وسئل مرّة عن الاخلاص فقال: إذهب الى الزهّاد، أي شيء نحن حتى تجيء إلينا؟
وجاء إليه رجل فمسح يده على ثيابه ومسح بهما وجهه، فغضب الإمام أحمد وأنكر ذلك أشد الإنكار، وقال: عمّن أخذتم هذا الأمر(1).
وهنا، أولاً: إن العلياني يفهم الاُمور على غير وجهها، لأن عمل اُولئك الأئمة وإنكارهم تبرّك الناس بهم، لم يكن من باب إنكار التبرك نفسه، بل كان من باب التواضع ـ الذي هو دأب العلماء والصالحين ـ والإمام أحمد لم يتّهم الشخص الذي تبرّك به ـ كما يفعل الذين يدّعون أ نّهم يأتمّون بهذا الإمام في تكفير المسلمين واتّهامهم بالشرك ـ لأن هؤلاء العلماء كانوا يعلمون جيداً بأن ذلك ليس من الشرك والضلال، بدليل أ نّهم هم أنفسهم كانوا يتبرّكون بغيرهم من العلماء والأئمة الصالحين، بل وحتى التبرّك بقبورهم. كما مرّ بنا في المبحث السابق وفيهم أئمة أهل الحديث.
____________
1- التبرّك المشروع: 86.
لقد مرّ بنا فيما سبق أن الصحابة كانوا يمسكون رمانة منبر النبي(صلى الله عليه وآله) بميامنهم ثم يدعون، وأن ابن عمر الصحابي كان يمسح بيده على مكان جلوس النبي(صلى الله عليه وآله) من المنبر ثم يمسح بها وجهه، ومرّ بنا أيضاً أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يمسح على رؤوس أو أجسام الأشخاص ويدعو لهم، مما يدل على خصوصية في المسح، لأن دعاء النبي(صلى الله عليه وآله) يكفي للإجابة، والروايات التي جاءت تتضمن هذا المعنى كثيرة جداً، نكتفي بالإشارة هنا الى بعضها من أجل بيان وجه ذلك العمل وأهميته، وأعني المسح.
فعن عائشة: أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يعوّذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللّهم رب الناس، اذهب البأس، اشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلاّ شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً..."(1).
وعنها أيضاً: أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يقول للمريض: "بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، بإذن ربّنا"(2).
____________
1- صحيح البخاري: 7/172.
2- المصدر السابق.
عن أبي حازم، أ نّه قال: أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال يوم الخيبر: "لاُعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أ يّهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله(صلى الله عليه وآله) كلّهم يرجو أن يعطاها، قال فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقال: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فارسلوا إليه، فاُتي به فبصق رسول الله(صلى الله عليه وآله) في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأنّ لم يكن به وجع فأعطاه الراية..."(2).
إن هذا يوضح بعض الاُمور، منها: أن النبي(صلى الله عليه وآله) لم يكن يكتفي بالدعاء بل كان يمسح على العضو المريض أيضاً إذا كان للاستشفاء ويمسح على الرأس إذا كان للبركة، فلابد إذاً من خصوصية للمسح.
____________
1- وفاء الوفا: 1/69.
2- مسند أحمد: 5/333، صحيح البخاري: 4/30 و 207، مجمع الزوائع: 6/150، باب غزوة خيبر، كتاب السنة لأبي عاصم: 594، السنن الكبرى للنسائي: 5/46 و 108، كتاب المناقب، فضائل علي بن أبي طالب، مسند أبي يعلى: 1/291، المعجم الكبير للطبراني: 6/152.
1 ـ "غبار المدينة شفاء من الجذام"(1).
2 ـ "غبار المدينة يبرئ الجذام".
3 ـ "غبار المدينة يطفئ الجذام".
4 ـ "إنّ في غبارها شفاء من كل داء".
5 ـ "والذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنة وإنّها شفاء من الجذام"(2).
أفلا يدلّ ذلك على خصوصية أودعها الله تعالى في بعض الأماكن حتى صارت تربتها وغبارها شفاء من الأسقام المستعصية بإذن الله، وإذا كان خلط هذه التربة بالريق والاستشفاء بها من أمر النبي(صلى الله عليه وآله)، فكيف لا يجوز التبرّك بهذه التربة الشريفة إذاً، وماهي خصوصية الحجر الأسود، وبعض أركان الكعبة، حتى يتهافت المسلمون بالملايين على لمسها اقتداء
____________
1- كنز العمال: 13/205، وفاء الوفا: 1/67.
