الصفحة 19

عمر بن أبي سلمة

ورواه من الصحابة عمر بن أبي سلمة ربيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي صحيح الترمذي قال:

((حدثنا قتيبة، حدثنا محمد بن سليمان بن الأصفهاني، عن يحيى بن عبيد عن عطاء بن أبي رباح عن عمر بن أبي سلمة - ربيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - قال: لما نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً): في بيت أم سلمة؛ فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهـم الرجس وطهـــرهم تطهيرا قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنك على خير)).

قال الشيخ الألباني: ((صحيح)) (1).

وأخرجه الطبري في تفسيره(2)، والطحاوي في مشــكل الآثار(3) فقال:

((وما حدثنا إبراهيم بن أحمد بن مروان الواسطي أبو إسحاق حدثنا محمد بن أبان الواسطي، حدثنا محمد بن سليمان بن الأصفهاني

____________

(1) صحيح سنن الترمذي للألباني 3/306 حديث رقم: 3205، وذكره الألباني في نفس المصــدر وقال عنـــه أيضا ((صحيح)) انظر صحيح سنن الترمذي 3/543 حديث رقم: 3787.

(2) تفسير الطبري 10/298 حديث رقم: 28499.

(3) تحفة الأخيار 8/475 حديث رقم: 6154.


الصفحة 20
عن يحيى بن عبيد المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي سلمـة قال: نزلت هــذه الآية على رســول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهـو في بيت أم سلمة (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) قالت: فدعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين وفاطمة فأجلسهم بين يديه، ودعا عليا فأجلسه خلف ظهره ثم جللهم جميعا بالكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: اللهم اجعلني منهم، قال: أنت على مكانك وأنت على خير)).

أبو سعيد الخدري

ففي تاريخ دمشق(1)قال ابن عساكر:

((أنبأنا أبو الفتح أحمد بن محمد بن سعيد الحداد، ح، أخبرني أبو طاهر محمد بن محمد بن عبد الله السنجي عنه، أنبأنا القاضي أبو بكر محمد بن الحسين بن جرير الدمشقي، أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني بالكوفة، حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمران بن أبي مسلم قال: سألت عطية عن هذه الآية: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) قال: أخبرك عنها بعلم، أخبرني أبو سعيد أنها نزلت في بيت نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين فأدار عليهم الكساء قال: وكانت أم سلمة على باب البيت، قالت: وأنا يا نبي الله؟ قال: فإنك بخير وإلى خير)).

وفي رواية أخرى أخرجها الطبري في تفسيره(2)قال:

____________

(1) تاريخ دمشق 14/147.

(2) تفسير الطبري 10/296 حديث رقم: 28487.


الصفحة 21
((حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا بكر بن يحيى بن زبان العنزي، قال: حدثنا مندل، عن الأعمش عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نزلت هذه الآية في خمسة، فيّ وفي علي (رضي الله عنه)، وحسن (رضي الله عنه)، وحسين (رضي الله عنه)، وفاطمة (رضي الله عنها) (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً))).

عبد الله بن عباس

ففي المستدرك على الصحيحين(1) قال الحاكم النيسابوري:

((أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ببغداد من أصل كتابه، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، حدثنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء، قال: فقال ابن عباس بل أنا أقوم معكم قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال: فابتدءوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره وقعوا في رجل قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فاستشرف لها مستشرف فقال: أين علي فقالوا إنه في الرحى يطحن، قال: وما كان أحدهم ليطحن، قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر قال فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا فأعطاها إياه فجاء علي بصفية بنت حيي، قال ابن عباس: ثم بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلانا(2) بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه وقال: لا يذهب بها إلا رجل

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 3/143 حديث رقم: 4652.

(2) هو أبو بكر ابن أبي قحافة.


الصفحة 22
هو مني وأنا منه فقال ابن عباس: وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال وعلي جالس معهم، فقال رسول الله: (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقبل على رجل منهم فقال: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ فأبوا فقال لعلي: أنت وليي في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس: وكان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة (رضي الله عنها) قال: وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)...الخبر)).

قال الحاكم النيسابوري: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)).

وقال الذهبي في التلخيص: ((صحيح)).

وهذه الرواية أخرجها النسائي في السنن الكبرى(1)وأيضا في خصائص الإمام علي(2)، وأحمد بن حنبل في مسنده(3)وفي فضائل الصحابة(4)وغيرهم.

واثلة بن الأسقع

أخرجت رواية واثلة بن الأسقع لحديث الكساء في العديد من المصادر منها مصنف ابن أبي شيبة(5) قال:

____________

(1) السنن الكبرى 5/112 حديث رقم: 8409.

(2) خصائص الإمام علي للنسائي 44 حديث رقم: 23.

