الصفحة 91

5
التوسّل بالاَنبياء و الصالحين

إنّ عالم الكون عالم فسيح لا يحيط الاِنسان بأسراره ودقائقه، وما اكتشفه الاِنسان منها فإنّما هو ضئيل بالنسبة إلى ما خفي عليه.

كيف وما أُوتي من العلم إلاّقليلاً، قال سبحانه: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِرَبّي وَما أُوتيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَليلاً) .(1)

هذا هو العالم الفيزيائي الذائع الصيت أنشتاين(المتوفّى عام 1955م) قال: إنّ نسبة ما أعلم إلى ما لا أعلم كنسبة هذا الدرج إلى مكتبتي.(2)

ولو أنصف لكان عليه أن يقول حتى أقل من هذه النسبة، وكان الاَولى أن يقول نسبة هذا الدرج إلى أطباق السماء.

وعلى ضوء ذلك فللّه سبحانه في هذا العالم أسباب و علل لم يصل إليها البشر مع ما بذل من الجهود.

____________

1 ـ الاسراء/85.

2 ـ مجلة رسالة الاِسلام السنة الرابعة، العدد الاَوّل، مقال الكاتب المصري أحمد أمين.


الصفحة 92
ثمّ إنّ الاَسباب تنقسم إلى طبيعية ومادية وإلى غيبية وإلهية، أمّا الاَوّل فالنظام الكائن مبني على العلل والاَسباب الطبيعية وتأثير كلّ سبب طبيعي ومادي بإذن اللّه سبحانه، وليس للعلم دور سوى الكشف عن هذه الاَسباب المادية.

غير انّ المادي ينظر إلى هذه الاَسباب بنظرة استقلالية ولكن الاِلهي ينظر إليها نظرة تبعية قائمة باللّه سبحانه، موَثرة بإذنه، وهذا هو ذو القرنين يتمسك بالاَسباب الطبيعية في إيجاد السد أمام يأجوج ومأجوج ويستعين بالاَسباب ولا يراها مخالفاً للتوحيد.

قال سبحانه حاكياً عنه: (آتُوني زُبَرَ الْحَديد حَتّى إِذا سَاوى بَيْنَ الصَّدَفَيْن قالَ انْفُخُوا حَتّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُوني أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً* فَما اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً* قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبّي حَقّاً) .(1)

إنّ الاستعانة بالاَحياء والاستغاثة بهم أمر جرت عليه سيرة العقلاء، وهذا موسى الكليم استغاثه بعض شيعته فأجابه دون أن يخطر ببال أحد انّالاستغاثة لا تجوز إلاّ باللّه، قال سبحانه: (وَدَخَلَ المَدينةَ عَلى حينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاستَغاثَهُ الَّذي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقضى عَلَيْهِ) .(2)

____________

1 الكهف/96ـ 98.

2 ـ القصص/15.


الصفحة 93
وما هذا إلاّ لاَنّ موسى وشيعته تعتقد بأنّ المغيث إنّما يغيث بقوة وإذن منه سبحانه، فلا مانع من طلب النجدة والاستغاثة والاستعانة من الاَحياء شريطة القيد المذكور، وقد أُشير إليه في قوله سبحانه: (وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزيزِ الحَكيم) .(1)

***
كلّ ما ذكرنا كان يعود إلى التوسل بالاَحياء والاَسباب الطبيعية، وهذا ليس مورد بحث و نقاش.

إنّما الكلام في التوسل بالاَنبياء والاَولياء لا على الطريق المألوف وله أقسام:

أ. التوسل بدعاء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو الصالحين في حال حياتهم.

ب. التوسل بذات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قدسيته وشخصيته.

ج. التوسل بحقّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والاَنبياء والصالحين.

د. التوسل بدعاء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والصالحين بعد رحيلهم.

هـ. طلب الشفاعة من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والاَولياء.

وإليك دراسة كلّواحد منها:

أ. التوسل بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الصالحين في حال حياته

اتّفق المسلمون على جواز التوسل بدعاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

____________

1 ـ آل عمران/126.


الصفحة 94
في حال حياته، بل يستحب التوسل بدعاء الموَمن كذلك، قال سبحانه: (ولَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَاسْتَغْفروا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَلَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحيماً) .(1)

تجد انّه سبحانه يدعو الظالمين إلى المجيء إلى مجلس الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كي يستغفر لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي آية أُخرى يندد بالمنافقين بأنّهم إذا دعوا إلى المجيء إلى مجلس الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وطلب المغفرة منه تنكروا ذلك واعترضوا عليه بليِّ الرأس، قال سبحانه: (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِر لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ لَوَّوْا رُوَُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) .(2)

وتاريخ الاِسلام حافل بنماذج عديدة من هذا النوع من التوسل.

