فليس من المستبعد إذاً أن يكون الغلو قد دخل على المسلمين بسبب احتكاكهم بأهل الكتاب مثلما ظهرت المقولات الفاسدة الاُخرى نتيجة للاحتكاك بالأقوام التي كانت تدين بديانات كالمجوسية وغيرها، فضلاً عن أنّ بعض أهل الكتاب ـ وبعضهم كان ممّن تظاهر باعتناق الإسلام ـ قد عملوا على بثّ الغلو في عقائد ضعفاء المسلمين كيداً بهم ورغبة في تدمير الإسلام من الداخل.
فالغلوّ لم تسلم منه فرق المسلمين، وأنّ اتباع هذه الفرق من العلماء وغيرهم قد اغرقوا في مدح رؤسائها الى أن خرجوا به عن طريق المعقول وتجاوزوا فيه حدود المنطق(2).
____________
1- سورة النساء: 171.
2- وإليك بعض كلماتهم في ذلك:
قالوا: إنّ الله خصّ أبا حنيفة بالشريعة والكرامة. ومن كرامته انّ الخضر(عليه السلام) كان يجيئ إليه كل يوم وقت الصبح ويتعلّم منه أحكام الشريعة الى خمس سنين. فلمّا مات أبو حنيفة ناجى الخضر ربّه وقال: إلهي، إن كان لي عندك منزلة فأذن لأبي حنيفة حتى يعلّمني من القبر على حسب عادته حتى أتعلّم شرع محمد(صلى الله عليه وآله) على الكمال، فأحياه الله، وتعلّم منه العلم الى خمس وعشرين سنة. وبعد أن أكمل الخضر دراسته، أمره الله أن يذهب الى القشيري ويعلّمه ما تعلّم من أبي حنيفة. وصنّف القشيري ألف كتاب، وهي لا تزال وديعة في نهر جيحون، الى رجوع المسيح، فيحكم بتلك الكتب. لأنّه يأتي في زمان ليس فيه من كتب شرع محمد(صلى الله عليه وآله) فيتسلّم المسيح أمانة نهر جيحون، وهي كتب القشيري.
الإشاعة في أشراط الساعة: 120، والياقوتة لابن الجوزي: 45.
وفي وفاة أبي حنيفة يذكرون بكاء الجنّ له، ولهم أسانيدهم أنّ الجن بكت أبا حنيفة ليلة مات، وكانوا يسمعون الصوت ولا يرون الشخص:
ذهب الفقه فلا فقه لكم | فاتقوا الله وكونوا خلفا |
مات نعمان فمن هذا الذي | يحيي الليل إذا ما سدفا |
=>
____________
<=
وقالو: أحمد بن حنبل إمام المسلمين وسيد المؤمنين، وبه نحيا ونموت، وبه نبعت. فمن قال غير هذا فهو من الجاهلين.
ذيل طبقات الحنابلة: 1/136.
وجعلوا بغضه كفراً وحبّه من السنّة.
وقالوا: إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل، فأعلم أنه صاحب سنّة وجماعة.
الجرح والتعديل: 1/308.
وأسندوا الى الشافعي أنّه قال: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر. فقيل له: تطلق عليه اسم الكفر بالله العظيم؟ فقال: نعم، من أبغض أحمد بن حنبل قصد الصحابة، ومن قصد الصحابة أبغض النبي، ومن أبغض النبي كفر بالله العظيم.
طبقات الحنابلة: 1/13.
فيكون الناتج من هذه القضية أن من أبغض أحمد بن حنبل كفر بالله العظيم.
نقل ابن الجوزي عن علي بن اسماعيل أنّه قال: رأيت أنّ القيامة قد قامت وكأنّ الناس قد جاءوا الى موضع عند قنطرة، لا يترك أحد يجوز حتى يجيء بخاتم، ورجل ناحية يختم للناس ويعطيهم، فمن جاء بخاتم جاز، فقلت: من هذا الذي يعطي الخواتيم؟ فقالوا: هذا أحمد بن حنبل.
ابن الجوزي: 446.
ويقول الأسود بن سالم: أتاني آت وقال لي: يا أسود الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: هذا أحمد بن حنبل يرد الاُمة عن الضلالة فما أنت فاعل؟ وإلاّ هلكت.
ويقول الحسن الصواف: رأيت ربّ العزة في المنام فقال لي: يا حسن من خالف أحمد بن حنبل عذب. مناقب أحمد بن حنبل،
لابن الجوزي: 466.
ويقول أبو عبدالله السجستاني: رأيت رسول الله في المنام، فقلت: يا رسول الله من تركت لنا في عصرنا هذا من اُمتك نقتدي به في ديننا؟ قال: عليك بأحمد بن حنبل.