2- كنز العمال: 13/205، وفاء الوفاء: 1/67.
أوَليس معنى كل هذا أن لبعض الأماكن قدسية خاصة أودعها الله فيها، وأن البركة في تربتها وغبارها، فَلِمَ لا يجوز التمسّح بها وتقبيلها طلباً للبركة إذاً؟!
فيتبيّن من كل ذلك أن التبرك أمر قد أقرّه الشارع العظيم، وعمل به الأنبياء(عليهم السلام) ومنهم نبيّنا عليه وعلى آله الصلاة والسلام، ولم يأتنا أثر يثبت أن الله سبحانه وتعالى أو نبيّه(صلى الله عليه وآله) قد نهيا عن شيء من ذلك قط، فالمسلمون إذاً ظلّت سيرتهم منذ عهد النبي(صلى الله عليه وآله)على التبرّك به حياً، وبآثاره ميتاً، وتبرّك الصحابة بعضهم ببعض، وصلّوا في الأماكن التي صلّى فيها النبي(صلى الله عليه وآله) طلباً لبركتها، وظلّ ذلك دأب المسلمين جيلاً بعد جيل، يتلقون فيوضات البركات الإلهية دون أن يخامر عقائدهم شرك ولا ضلال، ودون أن يعمد أحدهم الى تأليه شخص أو شيء متبرّك به، بل ظلّوا على مرّ القرون موحدين لله سبحانه وتعالى، معتقدين بأنه وحده القادر على كل شيء، وعلى إنزال البركات، وأنّ تبرّكهم بمخلوقاته ليس إلاّ من باب الحب لله والحب لمن يحبّهم ويحبّونه، ولا شيء غير ذلك ممّا يدّعيه الجهّال.
التبرّك عند أهل البيت(عليهم السلام)
بعد أن أثبتنا في المباحث المتقدّمة، مشروعية التبرك عند جميع طوائف المسلمين، واقرار النبي(صلى الله عليه وآله)له، وأبطلنا حجج القائلين بأن التبرك مختصّ بالنبي(صلى الله عليه وآله)، منتف عن غيره من هذه الاُمّة، وأثبتنا أن دأب الصحابة والتابعين الأخيار كان الاستمرار على هذا النهج في التبرك بآثار النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) وحتى بالصالحين من هذه الاُمّة.
لابد أن نورد بعض الأخبار حول التبرك عند أهل بيت النبوة(عليهم السلام)وحثّهم عليه وترغيبهم فيه:
تبركهم بقبر النبيّ(صلى الله عليه وآله)
1 ـ لما حانت وفاة الإمام الحسن بن علي(عليهما السلام)، أوصى الى أخيه الحسين(عليه السلام)، فكان ممّا أوصاه به، أنّه قال: فإذا قضيت نحبي فغمّضني وغسّلني وكفّني وأدخلني على سريري الى قبر جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)لاُجدّد به عهداً، ثم ردّني الى قبر جدّتي فاطمة [بنت أسد] رضي الله عنها فادفنّي هناك(1).
____________
1- بحار الأنوار: 44 / 156.
3 ـ عن ابن فضال، قال: رأيت أبا الحسن(عليه السلام) وهو يريد أن يودع للخروج الى العمرة، فأتى القبر من موضع رأس رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بعد المغرب، فسلّم على النبي(صلى الله عليه وآله)، ولزق بالقبر(2).
4 ـ لمّا عزم الإمام الحسين(عليه السلام) الخروج من مكة ـ بعد موت معاوية ـ خرج من منزله ذات ليلة وأقبل الى قبر جدّه(صلى الله عليه وآله)، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك، ثم جعل يبكي عند القبر، حتى إذا كان قريباً من الصبح، وضع رأسه على القبر فأغفى(3)...
5 ـ عن الرضا(عليه السلام)، قال: لما أردت الخروج من المدينة الى خراسان، جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى أسمع بكاءهم، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت لهم: إنّي لا أرجع الى عيالي أبداً، ثم أخذت أبا جعفر فأدخلته المسجد ووضعت يده على حافة القبر وألصقته به، واستحفظته برسول الله(صلى الله عليه وآله)(4).
