سورة الحج، آية 8 و 9 و 10
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [ حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا، حسينٌ سبطٌ من الأسباط ].
رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن
الجامع الصحيح: ج 5 ص 617
الإهـداء
إلَى مولاي سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام...
إلَى صاحب العصر والزمان الحجة المنتظر المهدي عليه السلام...
إلَى بطلة نساء كربلاء العقيلة زينب ابنة علي عليهما السلام...
إلَى مُفجِّر ثورة المسلمين إمام الأمة الراحل رضوان الله عليه...
إلَى العبد الصالح القائد وولي أمر المسلمين دام ظله العالي...
إلَى محرِّر جنوب الأحرار الأمين العام المجاهد حفظه الله...
إلَى أبطال المقاومة الذين سحقوا الصهاينة في الجنوب الثائر...
إلَى زوجتِي التِي وقفت معي في جميع مراحل إعداد هذا الكتاب...
إلَى ولدي وقرَّة عينِي، إلَى من لا يَجف دمعي عليه، إلَى من أتعبنِي فراقه وأوحشنِي غيابه، إلَى من طواه الزمان قبل الأوان، نم قرير العين...
إليكم جَميعًا أيها الأحبة، أهدي هذا الجهد المتواضع، راجيًا من الله تعالَى القبول، ومن النبِي وآله عليهم الصلاة والسلام الشفاعة.
مقدمة
الحمد لله رب العالَمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، حبيب قلوب الصادقين، العَبد المؤيَّد، والرسول المسدَّد، المصطَفى الأمجَد، أبِي القاسم المصطفى محمد، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المخلصين، وبعد:
فلا يشك أحد في أنَّ الثورة التاريخية المقدسة التي فجَّرها سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، شكَّلت منعطفًا هامًّا، وغيَّرت مَجرى تاريخ البشرية ومساره، فكانت ـ وما زالت ـ عطاءاتها مُمتدة إلى يومنا هذا، وستستمر إلى يوم ظهور إمامنا صاحب العصر أرواحنا فداه.
ومِن المعلوم أنَّ هناك بونًا شاسعًا بين أن يُبرِز لنا التاريخ شخصية معيَّنة أو حدث ما، وبين أن تقوم الشخصية ذاتها بصنع التاريخ.
وهذا ما حصل بالفعل في حادثة عاشوراء العظيمة، تلك الحادثة التي أصبحت رسالة لكل المسلمين والمستضعفين والمظلومين في الأرض، حيث قام الإمام الحسين عليه السلام بصنع التاريخ عندما روَّى شجرة
وقد تفاعل المؤمنون مع هذه الواقعة الأليمة ـ التي هزَّت مشاعر الدنيا بأسرها ـ، وتعاطفوا معها، وحزنوا لِما جرى فيها، ورأوا أن خروج الإمام الحسين عليه السلام كان واجبًا وضروريًّا ضد طاغوت زمانه يزيد بن معاوية، وأن جهاده عليه السلام كان لأسمى المقاصد وأنبل الغايات.
ولِهذا أقيمت المآتِم الحسينية على مِداد الزمان، وتجدَّدت الذكرى المأساوية في كل عام، وعلى مدار الأيام، حزنًا على مُصاب سيد الشهداء عليه السلام وآله وأصحابه النجباء، ومِن أجل أن تُذكَر فيها شتى صور التفانِي والتضحيات في طريق الله والامتثال لأوامره سبحانه، ولبيان مفاهيم الإسلام، والعقائد والأخلاق والأحكام.
ولكن ـ ومع ذلك كله ـ فقد واجهت الثورة الحسينية الفذَّة بعض الاعتراضات، فوُجِّهت إليها الاتهامات، وأثيرت حولَها الشبهات، مِن قِبَل فئة شاذة وجاهلة من النواصب، أعلنت العداء والحقد والبغض لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجاهرت بالنصب والمناوأة لَهم عليهم السلام وصرَّحت بالولاء لأعدائهم دون حياء ولا خجل.
