بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين

تُثار بين فترة وأُخرى أسئلة تتعرّض للمسلّمات العقائدية الموجودة لدى المسلمين وبالذات لدى الطائفة المحقة أتباع أهل البيت (ع)، وتختلف دوافع تلك الأسئلة، فإن البعض بدافع التعرف والبحث عن الدليل يسأل عن تلك المواضيع، ويحتاج إلى إجابة شافية وافية سوف نضعها ـ بإذن اللّه بين يديه ـ. وربما كان هدف آخرين من طرح هذه الأسئلة هو التشكيك في تلك المسلّمات وإلقاء الشبهة في قلوب العوام من أتباع هذا المذهب..

ومن علامة هؤلاء أنهم لا يطرحون إشكالاتهم ومناقشاتهم على علماء الدين المتخصصين في العقائد والقادرين على إثباتها بالدليل القاطع، وإنما يقومون بنشر تلك الشبهات، والتشكيكات ما بين عامة الناس من الذين لم يطّلعوا ـ بشكل دقيق ـ على حـدود تلك المسائل ولم يفحصوا في أدلتها، ولذا يجدون فيهم سوقاً رائجة وعملة نافقـة.

وتختلف طرق هؤلاء وشبهاتهم، وذلك أن هدفهم هو إلقاء الشبهة، وتشكيك أبناء الطائفة في عقيدتهم، فلا يهم عندهم ما هو نوع السؤال، ولا ينتظرون الإجابة عليه، بل لو أُجيبوا بجواب مقنع بالنسبة لهم، فإنهم يتركونه للبحث عن سؤال آخر وشبهة أُخرى، فالمهم عندهم هو التشكيك والسؤال المؤدي إلى الشبهة، فهم في يوم يشككون في بعض الوقائع التاريخية المتصلة بقضية الإمامة، وفي آخر يشككون في حياة الإمام المهدي عجل اللّه تعالى فرجه الشريف، أو أنه ما فائدة هذه الغيبة؟ وثالثة يشككون في النص على الأئمة المعصومين (ع) بأن يقولوا إنه لا يوجد نص على الأئمة أو على الأئمة بعد الحسين (ع).

وهؤلاء نحن لا نتحدث معهم في هذه الرسالة، ولا نوجه لهم هذه الكلمات، بل لا نرجو هدايتهم بعد أن اختاروا لأنفسهم هذا الطريق، طريق التشكيك «لَم يَكُن اللّهُ ليَغْفرَ لَهُم وَلا ليَهديهُم طَريقاً»(1)، وإنما يتوجه حديثنا إلى أهل الإنصاف «الَّذينَ يَستَمعُونَ القَولَ فَيَتَّبعُونَ أحسَنَهُ»(2)، وإلى العامة من أبناء المذهب الحق الذين يترقبون الدليل الواضح للرد به على مزاعم المشككين وشبهات المنحرفين.. لمثل هؤلاء الذين ربما وردت أسئلة من قبل بعضهم وطلبوا الإجابة عليها فيما يرتبط بهذا الموضوع أي النص على إمامة الأئمة المعصومين (ع)، نكتب هذه الرسالة المختصرة، علماً بأنه لا يسعنا استقصاء الأدلة، ولابد لذلك من الرجوع إلى الكتب المدونة في هذا المضمار خصوصاً كتب الحديث والمجاميع الروائية.

 

منهج الرسالة:

وسيكون منهجنا في هذه الرسالة أن نتعرض إلى ذكر بعض الروايات الصحيحة والصريحة التي تعين أسماء الأئمة (ع)، مما يقطع الطريق على من يدعي عدم وجود النص عليهم أو على بعضهم، وسيثبت هذا أن المدعي لعدم وجود النص ـ لو سلمت نيته ـ فإنه ضعيف الإطلاع جداً على أخبار أهل البيت وغير بصير بأحاديثهم (ع). وسنلتزم أن يكون النص الذي نورده صحيحاً من غير شبهة أو مناقشة، وإلا فالنصوص الأُخرى كثيرة جداً. وهذه النصوص تنقسم كما سيأتي إلى ما هو نص على العنوان مثل أبناء الحسين، وما هو نص على قسم منهم مثل النصوص الواردة الناصة عليهم إلى الإمام الباقر (ع)، وأهمية هذه أن المشككين يدعون أنه لا نص بعد الحسين، والقسم الثالث ما هو نص عليهم جملة واحدة.

