الفصل الخامس : نقص القرآن
قال في « مطلب دعواهم نقص القرآن » :
ومنها ما ذكروه في كتبهم الحديثية والكلامية : أن عثمان (رضي الله عنه) نقص من القرآن ، فانه كان في سورة « الم نشرح » بعد قوله تعالى : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) وعلياً صهرك ، فأسقطها بحسد اشتراك الصهرية ، قالوا : وكانت سورة الاحزاب مقدار سورة الانعام فأسقط عثمان منها ما كان في فضل ذوي القربى ، قيل : أظهروا في هذه الازمنة سورتين يزعمون أنهما من القرآن الذي أخفاه عثمان كل سورة مقدار جزء وألحقوهما بآخر المصحف سموا إحداهما سورة النورين وأُخرى سورة الولاء ، يلزم من هذا تكفير الصحابة حتى علي ، حيث رضوا بذلك ، فهي كالتي |
قبلها في المفاسد وتكذيب قوله تعالى (لايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد)(1) ، وقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(2) ، ومن اعتقد عدم صحة حفظه من الاسقاط واعتقد ما ليس منه أنه منه فقد كفر ، ويلزم من هذا رفع الوثوق بالقرآن كله وهو يؤدي إلى هدم الدين ويلزمهم عدم الاستدلال به والتعبد بتلاوته لاحتمال التبدل ، ما أخبث قول قوم يهدم دينهم ، روى البخاري أنه قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية : ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلاّ ما بين الدفتين(3) . |
من المؤسف جداً أن يضطر المرء إلى الخوض في موضوع لا يجدي الكلام فيه شيئاً ولا يأتي بخير على أحد سوى أعداء الاسلام والمسلمين الذين يبحثون عن أية ثغرة ينفذون منها للطعن على الاسلام والمسلمين ، وليس ثمة ثغرة ينفذون منها أفضل عندهم من موضوع تحريف القرآن ، لان القرآن الكريم هو الجامع لشمل المسلمين حتى قيام الساعة ، فالمسلمون مهما اختلفوا في
____________
(1) سورة فصلت : 42 .
(2) سورة الحجر : 9 .
(3) رسالة في الردّ على الرافضة : 14 ـ 15 .
ولكن من المؤسف حقاً أن تتخذ بعض الجهات هذا القرآن العظيم وسيلة للطعن والتشنيع على إخوانهم المسلمين وباسم الاسلام ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ولا يلتفتون إلى أنهم يضعون في أيدي أعداء المسلمين أمضى الاسلحة وأقواها لضرب الاسلام .
قلنا : إن إتهام المسلمين بعضهم لبعض بتحريف القرآن لا يخدم إلاّ أعداء الاسلام ، وهذا السبب وحده كاف للاعراض عن هذا الموضوع لو كان الامر يتعلّق بمقولة قالها شيخ الوهابية منذ ما يقرب من قرنين من الزمان وانتهت بانتهائه .
لكن من المؤسف إننا نجد أن هذا الاتجاه لم يقتصر على ذلك الوقت ، بل هو مستمر إلى يومنا هذا ، فتجد الكتّاب والمؤلّفين السائرين في هذا الركب لا يفتؤون يطلقون هذه الصيحات المتحشرجة ، ويفرغون كل ما في صدورهم من حقد وضغينة على مذهب أهل البيت وأتباعهم .
وقد بزّ المدعو إحسان إلهي ظهير من سبقه في هذا المضمار ، فراح يطلق الصيحات المحمومة ويبحث في بطون الكتب عن أية
وكأَن هذا القول هو أحد معتقدات الشيعة التي يتعبدون بها ويعتقدون صحتها ، دون الالتفات إلى ما يقول به جمهور الامامية وصفوة أئمتهم الاعلام في نفي هذه التهمة الشنيعة عن كتاب الله العزيز .
فهذا القرآن الموجود بين الدفتين ، والذي يتعبد به أهل السنة في مختلف أقطارهم ، هو نفس الكتاب الموجود في أيدي الشيعة ـ على اختلاف أقطارهم ـ لا يزيد عنه حرفاً ولا ينقص ، وبمختلف الطبعات ، سواء منها ما طبع قديماً أو حديثاً ، وسواء منها ما طبع في بلاد الشيعة أو ما طبع منها في البلاد التي أغلب أهلها على مذهب أهل السنة .
أما إذا كانت الحجة التي يتذرع بها أُولئك المتعصبون هي وجود مثل هذه الروايات في بعض كتب الشيعة ، فنقول :
إن مثل هذه الروايات موجودة وبأعداد مضاعفة عما في كتب الشيعة في كتب أهل السنة ، بل وفي أوثق كتبهم والتي عندهم الصحاح كما يسمونها وفي مقدمتها البخاري ومسلم ، ومع ذلك فان
فهذا كتاب ( الكافي ) مثلاً ، وهو من أهم المصادر الحديثية لدى الشيعة ، ويحوي أكثر من ( 16 ) ألف رواية وبالتحديد ( 16199 ) حديثاً ، فانهم لا يصححون منها سوى ( 5072 ) حديثاً ، ويضعفون ( 9480 ) حديثاً ويحسّنون ( 144 ) حديثاً ، والباقي عندهم من الاحاديث يسمون بعضه موثّقاً ، والاخر قوياً(1) .
ولو أننا نظرنا إلى روايات التحريف في كتب الشيعة لوجدناها في الاعم الاغلب قابلة الحمل على التأويل ، وغير القابلة الحمل على التأويل أكثرها من النوع الضعيف الذي لا يعتمده جمهور الشيعة ولا يبنون عليه حكماً ، وإن أكثر روايات التحريف مسندة إلى رجال من أمثال :
أحمد بن محمد السياري ، الذي يقول فيه الشيخ النجاشي :
____________
(1) دراسات في الحديث والمحدثين ; هاشم معروف الحسني 136 ـ 137 .
أو يونس بن ظبيان ، الذي يقول فيه النجاشي : ضعيف جداً لا يلتفت إلى ما رواه كل كتبه تخليط ، ويقول عنه ابن الغضائري : ابن ظبيان كوفي غال كذاب وضَاع للحديث(2) .
أو منخل بن جميل الكوفي ، الذي قال فيه علماء الشيعة : ضعيف فاسد الرواية ، وإنه من الغلاة المنحرفين(3) .
وغير أولئك من نصّ علماء الجرح والتعديل على تضعيفهم والطعن فيهم ونسبتهم إلى الكذب والغلو .
