كتاب الغدير:
كتاب يتجدّد أثره ويتعاظم كلّما ازداد به الناس معرفة، ويمتدّ في الافاق صيته كلّما غاص الباحثون في أعماقه وجلّوا أسراره وثوّروا كامن كنوزه... إنّه العمل الموسوعي الكبير الّذي يعدّ بحقّ موسوعة جامعة لجواهر البحوث في شتّى ميادين العلوم: من تفسير، وحديث، وتاريخ، وأدب، وعقيدة، وكلام، وفرق، ومذاهب...
جمع ذلك كلّه بمستوى التخصّص العلمي الرفيع وفي صياغة الاديب الذي خاطب جميع القرّاء، فلم يبخس قارئاً حظّه ولا انحدر بمستوى البحث العلمي عن حقّه.
ونظراً لما انطوت عليه أجزاؤه الاحد عشر من ذخائر هامة، لا غنى لطالب المعرفة عنها، وتيسيراً لاغتنام فوائدها، فقد تبنّينا استلال جملة من المباحث الاعتقادية وما لها صلة بردّ الشبهات المثارة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام، لطباعتها ونشرها مستقلّة، وذلك بعد تحقيقها وتخريج مصادرها وفقاً للمناهج الحديثة في التحقيق.
مقدّمة الاعداد
لعل الشهرة التي نالها كتاب منهاج السنة لا تجد نظيرها في عِداد الكتب المؤلفة لرد الشيعة، وقد اهتمت بنشره جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية باعتباره «من الكتب التي تعين المسلم على تعيين المنهج الصحيح في اصول الدين... بنهج عُرف عن شيخ الاسلام وهو الدقة والانصاف الموضوعي..» كما جاء في مقدمة الكتاب بقلم الدكتور عبد الله التركي عميد الجامعة، وأوكلت مهمة التحقيق الى الدكتور محمد رشاد سالم مفتتحاً بذلك مشروعه لاحياء مكتبة ابن تيمية.
وانما ارجعنا السبب الى مؤلف الكتاب دون محتواه، باعتبار ان المؤلفات في مجال نقد الافكار تخضع لشرائط مضافة الى الشرائط التي يجب توفرها في الدراسات بشكل عام، وقد يذكر لذلك مجموعة اشياء منها الوضوح التام لمعالم الفكرة التي يراد نقدها، استناداً إلى مصادرها المعتمدة والحديثة، وتحري الامانة والموضوعية في استخلاص النتائج منها، والحاكم في كل ذلك روح الادب الرفيع في مناقشة الاراء بعيداً عن التشنج والتوسل بالسباب والشتائم، ويأتي فوق كل ذلك التجرد عن العصبية والميل نحو مذهب ما على حساب الحقيقة والتاريخ.
وانك لتشعر بالغرابة والذهول عند تصفحك لمنهاج السنة، إذ لا تجد شيئاً من ذلك بل تجد العكس ماثلاً أمامك، فعند البحث عن
____________
(1) العقودالدرية: 25، فوات الوفيات لابن شاكر1: 69، جلاء العينين في محاكمة الاحمدين:7.
فهو بذلك اسقط المعاد. ولا يختلف اثنان من الشيعة في عدّه اصل من اصول اعتقاداتهم، وخلط بين اصول الدين واصول المذهب، فالامامة عندهم من قبيل الثاني دون الاول، مع الالتفات الى ان القسم الاكبر من منهاج السنة تكفل البحث عن الامامة(2) . وهو لا يدري من أي القسمين هي، وهذا جهل بعقائد قوم يُراد نقضها، ولا اغفره لكاتب عادّي فكيف بهذا الكاتب وهو يحمل لقب شيخ الاسلام.
وعند مناقشته لبعض الاحداث التاريخية كحادثة المؤآخاة مثلاً او غزوة تبوك او اشياء من هذا القبيل ذُكرتْ في التاريخ وثبتتْ كفضائل ومناقب للامام علي بن ابي طالب، تجده يُلغي ذلك من راس، بل يقيم الاجماعات على خلاف ذلك، ولفت انتباهي من ذلك الحديث المروي في علي(عليه السلام): «هذا فاروق امتي»، والحديث المروي عن ابن عمر: «ماكنّا نعرف المنافقين على عهد النبي(صلى الله عليه وآله) الاّ ببغضهم علياً»، حيث يقول: حديثان موضوعان مكذوبان على
____________
(1) منهاج السنة 1 / 99.
(2) والتي تشكل الفصل الثاني والثالث والرابع من منهاج الكرامة للعلامة الحلي.
والاغرب من ذلك تجد المحقق الدكتور رشاد في الهامش يعلّق على ذلك ويقول: لم اجد الحديثين لا في كتب الاحاديث الصحيحة ولا كتب الاحاديث الموضوعة(2) .
واكتفي بالسكوت امام ذلك، اذ المؤلف (رحمه الله) تكفل في هذه الرسالة بيان الحديثين من طرق الصحابة، والاشارة الى مصادر إخراج تلك الطرق، ومن بينها مسند امام المذهب أحمد بن حنبل.
وهذه الطريقة في نفي الاحداث هي السنة التي اتبعها المؤلف في منهاجه، فأقدم على كل ما يُشم منها رائحة المنقبة للامام علي بن ابي طالب بالنقض والتفنيد، بل وصل الامر الى قرن اسلام علي مع اسلام يزيد والخلفاء من بني امية والعباس، ولم يحتفظ لعلي حتى سابقته في الاسلام وجهاده الطويل لاقامة عود الدين، وهو أمرٌ مرفوض قطعاً.
والاكثر عجباً من محقق الكتاب حيث يجعل عمله هذا يصب في الوحدة الاسلامية ليعنّون مقالاً طويلاً في مقدمة التحقيق باسم «منهاج السنة والوحدة الاسلامية».
____________
(1) منهاج السنة 4 / 286.
(2) المصدر السابق.
ويقول ابن حجر ايضاً في كتابه الفتاوى الحديثية: 86.
«ولم يقصر إعتراضه على متأخري الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب رضي الله عنهما».
ومن مؤآخذاته على عقائد الشيعة الامامية نفيهم للصفات حيث يقول: «وهم يدخلون في التوحيد نفي الصفات»(1) .
