الصفحة 159
من جهة عائشة، وليس بمنكر أن يكون الإذن صدر من جهتها لا من جهة الرسول صلى الله عليه وآله، وقد دل أصحابنا على ذلك بشيئين أحدهما قول النبي صلى الله عليه وآله على ما أتت به الرواية لما عرف تقدم أبي بكر في الصلاة وسمع قراءته في المحراب: (أنكن كصويحبات يوسف) وبخروجه عليه السلام متحاملا من الضعف معتمدا على أمير المؤمنين عليه السلام والفضل بن العباس وعزله لأبي بكر عن المقام وإقامة الصلاة، وتقدمه عليه بنفسه في الصلاة، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الإذن في الصلاة لم يتعد عائشة إلى الرسول صلى الله عليه وآله.

وقد قال بعض المخالفين: إن السبب في قوله صلى الله عليه وآله:

(إنكن كصويحبات يوسف) إنه صلى الله عليه وآله لما أؤذن بالصلاة قال:

(مروا أبا بكر ليصلي بالناس) فقالت له عائشة: " إن أبا بكر رجل أسيف (1) حزين لا يحتمل قلبه أن يقوم مقامك في الصلاة، ولكن تأمر عمر أن يصلي بالناس " فقال عليه السلام عند ذلك (إنكن كصويحبات يوسف) وهذا ليس بشئ لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يجوز أن يكون أمثاله إلا وفقا لأغراضه، وقد علمنا أن صويحبات يوسف لم يكن منهن خلاف على يوسف، ولا مراجعة له في شئ أمرهن به، وإنما افتتن بأسرهن بحسنه، وأرادت كل واحدة منهن منه مثل ما أرادته صاحبتها فأشبهت حالهن حال عائشة في تقديمها أباها للصلاة طلبا للتجمل والتشرف بمقام الرسول صلى الله عليه وآله، ولما يعود بذلك عليها وعلى أبيها من الفخر وجميل الذكر، ولا معتبر بمن حمل نفسه من المخالفين على

____________

(1) في الأصل " أسيف " لأنه من باب تعب يقال: أسف أسفا: أي حزن وتلهف فهو أسف كتعب، ولا ريب أن هذا التحريف من النساخ لا من المرتضى رحمه الله.

الصفحة 160
أن يدعي أن الرسول صلى الله عليه وآله لما خرج إلى المسجد لم يعزل أبا بكر عن الصلاة وأقره في مقامه لأن هذا من قائله غلط فظيع من حيث يستحيل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وهو الإمام المتبع في سائر الدين متبعا مأموما في حال من الأحوال، وكيف يجوز أن يتقدم النبي صلى الله عليه وآله غيره في الصلاة وقد دلت الدلالة على أنه لا يتقدم فيها إلا الأفضل على الترتيب والتنزيل المعروف (1) ومما يدل على بطلان دعواهم هذه أنه عليه السلام لو لم يعزله عند خروجه عن الصلاة لما كان لما وردت به الرواية من الاختلاف في أنه صلى الله عليه وآله لما صلى بالناس ابتدأ من القرآن من حيث ابتدأ أبو بكر أو من حيث انتهى معنى على أنا نعلم لو تجاوزنا عن جميع ما ذكرناه وجها يكون منه خبر الصلاة شبهة في النص مع تسليم أن النبي صلى الله عليه وآله أمرها أيضا لأن الصلاة ولاية مخصوصة في حال مخصوص لا تعلق لها بالإمامة لأن الإمامة تشتمل على ولايات كثيرة من جملتها الصلاة ثم هي مستمرة في الأوقات كلها، فأي نسبة مع ما ذكرناه بين الأمرين؟ على أنه لو كانت ولاية الصلاة دالة على النص لم يخل من أن تكون دالة من حيث كانت تقديما في الصلاة أو من حيث

____________

(1) مراتب الإمامة في الصلاة عند الإمامية على النحو التالي " صاحب المسجد، والإمارة والمنزل أولى بالتقدم، والهاشمي أولى من غيره إذا كان بشرائط الإمامة، وإذا تشاح الأئمة فمن قدمه المأمومون فهو أولى، وإن اختلفوا قدم الأقرأ فالأفقه فالأقدم هجرة فالأسن فالأصبح (الشرائع للمحقق 1 / 135) أما عند بقية الفرق " فيؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن استووا فأفقههم، - ويرى الشافعي تقديم الأفقه إذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة على الأقرأ - فإن استووا فأقدمهم هجرة فإن استووا فأسنهم، وإن كانوا في منزل فصاحبه أحق في كل حال إلا من السلطان، وجوزوا الصلاة خلف الفاسق، وخالفهم الإمامية في ذلك فإنهم يشترطوا العدالة في الإمام مضافا إلى طهارة المولد، وكره ذلك مالك (أنظر المغني لابن قدامة 1 / 181 فما بعدها والمحلى لابن حزم 4 / 484 فما بعدها.