____________
1- بحار الأنوار: 100/154.
2- المصدر السابق: 157.
3- بحار الأنوار: 44/328، الفتوح لابن أعثم: 5/26.
4- الأنوار البهيّة: 110.
تبرّكهم بآثار بعضهم (عليهم السلام)
1 ـ عن سليمان بن خالد ومحمّد بن مسلم قالا: مضينا الى الحيرة فاستأذنا ودخلنا الى أبي عبدالله(عليه السلام) فجلسنا إليه وسألنا عن أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: إذا خرجتم فجزيتم الثويّة والقائم وصرتم من النجف على غلوة أو غلوتين، رأيتم ذكوات بيضاً بينها قبر قد جرفه السيل، ذاك قبر أمير المؤمنين(عليه السلام). قال: فغدونا من غد فجزنا الثويّة والقائم، وإذا ذكوات بيض فجئناها، فإذا القبر كما وصف قد جرفه السيل، فنزلنا فسلّمنا وصلّينا عنده ثم انصرفنا، فلمّا كان من الغد غدونا الى أبي عبدالله(عليه السلام)فوصفنا له فقال: أصبتم، أصاب الله بكم الرشاد(1).
2 ـ عن أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبدالله(عليه السلام)، فمرّ بظهر قبر فنزل فصلّى ركعتين، ثم تقدم قليلاً فصلّى ركعتين، ثم سار قليلاً فنزل فصلّى ركعتين، ثم قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين(عليه السلام)، قلت: جعلت فداك، فما الموضعين اللذين صلّيت فيهما؟ قال: موضع رأس الحسين(عليه السلام)، وموضع منبر القائم(2).
3 ـ كان أهل البيت(عليهم السلام) يتبركون بحجر في بيت فاطمة(عليها السلام)، وعن علي بن موسى الرضا(عليه السلام)قال: أنّه ولدت فاطمة(عليها السلام) الحسن والحسين على
____________
1- بحار الأنوار: 100 / 237.
2- المصدر السابق: 100/241.
التبرّك والاستشفاء بتربة الحسين(عليه السلام)
1 ـ عن أبي اليسع، قال: سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا أسمع عن الغسل إذا أتى قبر الحسين(عليه السلام)، قال: أجعله قبلة إذا صلّيت؟ قال: تنح هكذا ناحية. قال: آخذ من طين قبره ويكون عندي أطلب بركته؟ قال: نعم، أو قال: لا بأس بذلك(2).
2 ـ عن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين(عليه السلام)فينتفع به ويأخذه غيره فلا يتنفع به، فقال: لا والله، لا يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلاّ نفعه به(3).
3 ـ عن الصادق(عليه السلام): إن الله جعل تربة الحسين(عليه السلام) شفاءً من كل داء، وأماناً من كل خوف، فإذا أخذها أحدكم فليقبّلها وليضعها على عينه وليمرّها على جسده(4).
4 ـ عن اليقطيني، قال: بعث إليّ أبو الحسن الرضا(عليه السلام) رزم ثياب وغلماناً ـ الى أن قال ـ، فلمّا أردت أن اعتبئ الثياب رأيت في أضعاف الثياب طيناً، فقلت للرسول ما هذا؟ فقال: ليس توجّه بمتاع إلاّ جعل فيه طيناً من قبر الحسين(عليه السلام)، ثم قال الرسول(صلى الله عليه وآله):
____________
1- وفاء الوفا للسمهودي: 1/572.
2- بحار الأنوار: 83/320.
3- بحار الأنوار 101/119، الوسائل: 10/409.
5 ـ سأل رجل أبا عبدالله(عليه السلام)، قال: آخذ من طين قبر الحسين يكون أطلب بركة؟ قال: لا بأس بذلك(2).
6 ـ إن الصادق(عليه السلام) مرض فأمر من عنده أن يستأجروا له أجيراً يدعو عند قبر الحسين(عليه السلام)، فوجدوا رجلاً فقالوا له ذلك، فقال: أنا أمضي، ولكن الحسين إمام مفترض الطاعة، وهو إمام مفترض الطاعة! فرجعوا الى الصادق(عليه السلام) وأخبروه، فقال: هو كما قال، ولكن ما عرف أن لله بقاعاً يستجاب فيها الدعاء، فتلك البقعة من تلك البقاع(3).