والقول المحقق عند المتكلمين والفلاسفة من الشيعة في نفي الصفات... تلك الصفات الزائدة على الذات، والصفات الذاتية هي عين الذات المتعالية، فالعالمية والخالقية وما الى ذلك هي صفات متعددة لكنّها للذات الالهية، باعتبار ان ذاته تعالى وحدة بسيطة حقة لا تعدد فيها ـ كما ثبت في محله ـ فتعدد الصفات تعدد مفهومي، الوحدة عينية مصداقية، وتفصيل ذلك والبرهنة عليه تغص به كتب الكلام الشيعية، ولا بد من الوقوف عليه جيداً ليتسنى نقضه.
____________
(1) منهاج السنة 1 / 99.
وهذهِ كأختها لابد من الوقوف عليها، وتدعمها الفطرة قبل البرهان، ولا يصح تحميل عقائد قوم بعضهم على البعض بمجرد الرغبة، بل لابد من الدليل والبرهان في مثل هذه الموارد.
واتذكر قصة يذكرها ابن بطوطة في هذا المجال تحت عنوان «الفقيه ذي اللّوثة»:
«.. وكنت اذ ذاك بدمشق فحضرته ـ يعني ابن تيمية ـ وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم، فكان من جملة كلامه ان قال: ان الله ينزل الى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من المنبر..»(1) .
وابن بطوطة لم يكن متكلماً ولا فيلسوفاً الاّ أنهُ بفطرته أحس بالتجسيم الذي يقول به شيخ الاسلام فرماه بمس الجنون، مع شهرة هذا الخطيب وتعظيم الشامين له اشد التعظيم كما حكاه عنهُ فى رحلته هذه.
وهناك امر آخر يجده القارئ طافحاً على سطح المنهاج، وهو سيل السباب والشتائم، والتي نال قسطها الاكبر الشيخ نصير
____________
(1) رحلة ابن بطوطة: 95.
الدرر الكامنة 1 / 154.
«ومن المشهور عنه ـ يعني الشيخ نصير الدين الطوسي ـ وعن اتباعه الاستهتار بواجبات الاسلام ومحرّماته لا يحافظون على الفرائض كالصلوات ولا ينزعون عن محارم الله من الفواحش والخمر وغير ذلك من المنكرات، حتى انهم في شهر رمضان يُذكر عنهم إضاعة الصلوات، وارتكاب الفواحش، وشرب الخمور، وما يعرفه اهل الخبرة بهم، ولم يكن لهم قوة وظهور الاّ مع المشركين الذين دينهم شر من دين اليهود والنصارى.
وبالجملة فأمر هذا الطوسي وابتاعه عند المسلمين أشهر واعرف من ان يعرف ويوصف، ومع هذا فقد قيل: إنه كان في آخر عمره يحافظ على الصلوات، ويشتغل بتفسير البغوي وبالفقه ونحو ذلك، فإن كان قد تاب من الالحاد، فالله يقبل التوبة من عباده... لكن ما ذكره عنهُ هذا إن كان قبل التوبة لم يقبل قوله، وان كان بعد التوبة لم يكن قد تاب من الرفض بل من الالحاد وحده، وعلى التقديرين فلا يقبل قوله.
ثم قال... وكيف يليق به ان يحتج لمذهبه بقول مثل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر، ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطون الجزية
ولكن هذا حال الرافضة دائماً يعاون اولياء الله المتقين ويوالون الكفار والمنافقين»(1) .
ومن خلال هذهِ الفقرة من المنهاج، وما نقله اصحاب السير والتراجم عن شيخ الاسلام يُفهم ان اسلوب الحوار المتبنى عند شيخ الاسلام هو استفزاز الخصم حتى لو استدعى الامر ان يكيل اليه الشتائم بالمكيال، فقد نُقل انهُ افتى ذات مرة فى مسألة، وافتى فقيه آخر بخلافه فرّد عليه شيخ الاسلام: من قال هذا فهو كالحمار الذي في داره(2) .
واذا ذكر علاّمة الشيعة الامامية ابن المطهّر الحلي قال ابن المنجّس، واذا ذكر نجم الدين الكاتبي المعروف بدَبيران ـ بفتح الدال ت صاحب التصانيف البديعة في المنطق لا يقولها الا دُبيران ـ بضم الدال ـ(3) .
وهذه الحدّة في الاسلوب والتي لم يسلم منها حتى كبار صحابة النبي(صلى الله عليه وآله) والصالحين، والتهجم على عقائد الناس كما حدث ذلك عند اخذه بالكلام على السيدة نفيسة الامر الذي ثار ثائرة
____________
(1) منهاج السنّة 3 / 445 - 450.
(2) الفقيه المعذب لعبد الرحمان الشرقاوي: 152.
(3) الوافي بالوفيات 7 / 18 ـ 19.
ولهذا وذاك جعل علماء الاسلام ومفكريهم ان يكثروا من التصنيف في رد شيخ الاسلام، بل تجد في بعض الردود حدّة تناسب تلك الحدّة التي ابتدائها هو، كما عن ابن حجر في كتابه الفتاوى الحديثية اذ وصفه بانه: «عبدٌ خذله الله وأضلّه واعماه وأصمّه وأذلّه».
ولم يكن العلاّمة الاميني ـ مؤلف هذهِ الرسالة ـ اول راد على شيخ الاسلام، فإن قصة المنهاج ابتدأت فصولها من اول ايام التأليف.
فعرضت على العلاّمة ابن المطهّر الحلي فأجاب «لو كان يفهم ما أقول اجبته» كما نقل ذلك ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان 2 / 317، وجعل ذلك الرد آية على حسن اخلاق العلامة الحلي، باعتبار ان المنطق الحاكم عند أهل العلم هو البرهان دون السباب والشتائم.
ثم عرضت على امام الشافعية علي بن عبد الكافي السبكي المعاصر لشيخ الاسلام فرده بعدّة مصنفات يأتي بيان بعضها في خاتمة هذا المقال.
ثم توالت الردود على شيخ الاسلام، ولم تقف على حدود منهاج السنة فحسب وانما تعدت ذلك لتنال من افكاره التجديدية في مجال العقائد والفقه وسأمّر عليها مروراً عابراً دون الاطالة بذكر المواصفات واختم بذلك الحديث:
* رسالة في الرد على ابن تيمية في التجسيم والاستواء والجهة ـ شهاب الدين احمد بن يحيى الكلابي الحلبي (المتوفى 733).
* الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية ـ علي بن عبد الكافي شيخ الاسلام التقي السبكي.
* السيف الصقيل فى رد ابن تيمية وابن قيم الجوزية ـ تقي الدين السبكي.
* شفاء السقام في زيارة خير الانام (عليه الصلاة والسلام) ـ تقي الدين السبكي.
* الانصاف والاتصاف لاهل الحق من الاسراف ـ غير
* دفع شبه من شبّه وتمرّد ونسب ذلك الى الامام أحمد ـ تقي الدين ابي بكر ابن أحمد الحصني (المتوفى 829).
* المقالة المرضية في الرد على ابن تيمية ـ قاضي قضاة المالكية تقي الدين بن عبد الله محمود الاقناعي.
* فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الاكوان ـ سلامة القضاعي العزامي.
* البراهين الساطعة في رد بعض البدع الشائعة ـ سلامة القضاعي.
* تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد ـ محمد بخيتي المطيعي.
* خير الحجة في الرد على ابن تيمية في العقائد ـ احمد بن حسين بن جبرئيل شهاب الدين الشافعي.
* الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية ـ محمد بن علي الشافعي الدمشقي (المعروف بابن الزملكاني).
* الرد على ابن تيمية في الاعتقادات ـ محمد حميد الدين الحنفي الفرغاني.
* رد على الشيخ ابن تيمية ـ نجم الدين بن ابي الدر البغدادي.
* الرد على ابن تيمية في مسألة الطلاق ـ عيسى بن مسعود المنكلائي.
* نجم المهتدين برجم المعتدين ـ الفخر بن المعلّم.
* اعتراضات على ابن تيمية في علم الكلام ـ احمد بن ابراهيم السروطي الحنفي.
* ابن تيمية ليس سلفياً ـ منصور محمد محمد عويس.
* رسالة في الرد على ابن تيمية في الطلاق ـ محمد بن علي المازني.
* اكمال المنة في نقض منهاج السنة ـ سراج الدين حسن بن عيسى الكهنوي.
* رسالة في مسألة الزيارة ـ محمد بن علي المازني.
* شرح ظلمات الصوفية والرد على ابن تيمية ـ محمود محمود غراب.
* شمس الحقيقة والبداية على اهل الظلالة والغواية ـ احمد علي بدر.
* مقدمة التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني ـ كمال
* مقدمة الرسائل السبكية ـ كمال ابو المنى.
* البراهين الجلية في ظلال ابن تيمية ـ حسن الصدر.
اقام فيه الادلة على ضلاله باقواله وافعاله وشهادة علماء الاشعرية وحكمهم عليه بالزيغ.
* اكمال السنة في نقض منهاج السنة ـ مهدي بن صالح القزويني (الكيشوان)
* منهاج الشريعة في الرد على ابن تيمية ـ مهدي بن صالح القزويني.
* الردود الستة على ابن تيمية في الامامة ـ عبد الله بن ابي القاسم البلادي.
* الامامة الكبرى والخلافة العظمى في رد منهاج السنة ـ حسن الحاج اقا مير القزويني.
* دلائل الصدق ـ محمد حسن المظفر، رد فيه على الفضل بن روزبهان، وتعرض لكلمات ابن تيمية في منهاج السنة.
* ابن تيمية. حياته وعقائده وموقفه من الشيعة وأهل البيت ـ صائب عبد الحميد.
* الغدير ـ عبد الحسين أحمد الاميني، المجلد الثالث من
بالاضافة الى إلحاق الاحالات التي ارجع إليها المؤلف الى كتابه الغدير، كل ذلك دون الاضافة والتغيير، وقد بذلتُ وسعي من اجل الحفاظ على متن الغدير كما وضعه المؤلف، مختوم ذلك بعبارة «المؤلف (رحمه الله)» للتفرقة بين افاداته (رحمه الله)وما اثبتناه في الهامش مما تقدم ذكره.
احمد الكناني
7 صفر 1417 هـ
منهاج السنّة
اذا أردت أن تنظر الى كتاب سمّى بضد معناه فانظر الى هذا الكتاب الذي استعير له اسم ـ منهاج السنة ـ وهو الحري بأن يسمى: منهاج البدعة. وهو كتاب حشوه ضلالات، وأكاذيب، وتحكّمات، وانكار المسلّمات، وتكفير المسلمين، وأخذ بناصر المبدعين، ونصب وعداء محتدم على أهل بيت الوحي(عليهم السلام)، فليس فيه الا تدجيل محض، وتمويه على الحقائق، وتحريف الكلم عن مواضعه، وقول بالبذاء، ورمي بالمقذعات، وقذف بالفواحش،
|
وتحكّك بالوقيعة; وتحرّش بالسباب، واليك نماذج منها:
|
[الشيعة والعَشرة]
1 ـ قال: من حماقات الشيعة إنّهم يكرهون التكلّم بلفظ العشرة، أو فعل شيء يكون عشرة، حتّى في البناء لا يبنون على عشرة أعمدة، ولا بعشرة جذوع، ونحو ذلك، لبغضهم العشرة المبشّرة إلا عليَّ بن ابي طالب، ومن العجب انّهم يُوالون لفظ التسعة وهم يبغضون التسعة من العشرة. ج1/9(1) وقال ج 2 ص 143: من تعصّب الرافضة إنَّهم لا يذكرون اسم العشرة بل يقولون: تسعةٌ وواحدٌ، وإذا بنوا أعمدة أو غيرها لا يجعلونها عشرة، وهم يتحرَّون ذلك في كثير من اُمورهم(2) .
|
____________
(1) منهاج السنة 1 / 38 (بتحقيق محمد رشاد سالم).
(2) المصدر السابق 4 / 138.
وإن تعجب فعجبٌ أنَّ رجلاً ينسب نفسه إلى العلم والفضيلة ثمَّ إذا قال قولاً كذب، أو إذا نسب إلى أحد شيئاً ما، وكان ما يقوله أشبه شيء بأقاويل رُعاة المعزى، لا بل هو دونهم، وقوله دون ما يقولون، وكأنَّ الرجل مهما ينقل عن الشيعة شيئاً يحدِّث به عن اُمّة بائدة لم تُبقِ منها صروف العبر من يعرف نواميسها، ويُدافع عنها، ويدرأ عنها القول المختلق.