الصفحة 161
اختصت مع أنها تقديم فيها بحال المرض، فإن دلت من الوجه الأول وجب أن يكون جميع من قدمه الرسول صلى الله عليه وآله في طول حياته للصلاة إماما للمسلمين، وقد علمنا أن الرسول صلى الله عليه وآله قد ولى الصلاة جماعة لا يجب شئ من هذا فيهم، وإن دلت من الوجه الثاني فالمرض لا تأثير له في إيجاب الإمامة ولو دل تقديمه في الصلاة في حال المرض على الإمامة لدل على مثله التقديم في حال الصحة، ولو كان للمرض تأثير لوجب أن يكون تأميره أسامة بن زيد وتأكيده أمره في حال المرض مع أن ولايته تشتمل على الصلاة وغير الصلاة موجبا له الإمامة لأنه لا خلاف في أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول إلى أن فاضت (1) نفسه الكريمة صلى الله عليه وآله: (نفذوا جيش أسامة) ويكرر ذلك ويردده.

فإن قيل: لم تدل الصلاة على الإمامة من الوجهين اللذين أفسدتموها لكن من حيث كان النبي صلى الله عليه وآله مؤتما بأبي بكر في الصلاة ومصليا خلفه.

قلنا: قد مضي ما يبطل هذا الظن فكيف يجعل ما هو مستحيل في نفسه حجة؟ على أن النبي صلى الله عليه وآله عند مخالفينا قد صلى خلف عبد الرحمن بن عوف، ولم يكن ذلك موجبا له الإمامة، وخبر صلاة عبد الرحمن بن عوف أثبت عندهم وأظهر فيهم من خبر صلاته خلف أبي بكر، لأن الأكثر منهم يعترف بعزله عن الصلاة عند خروجه عليه السلام وقد بينا أن المرض لا تأثير له فليس لهم أن يفرقوا بين صلاته خلف عبد الرحمن وبينها خلف أبي بكر بذكر المرض.

قال صاحب الكتاب في الحكاية عن أبي هاشم: (ومما يبين بطلان

____________

(1) تكتب فاضت نفسه بالضاد، وفاظ بالظاء.

الصفحة 162
قولهم: إنه لا يجوز أن يقدم جماعة من أهل (1) البصرة لا يجوز على مثلهم التواطؤ فيخبروا عن أسعار الأمتعة ولا يخبروا بدخول القرامطة فإذا وجدناهم لم يخبروا بذلك مع أخبارهم بالأسعار وأشباهها دل ذلك على أن القرامطة لم تدخل البصرة، أو لم يقفوا على ذلك من أمرهم، ولو جاز أن لا يخبروا بالعظيم، ويخبروا بما هو دونه لجاز أن يقع في الجامع حرب وقتل ويجيئنا منهم قوم لا يخبرون بذلك، وإذا كان مثل ذلك باطلا وقد علمنا أن جعل النبي صلى الله عليه وآله عليا (2) إماما وإشارته إليه ونصه عليه من أعظم ما تحتاج الأمة إليه إلى معرفته فلو كان قد نصبه لهم لما جاز أن يتكاتموا أمره من غير تواطؤ وهم مخبرون بالكثير مما هو دون ذلك في الحاجة، بل يخبرون بكثير مما لا يحتاج إليه ولا هو في الظهور مثل إقامة الإمامة، ولو تواطؤا على ذلك مع أنهم جماعة عظيمة لم يخف ذلك علينا لأن ذلك إنما يكون بأمور تظهر وكيف يجوز أن يتواطؤا على كتمان ذلك حتى لا يدعيه مدع في مشهد ولا مقام؟ على أن ذلك لو صح على ما يدعونه ما كانت الحجة قائمة علينا، وإنما ذكرنا ما ذكرناه ليعلم أنه صلى الله عليه وآله لم يقم إماما، (3).... " (4).

يقال له: الذي يجب إذا قدمت جماعة من البصرة لا يجوز عليهم التواطؤ وأخبرونا عن أسعار الأمتعة ولم يخبروا بدخول القرامطة وعلمنا أنه لا داعي لهم إلى كتمان دخول القرامطة، ولا صارف لهم عن الأخبار بحالهم أن يعلم بهذا الشرط أنهم لم يدخلوها، فأما مع التجويز لحصول

____________

(1) يلاحظ " من " ساقطة من الشافي و " أهل " ساقطة من المغني.

(2) كلمة " عليا " ساقطة من المغني.

(3) غ " لم يقمه إماما ".

(4) المغني 20 ق 1 / 123.

