الصفحة 215
نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) واصطفاها لأن فيها خير خلقه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم عترته الأئمة المعصومون الذين أمره الله أن يوصي المسلمين بمودتهم وطاعتهم، فنفذ أمر ربه كما في حديث الثقلين الصحيح المتواتر الذي روته مصادر الجميع مختصراً ومطولاً، منه ما رواه أحمد:3/17: (عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروني بمَ تخلفوني فيهما). انتهى.

ولو فكرتَ في كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) لرأيت أنه لايمكن تفسير قوله: (وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، إلا أن الله تعالى أخبره بأنه سيكون من عترته إمامٌ معصوم في كل عصر، يواصل خط نبوته إلى يوم القيامة!

لماذا ألغت قريش أسرةالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

كان اختيار الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من بطن بني هاشم أمراً صعباً على بطون قريش، لأن معنى الإيمان به الإعتراف بزعامته وزعامة عشيرته! وهو أمر لا يقبله رؤساء بطون قريش حتى لو كان أمراً من الله تعالى!

وبهذا يجب أن نفسر وقوفهم ضد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحاولاتهم قتله، ومعاداتهم لعشيرته بني هاشم ومحاصرتهم في الشعب بضع سنين، حتى يسلموهم محمداً فيقتلونه!

إن زعماء بطون قريش لم يكونوا يؤمنون بقضية اسمها قضية الآلهة، وما مقولتهم

الصفحة 216
(إن محمداً سفه آلهتنا وأفسد شبابنا) إلا شعاراً في وجه الإسلام وبني هاشم!

وإلا فإنهم حاضرون لأن يضحوا بكل آلهتهم، وأن يكسروا أصنامها بأيديهم، بشرط أن تبقى لهم الزعامة ولايسلبها منهم محمد!

لايمكننا أن نفهم تاريخ الإسلام والمشركين إلا إذا وعينا أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وعشيرته بنو هاشم كانوا عقدة العقد عند بطون قريش، فقد عجزوا عن إخضاعهم بسبب أن زعيمهم القوي الشجاع أبا طالب استمات في الدفاع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! وفشلت جميع خططهم في قتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الواحدة تلو الأخرى!

وعندما توفي أبو طالب حامي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكثفت بطون قريش عملها لقتل محمد، فاجأهم بأنه وجد أنصاراً في يثرب وهاجر اليهم، وسرعان ما شكل دولة تجثم في طريق قوافلهم التجارية.

وبدؤوا حروبهم في بدر، واستمرت معاركهم مع محمد ثماني سنين لكنهم فشلوا في كسب نتيجة تنفس شيئاً من عقدهم!

وإذا بمحمد يفاجؤهم في مكة بعشرة آلاف من جنود الله، ويجبرهم على خلع سلاحهم ورفع أيديهم والتسليم، وإعلان الإسلام والطاعة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعشيرته!

هذا كله في جانب، وفي جانب آخر القرآن الذي يتنزل على محمد بذمهم ولعنهم ووعيدهم، فيسري في العرب أبلغ من قصائد امرئ القيس!

لقد وصفهم في سوره الأولى بأنهم فراعنة، ووعدهم بالأخذ الوبيل، فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (

الصفحة 217
وَاصْبِرْ عَلَى مَايَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً. إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيمًا. وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا. يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلاً. إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً. فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً). (سورة المزمل: 10 ـ 16)

نعم، لقد أجبر محمد زعماء بطون قريش وجنودهم على خلع سلاحهم والتسليم! لكنه لم يعلن اتخاذهم عبيداً أرقاء، ولم يسب نساءهم ويوزعها على المسلمين، بل قال لهم: إذهبوا فأنتم فعلاً طلقاء!

ثم فتح الباب أمامهم أن يكون لهم ماللمسلمين وعليهم ما عليهم! ودعاهم مباشرة لأن يخرجوا معه ويقاتلوا هوازن أي تحالف قائل نجد الذين تجمعوا في حنين! فخرجوا معه بألفين من جنودهم إلى حنين، وهم حيارى ماذا يفعلون، سكارى مما حدث لهم!

