بــسم الله الرحمن الرحــيم

وردت عدة من الروايات دلت على وقوع النوم من النبي (ص) عن صلاة الفجر في السفر وأنه قضاها وأصحابه بعد ما طلعت عليهم الشمس وفاتهم وقت الأداء. كما أن هناك روايات أخرى رويت من الطرفين ـ الخاصة والعامة ـ دلت على حصول السهو من النبي (ص)، وقد تمسك بها أبناء العامة لإثبات ذلك.

وفي هذه الروايات إشكال وإن نقل بعضها بسند معتبر، والذي تفيده بعض القرائن والخصوصيات أنها وردت عن الأئمة (ع) على نحو التقية، وبهذه الروايات وأمثالها يعرف مقدار الابتلاء الذي ابتلي به أئمتنا (ع)، والظروف الصعبة التي مرت عليهم (ع).

ويقع البحث في مقامين:

المقام الأول: في سهو النبي (ص).

المقام الثاني: في نوم النبي (ص) عن الصلاة.

المقام الأول

في سهو النبي (ص)

فالبحث فيه من جهات:

الجهة الأولى؛ في ذكر بعض الروايات الدالة على السهو:

1 ـ الشيخ الطوسي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي جميلة، عن زيد الشحام قال: «سألته عن رجل صلى العصر ست ركعات، أو خمس ركعات، قال: إن استيقن أنه صلى خمساً أو ستاً فليعد ـ إلى أن قال ـ: وإن هو استيقن أنه صلى ركعتين أو ثلاث ثم انصرف فتكلم فلا يعلم أنه لم يتم الصلاة فإنما عليه أن يتم الصلاة ما بقي منها، فإن نبي اللّه (ص) صلى بالناس ركعتين ثم نسي حتى انصرف، فقال له ذو الشمالين: يا رسول اللّه أحدث في الصلاة شيء؟ فقال: أيها الناس أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا: نعم، لم تصل إلا ركعتين، فأقام فأتم ما بقي من صلاته»(1).

فنسبت الرواية النسيان إلى النبي (ص): «ثم نسي حتى انصرف»، ثم بعد حصول الكلام وانتهاء الحوار القصير بين النبي (ص) ومن تكلم معه من أصحابه أتم صلاته من حيث نساها.

والرواية ضعيفة بأبي جميلة المفضل بن صالح(2).

2 ـ بإسناده ـ الشيخ ـ عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن سعيد الأعرج، قال: «سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول: صلى رسول اللّه (ص) ثم سلم في ركعتين فسأله من خلفه يا رسول اللّه حدث في الصلاة شيء؟ فقال: وما ذلك؟ قال: إنما صليت ركعتين، فقال: أكذلك يا ذا اليدين(3)؟ وكان يدعى ذو الشمالين، فقال: نعم، فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعاً، إلى أن قال: وسجد سجدتين لمكان الكلام»(4). وهذه الرواية صحيحة من ناحية السند.

الجهة الثانية؛ رأي الصدوق في سهو النبي (ص)، وفيه نقاط:

النقطة الأولى: تفصيله بين السهو في الأحكام والسهو في غيرها.

للشيخ الصدوق (قدس سره) وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد (رحمه اللّه) كلام حول سهو النبي (ص)، فإن الصدوق ـ بعد أن نقل روايات نوم النبي (ص) عن الصلاة في كتابه (من لا يحضره الفقيه) ـ قال: إن الروايات الكثيرة والمعتبرة قد دلت على سهو النبي (ص) ولا مناص من الالتزام بذلك لما فيها من الصحيح والموثق، فإذا بنينا على ردها وطرحها فيجب أن نطرح سائر الأخبار أيضاً، وهذا ما يوجب إبطال الدين والشريعة، إلا أنه ـ كشيخه المذكور ـ ذهب إلى التفصيل بين السهو في الأحكام والسهو في غيرها، فقال به في غير الأحكام استناداً إلى مثل هذه الروايات، ورده في الأحكام لورود الإشكال على القول بسهوه (ص) فيها وهو لزوم نقض الغرض.

الوجه في التفصيل:

بيان الإشكال: إنه لو قيل بسهو النبي (ص) في الأحكام لأمكن أن ينزل الوحي على النبي (ص) بأمر ثم يشتبه عليه ويبلغه للناس بخلاف ما أنزل إليه، ويلزم من ذلك نقض غرض المولى سبحانه وتعالى من إرسال الرسول (ص) لهداية البشر.

وبعبارة أخرى: إن إيقاع النبي (ص) أو الإمام (ع) في السهو خلاف الحكمة من جعل النبوة والإمامة.

وأما على القول بسهو النبي (ص) في غير الأحكام فلا يرد هذا الإشكال، أي لا يكون السهو فيها نقضاً للغرض ولا مخالفاً للحكمة من النبوة والإمامة.

فالسهو ـ إذن ـ ممكن في غير الأحكام؛ لوجود مصلحة تقتضي أن يوقعه اللّه سبحانه وتعالى في السهو.

النقطة الثانية: في بيان المصلحة المدعاة:

والمصلحة المشار إليها هي: إن الحكمة الإلهية اقتضت أن يستولي النوم على النبي (ص) فلم ينهض من نومه إلا بعد طلوع الشمس وذهاب وقت صلاة الفجر فصلاها قضاء مع أصحابه، ووجه الحكمة أمران هما:

الأول: أن يعرف الناس أن النبي (ص) بشر مثلهم، وأنه ينام كما ينام الناس ويجلس كما يجلسون، ولا يرد في ذهنهم احتمال أنه الرب تعالى اللّه عن ذلك فإنه الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.