هذا وأديم الارض يزدهي بملايين من هذه الفرقة، والمكتبات مفعمةٌ بكتبهم، فعند أيِّ رجل منهم، وفي أيِّ من هاتيك الكتب تجد هذه المهزأة.
نعم في قرآن الشيعة (تِلك عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)(1) و(مَنْ جَآءَ بِالحَسَنةِ فَلَهُ عَشرُ أمثَالِها)(2) ، (والفَجرِ ولَيال عَشر)(3) (فَأتُوا بِعَشرِ سُوَر مِثِلِه)(4) ، وأمثالها، وهي ترتِّلها عند تلاوته في آناء الليل وأطراف النهار، وهذه دعاء العشرات يقرأها الشيعة في كلِّ جمعة; وهذه الصلوات المندوبة التي تكرِّر فيها السورة عشر
____________
(1) البقرة: 196.
(2) الانعام: 160.
(3) الفجر: 1.
(4) هود: 13.
وهذا قولهم إن أسماء النبي عشرة(2) .
وقولهم: إنّ الله قوّى العقل بعشرة(3) .
وقولهم: عشرة خصال من صفات الامام(4) .
وقولهم: كانت لعليّ من رسول الله عشر خصال(5) .
وقولهم: بشّر شيعة عليٍّ بعشر خصال(6) .
وقولهم: عشر خصال من مكارم الاخلاق(7) .
وقولهم: لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات(8) .
وقولهم: لا يكون المؤمن عاقلاً إلا بعشر خصال(9) .
____________
(1) انظر الحكمة المتعالية لصدر الدين الشيرازي 1 / 29، 8 / 358.
(2) الخصال: 525، 526، علل الشرائع: 126.
(3) الخصال: 527، معاني الاخبار: 312، بحار الانوار 1 / 107 ح 3.
(4) الخصال: 528.
(5) الخصال: 528، 530.
(6) الخصال: 530.
(7) الخصال: 531.
(8) الخصال: 531، 546، 549.
(9) الخصال: 532.
وقولهم: عشرة أشياء من الميتة ذكيَّة(2) .
وقولهم: عشرة مواضع لا يُصلّى فيها(3) .
وقولهم: الايمان عشرة درجات(4) .
وقولهم: العافية عشرة أجزاء(5) .
وقولهم: الزهد عشرة أجزاء(6) .
وقولهم: الشهوة عشرة أجزاء(7) .
وقولهم: البركة عشرة أجزاء(8) .
وقولهم: الحياء عشرة أجزاء(9) .
وقولهم: في الشيعة عشر خصال(10) .
وقولهم: الاسلام عشرة أسهم(11) .
____________
(1) علل الشرائع: 562، الخصال: 532.
(2) الخصال: 534.
(3) الخصال: 534
(4) الخصال: 546، 548.
(5) الخصال: 537.
(6) الخصال: 537.
(7) الخصال: 538.
(8) الخصال: 545.
(9) الخصال: 538.
(10) الخصال: 544.
(11) الخصال: 546.
وهذه قصور الشيعة المشيّدة، وأبنيتهم العامرة، وحصونهم المنيعة كلّها تكذِّب ابن تيميّة، ولا يخطر على قلب أحد من بانيها ما لفقه ابن تيميّة من المخاريق.
هذا والشيعة لا ترى للعدد قيمةً بمجرَّده، ولا يوسم أحدٌ منهم بحبّه وبغضه مهما كان المعدود مبغوضاً له أو محبوباً، ولم تسمع اُذن الدنيا من أحدهم في العشرة: تسعةٌ وواحد. نعوذ بالله من هذه المجهلة.
[الشيعة والمنتظر]
2 ـ قال: ومن حماقاتهم ـ يعني الشيعة ـ إنّهم يجعلون للمنتظر عدّة مشاهد ينتظرونه فيها كالسرداب الذي بسامراء يزعمون انه غائب فيه، ومشاهد اُخر، وقد يقيمون هناك دابّة إمّا بغلة، وإمّا فرساً، وإمّا غير ذلك ليركبها إذا خرج، ويقيمون هناك إمّا في طرفي النهار وإمّا في اوقات اُخر مَن ينادي عليه بالخروج: يامولانا اخرج، ويشهرون
|
____________
(1) الخصال: 549.
السلاح ولا أحد هناك يقاتلهم. وفيهم من يقوم في أوقاته دائماً لا يصلّي خشية أن يخرج وهو في الصلاة، فيشتغل بها عن خروجه وخدمته، وهم في أماكن بعيدة عن مشهده كمدينة النبي (صلى الله عليه وآله) إمّا في العشرة الاواخر من شهر رمضان، وإمّا غير ذلك يتوجَّهون إلى المشرق وينادونه بأصوات عالية يطلبون خروجه(1) .
|
[الشيعة والصحابة]
3 ـ قال: ومن حماقاتهم: إتخاذهم نعجةً وقد تكون نعجة حمراء لكون عائشة تُسمى حميراء يجعلونها عائشة ويعذبونها بنتف شعرها وغير ذلك، ويرون انَّ ذلك عقوبة لعائشة(2) . 4 ـ واتخاذهم حلساً مملوءاً سمناً ثمَّ يشقّون بطنه فيخرجون السمن فيشربونه ويقولون: هذا
|
____________
(1) منهاج السنة 1 / 44.
(2) المصدر السابق 1 / 49، 4 / 149.
مثل ضرب عمر وشرب دمه(1) . 5 ـ ومثل تسمية بعضهم لحمارين من حمر الرحا أحدهما بأبي بكر والاخر بعمر، ثمَّ عقوبة الحمارين جعلا منهم تلك العقوبة عقوبة لابي بكر وعمر(2) . وكرّر هذهِ النسب الثلاث في ج 2 ص 145(3) . 6 ـ قال: وتارةً يكتبون أسماءَهم على أسفل أرجلهم حتّى أنَّ بعض الولاة جعل يضرب رجل مَن فعل ذلك ويقول: إنّما ضربت ابا بكر وعمر والا أزال أضربهما حتى اعدمهما(4) . 7 ـ ومنهم من يُسمّي كلابه باسم ابي بكر وعمر ويلعنهما، 1/ 11(5) .
|
____________
(1) المصدرين السابقين.
(2) المصدر السابق 1 / 50، 4 / 149.
(3) انظر منهاج السنة 4 / 149.