ثم ذهبت السكرة من زعماء قريش وجاءت الفكرة.. يجب أن نرث سلطان محمد ونقصي بني هاشم! وسرعان ما تصرفوا فأزاحوا عن قيادتهم أبا سفيان ابن عم بني هاشم، ونصبوا سهيل بن عمر الداهية وأحد الفراعنة الذين كان يلعنهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قنوته!

وبعد معركة حنين ورحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة أمسك سهيل بمكة وتوابعها، حتى صار (أسيد بن عتاب الأموي) الحاكم المعين من قبل النبي حاكماً بالإسم، والحاكم الحقيقي سهيل بن عمر السهمي!


الصفحة 218
ولايتسع المجال لبيان نشاطات قريش في السنتين من حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد فتح مكة، لكن غرضنا منها نظريتها التي روجت لها بأن آباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كفار وعمه أبا طالب كافر، وإنما مثله في بني هاشم (كمثل نخلة نبتت في كبا) أي مزبلة!! وبالتالي فلا شرعية لعشيرته وأسرته لكي تدعي وراثته وإنما هو من قريش، وقريش أولى بسلطان ابنها، وخلافته يجب أن تدور في بطون قبائلها!

وهكذا استطاعت قريش أن تخترع حصاراً جديداً لبني هاشم وبني عبد المطلب، أحكمته هذه المرة أكثر من حصارها لهم في شعب أبي طالب، فألبسته ثوباً من الدين الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنجح الحصار وطال قروناً أجيالاً، إلا من رحم ربك من أصحاب البصائر!

إن هذه الحقائق تكفي للباحث السوي الذهن، ليقرر إعادة النظر في الأحكام التي أصدرتها الخلافة القرشية وفقهاؤها على أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى كل آبائه وأجداده الطاهرين!

عبد المطلب عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك

اتفقت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) على أن عبد المطلب رضوان الله عليه مؤمن بالله الواحد الأحد، وأنه كان يجهر بأنه على ملة جده إبراهيم، فهو ولي من أولياء الله ملهم بواسطة الإلهام والرؤية الصادقة.. بل يحتمل الناظر في هذه الأحاديث أن عبد المطلب كان من الأنبياء (عليهم السلام) وأنه كان مأموراً أن يعبد ربه على دين إبراهيم (عليه السلام) ويأمر أولاده بذلك.


الصفحة 219
ففي الكافي:1/446، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك).

وعنه (عليه السلام) قال: (نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك، وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب. وفي رواية ابن فضال وفاطمة بنت أسد).

وفي الكافي:1/448: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان عبد المطلب يفرش له بفناء الكعبة لايفرش لأحد غيره، وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو طفل يدرج حتى جلس على فخذيه، فأهوى بعضهم إليه لينحيه عنه، فقال له عبد المطلب: دع ابني فإن الملك قد أتاه).

وفي الكافي:4/58: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا بني عبد المطلب إن الصدقة لاتحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة، فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثراً عليكم غيركم....الخ.). (ورواه في تهذيب الأحكام:4/ 58 وتفسير العياشي:2/93 وتفسير نور الثقلين:2/235، و:3/210 ووسائل الشيعة: 6/185 ومستدرك الوسائل:7/119).


الصفحة 220

*  *  *


الصفحة 221

الأسئلة

1 ـ هل تعتقدون بنظام الأسرة المصطفاة في الدين الإلهي كما يقول تعالى: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ واللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (سورة آل عمران: 33 ـ 34) وهل هي أسرة مصطفاة للتبرك، لتبليغ الدين والحكم بين الناس؟

2 ـ هل آل محمد وذريته (صلى الله عليه وآله وسلم) خارجون عن هذا الإختيار أم داخلون فيه؟

3 ـ هل تعتقدون بحسد قبائل قريش لبني هاشم، وأنه كان سبباً رئيسياً لتكذيبهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

4 ـ بماذا تفسرون تأكيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مودة آله وعترته (عليهم السلام)؟!

5 ـ بماذا تفسرون افتخار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنبوته وجده عبد المطلب عندما قاتل في معركة حنين، وهل يمكن أن يفتخر سيد المرسلين بجده الكافر؟!