الثاني: لكي لا يعيب الناس بعضهم على بعض، فإن المؤمنين تحصل عندهم نفرة من الرجل الذي ينام عن الصلاة في وقتها حتى تفوته ويقضيها في ما بعد، ويعيبونه على ذلك ويعيرونه به، لهذا اقتضت الحكمة الإلهية أن يستولي النوم على الرسول (ص) في هذه الواقعة وهو مع أصحابه فصلى الصبح قضاء حتى لا تحدث سنة سيئة بين الناس، ولا ينفر المسلمون بعضهم من الآخر بهذا السبب، لأن النبي (ص) نفسه قد أُصيب بهذه الحالة.

النقطة الثالثة: تفصيله بين سهو النبي (ص) والأئمة (ع) وسهو سائر الناس.

وقال الصدوق أيضاً: إن السهو في النبي (ص) من اللّه سبحانه، وأما النسيان في سائر الناس فإنما هو من الشيطان، واستدل على قوله الأخير هذا بقوله تعالى: «إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون»(5).

النقطة الرابعة: كلامه في ذي الشمالين:

أشار الصدوق (رحمه اللّه) إلى إشكال أورده الخاصة على خبر ذي الشمالين وهو: إن الراوي عن ذي الشمالين هو أبو هريرة، وذو الشمالين قتل في وقعة بدر الواقعة في السنة الثانية للهجرة، بينما لم يسلم أبو هريرة إلا في السنة السابعة للهجرة، فلا يمكن أن ينقل عنه في زمان كفره، مضافاً إلى أن الرجل مجهول، فالحديث غير صحيح.

وأجاب العامة: بأن ذا اليدين اسم لشخصين أحدهما الذي قتل في السنة الثانية للهجرة، وأما الذي يروي عنه أبو هريرة فهو رجل آخر وقد عاش إلى ما بعد حياة الرسول (ص) وبقي إلى زمان معاوية، حتى قيل إنه قتل في صفين.

وقال الصدوق في ذلك: قال البعض ـ ويقصد به جماعة من الطرفين ـ: إن هذه الأخبار مردودة لكون الرجل المذكور مجهولاً وغير معروف.

فأجاب عن ذلك في كتابه (من لا يحضره الفقيه): إن من يقول بهذا الكلام كذاب، فإن الرجل معروف وقد روى عنه المؤالف والمخالف..

ثم قال (رحمه اللّه): إن من ينكر سهو النبي (ص) هم الغلاة والمفوضة الذين قالوا: إن اللّه سبحانه قد فوض الأمر إلى نبيه (ص) والأئمة (ع).

ومن كلام الصدوق هذا يعلم مقدار ما استولى عليه من الغضب مما يدل على أن المسألة كانت مثار جدل كبير في ذلك الوقت حتى أنه أثير بما كان يصدر من كلام حولها.

ونقل عن شيخه في المقام: إن محمد بن الحسن بن الوليد يقول: إن القول بنفي السهو عن النبي (ص) مطلقاً أول درجة من درجات الغلو(6).

وما نقله عن ابن الوليد كلام خطير جداً حتى أن الشيخ المفيد قد علق عليه بقوله: إن ابن الوليد مقصر في ذلك، كما أن قول الصدوق: إن القول بنفي السهو عن النبي (ص) قول الغلاة والمفوضة هو بنفسه غلو(7).

كما علق (رحمه اللّه) على كلمة الصدوق في النقطة الثالثة: رحم اللّه الصدوق فإن مؤدى كلامه هو أن جميع البشر أتباع الشيطان، وإنا كلنا نصلي ونصوم، فهل إذا سهونا نكون أتباعاً للشيطان؟!(8).

الجهة الثالثة؛ مناقشة الصدوق في رأيه:

اعتمد الشيخ الصدوق في هذا الرأي على شيخه المذكور، والملاحظ أن الشيخ الصدوق متأثر بأستاذه هذا كثيراً، وهو لشدة اعتماده عليه يقول في غير هذا المورد: إن كل من وثقه محمد بن الحسن بن الوليد فهو ثقة عندي، وكل من ضعفه فهو ضعيف.

وما صدر عن هذين العظيمين غير صحيح، والدليل على ذلك أمور ستأتي تباعاً إن شاء اللّه تعالى، والجواب عما ذكره في كلامه ينحل إلى النقاط المذكورة سابقاً، فأمّا الجهة الأولى فنقول عنها:

إن الروايات التي استند إليها الصدوق ليست واقعة موقع القبول والذي يرشد إلى ذلك أمور:

الأمر الأول: إن في هذه الروايات نفسها قرينة على عدم اعتبارها، والقرينة هي: إنها بينت أن الرسول (ص) قد أتم صلاته من حيث قطعها بعد صدور الكلام العمدي منه، مع أن الكلام العمدي مبطل للصلاة بلا ريب.

وأجاب بعضهم عن ذلك: بأن الكلام الصادر منه (ص) سهوي أيضاً؛ إذ أنه كان على يقين من نفسه بأنه لم يكن في حال الصلاة، فوقوع الكلام في أثنائها لم يكن عن قصد فهو سهوي، والكلام السهوي لا يحتاج إلا إلى سجدتي السهو.

وهذا الجواب غير صحيح، وعلى فرض صحته فإنه لا يتأتى بالنسبة إلى الركعة الزائدة كما ورد في بعض الروايات من أنه صلى خمساً(9)، فإن زيادة الركعة في الصلاة مبطلة لها ولو سهواً.

ووجه عدم الصحة هو: معارضته لما في بعض الروايات؛ فإنه لما سئل الإمام (ع) فيها عن من تكلم في الصلاة أجاب بلزوم الإعادة عليه.

وقد سئل الإمام (ع) في هذه الروايات عن سر عدم إعادة الرسول (ص) لصلاته؟ فأجاب بأن الرسول (ص) لم يبرح مكانه، ولا يخفى أن في هذا رداً للأخبار التي فيها أن من قام من مكانه ـ ولو بلغ الصين ـ ثم رجع يتم صلاته، وسيأتي التعرض إليها وأنها محمولة على التقية، فانتظر.