7 ـ عن أبي الحسن(عليه السلام)، قال: ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسّده بالتراب، أن يضع مقابل وجهه لبنة من طين الحسين(عليه السلام) ولا يضعها تحت رأسه(4).
8 ـ كان لأبي عبدالله [الصادق] (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله [الحسين] (عليه السلام)، فكان إذا حضرت الصلاة صبّه على سجادة وسجد عليه، ثم قال: السجود على تربة الحسين(عليه السلام)يخرق
____________
(3 و 4) المصدر السابق.
2- الوسائل: 10/415، البحار: 101/125.
3- الوسائل: 10/421 ـ 422.
4- بحار الأنوار: 101/136.
9 ـ عن الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام)، قال: إن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كانت سبحتها من خيط صوف مفتّل معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت(عليها السلام) تديرها بيدها، تكبّر وتسبّح، حتى قتل حمزة بن عبدالمطلب، فاستعملت تربته وعملت التسابيح، فاستعملها الناس، فلمّا قتل الحسين صلوات الله عليه، عُدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته لما فيه من الفضل والمزية(2).
10 ـ سُئل أبا عبدالله(عليه السلام) عن استعمال التربتين من طين قبر حمزة وقبر الحسين(عليه السلام)، والتفاضل بينهما، فقال(عليه السلام): السبحة التي هي من طين قبر الحسين(عليه السلام) تسبّح بيد الرجل من غير أن يسبّح(3).
11 ـ عن الصادق(عليه السلام): من أدار الحجير من تربة الحسين(عليه السلام)فاستغفر مرة واحدة كتب الله له سبعين مرة، وإن مسك السبحة ولم يسبّح بها، ففي كل حبة منها سبع مرات(4).
12 ـ عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد(عليهما السلام) يقولان: إن الله عوّض الحسين(عليه السلام) من قتله أن الإمامة في ذريته
____________
1- بحار الأنوار: 101/135.
2- بحار الأنوار: 101/133.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق: 101/136.
13 ـ عن ابن عباس، عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه أخبره بقتل الحسين(عليه السلام)الى أن قال: ألا وإن الإجابة تحت قبّته، والشفاء في تربته، والأئمة من ولده(2).
14 ـ عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّي رجل كثير العلل والأمراض وما تركت دواء إلاّ تداويت به، فقال لي: أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي(عليهما السلام)، فإنّ فيه شفاء من كل داء، وأمناً من كل خوف، فإذا أخذته فقل هذا الكلام (اللهمّ إنّي أسألك بحق هذه الطينة، وبحق الملك الذي أخذها، وبحق النبي الذي قبضها، وبحق الوصي الذي حلّ فيها، صلّ على محمّد وآل محمد وأهل بيته، وافعل بي كذا وكذا)(3).
15 ـ عن محمّد بن مسلم: أنه كان مريضاً، فبعث إليه أبو عبدالله(عليه السلام) بشراب فشربه، فكأنّما نشط من عقال، فدخل عليه فقال: كيف وجدت الشراب؟ فقال: لقد كنت آيساً من نفسي فشربته فأقبلت إليك فكأنّما نشطت من عقال. فقال: يا محمد، إن الشراب الذي شربته كان فيه من طين قبور آبائي، وهو أفضل ما نستشفي به فلا تعدل به، فإنّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى منه كل خير(4).
____________
1- الوسائل: 10/329.
2- الوسائل: 10/352، كفاية الأثر للخزاز: 290.
3- بحار الأنوار: 101/118.
4- بحار الأنوار: 101/118.
17 ـ عن الصادق(عليه السلام): في طين قبر الحسين(عليه السلام) الشفاء من كل داء، وهو الدواء الأكبر(2).
18 ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: من أصابه علّة فبدأ بطين قبر الحسين(عليه السلام)شفاه الله من تلك العلّة، إلاّ أن تكون علّة السام(3).
19 ـ عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)، قال: كل طين حرام كالميتة والدم وما اُهلَّ لغير الله به، ما خلا طين قبر الحسين(عليه السلام)، فإنّ فيه شفاء من كل داء(4).