6 ـ بماذا تفسرون ما ثبت عندكم عن عبد المطلب من إلهامه حفر زمزم وموقفه عند غزو أبرهة للكعبة، ورعايته الخاصة لحفيده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

7 ـ بأي مبرر شرعي تردون شهادة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن جدهم أبا طالب وآباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم كانوا مؤمنين على ملة ابراهيم (عليه السلام)؟

8- ألا تلاحظون أن المسلمين اليوم

الصفحة 222
منقسمون كما كان العرب في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! فأكثرهم مع قريش المناهضين لبني هاشم، وقلة مع بني هاشم؟!

*  *  *

المســألة: 58
من صبغ شعره بالأسود، هل يستحق جهنم؟!

ألهم الله تعالى عبد المطلب عدة سنن وتشريعات فعمل بها وعممها ما استطاع، وعندما بعث الله حفيده (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها جزءاً من الدين. منها الطواف حول البيت سبعة أشواط، ودية القتيل ألف ناقة، والقسامة على القوم المتهمين بالقتل، وغيرها.

ومنها سنة الخضاب بالسواد خلافاً لليهود، وخلافاً للخضاب بالأحمر والأصفر أي بالحناء والورس الذي كانت تستعمله العرب. وقد نص السهيلي في الروض الأنف:1/7 كما نقله في المجموع: 18/254 أن أول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب.

وقد أقر الإسلام سنة الخضاب بالسواد وجعلها مستحبة، ولم يحرم الخضاب بغيرها، بل لم يوجب في الأصل تغيير لون الشيب، وإنما جعله مستحباً في بعض الحالات.

روى الكليني في الكافي:6/481: (عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دخل قوم على الحسين بن علي صلوات الله عليهما فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلك، فمد يده إلى لحيته ثم قال: أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد ليقووا به على المشركين).


الصفحة 223
وفي الكافي:6/480: (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنظر إلى الشيب في لحيته فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نورٌ، ثم قال: من شاب شيبةً في الاسلام كانت له نوراً يوم القيامة).

قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأى الخضاب قال: نورٌ وإسلامٌ، فخضب الرجل بالسواد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نورٌ وإسلامٌ وإيمانٌ، ومحبةٌ إلى نسائكم، ورهبةٌ في قلوب عدوكم).

وروى البخاري:4/216: (عن أنس بن مالك: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي فجعل في طست فجعل ينكته وقال في حسنه شيئاً فقال أنس: كان أشبههم برسول الله (ص) وكان مخضوباً بالوسمة) والوسمة هي السواد.

وفي وسائل الشيعة:1/403: (عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه سئل عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): غيروا الشيب ولاتشبهوا باليهود، فقال: إنما قال ذلك والدين قلٌّ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه، فامرؤٌ وما اختار). انتهى.

ومعناه أن الأمر بتغيير الشيب ليس للوجوب، بل هو لإثبات الرخصة في مورد توهم الحظر والتحريم، كما يعتقد اليهود.

*  *  *

وتدخلت بطون قريش في هذا التشريع كعادتها لحساسيتها من عبدالمطلب وأولاده، وتمسكت بالخضاب الأحمر والأصفر، فنتج عن ذلك أن ولدت أحاديث تُحَرِّم الخضاب بالسواد، وتَحْرِم صاحبه من الجنة والشفاعة، وتسوِّد وجهه يوم القيامة!!


الصفحة 224
قال ابن قدامة في المغني:1/76: (وعن الحكم بن عمر الغفاري قال: دخلت أنا وأخي رافع على أمير المؤمنين عمروأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة، فقال عمر بن الخطاب: هذا خضاب الاسلام، وقال لأخي رافع: هذا خضاب الإيمان. وكره الخضاب بالسواد. قيل لأبي عبد الله تكره الخضاب بالسواد؟ قال: إي والله)!