كما أن الروايات التي ذكرت بأن النبي (ص) لم يستقبل صلاته لأنه لم يبرح مكانه محمولة على التقية أيضاً كما حملها على ذلك الشيخ الطوسي، حيث إنه لا يرى سهو النبي (ص) مطلقاً لا في الأحكام ولا في غيرها، وبيانه على ذلك هو: أن الناس حينما يرون وقوع السهو من النبي (ص) لا يرون لقوله اعتباراً، وإذا حدثهم بحديث عن جبرئيل (ع) احتملوا وقوع الاشتباه منه في ذلك وعدم نزول الوحي عليه (ص) فيبطل أصل النبوة وينهد أساس الوحي ويندك بنيان الدين، وينفتح الباب لمن لا يؤمن بنبوة النبي (ص) لإبعاد الناس عنه (ص)، ويرى عوام الناس أن لأولئك العذر في قولهم: إنه شاعر أو مجنون..

ولكن الملاحظ أن محاولة أولئك باءت بالفشل، ورأى الناس خلاف ما نسبوه إليه وأقرّت عقولهم بصدق النبوة وتمامية الحجة في قوله تعالى: «وإن كنتم في ريب مما نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين»(10).

وعلى هذا الأساس ذهب الشيخ الطوسي والسيد المرتضى والشيخ المفيد إلى ضعف كلام الصدوق، وهؤلاء الأجلاء ـ بحسب كلام الصدوق المتقدم ـ داخلون في جملة الغلاة والمفوضة، وكذلك كبار القميين من أمثال محمد بن عيسى، وأحمد بن محمد بن خالد وغيرهما..

الأمر الثاني: إن الأخبار التي تضمنت سهو النبي (ص) مبتلاة بالمعارض، فإن في موثقة زرارة ما ينفي أن الرسول (ص) سجد سجدة سهو في حياته قط:

فقد روى الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبداللّه بن بكير، عن زرارة قال: «سألت أبا جعفر (ع) هل سجد رسول اللّه (ص) سجدتي السهو قط؟ قال: لا، ولا يسجدهما فقيه»(11).

والرواية موثقة بعبداللّه بن بكير، وكلنا يعلم مقام زرارة من الإمام (ع) فإنه ممن يلقي إليه بسره، وقد سأل الإمام (ع) عن سجود النبي (ص) سجدتي السهو الأمر الذي يقول به العامة، فأجاب (ع) بالنفي، وأضاف أنه «لا يسجدهما فقيه» والمراد من الفقيه هنا هو الإمام (ع) فإنه الفقيه المطلق.

وعند حصول التعارض بين طائفتين من الروايات تجري قواعد باب التعارض، والمقرر في مذهبنا في حالة التعارض بين روايتين إحداهما توافق مذهب العامة والأخرى تخالفه هو الأخذ بالرواية المخالفة لقول العامة وطرح الرواية الموافقة لهم، فعلى هذا الأساس لا يلزم من طرح تلك الروايات لموافقتها للعامة الخروج عن الدين ولا أي إشكال آخر.

وقال الشيخ ـ بعد أن نقل هذه الرواية ـ: «الذي أفتي به ما تضمنه هذا الخبر»(12).

فإن قال قائل إلى الشيخ: لماذا نقلت روايات السهو وأنت تنفيه عن النبي (ص)؟

يقال له: إن تلك الروايات تضمنت حكم الكلام السهوي في الصلاة، الأمر الذي لا يصدر من النبي (ص) ولا الإمام (ع)، فيستفاد منها عدم بطلان صلاة من تكلم كلاماً سهوياً وأن عليه إتمام صلاته.

ونحن نقول للشيخ: إن هذه الروايات محمولة على التقية؛ لأن فيها: (من قام من مقامه)، بل في بعضها (لو ذهب إلى الصين ثم تذكّر أنه لم يكمل صلاته وجب عليه الإتمام).

وهذا مسلك العامة، فتحمل هذه الروايات على التقية ولا تدل على وقوع السهو من النبي(ص).

مضافاً إلى أن الكلام العمدي مبطل للصلاة كما أشرنا إليه سابقاً.

نعم هناك رواية فيها: فلم رسول اللّه لم يستقبل صلاته وإنّما أتم ما بقي؟ فقال (ع): لأنه لم يبرح من مكانه ولو برح لأتم ما نقص(13).

وأما الروايات التي أشرنا إليها فمنها:

1 ـ صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عن رجل صلى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنه صلى ركعتى، قال: يصلي ركعتين»(14).

والمراد من الركعتين اللتين يأتي بهما هما الأخيرتان اللتان تتم بهما الصلاة؛ والقضية المروية عن الرسول (ص) كانت في صلاة الظهر أو صلاة العشاء كما قال بعض نقلاً عن العامة(15).

2 ـ موثقة عمار عن أبي عبداللّه (ع): «والرجل يذكر بعد ما قام وتكلم ومضى في حوائجه أنه إنّما صلى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب، قال: يبني على صلاته فيتمها ولو بلغ الصين ولا يعيد الصلاة»(16).

فالصحيح هو ما رواه الشيخ بالسند الموثق من أن النبي (ص) لم يسجد سجدتي السهو قط ولا يسجدهما فقيه.

وعلى هذا الأساس فجميع هذه الروايات محمولة على التقية كما ذهب إليه الشيخ الطوسي (قدس سره)، ولذلك كان الإمام الصادق (ع) يقول: «إني لا أقدر أن أخالف ابن أبي ليلى»(17)، فالأئمة (ع) كانوا في حال تقية فلم يقدروا على المخالفة، فنقلوا الرواية عن الرسول (ص) تقية، ولكن أصحاب البصيرة يعرفون ذلك فيميزون بين الروايات الواردة عنهم (ع) بنحو التقية وبين غيرها، فالرسول (ص) والأئمة (ع) لا يسهون ولا يشتبهون.