(3) مسند أحمد بن حنبل 1/330 حديث رقم: 3062.

(4) فضائل الصحابة 2/682 حديث رقم: 1168.

(5) مصنف ابن أبي شيبة 6/370 حديث رقم: 32103.


الصفحة 23
((حدثنا محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، عن شداد أبي عمار قال: دخلت على واثلة وعنــــده قوم فذكروا عليا فشتموه!!! فشتمـــته معهم!!! فقال: ألا أخبرك بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قلت: بلى قال: أتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت: توجه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والحاصل فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه علي وحسن وحسين كل واحد منهما آخذ بيده فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساءه ثم تلا هذه الآية (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق)).

وهذه الرّواية أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده(1)، وأيضا في فضائل الصحابة(2).

وفي رواية أخرى أخرجها ابن حبّان في صحيحه(3)قال:

((أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد قالا: حدثنا الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، عن واثلة بن الأسقع قال: سألت عن علي في منزله فقيل لي ذهب يأتي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جاء فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودخلت فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه وعليا عن يساره وحسنا وحسينا بين يديه وقال: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ

____________

(1) مسند أحمد بن حنبل 4/107 حديث رقم: 17029، وقال عنها الشيخ شعيب الأرناؤوط: (حديث صحيح).

(2) فضائل الصحابة 2/577 حديث رقم: 978.

(3) صحيح ابن حبان 15/432 حديث رقم: 6976.


الصفحة 24
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) اللهم هؤلاء أهلي، قال واثلة: فقلت من ناحية البيت: وأنا يا رسول الله من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرتجي)).

وأخرج رواية واثلة هذه أيضا الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين(1).

وفي هذه الرواية يدعي واثلة بأنه قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (وأنا يا رسول الله من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي) وأنه يقول: (إنها لمن أرجى ما أرتجي)، ومن المعلوم قطعا أن واثلة خارج من مفهوم أهل البيت في آية التطهير، فإما أن تكون هذه زيادة من قبل بعض الرواة لهذا الخبر بهدف توسيع دائرة مفهوم أهل البيت في آية التطهير ليشمل حتى أمثال واثلة عنادا وبغضا لأصحاب الكساء (عليهم السلام)، خصوصا وأن هذه الزيادة لم ترد في كل روايات واثلة لحديث الكساء بل في بعضها، وإما أن النبي أراد بقوله (إنك من أهلي) أي من أتباعي والمؤمنين بي.

يقول الطحاوي في مشكل الآثار: ((فكان قوله لواثلة: (أنت من أهلي) على معنى: لاتباعك إياي وإيمانك بي فدخلت بذلك في جملتي، وقد وجدنا الله قد ذكر في كتابه ما يدل على هذا المعنى بقوله: (وَنادى نوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْني مِنْ أَهْلي) فأجابه في ذلك بأن قال له: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) فكما جاز أن يخرجه مــن أهله - وإن كان ابنه - لخلافه إياه في دينه جاز أن يدخل في أهله من يوافقه على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبه))(2).

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 2/147 وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).

(2) تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 8/477.


الصفحة 25

عبد الله بن جعفر

أخرج روايته لحديث الكساء الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين(1) قال:

((حدثني أبو الحسن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، حدثنا جدي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة الحزامي، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، حدثني عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه قال: لما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرحمة هابطة، قال: ادعوا لي، ادعوا لي فقالت صفية: من يا رسول الله؟ قال: أهل بيتي؛ عليا وفاطمة والحسن والحسين، فجيء بهم، فألقى عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كساءه ثم رفع يديه ثم قال: اللهم هؤلاء آلي، فصل على محمد وعلى آل محمد، وأنزل الله عزّ وجل: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً))).

قال الحاكم النيسابوري: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)).

وأكتفي بذكر هذا العدد من الصحابة من الذين رووا حديث الكساء وقد رواه غيرهم.

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 3/148.


الصفحة 26
قال الشيخ عثمان الخميس: ((يستدلون بهذا الحديث على أنّ الله تبارك وتعالى أراد أن يذهب عنهم الرجس، وما يريــده الله يقــع فإذا أذهب الله عنهم الرجس صاروا معصومين، فإذا صاروا معصومين فيجب أن يكونوا هم الأولى بالخلافة من غيرهم، وهذا إدّعاء باطل لأمور كثيرة منها:...)) (حقبة من التاريخ: 187).

