وقد أورد ابن كثير الخطبة أيضاً - نقلا عن الطبري- ولكنه تصرف فيها وحذف منها لفظة الوصي!(2)
ومن المؤرخين الذين أوردوا لفظة الوصي، اليعقوبي الذي ذكر خبر بيعة علي بن أبي طالب، وقال: ثم قام مالك بن الحارث الأشتر فقال: أيها الناس، هذا وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء...(3)
وأورد المسعودي اللفظة في قول ابن عباس الذي قال عندما سمع بوفاة الحسن بن علي وشماتة معاوية بذلك: ولئن اُصبنا به، فقد اُصبنا قبله بسيّد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين، ثم بعده بسيّد الأوصياء..(4)
وقبل هؤلاء أورد نصر بن مزاحم لفظة الوصي في كتاب معاوية بن أبي سفيان لمحمد بن أبي بكر جواباً على كتاب الأخير، وقد أشار الطبري الى الكتابين دون إيرادهما، حيث قال بإسناده إلى يزيد بن ظبيان: إن محمد بن أبي بكر كتب الى معاوية بن أبي سفيان لما ولّي، فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامة...!(5)
وذكرها ابن مزاحم وفيها قول محمد بن أبي بكر لمعاوية: فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي، وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيّه وأبو ولده، وأول الناس له اتباعاً، وآخرهم به عهداً، يخبره بسرّه ويشركه في أمره!(6).
____________
1- تاريخ الطبري 5: 424.
2- البداية والنهاية 8: 179.
3- تاريخ اليعقوبي 2: 179.
4- مروج الذهب 2: 430.
5- تاريخ الطبري 4: 557.
6- وقعة صفين: 118، وسوف نذكر الكتاب وجواب معاوية عليه في وقته.
وأورد ابن أبي الحديد لفظة الوصي في أكثر من موضع من كتابه، وأورد مجموعة من الأشعار التي قيلت وتضمنت كلمة الوصي، حيث قال: ومما رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمن كونه (عليه السلام) وصي رسول الله، قول عبدالله بن أبي سفيان:
وصي النبي المصطفى وابن عمه | فمن ذا يدانيه ومن يقاربه! |
وقال عبد الرحمان بن جعيل:
لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة | على الدين معروف العفاف موفقا |
علياً وصي المصطفى وابن عمه | وأوّل من صلّى أخا الدين والتقى |
وقال أبو الهيثم بن التيهان -وكان بدرياً-:
إنّ الوصي إمامنا وولينا | برح الخفاء وباحت الأسرار |
وقال رجل من الأزد يوم الجمل:
هذا عليٌّ وهو الوصي | آخاه يوم النجوة النبي |
وقال هذا بعدي الولي | دعاه داع ونسي الشقي |
وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري - ذا الشهادتين- وكان بدرياً، في يوم الجمل:
يا وصي النبي قد أحلت الحر | بُ الأعادي وسارت الاظعان |
وقال أيضاً:
وصي رسول الله من دون أهله | وأنت على ما كان من ذاك شاهده |
ومن أغرب ما قيل في حرب الجمل، ما رواه المعتزلي من خروج غلام من بني ضبّة، شاب معلم من عسكر عائشة، وهو يقول:
نحن بنو ضبّة أعداء علي | ذاك الذي يعرف قدماً بالوصي! |
فحتى مخالفو علي في حرب الجمل من جند عائشة، كانوا يعلمون أن لفظة الوصي هي لقب لعلي بن أبي طالب قديم، وليس مستحدثاً في زمن عثمان، كما يُدّعى! وبعد أن يورد ابن أبي الحديد مجموعة كبيرة من الأشعار، التي تتضمن لفظة الوصي، قيلت في حرب صفين أيضاً، يخلص الى القول: والأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً، ولكنا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحربين، فأما ما عداهما فانه يجلّ عن الحصر، ويعظم عن الإحصاء والعد! ولولا خوف الملالة والإضجار، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة!(1).