(4) منهاج السنة 1 / 50.
(5) المصدر السابق.
يخترق هذه النسب المفتعلة; ويتعمّد في تلفيق هذه الاكاذيب المحضة. ثمَّ جاء يسبّ ويشتم ويكُفّر ويكثر من البذاء على الشيعة ولا يُراعي أدب الدين، ادب العلم، أدب التأليف، أدب الامانة في النقل، أدب النزاهة في الكتابة، أدب العفة في البيان.
ولايحسب القارئ أنَّ هذه النسب المختلقة كانت في القرون البائدة ربما تنشأ عن الجهل بمعتقدات الفرق للتباعد بين أهليها، وذهبت كحديث أمس الدابر، وأمّا اليوم فالعقول على الرقيّ والتكامل، والمواصلات في البلاد أكيدةٌ جدّاً، ومعتقدات كلِّ قوم شاعت وذاعت في الملا، فالحريُّ أن لا يوجد هناك في هذا العصر ـ الذي يسمّيه المغفَّل عصر النّور ـ مَن يرمي الشيعة بهذه الخزايات، أو يرى رأي السلف.
نعم: إنّ أقلام كتّاب مصر اليوم تنشر في صحائف تآليفها هذه
[رواة الشيعة وأصحاب الصحاح]
8 ـ قال: إنّ العلماء كلّهم متّفقون على أنَّ الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل القبلة، حتى أنّ أصحاب الصحيح كالبخاري لم يرو عن أحد من قدماء الشيعة مثل عاصم بن ضمرة، والحارث الاعور، وعبد الله بن سلمة، وأمثالهم، مع أنّ هؤلاء من خيار الشيعة، 1 / 15(2) .
|
____________
(1) في مناقشاته (رحمه الله) مع بعض الكتّاب المعاصرين من جمهورية مصر والتي تضمّنها المجلد الثالث من موسوعته الغدير.
(2) منهاج السنة 1 / 59.
فكانت نتيجة ذلك البحث والتنقيب: أنّ الكذب في الرافضة... وعليه حصل إجماع العلماء، فطفق ابن تيميّة يرقص ويزمر لما هنالك من مُكاء وتصدية، وعليه فكلٌّ من كتب القوم شاهدُ صدق على كذب الرجل فيما يقول، وانَّ مراجعة كتاب منهاج السنة والفصل وما يجري مجراهما في المخزي تُعطينا برهنةً صادقةً على أنّ أيّ الفريقين أكذب.
ومن أعجب الاكاذيب قوله: حتّى أنَّ أصحاب الصحيح... فإنَّك تجد الصحاح الستّ مفعمةً بالرِّواية عن قدمآء الشيعة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وممَّن بعدهم من مشايخهم كما فصلناها فى هذا الجزء ص92-94(1) .
____________
(1) وقد ذكر المؤلف(رحمه الله) قائمة منتخبة لامستقصاة بثلاثة وتسعين راوياً ممن روي عنهم في الصحاح والسنن، وقد أحال(رحمه الله) على كتاب المراجعات للسيد شرف الدين فيما يتعلق بتراجمهم، وتصريح الرجاليين بوثاقتهم، ومواقع مروياتهم في تلك الكتب.
واليك نص تلك القائمة:
=>
____________
<=
[اُصول الدين عند الامامية]
9 ـ قال: اصول الدين عند الاماميّة أربعةٌ: التوحيد، والعدل، والنبوَّة، والامامة هي آخر المراتب، والتوحيد والعدل والنبوَّة قبل ذلك، وهم يُدخلون في التوحيد نفي الصفات، والقول بأنَّ القرآن مخلوقٌ، وانَّ الله لا يُرى في الاخرة، ويُدخلون في العدل التكذيب بالقدرة، وانَّ الله لايقدر أن يهدي من يشآء، ولا يقدر أن يضلَّ من يشآء، وانّه قد يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء، وغير ذلك. فلا يقولون: انَّه خالق كلّ شيء، ولا انَّه على كلِّ شيء قدير، ولا انّه ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن 1 / 23(1)
|
____________
(1) منهاج السنة 1 / 99.
على أنّ أحداً لو عدّ الامامة من اصول الدين فليس بذلك البعيد عن مقاييس البرهنة بعد أن قرن الله سبحانه ولاية مولانا امير المؤمنين(عليه السلام)بولايته وولاية الرسول(صلى الله عليه وآله) بقوله: (إنَّمَا وَليُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا)(1) .
وخصَّ المؤمنين بعليٍّ(عليه السلام) كما مرَّ الايعاز إليه في الجزء الثاني ص 52(2) وسيوافيك حديثه مفصَّلا بُعيد هذا.
وفي آية كريمة اُخرى جعل المولى سبحانه بولايته كمال الدين بقوله: (اليَومَ أكمَلتُ لَكمْ دِينَكُم، وأَتمَمتُ عليكُم نِعمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسلامَ دِينا)(3) ولا معنى لذلك إلاّ كونها أصلاً من اُصول الدين لولاها بقي الدين مخدجاً، ونعم الله على عباده ناقصة، وبها تمام الاسلام الذي رضيه رب المسلمين لهم ديناً.
وجعل هذه الولاية بحيث إذا لم تُبلّغ كان الرّسول(صلى الله عليه وآله) ما بلّغ رسالته فقال: (يا أيُّها الرَّسُولُ بلِّغ مَا اُنزِلَ إليك مِنْ ربِّك وإن لَمْ تَفعَل
____________
(1) المائدة: 55.
(2) في عِداد الايات النازلة في الامام علي(عليه السلام). وسيأتي تفصيل ذلك.
(3) المائدة: 3.
ولعلّك تزداد بصيرةً فيما قلناه لو راجعت الاحاديث الواردة من عشرات الطرق في الايات الثلاث كما فصَّلناها في الجزء الاوّل ص 214 - 223 و 230 - 238 وفي هذا الجزء(2) .
____________
(1) المائدة: 67.
(2) وقد استوعب المؤلف(رحمه الله) البحث في مقال مضى تحت عنوان «الغدير في الكتاب العزيز»، واليك اجمال ذلك:
أخرج الحافظ محمد بن جرير الطبري باسناده فى كتاب الولاية في طريق حديث الغدير، عن زيد بن ارقم، ثم نقل خطبة النبي(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم.