20 ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: أكل الطين حرام على بني آدم، ما خلا طين قبر الحسين(عليه السلام)، من أكله من وجع شفاه الله(5).
21 ـ عن أبي جعفر [الباقر] (عليه السلام)، قال: طين قبر الحسين(عليه السلام)شفاء من كل داء، وأمان من كل خوف، وهو لما أخذ له(6).
التبرّك بكسوة الكعبة
1 ـ عن عتبة بن عبدالله، قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)، عمّا يصل
____________
1- المصدر السابق.
2- بحار الأنوار: 101/118.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق: 101/120، الوسائل: 10/415، أمالي الشيخ: 202.
5- المصدر السابق: 101/130.
6- المصدر السابق: 101/132.
2 ـ عن مروان بن عبدالملك، قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام)عن رجل اشترى من كسوة الكعبة شيئاً فاقتضى ببعضه حاجته، وبقي بعضه في يده، هل يصلح بيعه؟ قال: يبيع ما أراد، ويهب ما لم يرد، ويستنفع به ويطلب بركته..(2).
التبرّك بسؤر المؤمن وفضل وضوئه
1 ـ عن محمد بن اسماعيل رفعه، قال: مَن شرب سؤر المؤمن تبركاً به، خلق الله بينهما ملكاً يستغفر لهما حتى تقوم الساعة(3).
2 ـ عن عبدالله بن سنان، قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء(4).
3 ـ عن علي(عليه السلام) ـ في حديث الأربعمائة ـ، قال: سؤر المؤمن شفاء(5).
____________
1- الكافي، الفروع: 1/228، التهذيب: 1/575، من لا يحضره الفقيه: 1/91، الوسائل: 9/359 باب حكم الانتفاع بكسوة الكعبة.
2- الوسائل: 9/360.
3- الوسائل: 17/208 ح2، ثواب الأعمال: 83.
4- المصدر السابق.
5- الوسائل: 17/208، الخصال: 2/157.
التبرّك بشرب ماء السماء
1 ـ عن حمران، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: اشتكى رجل الى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال له: سل من امرأتك درهماً من صداقها فاشتر به عسلاً فاشربه بماء السماء، ففعل ما أمر به فبرأ، فسئل أمير المؤمنين(عليه السلام)عن ذلك: أشيء سمعته من النبي(صلى الله عليه وآله)، قال: لا، ولكني سمعت الله يقول في كتابه: (فان طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئا ) وقال: (وأنزلنا من السماء ماءً مباركاً)فاجتمع الهنى والمريء والبركة والشفاء، فرجوت بذلك البر(2) 2 ـ عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (وأنزلنا من السماء ماءً مباركاً)، قال: "ليس من ماء في الأرض إلاّ وقد خالطه ماء السماء"(3).
3 ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): اشربوا ماء السماء فإنّه يطهّر البدن ويدفع الأسقام. قال الله تبارك وتعالى: (وينزل
____________
1- كنز العمال: 9/186.
2- تفسير العياشي: 1/218.
3- الوسائل: 17/210، مكارم الأخلاق: 446.
التبرّك بماء الفرات
1 ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: ما أخال أحداً يحنّك بماء الفرات إلاّ أحبّنا أهل البيت...(2).
2 ـ عن علي بن الحسين يرفعه، قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): كم بينكم وبين الفرات؟ فأخبرته، فقال: لو كان عندنا لأحببت أن آتيه طرفي النهار(3).
3 ـ عن سعيد بن جبير، قال: سمعت علي بن الحسين(عليهما السلام)، يقول: إن ملكاً من السماء يهبط في كل ليلة معه ثلاثة مثاقيل مسكاً من مسك الجنة فيطرحها في الفرات، وما من نهر في شرق الأرض ولا غربها أعظم بركة منه(4).
التبرّك بالتراب
1 ـ عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) أنّه كان يترّب الكتاب وقال: لا
____________
1- المصدر السابق: 17/210 ـ 211، فروع الكافي: 6/387، المحاسن: 574. والآية في سورة الأنفال: 11.
2- الوسائل: 17/211.
3- المصدر السابق: 17/212، الفروع: 6/388.
