مقدّمة المركز
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على خاتم المرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين .من الثوابت المسلّمة في عمليّة البناء الحضاري القويم استنادُ الاُمّة إلى قيمها السليمة ومبادئها الاصيلة ، الامر الذي يمنحها الارادة الصلبة والعزم الاكيد في التصدّي لمختلف التحديات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الافكار المنحرفة والاثار الضالة باستخدام أرقى وسائل التقنيّة الحديثة .
وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل نلحظ أن المرجعيّة الدينيّة المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الاصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف ؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة (عليهم السلام) بأبهى صورها وأجلى مصاديقها .
هذا ، وكانت مرجعيّة سماحة آية الله العظمى السيّد علي السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت
و « مركز الابحاث العقائدية » هو واحد من المشاريع المباركة الذي اُسّس لاجل نصرة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وتعاليمه الرفيعة .
ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت (عليهم السلام)على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي مَنَّ الله سبحانه وتعالى بها عليهم ـ إلى مطبوعات توزّع في شتى أرجاء العالم .
وهذا المؤلَّف « لا تخونوا الله والرسول » الذي يصدر ضمن « سلسلة الرحلة إلى الثقلين » مصداق حي وأثر عملي بارز يؤكّد صحّة هذا المدعى .
على أنّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكلّ معتنقي المذهب الحقّ بشتى الطرق والاساليب ، مضافاً إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين كي يتسنّى جمعها في كتاب تحت عنوان « التعريف بمعتنقي مذهب أهل البيت » .
سائلينه تبارك وتعالى أن يتقبل هذا القليل بوافر لطفه وعنايته .
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون
مقدّمة المؤلّف
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وخاتم النبيين محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
إن من الاُمور المزعجة حقاً أن يجد المرء نفسه مضطراً إلى ترديد مقالة سبق له ولغيره أن رددها من قبل ، ولكن لا حيلة له في ترديدها وهو يجد نفسه مضطراً لتفنيد بعض المزاعم التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة ، وإبطال بعض الادعاءات التي تصدر بين آونة وأُخرى عن ناعق هنا وآخر هناك ، فان البعض قد دأب على ترديد هذه المقالات خلفاً عن سلف دون كلل وعلى امتداد عدة قرون ، فيجد المرء نفسه مضطراً للرد على هذه المقولات السقيمة مرة بعد مرة .
جاء في أول الكتاب :
فهذا مختصر مفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب تغمده الله بالرحمة والرضوان في بعض قبائح الرافضة الذين رفضوا سنّة حبيب الرحمن واتبعوا في غالب أُمورهم خطوات الشيطان ، فضلّوا وأضلّوا عن كثير من موجبات الايمان بالله وسعوا في البلاد بالفساد والطغيان يتولّون أهل النيران ويعادون أصحاب الجنان نسأل الله العفو عن الافتتان من قبائحهم(1) . |
والرسالة تسير على نفس النسق ويزيد عليه ما فيها من السباب المقذع الذي يترفع عنه العوام فكيف بمن يدعي مشيخة الاسلام . والرسالة لم تكن غريبة عليّ ، فقد كنت مطلعاً عليها قبل أكثر من عشر سنوات ، وهي فضلاً عن أُسلوبها البذيء تضم مجموعة لا تحصى من الافتراءات التي يتقوّلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 5 .
وقد استنكفت في بداية الامر عن الرد على هذه الرسالة المتهافتة التي لا تستحق أن يوليها المرء أي اهتمام ، لولا أن المركز نبهني إلى أن هذه الرسالة ما تزال متداولة ويعاد طبعها ضمن مؤلفات محمد بن عبد الوهاب ، وأن هناك الكثير من المسلمين ممن ينخدع بها ويصدقها . وتذكرت أنني كنت أيضاً ممن يصدقون بما جاء في هذه الرسالة عند ما كنت منخرطاً في سلك إحدى الجماعات السلفية التي تحمل هذه الافكار وتتبناها ، وعندها قررت الشروع بالرد على ما جاء فيها حتى قبل الفراغ من كتاب ( الصحوة ) الذي هو الان في طريقه إلى الطبع .