روايات أهل السنة
أما فيما يتعلق بالروايات الموجودة في كتب أهل السنة وصحاحهم حول تحريف القرآن ، فهي كثيرة جداً لا يسعنا الاحاطة بها في هذا المبحث ، ولكننا سنذكر طرفاً منها على وجه الاختصار ، وإن كان يؤسفنا ذلك ، مع التنبيه إلى أننا نحن الشيعة لا نعتقد بصحة هذه الروايات ، لاننا لا نعتقد بصحة كل ما جاء في صحاح أهل
____________
(1) رجال النجاشي 1/211 ـ 212 .
(2) رجال النجاشي 2/423 .
(3) دراسات في الحديث والمحدثين 198 ، رجال النجاشي 2/372 .
وإن غرضنا من إيراد هذه الشواهد ليس إلاّ إقامة الحجة على المتعصبين الذين يفترون على الشيعة ويتخذون وجود هذه الروايات الضعيفة في كتب الشيعة دليلاً على قولهم بالتحريف ، وإنا لله وإنا إليه راجعون :
1 ـ عن علقمة : دخلت في نفر من أصحاب عبد الله الشام ، فسمع بنا أبو الدرداء ، فأتانا فقال : أفيكم من يقرأ ؟ فقلنا : نعم ، قال : فأيكم أقرأ ؟ فأشاروا إلي ، فقال : إقرأ ، فقرأت : والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والانثى ; فقال : أنت سمعتها من فيّ صاحبك ؟ قلت : نعم ، قال : وأنا سمعتها من فيّ النبي وهؤلاء يأبون علينا(1) .
وفي رواية مسلم والترمذي : أنا والله هكذا سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)يقرؤها وهؤلاء يريدونني أن أقرأها : وما خلق ، فلا أُتابعهم(2) .
2 ـ عن عمر بن الخطاب : إن الله بعث محمداً بالحق ، وأنزل عليه
____________
(1) صحيح البخاري 6/210 .
(2) صحيح مسلم 1/565 ، صحيح الترمذي 5/191 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البينة .
وعن سعيد بن المسيب ـ وهو من أكابر التابعين ـ عن عمر قوله : إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل : لا نجد حدّين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)ورجمنا ، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة فارجموهما البتة ، فانا قد قرأناها(1) .
3 ـ عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) ، قال : دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) على الذين قتلوا ـ يعني أصحابه ببئر معونة ـ ثلاثين صباحاً حين يدعو على رعل
____________
(1) صحيح البخاري 8/208 كتاب المحاربين من أهل الردة ـ باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ، صحيح مسلم 3/1317 ، مسند أحمد 1/40 و55 ، الموطأ 2/824 : 10 ، مسند أحمد 1/36 و43 ، الاتقان في علوم القرآن 1/206 و2/42 و3/83 وقال : إن الله بعث محمداً .
4 ـ عن البراء بن عازب ، قال : نزلت هذه الاية : حافِظوا عَلى الصَّلواتِ وَصَلاةِ العَصْرِ ، فقرأناها ماشاء الله ، ثم نسخها الله ، فنزلت : (حَافِظُوا عَلى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى) ، فقال رجل كان جالساً عند شقيق له : هي إذاً صلاة العصر ؟ فقال البراء : قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله ، والله أعلم(2) .
5 ـ عن أبي يونس مولى عائشة أُم المؤمنين عن عائشة : أنها أمرته أن يكتب لها مصحفاً ، فلما بلغت (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) قال : فأملت علي : حافِظوا عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوسطى وَصَلاةِ العَصْرِ ، قالت : سمعتها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)(3) .
6 ـ عن أنس قال : ما وجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على سرية ما وجد عليهم ، كانوا يسمّون القراء ، قال سفيان : نزل فيهم : بلغوا عنا أنا قد
____________
(1) صحيح البخاري 5/136 ـ 137 باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة و 4/22 و26 باب فضل الجهاد والسير ، مسند أحمد 3/109 .
(2) صحيح مسلم 1/437 ـ 438 .
(3) الموطأ 1/138 : 25 ، صحيح مسلم 1/437 ـ 438 ، فتح الباري 8/158 .
7 ـ عن زر عن أبي بن كعب (رضي الله عنه) قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ومن نعتها لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيته سأل ثانياً وإن أعطيته سأل ثالثاً ولا يملا جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيراً فلن يكفره(2) .
8 ـ عن عائشة قالت : نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها .
كان فيما أنزل الله من القرآن ثم سقط : لا يحرم إلاّ عشر رضعات أو خمس معلومات(3) .
9 ـ عن أبي موسى الاشعري أنه قال لقراء أهل البصرة : إنا كنا
____________
(1) مسند أحمد 3/111 ، 255 .
(2) المستدرك 2/224 وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، كنز العمال 2/567 .
(3) سنن ابن ماجه 1/625 .
10 ـ عن زر بن حبيش قال : قال أبي بن كعب : يا زر ، كأيّن تقرأ سورة الاحزاب ؟ قلت : ثلاث وسبعون آية ، قال : إن كانت لتضاهي سورة البقرة أو هي أطول من سورة البقرة ، وإن كنا لنقرأ منها آية الرجم ، وفي لفظ : وإن في آخرها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ، فرُفع فيما رُفع [ عب ط ص عم وابن منيع ن وابن جرير وابن المنذر وابن الانباري في المصاحف ، قط في الافراد ، ك وابن مردويه ص ](2) .
11 ـ قرأ أبي بن كعب : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً إلاّ مَن تاب فان الله كان غفوراً رحيما ، فذُكر لعمر فأتاه فسأله عنها ، فقال : أخذتها من فيّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وليس لك عمل إلا الصفق
____________
(1) صحيح مسلم 726 ، 1050 .
(2) كنز العمال 2/567 .
12 ـ عن أبي إدريس الخولاني قال : كان أُبي يقرأ : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حما لفسد المسجد الحرام فأنزل الله سكينته على رسوله ، فبلغ ذلك عمر فاشتدّ عليه ، فبعث إليه فدخل عليه ، فدعا ناساً من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال : من يقرأ منكم سورة الفتح ؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم ، فغلّظ له عمر ، فقال أُبيّ : لاتكلّم ، قال :تكلم ، فقال : لقد علمت أني كنت أدخل على النبي (صلى الله عليه وسلم) ويقرؤني وأنت بالباب ، فإن أحببت أن أُقرئ الناس على ما أقرأني أقرأت وإلاّ لم أُقرئ حرفاً ما حييتُ ، قال : بل أقرئ الناس [ ن وابن أبي داود في المصاحف ك وروى ابن خزيمة بعضه ](2) .