الصفحة 163
دواع إلى الكتمان، وصوارف عن الإظهار فلا يجب القطع، بل لا يمتنع أن يخبروا بالأسعار وبما هو أدون حالا من الأسعار ولا يخبروا بشأن القرامطة، وكذلك القول في الواردين علينا من الجامع (1) ألا ترى أنه لا يمتنع أن تعتقد هذه الجماعة الواردة من البصرة لأمور ظهرت من سلطان بغداد أنه متى عثر على مخبر عن دخول القرامطة البصرة ضرب عنقه، ونكل به، أو يكون بين هذه الجماعة وبين جماعة من تجار بغداد معاملات ومضاربات فيعتقدوا أنهم متى أنذروهم (2) بدخول القرامطة البصرة كان ذلك سببا داعيا لهم إلى الامتناع من دفع تجاراتهم إليهم، وحملها في صحبتهم إشفاقا عليها، وخوفا من امتداد الأيدي إليها ونحن نعلم أنهم متى اعتقدوا أحد ما ذكرناه وتقرر في نفوسهم لم يجز أن يخبروا بدخول القرامطة البصرة مع إخبارهم بصغير الحوادث وليس لهم أن يقولوا: إن هذه الجماعة التي ذكرنا حالها إذا خافت من أن تخبر بدخول القرامطة من السلطان فإنه لا بد أن يخاف منها قوم فيمسكوا، ويغلب آخرون السلامة فيخبروا، ثم لا يلبث أمرهم أن يظهروا حال القرامطة في دخولهم البصرة أن يعلم لأن ذلك إذا صح لم يكن قادحا في قولنا ولا معترضا على طريقتنا، لأن الخوف أولا ربما انكتم معه الخبر ما دام الخوف قائما، لا سيما إذا لم يحمل المخبرين على الخبر داع من دواعي الدين، أو داع يرجع إلى الدنيا، يجري في القوة مجرى داعي الدين، وإذا أخبر منهم مخبر لقوة الدواعي فلا يكون إخباره إلا على أخفى ما يكون من الوجوه واسترها، هذا إذا حمل نفسه على الخطر وركوب الغرر (3) ومثل هذا نعنيه في النص

____________

(1) أي بحسب المثال الذي تقدم.

(2) أخبروهم، خ ل.

(3) الغرر - بفتحتين -: الخطر.

الصفحة 164
لأن الدواعي التي دعت إلى كتمانه لم تعم جميع الأمة، بل اختص قوم بالنقل وآخرون بالكتمان، ومن نقل فإنما وقع نقله لقوة الداعي الديني على جهة الخفاء والمساترة، ونحن نعلم أنه لا يمكن أحدا من مخالفينا أن يقول: إن السلطان متى خوف من ذكر خبر القرامطة فإن من نقل خبرهم مع هذا الخوف الشديد وحمل نفسه على النقل تغليبا للسلامة، وطمعا في النجاة، فإن نقله يقع ظاهرا مكشوفا كما يقع نقله بسائر ما لا خوف فيه من جهة السلطان، فقد ثبت على كل حال ما أردناه، وبطل ما ادعاه أبو هاشم من استحالة كتمان دخول القرامطة البصرة على الجماعة الكثيرة، لأنه إذا سلم أن الكتمان لا يجوز أن يعم جميع الجماعات الواردة، بل لا بد أن يخبر منهم بما قررناه مخبر، فليس بواجب أن تقع الأخبار من هذه الجماعة حتى لا يبقى الكتمان إلا في الطائفة اليسيرة التي يجوز عليها التواطؤ، بل العادة تقتضي بعكس هذا لأن الخبر إذا وقع من بعضهم فليس يقع إلا من الآحاد الذين يخالفون الحزم، ويطرحون العواقب، ويغلبون الطمع في النجاة والكتمان مع ثبوت الخوف هو الأعم الواجب في الجماعة، وهذا معلوم بالعادة ضرورة.

فإن قيل: ما ذكرتموه يوجب أن تجوزوا دخول القرامطة البصرة على وجه ظاهر لجميع أهلها، وإن انكتم ذلك على أهل بغداد جملة مع امتداد الزمان، بأن يتفق لجميع الواردين من البصرة من الدواعي إلى الكتمان أمثال ما وصفتموه.

قلنا: ليس يجب إذا جوزنا أمرا تشهد بجوازه العادة، ويقضي بصحته التعارف، أن نلزم ما يستحيل فيهما، لأنا نعلم أن الخوف من السلطان وإن اقتضى حصول الكتمان من الجماعة والجماعات الواردة فليس يجوز أن يستمر ذلك في كل جماعة ترد حتى لا يخبر منها نفر وإن قل

الصفحة 165
عددهم مع الخوف على السبيل التي ذكرناها في تغليب السلامة، ثم ذلك وإن جاز وعم الجماعة على بعده فليس يصح استمرار أسباب الخوف مع امتداد الزمان، بل لا بد من أن ترتفع دواعي الخوف أو تضعف أو لزوال إمرة السلطان الذي كان الخوف منه، أو بضعفه، يبين ما ذكرناه علمنا بأن الناس في أيام السلطان القاهر الذي تخاف سطوته، وجرت عادته بالتخويف من إفشاء أسراره وأخباره، والمبالغة في عقاب من يقدم على مخالفته، قد يشكون كثيرا في أخبار بعوثه وجيوشه وما يجري عليهم من هزيمة وقتل وما أشبههما، ولا يقطعون بإمساك من يرد من الجهة التي تلك الجيوش فيها - وإن كانوا جماعة - على انتفاء وقوع الهزيمة بالجيش أو ما أشبهها من المكروه ويجوزون أن يكون إمساك الواردين عن الخبر إنما هو لعلة الخوف من السلطان، وهذه حال الناس كانت في أيام عضد الدولة (1) غير أن الأمر لا بد أن ينكشف على الأيام من بعض الوجوه التي ذكرناها هذا إذا كان الداعي إلى الكتمان الخوف.