الفصل الاول : الخلافة
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضمن « مطلب الوصية بالخلافة » :
إن مفيدهم ابن المعلم قال في كتابه ( روضة الواعظين ) : إن الله أنزل جبريل على النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد توجهه إلى المدينة في الطريق في حجة الوداع فقال : يا محمد ، إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك : انصب علياً للامامة ، ونبّه أُمتك على خلافته ; فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : « يا أخي جبريل إن الله بغّض أصحابي لعلي ، إني أخاف منهم أن يجتمعوا على إضراري ، فاستعفِ لي ربي » ، فصعد جبريل وعرض جوابه على الله تعالى فأنزله الله تعالى مرة اُخرى وقال للنبي (صلى الله عليه وسلم)مثلما قال أولاً فاستعفى النبي (صلى الله عليه وسلم)كما في المرة |
الاولى ، ثم صعد جبريل فكرر جواب النبي (صلى الله عليه وسلم) فأمره الله بتكرير نزوله معاتباً له مشدّداً عليه بقوله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، فجمع أصحابه وقال : « يا أيها الناس ، إن علياً أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين ، ليس لاحد أن يكون خليفة بعدي سواه ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » انتهى . فانظر أيها المؤمن إلى حديث هؤلاء الكذبة الذي يدل على اختلاقه ركاكة ألفاظه وبطلان أغراضه ولا يصح منه إلاّ : « من كنت مولاه » ومن اعتقد منهم صحة هذا فقد هلك ، إذ فيه إتهام المعصوم قطعاً من المخالفة بعدم إمتثال أمر ربه ابتداءً وهو نقص ، ونقص الانبياء عليهم الصلاة والسلام كفر ... »(1) . |
هناك أمران ينبغي ذكرهما رداً على مقالة الشيخ :
أولهما : إننا تحققنا من مؤلفات الشيخ المفيد الملقب بابن المعلم ، فلم نجد له كتاباً يحمل عنوان روضة الواعظين ! إذ أن هناك أربعة كتب للشيعة تحمل هذا العنوان ، وهي كالاتي :
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 5 ـ 6 .
2 ـ روضة الواعظين في شرح الاحاديث الاربعين عن سيد المرسلين ، للمولى مسكين الفراهي .
3 ـ روضة الواعظين وبصيرة المتعظين ، للشيخ السعيد الشهيد أبي علي محمد بن علي بن أحمد بن علي الحافظ الواعظ الفارسي أبو محمد بن أحمد بن علي الفتّال النيسابوري المعروف بابن الفارسي .
4 ـ روضة الواعظين بالحق اليقين ، فارسي في المواعظ وأحوال الائمة مختصراً في سبع وعشرين فصلاً وخاتمة .
فمن هذا يتبين بجلاء أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يجهل كل شيء عن الشيخ المفيد وعن مؤلّفاته ، وإنه إنما يرجم بالغيب عن غير بصيرة .
أما الامر الثاني : فلو أننا افترضنا أن هذه الرواية موجودة في كتب الشيعة ، فهل انفرد الشيعة بروايتها ، أم أن أهل السنة يروون ما في معناها في كتبهم وتفاسيرهم أيضاً ؟
ولكي يعرف القارئ الكريم أن جهل الشيخ ابن عبد الوهاب لا يقتصر على عدم معرفته بمصنفات الشيعة بل يتعداه إلى الجهل
1 ـ عن الحسن ، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : « لما بعثني الله تعالى برسالته ضقت بها ذرعاً ، وعرفت أن من الناس من يكذبني ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يهاب قريشاً واليهود والنصارى ، فأنزل الله تعالى هذه الاية .
2 ـ عن مجاهد قال : لما نزلت (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) قال : يارب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس ؟ فنزلت (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) .
3 ـ عن ابن عباس في قوله : (وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) يعني إن كتمت آية مما أُنزل إليك لم تبلغ رسالته(1) .