13 ـ عن بجالة قال : مرّ عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أُمهاتهم وهو أبٌ لهم ، فقال : يا غلام حكّها ، قال : هذا مصحف أُبَيّ ، فذهب إليه فسأله ، فقال : إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالاسواق(3) .
____________
(1) المصدر السابق 2/568 .
(2) كنز العمال 2/568 ـ 594 .
(3) المصدر السابق 2/569 .
15 ـ عن عائشة أنها قالت : كانت سورة الاحزاب تُقرأ في زمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مائتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الان(2) .
16 ـ قال السيوطي : أَخرج إبن أبي شيبة والطبراني في الاوسط وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة ، قال : التي تسمّون سورة التوبة هي سورة العذاب ، والله ما تركت أحداً إلاّ نالت منه ، ولا تقرؤون مما كنا نقرأ إلاّ ربعها .
وأخرج أبو الشيخ عن حذيفة (رضي الله عنه) قال : ما تقرؤون ثلثها ، يعني سورة التوبة(3) .
17 ـ عن ابن مسعود قال : أقرأني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إني أنا الرزاق ذو القوة المتين(4) .
____________
(1) المصدر السابق : 567 .
(2) الاتقان في علوم القرآن 3/82 ، الدر المنثور 5/180 .
(3) الدر المنثور 4/120 ـ 121 .
(4) مسند أحمد 1/394 ، صحيح الترمذي 5/191 عن عبد الرحمن بن يزيد ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
والملاحظ أن المحدثين والحفاظ من أهل السنة يصححون هذه الاحاديث ـ كما مر في أقوال الحاكم والترمذي والذهبي ـ كما أن وجود هذه الروايات في صحيحي البخاري ومسلم يقتضي صحتها عند أهل السنة ، لانهم يقولون بأن كل ما في الصحيحين ينبغي أن يكون صحيحاً ، بل لقد صرّح بعض علماء أهل السنة بذلك ، كما يتبين من كلام الرافعي : فذهب جماعة من أهل الكلام... إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيء(2) .
كما نسب بعض العلماء إلى بعض الصحابة القول بأن في القرآن لحناً .
قال ابن جزي : ( والمقيمين ) منصوب على المدح باضمار فعل ، وهو جائز كثيراً في الكلام ، وقالت عائشة : هو من لحن كتّاب المصحف(3) .
____________
(1) روح المعاني 1/25 .
(2) إعجاز القرآن : 41 .
(3) التسهيل بعلوم التنزيل 1/164 ، 3/15 .
وإضافة لهذا وذاك فاننا لو راجعنا صحاح أهل السنة في كيفية جمع القرآن ، لوجدنا أن رواياتهم تثبت أن القرآن قد جُمع بطريق الاحاد وليس بطريق التواتر ، حتى أن بعض الايات قد أُخذت عن شخص واحد فقط هو خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، ولا أريد الافاضة في هذا الموضوع ، فمن أراد التحقق فليراجع روايات جمع القرآن في الصحاح .
خلاصة القول : إننا لو حاسبنا أهل السنة على هذه الروايات التي في كتبهم وصحاحهم لاستوجب ذلك إتهامهم بالقول بعدم صحة حفظ القرآن ، وفي هذا تكفير لهم ، وهي التهمة التي يحاول شيخ الوهابية أن يلصقها بأتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وصدق القائل : رمتني بدائها وانسلت .
رأي علماء الشيعة في التحريف
بعد أن تبين لنا بطلان التهمة التي يُرمى بها الشيعة بالقول
____________
(1) روح المعاني 1/25 .
1 ـ الفضل بن شاذان ، المتوفى سنة ( 260 هـ ) :
نجده في كتابه الايضاح ينص على بعض أهل السنة القول بتحريف القرآن ، مما يدلل على عدم إعتقاده بصحة القول بالتحريف(1) .
2 ـ الشيخ الصدوق ، محمد بن علي بن بابويه القمي ، المتوفى ( 381 هـ ) :
يقول : اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك... ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب(2) .
3 ـ الشيخ المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم ( 336 ـ 413 هـ ) :
قال : وقد قال جماعة من أهل الامامة : انه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف
____________
(1) الايضاح 112 ـ 114 ، ذكر ما ذهب من القرآن .
(2) الاعتقادات : 84 ضمن مصنفات الشيخ المفيد.
____________
(1) أوائل المقالات : 81 ـ 82 .
وللمزيد راجع كتاب « التحقيق في نفي التحريف » للسيد علي الميلاني .
الفصل السادس : التقيّة
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في « مطلب التقية » :
ومنها ايجابهم التقيّة ، ورووا عن الصادق (رضي الله عنه) : « التقيّة ديني ودين آبائي » حاشاه عن ذلك ، وفسر بعضهم قوله تعالى (إِنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) أكثركم تقية وأشدكم خوفاً من الناس...(1) . |
وفي : « مطلب تركهم الجمعة والجماعة » قال :
ومنها أن اليهود ضربت عليهم الذلة والمسكنة أينما كانوا ، وكذلك هؤلاء ضربت عليهم الذلة حتى أحيوا التقية من شدة خوفهم وذلهم...(2) . |
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 20 .
(2) رسالة في الردّ على الرافضة : 45 .
إن التقية ليست من بدع الشيعة ، وليس التزامهم بها بمثل تلك الصورة المشوهة التي يحاول البعض أن يلصقوها بالشيعة ، فالتقية شيء ثابت في الشريعة الاسلامية ، نزل بها القرآن الكريم وأقرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والتزم بها المسلمون منذ عهد الصحابة وحتى يومنا هذا ، وبيّن الفقهاء أحكامها ، بل إن الذين يشنعون على الشيعة قد يكونون أكثر التزاماً منهم بالتقية لو أنهم تعرضوا لمثل ما تعرض له الشيعة من محن على مرّ العصور .
قال الامام الباقر (عليه السلام) لبعض أصحابه : « يا فلان ، مالقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا ، ومالقي شيعتنا ومحبونا من الناس ! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض وقد أخبر أنّا أولى الناس بالناس; فتمالات علينا قريش حتى أخرجت الامر عن معدنه واحتجت على الانصار بحقنا وحجتنا ، ثم تداولتها قريش ، واحداً بعد واحد ، حتى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ، ولم يزل صاحب الامر في صعود كؤود حتى قُتل ، فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غُدر به وأُسلم
هكذا كان حال الشيعة في زمن بني أُمية ـ كما وصفه الامام الباقر (عليه السلام) ـ ثم جاء دور العباسيين الذي كانوا أشد وطأة على أهل البيت وشيعتهم من أسلافهم الامويين ، وكتب التاريخ ممتلئة بتلك الحوادث المفجعة ، ومن أراد التفصيل فعليه بكتاب مقاتل الطالبيين لابي الفرج الاصفهاني .