ثم سنتعرض إلى ذكر النصوص الواردة بشأن إمامة كل إمام بخصوصه، ونحن وإن كنا لا نحتاج إلى ذكرها، بل كان يكفينا ويكفي من يريد الدليلَ رواية صحيحة واحدة تذكرهم جملةً من غير حاجة إلى ذكر سائر الروايات سواء كانت بالعنوان أو لكل شخص، إلا أننا نورد هذه للتأكيد، وأن النص عليهم كان حاصلاً بطرق مختلفة، وهو كاف «إنَّ في ذ'لكَ لَذكرَى' لمَن كَانَ لَهُ قَلب أو ألقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهيد»(3). هذا كله مع ما سنذكره في الخاتمة من أن الظروف التي أحاطت بأئمة أهل البيت (ع) وشيعتهم الكرام في أدوار التاريخ كانت من الصعوبة بحيث كان نقل الحديث الذي ينص على إمامة المعصومين خصوصاً الذين كانوا في فترات متأخرة، كان أمراً في غاية الخطورة.

* * *

 

النصوص التي

تعيّن أسماء الأئمة المعصومين (ع)

يوجد في مصادرنا الحديثية العديد من الروايات التي تنص على تحديد أسماء الأئمة المعصومين (ع)، ولكن حيث أن بناءنا هو على الاختصار في هذه الرسالة، لذلك سنكتفي بذكر رواية صحيحة صريحة في كل باب (أو روايتين)، وفيها لمن أراد الدليل كفاية وغنى. وهذه الروايات تنقسم بحسب المدلول إلى أقسام:

 

القسم الأول

ما ورد من الروايات في تحديد أن الأئمة (ع)

هم من وُلد الحسين (ع)

وهذه الروايات ـ بهذا العنوان ـ تجيب على عدة أسئلة، فهي من جهة تجيب على نقطة هي مركز التشكيك عند المشككين المدعين عدم وجود نص على الأئمة بعد الإمام الحسين (ع)، بينما هذه الروايات تعتبر نصاً على العنوان أي أولاد الحسين، وأيضاً فهي تحدد نسب الأئمة بعده وتحصرهم في هذه الذرية الطاهرة، فتنفي هذا المنصب عمن ليس من هذا البيت، فكل من ادعى الإمامة من غيرهم فادعاؤه باطل، ولو كان هاشمياً قرشياً، بل حتى لو كان من أولاد أميرالمؤمنين من غير نسل الحسين (ع). وأيضاً فهذه الروايات تدل بالدلالة الالتزامية على أنهم من قريش بل هي مفسِّرة لذلك العنوان، ولهذا فما ورد من غير طرق الشيعة كثيراً من أن الأئمة من قريش يكون مفسّراً بهذه الروايات حيث أن من كان من أبناء الحسين فهو بالضرورة قرشيّ.

فمن تلك الروايات:

(صحيحة) ما رواه الشيخ الكليني رحمه اللّه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبداللّه الصادق (ع) من كلام يذكر فيه الأئمة“ إلى أن قال «فلم يزل اللّه يختارهم لخلقه من وُلد الحسين من عقب كل إمام، كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً وعلماً هادياً»(4).

ومنها (صحيحة) ما رواه الشيخ الصدوق رحمه اللّه عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب والهيثم ابن مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب السراد عن علي بن رئاب عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (ع) قال سمعته يقول: «إن أقرب الناس إلى اللّه عز وجل وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمد صلى اللّه عليه وآله، والأئمة فادخلوا أين دخلوا وفارقوا من فارقوا، عنى بذلك حسيناً وولده فإن الحق فيهم وهم الأوصياء ومنهم الأئمة، فأينما رأيتموهم فاتبعوهم وإن أصبحتم يوماً لا ترون منهم أحداً منهم فاستغيثوا باللّه عز وجل وانظروا السنة التي كنتم عليها واتبعوها وأحبّوا من كنتم تحبون وأبغضوا من كنتم تبغضون فما أسرع ما يأتيكم الفرج!»(5).