بل روى الحاكم:3/526 قصة أخرى جعل رأي الخليفة عمر حديثاً قال: (دخل عبد الله بن عمر على عبد الله بن عمرو وقد سوَّدَ لحيته، فقال عبد الله بن عمر: السلام عليك أيها الشويب! فقال له ابن عمرو: أما تعرفني يا أبا عبد الرحمن؟ قال بلى أعرفك شيخاً فأنت اليوم شاب! إني سمعت رسول الله (ص): الصفرة خضاب المؤمن، والحمرة خضاب المسلم، والسواد خضاب الكافر).

وروى النسائي:8/138: (عن ابن عباس رفعه أنه قال قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لايريحون رائحة الجنة). وقال النسائي: والناس في ذلك مختلفون والله تعالى أعلم، لعل المراد الخالص، وفيه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مكروهٌ، وللعلماء فيه كلام، وقد مال بعض إلى جوازه للغزاة ليكون أهيب في عين العدو، والله تعالى أعلم). ورواه أبو داود في: 2/291، وأحمد:1/273، والبيهقي:7 /311.

وفي مجمع الزوائد:5/163: روايةً موثقة عند ابن حنبل وابن معين وابن حبان عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (ص): من خضب بالسواد سوَّد الله وجهه يوم القيامة)!.


الصفحة 225
ولذا أجمع فقهاؤهم على ذم الخضاب بالسواد، وأغلبهم على أنه ذمَّ تحريم، وقليل منهم على أنه ذم تنزيه!

وسئل ابن باز كما في فتاويه:4/58، طبعة مكتبة المعارف بالرياض:

س: ما مدى صحة الأحاديث التي وردت في صبغ اللحية بالسواد فقد انتشر صبغ اللحية بالسواد عند كثير ممن ينتسبون إلى العلم؟

جواب: (في هذا الباب أحاديث صحيحة كثيرة، وذكر حديث حواصل الحمام، وقال بعده: وهذا وعيدٌ شديد، وفي ذلك أحاديث أخرى كلها تدل على تحريم الخضاب بالسواد وعلى شرعية الخضاب بغيره). انتهى.

وقد فات ابن باز وأمثاله أن أبا بكر وعمر قبلا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخضاب بالسواد ولو أنه خضاب عبد المطلب، وأنهما اختضبا بالسواد في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (مسند أحمد:3/100و:3/108و160و178)، وأن النهي عن الخضاب به والأمر بخضاب الجاهلية بالأصفر والأحمر كان بععد النبي فقط، ومنه ولدت أحاديث النهي عن السواد! وأن بعض أئمتكم كالزهري الذي روى عنه البخاري في صحيحه نحو1200حديثاً، تجرأ في القرن الثاني وخالف سنة عمر بعد أن خفَّت حدة المسألة، وكان يصبغ شيبه بالسواد ويقول إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بتغيير الشيب ولم يحدد لون الصبغ!

قال أحمد:2/309: (قال رسول الله (ص):إن اليهود والنصارى لايصبغون فخالفوهم. قال عبد الرزاق في حديثه: قال الزهري: والأمر بالإصباغ، فأحلكها أحب إلينا. قال معمر: وكان الزهري يخضب بالسواد).

*  *  *


الصفحة 226

الصفحة 227

الأسئلة

1 ـ بماذا تفسرون التشريعات التي سنها عبد المطلب ثم أنزلها الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

2 ـ ما رأيكم بفتوى تحريم الخضاب بالسواد؟

3 ـ على فرض تحريم الخضاب بالسواد شرعاً، هل يستحق من فعله أن يكون من أهل جهنم؟

4 ـ ما رأيكم في تدخلات عمر حتى في الأحكام الشرعية! وهل توافقون على كلمة أم سلمة التي رواها البخاري:6/69 عن عمر نفسه: (فقالت أم سلمة عجباً لك يا بن الخطاب دخلت في كل شئ، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله (ص) وأزواجه!)؟!

*  *  *


الصفحة 228

المســألة: 59
حب عمر لبني هاشم..وفضيحته التي صارت فضيلة!