ومِن هذه الشرذمة المرفوضة، الشيخ عثمان الخميس، الذي أوضح في كتابه " حقبة من التاريخ " جهله في معرفة التاريخ، وكَشَف بأنه لا يفقه شيئًا من التاريخ الصحيح، ولا يَعرِف ما هو موجود في طيَّات
لقد تناول الشيخ عثمان الخميس في كتابه أربعة موضوعات رئيسية هي: كيفية قراءة التاريخ، الأحداث التي وقعت بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حتى واقعة الطف، عدالة الصحابة، وقضية الإمامة والخلافة.
وادعى أنه اعتمد على [ الأسانيد الصحيحة بقدر المستطاع مع التنبيه على القصص المزوَّرة والأباطيل ] (1).
هذا الكتاب...
أما هذا الكتاب الذي بين يديك، فهو بمثابة رد على الافتراءات التي جاء بِها الشيخ عثمان الخميس في كتابه " حقبة من التاريخ " حول واقعة الطف، حيث ذكرنا الشبهات والاعتراضات والإشكالات التي أوردها حول هذه الحادثة، وناقشناها من الناحية التاريخية، معتمدين على أقوال أكابر علماء أهل السنة وما سجَّلوه في كتبهم المعتبَرة من روايات وأحاديث صحيحة عندهم.
ويتلخص كلام الشيخ عثمان الخميس حول واقعة الطف في ادعاءاته
____________
(1) انظر عثمان الخميس: حقبة من التاريخ ـ ص د.
( 1 ) عدم ثبوت فِسق يزيد بن معاوية.
( 2 ) منع الصحابة خروج الحسين عليه السلام ومعارضتهم ونهيهم له.
( 3 ) خضوع الحسين عليه السلام لرأي أبناء مسلم بن عقيل لا لرأيه.
( 4 ) طلب الحسين عليه السلام أن يضع يده في يد يزيد.
( 5 ) عدم ذِكر الشيعة لأبِي بكر وعثمان ابنَي الإمام علي عليه السلام وأبِي بكر بن الإمام الحسن عليه السلام في الكتب والأشرطة.
( 6 ) كذب الكرامات التي يُروَى وقوعها يوم مقتل الحسين عليه السلام.
( 7 ) ترتُّب الفساد على خروج الحسين عليه السلام وعدم وجود مصلحة دينية ولا دنيوية في خروجه.
( 8 ) حرمة اللطم والنوح وما شابه عند ذِكر مقتل الحسين عليه السلام.
( 9 ) أنَّ يزيد ليس له يد في قتل الحسين عليه السلام ولَم يسبِ النساء.
( 10 ) عدم إرسال رأس الحسين عليه السلام إلى يزيد بالشام.
( 11 ) أنَّ يزيد من المغفور لَهم لأنه غزا مدينة قيصر.
منهجنا فـي هذا الكتاب
عندما رجعنا إلِى مقدمة كتاب " حقبة من التاريخ " للشيخ عثمان الخميس، وجدناه يقول: (ينبغي لكل إنسان إذا أراد أن يقرأ كتابًا من
وهنا نود أن نشير إلى أننا في هذا الكتاب ـ وفي نقلِنا للأحداث والوقائع التاريخية والروايات والأحاديث النبوية ـ حَرَصنا على أن تجتمع في أدلتنا ثلاثة أمور:
1- أن تكون هذه الوقائع والأحاديث موجودة في كتب أهل السنة.
2- أن يكون مؤلف الكتاب أو ناقل الحديث أو الخَبَر مُعتقدًا بصحة ما قاله وأورده.
3- أن يكون مِن العلماء المعتمَد عليهم والموثوق بهم عند أهل السنة.