ويؤيدها ما رواه في كمال الدين، عن أبيه عن سعد بن عبداللّه عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عبدالله بن مسكان عن أبان عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي قال: «دخلت على النبي صلّى اللّه عليه وآله، فإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول: أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أبو أئمة أنت حجة الله ابن حجته وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم»(6).

 

القسم الثاني

الروايات التي تنصّ على أسماء الأئمة (ع)

بدءاً من الإمام أميرالمؤمنين (ع) حتى الإمام محمد بن علي الباقر (ع)

وهي متعددة نكتفي منها بروايتين:

الصحيحة الأُولى: رواها الشيخ الكليني رحمه اللّه عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس، وعلي بن محمد بن سهل بن زياد أبي سعيد عن محمد بن عيسى عن يونس، عن ابن مسكان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالّله (ع) عن قوله اللّه عز وجل «أطيعُوا اللّهَ وَأطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمر منكُم»(7)، فقال: «نزلت في علي بن ابي طالب والحسن والحسين (ع)، فقلت: إن الناس يقولون فما باله لم يسمِّ عليّاً وأهل بيته في كتاب اللّه عز وجل؟ فقال: قولوا لهم: إن رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ اللّه لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول اللّه هو الذي فسر ذلك ونزلت الزكاة ولم يسمّ لهم من كل أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول اللّه هو الذي فسّر لهم ذلك، ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا أسبوعاً حتى كان رسول الله هو الذي فسّر لهم ذلك ونزلت «أطيعُوا اللّهَ وَأطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمر منكُم»(8) ونزلت في علي والحسن والحسين فقال رسول الله في علي (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فقال (ص) أوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي فإني سألت اللّه أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض فأعطاني ذلك، وقال لا تعلموهم فهم أعلم منكم، وقال إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة.

فلو سكت رسول اللّه فلم يبين من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان، لكن اللّه أنزل في كتابه تصديقاً لنبيه «إنَّمَا يُريدُ اللّهُ ليُذهبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيت وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً»(9) فكان علي والحسن والحسين وفاطمة فأدخلهم رسول اللّه تحت الكساء في بيت أم سلمة ثم قال: اللهم إن لكل نبي أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهلي وثقلي. فقالت أم سلمة: ألست من أهلك؟ قال: إنك إلى خير، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي، فلما قبض رسول اللّه كان علي أولى الناس بالناس، لكثرة ما بلغ فيه رسول الله وإقامته للناس وأخذه بيده، فلما مضى علي لم يكن يستطيع علي ـ ولم يكن ليفعل ـ أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي ولا واحداً من ولده.. إذن لقال الحسن والحسين إن اللّه تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك، وبلغ فينا رسول الله كما بلغ فيك، وأذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك، فلما مضى علي، كان الحسن أولى بها لكبره فلما توفي لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك، واللّه عز وجل يقول: «وَأُولُوا الأَرحَام بَعضُهُم أولَى' ببَعض في كتَاب اللّه»(10) فيجعلها في ولده.. إذن لقال الحسين أمر اللّه بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك، وبلغ في رسول اللّه كما بلغ فيك وفي أبيك وأذهب اللّه عني الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك، فلما صارت إلى الحسين لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه كما كان هو يدعي على أخيه وعلى أبيه، لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه، ولم يكونا ليفعلاه، ثم صارت حين أفضت إلى الحسين فجرى تأويل هذه الآية «وَأُولُوا الأَرحَام بَعضُهُم أولَى' ببَعض في كتَاب اللّه» ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي، ثم قال: الرجس هو الشك، والله لا نشك في ربنا أبداً»(11).