من القائل بالوصية؟
بعد أن استعرضنا ما أورده المؤرخون من الأخبار التي تتضمن لفظة الوصية، والتي كانت ذائعة في الناس، ويتغنى بها الشعراء في أسفارهم، مما يثبت عدم صحة الادعاء بأن ابن سبأ هو مخترعها، نعود لنبحث عن جذور هذه القضية في الحديث النبوي الشريف، بعد أن تبين لنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد ذكرها في وقت مبكر جداً في أوائل الدعوة الاسلامية، ثم كرّر التذكير بها في أكثر من مناسبة، فقد جاء عن بريدة قال: قال النبي: "لكل نبي وصي ووارث، وإن علياً وصيّي ووارثي"!(2).
وذكر البيهقي أن جبرائيل جاء بهديّة من الله ليهديها الرسول (صلى الله عليه وآله) الى ابن
____________
1- شرح نهج البلاغة 1: 143 - 150.
2- تاريخ دمشق لابن عساكر 42: 49، الرياض النضرة 2: 178.
وعن سلمان، قال: قلت: يا رسول الله، إن لكل نبي وصياً، فمن وصيّك؟ فسكت عني، فلما كان بعد، رآني فقال: "يا سلمان"، فأسرعت إليه، قلت: لبيك. قال: "تعلم من وصي موسى"؟ قال: نعم، يوشع بن نون. قال: "لم"؟ قلت: لأنه كان أعلمهم يومئذ. قال: "فان وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني: علي بن أبي طالب"!(2).
وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: "إن وصيّي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني: علي بن أبي طالب"(3).
وعن أنس بن مالك، أن الرسول توضأ وصلى ركعتين، ثم قال: "يا أنس أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيّين". قال أنس: قلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته. إذ جاء علي فقال: "من هذا يا أنس"؟ فقلت: علي. فقام مستبشراً فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق علي بوجهه(4).
وعن أبي أيوب، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال لابنته فاطمة: "أما علمت أن الله عزّوجل اطلع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبياً، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك، فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصياً"(5).
فمن هنا يتبين لنا أن لفظة الوصي قد جاءت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حق علي بن أبي طالب، ولهج بها الصحابة الذين رووا تلك الأحاديث، ولكن الجمهور
____________
1- المحاسن والمساوئ.
2- مجمع الزوائد 9: 113 عن الطبراني.
3- كنز العمال كتاب الفضائل، فضائل علي بن أبي طالب.
4- حلية الأولياء 1: 63.
5- مجمع الزوائد 8: 253.
تزييف النصّ
لقد تعرض حديث الوصاية -كما حدث لحديث الغدير- الى حملة استهدفت الطعن في متنه بالتأويل، وفي سنده بالتضعيف لبعض رواته، واتهامهم بالكذب والوضع، وأخيراً الى وضع نصوص في مقابلته. ففيما يتعلق بسند الحديث، فقد مرّ بنا اتهام ابن كثير لأبي مريم بالتشيع والكذب، وادعاء ابن تيمية بالوضع والزيادة في الحديث كما ذكر الحلبي، لذا فاننا عندما نراجع ترجمة أبي مريم نجد فيها ما يلي:
قال أحمد: كان أبو مريم يحدّث ببلايا في عثمان!
وقال أيضاً: كان أبو عبيدة إذا حدثنا عن أبي مريم يصيح الناس، يقولون: لا نريده!(1).
فالسبب الرئيسي في اتهام عبدالغفار يعود إلى أنه يروي ما يخالف معتقداتهم التي قد تسالموا عليها، ويدل على ذلك من رفض الناس الاستماع الى مروياته، وهذا خطأ كبير وخلل فادح في موازين النقد، إذ أن تجريح الراوي وتعديله كان محكوماً في كثير من الأحيان بموقفه من العقيدة السائدة لدى الجمهور، وليس من حيث شخصية الراوي نفسه، وما عرف به من صلاح وصدق أم لا. وعلى كل حال، فان ابن مريم ليس هو الراوي الوحيد
____________
1- لسان الميزان 4: 413.