فعلى سبيل المثال، يَجِد القارئ أننا استشهدنا بمجموعة من المصادر، مثل: كتاب " المسند " لأحمد بن حنبل، وكتاب " المعجم الكبير " للطبَرانِي، وكتاب " المستدرك على الصحيحين " للحاكم النيسابوري، وكتاب " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " للهيثمي، وكتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير، وكتاب " وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان " لابن خلكان، وكتاب " تاريخ الأمم والملوك " للطبَري، وكتاب " شذرات الذهب في أخبار من ذهب " لابن العماد الحنبلي، وكتاب " البداية والنهاية " لابن كثير، وكتاب " المنتظم في تاريخ الملوك والأمم " لابن الجوزي، وكتابَي " تاريخ الخلفاء " و " الخصائص الكبرى " للسيوطي، وكتاب " مرآة الجنان وعبرة اليقظان " لليافعي، وغير هذه المصنفات التِي
____________
(1) نفس المصدر: ص7 ـ الحاشية.
وبالرجوع إلى مناهج مؤلفي هذه الكتب ـ كما طَلَب الشيخ عثمان الخميس ـ، رأينا أكثرهم يعتقدون ويُقِرُّون بصحة ما قالوه في مصنفاتِهم ونقلوه في مؤلفاتِهم، ولا بأس أن نذكر بعض الأمثلة على ذلك:
" الكامل في التاريخ " لابن الأثير
يرى ابن الأثير أنه جَمع في كتابه أتَم روايات الطبَري وغيره مِن مؤلفي التواريخ والكتب، الذين يُعلَم صدقهم فيما نقلوه وصحَّة ما دوَّنوه (1).
" وفيات الأعيان " لابن خلكان
قال ابن خلكان ـ في تعليقه على كل خبَر من الأخبار التي جمعها ـ: (فإنِي بذلت الجهد في التقاطه مِن مظان الصحة، ولَم أتساهل في نقله مِمَّن لا يوثَق به، بل تحرَّيت فيه حسبما وصَلَت القدرة إليه) (2).
فكلامه صريح في أن الأخبار التي انتقاها صحيحة ومنَزَّهة عن نقل غير الثقات.
____________
(1) انظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج1 ص7.
(2) ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ـ ج1 ص21.
" مرآة الجنان " لليافعي
صرَّح اليافعي بأنه ـ فِي نقله للتواريخ ـ اعتمد (على ما قَطَع به الذهبِي، أو أوَّلَه وصحَّح) (1).
وعليه، فإن الأمور التاريخية التي سجلها في كتابه ستكون صحيحة في رأيه.
" المستدرك على الصحيحين " للحاكم
قال الحاكم النيسابوري في مقدمة كتابه: (سألنِي جَماعة مِن أعيان أهل العلم بِهذه المدينة وغيرها، أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المرويَّة بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ـ أي البخاري ـ ومسلم بن الحجاج بِمثلها.. وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، قد احتج بِمثلها الشيخان رضي الله عنهما أو أحدهما، وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام..) (2).
فهذا تصريح منه بأنَّ الأحاديث ـ التي ذكرها وأخرجها في كتابه ـ رواها عن الثقات، وأنَّ أسانيد أحاديثه احتج بِمثلها البخاري أو مسلم أو هُما معًا.
____________
(1) اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ ج1 ص7.
(2) الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين ـ ج1 ص2و3.
" البداية والنهاية " لابن كثير
يرى ابن كثير أنه لَم يذكر في كتابه ما شهد له الشرع بالبطلان مِمَّا لا تجوز حكايته إلا على سبيل الإنكار (1).
ونحن لَم ننقل مِن كتابه إلاَّ الأحداث المتعلقة بِمقتل الحسين عليه السلام، والتي عبَّر عنها ابن كثير نفسه بقوله: (وهذه صفة مصرعه ـ أي مصرع الحسين عليه السلام ـ مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن، لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب الصريح والبهتان) (2).
فهذا اعتراف منه بأن الأحداث التي نقلها عن واقعة الطف لا كذب فيها ولا بُهتان، وأنها مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن ـ على حد تعبيره ـ وليس من الشيعة.
" مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " للهيثمي
وهو كتاب جامع يَحتوي على الأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة حسب رأي مؤلفه، ولكننا ـ وكما سيَرى القارئ ـ لَم نستدل ولَم نستشهد إلا بالأحاديث والوقائع التي أقر الهيثمي بصحة أسانيدها وبوثاقة رواتها.
____________
(1) انظر ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج1 ص28-29.
(2) نفس المصدر: ج8 ص137.
" الخصائص الكبرى " للسيوطي
قال السيوطي ـ عن كتابه ـ: (هذا كتاب مرقوم يشهد بفضله المقربون.. كتاب نفيس جليل محله محل الدرة من الإكليل، أو موضع السجدة من آي التنـزيل، كتاب أمرعت قطراته.. وصدقت أخباره آياته، كتاب بسقت فنونه.. واتسقت أسانيده ومتونه.. كتاب فاق الكتب في نوعه جمعًا وإتقانًا، يشرح صدور المهتدين إيقانًا.. مستوعب لِما تناقلته أئمة الحديث بأسانيدها المعتبَرة.. وأوردت فيه كلما ورد، ونزهته عن الأخبار الموضوعة وما يُرَد.. بِحيث جاء بِحمد الله كاملاً في فنه، وابلاً مطرد جنه.. حلله ضافية، ومناهله صافية، وموارده كافية، ومصادره وافية..) (1).
وكل هذا الكلام يدل بشكل واضح على أن السيوطي قد وَضَع كتابه وهو معتقد بصحة الأحاديث والأخبار التي أوردها فيه.
" المسند " لأحمد بن حنبل
قال الهيثمي: (مسند أحمد أصح صحيحًا مِن غيره) (2).
وعن أبِي موسى المدينِي، أنَّ أحـمد بن حنبل سُئِل (عن حديث،
____________
(1) جلال الدين السيوطي: الخصائص الكبرى ـ ج1 ص4.
(2) السيوطي: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ـ ج1 ص139.
وقال السيوطي ـ في معرض دفاعه عن مسند أحمد ـ: (ألَّف شيخ الإسلام ـ يعني ابن حجر العسقلانِي ـ كتابًا.. سَماه " القول المسدد في الذب عن المسند " قال في خطبته: فقد ذكرت في هذه الأوراق ما حضرنِي مِن الكلام على الأحاديث التي زعم بعض أهل الحديث أنها موضوعة، وهي في مسند أحمد، ذبًّا عن هذا التصنيف العظيم الذي تلقَّته الأمة بالقبول والتكريم، وجعله إمامهم حُجة يُرجَع إليه ويُعوَّل عند الاختلاف عليه..) (2).
ومع ذلك، فإننا لَم نورد منه سوى الأحاديث التي صحَّحها الهيثمي في كتابه " مَجمع الزوائد ".
" المنتظم " لابن الجوزي
قال ابن الجوزي: (وقد انتقى كتابنا نقي التواريخ كلها، وأغنى من يعنى بالمهم منها عنها، وجَمع مَحاسن الأحاديث والأخبار اللائقة بالتاريخ.. وسلم من فضول الحشو ومرذول الحديث..) (3).
____________
(1) نفس المصدر: ج1 ص138.
(2) نفس المصدر: ج1 ص138.
(3) ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج1 ص118.
أقول: هذه بعض الأمثلة على آراء علماء أهل السنة في كتبهم التي صنفوها، والتي اعتمدنا عليها في هذا الكتاب، ذكرناها على سبيل الإجمال والاختصار، ليتضح للقارئ اللبيب أنهم لَم يودِعوا في مؤلفاتهم التي استشهدنا بِها إلا ما هو صحيح وثابت في نظرهم.
وقد اكتفينا في كتابنا هذا بنقض الشبهات والاعتراضات التي أثارها الشيخ عثمان الخميس حول واقعة الطف فقط، وذلك لأهمية هذا الموضوع، وكثرة الإشكالات والحديث عنه مِن قِبَل المغرضين، خصوصًا في الآونة الأخيرة.
ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا في الأيام القليلة القادمة لِمناقشة المسائل والقضايا الأخرى التي تطرَّق إليها الشيخ عثمان الخميس في كتابه " حقبة من التاريخ "، مثل: قضية الإمامة والخلافة، وعدالة الصحابة، وكيفية قراءة التاريخ، وغير تلك المواضيع التي تناولَها في كتابه، حيث سنجعل كل واحد منها في حَلَقة مستقلة، ليَسهل على القارئ الكريم الإحاطة بكل
____________
(1) نفس المصدر: ج1 ص116.
وقبل أن نُميط اللِّثام عن وجه الحقيقة للأنام، لا بُد مِن بيان ثلاثة أمور مهمَّة لا غِنَى للقارئ عنها:
الأمر الأول: الآداب العامة والقواعد المقررة التي يَجب مراعاتها والالتزام بِها في أصول المناظرة وعند الرد والنقد.
الأمر الثانِي: الاهتمام الإلَهي العظيم بقضية الحسين عليه السلام، وانتقام الله عز وجل له، وإخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن قتله، وبكاؤه لِمقتله.
الأمر الثالث: العِلَل والأسباب التي دفعت الحسين عليه السلام للنهوض بالثورة، والنتائج المترتبة على هذا النهوض، والأبعاد التاريخية له، وأهم أهدافه.
فبالله تعالى نستعين، وعليه نتوكل.
الآداب العامة والقواعد المقررة التي يجب مراعاتها والالتزام بها فـي أصول المناظرة وعند الرد والنقد
توجد مجموعة من الآداب العامة والقواعد المقررة في أصول المناظرة، ينبغي أن تُراعَى عند الرد والنقد بين الخصمَين المتناظرَين، وهذه القواعد والأصول لا يُمكن أن يتعداها صاحب العقل ولا أن يتجاوزها صاحب المنطق السليم، ومن أهَمها وأفضلها:
( 1 ) عدم الخروج عن الموضوع المبحوث عنه والذي يدور النقاش حوله.
( 2 ) عدم ذكر المثالب والعيوب والنقائص، لأن ذلك ينبئ عن التعصب الممقوت.
( 3 ) تجنب المغالطة والتحيز، لكي لا تنقص قيمة الدليل، ولكي لا يخرج الباحث عن طريق رواد الحق.
( 4 ) أن يبتعد المتناظران عن أسلوب السب والقذف، لأنه علامة على الضعف والخذلان.
( 5 ) أن يتجرَّد الخصمان عن كل عاطفة تعبث بِهما ليتسنَّى لَهما التمحيص، فإنهما مسؤولان عن كل كلمة تصدر منهما.
( 7 ) أن تكون الدلالة على صحة الشيء أو بطلانه وفساده بالدليل الشرعي أو العقلي، لا بِمجرد الدعوى الفارغة.
( 8 ) أن تكون بين المتناظرين قواعد عامة وأصول موضوعة ينتهون إليها في قطع الخصومة ورفع النـِّزاع، وذلك بأن يكون الاستدلال بالكتاب والسنة المتفق عليها بين المسلمين.
( 9 ) أن لا يكون التعويل على كلمة " قيلت "، فإن التعويل على ذلك تقليد للآباء، وهو ما نهى عنه القرآن الكريم.
ولا بُد من أن نشير إلى أن ما يستدل به أحد الخصمَين على خصمه الآخر عبارة عن أحد دليلَين لا ثالث لَهما:
الأول: ما يعبَّر عنه بـ (دليل البُرهان)، وهو ما أجمع الخصمان المتناظران على اعتباره وثبوت حُجِّيته، فهو حجة على الخصمَين معًا، يجب عليهما الأخذ به والنـُّزول على حكمه.
الثانِي: ما يعبَّر عنه بـ (دليل الجدل)، وهو ما تفرد به أحد الخصمين، بحيث يكون معتبَرًا وثابت الحجية من طريقه فقط دون طريق خصمه، فلِخصمه أن يلزمه به إلزامًا له بِما ألزم به نفسه من ثبوته عنده وحجيته لديه، وليس شرطًا أن يكون حجة لدى من لَم يثبت عنده.