مناقب أحمد بن حنبل لابن الجوزي: 468.
وقد لجأ مالك الى المنامات بنفسه، فكان يقول: ما بتّ ليلة إلاّ رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله).
الديباج: 21.
وعن خلف بن عمر: دخلت على مالك فقال لي: اُنظر ماترى تحت مصلاي. فنظرت فإذا أنا بكتاب، قال: اقرأه، فإذا فيه رؤيا رآها له بعض إخوانه. فقال: رأيت النبي(صلى الله عليه وآله) في المنام في مسجده قد اجتمع الناس عليه، فقال لهم: إني قد خبأت لكم طيباً وعلماً، وأمرت مالكاً أن يفرّقه على الناس. فانصرف الناس وهم يقولون: إذاً ينفذ مالك ما أمره رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ثم بكى، فقمت عنه.
مناقب مالك: 8، وحلية الأولياء: 6/317.
=>
____________
<=
وقال محمد بن رمح: حججت مع أبي وأنا صبي لم أبلغ الحلم، فنمت في مسجد النبي(صلى الله عليه وآله)بين القبر والمنبر، فرأيت النبي(صلى الله عليه وآله) قد خرج من القبر متكئاً على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فسلّمت عليهم، فردّوا عليّ السلام، فقلت: يا رسول الله، أين أنت ذاهب؟ فقال: اُقيم لمالك الصراط المستقيم. فانتبهت، فأتيت أنا وأبي مالكاً، فوجدنا الناس مجتمعين عليه، وقد أخرج لهم الموطأ أول ما خرج.
مناقب مالك لعيسى بن مسعود الزواوي: 17.
وقال محمد بن رمح أيضاً: رأيت النبي(صلى الله عليه وآله) في المنام منذ أربعين سنة فقلت: يا رسول الله مالك والليث يختلفان في المسألة؟ فقال النبي(صلى الله عليه وآله): مالك وارث ورث جدّي يعني إبراهيم.
الجرح والتعديل: 1/28.
وقال بشير بن أبي بكر: رأيت في النوم أني دخلت الجنة، فرأيت الأوزاعي وسفيان الثوري، ولم أرَ مالك بن أنس. فقلت أين مالك؟ قالوا: وأين مالك؟ رفع مالك رفع مالك. فما زال يقول: وأين مالك، وأين مالك، رفع مالك حتى تسقط قلنسوته.
المصدر السابق.
وروى أبو نعيم عن إبراهيم بن عبدالله قول إسماعيل بن مزاحم المروزي قال: رأيت النبي(صلى الله عليه وآله) في المنام فقلت: يا رسول الله من نسأل بعدك؟ قال: مالك بن أنس.
حلية الأولياء: 6/317.
وعن مصعب بن عبدالله الزبيري قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ أتاه رجل فقال أيّكم مالك؟ فقالوا: هذا. فسلّم عليه، واعتنقه، وضمّه الى صدره وقال: والله لقد رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)البارحة جالساً في هذا الموضع، فقال: ائتوا بمالك. فاُتي بك ترعد فرائصك، فقال: ليس بك بأس يا أبا عبدالله، وكنّاك وقال: اجلس. فجلست. قال: افتح حجرك. ففتحته، فملأه مسكاً منثوراً، وقال: ضمّه إليك، وبثّه في اُمتي. قال: فبكى مالك وقال: الرؤيا تسر و لا تغر وإن صدقت رؤياك فهو العلم الذي أودعني الله.
الإنتقاء: 39، وشرح الموطأ للزرقاني: 1/4
قال العدوي: لما مات شيخنا شيخ الإسلام اللقاني رآه بعض الصالحين في المنام فقال: ما صنع الله بك؟ فقال: لما أجلسني الملكان في القبر يسألاني أتاني الإمام مالك فقال: مثل هذا يحتاج الى سؤال في إيمانه؟ تنحيا عنه، فتنحيا عني.
مشارق الأنوار للعدي: 228.
ومنها: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) هو الذي سمى كتاب مالك بالموطأ وأ نّه سئل(صلى الله عليه وآله) في المنام: أنّ مالك والليث يختلفان في المسألة فأيّهما أعلم؟ فقال: مالك وارث جدي يعني إبراهيم(عليه السلام).
مناقب مالك للزاوي: 18.
وانّه سئل(صلى الله عليه وآله) مرّة اُخرى في المنام: من نسأل بعدك يا رسول الله؟ فقال: مالك بن أنس.
مناقب مالك للزاوي: 18 نقلاً عن الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر.
قال الشيخ المفيد: والغلاة من المتظاهرين بالإسلام، هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته الى الإلهية والنبوة ووصفوهم بالفضل في الدين والدنيا الى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا من القصد، وهم ضلاّل كفار حكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار، وقضت الأئمة عليهم بالاكفار والخروج عن الإسلام(1).