وقال القرطبي : قيل معناه : أظهر التبليغ ، لانه كان في أول الاسلام يخفيه خوفاً من المشركين ، ثم أمر بإظهاره في هذه الاية ، وأعلمه الله أنه يعصمه من الناس(2) .
وقال ابن قتيبة : والذي عندي في هذا أن فيه مضمراً يبينه ما
____________
(1) أُنظر : أسباب نزول القرآن : 204 ، فتح القدير 2/60 ، الدر المنثور 3/117 ، روح المعاني 6/189 ، التفسير الكبير 2/49 ، عمدة القاري شرح صحيح البخاري 18/206 ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/80 .
(2) الجامع لاحكام القرآن 6/242 .
وقال الفخر الرازي : وروي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان أيام إقامته بمكة يجاهر ببعض القرآن ويخفي بعضه إشفاقاً على نفسه من تسرع المشركين إليه وإلى أصحابه ، فلما أعز الله الاسلام وأيده بالمؤمنين قال له : (يِا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي لا تُراقبنَّ أحداً ولا تترك شيئاً مما أنزل إليك خوفاً من أن ينالك مكروه(2) .
يتبيّن مما سبق أن روايات أهل السنة أيضاً تحمل إتهام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بالمخالفة وعدم امتثال أمر ربه إبتداءً .
سبب نزول الاية
أما بشأن نزول الاية في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي
____________
(1) المسائل والاجوبة في الحديث والتفسير : 222 .
(2) التفسير الكبير 12/49 .
1 ـ أخرج الواحدي والسيوطي وابن عساكر والعيني والشوكاني وابن الصباغ المالكي عن أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الاية (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ) على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)(1) .
2 ـ وقال الفخر الرازي : نزلت الاية في فضل علي بن أبي طالب ، ولما نزلت هذه الاية أخذ بيده وقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » فلقيه عمر (رضي الله عنه) فقال : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن و مؤمنة ، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي(2) .
وقال السيوطي والشوكاني : وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أن علياً مولى المؤمنين ، (وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ
____________
(1) أسباب نزول القرآن : 204 ، الدر المنثور 3/117 ، تاريخ دمشق 42/37 ، عمدة القاري 18/206 ، فتح القدير 2/60 ، الفصول المهمة : 42 .
تواتر حديث الغدير
أما إدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه لا يصح من حديث الغدير إلاّ قوله (صلى الله عليه وسلم) : « من كنت مولاه » فهذا مما يدعو إلى العجب من قلّة إطلاع الشيخ وقصر باعه في علوم الحديث ، لان أئمة الحديث وحفّاظه قد صحّحوا من الحديث أكثر مما يدعيه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فقد نقل الحافظ ابن كثير الدمشقي عن الحافظ شمس الدين الذهبي قوله : وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)قاله ، وأما « اللهم وال من والاه » فزيادة قوية الاسناد(2) .
كما اعترف بتواتره الحافظ ابن الجزري بروايته عن أبي ليلى ، قال سمعت علياً (رضي الله عنه) بالرحبة ينشد الناس : من سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » فقام اثنا عشر بدرياً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول ذلك . هذا حديث حسن من هذا الوجه ، صحيح من وجوه كثيرة ، متواتر عن أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) ، وهو متواتر أيضاً عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ، رواه
____________
(1) الدر المنثور 3/117 ، فتح القدير 2/60 .
(2) البداية والنهاية 5/214 .
وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي المكي : وقول بعضهم إن زيادة « اللهم وال من والاه » إلى آخره موضوعة ، مردود ، فقد ورد ذلك عن طرق صحّح الذهبي كثيراً منها(2) .
ثم قال : قال (صلى الله عليه وسلم) يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » الحديث . وقد مرّ في حادي عشر الشُبه ، وأنه رواه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ثلاثون صحابياً ، وأن كثيراً من طرقه صحيح أو حسن(3) .