الأمر الثالث: ذكر علماؤنا (قدس سرهم) كما فصله المجلسي في البحار(18): إن روايات اعتراض ذي الشمالين على النبي (ص) بقوله: «أحدث في الصلاة شيء؟» مضطربة المتون، وقد نقلت بعدة صور، فنقل إن النبي (ص) صلى خمس ركعات، وفي مورد آخر إنه صلى ركعتين، وفي ثالث ثلاث ركعات، ونقل العامة أن النبي (ص) قد نفى ذلك حينما سئل «أنسيت أم قصرت الصلاة»، فقال: «إن كل ذلك لم يكن» أي إنه صلى صلاة تامة صحيحة، فقال له: بل غيرت في الصلاة، وعلى بعض الروايات ـ الأولى والثانية ـ أن النبي (ص) سأل ـ بعد ذلك ـ القوم فصدقوا ذا الشمالين، وبعد هذا الحوار قام الرسول (ص) وأتى بباقي الصلاة، ركعة أو ركعتين، ولهذا رأى علماؤهم أن لا محيص من القول بعدم بطلان الصلاة بالكلام العمدي، كما أنه لهذه الجهة قال أئمتنا (ع): حتى لو ذهب المصلي إلى الصين ثم رجع إلى مكانه يتم ما نقص من صلاته، وليست جميع الأخبار بهذا النحو، وعلى كل حال فهذا الاضطراب الحاصل في الخبر يسقطه عن الاعتبار.

الأمر الرابع: إن ذا اليدين شخص مجهول الحال، ومقدار ما يعرف عنه من حياته أنه رجل استشهد في غزوة بدر، فلا يركن إلى الرواية.

قالوا: إن هناك رجلاً آخر اسمه ذواليدين أيضاً وهو راوي الحديث.

قلنا: إن ذا اليدين المقتول في بدر يعرف بذي الشمالين وهو صاحب الواقعة في الحديث، وقد أشار الإمام (ع) في صحيحة الأعرج المتقدمة إلى أن ذا اليدين يدعى ذوالشمالين، فذو اليدين الأول هو الذي يدعى ذوالشمالين وهو الذي قُتل في بدر وهو الذي سأله الرسول (ص) وهذا يعني أن ذا اليدين الأول ـ المذكور في الحديث ـ لا ربط له بذي اليدين الثاني، فإن الثاني لا يسمى بذي الشمالين، فالإمام (ع) بيّن بطلان هذه القضية بهذا البيان، أي أن أباهريرة راوي الحديث لم يلتق بذي اليدين المروي عنه حتى ينقل عنه، فإنه أسلم في السنة السابعة من الهجرة، ومات ذو الشمالين في السنة الثانية كما قدّمنا، مضافاً إلى كون ذي اليدين مجهول الحال(19).

قالوا: لا عيب في ذلك، فإن أبا هريرة كان كافراً حين وقوع الحدث ثم أسلم، فروى الواقعة أبوهريرة عنه بواسطة أحد الصحابة بأن ذا الشمالين قال كذا وكذا..

ولكن هذا الجواب غير منسجم مع ما في متن الرواية المنقولة عن أبي هريرة فإن فيها: «عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول اللّه (ص) إحدى صلاتي العشي، ـ قال ابن سيرين سماها أبو هريرة ولكن نسيت ـ فصلى بنا ركعتين ثم سلم..»(20).

وأما دعوى الصدوق (رحمه اللّه) بأن ذا اليدين رجل معروف وقد روى عنه المؤالف والمخالف“ إلى آخر كلامه.

فقد أجيب عنه: بأنه لم يرو عنه أحد من أصحابنا أبداً، ولم يذكر في كتبنا الرجالية أصلاً، ولم يصنّف عندهم في الرواة، وإن هذه الرواية التي تعرضت لذكره إنما رويت من طرقنا عن الأئمة (ع) بنحو التقية. بل قيل ـ والعهدة على الناقل فإني لم أفحص عنه في كتب العامة ـ: إن هذا الرجل غير موجود حتى في تراجم رجال العامة(21)، ولم توجد رواية كان هو الراوي لها، فكيف يقول الصدوق عنه: روى عنه المؤالف والمخالف؟! وبهذا يندفع ما ذكره في النقطة الرابعة من كلامه.

وأما ما ذكره في النقطة الثانية من كلامه ـ أعني المصلحة المزعومة، أي أن نوم الرسول (ص) إنما هو من أجل أن يعلم الناس بأنه كان ينام وأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو اللّه عز وجل حسب ـ فيرد عليه: إن اللّه سبحانه أمر نبيه (ص) أن يقوم في الليل من نومه فقال: «قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً»(22)، فالناس يعلمون بذلك سابقاً ولاحقاً فلا حاجة لتعليمهم بهذه الطريقة(23).

وأما كلامه بأن الحكمة اقتضت ذلك، فرواية سعيد الأعرج برواية الكليني والشيخ لا يوجد فيها كلمة النوم، بل ذكر فيها السهو وأنه من أجل أن لا يعيب بعضهم على بعض، ومن المطمئن به أن هذه الزيادة إنما هي من كلام الصدوق وأنه هو الذي ذكرها في الفقيه، فحقّ السهو عليه لا على النبي (ص).

الجهة الرابعة: من أدلة العامة على سهو النبي (ص) :

استدل بعض العامة على وقوع السهو من النبي (ص): بأن اللّه سبحانه أمر النبي (ص) ـ بعد نسيانه ـ بعدم القعود مع الظالمين حينما يذكر بقوله تبارك وتعالى: «وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين»(24) بعد قوله تعالى: «وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره»(25).