____________

(1) عضد الدولة: هو فناخسرو بن الحسن الملقب ركن الدولة ابن بويه الديلمي أبو شجاع تولى ملك فارس ثم ملك الموصل والجزيرة وهو أول من خطب له على المنابر بعد الخليفة قال الزمخشري في ربيع الأبرار: وصف رجل عضد الدولة فقال: " وجه فيه ألف عين، وفم فيه ألف لسان، وصدر فيه ألف قلب " كان شديد الهيبة وكان عالما بالعربية وينظم الشعر ومن آثاره تجديد حرم أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف، وبنى سورا حول مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وأنشأ ببغداد البيمارستان العضدي (أي المشفى العضدي) وعمر القناطر والجسور توفي ببغداد سنة 372 هـ وحمل إلى النجف الأشرف ودفن فيها وقبره في جهة باب الطوسي من الصحن الشريف ولكن طمست معالمه وضاع في جملة ما ضاع من آثار عاصمة الدين ومثوى أمير المؤمنين وأنا لله وأنا إليه راجعون وقد ذكر أخبار عضد الدولة كثير من المؤرخين وتجدها متفرقة في تاريخ ابن خلكان خصوصا الجزء الرابع منه والكامل لابن الأثير ج 1 / 384 و ج 8 و 9 في أكثر صفحاتهما و ج 10 / 184 و 319.

الصفحة 166
فأما إذا كان ما تقدم من إشفاق بعض التجار من أن يخبروا بدخول القرامطة فيمتنع شركاؤهم من تسليم الأمتعة إليهم فهو أبعد من الاستمرار لأن هذا الغرض وإن جوزناه في بعض الجماعات الواردة فمحال أن يكون حاصلا لكل وارد من البصرة، لعلمنا بأن أكثر من يرد لا تجارة له فلا بد أن يظهر ذلك ممن لا غرض له في الكتمان، على أن من أعرض عن ذكر دخول القرامطة من التجار للغرض الذي ذكرناه لا يجوز أن يطمع في استمرار استتار دخولهم عن شركائهم من أهل بغداد، وهم يعلمون أن شركاءهم متى لقوا غيرهم من الواردين علموا دخول القرامطة من جهتهم، وإنما يجعلون الكتمان لذلك والإعراض عن ذكره طريقا لتعجل ما يتسلمونه (7) من جهتهم وتحصيله، ومتى وافقهم الشركاء بعد أن يعرفوا ما كتموه من جهة غيرهم جاز أن يكذبوا بذلك إن تمكنوا ويقولوا: لعل دخولهم كان بعد خروجنا، وهذه أمور تجوز في أحوال وتمتنع في أخرى على حسب الأطماع والظنون والدواعي ومن سبر العادات علم أن الشئ قد يتم ويقصده الجماعة وفي أمثاله في الظاهر ما يبعد تمامه، أو قصد العقلاء لما يختص به كل واحد من الأمرين من الأسباب الباعثة والصارفة.

ثم يقال لصاحب الكتاب: أليس قد ذكرت في باب الأخبار (2) من كتابك هذا عند الكلام في الكتمان أن الجمع العظيم إذا عرف أمرا تدعو الدواعي إلى نقل مثله فغير جائز أن يكتمه ولا يظهره إلا بمواطأة أو بشبهة جامعة على ذلك، أو خيفة أو رهبة إلى ما شاكله؟.

ثم قلت: (ومتى لم تحصل هذه الأمور ولا حصل ما يقوم مقام نقلها وإظهارها فالكتمان غير جائز عليهم) وهذا الكلام يناقض ما حكيته

____________

(1) يلتمسونه، خ ل.