4- المصدر السابق.
2 ـ عن علي بن عطية أنه رأى كتباً لأبي الحسن(عليه السلام)مترّبة(2).
3 ـ عن الرضا(عليه السلام)، قال: كان أبو الحسن يترّب الكتاب(3).
4 ـ عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه(عليهم السلام)عن النبي(صلى الله عليه وآله)، قال: باكروا بالحوائج فإنها ميسّرة، وأتربوا الكتاب فإنّه أنجح للحاجة، واطلبوا الخير عند حسان الوجوه(4).
ووردت في كتب الحديث عند أهل السنّة أخبار بذلك، منها:
1 ـ إذا كتب أحدكم فليترّبه فإنّه أنجح للحاجة(5).
2 ـ ترّبوا صحفكم أنجح لها فإن التراب مبارك(6).
3 ـ إن النبي(صلى الله عليه وآله) بعث الى أهل قريتين بكتابين يدعوهم الى الإسلام، فترّب أحد الكتابين ولم يترّب الآخر، فأسلم أهل القرية التي ترّب كتابهم(7).
____________
1- الوسائل: 8/497، باب استحباب تتريب الكتاب.
2- المصدر السابق.
3- الوسائل: 8/497، باب استحباب تتريب الكتاب 4- المصدر السابق.
5- جامع الترمذي: 5/66، كنز العمال: 6/289.
6- سنن ابن ماجة: 2/1240، باب تتريب الكتاب، ح 3774، كنز العمال: 6/517، ح 16799.
7- الإصابة: 2/304، حرف العين، القسم الأوّل، ترجمة عبدالله بن ربيع النميري، رقم 4669.
5 ـ إذا كتب أحدكم كتاباً فليترّبه فإن التراب مبارك وهو أنجح للحاجة(2).
6 ـ إذا كتبت كتاباً فترّبه فإنه أنجح للحاجة والتراب مبارك(3).
7 ـ ترّبوا الكتاب وسجّوه من أسفله فإنّه أنجح للحاجة(4).
8 ـ ترّبوا الكتاب فإنّه أعظم للبركة وأنجح للحاجة(5).
9 ـ ترّبوا الكتاب فإنّه أنجح للحاجة(6).
هذا وقد وردت الأخبار واستفاضت عن التبرّك بالقرآن، وبشهر رمضان، وبالسحور، وبتراب المدينة وتمرها، وبماء زمزم، وبجبل اُحد وغيرها كثير، ممّا يدل على أهمية موضوع التبرك، لذا نجد المسلمين على اختلاف مشاربهم يبادرون الى التبرك بكل ما عرفوا فيه البركة يبتغون بذلك التقرّب من الله سبحانه وتعالى وطاعة لأمر النبي(صلى الله عليه وآله)، ولا يخطر على قلب أحدهم بأنه يفعل ذلك تقرباً من الشخص أو الشيء المتبرك به، أو أنه يعتبر عمله هذا
____________
1- كنز العمال: 10/245.
2- كنز العمال: 10/245 ح 29306.
3- المصدر السابق: ح 29307.
4- المصدر السابق: ح 29309.
5- المصدر السابق: 10 / 246، ح 29310.
6- المصدر السابق: ح 29311.
آراء بعض العلماء في التبرّك
نود أن نختم بحثنا هذا بعرض آراء بعض علماء الإمامية ممّن تناولوا هذا الموضوع لنبيّن آراءهم في ذلك، فمنهم:
1 ـ الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناحي النجفي (1156 ـ 1228 هـ):
قال: إنّ التواضع والتبرك والإكرام والاحترام لما هو معظّم عند الله من تعظيم الله، كما أن احترام قرآنه وبيته، ومساجده لانتسابها إليه، احترام له تبارك وتعالى. فمن عظّم عيسى ومريم وعزير لعبوديتهم وقرب منزلتهم، فهو معظّم لله، كما أن من عظّم بيت السلطان عبيده وغلمانه وأتباعه من حيث التبعية، يكون معظّماً للسلطان.
وأما من وجدها قابلة للتعظيم، وأهلاً له من حيث ذاتها لأجل العبودية والتابعية، وإن كان غرضه التقريب زلفى، إنّما يكون معظّماً لها.