كما أثبت تواتر حديث الغدير وصحة تكملته عدد كبير من الحفاظ الثقات .
ومن أراد المزيد من التفصيل فعليه بكتاب ( الغدير ) للعلامة الاميني (رحمه الله) وكتاب ( نفحات الازهار ) للسيد علي الميلاني دام ظله ، إذ يجد فيهما أسماء الحفاظ والعلماء الذين أخرجوا الحديث بمختلف طرقه .
____________
(1) أسنى المطالب : 48 .
(2) الصواعق المحرقة : 64 .
(3) الصواعق المحرقة : 187 ـ 188 .
النص على الخلافة
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :
وليس في قوله « من كنت مولاه » أن النص على خلافته متصلة ، ولو كان نصاً لادعاها علي (رضي الله عنه) ، لانه أعلم بالمراد ، ودعوى ادعائها باطل ضرورة ، ودعوى علمه يكون نصاً على خلافته وترك ادعائها تقية أبطل من أن يبطل . ما أقبح ملّة قوم يرمون إمامهم بالجبن والخور والضعف في الدين مع أنه من أشجع الناس وأقواهم...(1) . |
لاشك أن إدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يستند على الواقع ، فالمطلع على السنة النبوية في كتب أهل السنة نفسها ، يجد من الشواهد الصحيحة ما يدعم قول الامامية بأن حديث الغدير هو استخلاف مباشر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لامير المؤمنين بلا فصل .
وقد وردت في مصادر الشيعة روايات صحيحة تثبت الخلافة لامير المؤمنين (عليه السلام) ولاولاده المعصومين بأسمائهم ، لكنني سأُعرض عن تلك الروايات مكتفياً بالشواهد التي وردت في كتب
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 7 .
1 ـ أخرج أبو داود الطيالسي بسند صحيح قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لعلي : « أنت ولي كل مؤمن من بعدي »(1) .
2 ـ أخرج هذا الحديث ابن عبد البر بنفس السند وقال : هذا إسناد لا مطعن فيه لاحد لصحته وثقة نقلته(2) .
3 ـ أخرج ابن أبي شيبة الحديث من طريق آخر قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، قال : حدثني يزيد الرشك ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سرية واستعمل عليهم علياً ، فصنع علي شيئاً أنكروه ، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يعلموه ، وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسلّموا عليه ونظروا إليه ثم ينصرفون إلى رحالهم . قال : فلما قدمت السرية سلّموا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فقام أحد الاربعة فقال : يا رسول الله ، ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا ؟ فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ يُعرف في وجهه الغضب ـ فقال : « ما تريدون من علي ؟ ما
____________
(1) مسند الطيالسي : 360 رقم الحديث 2752 .
(2) الاستيعاب 3/1091 .
4 ـ أخرجه أحمد بن حنبل بنفس السند وفيه : « دعوا علياً ، دعوا علياً ، إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي »(2) .
5 ـ أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديث جعفر بن سليمان(3) .
6 ـ وأخرجه النسائي بنفس السند(4) .
7 ـ الحافظ أبو يعلى الموصلي(5) .
8 ـ الطبري ، كما في كنز العمال(6) .
9 ـ ابن حبان ، كما عن الرياض النضرة(7) .
10 ـ الطبراني(8) .
____________
(1) المصنف 12/80 .
(2) مسند أحمد 4/438 ، 5/356 .
(3) جامع الترمذي 5/632 .
(4) الخصائص : 109 .
(5) مسند أبي يعلى 1/293 رقم 355 ، وقال محققه : رجاله رجال الصحيح .
(6) كنز العمال 13/142 ( ش وابن جرير وصححه ) .
(7) الرياض النضرة 3/129 .
(8) المعجم الكبير 18/128 ـ 129 ، الاوسط 5/425 .