وللجواب عن هذه الشبهة نذكر أولاً هذا التنبيه:

إن كلمة النسيان الواردة في القرآن وفي الاستعمالات البلاغية تأتي بمعان، منها:

1 ـ ذهاب الفكرة من ذهن الإنسان بعد إدراكها.

2 ـ الغفلة عن أصل الأمر.

3 ـ النسيان العملي بمعنى الترك، أي أن يترك الشيء عملاً فكأنما هو ناس له، ويستعمل هذا المعنى في القرآن وفي غيره من الاستعمالات العربية كثيراً، قال اللّه تعالى في حق أهل النار: «اليوم ننساكم»(26) أي نترككم، إذ لا يعقل في حق اللّه سبحانه وتعالى أن ينسى بمعنى الغياب عنه.

والمراد من النسيان في الآية هو المعنى الثالث، إذ النسيان الحاصل من الشيطان هو الترك لا الغفلة ولا إذهاب الفكرة. وبعد اتضاح هذا نقول في الجواب عن الاستدلال: إن النسيان في الآية المباركة لم يصدر من الرسول (ص) فلم يكن الغرض من خطابه (ص) بذلك هو توجيه التكليف إليه، بل المراد من الخطاب هو جعل التكليف لسائر المؤمنين؛ وذلك لأن الخطابات القرآنية ـ كما ذكر أهل البلاغة وأصحاب التفسير ـ نزلت على نحو (إياكِ أعني واسمعي يا جارة)(27)، نظير نهي الأب عندما يريد أن ينهى أولاده عن فعل شيء قبيح فيوجه الخطاب إلى ولده الأكبر وهو يعلم أنه لا يفعله فيرتدع الباقون، وهذا الاسلوب في الخطاب من روائع الكلام ولطف الحديث، فإن توجيه النهي لأقرب الناس من المتكلم ـ مع ثقته به واطمئنانه بعدم قيامه بالفعل المنهي عنه ـ موجب لردع الآخرين وزجرهم بنحو أقوى من اختصاص الخطاب بغيره وتوجيهه إلى الآخر المقصود بالنهي، والمسوغ لهذا اللون من الخطاب مع علم المتكلم بعدم عصيان المخاطب هو وجود ملاك النهي فيه أعني القدرة على المخالفة والعصيان وإلا كان الخطاب لغواً، وكذلك الأمر في الخطابات القرآنية ومنها الآية الكريمة المذكورة فإن المصحح لها مع علمه تبارك وتعالى بعصمة النبي (ص) ونزاهته هو وجود ملاك النهي فيه وهو قدرته على المخالفة والمعصية، إذ العصمة لا تسلب المعصوم قدرته على المخالفة كما قدمنا الكلام فيها، فاللّه سبحانه وتعالى يوجه الخطاب إلى النبي (ص) بعدم الجلوس في المكان الذي يساء فيه إلى القرآن والدين حتى يعلم الناس بعدم جواز الجلوس في مثل ذلك المكان وأن هذا الحكم موجه للجميع من دون أن يراد (ص) بقوله تعالى: «وأما ينسينك»(28).

وعليه فلا دلالة في هذه الآية على تحقق النسيان من النبي (ص).

المقام الثاني

في نوم النبي (ص) عن الصلاة

استثنى بعض أصحابنا نوم النبي (ص) وقالوا بإمكان النوم عليه عن الصلاة لمصلحة ما، لأن النوم غير السهو، وأما ما هي المصلحة فلا يعلمها إلا اللّه، وأما نحن فقاصرون عن معرفة ذلك، فيمكن أن تكون المصلحة هي أن يعلم الناس بحكم القضاء وأن يجوز الإتيان بالنافلة قبل الفريضة مع فوتهما كما في صحيحة زرارة(29).

ولكن هذا المعنى من النوم الذي احتملوه لا يجتمع مع ما في صحيحة عبداللّه بن سنان؛ لأن فيها كما رواه حتى العامة قول الرسول (ص) عندما طلعت الشمس عليهم: «نمتم بوادي الشيطان» والرواية هي:

محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه (ع) قال: «سمعته يقول: إن رسول اللّه (ص) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى أذاه حر الشمس، ثم استيقظ فعاد ناديه ساعة وركع ركعتين ثم صلى الصبح وقال: يا بلال ما لك؟ فقال بلال: أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللّه، قال: وكره المقام وقال: نمتم بوادي الشيطان»(30).

فإن معنى هذا هو أن النوم الذي حصل للرسول (ص) مثل أي نوم يحصل لسائر الناس وأنه من الشيطان وهو ممتنع على الرسول(ص) لأنه نوم يقتضي حصول الغفلة عند الرسول(ص).

وقد ورد في الروايات ذكر النوم الحاصل من الشيطان، فإن فيها: يأتي الملك(31) ويوقظ النائم إلى صلاة الصبح، فإذا لم يقم ونام يأتي الملك ثانية، وإذا لم يقم ونام مرة أخرى يأتي الشيطان إليه فيلهيه عن القيام ويحسن له المنام حتى تطلع عليه الشمس ويفوته أداء الصلاة في وقتها، وقال الرسول (ص) في الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها: «نمتم بوادي الشيطان»، وهذا لا يجتمع مع ما ذكره اللّه تعالى في كتابه المنزل: «إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون»(32) فنحن نعلم بأن الشيطان لا يمكنه أن يؤثر على النبي (ص) حتى في وقت النوم، ومن هنا كان نوم النبي حجة شرعية، بل بعض ما يراه في نومه وحي منزل(33)، كما في قضية إبراهيم (ع) عندما قال لابنه إسماعيل (ع): «قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى» فأجابه ابنه ـ وهو يعلم بأن ما رآه أبوه (ع) إنّما هو رؤيا منام ـ: «قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين»(34)، وهكذا موارد من رؤيا النبي (ص) والأئمة (ع)، كرؤيا الرسول (ص) القردة الذين ينزون على منبره والمراد بهم ملوك بني أمية الذين سيأتون من بعده بسنين(35)، وكرؤيا سيد الشهداء (ع) جده (ص) عند وداعه الأخير من المدينة أو ليلة عاشوراء، وأمثال هذه.