الصفحة 167
عن أبي هاشم لأنه أطلق أن الجماعة الواردة من البصرة إذا أخبرت عن كذا، وأمسكت عن كذا، دل إمساكها على أن الذي أمسكت عنه لم يكن، ولم يستثن شيئا مما ذكرته، وقد كان يجب أن يقول على مقتضى كلامك: متى لم يكونوا على كذا وكذا، حتى يشترط سائر ما عددته من الأسباب الموجبة للكتمان فإن كان ذلك لا يجب أن يشترطه لأنه مستحيل أن يكتم هؤلاء دخول القرامطة على وجه من الوجوه، وإنما نذكر أسباب الكتمان في موضع آخر يسوغ فيه الكتمان، فقد كان يجب أن لا تطلق أنت جواز الكتمان على الجماعة العظيمة إذا اتفق لها أحد الأسباب، التي ذكرتها وتستثني الواردين من البصرة ومن جرى مجراهم وتبين أنهم ممن لا يجوز عليه الكتمان (1) على وجه وإن جاز على غيرهم لبعض تلك الأسباب فلا بد إذا من أحد أمرين إما الاعتراف بالخطأ فيما أطلقته في باب الأخبار أو صرف الخطأ إلى كلام أبي هاشم الذي استحسنته وحكيته إعجابا به، واعتقادا له.

فإن قال: أليس قد ذكرت في باب الكلام في الكتمان إن الجمع العظيم إذا اختص بوجه يقتضي الكتمان فإن ذلك الوجه لا يجوز أن لا ينكشف؟، بل لا بد أن يظهر، ثم يحصل النقل به.

قيل له: قد ذكرت ذلك وهو غير عاذر لأبي هاشم فيما أطلقه من الكلام ولا مانع مما حكمنا به من غلطه لأنه لم يجوز أن يكتم الواردون من البصرة أمر القرامطة لأحد الأسباب التي تقتضي الكتمان، ثم يوجب ظهورها وظهور ما كتموه فيما بعد، بل منع الكتمان منه جملة.

____________

(1) في المخطوطة " عليهم الكتمان ".

الصفحة 168
فأما ظهور ما تكتمه الجماعة على وجه من الوجوه إذا كان مما تمس الحاجة إليه وتدعو الدواعي إلى نقله، ووقع في الأصل ظاهرا، فقد بينا أنه مما لا بد منه في العادة، غير أن ذلك غير موجب لظهور أسباب الكتمان، والوقوف عليها بعينها في كل حال، لأن الأسباب الداعية إلى الكتمان على ضربين.

أحدهما: يجب ظهوره بالعادة والوقوف عليه بعينه، كما يجب ظهور نفس الشئ المكتوم إذا كان بالصفة التي تقدمت.

والضرب الآخر، لا يجب هذا فيه.

فأما الأول فهو أن يكون الكتمان وقع من الجماعة الكثيرة لتواطؤ عليه أو لإكراه من سلطان قاهر، لأن العادة تقتضي ظهور ما ذكرناه، والوقوف عليه بعينه، وأنه مما لا يكاد يخفى ويلتبس.

والثاني - أن تكون أسباب الكتمان أمورا تخص الجماعات، وترجع إلى اعتقاداتها كالعداوة والحسد والشبه واعتقاد الضرر في الدين أو الدنيا، فهذه الأسباب متى اقتضت الكتمان لم يجب ظهورها كوجوب ظهور ما تقدم لا سيما إذا وقع الكتمان لأمور منها مختلفة، ولم يكن الداعي إليه واحدا بعينه، فإن الدواعي إلى الكتمان ربما اختلفت في جنسها وإن كانت متفقة في اقتضائها للكتمان فهي إذا كانت بهذه الصفة أبعد من الظهور، وأقرب إلى الخفاء، والذي يكشف عن صحة ما ذكرناه أنه لو جمع بعض السلاطين أهل بلد عظيم كثير الأهل أو جماعة منهم كثيرة لا يجوز عليها التواطؤ فذكر بحضرتهم رجلا من بلدهم بذكر جميل، وقال فيه أقوالا تقتضي تفضيله وتعظيمه، والرفع منه لجاز من القوم أن ينصرفوا فيمسك

الصفحة 169
أكثرهم عن نقل ما جرى وإعادته، وتكون دواعيهم إلى الكتمان مختلفة، فمنهم من دعاه إليه العداوة، وآخرون حملهم عليه الحسد، وبعض اعتقد أن في نقله ضررا في الدين أو الدنيا، وبعض آخر دخلت عليه شبهة من غير هذه الوجوه، ولا يجب وإن ظهرت على ما جرى من بعض الجهات أن يظهر على الأسباب الموجبة لكتمان الجماعة له حتى تعرف بأعيانها ويميز بينها وبين غيرها ولا يجري وقوع الكتمان على هذا الوجه، ولهذه الأسباب مجرى أن يكونوا تواطؤا عليه وتوافقوا على أن يمسكوا عن النقل أو وقع من سلطان إكراه لهم على الكتمان لأنا نعلم أنه متى وقع لما ذكرناه ثانيا وجب ظهور أسبابه، وإن لم يجب ذلك في الأول.