ثم جاء العثمانيون ليكملوا المسيرة الظالمة ، إذ كان السلطان سليم ـ كما يحدثنا السيد أسد حيدر ـ شديد التعصب على أهل الشيعة ، ولاسيما أنه كان في تلك الايام قد انتشرت بين رعاياه تعاليم شيعية تنافي مذهب أهل السنة ، وكان قد تمسك بها جماعة من الاهالي ، فأمر السلطان سليم بقتل كل من يدخل في هذه الشيعة ، فقتلوا نحو أربعين ألف رجل ، وأخرج فتوى شيخ الاسلام بأنه يؤجر على قتل الشيعة وإشهار الحرب ضدهم(2) .
كما ذكر الشيخ المظفر (رحمه الله) بعض فضائع العثمانيين تجاه الشيعة ،
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11/43 ـ 44 .
(2) الامام الصادق والمذاهب الاربعة 1/244 عن مصباح الساري ونزهة القاري : 123 ـ 124 .
أما المذابح التي ارتكبت بحق الشيعة ، وما أريق من دمائهم وما انتهب من أموالهم ، وما تعرض له مشاهدهم المقدسة من تخريب على أيدي الوهابيين بفتوى شيخهم محمد بن عبد الوهاب ، فحدّث ولا حرج ، إستكمالاً للمخطط الذي بدأه معاوية في تصفية آثار النبوة والقضاء على سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) من خلال تصفية أتباعه المتمسكين بسنته كما سوف يتبين في بعض الفصول القادمة .
وأكتفي بهذا القدر من الشواهد التاريخية حتى يعرف القارئ الكريم الظروف التي أحاطت بالشيعة مما جعلهم يلجؤون إلى التقية .
ويبقى السؤال : هل خالف الشيعة شريعة الاسلام في الالتزام بالتقية ؟
لقد حدّد الشيخ محمد بن عبد الوهاب مفهوم التقية عند الشيعة
____________
(1) تاريخ الشيعة : 147 ، التقية في فقه أهل البيت 51/1 .
والمفهوم من كلامهم أن معنى التقية عندهم كتمان الحق أو ترك اللازم أو ارتكاب المنهي خوفاً من الناس...(1) . |
فلنستعرض الان مفهوم التقية عند أهل السنة من خلال أقوال بعض علمائهم ، حتى يتبين لنا إن كانوا يخالفون مفهومها عند الشيعة : في شيء :
1 ـ قال أحمد مصطفى المراغي في تفسيره لقوله تعالى : (لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْء إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)(2) ، قال :
أي إنّ ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال ، إلاّ في حال الخوف من شيء تتقونه منهم ، فلكم حينئذ أن تتقوهم بقدر ما يتقى ذلك الشيء ، إذ القاعدة الشرعية أن ردّ المفاسد مقدّم على جلب المصالح ، وإذا جاز موالاتهم لاتقاء الضرر فأولى أن تجوز لمنفعة المسلمين ، وإذاً فلا مانع من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود إلى الاولى ، إما بدفع ضرر أو جلب منفعة ،
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 21 .
(2) سورة آل عمران : 28 .
2 ـ وقال ابن العربي المالكي :
وقد اختلف الناس في التهديد ، هل هو إكراه أم لا ؟ والصحيح إنه إكراه ، فان القادر الظالم إذا قال لرجل : إن لم تفعل كذا وإلاّ قتلتك أو ضربتك أو أخذت مالك أو سجنتك ، ولم يكن له من يحميه إلاّ الله ، فله أن يقدم على الفعل ويسقط عنه الاثم في الجملة ، إلاّ في القتل ، فلا خلاف بين الاُمة أنه إذا أُكره عليه بالقتل لا يحل له أن يفدي
____________
(1) تفسير المراغي 3/136 ـ 137 ، والاية في سورة النحل : 106 .
3 ـ قال القرطبي :
لما سمح الله عزوجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الاكراه ولم يؤاخذ به ، حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلها ، فاذا وقع الاكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم ، وبه جاء الاثر المشهور عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : « رُفع عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه »... روى ابن القاسم عن مالك أن من أُكره على شرب الخمر وترك الصلاة أو الافطار في رمضان أن الاثم عنه مرفوع...(2) .
4 ـ وقال أبو حيان :
صحة التقية من كل غالب يكره بجور منه ، فيدخل في ذلك الكفار وجورة الرؤساء والسلابة وأهل الجاه في الحواضر ، كما تصح التقية عنده في حالة الخوف على الجوارح والضرب بالسوط
____________
(1) أحكام القرآن 3/1177 ـ 1178 .
(2) الجامع لاحكام القرآن 10/181 .
5 ـ فخر الدين الرازي ، قال :
التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال ؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله (صلى الله عليه وسلم) : « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » ، ولقوله (صلى الله عليه وسلم) : « من قُتل دون ماله فهو شهيد » ، ولان الحاجة إلى المال شديدة ، والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء وجاز الاقتصار على التيمم دفعاً لذلك القدر من نقصان المال ، فكيف لا يجوز ههنا والله أعلم . قال مجاهد : هذا الحكم كان ثابتاً في أول الاسلام لاجل ضعف المؤمنين ، فأما بعد قوة دولة الاسلام فلا . روى عوف عن الحسن أنه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ، وهذا القول أولى ، لان دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان(2) .
6 ـ وقال الجصاص :
قال أصحابنا فيمن أُكره بالقتل وتلف بعض الاعضاء على شرب الخمر وأكل الميتة لم يسعه أن لا يأكل ولا يشرب ، وإن لم يفعل
____________
(1) البحر المحيط 2/424 .
(2) التفسير الكبير 8/14 .
7 ـ وقال ابن الجوزي :
الاكراه على كلمة الكفر يبيح النطق بها ، وفي الاكراه المبيح لذلك عن أحمد روايتان : إحداهما أنه يخاف على نفسه أو على بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أُمر به . والثانية أن التخويف لا يكون إكراهاً حتى ينال العذاب ، وإذ ثبت جواز التقية ، فالافضل ألا يفعل ، نص عليه أحمد في أسير خُيّر بين القتل وشرب الخمر فقال : إن صبر على القتل فله الشرف ، وإن لم يصبر فله الرخصة ، فظاهر هذا الجواز(2) .