وينبغي التوجه إلى نقطتين هامتين توضحهما هذه الرواية:

أولاهما: أنها تجيب على سؤال ربما طرحه البعض وهو أنه لو كانت الإمامة بتلك الأهمية فلماذا لم ينص القرآن عليها، ولمَ لم يذكر القرآن اسم أميرالمؤمنين والأئمة حتى يرتفع الشك والتردد بصورة قاطعة؟ ولا يضل الناس؟ والرواية تجيب بأنه كما نزل أصل وجوب الصلاة والزكاة والحج في القرآن، ولم يبين فيه تفاصيل الأحكام، فكذلك الحال في الإمامة حيث نزل وجوب الطاعة للأئمة وأُولي الأمر، وأوكل تعيين أسمائهم إلى النبي (ص) وقد قام بذلك خير قيام.

وثانيتهما: أن قضية الإمامة ونصب الإمام هي أمر إلهي لا يرتبط بقضية الوراثة، أو إرادة الإمام السابق في تعيين اللاحق، فإنه لا يستطيع ـ ولم يكن ليفعل ـ أن يغير مجراها عما هو عليه من النصب الإلهي. وفي هذه القضية كما أن أميرالمؤمنين قد نصب نصباً إلهياً، فكذلك زين العابدين علي بن الحسين والباقر محمد بن علي (ع)، من دون فرق في هذه الجهة مما يرد بذلك على دعوى المشككين بأن النص إنما هو على الثلاثة الأوائل من الأئمة.

الصحيحة الثانية: ويؤيدها ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد ابن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أُذينة عن أبان عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أميرالمؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن وأشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن: «يا بني أمرني رسول اللّه أن أُوصي إليك وأن أدفع إليك كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين فقال: وأمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك هذا. ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال: وأمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول اللّه ومني السلام»(12).

 

القسم الثالث

ما نص على أسماء الأئمة (ع) جميعاً

ومع هذه الـروايات التي سوف نذكر بعضها ينقطع عذر كل متعلل لصراحتها وقوتها، وما يحف بها، ففي الأُولى نلتقي مع أسماء الأئمة (ع) في سجدة الشكر عقيب كل صلاة، حيث يشهد المصلي ربه والملائكة والخلق بمجمل اعتقاداته التي ينبغي أن يلقاه بها، ومنها تولّيه للأئمة الطاهرين من أهل البيت (ع) وأنه يتولاهم ويتبرأ من أعدائهم، ولا يخفى الارتباط بين الصلاة وبين ذكر الأئمة الهادين وفضلهم على الخلق في تعليمهم معالم الدين. وسنشير إلى هذه الجهة أيضاً في الخاتمة..

فمن هذه الروايات:

الصحيحة التي رواها الصدوق بإسناده عن عبداللّه بن جندب عن موسى بن جعفر (ع) أنه قال: تقول في سجدة الشكر: «اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت اللّه ربي والإسلام ومحمداً نبيي وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ»(13).

والصحيحة الأُخرى التي رواها الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر الثاني (ع) قال: «أقبل أميرالمؤمنين (ع) ومعه الحسن بن علي وهو متكىء على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلم على أميرالمؤمنين، فرد (ع) فجلس، ثم قال: يا أميرالمؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما قضي عليهم وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم، وإن تكن الأُخرى علمت أنك وهم شرع سواء! فقال له أميرالمؤمنين (ع): سلني عما بدا لك، قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟ فالتفت أميرالؤمنين (ع) إلى الحسن، فقال: يا أبا محمد أجبه! قال: فأجابه الحسن، فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أن محمداً رسول الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنك وصي رسول اللّه والقائم بحجته ـ أشار إلى أميرالمؤمنين ـ ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته ـ أشار إلى الحسن ـ، وأشهد أن الحسين بن علي وصي أخيه والقائم بحجته بعده، وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمد أنه القائم بأمر محمد، وأشهد على موسى أنه القائم بأمر جعفر بن محمد، وأشهد على علي بن موسى أنه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي، واشهد على الحسن بن علي أنه القائم بأمر علي بن محمد، وأشهد على رجل من ولد الحسن لا يكنّى ولا يسمّى حتى يظهر أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة اللّه وبركاته، ثم قام فمضى، فقال أميرالمؤمنين: يا أبا محمد اتبعه! فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسن بن علي (ع)، فقال: ما كان إلا أن وضع رجله خارجاً من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض اللّه، فرجعت إلى أميرالمؤمنين فأعلمته، فقال: يا أبا محمد أتعرفه؟ قلت: اللّه ورسوله وأميرالمؤمنين أعلم. قال هو الخضر»(14).

