبة: أردت جابراً الجعفي، فقال لي ليث بن أبي سليم: لا تأته فهو كذاب. قال جرير: لا أستحل أن أروي عنه، كان يؤمن بالرجعة!

قال سفيان: كان يؤمن بالرجعة.

قال الحاكم: وعامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة!

وقال ابن حبان: كان سبئياً من أصحاب عبدالله بن سبأ، كان يقول: إن علياً يرجع إلى الدنيا!

وقال الجوزجاني: كذاب.


الصفحة 646
وقال الحميدي: سمعت رجلا يسأل سفيان: أرأيت يا أبا محمد الذين عابوا على جابر الجعفي، قوله: حدثني وصيّ الأوصياء! فقال سفيان: هذا أهونه.

وذكر شهاب أنه سمع ابن عينية يقول: تركت جابراً الجعفي وما سمعت منه، قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً فعلّمه مما تعلّم، ثم دعا علي الحسن فعلّمه مما تعلم، ثم دعا الحسن الحسين فعلّمه مما تعلّم، ثم دعا ولده... حتى بلغ جعفر ابن محمد.

قال سفيان: فتركته لذلك(1).

وعن محمد بن عمرو الرازي، قال: سمعت جريراً يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه، كان يؤمن بالرجعة.

وقال سفيان: كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر، فلما أظهر ما أظهر، اتهمه الناس في حديثه، وتركه الناس. فقيل له: وما أظهر؟ قال: الإيمان بالرجعة(2).

فبعد أن أثبت المحدّثون لجابر الجعفي صدقه وأمانته في الحديث، عادوا فكالوا له التهم بالكذب، بعد أن أظهر القول بالرجعة، ونُسب الى السبئية، أتباع ابن سبأ الذي أظهر القول بالرجعة، كما تدّعي روايات سيف بن عمر في الطبري، ولكن مهلا فليس جابراً وحده الذي كان يقول بالرجعة، بل إن هناك صحابياً أيضاً كان يقول بها، وهو أبو الطفيل، عامر بن واثلة(3).

6 - عمارة بن جوين، أبو هارون العبدي البصري:

____________

1- تهذيب التهذيب 2: 41، ميزان الاعتدال 1: 379.

2- مقدمة صحيح مسلم 1: 20.

3- المعارف لابن قتيبة: 132.