وكذلك تعرض الحارث الهمداني الى الطعن رغم إننا ذكرنا في ترجمته ما يثبت صلاحه، إلاّ أن الشعبي اتهمه بالكذب، وردّ ابن عبدالبر بأن الحارث لم يبن منه كذب، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله له على غيره، ومن هاهنا والله أعلم كذّبه الشعبي، لأن الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر، والى أنه أوّل من أسلم(2).
وكانت رواية الحارث لهذا الحديث المتضمن لفظة الوصية هو السبب الأوّل في الطعن عليه، رغم كونه من كبار التابعين، وكما ذكرنا في قول ابن حجر، وادعاؤه أن الحارث هو من بين من فيهم مقال منهم!
أما متن الرواية فقد تعرض للتشويه والتبديل والزيادة والنقصان والتأويل، ففي مسند أحمد: "من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي"!(3)
وفي رواية اُخرى: "فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي"(4).
أما البيهقي فقد حذف الجزء الأخير منها كله، ففي دلائل النبوة: "يا بني عبدالمطلب، إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد
____________
1- تاريخ دمشق 42: 47 - 50.
2- جامع بيان العلم 2: 189، باب حكم العلماء بعضهم على بعض.
3- مسند أحمد 1: 111، و 159.
4- مسند أحمد 1: 111، و 159.
وفي الطبقات الكبرى: "من يؤازرني على ما أنا عليه ويجيبني على أن يكون أخي وله الجنة"(2).
وفي الخصائص: "فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي ووزيري"(3).
وتأويل الطبراني معنى الوصاية، بأنه أوصاه بأهله لا بالخلافة!(4).
كما تأولها ابن أبي الحديد المعتزلي فقال: أما الوصية، فلا ريب عندنا أن علياً (عليه السلام) كان وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا الى العناد- ولسنا نعني بالوصية النص على الخلافة، ولكن اُموراً اُخرى لعلها إذا لمحت أشرف وأجلّ!.
أما المحاولة الأخيرة، فقد تلخصت بمقابلة النص بنصوص اُخرى، ففي تفسير الآية المذكورة من سورة الشعراء، أورد ابن كثير عدة روايات فيها، منها:
1 - عن ابن عباس: لما أنزل الله (وأنذر عشيرتك الأقربين)، أتى النبي (صلى الله عليه وآله) الصفا، فصعد عليه ثم نادى "يا صباحاه"، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني كعب، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدقتموني"؟ قالوا: نعم. قال: "فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو
____________
1- دلائل النبوة 2: 180.
2- الطبقات الكبرى 1: 187.
3- خصائص علي بن أبي طالب للنسائي: 84.
4- مجمع الزوائد 9: 113 - 114.
2 - عن أبي هريرة، قال: لمانزلت هذه الآية.. دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريشاً فعم وخص، فقال: "يا معشر قريش، انقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب انقدوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد انقذي نفسك من النار، فاني والله لا أملك لكم من الله شيئاً، إلاّ أن لكم رحماً سابلها ببلالها".
3 - عن عائشة (رض) قالت: لما نزلت (وأنذر...) الآية. قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: "يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبدالمطلب، يا بني عبدالمطلب، لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم"(1).
إلاّ أننا لو أنصفنا، لوجدنا أن هذه الروايات لا يمكن القبول بها، رغم أنها هي التي اعتمدها بعض المحدّثين كالبخاري ومسلم، ودخلت هذه الروايات في الصحاح، على أنها من نتاج نزول الآية المذكورة، ولكن من المعلوم أن الآية قد نزلت في بدايات الدعوة الاسلامية - قيل في السنة الثالثة من البعثة -، ولم يكن ابن عباس ولا عائشة قد ولدا بعد،كما أن أبا هريرة كان يرعى أغنام أهله في أرض دوس من اليمن، فأيا منهم لم يكن شاهد عيان لما حدث، كما أن اُسلوب خروج النبي (صلى الله عليه وآله) وندائه على جبل الصفا لا يتناسب مع مدلول الآية في الإنذار لعشيرته الأقربين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا أدري كيف يوجّه النبي خطابه الى ابنته فاطمة، التي كانت في أبعد التقديرات لسنة مولدها ما تزال طفلة صغيرة لا تميّز، وكذلك خطابه الى عمّته، وكأن هؤلاء هم فعلا عشيرته الأقربين، وبشكل يتنافى مع ماهو معلوم من حكمة
____________
1- البداية والنهاية 3: 38 - 40.