فالغفلة وإلقاء الشيطان في قلب النبي (ص) غير ممكن حتى في حال النوم، هذا هو اعتقادنا، وهذه الرواية منافية له؛ لأن في ذيلها «نمتم بوادي الشيطان»، وبما أن هذا الخبر مما روته العامة فهو غير مسموع عندنا، بل نقول: إن نوم النبي (ص) عن الصلاة حتى ولو لم يحصل منه أدنى ضرر فهو غير مقبول عندنا؛ لأن عامة الناس لا يفهمون أن هذا النوم رحماني لا شيطاني فيقل اعتقادهم فيه (ص)، وتؤدي نتيجة ذلك عكس المطلوب لما يثيره هذا الأمر من حالة التنفير منه (ص).

فاعتقادنا هو أن النبي (ص) والأئمة (ع) وسائر الأنبياء (ع) معصومون عن السهو والاشتباه ونوم الغفلة، فإن وقوعها منهم يستلزم نقض الغرض وخلاف الحكمة، وبه ينفتح الباب أمام أصحاب الحجج الواهية الذين يصطادون في الماء العكر وسيقولون: إن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يسهو في أكله وشربه، في يقظته ونومه وكيف لا يسهو في التبليغ وما ينزل عليه من وحي اللّه وآياته؟! وهكذا.. وهذا خلاف الحكمة من جعل النبوة والإمامة.

منشأ وضع هذه الروايات:

وهنا شيء يخطر في الذهن توجيهاً لوضع هذه الروايات الضعيفة الباطلة حتى على مذهبهم، وهو أنهم يريدون أن يُدخلوا في أفكار الناس وأذهانهم أن النبي (ص) يمكن عليه السهو والاشتباه، تمهيداً لرفع ما حصل عند وفاة الرسول (ص) من إساءة أدب إليه في محضره الشريف، وذلك حينما طلب من أصحابه الجالسين الدواة والكتف ليكتب لهم كتاباً لا يضلّون بعده أبداً، فقال قائلهم: «إن الرجل ليهجر»، فلم يعقب الرسول (ص) على ذلك بشيء غير أنه أمرهم بالانصراف عنه والقيام من مجلسه، ولو كتب الكتاب الذي أراد أن يكتبه لما كان لكتابته اعتبار عندهم، ولقالوا: إنما كتبه اشتباها أو سهواً أو أنه لم يكن في حال الاختيار وما شاكل ذلك من الأعذار، وحتى يرفعوا قبح هذا الجواب الذي أجابوا به الرسول (ص) من ذهن الناس جاءوا بهذه الأحاديث لتدل على إمكان حصول الاشتباه والغفلة في حقّه (ص)، وأن قول القائل كان في موضعه!

جواب على سؤال:

قام البرهان القطعي على أن ما يراد من النبي (ص) هو أن يحصّل اليقين للناس، خصوصاً وأن نبينا (ص) لم تكن معجزته كمعجزة النبي موسى وعيسى (ع)، وإنما كانت معجزته البيان «وجادلهم بالتي هي أحسن»(36) فيجب ـ في نبي مثل هذا ـ أن لا يكون هناك أي منفذ للدخول منه إليه من أجل إيقاعه في الوسوسة والاشتباه، ولهذا أكد اللّه سبحانه وتعالى ذلك بقوله: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى»(37).

جواب على سؤال حول عصمة الأنبياء:

عندنا أدلة قاطعة على عصمة الأنبياء، ومن قرأ الأصول حق قراءته يعرف تمامية ما نقول، فقد ذكر في مبحث المشتق بحث حول هذه الآية «لا ينال عهدي الظالمين»(38) وأنها حجة قاطعة على ذلك وهي ناظرة إلى هذا المورد.

الهوامش:

(1) الوسائل: ج5، الباب3، أبواب الخلل في الصلاة، الحديث17.

(2) قال عنه ابن الغضائري: المفضل بن صالح أبو جميلة الأسدي النحاس، مولاهم، ضعيف كذاب يضع الحديث، حدثنا أحمد بن عبدالواحد قال: حدثنا علي بن محمد بن الزبير قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال قال: سمعت معاوية بن حكيم يقول: سمعت أبا جميلة يقول: أنا وضعت رسالة معاوية إلى محمد بن أبي بكر، (مجمع الرجال: ج6، ص122). وقال النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي: روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا، منهم: عمرو بن شمر، والمفضل بن صالح، (راجع معجم رجال الحديث: ج18، ص287).

(3) كان يسمى ذو اليدين أو ذو الشمالين لأن يده كانت كبيرة جداً وخارجة عن المتعارف.

(4) هكذا في الوسائل: ج5، الباب3، أبواب الخلل في الصلاة، الحديث16، وباقي الرواية كما في التهذيب ج2، ص345، الحديث1433. هو ـ بعد كلمة أربعاً ـ: «وقال: إن اللّه عز وجل هو الذي أنساه رحمة للأمة، ألا ترى لو أن رجلاً صنع هذا لعيّر وقيل ما تقبل صلاتك فمن دخل عليه اليوم ذلك قال: قد سن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وصارت أسوة، وسجد سجدتين»، وإنما نقلناه لما سيأتي من الإشارة إلى الرواية لاحقاً مما قد يوهم ورود الإشكال على ما في كلمات الاستاذ بدون الاطلاع على باقي الرواية.

(5) سورة النحل: الآية 100.