8 ـ الالوسي حيث قال :
وفي هذه الاية دليل على مشروعية التقية ، وعرّفوها لمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الاعداء(3) .
9 ـ الشافعي ، قال في حكم المكره على الردة :
لو شهد عليه شاهدان أنهما سمعاه يرتد وقالا : ارتد مكرهاً أو
____________
(1) أحكام القرآن 3/193 .
(2) زاد المسير 4/496 .
(3) روح المعاني 3/121 .
10 ـ الغزالي ، قال ـ في بيان ما رخص فيه من الكذب ـ :
الكلام وسيلة إلى المقاصد ، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام ، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان محصل ذلك القصد مباحاً ، وواجب إن كان المقصود واجباً ، كما أن عصمة دم المسلمين واجبة ، فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب(2) .
11 ـ وقال السرخسي :
والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه ، وقد كان بعض الناس يأبى ذلك ويقول إنه من النفاق ، والصحيح أن ذلك جائز ، لقوله تعالى : (إِلاَّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تَقاةً) ، وإجراء كلمة الشرك على اللسان مكرهاً مع طمأنينة القلب بالايمان من باب التقية(3) .
____________
(1) الاُم 6/162 .
(2) إحياء علوم الدين 3/137 .
(3) المبسوط 24/45 .
الاكراه ينقسم قسمين : إكراه على الكلام ، وإكراه على فعل ، فالاكراه على الكلام لا يجب به شيء وإن قاله المكره كالكفر والقذف والنكاح والانكاح والرجعة والطلاق والبيع والابتياع والنذر والايمان والعتق والهبة... فصح أن كل من أُكره على قول ولم ينوه مختاراً له فانه لا يلزمه(1) .
هذا ما قاله بعض المفسرين والفقهاء والعلماء من أهل السنة ـ على اختلاف مذاهبهم ـ حول مفهوم التقية في حالة الخوف وترك بعض الواجبات وإتيان بعض المحرمات دفعاً للضرر ، وهذا هو نفس مفهوم التقية عند الشيعة ، فلماذا يشنّع على الشيعة وحدهم في ذلك ؟ !
أما سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل وكل الانبياء (عليهم السلام) ، والصحابة والتابعين وغيرهم من عظماء المسلمين ، فتشهد بجواز التقية ، لانهم قد مارسوها بأنفسهم في بعض الحالات الاضطرارية ، والامثلة على ذلك أكثر من أن يحاط بها ، ولكنني سأكتفي بأمثلة قليلة مما نجد في مصادر أهل السنة من ذلك :
____________
(1) المحلى 8/329 .
2 ـ وأخرج أيضاً عن عبدالله بن أبي مليكة : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أُهديت له أقبية من ديباج مزررة بالذهب ، فقسمها في أُناس من أصحابه وعزل منها واحداً لمخرمة ، فلما جاء قال : « خبأتُ هذا لك » قال أيوب بثوبه أنه يريه إياه ، وكان في خلقه شيء...(2) .
فتصرف النبي (صلى الله عليه وسلم) تجاه هذين الشخصين إتقاء لشرهما لا يمكن أن يحمل إلاّ على باب التقية .
3 ـ عن أبي هريرة قال : حفظت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعاءين ، فأما أحدهما فبثثته ، وأما الاخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم(3) .
قال ابن حجر العسقلاني في شرحه لهذا الحديث : وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الاحاديث التي فيها تبيين أسامي
____________
(1) صحيح البخاري 8/38 .
(2) المصدر السابق ، باب المداراة مع الناس .
(3) صحيح البخاري 1/41 ، كتاب العلم ، باب حفظ العلم .
4 ـ وقال البخاري أيضاً : ويذكر عن أبي الدرداء : إنا لنكشّر في وجوه أقوام ، وإن قلوبنا لتلعنهم(2) .
5 ـ وروى البخاري عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : « قال إبراهيم لامرأته هذه أُختي ، وذلك في الله »(3) .
6 ـ وقال الهيثمي : عن ابن عمر قال : سمعت الحجاج يخطب ، فذكر كلاماً أنكرته ، فأردت أن أُغيّر فذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه » قال : قلت يا رسول الله ، كيف يذل نفسه ؟ قال : « يتعرض من البلاء لما لا يطيق »(4) .
7 ـ قال السرخسي : ذكر عن مسروق رحمه الله قال : بعث
____________
(1) فتح الباري 1/175 .
(2) صحيح البخاري 8/37 ـ 38 كتاب الادب ، باب المداراة مع الناس .
(3) صحيح البخاري 9/28 .
(4) مجمع الزوائد 7/274 وقال : رواه البزار والطبراني في الاوسط والكبير باختصار ، وإسناد الطبراني في الكبير جيد ورجاله رجال الصحيح غير زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير ، ذكر الخطيب : روى عن جماعة وروى عنه جماعة ولم يتكلم فيه أحد .
هذه أدلة قليلة إرتأيت الاكتفاء بها لاثبات أن التقية أمر مشروع في الاسلام ، أقره الكتاب العزيز ، والتزم به الانبياء (عليهم السلام) ، وأفتى بجوازها ـ بل بوجوبها أحياناً ـ الفقهاء ، ولقد أدرك الصحابة أيضاً مشروعية التقية ومارسوها ، كما فعل كل من أبي هريرة وابن عمر وغيرهما ، وأما قضية التابعي مسروق مع معاوية فهي تغني عن كل بيان ، حيث خشي مسروق أن يعذبه معاوية فيفتنه عن دينه .
ونحن نسأل بدورنا إذا كان هذا موقف معاوية مع تابعي كبير ليس متهماً بالتشيع ، فما بالك بخصومه من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ،
____________
(1) المبسوط 24/45 ، 47 .
وإذا كان شيخ الوهابية ينعى على الشيعة تمسكهم بالتقية بعد كل ما ظهر لنا ، فما باله وأتباعه قد خالفوا عقيدتهم في هدم المشاهد المقدسة ، ولماذا تركوا قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر وعمر قائمة ولم يلحقوها بالارض كما فعلوا بغيرها ؟ ؟ أليس ذلك تقية منهم ؟ ! !