إن نظرة فاحصة الى النص الأوّل الذي جاء عن علي بن أبي طالب يثبت صحته ومعقوليته، فدعوة النبي (صلى الله عليه وآله) لأفراد عشيرته الأقربين - وهم المعوّل عليهم في نصرته وتأييد دعوته- ودعوتهم الى الطعام مما يتناسب مع أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) وكرمه المعروف، وعادات العرب، فضلا عن أن ذلك يجعل المدعوين أكثر تعاطفاً وتفهماً للموضوع المطروح للمناقشة، ويعطيهم وقتاً أكثر للتفكير وتبادل الآراء، إضافة لما يتركه من أثر إيجابي في النفوس، مما يرجح هذه الرواية على الروايات الاُخرى قطعاً. إلاّ أن تلك الروايات هي التي دخلت الصحاح، وليس ذلك غريباً، فالبخاري ومسلم يبادران الى كل ما ينفي الإشارة الى النص على علي، لذا نجد البخاري يكرر رواية عائشة التي تدعي فيها أن النبي مات بين سحرها ونحرها أو بين حاقنتها وذاقنتها في أكثر من موضع، وقد تفردت عائشة بذلك، بينما تثبت الروايات الاُخرى المتكاثرة عدم صحة ذلك، فقد مرّ فيما سبق قول محمد بن أبي بكر عن علي وصفه بأنه كان آخر الناس عهداً بالنبي (صلى الله عليه وآله)، والشواهد كلها تثبت ذلك، فعن اُم سلمة(رض)، قالت: والذي أحلف به، إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله (صلى الله عليه وآله)، عدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) غداة وهو يقول: جاء علي، جاء علي؟ مراراً، فقالت فاطمة(رض): كأنك بعثته في حاجة؟ قالت: فجاء بعد، قالت اُم سلمة: فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، فقعدنا عند الباب، وكنت من ادناهم الى الباب، فأكب عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجعل يساره ويناجيه، ثم قُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يومه، فكان علي أقرب الناس عهداً(1).
____________
1- المستدرك 3: 139 وصححه ووافقه الذهبي.
وروى عبدالله بن محمد بإسناده الى علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه: "اُدعوا لي أخي"، قال: فدعي له علي، فقال: "اُدن مني"، فدنوت منه، فاستند إلي، فلم يزل مستنداً إلي وأنه ليكلمني، حتى إن بعض ريق النبي (صلى الله عليه وآله) ليصيبنى، ثم نزل برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وثقل في حجري، فصحت يا عباس أدركني فاني هالك، فجاء العباس، فكان جهدهما جميعاً أن اضجعاه.
وروي عن علي بن الحسين، قال: قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورأسه في حجر علي.
وروي عن الشعبي، قال: توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورأسه في حجر علي، وغسله علي والفضل محتضنه واُسامة يناول الفضل الماء.
وروي عن أبي غطفان، قال: سألت ابن عباس: أرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو لمستند إلى صدر علي. قلت: فان عروة حدثني عن عائشة أنها قالت: توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين سحري ونحري! فقال ابن عباس: أتعقل! والله لتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنه لمستند الى صدر علي، وهو الذي غسله وأخي الفضل بن عباس، وأبى أبي أن يحضر وقال: إن
فنحن نجد هذه الروايات المتكاثرة التي جاءت عن عدد من الصحابة لتثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد توفي في حجر علي بن أبي طالب، ولكن وسائل الإعلام الاُموية، والتي كان عروة بن الزبير أحد أبواقها حرّفت هذه الحقيقة ونسبت الى عائشة الادعاء بأنه مات في حجرها، وأنا لا أشك في أن عائشة لم تدع ذلك، بل المتهم في ذلك هو عروة دون سواه، مما جعل ابن عباس يستنكر على أبي غطفان تصديقه رواية عروة!