* * *

الروايات التي

تنص على كل إمام بشخصه

بعد أن ذكرنا الروايات التي تذكر أسماء الأئمة الطاهرين، نعود ونذكر الروايات الخاصة التي تنص على كل إمام بشخصه، وهي قد تذكر الإمام باسمه وأُخرى بالقرينة والصفة، فإن بعض الروايات تعتمد على ذكر أمر، ذلك الأمر يلازم كونه إماماً كما سيأتي في وصية الإمام الباقر لابنه الصادق (ع) أن يغسله ويجهزه ويكفنه، فإن هذا من النص عليه، لما ثبت عندنا من النصوص والإجماع على أن الإمام لا يتولى تجهيزه إلا إمام مثله عند حضوره، وقد لا ينتبه لمثل هذه الإشارات إلا من كان على مستوى من الإحاطة بتعابير الأئمة، كما نرى أن هشاماً بن الحكم عندما سمع من علي بن يقطين قول الكاظم أن علياً الرضا سيد ولده وأنه قد نحله كنيته، فقد استنتج هشام من ذلك أنه نص عليه بالإمامة من بعده، ومثل ان يعطيه السلاح والكتب، وهكذا ما يرافق إمامتهم من الكرامات مثلما حصل في قضية شهادة الحجر الأسود لعلي بن الحسين بالإمامة في مناقشة محمد بن الحنفية إياه، كما ورد في رواية صحيحة رواها الكليني في الكافي(15)، فإنه بعدما احتج السجاد عليه لأن سلاح رسول الله عنده وأن الحسين قد أوصى إليه دعاه للحجر الأسود ليحتكما إليه فتكلم محمد فلم يحصل على شيء ثم تكلم علي بن الحسين فنطق الحجر بقدرة اللّه (أن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي إلى علي بن الحسين) فانصرف محمد بعد ذلك وهو مؤمن بإمامة علي بن الحسين (ع).

وحيث أننا قد ذكرنا في القسم الثاني من الروايات ما ينص على إمامة الأئمة من الإمام أميرالمؤمنين إلى الإمام محمد بن علي الباقر (ع)، فسنتعرض هنا لذكر النصوص في إمامة الأئمة بدئاً من الإمام الصادق، وسنكتفي بنص واحد بالنسبة لكل إمام، وسنذكر نصوصاً متعددة لخاتم الأوصياء والأئمة صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه الشريف.

 

جعفر بن محمد الصادق (ع)

فمن ما ورد من النص على إمامة جعفر بن محمد الصادق (ع)، الرواية الصحيحة التي نقلها الكليني رحمه اللّه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبدالرحمن عن عبدالأعلى عن أبي عبداللّه الصادق (ع): «إن أبي استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهوداً فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبداللّه بن عمر، فقال: اكتب:

هذا ما أوصى به يعقوب بنيه «يا بُنَيَّ إنَّ اللّهَ اصطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنتُم مُّسلمُونَ»(16) وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة وأن يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه مقدار أربع أصابع وأن يحل عنه أطماره عند دفنه، ثم قال للشهود انصرفوا رحمكم اللّه. فقلت له: يا أبت ـ بعدما انصرفوا ـ ما كان في هذا بأن تشهد عليه؟ فقال: يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال: إنه لم يوص إليه، فأردت أن تكون لك الحجّة»(17).

وهذا كما تقدم بضميمة ما دلت عليه النصوص، وقام عليه الإجماع أن الإمام عندنا لا يولّى تجهيزه إلا إمام مثله إذا كان حاضراً، وأن والوصية هي من علائم الإمامة ينتج ذلك النص على إمامة الصادق (ع).