ب. التوسل بذات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) و قدسيته وشخصيته

وها هنا وثيقة تاريخية ننقلها بنصها تعرب عن توسل الصحابة بدعاء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في حال حياته أوّلاً، وبقدسيته وشخصيته ثانياً، والمقصود من نقلها هو الاستدلال على الاَمر الثاني.

روى عثمان بن حنيف انّه قال: إنّ رجلاً ضريراً أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ادع اللّه أن يعافيني؟

____________

1 ـ النساء/64.

2 ـ المنافقون/5.


الصفحة 95
فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت وهو خير؟

قال: فادعه، فأمره(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: «اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة،يا محمد إنّي أتوجه بك إلى ربّي في حاجتي لتقضى، اللّهمّ شفّعه في».

قال ابن حنيف: فواللّه ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ.

وهذه الرواية من أصح الروايات، قال الترمذي: هذا حديث حق، حسن صحيح.(1)

وقال ابن ماجة: هذا حديث صحيح.(2)

ويستفاد من الحديث أمران

الاَوّل: أن يتوسل الاِنسان بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويدل على ذلك قول الضرير: ادعوا اللّه أن يعافيني،وجواب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إن شئتَ دعوتُ، وإن شئت صبرت وهو خير.

الثاني: انّه يجوز للاِنسان الداعي أن يتوسل بذات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ضمن دعائه وهذا يستفاد من الدعاء الذي

____________

1 ـ صحيح الترمذي5، كتاب الدعوات، الباب 119 برقم 3578؛سنن ابن ماجة:1/441 برقم 1385؛ مسندأحمد:4/138؛ إلى غير ذلك.

2 ـ صحيح الترمذي5، كتاب الدعوات، الباب 119 برقم 3578؛سنن ابن ماجة:1/441 برقم 1385؛ مسندأحمد:4/138؛ إلى غير ذلك.


الصفحة 96
علّمه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) للضرير، والاِمعان فيه يثبت هذا المعنى، وانّه يجوز لكلّ مسلم في مقام الدعاء أن يتوسل بذات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويتوجه به إلى اللّه.

وإليك الجمل التي تدل على هذا النوع من التوسل:

1. اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّك

انّ كلمه «بنبيّك» متعلّق بفعلين «أسألك» و«أتوجه إليك» والمراد من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه القدسية وشخصيته الكريمة لا دعاءه.

2. محمد نبي الرحمة

نجد انّه يذكر اسم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ يصفه بنبي الرحمة معرباً عن أنّ التوسل بذات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما لها من الكرامة والفضيلة.

3. يا محمّد إنّي أتوجه بك إلى ربّي

إنّ جملة: «يا محمّد إنّي أتوجه بك إلى ربّي» تدل على أنّالضرير حسب تعليم الرسول، اتخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه وسيلة لدعائه وتوسل بذاته بما لها من المقام والفضيلة.

وهذا الحديث يرشدنا إلى أمرين:

الاَوّل: جواز التوسل بدعاء الرسول.

الثاني:جواز التوسل إلى اللّه بذات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما لها من الكرامة والمنزلة عند اللّه تبارك و تعالى.

أمّا الاَوّل، فقد جاء في محاورة الضرير مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

الصفحة 97
،فكان الموضوع هو دعاء الرسول، أي طلب الضرير الدعاء منه (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأمّا الثاني، فيستفاد من الدعاء الذي علّمه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للضرير، فانّه يضمن التوسل بشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

نعم لم يكن يدور في خلد الضرير سوى التوسل بدعائه ولكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) علمه دعاء جاء فيه التوسل بذات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في نوعه توسل ثان، وبذلك وقفنا على أنّه يستحب للمسلم أن يتوسل بدعاء الصالحين من الاَنبياء والاَولياء كما يجوز له في دعائه التوسل بذواتهم ومقامهم ومنزلتهم.

ويظهر من الاَحاديث الشريفة انّ أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يتوسلون بذات النبي«صلى الله عليه وآله وسلم» في مقام الابتهال والدعاء حتى بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

أخرج الطبراني، عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف، عن عمّه عثمان بن حنيف: انّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقى ابن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائتِ الميضاة فتوضأ، ثم ائتِ المسجد فصلِ فيه ركعتين، ثمّ قل: «اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) نبي الرحمة، يا محمد إنّي أتوجه بك إلى ربّي فتقضى لي حاجتي» فتذكر حاجتك ورح حتى أروح معك.

فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثمّ أتى باب عثمان بن عفان،

الصفحة 98
فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان، فأجلسه معه على الطنفسة، فقال: حاجتك؟ فذكر حاجته وقضاها له، ثمّ قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كان الساعة. وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها.

ثمّ إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك اللّه خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتّى كلّمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: واللّه ما كلّمته، ولكني شهدت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فتصبر؟ فقال: يا رسول اللّه ليس لي قائد فقد شقّ عليَّ.

فقال النبي ص: إئت الميضاة فتوضأ، ثمّ صلّ ركعتين، ثمّ ادع بهذه الدعوات.