(6) أرى من تمام الفائدة أن ننقل نص كلام الشيخ الصدوق كما جاء في كتابه: (من لا يحضره الفقيه: ج1، الباب49، في أحكام السهو في الصلاة، في ذيل الحديث48)، فإنه روى حديث سعيد الأعرج بهذه الصورة: «قال سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول: إن اللّه تبارك وتعالى أنام رسول اللّه (ص) عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، ثم قام فبدأ فصلى الركعتين اللتين قبل الفجر ثم صلى الفجر، وأسهاه في صلاته فسلم في ركعتين ثم وصف ما قاله ذو الشمالين، وإنما فعل ذلك به رحمة لهذه الأمة لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها فيقال: قد أصاب ذلك رسول اللّه (ص).

قال مصنف هذا الكتاب: إن الغلاة والمفوضة لعنهم اللّه ينكرون سهو النبي (ص) يقولون: لو جاز أن يسهو (ع) في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ، لأن الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة، وهذا لا يلزمنا وذلك لأن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي (ص) فيها ما يقع على غيره، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي، وليس كل من سواه بنبي كهو، فالحالة التي اختص بها هي النبوة والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة؛ لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة، وبها تثبت له العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه، لأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو اللّه الحي القيوم، وليس سهو النبي (ص) كسهونا لأن سهوه من اللّه عز وجل، وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ رباً معبوداً دونه وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي (ص) والأئمة صلوات اللّه عليهم سلطان إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وعلى من تبعه من الغاوين، ويقول الدافعون لسهو النبي (ص): إنه لم يكن في الصحابة من يقال له ذواليدين وإنه لا أصل للرجل ولا للخبر، وكذبوا، لأن الرجل معروف وهو أبو محمد عمير بن عبدعمرو المعروف بذي اليدين وقد نقل عنه المخالف والمؤالف وقد أخرجت عنه أخباراً في كتاب وصف قتال القاسطين بصفين.

وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه اللّه يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي (ص)، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن نرد جميع الأخبار، وفي ردها إبطال الدين والشريعة، وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي (ص) والرد على منكريه إن شاء اللّه تعالى»، إنتهى كلامه رفع مقامه.

(7) عبارة الشيخ المفيد كما نقلها صاحب البحار: ج17، ص110: «وقال الشيخ المفيد نوّر اللّه ضريحه فيما وصل إلينا من شرحه على عقائد الصدوق رضي اللّه عنه: فأما نص أبي جعفر رحمه اللّه بالغلو على من نسب مشايخ القميين وعلمائهم إلى التقصير فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلو الناس إذاً، وفي جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصراً، وإنما يجب الحكم بالغلو على من نسب المحققين إلى التقصير، سواء كانوا من أهل قم أو غيرها من البلاد، وسائرالناس، وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد رحمه اللّه لم نجد لها دافعاً في التقصير، وهي ما حكي عنه أنه قال: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي (ص) والإمام (ع)، فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصّر، مع أنه من علماء القميين ومشيختهم».

(8) راجع عبارته في البحار: ج17، ص128، في ضمن رسالة رد بها على الشيخ الصدوق.

(9) محمد بن الحسن بإسناده عن سعد، عن أبي الجوزاء، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع) قال: «صلى بنا رسول اللّه (ص) الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم: يا رسول اللّه هل زيد في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت بنا خمس ركعات، قال: فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سجد وكان يقول هما المرغمتان. قال الشيخ: هذا شاذ لا يعمل عليه لأن من زاد في الصلاة يجب عليه الاستيناف»، (الوسائل: ج5، الباب19، من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث9.

(10) سورة البقرة: الآية 23.

(11) الوسائل: ج5، الباب3، من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث13.

(12) عبارة الشيخ في التهذيب: ج2، ص351: «قال محمد بن الحسن: الذي أفتي به ما تضمنه هذا الخبر، فأما الأخبار التي قدمناها من أن النبي صلى اللّه عليه وآله سها فسجد فإنها موافقة للعامة وإنما ذكرناها لأن ما تضمنه من الأحكام معمول بها على ما بيناه».

(13) الوسائل: ج5، الباب3، من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث7، 10.

(14) الوسائل: ج5، الباب3، من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث19.

(15) قال صاحب البحار: ج17، ص114: ففي أكثر أخبارنا أنها كانت صلاة الظهر، وفي أكثر أخبارهم أنها كانت صلاة العصر.

(16) الوسائل: ج5، الباب3، من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث20.

(17)

(18) بحار الأنوار: ج17، ص114.

(19) ربما يقال: بأن جهالة ذي الشمالين غير مضرة في قبول الحديث؛ لأنه لم يكن راوياً للحديث وإنما نقل عنه ما قاله للرسول (ص).

فيقال: إن ضرر الجهالة هنا ليس من جهة كونه راوياً أو غير راو، بل من حيث إنه الرجل الوحيد الذي ردَّ على الرسول (ص) وفي المسجد كبار الصحابة والهاشميين، مما يوحي إلى أنه الملتفت في ذلك الجمع لا غيره مع احتمال أنه أحد الأعراب.

(20) البخاري: الحديث رقم460، كتاب الصلاة.

(21) أما الروايات فقد بحثتُ في كتبهم التسعة في الحديث المعتبرة عندهم بواسطة الكمبيوتر فلم أر رواية عنه بهذا العنوان غير هذه الرواية التي نقل فيها أبو هريرة كلامه مع الرسول (ص)، وأما كتبهم الرجالية فقد وقفت على ذكره في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة: ج1، ص422؛ و ج3، ص33، أما ما في الأول فهو: «الخرباق السلمي ثبت ذكره في صحيح مسلم من حديث عمران بن حسين أن رسول اللّه سلم ثلاث ركعات ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق، وروى العقيلي في الضعفاء والطبراني من طريق سعيد بن بشير فذكر حديث السهو، قال ابن حبان: هو غير ذي اليدين وقيل هو هو».