 

موسى بن جعفر (ع)

ومما ورد في النص على إمامة الإمام موسى بن جعفر (ع)، الصحيحة التي رواها في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن صفوان الجمّال عن أبي عبداللّه، قال له منصور بن حازم: بأبي أنت وأُمي إن الأنفس يغدا عليها ويراح فإذا كان ذلك فمن؟ فقال أبو عبداللّه: «إذا كان ذلك فهو صاحبكم وضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمن ـ فيما أعلم ـ وهو يومئذ خماسي وعبداللّه بن جعفر جالس معنا»(18).

 

علي بن موسى الرضا (ع)

ومن النص على إمامة الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، ما ورد في الصحيح عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن بن محبوب عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: «كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي فقال لي: يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي! أما إني قد نحلته كنيتي، فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته ثم قال: ويحك! كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين: سمعت واللّه منه كما قلت. فقال هشام: أخبرك أن الأمر فيه من بعده»(19).

فأنت عزيزي القارئ:

ترى هنا أن هشاماً بن الحكم لما كان متبحراً في العقائد، وعارفاً بإشارات الأئمة في ما يرتبط بموضوع الإمامة، والصفات التي لابد من توفرها في الإمام، فإنه بمجرد أن سمع تلك الكلمات وضمها إلى الكبريات الموجودة في ذهنه المرتبطة بموضوع الإمامة، فقد انتقل فوراً إلى معنى نص الإمام الكاظم على الرضا (ع)، وإن كانمثل علي بن يقطين على جلالته ربما لم يتوجه إلى ذلك المعنى بنفس السرعة.

 

محمد بن علي الجواد (ع)

ومن النص على إمامة محمد بن علي الجواد (ع)، الصحيحة التي نقلها في الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا (ع)، وذكر شيئاً فقال: «ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر أجلسته مجلسي وصيرته مكاني. وقال: إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة»(20).

 

علي بن محمد الهادي (ع)

ومن الروايات التي تنص على إمامة الإمام علي بن محمد الهادي (ع)، ما رواه صحيحاً في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مهران قال: «لما خرج من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأُولى من خرجيته، قلت له عند خروجه: جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر من بعدك؟ فكرّ إلي بوجهه ضاحكاً: ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة، فلما خرج به الثانية إلى المعتصم، صرت إليه، فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فإلى من الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ثم التفت إلي فقال: عند هذه يخاف علي، الأمر من بعدي إلى ابن علي»(21).

 

الحسن بن علي العسكري (ع)

وقد وردت روايات مصرحة بإمامة الإمام الحسن بن علي العسكري (ع)، منها ما رواه في الكافي عن علي بن محمد عن محمد بن أحمد النهدي عن يحيى بن يسار القنبري، قال: «أوصى أبو الحسن إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي»(22).

الحجة بن الحسن العسكري صاحب الزمان

عجّل اللّه فرجه الشريف

وأما الروايات الواردة في إمامة الإمام الحجة بن الحسن العسكري صاحب الزمان عجل اللّه فرجه الشريف، وفي صفاته وعلامات ظهوره، وما يرتبط بخريطة تحركه بعد الظهور، وأنصاره، فهي كثيرة جداً، حتى لقد أُلفت كتب ومجلدات خاصة في هذا الأمر، وحيث أن بناءنا هو على الاختصار في هذه الرسالة كما ذكرنا في البداية، فسوف نذكر عدة مع عناوينها:

في النص عليه صلوات اللّه عليه: ما رواه الصدوق عن محمد بن علي بن ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري قالوا: «عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا. قالوا فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد (ع)»(23).

في أن الإيمان بالأئمة كل لا يتجزأ وأن الاعتراف بهم من دون الإمام الحجة لا يساوي شيئاً وهو كإنكار أميرالمؤمنين (ع): ما نقله في كفاية الأثر عن الحسن بن علي عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبدالله عن موسى بن جعفر البغدادي قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري (ع) يقول: «كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني ألا إن المقر بالأئمة بعد رسول الله المنكر لولدي كمن أقر بجميع الأنبياء والرسل ثم أنكر نبوة رسول اللّه (ص)، لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه اللّه»(24).