فإن قال: إذا جاز أن يقع الكتمان من الجماعة الكثيرة فتخفى أسبابه على بعض الوجوه فلم لا جاز وقوع الافتعال للأخبار أيضا من الجماعة الكثيرة العدد وتخفى أسبابه للعلة التي لها خفيت أسباب الكتمان؟ فإذا أجزتم الكتمان على الجماعات للأسباب التي ذكرتموها فأجيزوا الافتعال على مثلهم لمثل تلك الأسباب، فإن ما استشهدتم به من العادة لا يفرق بين الأمرين لأن الناس كما قد تحملهم العداوة والحسد على الكتمان فكذلك قد تحملهم المحبة وقوة العصبية على الافتعال، وتخرص المحال، وهذا يبطل طريقتكم في النص، بل هو مبطل لسائر الأخبار.

قيل له: قد بينا أن الكتمان به ربما وجب ظهور أسبابه، وربما لم يجب وفرقنا بين الأسباب التي متى دعت إلى الكتمان ظهرت ووقف عليها، وبين الأسباب التي لا يجب أن يظهر عليها، وليس يجري الافتعال هذا المجرى لأنه إن أريد به افتعال أخبار مختلفة في اللفظ والمعنى أو مختلفة

____________

(1) الافتعال: الاختلاق.

الصفحة 170
في الصورة واللفظ، وإن كانت متفقة في المعنى فإنا نجوز أن يدعو إليه من الأسباب ما لا يجب ظهوره والوقوف عليه، بعينه حسب ما نقوله في الكتمان وأسبابه، فإن أريد به افتعال خبر واحد متفق في صورته وصفته ومعناه حتى يقع من الجماعات الكثيرة الخبر الذي هذه صفته، وتنكتم أسباب افتعاله فذلك لا يجوز، لأن الخبر متى كان بالصفة التي ذكرناها لم يجز أن يجمع الجماعة عليه إلا التواطؤ أو حمل ظاهر من سلطان، ولم يصح أن يجتمعوا عليه للأسباب التي ذكرناها في الكتمان، ألا ترى أن العداوة والحسد، وجميع ما عددناه من الأسباب المقتضية للكتمان في العادة لا يصح أن يكون أسبابا يجمع على افتعال خبر بلفظ ومعنى واحد حتى يصح من الجماعة العظيمة التي تعادي رجلا أن تفتعل في ذمه خبرا متفقا في لفظه ومعناه، أو تهجوه بأسرها بقصيدة من الشعر متفقة اللفظ و المعنى من غير تواطؤ، وقد يصح في العادة على هذه الجماعة أن تكتم ما يظهر لها من فضل من تعاديه لهذه الأسباب التي تقدمت من غير تواطؤ واتفاق، فمن ها هنا أوجبنا ظهور أسباب الافتعال متى كانت صفة الخبر المفتعل على ما ذكرناه، ولم يوجب ظهور أسباب الكتمان، وليس بمنكر عندنا أن يحمل الناس المحبة (1) والعصبية على الافتعال، كما قد يحملهم على الكتمان الحسد والعداوة، غير أن الافتعال الذي تدعو إليه المحبة لا يجوز أن يكون متفقا في الصيغة (2) والمعنى لأن ما دعا إلى معناه لا يجوز أن يكون داعيا إلى إيراده على صورة واحدة يبين ذلك أنه غير ممتنع أن يقصد جماعة يوالون رجلا ويجتمعون على محبته، والتقرب إليه، إلى افتعال مدح فيه، غير أنا نعلم أن الذي جمعهم على المدح من جهة الافتعال لا يكون

____________

(1) وليس عليكم أن تقولوا إن المحبة والعصبية يحمل خ ل.

(2) في الصورة خ ل.

الصفحة 171
جامعا على نوع من المدح مخصوص حتى يطبقوا بأسرهم من غير تواطؤ على مدحه بعلم الكلام، أو على وصفه باستخراج مسائل الفرائض، بل لا بد أن يتصرفوا في ضروب المدح وفنونها فيورد كل واحد أو كل نفر فنا من المدح فإن كانوا بجماعتهم يعلمون أنه يريد من المدح ويعجبه من ضروبه نوعا مخصوصا جاز أن يجتمعوا على مدحه بضرب مخصوص لأن علمهم بما ذكرناه يجمعهم على الفن الواحد، غير أنه لا يجوز مع هذا العلم أن تتفق صورة ما يوردونه وتتماثل لأنا إذا قدرنا أن الذي افتعلوه له وعلموا ميله إليه من ضروب المدح هو العلم بالكلام لم يجز أن يتخرصوا بأسرهم من غير تواطؤ أنه ناظر أحذق المتكلمين في مسألة من الكلام مخصوصة، ويحكوا ما دار بينهما بعبارة مخصوصة حتى ينتهوا إلى موضع من المسألة يشهدون على المتكلم الحاذق بالانقطاع فيه، وتقع هذه الحكاية من الجميع على وجه واحد، وكذلك إذا كانوا يعلمون منه الميل إلى الوصف بالكرم لم يجز أن يمدحوه بقصيدة واحدة متفقة الوزن والقافية والمعنى، ويصفوه فيها بإعطاء أموال مخصوصة لأقوام بأعيانهم، بل الجائز أن يصفه كل واحد بعلم الكلام أو بالكرم على وجه يخالف الوجه الذي يقع عليه وصف صاحبه، وليس مثل هذا في الكتمان فإن الجماعة الكثيرة التي تبغض رجلا وتعاديه يجوز أن تكتم الفضيلة الواحدة من فضائله الواقعة على وجه مخصوص، وتجمع العداوة على جحدها والإعراض عن ذكرها، ولا يحتاج فيما يجمع على كتمان تلك الفضيلة إلى أكثر من العداوة، فقد بان الفرق في هذه الجهة بين الكتمان والافتعال، ولم يلزمنا إبطال طريقة الاستدلال على النص لأن الشيعة نقلته بألفاظ مخصوصة، وصيغ متفقة، وأشارت إلى أحوال وقع فيها معينة فلم يجز أن يكونوا افتعلوه للميل والمحبة من غير تواطؤ، ولو كانت الشيعة نقلت، معنى النص بألفاظ