الفصل السابع : حرب أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال الشيخ في « مطلب تكفير من حارب علياً » :
ومنها تكفير من حارب علياً (رضي الله عنه) ، مرادهم بذلك عائشة وطلحة والزبير وأصحابهم ومعاوية وأصحابه ، وقد تواتر منه (صلى الله عليه وسلم) ما يدل على إيمان هؤلاء وكون بعضهم مبشراً بالجنة ، وفي تكفيرهم تكذيب لذلك ، فان لم يصيروا كفرة بهذا التكذيب فلا شك انهم يصيرون فسقة ، وذلك يكفي في خسارتهم في تجارتهم(1) . |
إن الشيعة حين يكفرون من حارب أمير المؤمنين (عليه السلام) فانما
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 26 .
فمن ذلك : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : « من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني »(1) .
وعن أبي هريرة قال : نظر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم »(2) .
وعن زيد بن أرقم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة وعلي وحسن وحسين : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم »(3) .
وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال : لما دخل علي (رضي الله عنه) بفاطمة رضي الله عنها جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) أربعين صباحاً إلى بابها يقول : « السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمكم الله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ، أنا حرب لمن
____________
(1) المستدرك 3/123 ، تاريخ دمشق 42/307 .
(2) مسند أحمد 2/442 ، المستدرك 3/149 ، المعجم الكبير 3/30 ، مجمع الزوائد 9/169 .
(3) سنن الترمذي 5 / 699 ، سنن ابن ماجة 1 / 52 ، كنز العمال 13 / 640 .
فقد أثبت النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذه الاحاديث الشريفة وأمثالها مما أخرجه الائمة الاعلام من أهل السنة في كتبهم أن من حارب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أو أحداً من أهل بيته أو فارقهم فقد صار محارباً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ومن حارب النبي فقد صار محارباً لله تعالى كما هو معلوم بديهة ، ومن حارب الله ورسوله فقد كفر ، بدلالة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (2) ، وقوله تعالى : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاَْرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاف أو يُنْفَوْا مِنَ الاَْرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الاْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(3) .
وقد خرجت عائشة أُم المؤمنين وطلحة والزبير ومن معهم على جماعة المسلمين وإمامهم الشرعي ، فوقعوا تحت حكم المفارقين للجماعة المفرقين لشمل المسلمين ، الذين وصفهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدد من الاحاديث الشريفة ، نذكر منها :
1 ـ عن أُسامة بن شريك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « من فرّق بين
____________
(1) تفسير الطبري 22/5 ، تاريخ بغداد 10/78 ، الدر المنثور 6/606 .
(2) سورة التوبة : 61 .
(3) سورة المائدة : 33 .
2 ـ عن زياد بن علاقة أنه سمع عرفجة ، سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول : « إنها ستكون هناة وهناة ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الاُمة وهم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائناً من كان »(2) .
3 ـ عن أبي هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال : « من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ، مات ميتة جاهلية . ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية فقُتل ، فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أُمتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه »(3) .
4 ـ عن ابن عباس يرويه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فانه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية »(4) .
____________
(1) سنن النسائي 2/166 ، كتاب السنة لابن أبي عاصم : 512 ، وصححه الالباني .
(2) مسند الطيالسي : 1224 ، صحيح مسلم 3/1479 ، سنن النسائي 2/166 ، مسند أحمد 5/23 ـ 24 ، كتاب السنة : 512 وصححه الالباني .
(3) صحيح مسلم 3/1476 ـ 1478 كتاب الامارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة .
(4) المصدر السابق .
فهؤلاء المذكورون قد خرجوا على جماعة المسلمين وإمامهم بحجج واهية رغم تحذير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكونهم من الصحابة لا يكفي لنجاتهم ، لما أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن هلاك جم غفير من أصحابه كما سبق وذكرنا في حديث الحوض الذي تقدم في فصل الصحابة .
وأما معاوية وأصحابه ، فيكفي أن نذكر قول النبي (صلى الله عليه وسلم) في عمار بن ياسر (رضي الله عنه) : « يا ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار »(2) .
فقد أثبت النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث المتفق عليه أن قاتلي عمار من أهل النار ، لان أهل الجنة لا يدعون إلى النار ، ومعلوم أن معاوية وفئته الباغية هم قتلة عمار (رضي الله عنه) .
أما إدعاء البعض باجتهاد هؤلاء ، فعذر لا تقوم به حجة ، وقد بسطت القول في هذا الموضوع في كتابي الصحوة ، فليراجع .
____________
(1) المصدر السابق .
(2) صحيح البخاري 1/122 باب بناء المسجد ، صحيح مسلم 4/2236 ، مسند أحمد 3/91 ، المستدرك 3/387 ، سنن البيهقي 8/189 .
وبالنسبة لاُم المؤمنين عائشة ، فان كونها زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لا يكفي لنجاتها ، والاحاديث الواردة في تبشيرها برفقة النبي في الجنة موضوعة أيضاً ، وهي تصادم كتاب الله ، وقد أثبت الكتاب العزيز أن زوجتي نوح ولوط (عليهما السلام) كانتا من الهالكين ولم ينجهما أنهما زوجتا نبيين ، وذلك في قوله تعالى في سورة التحريم التي تضمنت الايات المشحونة بالتهديد والوعيد لكل من عائشة وحفصة اللتين تظاهرتا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال عز من قائل : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوح وَامْرَأَةَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُما فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)(1) .
وقد حذّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عائشة من مغبة الخروج في حديث الحوأب المشهور ، فقامت عليها الحجة ، ولكنها رغم ذلك ركبت رأسها وهتكت الحجاب الذي فرضه الله تعالى عليها ، وأشعلت نار
____________
(1) سورة التحريم : 10 .
افضلية أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال الشيخ ابن عبد الوهاب في « مطلب فضل الامام علي » :
ومنها أنه قال إبن المطهر الحلي : اجتمعت الامامية على أن علياً بعد نبينا أفضل من الانبياء غير أُولي العزم وفي تفضيله عليهم خلاف ، قال : وأنا من المتوقفين في ذلك وكذلك الائمة من آله . وقال الطوسي في تجريده : وعلي أفضل الصحابة لكثرة جهاده . إلى أن قال : وظهور المعجزات عنه واختصاصه بالقرابة والاخوة ووجوب المحبة والنصرة ومساواة الانبياء . وقال الشارح : ويؤيده قوله (صلى الله عليه وسلم) : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب » . فانه أوجب مساواته الانبياء في صفاتهم . انتهى . وفي صحة هذا نظر ، وبعد فرض صحته لا يوجب المساواة ، لان المشاركة في بعض الاوصاف لا تقتضي المساواة كما هو بديهي ، ومن اعتقد في غير الانبياء |
كونه أفضل منهم ومساوياً لهم فقد كفر ، وقد نقل على ذلك الاجماع غير واحد من العلماء ، فأي خير في قوم اعتقادهم يوجب كفرهم(1) . |
لا أدري ماالذي يستوجب الكفر في اعتقاد أفضلية أمير المؤمنين ، والحديث الذي استشهد به الشيخ موجود في كتب أهل السنة ودلالته واضحة ، كما أن الاجماع الذي يدعيه الشيخ ابن عبد الوهاب لا يستند على دليل نقلي ثابت ، بل على العكس ، فان أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام) على جميع البشر عدا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثابتة في القرآن والسنة النبوية المطهرة .