ولو أنَّ القارئ الكريم ينظر إلَى ما أوردناه فِي كتابنا هذا، لرأى بعين
الاهتمام الإلهي العظيم بقضية الحسين عليه السلام وانتقام اللـه عز وجل له وإخبار الرسول صلى اللـه عليه وآله وسلم عن قتله وبكاؤه لمقتله
تواترت الروايات من طرق أهل السنة بإخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مقتل الحسين عليه السلام، وبكائه عدة مرات لمقتله، ورؤيته لتربته.
فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده (عن عبد الله بن نجي عن أبيه، أنه سار مع علي رضي الله عنه ـ وكان صاحب مطهرته ـ، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: اصبر أبا عبد الله اصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل عليه السلام، قيل: فحدثني أن الحسين يُقتَل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك إلِى أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم، قال: فمَد يده، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينَي أن فاضتا) (1).
____________
(1) أحمد بن حنبل: المسند ـ ج1 ص137.
وعن أم المؤمنين عائشة (أن الحسين بن علي دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة ألا أعجبك، لقد دخل علَي مَلَك آنفًا ما دخل علَي قط، فقال: إن ابنِي هذا مقتول، وقال: إن شئت أريتك تربة يُقتَل فيها، فتناول الملَك بيده، فأرانِي تربة حمراء) (2).
وروى الطبَرانِي عن عبد الله بن عباس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار أشعث أغبَر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبِي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا؟ فقال: دم الحسين وأصحابه، لَم أزل ألتقطه منذ اليوم، فوُجِد قد قُتِل يومئذ) (3).
قال الهيثمي معلِّقًا عليه: (رواه أحمد والطبَرانِي، ورجال أحمد رجال الصحيح) (4).
وعن أم سلمة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا
____________
(1) الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ـ ج9 ص190.
(2) الطبراني: المعجم الكبير ـ ج3 ص107.
(3) نفس المصدر: ج3 ص110.
(4) الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ـ ج9 ص192.
وعلَّق عليه الهيثمي قائلاً: (رواه الطبَرانِي بأسانيد، ورجال أحدها ثقات) (2).
قال السيوطي: (أخرج الحاكم والبيهقي، عن أم الفضل بنت الحارث قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بالحسين، فوضعته في حجره، ثم خانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان من الدموع، فقال: أتانِي جبريل فأخبَرنِي أن أمتي ستقتل ابني هذا وأتانِي بتربة من تربته حمراء) (3).
وهناك العديد من الأحاديث الصحيحة التي تعتبِر قتل الحسين عليه السلام
____________
(1) الطبراني: المعجم الكبير ـ ج3 ص109.
(2) الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ـ ج9 ص192.
(3) السيوطي: الخصائص الكبرى ـ ج2 ص212.
روى الحاكم في مستدركه ـ بعدة طرق ـ عن عبد الله بن عباس قال: (أوحى الله تعالى إلى مُحمد صلى الله عليه وسلم: إنِي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفًا، وإنِي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفًا وسبعين ألفًا) (1).
قال الحاكم النيسابوري: (هذا حديث صحيح الإسناد ولَم يُخرجاه) (2).
وأقرَّ الذهبي بصحته في التلخيص وقال: (على شرط مسلم) (3).
أقول: هذه نماذج لبعض الأحاديث المعتبَرة والمروية في مصادر أهل السنة، كلها تشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبَر بِمقتل الحسين عليه السلام، وبكى لِمقتله مرارًا، كما تدل دلالة واضحة على الاعتناء الإلَهي العظيم بِهذه الجريمة، وانتقام الله تبارك وتعالى لَها.
على أن مِمَّا أطبق عليه المؤرخون، هو أن الحسين عليه السلام كان يعلم
____________
(1) الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين ـ ج3 ص196. وانظر السيوطي: الخصائص الكبرى ج2 ص214.
(2) نفس المصدر: ج3 ص196.
(3) نفس المصدر: ج3 ص195.