الصفحة 172
مختلفة، وعلى وجوه متباينة لساغ الطعن الذي تضمنه السؤال، واحتاج من الجواب إلى غير ما تقدم، وليس له أن يقول أليس الشيعة قد نقلت النص الجلي بألفاظ مختلفة؟ فتارة بلفظ (هذا خليفتي عليكم من بعدي) وتارة بألفاظ (هذا إمامكم) (1) إلى غير هذه الألفاظ، وهي كثيرة مختلفة، لأن هذه الألفاظ وما أشبهها من ألفاظ النص وإن اختلفت فالكل ناقل لها، وكل لفظ منها ينقله جميع الشيعة أو الجماعة التي لا يجوز عليها التواطؤ منهم، ولم نرد بوقوع اللفظ مختلفا من الجماعة التي تقصد إلى الافتعال هذا الوجه، وإنما أردنا أن كل واحد منهم إذا لم يواطئ صاحبه لا بد أن يورد الخبر مخالفا لما يورده الآخر عليه في لفظه وجهته حتى لا يتفق منهم على اللفظ المشابه الصورة خمسة أنفس، بل ربما لم يتفق اثنان، وليس هذه حال المخبرين عن النص لأنا قد بينا أن جميعهم نقل الألفاظ المختلفة، واتفقوا مع كثرتهم على نقلها، ويجب أن يعلم أن غرض المخالف في إلزامنا ظهور أسباب الكتمان ومعرفتها بعينها، أن نلتزم ذلك فيوجب علينا أن تكون الأسباب الموجبة لكتمان النص على أمير المؤمنين عليه السلام ظاهرة لكل أحد، على وجه لا تدخل فيه الشبهة، وتتطرق بانتفاء ظهورها، ووقوف الناس عليها إلى نفي الكتمان الذي تدعيه.

وقد مضى الكلام فيما يجب من ظهور أسباب الكتمان وما لا يجب ويمكن أن يقال للقوم: ما الذي تريدون بإلزامكم ظهور أسباب الكتمان؟

أتريدون أن ظهورها واجب على حد لا يصح دخول الشبهة معه على أحد؟ أم تريدون أنه لا بد أن يقوم عليها دليل من الأدلة وتعرف من وجه من الوجوه وإن صح أن يشتبه الأمر فيها على من لم ينعم النظر؟ فإن

____________

(1) أنظر الغدير 1 ص 10 فما بعدها.

الصفحة 173
أردتم الأول فقد بينا أنه غير واجب في العادة، وضربنا له الأمثال، وإن أردتم الثاني فهو غير منكر؟ وقد دل الدليل عندنا على الأسباب المقتضية لكتمان النص وعرفت الشيعة من حال النفر الذين تواطؤا على إزالة الأمر عن مستحقه ورووا خبر الصحيفة المكتوبة بينهم (1) وميزوا بين من دفع النص للحسد والعداوة، وبين من دفعه للشبهة وحسن الظن بدفعه، حتى أنهم يشيرون إلى كل واحد بعينه، وهذا مشهور من اعتقادهم ومذهبهم، ولم يبق إلا أن يطالبوا بالدلالة عليه فيدلوا فقد عرفت إذا الأسباب في كتمان النص، ودل الدليل عليها، وإن لم يجب أن يعلمها كل واحد، وتنتفي الشبهة فيها عن كل ناظر، كما يجب ذلك فيما ظهرت أسبابه مما تقدم ذكره.