إقرأ معي في البخاري:1/32: (باب الغضب في الموعظة والتعليم):

(عن أبي بردة عن أبي موسى قال: سئل النبي (ص) عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس سلوني عما شئتم! قال رجل: مَنْ أبي؟ قال أبوك حذافة! فقام آخر فقال: مَن أبي يا رسول الله؟ فقال أبوك سالم مولى شيبة! فلما رأى عمر ما في وجهه قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل!

باب: من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث: عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله (ص) خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي؟ فقال أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول سلوني! فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد (ص) نبياً، فسكت!).انتهى.

هل رأيت الأمور الغريبة في النص؟!

يقول البخاري: أكثروا السؤال على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فغضب! وجعل البخاري عنوان الباب الغضب في التربية والتعليم، يعني غضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!

ثم قال البخاري: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): سلوني عما شئتم!

فكيف غضب من أسئلتهم، ثم قال لهم سلوني ما شئتم؟!

فسألوه هل هم أولاد شرعيون، أو أولاد زنا؟!!


الصفحة 229
فما هذا السؤال العجيب، وما المناسبة؟!

وما هذا الجواب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث بلغ غضبه أوجه، وجبرئيل إلى جنبه! فبرَّأ صحابياً، وفضح آخر على رؤوس الأشهاد، وأعلن أنه ابن زنا!

ثم أصرَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على المسلمين: سلوني سلوني سلوني!

فقام عمر وأعلن التوبة؟! فهدَّأ الموقف وسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!

فما هي القصة، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي!

وما سبب هذه التوبة العمرية، التي اختصرها البخاري وفصلها غيره، حتى رووا أنه قبَّل رجل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يسترضيه!

لكي تحصل على أجوبة لهذه الأسئلة عليك أن تجمع أشلاء هذه القصة في الصحاح، ولاتغترَّ إذا وجدتها قطعاً مجزأة، ووجدت فوق القطعة منها عنواناً مضللاً لتغطيتها!

وستجد أن بعض قطعها مفيدة جداً كالتي رواها مسلم وبيَّن فيها أن غضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن من أسئلة المسلمين كما زعم البخاري! بل كان لشئ كريه بلغه عن أصحابه! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه (عن أنسابهم) وتحداهم فخافوا وبكوا، فقام عمر وتاب!!

قال مسلم في صحيحه:7/92: (عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول الله (ص) عن أصحابه شئ فخطب! فقال: عرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم

الصفحة 230
كثيراً. قال فما أتى على أصحاب رسول الله (ص) يوم أشد منه!! قال غطَّوْا رؤسهم ولهم خنين! قال فقام عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً! قال فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال أبوك فلان، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم! انتهى. وروى جزء منها في: 3/167

فالمسألة إذن غضبٌ نبوىٌّ لما بلغه عن (أصحابه) وخطبةٌ نبوية نارية بحضور جبرئيل.. وتحدٍّ نبوي لهم في أنسابهم.. وبكاء أصحاب الفرية من الخوف.. وأن ذلك اليوم كان أشد يوم مر عليهم مع نبيهم.. وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجابهم وطعن في نسبهم وتحداهم أن يسألوه عن نسبهم.. فسأله بعضهم عن نسبه ففضحه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).. فقام عمر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبرك عند رجليه وقبل قدمه! وأعلن توبته وتوبتهم!!

فأين هذا مما فعله البخاري فنسب الذنب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه غضب في تعليمه للمسلمين من سؤال سألوه؟!

وأين بروك التلميذ بين يدي أستاذه من بروك عمر على أقدام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

لاحول ولا قوة إلا بالله، فقد بلغ من براعة البخاري أنه قطع قصة الحديث وجعله ستة أشلاء، واخترع لكل قطعة منه عنواناً، أو عقد باباً (مناسباً)، واتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسوء الخلق!! كل ذلك للتغطية على عمر!

ففي:1/31: (عقد له باباً باسم: باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره.


الصفحة 231
فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ!

وفي ص32: (جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمى الباب: باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث!

وفي ص136: (وضع جزءً منه تحت عنوان: باب وقت الظهر عند الزوال! بحجة أن خطبة النبي (ص) النارية القاصعة كانت عند الزوال!