وإنّي منذ ثلاثين حجة أنظر في اُصول طوائف المسلمين، محقّيهم ومبطليهم، فلم أجد أحداً يعظّم كتاباً، أو نبيّاً، أو مكاناً، أو عبداً صالحاً من غير قصد قربة من الله، أو انتسابه إليه، فقد ظهر أن هذا كلّه من باب طاعة الله وتعظيمه.
وأما عبدة الأصنام والعباد الصالحين، فإنّما أرادوا عبادتهم حق العبادة، كانوا يصلّون لهم ويصومون، ويكون ذلك لاستحقاقهم
2 ـ السيد محسن الأمين العاملي:
قال: لو كان احترام قبور الأنبياء والصلحاء عبادة لها وشركاً، لكان تعظيم الكعبة والطواف بها والحجر الأسود وتقبيله، والحجر والمقام والمساجد والمشاعر والأبوين وإطاعتهما، وخفض جناح الذلّ لهما، وخفض الأصوات عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)وخفضه جناحه لمن اتّبعه من المؤمنين، وسجود الملائكة لآدم، وسجود إخوة يوسف وأبويه له، وتعظيم الجنود لاُمرائهم، والصحابة للنبي(صلى الله عليه وآله)وللخلفاء، والأنبياء لآبائهم واُمهاتهم وقيامهم وخضوعهم لهم، والوهابية للسلطان ابن سعود، وغير ذلك كلّه عبادة لغير الله وشركاً، ولم يسلم في الشرك نبيّ فمن دونه، لا يقال للتعظيم الذي نص الشرع عليه وأمر به لا كلام لنا فيه، وإنّما الكلام فيما لم ينص الشرع عليه، لأنا نقول: إذا فرض أن كل تعظيم عبادة وكل عبادة لغير الله شرك، يكون الله تعالى قد أمر بالشرك ورضيه وأحبّه وذلك باطل(2)...
____________
1- منهج الرشاد: 152، الفصل الثالث، في التبرك بالقبور ونحوها.
2- كشف الارتياب: 431.
3 ـ الشيخ محمد جواد البلاغي:
قال: إعلم أنّ من ضروريات الدين، والمتفق عليه بين جميع طبقات المسلمين، بل من أعظم أركان اُصول الدين: اختصاص العبادة بالله رب العالمين. فلا يستحقها غيره، ولا يجوز ايقاعها لغيره، ومن عبد غيره فهو كافر مشرك، سواء عبد الأصنام، أو عبد أشرف الملائكة أو أفضل الأنام.
وهذا لا يرتاب فيه أحد ممّن عرف دين الإسلام.
وكيف يرتاب، وهو يقرأ في كل يوم عشر مرات: (إيّاك نعبد وإياك نستعين)(1).
وبعد أن يورد مجموعة من الآيات في نفس المعنى يقول:
لكن العبادة ـ كما هو المفسّر في لسان المفسرين وأهل العربية وعلماء الإسلام ـ: غاية الخضوع، كالسجود والركوع ووضع الخد على التراب والرماد تواضعاً، وأشباه ذلك، كما يفعله عبّاد الأصنام لأصنامهم.
وأما زيارة القبور والتمسح بها وتقبيلها والتبرك بها، فليس من ذلك في شيء كما هو واضح، بل ليس فيها شيء من الخضوع، فضلاً عن كونها غاية الخضوع. مع أن مطلق الخضوع ليس بعبادة، وإلاّ
____________
1- الفاتحة: 5.
4 ـ العلاّمة الأميني في (التبرك بالقبر الشريف):
قال: لم نجد في المقام قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ممّن لهم ولآرائهم قيمة في المجتمع، وإنّما القائل بالنهي عنه من اُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً، ويقول بالكراهة مستنداً الى زعم أن الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب، ويحسب أن البعد منه أ لْيَق به، وليس من شأن الفقيه النّابه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تبنى على أساس، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.
نعم، هناك اُناس شذّت من شرعة الحق، وحكموا بالحرمة، قولاً بلا دليل، وتحكماً بلا برهان، ورأياً بلا بيّنة، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ، ولا يعبأ بهم ولا بآرائهم(2).
____________
1- الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابية: 47 ـ 56.
2- الغدير: 5 / 146، باب التبرّك بالقبر الشريف.