وأخرج ابن ابي حاتم باسناده عن ابي سعيد الخدري ان الاية نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم في علي بن ابي طالب، كما في الدر المنثور 2 / 298، وفتح القدير 2 / 57.
وأخرج نزول الاية يوم غدير خم في علي(عليه السلام) الحافظ ابو بكر الشيرازي في كتابه ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين، وابن مردويه كما في الدر المنثور 2 / 298، والثعلبي في الكشف والبيان، وابو نعيم الاصفهاني في ما نزل من القرآن في علي كما في الخصائص: 29، والواحدي النيسابوري في اسباب النزول: 150، وابو سعيد السجستاني فى كتاب الولاية، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل كما في مجمع البيان 2 / 223، وابن عساكر كما في الدر المنثور 2 / 298، وابو الفتح الطنزي في الخصائص العلوية، والفخر الرازي في التفسير الكبير 3 / 636، والنصيبي فى مطالب السؤول: 16، والرسعني في تفسيره كما فى شرح المواهب 7 / 14، وشيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين، وعلي الهمداني في مودة القربى، وابن العيني في عمدة القاري في شرح البخاري 8 / 584، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 27، ونظام الدين النيسابوري في تفسيره السائر الدائر 6 / 170، وكمال الدين الميبذي في شرح ديوان امير المؤمنين: 415، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور 2 / 298، والشوكاني في فتح القدير 3 / 57، والالوسي في روح المعاني 2 / 348، والقندوزي في ينابيع المودة: 120، ومحمد عبده في المنار 6 / 463. «المؤلف (رحمه الله)».
للوقوف على أخراج الطبري في كتابه الولاية، وابو بكر الشيرازي في كتابه ما نزل من القرآن في امير المؤمنين، والثعلبي في الكشف والبيان، وابو نعيم في ما نزل من القرآن في علي انظر: مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب 3 / 33، 34، 58، 59، وانظر ايضاً شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 1 / 187 وقال: وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب «دعاء الهداة الى اداء حق الموالاة» من تصنيفي في عشرة اجزاء.
____________
(1) وقد نقل المؤلف(رحمه الله) حديثاً عن ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله): «لو ان رجلاً صفن* بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقى الله وهو مُبغض لاهل بيت محمد دخل النار».
أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 149 وصحّحه، والذهبي في تلخيصه.
وأخرجه الطبراني في الاوسط من طريق أبي ليلى عن الامام السبط الشهيد عن جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) انهُ قال: ألزموا مودتنا اهل البيت فانهُ من لقى الله عزوجل وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله الاّ بمعرفة حقّنا.
ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 172، وابن حجر في الصواعق، ومحمد سليمان محفوظ في اعجب ما رايت 1/8، والنبهاني في الشرف المؤبد: 16، والحضرمي في رشفة الصادي: 43.
وأخرج الحافظ السمان في اماليه باسناده عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لو ان عبداً عبد الله سبعة الاف سنة وهو عمر الدنيا ثم اتى الله عزوجل ببغض علي بن ابي طالب جاحداً بحقه ناكثاً لولايته لاتعس الله خيره وجدع انفه».
ذكره القرشي في شمس الاخبار: 40.
وأخرج الخوارزمي في المناقب: 39 عن النبي(صلى الله عليه وآله) انه قال لعلي: «يا علي لو ان عبداً عبد الله عزوجل مثل ما قام نوح في قومه، وكان له مثل اُحد ذهباً فانفقه في سبيل الله ومدّ في عمره حتى حجّ الف عام على قدميه، ثم قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثم لم يُوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها».
وأخرج ابن عساكر في تاريخه مسنداً عن جابر بن عبد الله عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)في حديث: «ويا علي لو ان اُمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا حتى يكونوا كالاوتاد، ثم ابغضوك لاكبّهم الله في النار».
ذكره الكنجي في الكفاية: 179، واخرجه الفقيه ابن المغازلي في المناقب، ونقله عنه القرشي في شمس الاخبار: 33، ورواه شيخ الاسلام الحمويني في الفرائد الباب الاول «المؤلف (رحمه الله)».
انظر مناقب ابن المغازلي: 90، 297، ح 133، 340، ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق لابن عساكر 1/128 ح 179، فرائد السمطين 1 / 51 ح 16 ب 4.
* صفن الرجل: صف بين قدميه.
ولعلَّ هذا الذي ذكرناه كان مسلّما عند الصحابة الاوّلين، ولذلك يقول عمر بن الخطاب لمّا جاءه رجلان يتخاصمان عنده: هذا مولاي ومولى كلِّ مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
وستوافيك في هذا الجزء زرافةٌ من الاحاديث المستفيضة الدالة على أنَّ بغضه صلوات الله عليه سمة النفاق وشارة الالحاد، ولولاه(عليه السلام) لما عُرف المؤمنون بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا يُبغضه أحدٌ إلا وهو خارجٌ من الايمان، فهي تدلّ على تنكّب الحائد عن الولاية
____________
(1) أخرج الحافظ ابن السمان كما في الرياض النضرة 2 / 170، وذخائر العقبى للمحب الطبري: 68، ووسيلة المآل للشيخ احمد بن باكثير المكي، ومناقب الخوارزمي: 97، والصواعق: 107 عن الحافظ الدار قطني عن عمر وقد جاءه اعرابيان يختصمان فقال لعلي: اقض بينهما.
فقال احدهما: هذا يقضي بيننا؟
فوثب إليه عمر واخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
وعنه وقد نازعه رجل في مسألة فقال: بيني وبينك هذا الجالس، واشار الى علي بن ابي طالب.
فقال الرجل: هذا الابطن؟
فنهض عمر عن مجلسه واخذ بتلبيبه حتى شاله من الارض ثم قال: اتدري من صغّرت، هذا مولاي ومولى كل مسلم.
وفي الفتوحات الاسلامية 2 / 307 حكم علي مرّة على اعرابي بحكم فلم يرض بحكمه فتلببّه عمر بن الخطاب وقال له:
ويلك انهُ مولاك ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
واخرج الطبراني انه قيل لعمر: انك تصنع بعلي (أي من التعظيم) شيئاً لا تصنع مع احد من اصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)فقال: انهُ مولاي.
وذكره الزرقاني المالكي في شرح المواهب: 13 عن الدارقطني «المؤلف (رحمه الله)».