وفي:4/73: (جعل جزءً منه تحت عنوان: ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.. بحجة أن الراوي قال: قام فينا النبي (ص) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم!

وفي: 7/157: (عقد له باباً باسم باب التعوذ من الفتن! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً عاماً لكل الأمة عن الفتن الآتية، وأن عمر قال: رضينا بالله رباً وبمحمد رسولاً... نعوذ بالله من الفتن!

وفي:8/142: (عقد له باباً باسم: باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وحشر فيها آية: لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم! مع أنه كان ينبغي أن يسمي الباب: باب وجوب امتثال أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أمر بالسؤال، لأن موضوع الآية التي حشرها كراهة السؤال، وموضوع الحديث أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المكرر المشدد لقريش أن يسألوه!

لكن البخاري يقصد بكراهة السؤال كراهة إلحاح المعلم على تلاميذه بقوله سلوني! وأن الخطأ كان من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لإلحاحه عليهم أن يسألوه عن آبائهم! وأن موقف عمر هو تصحيح خطأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما هي عادته!!


الصفحة 232

ماذا قال شراح البخاري؟

لاخبر عند شراح الصحاح عن القضية! فلا رأوا ولا سمعوا ولا قرؤوا، ولا شموا رائحة شئ يستوجب التساؤل والبحث!!

قال شيخ الشراح ابن حجر في فتح الباري: (قوله قال رجل: هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء، القرشي السهمي، كما سماه في حديث أنس الآتي.

قوله فقام آخر: هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة، سماه ابن عبدالبر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح، وأغفله في الإستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين، ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مرية، لقوله فقال من أبي يا رسول الله؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبد الدار قال من أبي؟ قال سعد: نسبه إلى غير أبيه، بخلاف ابن حذافة! وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة.

قوله فلما رأى عمر.. هو بن الخطاب.. ما في وجهه، أي من الغضب، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله، أي مما يوجب غضبك، وفي حديث أنس الآتي بعد أن برك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً، والجمع بينهما ظاهر، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ، ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة.....

قوله: باب من برك: هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال: برك البعير إذا

الصفحة 233
استناخ، واستعمل في الآدمي مجازاً.

قوله: خرج، فقام عبد الله بن حذافة: فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى والتقدير: خرج فسئل فأكثروا عليه، فغضب! فقال سلوني فقام عبد الله.

قوله: فقال رضينا بالله رباً.. قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك، فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك! فقال رضينا بالله رباً الخ. فرضي النبي (ص) بذلك، فسكت!

قوله وقال سلوني: في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال: لاتسألوني عن شئ إلا بينته لكم. وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم: فخرج ذات يوم حتى صعد المنبر، وبيَّن في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك وأنه بعد أن صلى الظهر، ولفظه: خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ثم قال: من أحب (!) أن يسأل عن شي فليسأل عنه فذكر نحوه.

قوله: فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي... بيَّن في حديث أنس من رواية الزهري اسمه، وفي رواية قتادة سبب سؤاله، قال فقام رجل كان إذا لاحى أي خاصم دعي إلى غير أبيه، وذكرت اسم السائل الثاني، وأنه سعد، وأني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر.

وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار! ولم أقف على اسم هذا

الصفحة 234
الرجل في شئ من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه!

وللطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه، وزاد: وسأله رجل في الجنة أنا؟ قال: في الجنة، ولم أقف على اسم هذا الآخر.

ونقل ابن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي (ص) قال في خطبته: لايسألني أحد عن شئ إلا أخبرته، ولو سألني عن أبيه، فقام عبد الله بن حذافة، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره، وفيه: فقام سعد مولى شيبة فقال مَن أنا يا رسول الله؟ قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة. وفيه فقام رجل من بني أسد فقال: أين أنا؟ قال: في النار! فذكر قصة عمر...

قوله: فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله (ص) من الغضب.. بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي، وزاد في رواية سعيد بن بشير: وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر! وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة: فغطوا رؤوسهم ولهم خنين.. زاد مسلم من هذا الوجه: فما أتى على أصحاب رسول الله (ص) يوم كان أشد منه!