وقال الشيخ الصدوق: اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنّهم كفّار بالله ـ جلّ جلاله ـ وأنّهم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية، ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلّة(2).
وقال المحقق الحلي: وأما الغلاة، فخارجون عن الإسلام
____________
1- تصحيح الاعتقاد: 63.
2- الاعتقادات: 109.
وقال النراقي: لا ينبغي الريب في نجاسة الغلاة، وهم القائلون باُلوهية عليّ أو أحد من الناس(2).
وقال أيضاً: وكذا لا تجوز الصلاة على النواصب والخوارج والغلاة، وإن كانوا من المنتحلين للإسلام بالاجماع(3).
وقال الشيخ الجواهري: أما الغلاة والخوارج والنواصب وغيرهم ممن عُلم منهم الانكار لضروريات الدين، فلا يرثون المسلمين قولاً واحداً(4).
وقال الآقا رضا الهمداني: بقي الكلام في بعض الفرق المحكوم بكفرهم منهم: الغلاة، ولا شبهة في كفرهم بناء على تفسيرهم بمن يعتقد ربوبية أميرالمؤمنين(عليه السلام) أو غيره من الخلق(5).
وقال السيد محمد رضا الگلپايگاني: مسألة 748: يشترط في الذابح أن يكون مسلماً أو بحكمه كالمتولد منه، فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أم غيره، حتى الكتابي على الأقوى، ولا يشترط
____________
1- المعتبر: 1/98.
2- مستند الشيعة: 1/204.
3- المصدر السابق: 6/270.
4- جواهر الكلام: 39/32.
5- مصباح الفقيه: ج1: ق2: 568.
فمن هنا يتبيّن أنّ علماء الشيعة يحكمون بكفر الغلاة ونجاستهم ويرتّبون على ذلك أحكاماً فقهيّة تقضي بنجاسة الغلاة وعدم استحلال ذبائحهم ومنع توريثهم.
أما علماء الجرح والتعديل من الشيعة: فموقفهم من الغلاة في غاية الوضوح، فمنهم:
1 ـ عبدالله بن سبأ:
قال الكشي في ترجمته: كان يدّعي النبوة، وأنّ علياً(عليه السلام)هوالله، فاستتابه ثلاثة أيام فلم يرجع فأحرقه بالنار في جملة سبعين رجلاً، ادعوا فيه ذلك(2).
وقال فيه الشيخ الطوسي وابن داود: عبدالله بن سبأ الذي رجع الى الكفر وأظهر الغلوّ(3).
وقال فيه العلامة الحلّي: غال ملعون حرّقه أمير المؤمنين (عليه السلام)
____________
1- هداية العباد: 2/217.
2- رجال الكشي: 1 / 323 الرقم 170.
3- رجال الطوسي: 51، رجال ابن داود: 254.
وأخرج الكشّي عن أبان بن عثمان، قال: سمعت أبا عبدالله ـ يعني الإمام الصادق (عليه السلام) ـ يقول: لعن الله عبدالله بن سبأ، إنّه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين(عليه السلام)! وكان والله أمير المؤمنين(عليه السلام) عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإنّ قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ الى الله منهم، نبرأ الى الله منهم(2).
وروى الكشّي عن عبدالله، قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): "إنّا أهل بيت صدّيقون، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلّها،وكان مسيلمة يكذب عليه.
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) أصدق من برأ الله بعد الرسول، وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب:
عبدالله بن سبأ"(3).
2 ـ وفي بحار الأنوار زيادة على ما تقدم: وكان أبو عبدالله الحسين بن علي(عليه السلام) قد اُبتلي بالمختار، ثم ذكر أبو عبدالله(عليه السلام)الحارث الشامي وبناناً، فقال: كانا يكذبان على عليّ بن الحسين(عليه السلام)،
____________
1- الخلاصة: 254.
2- رجال الكشي: 1 /324 الرقم 171.
3- رجال الكشي: 1 /324 الرقم 174.
موقف الأئمة الأبرار وشيعتهم من الغلاة
لقد أخبر النبيّ الكريم(صلى الله عليه وآله) أصحابه بما سيكون في اُمته من الفتن، وكان من بين الاُمور التي أسرّها الى وصيّه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): أنّ قوماً ينتحلون محبته سيغلون فيه غلوّاً يخرجهم من ملّة الإسلام ويدخلهم في ملّة الكفر والشرك، فعن أحمد بن شادان بإسناده الى الإمام الصادق(عليه السلام) عن آبائه عن علي(عليه السلام)، قال: "قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا عليّ، مثلك في اُمتي مثل المسيح عيسى بن مريم، افترق قومه ثلاث فرق: فرقة مؤمنة، وهم الحواريون، وفرقة عادوه وهم اليهود، وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن الإيمان، وإن اُمتي ستفترق فيك ثلاث فرق: ففرقة شيعتك وهم المؤمنون، وفرقة عدوّك وهم الشاكّون، وفرقة تغلو فيك وهم الجاحدون، وأنت في الجنة يا علي وشيعتك ومحبّ شيعتك، وعدوك والغالي في النار"(2).