الولاية والخلافة
مرّ في حديث الوصاية لعلي بن أبي طالب ورود ألفاظ اُخرى، كقول النبي (صلى الله عليه وآله): "وخليفتي من بعدي" ولا يمكن لأحد أن يدّعي أن هذه العبارة قد اخترعها عبدالله بن سبأ - بعد أن ثبت عدم صحة نسبة القول بالوصية إليه- فلفظة الخليفة والولي قد تكررت على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان المقصود بها علي ابن أبي طالب لا غيره، وقد اعترف حفّاظ الجمهور ومحدّثوهم بذلك، وأخرجوا أحاديث صحيحة - حسب متبنياتهم - في هذا الشأن، فقد أخرج أبو داود الطيالسي قال: حدثنا عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس; أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: "أنت ولي كل مؤمن من بعدي"(2).
وأخرج ابن عبدالبرّ هذا الحديث بنفس الإسناد وقال: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد لصحته وثقة نقلته(3).
____________
1- الطبقات الكبرى ذكر من قال توفي رسول الله(ص) في حجر علي بن أبي طالب.
2- مسند الطيالسي: 360 رقم 2752.
3- الاستيعاب 3: 1091.
كما أخرجه أحمد بن حنبل بنفس الإسناد، وفيه: "دعوا علياً، دعوا علياً، إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي"(2).
وأخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث جعفر بن سليمان(3).
وأخرجه النسائي بالإسناد نفسه(4).
كما وأخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي(5).
والطبري، كما في كنز العمال(6).
وأخرجه إبن حبان(7).
____________
1- المصنف 12: 80.
2- المسند 4: 438، 5: 356.
3- جامع الترمذي 5: 632.
4- الخصائص: 109.
5- مسند أبي يعلى 1: 293 رقم 355، وقال محققه: رجاله رجال الصحيح.
6- كنز العمال 13: 42 وقال (ش وابن جرير وصححه).
7- الرياض النضرة للمحب الطبري 3: 129.
والحاكم في مستدركه(2).
وأخرج الخطيب البغدادي الحديث بطريق آخر ولفظه، قال: أخبرنا أبو محمد عبدالله بن علي بن عياض بن أبي عقيل القاضي - بصور - أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع الغساني، أخبرنا أبو عبدالله بن مخلد العطاء -ببغداد - حدثنا أحمد بن غالب بن الأجلح بن عبدالسلام - أبو العباس -، حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس، حدثنا عيسى بن عبدالله بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي عبدالله بن عمر، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "سألت الله فيك خمساً، فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة، سألته فأعطاني فيك. إنك أوّل من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، وأنت معي معك لواء الحمد وأنت تحمله، وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي"(3).
وأخرجه الحافظ ابن عساكر(4).
والحافظ ابن الأثير(5).
والمتقي الهندي، وفيه: "علي مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن بعدي"(6).
والملاحظ أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يستثن أحداً من ولاية علي بن أبي طالب عليه، حيث عبّر عن ذلك بقوله: "وعلي ولي كل مؤمن بعدي"، وهذا يستلزم دخول جميع الصحابة في ذلك بما فيهم الخلفاء السابقون له، إلاّ أن الجمهور قد تأوّل
____________
1- المعجم الكبير 18: 128 - 129، والأوسط 5: 425.
2- المستدرك على الصحيحين 3: 110.
3- تاريخ بغداد 4: 339.
4- تاريخ دمشق 42: 102.
5- اُسد الغابة 3: 604.
6- كنز العمال 11: 608 وقال (ش عن عمران بن حصين، صحيح).