وأما نفي الصفات فإن كان بالمعنى الّذي تحاوله الشيعة من نفيها زائدة على الذّات بل هي عينها، فهو عين التوحيد، والبحث فى ذلك تتضمَّنه كتب الكلام(1) .
وإن كان بالمعنى الذي ترمي إليه المعطلّة فالشيعة منه برآء.
وكذلك القول بأنَّ القرآن مخلوقٌ فإنّه ليس مع الله سبحانه أزليٌّ يضاهيه في القِدّم كما أثبتته البرهنة الصادقة المفصّلة في كتب العقائد(2) .
وأمّا نفي الرؤية فلنفي الجسميّة عنه، والمنطق الصحيح معتضداً بالكتاب والسنَّة يشهد بذلك، فراجع مظانَّ البحث فيه(3) .
____________
(1) انظر توضيح المراد في شرح تجريد الاعتقاد للعلاّمة الحلي: المقالة التاسعة عشرة، في نفي المعاني والاحوال والصفات الزائدة في الاعيان: ص 512 - 520، الباب الحادي عشر بشرح المقداد السيوري: 24، وانظر ص 149 من شرح ابو الفتح بن مخدوم الحسيني المطبوع بذيله (باهتمام مهدي محقق).
(2) لاحظ تفاصيل ذلك في توضيح المراد في شرح تجريد الاعتقاد: المسألة السادسة في انهُ تعال متكلم صادق: 465 - 475.
(3) انظراوائل المقالات للشيخ المفيدبتعليق شيخ الاسلام الزنجاني:62، الباب الحادي عشر:22.
[المساجد والمشاهد عند الشيعة]
10 ـ قال: تجد الرافضة يعطّلون المساجد التي أمر الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، فلا يُصلّون فيها جمعةً ولا جماعةً، وليس لها عندهم كبير حرمة، وإن صلّوافيها صلّوافيها وُحداناً، ويعظّمون المشاهد المبنيّة على القبور، فيعكفون عليها مشابهةً للمشركين، ويحجّون إليها كما يحجُّ الحاجُّ إلى البيت العتيق، ومنهم مَن يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة، بل يسبّون من لايستغني بالحج إليها عن الحج الذي فرضه الله تعالى على عباده، ومن لا يستغني بها عن الجمعة والجماعة، وهذا من جنس دين النصارى والمشركين، 1 / 131(1) .
|
____________
(1) منهاج السنة 1 / 474.
وقال في 2 / 39: الرافضة يعمرون المشاهد التي حرّم الله ورسوله بناءها، يجعلونها بمنزلة دور الاوثان، ومنهم من يجعل زيارتها كالحج كما صنف المفيد كتاباً سمّاه «مناسك حج المشاهد» وفيه من الكذب والشرك ما هو جنس شرك النصارى وكذبهم(1) .
|
____________
(1) المصدر السابق 1 / 476.
(2) والاتفاق على ذلك واقع بين اعلام الطائفة كما في الفقه المنسوب الى الامام الرضا(عليه السلام): 10، 16، والصدوق في الهداية: 54، والمفيد في المقنعة: 73، والشيخ الطوسي في النهاية: 204، 220، والجمل والعقود: 233، وابن البراج في المهذب: 290 - 291، والراوندي في فقه القرآن: 345، تجد كل ذلك مسطوراً في سلسلة الينابيع الفقهية ج 1.
وابن زهرة الحلبي في الغنية: 373، وابن ادريس الحلي في السرائر: 495، والمحقق الحلي في الشرائع: 572، 586، والمختصر النافع: 596، 597، وابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 620، والعلامة الحلي في قواعد الاحكام: 654، 657، والشهيد في اللمعة الدمشقية: 675، 676، كما في الينابيع الفقهية ج 2.
والكلام عن أحكام المساجد مستوفاً عند المتأخرين كما في جواهر الكلام 3 / 49، وراجع احكام الحائض من الجواهر ايضاً.
وتروي عن النبيّ أئمّتها انَّه لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد(1) .
إلى غيرها من الحرمات التي يتضمّنها فقه الشيعة، وينوءُ بها عملهم، وما يقام فيها من الجماعات، وهذه كلّها أظهر من أن تخفى على من جاسَ خلال ديارهم، أو عرف شيئاً من أنبائهم.
وأمّا تعظيمهم المشاهد فليس تشبّهاً منهم بالمشركين فإنّهم لا يعبدون مِنْ فيها، وإنّما يتقرّبون إلى المولى سبحانه بزيارتهم
____________
(1) تهذيب الاحكام 1 / 92 ح 93، 3 / 6 ح 16، وسائل الشيعة 5 / 194 ح 6310.
وروى الصدوق في علل الشرائع:325: «لاصلاة لمن لم يصل في المسجد مع المسلمين الاّ من علة»، والفقيه 3/38 ح3280، والشيخ في التهذيب 6/241 ح1، والاستبصار 3/12 ح1.
والحر في الوسائل 8 / 317 ح 10776، 27 / 392 ح 34032.
وأمّا السب على ما ذكر فهو مِن أكذب تقوُّلاته; فإنَّ الشيعة على بكرة أبيها تروي عن أئمّتها: أنَّ الاسلام بُني على خمس: الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية(1) .
وأحاديثهم بذلك متضافرة وتعتقد بأنَّ تأخير حَجّة الاسلام عن سنتها كبيرةٌ موبقةٌ إنّه يُقال لتاركها عند الموت: «مُت إن شئت يهوديّاً وإن شئت نصرانياً»(2) .
أفمن المعقول أن تسبَّ الشيعة مع هذه العقائد والاحاديث وفتاوى العلماء المطابقة لها المستنبطة من الكتاب والسنّة من
____________
(1) الكافي 2/18 ح1، 3، 5، 2/21 ح7، 8، 2/31 ح 1، 4/62 ح 1، تهذيب الاحكام 4/151 ح1، الفقيه 2/74 ح1870، وسائل الشيعة 1/13 ح1، 1/18 ح 10، 1/18 ح 11، 1/19 ح15، 1 / 23 ح 24، 1/25 ح 29، 1 / 26 ح 31، 1 / 27 ح 33، 1 / 28 ح 35.