أخرج الامام مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلن أسبه ، لان تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 28 ـ 29 .
قال العلامة الحلي (قدس سره) : واتفق المفسرون كافة على أن الابناء إشارة إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) ، والنساء إشارة إلى فاطمة (عليها السلام) ، والانفس إشارة إلى علي (عليه السلام) ، ولا يمكن أن يقال أن نفسيهما واحدة فلم يبق المراد من ذلك إلاّ المساوي ، ولا شك في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الناس ، فمساويه كذلك أيضاً(2) .
____________
(1) صحيح مسلم 4/1871 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، سنن الترمذي 5/638 .
(2) كشف المراد في شرح الاعتقاد : 385 .
ومن السنة النبوية
1 ـ عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال : كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذي العشيرة، فلما نزلها رسول الله وأقام بها رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل ، فقال لي علي : يا أبا اليقظان هل لك أن تأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون ؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب فنمنا ، فوالله ما أيقظنا إلاّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « يا أبا تراب » لما يرى عليه من التراب ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « ألا أُحدثكما بأشقى الناس رجلين ؟ » قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : « أُحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه ـ يعني قرنه ـ حتى تبتل هذه من الدم ـ يعني لحيته ـ »(1) .
فإذا أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أشقى الاخرين ، فهذا يعني أن له منزلة عظيمة عند الله تعالى لا تضاهيها حتى منزلة بعض الانبياء الذين قُتلوا كيحيى بن زكريا (عليهما السلام) وغيره من أنبياء بني إسرائيل ، إذ لم يخبرنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن قتلة هؤلاء الانبياء هم من أشقى الناس ، مما يدل على أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى
____________
(1) المستدرك 3/141 وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، مسند أحمد 4/263 ، سيرة ابن هشام 2/249 ، الطبقات الكبرى 2/10 ، وغيرها من الصادر .
2 ـ كما جاء في الحديث الشريف أن عيسى (عليه السلام) ـ وهو من الانبياء من أُولي العزم ـ يصلي خلف الامام المهدي (عليه السلام) ، وهو الامام الثاني عشر من المعصومين عند الشيعة الامامية ، وبما أن أهل السنّة يستدلّون بصلاة أبي بكر في مرض النبي (صلى الله عليه وآله) على أفضليته ، فنحن نعتقد أن الامام المهدي (عليه السلام) ينبغي أن يكون أفضل من عيسى (عليه السلام)الذي يأتمّ بصلاته .
الفصل الثامن : عصمة الائمّة (عليهم السلام)
قال الشيخ في « مطلب العصمة » :
ومنها اشتراطهم كون الامام معصوماً وايجابهم على الله عدم إخلاء الزمان من إمام معصوم وحصر الامام المعصومين في إثني عشر ، وبطلان هذا وتناقضه واشتماله على سوء الادب مع الله أظهر من أن يذكر ، وأبطلوا بهذا القول الباطل الجماعة في الصلاة...(1) . |
لا أدري ما وجه البطلان في وجوب العصمة في الامام الذي تؤيده الادلة العقلية والنقلية .
وإذا كان وجوب العصمة يستلزم مشاركة الانبياء في وصف
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 34 .
فالنبي قد أثبت لامير المؤمنين (عليه السلام) جميع المراتب التي لهارون ـ وهو نبي ـ ولم يستثنِ منها إلاّ النبوة ، ومعلوم أن العصمة إحدى هذه المراتب ، فطالما أنّ هارون نبي معصوم ، فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إمام معصوم ، وهكذا الامر في أولاده المعصومين (عليهم السلام) .
أما اشتراط الامامية العصمة في الامام ، فان الادلة العقلية والنقلية تثبت ذلك .
يقول المحقق الطوسي (رحمه الله) : وامتناع التسلسل يوجب عصمته ، ولانه حافظ للشرع ، ولوجوب الانكار عليه لو أقدم على المعصية ، فيضاد أمر الطاعة ويفوت الغرض من نصبه ، ولانحطاط رتبته عن
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 27 .
(2) صحيح مسلم 4/1870 ، صحيح البخاري 5/24 ، مسند أحمد 1/330 ـ 331 ، 1/170 ، 173 ، 174 ، 175 ، 177 ، 179 ، 184 ، 185 ، 3/32 ، 338 ، 8/369 ، 438 ، وغيرها .
وهذا حق ، لان الناس من الرعية ليسوا بمعصومين ، فيحتاجون إلى المعصوم لتسديدهم ، فاذا لم يكن الامام معصوماً فسوف يحتاج إلى من يسدده ، والاخر يحتاج إلى من يسدده ، فيحدث التسلسل الذي لا نهاية له .
ولان الامام حافظ للشرع بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلابد وأن يكون معصوماً ، لان الكتاب والسنة لم يحيطا بكل الدقائق والتفاصيل ، والدليل على ذلك هو هذه الخلافات ـ ليس بين المذاهب المختلفة فحسب ، بل وبين أبناء المذهب الواحد أيضاً ـ فالامام المعصوم هو الذي يستطيع أن يتكفل تبيين أُمور الشريعة ، لانه العالم بكتاب الله الحافظ لسنة نبيه الصحيحة.
ولقد أثبت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عصمة أهل البيت (عليهم السلام) عند ما قرنهم بكتاب الله وجعلهم أعداله الذين لا يفترقون عنه حتى يردوا عليه الحوض جميعاً ، كما هو واضح في حديث الثقلين .
وكتاب الله العزيز قد أثبت العصمة للائمة (عليهم السلام) في قوله تعالى :
____________
(1) تجريد الاعتقاد : 222 .