وروى الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبداللّه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبداللّه (ع) أنّه قال في قول اللّه عز وجل «يَومَ يَأتى بَعضُ آيات رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفساً إيمَانُها لَم تَكُن آمَنَت من قَبلُ»(25) فقال (ع): «الآيات هم الأئمة والآية المنتظرة القائم (عج) فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه (ع)»(26).

في أنه أشبه الناس برسول اللّه، وله اسمه وكنيته: ما رواه الصدوق في كمال الدين عن أبيه ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى المتوكل، عن سعد بن عبداللّه وعبدالله بن جعفر الحميري، ومحمد بن يحيى العطار جميعاً، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم وأحمد بن أبي عبداللّه البرقي ومحمد بن الحسين بن ابي الخطاب جميعاً، عن أبي علي الحسن بن محبوب السراد عن داود بن الحصين عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد (ع) عن آبائه قال: «قال رسول اللّه (ص): المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس خلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(27).

في أن من الابتلاء للخلق في زمان غيبته أن يشك البعض في ولادته: ما رواه الشيخ الصدوق في كمال الدين عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبداللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عثمان بن عيسى الكلابي عن خالد بن نجيح عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول: «إن للقائم غيبة قبل أن يقوم. قلت له: ولم؟ قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة هو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته منهم من يقول هو حمل ومنهم من يقول هو غائب، ومنهم من يقول ما ولد ومنهم من يقول ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، غير أن اللّه تبارك وتعالى يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون»(28).

ما ورد من النص على أنه قد ولد، وأنه عجل اللّه فرجه يحضر موسم الحج فيعاين الخلق، وقد رآه ـ من جملة من رآه ـ نائبه الخاص (في الغيبة الصغرى) محمد بن عثمان العمري في الموسم متعلقاً بأستار الكعبة. وأهمية مثل هذا النص أنه يؤكد ليس فقط ولادته بل اتصاله بالخلق، وذلك أن قضية المهدي عجل اللّه فرجه قضية اتفاقية بين المسلمين جميعاً لما ورد من النصوص المتواترة عن النبي (ص)، ولكن الخلاف بينهم هو في أنّه هل أنه سيولد في آخر الزمان كما يدعي غير الشيعة؟ أو أنه ولد وأن أباه هو الحسن بن علي العسكري وأنه غائب عن الأنظار بعدما نص عليه أبوه (ع) ورآه خلّص شيعته كما تقدّم في النص الدال على إمامته، وأن له غيبتين: صغرى كان يمارس فيها توجيه العباد عن طريق سفرائه الأربعة الخاصين، وأنه سيظهر عندما يأذن اللّه له كما هو الحق وبه يقول شيعة أهل البيت (ع)؟

فقد روى الشيخ الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن عبدالله بن جعفر الحميري أنه قال: سألت محمد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه، فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: «نعم، وآخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام، وهو يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني. قال محمد بن عثمان رضي اللّه عنه وأرضاه: ورأيته صلوات اللّه عليه متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: اللهمّ انتقم لي من أعدائك»(29).

* * *

 

الخاتمة

وفي الختام ينبغي ذكر ملاحظة هامة وهي:

أن الوضع العام الذي عاش فيه الأئمة (ع) خصوصاً بعد شهادة الإمام الحسين كان وضعاً ضاغطاً وعصيباً، وقد حاول فيه الظالمون بكل جهدهم أن «يُطفئُوا نُورَ اللّه بأفواههم» فكانوا يتربصون بالأئمة الدوائر ويبغونهم الغوائل للقضاء عليهم.

وهؤلاء الظالمون ـ في العهدين الأموي والعباسي وإن لم يكونوا يقدمون على قتلهم جهراً وعلانية، إلا أنهم كانوا يحاولون ذلك غيلة، وشاهد ذلك ما نجده من إقدامهم على دس السم للأئمة (ع). وهذه الظروف والأوضاع غير خافية على المتتبع لأحوالهم، والعارف بتأريخهم، ويكفي لمعرفة ذلك، النظر إلى كيفية نص الإمام الصادق (ع) على إمامة الكاظم في وصيته له حيث كان العباسيون ينتظرون أن يعيّن بنحو صريح الإمام بعده ليقتلوه، فكان أن أوصى لخمسة، فضيع عليهم هذه الفرصة، ثم ما جرى على مولانا الكاظم (ع) من سجنه ثم قتله، وأيضاً ما جرى من التضييق والاضطهاد للإمام الهادي (ع) ومن بعده ابنه الحسن العسكري، ومحاولتهم القبض على خليفته الإمام المهدي وقتله ـ بزعمهم ـ.