(2) الكافي 4 / 268، 69 ح 1، 5، من لايحضره الفقيه 2 / 447 ح 2935، المقنعة: 386، ثواب الاعمال: 236، تهذيب الاحكام 5 / 17 ح 1، 5 / 462 ح 256، وسائل الشيعة 11/30 ح 14162، قال: ورواه البرقي في المحاسن والمحقق في المعتبر.
وأمّا كتاب الشيخ المفيد فليس فيه إلاّ انّه أسماه «منسك الزِّيارات» وما المنسك إلاّ العبادة وما يُؤدّى به حق الله تعالى، وليست له حقيقة شرعية مخصوصة بأعمال الحج وإن تخصّص بها في العرف والمصطلح، فكلُّ عبادة مرضية للهِ سبحانه في أيِّ محل وفي أىّ وقت يجوز إطلاقه عليها، وإذا كانت زيارة المشاهد والاداب الواردة والادعية والصلوات المأثورة فيها من تلكم النسك المشروعة من غير سجود على قبر، أو صلاة إليه، ولامسألة من صاحبه أوَّلاً وبالذات، وإنَّما هو توسّلٌ به إلى الله تعالى لزلفته عنده وقربه منه، فما المانع من إطلاق لفظ المنسك عليه؟!
وقوله عمّا فيه من كذب وشرك فهو لدة سائر ما يتقوَّل غير مكترث لوباله والكتاب لم يعدم بعدُ وهو بين ظهرانينا(1) وليس فيه إلاّ ما يُضاهيه ما في غيره من كتب المزار ممّا ينزِّل الائمَّة
____________
(1) وقد طُبع أخيراً طبعة منقحة ونُشر من قبل المؤتمر العالمي لالفية الشيخ المفيد سنة 1413هـ، ضمن مصنفات الشيخ المفيد المجلد الخامس، الكتاب الثالث بتحقيق محمد باقر الابطحي، وهو خال عن عبارة «الحج» المدعاة في كلام ابن تيمية، وقد ضمّنهُ الشيخ (رحمه الله)مجموعة من الزيارات والادعيَة، وحاله بذلك حال بقية علماء الطائفة من جمعهم الزيارات في فصل خاص يطلقُ عليه إصطلاحاً «كتاب المزار» ولاخصوصية له وراء ذلك كما أفاد المؤلف (رحمه الله).
[نزول (انما وليكم الله ورسوله والّذين آمنوا) في علي (عليه السلام)]
11 ـ قال: قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الاية: (إنَّما وَليّكمُ اللهُ وَرَسولَه وَالّذين آمَنوا الّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ ويُؤتونَ الزَّكاة وَهُمْ راكعون) . نزلت في عليّ لمّا تصدَّق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل 1/156(1) . ثمّ استدل على كذب القول به بأوهام وتافهات طالما يُكرِّر أمثالها تِجاه النّصوص كما سبق منه في حديث ردِّ الشمس، ويأتي عنه في آية التطهير، (قُل لا أسألُكُم عَليهِ أَجراً إلاّ المَودَّةَ في القُرْبَى)(2) وفي حديث المؤآخاة وأمثالها من
|
____________
(1) منهاج السنة 2 / 30.
(2) الشورى: 23.
الصحاح التي تأتي.
|
ليت شعري كيف يعزو الرجل الى أهل العلم إجماعهم على كذب الحديث وهم يستدلّون بالاية الشريفة وحديثها هذا على أنَّ الفعل القليل لا يُبطل الصلاة، وأنَّ صدقة التطوُّع تُسمّى زكاةً، ويعدّونها بذلك من آيات الاحكام(1) ، وذلك ينمُّ عن إتِّفاقهم على صحّة الحديث.
ويشهد لهذا الاتفاق أنَّ مَن أراد المناقشة فيه من المتكلّمين قصرها على الدلالة فحسب من دون أيِّ غمز في السند، وفيهم من أسنده إلى المفسرين عامّة مشفوعاً بما عنده من النقد الدَّلالي.
فتلك دلالةٌ واضحةٌ على إطباق المفسرين والمتكلّمين والفقهاء على صدور الحديث.
____________
(1) كما فعله الجصاص في أحكام القرآن وغيره «المؤلف (رحمه الله)»، وسيأتي تفصيل ذلك.
1 ـ القاضي ابو عبد الله محمَّد بن عمر المدني الواقدي المتوفّى 207، كما في ذخائر العقبى: 102.
2 ـ الحافظ ابو بكر عبد الرَّزاق الصنعاني المتوفّى 211، كما في تفسير ابن كثير 2 / 71 وغيره عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن مجاهد، عن ابن عبّاس.
3 ـ الحافظ ابو الحسن عثمان بن ابي شيبة الكوفي المتوفى 239، في تفسيره(1) .
4 ـ ابو جعفر الاسكافي المعتزلي المتوفّى 240، في رسالته التي ردَّ بها على الجاحظ(2) .
5 ـ الحافظ عبد بن حميد الكشي ابو محمّد المتوفي 249، في تفسيره كما في الدرِّ المنثور(3) .
____________
(1) رواه عنهُ الطبراني في المعجم الكبير 1 / 320 ح 955.
(2) كما في شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 13 / 277.
(3) الدر المنثور 2 / 293.
7 ـ الحافظ ابو عبد الرحمان النسائي صاحب السنن المتوفى 303، في صحيحه.
8 ـ ابن جرير الطبري المتوفى 310، في تفسيره 6 / 186 بعدّة طرق.
9 ـ ابن ابي حاتم الرازي المتوفى 327، كما في تفسير ابن كثير، والدرّ المنثور، وأسباب النزول للسيوطي، أخرجه بغير طريق ومن طرقه ابو سعيد الاشجّ بإسناده الصحيح الذي أسلفناه(2) .
10 ـ الحافظ ابو القاسم الطبراني المتوفى 360، في معجمه الاوسط(3) .
11 ـ الحافظ ابو الشيخ ابو محمّد عبد الله بن محمّد الانصاري المتوفى 369، في تفسيره.
12 ـ الحافظ ابو بكر الجصّاص الرازي المتوفى 370، في
____________
(1) رواه عنهُ بالاسناد المتقدم ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 2 / 74.
(2) الدر المنثور 2 / 293، تفسير القرآن العظيم 2 / 74، اسباب النزول: 113.
(3) لم اجده في الاوسط ونقله عنهُ في الدر المنثور 2 / 294، مجمع الفائدة للهيثمي 9 / 134.