وأما في الجزء الثالث فهو: «6041، عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو الخزرجي“ كذا نسبه ابن الكلبي، وأبو عمر إلى نضلة بن عمرو فقال: ابن غسان بن سليمان بن مالك بن أفصى، قال ابن اسحاق: كان يعمل بيديه جميعاً فقيل له ذواليدين وشهد بدراً واستشهد بها، وقال أبو عمر: قتل بأحد وزعم أنه ذواليدين وليس بذي الشمالين المقتول ببدر، وجزم ابن حبان بأنه ذواليدين وغيره بأنه ذو الشمالين»، ويمكن أن يوجد ذكره في غير هذا الكتاب إلا أنني اكتفيت بذلك.

(22) سورة المزمل: الآيات 2 ـ 6.

(23) كما أن هناك آيات صرّحت بأنه (ص) بشر رسول، قال تعالى: «قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد..» (سورة الكهف: الآية 110)، وقال تعالى: «.. قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً» (سورة الإسراء: الآية 93).

(24) سورة الأنعام: الآية 68.

(25) ينقل هذا القول عن الجبائي، راجع البحار: ج17، ص98.

(26) سورة الجاثينة، الآية 34.

(27) مروي عن ابن عباس.

(28) وهناك آيات كثيرة بهذا النحو منها:

ـ « ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من اللّه من ولي ولا نصير» (سورة البقرة: الآية 120.

ـ «ولا تجعل مع اللّه إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مذحوراً» (سورة الإسراء: الآية 39).

ـ «يا أيها النبي اتق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين» (سورة الأحزاب: الآية1.

ـ «لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين» (سورة الزمر: الآية 65).

(29) وهي التي رواها في الوسائل: ج3، ص207، الباب61 من أبواب المواقيت، الحديث6، وهي: وروى الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (ع) فحدثني أن رسول اللّه (ص) عرس في بعض أسفاره وقال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللّه أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول اللّه (ص): قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، وقال: يا بلال أذّن فأذّن فصلى رسول اللّه (ص) ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر، ثم قام فصلى بهم الصبح، ثم قال: من نسى شيئاً من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن اللّه عز وجل يقول: «وأقم الصلاة لذكري» قال زرارة فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال: نقضت حديثك الأول فقدمت على أبي جعفر (ع) فأخبرته بما قال القوم، فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعاً وأن ذلك كان قضاء من رسول اللّه (ص).

(30) الوسائل: ج3، ص206، الباب61، الحديث10.

(31) جاء في البحار: ج87، ص170: «المحاسن، عن أبيه، عن صفوان، عن خضر أبي هاشم، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) قال: إن لليل شيطاناً يقال له الزهاء فإذا استيقظ العبد وأراد القيام إلى الصلاة قال له: ليست ساعتك ثم يستيقظ مرة أخرى، فيقول: لم يأن لك فما يزال كذلك يزيله ويحبسه حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر بال في أذنه ثم انصاع يمصع بذنبه فخراً ويصيح..».

(32) سورة النحل: الآيتان 99 ـ 100.

(33) وقد ورد في تفسير قولته تعالى: «وما كان لبشر أن يكلمه اللّه إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً“» (سورة الشورى: الآية 51)، أن المراد من (وحياً) الرؤيا في المنام.

وفي البحار: ج11، ص41 عن الكافي أيضاً: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار قال: كتب الحسن بن العباس المعروف إلى الرضا (ع): جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام؟ قال: فكتب أو قال: الفرق بين الرسول والنبي والإمام أن الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (ع)، والنبي ربما يسمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص.

(34) سورة الصافات: الآية 102.

(35) ورد في البحار: ج28، ص77، عن الكافي: العدة عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسين، عن محمد بن الوليد ومحمد بن أحمد، عن يونس بن يعقوب، عن علي بن عيسى القماط، عن عمه عن أبي عبداللّه (ع) قال: «رأى رسول اللّه (ص) في منامه بني أمية يصعدون على منبره من بعده ويضلون الناس عن الصراط القهقري فأصبح كئيباً حزيناً، قال فهبط جبرئيل (ع) فقال: يا رسول اللّه ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى، فقال: والذي بعثك بالحق نبياً إن هذا شيء ما اطلعت عليه، فعرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال: «أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جائهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون» وأنزل عليه «إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر» جعل اللّه عز وجل ليلة القدر لنبيه (ص) خيراً من ألف شهر ملك بني أمية.

وجاء في البحار: ج9، ص119: عند الكلام حول قوله تعالى: «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن“» (سورة الإسراء: الآية60): «“ وفيه أقول ثالثها: إن ذلك رؤيا رآها النبي (ص) في منامه أن قروداً تصعد منبره وتنزل، فساءه ذلك واغتم به، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبداللّه (ع)“».

(36) سورة النحل: الآية 125.

(37) سورة النجم: الآيتان 3 ـ 4.

(38) سورة البقرة: الآية 124.

توضيح الفكرة: هو أن النبي إبراهيم (ع) حينما ابتلاه اللّه بالكلمات فأتمّهن جعله اللّه إماماً «وإذا ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً» فسأل اللّه عز وجل «قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين»، فمنصب الإمامة المعبّر عنه في الآية بالعهد المضاف إلى اللّه سبحانه منصب لا يستحقه الظالم ولا يعطى له، والعاصي ظالم فلا يعطى إياه، وبهذا ينتج أن كل من أُعطي هذا المنصب فليس بعاص، وبمناسبة الحكم للموضوع يستفاد أن من صدر منه الظلم ولو آناً ما في فترة من فترات حياته لا يكون إماماً، فالإمام هو الذي لم يصدر منه ذنب أصلاً، وهذا هو معنى العصمة.