وهكذا ما عاشه الشيعة الكرام من ظروف القمع والتقية، بحيث كانوا لا يسلمون على عقائدهم في وقت كان يسلم فيه الكفار في بلاد الإسلام على ما كانوا عليه من ضلالة، ولا يسلم شيعة أهل البيت بما عندهم من الهدى. فكان الكشف في هذه الظروف عن أسماء الأئمة المعصومين خصوصاً من كان منهم في الفترات اللاحقة، وتناقل النصوص المصرّحة بإمامتهم بين الرواة أمراً في غاية الخطورة على الإمام وعلى شخص الناقل أيضاً.

ولكنهم مع ذلك قد حفظوا لنا ـ جزاهم اللّه خير الجزاء ـ تلك النصوص وتناقلوها فيما بينهم بالرغم مماكان يكتنفها من المشاكل والضغوط حتى أوصلوها لنا، بحيث تمت بواسطتها الحجة على من أنكر، والاحتجاج بها والاستناد عليها لمن آمن. ولهذا فقد أصبحت هذه القضية من المسلمات العقائدية لدى شيعة أهل البيت، والمتواترة إجمالاً، بحيث أنهم عرفوا حتى عند أعدائهم بتوليهم لهؤلاء الأئمة الطاهرين، وميزوا بأنهم (الاثنا عشرية) في إشارة إلى اعتقادهم بإمامة الأئمة الإثني عشر. وصار الأمر عند الشيعة بحيث أن من كان لا يؤمن بأحدهم أو جعل غيره مكانه لا يعد من هذه الطائفة المحقة.

بل إنه ـ كما ذكرنا سابقاً ـ ارتبط ذكر أسمائهم (ع) بالصلاة وسجدة الشكر كما في صحيحة بن جندب عن الإمام موسى بن جعفر (ع)، وهذا لعله يراد منه أن يكون المؤمن ذاكراً لأئمته في كل يوم، وحتى لا تنسى هذه الصفوة الطاهرة، أو يدّعي آخرون عدم وجود الدليل أو النص عليهم أو على بعضهم.

نسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يثبّتنا على ولايتهم في الدنيا، فلا ننجرف في تيارات الفتن والشكوك التي تنبّأ بها أئمتنا (ع) وبالذات في زمان الغيبة، حيث يرتاب المبطلون ويثبت المؤمنون، وأن ينفعنا بشفاعتهم في الآخرة إنّه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، اللهم ما عرّفتنا من الحق فحمّلناه وما قصرنا عنه فبلّغناه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

الهوامش:

(1) سورة النساء / 168.

(2) سورة الزمر / 18.

(3) سورة ق / 37.

(4) الكافي 1 / 203.

(5) كمال الدين / 328.

(6) كمال الدين 1 / 262.

(7) الكافي 1 / 286.

(8) سورة النساء / 59.

(9) سورة الأحزاب / 33.

(10) سورة الأنفال / 75، و سورة الأحزاب / 6.

(11) الكافي 1 / 286.

(12) الكافي 1 / 297.

(13) الوسائل 7 / 15.

(14) الكافي 1 / 525.

(15) الكافي 1 / 348.

(16) سورة البقرة / 132.

(17) الكافي 1 / 307.

(18) الكافي 1 / 309.

(19) الكافي 1 / 311.

(20) الكافي 1 / 320.

(21) الكافي 1 / 323.

(22) الكافي 1 / 325.

(23) كمال الدين 2 / 435.

(24) كمال الدين ص291.

(25) سورة الأنعام / 158.

(26) كمال الدين 2 / 336.

(27) كمال الدين 1 / 287.

(28) كمال الدين ص1 / 342.

(29) الفقيه 2 / 306.