وأما قوله في الفصل الذي كلامنا عليه: (فلو كان قد نصبه لهم لما جاز أن يتكاتموا أمره من غير تواطؤ) فإن أشار بالتكاتم إلى جميع الأمة الذين نصب لهم فذلك مما لم يقع فيحتاج إلى تعليله، وهل كان لتواطؤ أو لغيره، لأنا قد بينا أنه كما كتم فريق قد نقل فريق وإن لم يساووهم في الكثرة، وإن أراد لما جاز أن يكتمه من وقع الكتمان منه من جملة الأمة لغير تواطؤ فهو أيضا باطل لأنا قد دللنا على أن الكتمان قد يقع من الجماعة لغير تواطؤ، وذكرنا أسبابه التي من جملتها العداوة والحسد، واعتقاد الضرر في الدين أو الدنيا أو الشبهة، وضربنا أمثالا تشهد بصحتها العادة، ومضى أيضا فيما سلف من كلامنا أنه غير ممتنع أن يكون التواطؤ في كتمان النص وقع من جماعة قليلة، واتبعها الباقون لدواع مختلفة منها حسن الظن ودخول الشبهة.

____________

(1) أنظر سفينة البحار م 2 مادة صحف.

الصفحة 174
ومنها كراهة إمرة المنصوص عليه وإن كانت أسباب الكراهية أيضا مختلفة فيهم، وكل ذلك يبطل ما ظنه من أن التواطؤ في الكل أنه لا بد منه.

وأما قوله: " وهم يخبرون بالكثير مما دون ذلك في الحاجة " فالصحيح أنهم لم يخبروا بشئ مما أشار إليه لظهوره في أصله، أو لمكان الحاجة في الدين إليه، بل لأنه لم يدعهم داع إلى كتمانه، ولم يعتقدوا أن نقله يعقبهم ضرر ولا يحرمهم رئاسة.

وقوله: " ولو تواطؤا على ذلك مع أنهم جماعة عظيمة لم يخف علينا " صحيح وليس بطاعن على طريقتنا لأنا لم نذهب إلى أن الجميع تواطؤا على الكتمان، بل خصصنا بالتواطؤ نفرا منهم، ولا شبهة في أنه لا يجب من ظهور تواطؤ النفر ما يجب من ظهور تواطؤ الجماعة العظيمة،. ولهذا قال: " ولو تواطؤا مع أنهم جماعة عظيمة لوجب كذا ".

فأما قوله: " إن الذي تدعيه لو صح لما كانت الحجة قائمة به عليه " فقد تقدم بطلانه، وبينا أن الحجة قائمة مع ثبوت قولنا وصحته على جميع مخالفينا في النص من حيث كان لهم مع وقوع الكتمان ممن آثره سبيل إلى إصابة الحق.

قال صاحب الكتاب حاكيا عن أبي هاشم: " قال: إن إقامة الإمامة عندهم من أعظم الشرائع، ومما لا يصح الشريعة إلا معه لأن الإمام يصحح الشرائع من حج وصلاة (1)، وأنه يقوم بحفظ الدين على ما يقولون، فلو جاز أن يكتموا إمرة مع أن النص الذي وقع طريقه

____________

(1) غ " إلا معها، لأن عندهم تصح الشرائع والصلاة ".

الصفحة 175
الاضطرار لجاز أن ينص عليه السلام على صلاة وقبلة وفريضة (2) ولا ينقل، وإن كان النص في الأصل بالاضطرار علم ".

قال: " وقد يجوز أن لا ينقل بعض الأشياء وإن نقل غيره إذا كانا متقاربين أو يكون المنقول منهما أعظم في النفس والحاجة إليه أشد، فأما أن يكون المتروك نقله هو الأعظم، والحاجة إليه أشد فلا يجوز ألا ترى أنه لا يجوز أن لا ينقل عن الجامع خبر حرب وفتنة، وينقل ما خطب به الأمير، وقرأ به في الصلاة، وإن كان قد يجوز أن ينقلوا خبر الحرب والفتنة ولا ينقلوا كيفية الخطبة، وإذا كانت الإمامة من أعظم الأمور وأجلها خطرا على مذهبهم، فكيف يجوز أن لا ينقل وينقل ما هو دونه مع أن سائر الشرائع متعلقة به، وذلك يوجب أن الأصل لا ينقل ويكتم مع أن ما يجري مجرى الفرع لا محالة ينقل،... " (2).

يقال له: لو اتفق في سائر ما ذكرته ما اتفق في النص من الأسباب وقوة الأطماع والدواعي لجاز الكتمان على الوجه الذي أجزناه عليه في النص، غير أنه مستبعد فيما ذكرته لأن الأعداء لا داعي لهم إلى كتمان فرائضه وشرائعه عليه السلام من حيث لم تكن مؤثرة في شئ من أمورهم، وأهل الملة أيضا منهم (3) من يفوته بنقل الفرائض والسنن والشرائع أمل أو ليتنزل به عن رئاسة حسب ما يقتضيه نقل النص فيمن عمل بخلافه، وإذا انتفت دواعي الكتمان، وكانت دواعي النقل التي من جملتها التدين باعثة عليه لم يقع الكتمان، ومعلوم أن كتمان الفرائض

____________

(1) غ " وشريعة ".

(2) المغني 20 ق 1 / 124.

(3) فليس منهم، خ ل.