قال ابن حنيف: فواللّه ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنّه لم يكن به ضّر قط.(1)

***
إنّ سيرة المسلمين في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وبعدها، استقرت على أنّهم كانوا يتوسلون بأولياء اللّه والصالحين من عباده، دون أن يدور في خلد أحد منهم بأنّه أمر حرام أو شرك أو

____________

1 ـ المعجم الكبير للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني: 9/30ـ 31، باب ما أسند إلى عثمان بن حنيف برقم 8311؛ والمعجم الصغير له أيضاً:1/183ـ 184.


الصفحة 99
بدعة، بل كانوا يرون التوسل بدعاء الصالحين طريقاً إلى التوسل بمنزلتهم، وشخصيتهم، فانّه لو كان لدعاء الرجل الصالح أثر، فإنّما هو لاَجل قداسة نفسه وطهارتها، ولولاهما لما استجيبت دعوته، فما معنى الفرق بين التوسل بدعاء الصالح وبين التوسل بشخصه وذاته، حتى يكون الاَوّل نفس التوحيد و الآخر عين الشرك أو ذريعة إليه.

إنّ التوسل بقدسية الصالحين، والمعصومين من الذنب، والمخلصين من عباد اللّه لم يكن قط أمراً جديداً بين الصحابة بل كان ذلك امتداداً للسيرة الموجودة قبل الاِسلام، فقد تضافرت الروايات التاريخية على ذلك وإليك البيان:

1. استسقاء عبد المطلب بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو رضيع:

لقد استسقى عبد المطلب بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو طفل صغير، حتى قال ابن حجر: إنّ أبا طالب يشير بقوله:

وابيض يستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للاَرامل
إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) معه غلام.(1)

2. استسقاء أبي طالب بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم):

أخرج ابن عساكر عن ابن عرفلة، قال: قدمت مكة وقريش في

____________

1 ـ فتح الباري: 2/398؛ دلائل النبوة:2/126.


الصفحة 100
قحط.... فقالت قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي وأجدب العيال، فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام ـ يعني: النبي«صلى الله عليه وآله وسلم» كأنّه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء، وحوله اغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ باصبعه الغلام وما في السماء قزعه، فأقبل السحاب من هاهنا و من هاهنا واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب في قصيدة يمدح بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

وابيض يستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمةللاَرامل(1)
وقد كان استسقاء أبي طالب بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو غلام، بل استسقاء عبد المطلب به وهو صبي أمراً معروفاً بين العرب، وكان شعر أبي طالب في هذه الواقعة مما يحفظه أكثر الناس.

ويظهر من الروايات أنّ استسقاء أبي طالب بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان موضع رضا من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فانّه بعد ما بعث للرسالة استسقى للناس، فجاء المطر واخصب الوادي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):«لو كان أبو طالب حيّاً لقرّت عيناه، من ينشدنا قوله؟».

فقام علي (عليه السلام) وقال: يا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كأنّك أردت قوله:

وابيض يستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمةللاَرامل(2)

____________

1 ـ السيرة الحلبية:1/116.

2 ـ إرشاد الساري: 2/338.


الصفحة 101
إنّ التوسل بالاَطفال الاَبرياء في الاستسقاء أمر ندب إليه الشرع الشريف، فهذا هو الاِمام الشافعي يقول: أن يخرج الصبيان، ويتنظفوا للاستسقاء وكبار النساء ومن لا هيئة له منهنّ، ولا أحب خروج ذوات الهيئة ولا آمر بإخراج البهائم.(1)

وما الهدف من إخراج الصبيان والنساء الطاعنات في السن، إلاّ استنزال الرحمة بهم وبقداستهم وطهارتهم، وكلّ ذلك يعرب عن أنّ التوسل بالاَبرياء والصلحاء والمعصومين مفتاح استنزال الرحمة وكأنّالمتوسل بهم يقول: ربّي و سيدي انّ الصغير معصوم من الذنب،و الكبير الطاعن في السن أسيرك في أرضك، وكلتا الطائفتين أحقّ بالرحمة والمرحمة، فلاَجلهم أنزل رحمتك إلينا،حتى تعمنا في ظلهم.

فانّ الساقي ربما يسقي مساحة كبيرة لاَجل شجرة واحدة وفي ظلها تسقى الاَعشاب غير المفيدة.

وعلى ضوء هذا التحليل يفسر توسل الخليفة بعمّ الرسول: «العباس بن عبد المطلب» الذي سيمر عليك، وأنّه كان توسلاً بشخصه وقداسته وصلته بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعلم بالتالي انّ هذا العمل كان امتداداً للسيرة المستمرة، وانّ هذا لا يمت إلى التوسل بدعاء العباس بصلة.

____________

1 ـ الاَُمّ:1/248، باب خروج النساء والصبيان في الاستسقاء.