قوله: فقال إنا نتوب إلى الله عز وجل.. زاد في رواية الزهري: فبرك عمر على ركبته فقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن. وفي مرسل السدي عند

الصفحة 235
الطبري في نحو هذه القصة: فقام إليه عمر فقبل رجله وقال رضينا بالله رباً فذكر مثله، وزاد: وبالقرآن إماماً فاعف عفى الله عنك فلم يزل به حتى رضي)!

الحادثة في بعض روايات أهل البيت (عليهم السلام)

قال النيشابوري في الفضائل ص134: (عن سليم بن قيس يرفعه إلى أبي ذر والمقداد وسلمان قالوا: قال لنا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب: إني مررت بفلان يوماً فقال لي: ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة! قال: فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت ذلك له، فغضب غضباً شديداً، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح لما رأوا من غضبه، ثم قال: ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي؟! وقد سمعوني أقول في فضلهم ما أقول، وخصصتهم بما خصهم الله تعالى به، وفضل علياً عليهم بالكرامة وسبقه إلى الاسلام وبلائه، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي! ثم إنهم يزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة! ألا إن الله سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين، وجعلني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، حتى حصلت في أهل بيتي وعشيرتي وبني أبي، أنا وأخي علي بن أبي طالب....أنا خير النبيين والمرسلين، وعلي خير الوصيين، وأهل بيتي خير بيوت أهل النبيين، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين.

أيها الناس: أترجون شفاعتي لكم وأعجز

الصفحة 236
عن أهل بيتي...

أيها الناس: لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي الله عز وجل، فسجدت بين يديه ثم أذن لي في الشفاعة، لم أوثر على أهل بيتي أحداً.

أيها الناس: عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي، وأكرموهم وفضلوهم لا يحل لأحد أن يقوم لأحد غير أهل بيتي، فانسبوني من أنا؟!

قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأيديهم السلاح، وقالوا: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أخبرنا يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه؟!!

قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ثم انتهى بالنسب إلى نزار، ثم مضى إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، ثم مضى منه إلى نوح، ثم قال: أنا وأهل بيتي كطينة آدم (عليه السلام) نكاح غير سفاح!

سلوني، والله لا يسألني رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبيه!

فقام إليه رجل فقال: من أنا يا رسول الله؟ فقال: أبوك فلان الذي تدعى إليه! قال فارتد الرجل عن الاسلام.

ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) والغضب ظاهر في وجهه: ما يمنع هذا الرجل الذي يعيب على أهل بيتي وأهلي وأخي ووزيري وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، أن يقوم ويسألني عن أبيه، وأين هو في جنة أم في نار؟!

قال فعند ذلك خشي فلان على نفسه أن يذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويفضحه بين الناس فقام وقال: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله،

الصفحة 237
ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عنا عفى الله عنك، أقلنا أقالك الله، أسترنا سترك الله، إصفح عنا جعلنا الله فداك.

فاستحيا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسكت، فإنه كان من أهل الحلم وأهل الكرم وأهل العفو ثم نزل (صلى الله عليه وآله وسلم))!!

*  *  *

الأسئلة

1 ـ ما رأيكم فيما فعله البخاري في هذا الحديث، الذي هو حديث حادثة واحدة كما هو واضح، وكما ذكر شارحه؟

2 ـ ما هو الشئ الذي بلغه عن أصحابه فأوجب استنفاره وغضبه واستنفار المسلمين، ونزول جبرئيل لتوجيهه في خطبته؟!

3 ـ هل تقولون إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غضب بغير حق كما أشار البخاري؟

4 ـ هل تعرفون حادثة أخرى تحدى فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض أصحابه واتهمهم في أنسابهم؟!

5- هل يدل طلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الذي آذاه بالكلام على بني هاشم أن يسأله عن نسبه، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان سيفضحه لو سأله؟!

6 ـ هل تدل هذه الحادثة على أن نسب بني هاشم إلى إسماعيل وإبراهيم هو القدر المتيقن من النسب الصحيح، وأن صحة أنساب الآخرين محل توقف؟

*  *  *