____________
1- بحار الأنوار: 25/263.
2- بحار الأنوار: 25/265.
موقف أمير المؤمنين علي(عليه السلام) من الغلاة
لقد تصدّى أمير المؤمنين(عليه السلام) للغلاة ولعنهم وعاقبهم بشدّة وتبرّأ منهم، فعن ابن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): "اللهمّ إنّي بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهمّ اخذلهم أبداً ولا تنصر منهم أحداً"(1).
وقال(عليه السلام): "إيّاكم والغلوّ فينا، قولوا إنّا عبيد مربوبون، وقولوا في فضلنا ما شئتم"(2).
وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: جاء رجل من الأحبار الى أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال: يا أمير المؤمنين، متى كان ربّك؟ فقال له(عليه السلام): ثكلتك اُمّك، ومتى لم يكن حتى يقال متى كان! كان ربّي قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد، ولا غاية ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنده فهو منتهى كل غاية.
فقال: يا أمير المؤمنين، أفنبيّ أنت؟
قال: ويلك إنّما أنا عبد من عبيد محمد(صلى الله عليه وآله)"(3).
____________
1- الأمالي للشيخ الطوسي: 54.
2- بحار الأنوار: 25/270.
3- اُصول الكافي: 1/89.
موقف الإمام زين العابدين(عليه السلام) من الغلاة
قال (عليه السلام): لعن الله من كذب علينا، إنّي ذكرت عبدالله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادّعى أمراً عظيماً، ما له لعنه الله؟! كان عليٌّ واللهِ عبداً صالحاً أخا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ما نال الكرامة من الله إلاّ بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله(صلى الله عليه وآله) الكرامة من الله إلاّ بطاعته.
وقد أخبر(عليه السلام) أبا خالد الكابلي بما سيقع في الاُمة من الغلو كما وقع عند اليهود والنصارى، فقال له: "إنّ اليهود أحبّوا عزيراً حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عزير منهم ولا هم من عزير، وإن النصارى أحبّوا عيسى حتى قالوا فيه ماقالوا، فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى، وإنّا على سنّة من ذلك، إنّ قوماً من شيعتنا سيحبّونا حتى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزير، وما قالت النصارى في عيسى بن مريم، فلا هم منا ولا نحن منهم"(2).
موقف الإمام محمد الباقر(عليه السلام) من الغلاة
عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: سمعته يقول: "لعن الله بنان البيان، وأنّ بناناً لعنه الله كان يكذب على أبي، أشهد أن أبي علي بن الحسين
____________
1- بحار الأنوار: 26/83، دراسات في الحديث والمحدثين لهاشم معروف الحسني: 299.
2- رجال الكشي: 2/336.
موقف الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) من الغلاة
لقد استفحل أمر الغلاة في زمن الإمام الصادق(عليه السلام)، ذلك أنّ الإمام(عليه السلام)كان قد بدأ بنشر العلوم المختلفة بين تلاميذه، حتى طار صيته في الآفاق وكثر أتباعه وتلاميذه، وكان يخبر الناس بكثير من الاُمور التي يجهلونها، والتي تلقاها عن آبائه(عليهم السلام)، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فتوهم بعض البسطاء أنّ الإمام يعلم الغيب، وأنّ علم الغيب يستلزم الاُلوهية، وقد استغلّ بعض الدهاة هؤلاء البسطاء لتحقيق أغراضهم في تخريب عقائد الناس، وبخاصة الذين دخلوا في الإسلام حديثاً، من السودان والزط وغيرهم ممن كانوا حديثي عهد بعقائدهم المتوارثة، وكذلك استغلال بعض احتياجاتهم المادية والروحية فحرفوهم عن جادة الصواب، حتى قالوا في الإمام الصادق(عليه السلام) ما قالوا، فقد روى مالك بن عطية عن بعض أصحاب أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: خرج إلينا أبو عبدالله (عليه السلام) وهو مغضب، فقال: إني خرجت آنفاً في حاجة، فتعرّض لي بعض سودان المدينة فهتف بي: لبيك يا جعفر بن محمد لبّيك، فرجعت عودي على بدئي الى منزلي
____________
1- رجال الكشي: 4/590.