أقول: إن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية يذهبون إلى أن الإرادة في قوله تعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) إرادة تكوينية، والمراد منه سبحانه وتعالى بالإرادة التكوينية لا يتخلف عن الإرادة يقول تعالى: (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقولَ لَهُ كُنْ فَيَكونُ) (1) فهو سبحانه يخبر في هذه الآية عن طهارة ونزاهة أهل البيت (عليهم السلام) من كل الأرجاس والأدناس، وإذا كانوا مطهرين من كل ذلك فبلا شك أنهم (عليهم السلام) معصومون، والمعصوم هو الأولى والأحق بأن يتولى منصب الإمامة وخلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غيره، فاستدلال الشيعة لإثبات ذلك معتمد على ما تفيده وتعطيه الآية الكريمة وليس على حديث الكساء كما يدّعي الشيخ الخميس، نعم يستند الشيعة إلى حديث الكساء لإثبات أن المراد بأهل البيت في آية التطهير هم أصحاب الكساء الذين جللهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بكسائه ثم دعا لهم بقول: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).

إن صاحبنا يقول أن ذلك باطل من وجوه، ثم يذكر وجوها سبعة ليس في واحد منها ما يبطل ما تذهب إليه الشيعة الإمامية الإثنى عشرية من اختصاص الآية الكريمة ومفهوم أهل البيت فيها بأصحاب الكساء ودلالتها على عصمتهم وإمامتهم (عليهم السلام).

____________

(1) يس: 82.


الصفحة 27
قال: ((أولاً: إن هذه الآية وهي التي تسمى بآية التطهير، إنما نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال الله تبارك وتعالى: ? (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْروفاً * وَقَرْنَ في بُيوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسولَهُ إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً * واذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ والْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطيفاً خَبيراً) (1)فالذي يراعي سياق الآيات يوقن أنها في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة.

وهم يستدلون بقول الله تبارك وتعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ) ولم يقل عنكن، ويطهركم ولم يقل يطهركن، فيقولون لما جاءت هنا ميم الجماعة دل على خروج نساء النبي من التطهير ودخول علي وفاطمة والحسن والحسين بدليل الحديث وهذا باطل لأن الآية متصلة وهي قول الله تبارك وتعالى: (وَقَرْنَ في بُيوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسولَهُ إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) ثم أتبعها كذلك (واذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيوتِكُنَّ) فالخطاب كلّه في هذه الآية لنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم))).

أقول: وكما ترى أيها القارئ الكريم فهذا الوجه الذي ذكره ليس فيه ما يبطل قول الشيعة بكون الإرادة في الآية تكوينية وأنها إخبار منه سبحانه وتعالى عن طهارة أهل البيت وعصمتهم (عليهم السلام)، وغاية ما في هذا الوجه أنّه يدّعي أن الآية الكريمة خاصّة بزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستندا في إثبات ذلك إلى سياق الآيات الكريمة، فلم يأت بدليل غيره لإثبات هذه الدعوى، ونحن نبطل دليله هذا من خلال عدة وجوه:

____________

(1) الأحزاب 32- 34.


الصفحة 28

بطلان دليل السياق

الأول: إن الرّوايات التي أوردنا نماذج منها فيما سبق كلها صريحة في الدلالة على أنّ المعنيين في آية التطهير هم الذين جللهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء، وقد فهم منها ذلك العديد من علماء أهل السّنة.

نماذج من أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير بأصحاب الكساء

قال الطحاوي في (مشكل الآثار)(1) تحت عنوان: (باب بيان مشكل ما روي عنه (عليه السلام) في المراد بقول الله: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) من هم؟) قال:

((حدثنا الربيع المرادي، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهم السلام)فقال: اللهم هؤلاء أهلي)).

ثم قال: ((ففي هذا الحديث أن المرادين بما في هذه الآية هم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين)).

ثم قال: ((حدثنا فهد، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن جعفر بن عبد الرحمن البجلي عن حكيم بن سعد، عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً))).

____________

(1) تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 8/470 -471.


الصفحة 29
ثم قال الطحاوي: ((ففي هذا الحديث مثل الذي في الأول)).

وقال بعد أن ذكر مجموعة من الرّوايات لحديث الكساء من طريق السيدة أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله تعالى عليها:

((فدل ما روينا في هذه الآثار مما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أم سلمة مما ذكر فيها لم يرد به أنها كانت ممن أريد به ما في الآية المتلوة في هذا الباب، وأن المرادين فيها هم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين (عليهم السلام) دون من سواهم))(1).

وقال العلامة يوسف بن موسى الحنفي (أبو المحاسن):

((روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نزلت هذه الآية (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي، وروي أنه جمع (عليا)(2) وفاطمة والحسن والحسين ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله تعالى، رب هؤلاء أهلي، قالت أم سلمة: يا رسو ل الله فتدخلني معهم؟ قال: أنت من أهلي يعني من أزواجه كما في حديث الإفك من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي لا أنها أهل الآية المتلوة في هذا الباب، يؤيده ما روي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت في بيتي فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: أنت على خير، إنك من أزواج النبي، وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين، وما روي أيضا عن واثلة بن الأسقع أنه قال: أتيت عليا فلم أجده، فقالت فاطمة: انطلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريده

____________

(1) تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 8/476.