12 ـ أخرج الخطيب البغدادي الحديث بطريق آخر قال : أخبرنا أبو محمد عبدالله بن علي بن عياض بن أبي عقيل القاضي ـ بصور ـ أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع الغساني ، أخبرنا أبو عبدالله محمد بن مخلد العطاء ـ ببغداد ـ حدثنا أحمد بن غالب بن الاجلح بن عبد السلام ـ أبو العباس ـ حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس ، حدثنا عيسى بن عبدالله بن عمر بن علي بن أبي طالب ، حدثني أبي عبدالله بن عمر ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « سألت الله فيك خمساً فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة :
سألته فأعطاني فيك : أنك أول من تنشق الارض عنه يوم القيامة ، وأنت معي معك لواء الحمد ، وأنت تحمله ، وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي »(2) .
13 ـ الحافظ ابن عساكر(3) .
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 3/110 .
(2) تاريخ بغداد 4/339 .
15 ـ المتقي الهندي ، وفيه « علي مني وأنا من علي ، وعلي ولي كل مؤمن بعدي » وقال : ( ش عن عمران بن حصين ، صحيح )(2) .
فهذه النصوص الصحيحة وغيرها ـ ممّا لم أذكره ـ تقطع بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) على المسلمين كافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهذا يقتضي عدم الفصل ، لانه لم يرد استثناء أحد من الدخول في الولاية قطعاً ، رغم أن البعض حاول أن يدعي أن لفظة بعدي تعني البعدية المطلقة ولا يراد بها البعدية المباشرة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ولكن ـ وكما يقول الاستاذ مروان خليفات ـ ماذا نفعل بلفظ ( كل ) في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : « وهو ولي كل مؤمن بعدي » ؟ أليست هي من ألفاظ العموم ؟ إذاً فعلي ولي كل مؤمن بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإن كان فيهم أبوبكر وعمر وعثمان(3) .
قعود أمير المؤمنين (عليه السلام)
أما لماذا قعد أمير المؤمنين (عليه السلام) عن حقه ولم يطالب القوم به ؟
____________
(1) أُسد الغابة 3/604 . (2) كنز العمال 11/608 . (3) وركبت السفينة : 495 .
عن عائشة ، أن فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وسلم) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مما أفاء عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبوبكر : إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : « لانورث ما تركنا صدقة » ، إنما يأكل آل محمد (عليهم السلام) في هذا المال وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)ولاعملن فيها بما عمل به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الاشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم
الملاحظ على هذه الرواية ، أن فيها اعترافاً صريحاً بأن أمير
____________
(1) صحيح البخاري 5/177 ـ 178 باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم 3/1380 كتاب الجهاد والسير .
أما لماذا بايع أمير المؤمنين في نهاية الامر ; فلانه نظر إلى مصلحة الاسلام العليا فقدمها على حقه خوفاً من ذهاب الاسلام كله بحدوث فتنة لا تبقي ولا تذر ، ففضل التضحية بشطر الامر بدلاً من التضحية بكله ، وقد بين سيدنا الامام شرف الدين (قدس سره) الامر بشكل جلي حيث قال :
السلف الصالح لم يتسنَّ له أن يقهرهم يومئذ على التعبد بالنص فرقاً من انقلابهم إذا قاومهم وخشية من سوء عواقب الاختلاف في تلك الحال ، وقد ظهر النفاق بموت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقويت بفقده شوكة المنافقين وعتت نفوس الكافرين وتضعضعت أركان الدين ، وانخلعت قلوب المسلمين وأصبحوا بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية بين ذئاب عادية ووحوش ضارية ، وارتدت طوائف من العرب ، وهمت بالردة أُخرى... فأشفق علي (عليه السلام) في ذلك الظرف أن يظهر إرادة القيام بأمر الناس مخافة البائقة وفساد العاجلة ،
أما قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأن في ذلك اتهاماً من
____________
(1) المراجعات : 450 ـ 451 ، المراجعة 84 .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « فنظرت فاذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي فضننت بهم عن الموت وأغضيت على القذى وشربت على الشجا وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من طعم العلقم »(2) .
____________
(1) سورة الاعراف : 150 . (2) نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 56 ، الخطبة 26 .