(2) لم يذكر عليا (عليه السلام) ضمن من جمعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء والظاهر أنه اشتباه منه أو من الناسخ.


الصفحة 30
قال: فجاء مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخلا ودخلت معهما فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين وأقعد كل واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوبا وأنا منتبذ ثم قال: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) ثم قال: اللهم هؤلاء أهلي اللهم هؤلاء أهلي، إنهم أهل حق، فقلت: يا رسول الله وأنا من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: فإنها من أرجى ما نرجو، وواثلة أبعد من أم سلمة لأنه ليس من قريش، وأم سلمة موضعها من قريش موضعها فكان قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لواثلة: أنت من أهلي، لاتباعك إياي وإيمانك بي، وأهل الأنبياء متبعوهم، يؤيده قوله تعالى لنوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح، فكما خرج ابنه بالخلاف من أهله، فكذلك يدخل المرء في أهله بالموافقة على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبته، والكلام لخطاب أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تم عند قوله: (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتينَ الزَّكاةَ...) وقوله تعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) استئناف تشريعا لأهل البيت وترفيعا لمقدارهم، ألا ترى أنه جاء على خطاب المذكر فقال عنكم ولم يقل عنكن، فلا حجة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية يدل عليه ما روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال: السلام عليكم أهل البيت (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)))(1).

وقال العلامة الشيخ حسن بن علي السقاف:

((وأهل البيت هم سيدنا علي والسيدة فاطمة وسيدنا الحسن وسيدنا الحسين (عليهم السلام)وذريتهم من بعدهم ومن تناسل منهم للحديث الصحيح الذي نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه على ذلك؛ ففي الحديث الصحيح:

____________

(1) معتصر المختصر 2/266 - 267.


الصفحة 31
نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) في بيت أم سلمة فدعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهــم الرجس وطهــرهم تطهيرا قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنت إلى خير))(1).

وقال في هامش صفحة 657 من نفس المصدر، وهو يرد على الشيخ الألباني في قوله: (وتخصيص الشيعة أهل البيت في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) دون نسائه (صلى الله عليه وآله وسلم) من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه) فقال ردّا عليه:

((وهذا من تلبيساته وتمحله في رد السنة الثابتة في تفسيره لأهل البيت، وهو بهذا أراد أن يلبس على القارئ بأن من قال إن أهل البيت هم أهل الكساء أنهم الشيعة!! والحق أن من قال ذلك جميع أهل السنة والجماعة وقبلهم الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن هذا هو النصب الذي يفضي بصاحبه إلى ما ترى كما شرحنا في موضعه)).

وقال العلامة أبو بكر الحضرمي في (رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي)(2):

((والذي قال به الجماهير من العلماء وقطع به أكابر الأئمة وقامت به البراهين وتظافرت به الأدلة أن أهل البيت المرادين في الآية هم سيدنا علي وفاطمة وابناهما، وما تخصيصهم بذلك منه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا عن أمر

____________

(1) صحيح شرح العقيدة الطحاوية 655.

(2) رشفة الصادي 13- 14، الباب الأول.


الصفحة 32
إلهي ووحي سماوي)).

وقال أيضا:

((والأحاديث في هذا الباب كثيرة وبما أوردته منها يعلم قطعا أن المراد بأهل البيت هم علي وفاطمة وابناهما رضوان الله تعالى عليهم ولا التفات إلى ما ذكره صاحب روح البيان من أن تخصيص الخمسة المذكورين (عليهم السلام) بكونهم من أهل البيت من أقوال الشيعة، لأن ذلك محض تهوّر يقتضي بالعجب، وبما سبق من الأحاديث وما في كتب أهل السنة السنية يسفر الصبح لذي عينين)).

وقال العلامة الشوكاني في: (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول) وهو يرد على من قال بأن الآية في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

((ويجاب عن هذا بأنه ورد بالدليل الصحيح أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين))(1).

وقال السمهودي في (جواهر العقدين)(2):

((وهؤلاء هم أهل الكساء فهم المراد من الآيتين)) ((آية المباهلة وآية التطهير)).

وقال أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن هبة الله المعروف بابن عساكر في كتابه (الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين) بعد أن ذكر رواية عن أم سلمة قالت فيها: (وأهل البيت رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين):

____________

(1) إرشاد الفحول 83 البحث الثامن من المقصد الثالث.

(2) جواهر العقدين 204 الباب الأول.