قال الشيخ المظفر (رحمه الله) : فانه تعالى أوجب طاعة أُولي الامر على الاطلاق كطاعته وطاعة الرسول ، وهو لا يتم إلا بعصمة أُولي الامر ، فان غير المعصوم قد يأمر بمعصية وتحرم طاعته فيها ، فلو وجبت أيضاً اجتمع الضدان : وجوب طاعته وحرمتها ، ولا يصح حمل الاية على إيجاب الطاعة له في خصوص الطاعات ، إذ مع منافاته لاطلاقها لا يجامع ظاهرها من إفادة تعظيم الرسول وأُولي الامر بمساواتهم في وجوب الطاعة ، إذ يصبح تعظيم العاصي ولاسيما المنغمس بأنواع الفواحش ، على أن وجوب الطاعة في الطاعات ليس من خواص الرسول وأُولي الامر ، بل تجب طاعة كل آمر بالمعروف ، فلابد أن يكون المراد بالاية بيان عصمة الرسول وأُولي الامر ، وأنهم لا يأمرون ولا ينهون إلاّ بحق(2) .
أما كون الامامة واجبة على الله تعالى ، فيثبته قوله تعالى لابراهيم (عليه السلام) : (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَيَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(3) .
____________
(1) سورة النساء : 59 .
(2) دلائل الصدق 2/17 .
(3) سورة البقرة : 124 .
فبهذا وغيره يبطل إدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأن إيجاب الامامة على الله سبحانه والقول بضرورة عصمة الامام ، هو من إدعاءات الشيعة ولم يرد به نص أو سنة أو دليل عقلي ... .
فالنص الالهي والسنة النبوية المطهرة والعقل كلها تثبت صحة نظرية الشيعة في الامام وعصمة الامام .
وسيأتي الحديث عن الجمعة والجماعة في مباحث لاحقة .
قال الشيخ في « مطلب نفي ذرية الحسن » :
ومنها قولهم : إن الحسن بن علي لم يعقب وأن عقبه انقرض وأنه لم يبق من نسله الذكور أحد ، وهذا القول شائع فيهم وهم مجمعون عليه ولا يحتاج إلى إثباته ، كذا قيل ، ومنهم من يدّعي أن |
الجاج(1) مثلهم كلهم ، وتوصلوا بذلك إلى أن يحصروا الامامة في أولاد الحسين...(2) . |
إن هذا المطلب أتفه من أن يحتاج إلى إبطاله ، وقول الشيخ : كذا قيل ، يدل على أنه ينقل من مصادر غير موثوقة ، إذ ليس بين الشيعة كلهم من يقول بمثل المقالة التي يدعيها الشيخ ، ولا وجدت رواية واحدة في أي كتاب من كتبهم تشير إلى ذلك .
والسادة الحسنيون يعدون بالاُلوف ، بل أن بعض مراجع الشيعة العظام كالسيد محسن الحكيم (رحمه الله) هو من نسل الامام الحسن (عليه السلام) ، ولا حاجة للافاضة في هذا الموضوع سوى الاشارة إلى أن ديدن الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو الافتراء والكذب ، وقد صرّح بعض مَن ناظرناه في هذه المسألة بخطأ محمد بن عبد الوهاب في هذا الادعاء ، فقلنا له : إن إنساناً ينسب إلى فرقة قولاً ويدعي عليه أنه شائع فيهم وهم مجمعون عليه !! مع أنه لم يقل به واحد منهم ، بل لم يسمعوا به ، هكذا شخص كيف يلقب بشيخ الاسلام ؟!! .
____________
(1) لم يتضح لي المقصود من هذه الكلمة .
(2) رسالة في الردّ على الرافضة : 29 .
الفصل التاسع : أحكام المخالفين
قال الشيخ في « مطلب خلافهم في خروج غيرهم من النار » : ومنها أنه قال الحلي في شرح التجريد : اختلف الائمة في غير الاثني عشرية من الفرق الاسلامية هل يخرجون من النار ويدخلون الجنة أم يخلدون فيها بأجمعهم ؟ قال : والاكثرون على الثاني ، وقال شرذمة بالاول ، وقال ابن نوبخت : يخرجون من النار ولا يدخلون الجنة بل هم بالاعراف ، انتهى . وهذا مبني على أن مذهبهم اعتقادهم أهل الجنة كفاراً أو فساقاً مع اعتقادهم أن الفاسق لا يخرج من النار أبداً ، وهذا يستلزم تكذيب ما صح عنه (صلى الله عليه وسلم) من إخراج عصاة الموحدين من النار ، وما روي في فضل السواد |
الاعظم الذين هم أهل السنة ، وقد صح أن الصحابة وأخيار التابعين مذهب أهل السنة مذهبهم ، وقولهم هذا يشبه قول أهل الكتاب حيث قالوا : لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً أو نصارى . وكذلك هؤلاء يقولون بأفواههم : لن يدخل الجنة إلا من كان رافضياً ، أُنظر كيف يفترون على الله الكذب ، بل أفعالهم تقتضي حرمانهم عنها(1) . |
أقول : إن الشيخ لم يكن أميناً في نقل عبارة العلامة الحلي (قدس سره) ، وهذه للاسف هي إحدى الوسائل الملتوية التي يلجأ إليها خصوم الشيعة عند ما يعجزهم الدليل في قرع الحجة بالحجة ، فيلجؤون إما إلى تزييف النصوص الواردة عن الشيعة أو بترها والتصرف فيها بحيث تعطي معنى معاكساً للمقصود منها .
وعبارة العلامة الحلي (قدس سره) لم ترد بهذا الشكل الذي يستهدف الشيخ من ورائه إثارة الضغائن وتأليب المسلمين بعضهم على بعض وإيقاع الفتنة بينهم ، إذ أن عبارة الشيخ توحي بأن الشيعة يكفّرون غيرهم من المسلمين ، وهذا إفتراء عظيم وبهتان يبرأ الشيعة منه ، وسوف أُورد بعض الامثلة التي تكذب هذا الادعاء بعد نقل عبارة
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 30 .
قال العلامة الحلي (قدس سره) ـ في شرحه على تجريد الاعتقاد للمحقق الطوسي (قدس سره) ـ في أحكام المخالفين :
قال : محاربو علي (عليه السلام) كفرة ، ومخالفوه فسقه :
المحارب لعلي (عليه السلام) كافر لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : « ياعلي ، حربك حربي » ، ولا شك في كفر من حارب النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وأما مخالفوه في الامامة ، فقد اختلف قول علمائنا ، فمنهم من حكم بكفرهم لانهم دفعوا ما علم ثبوته من الدين ضرورة وهو النص الجلي الدال على إمامته مع تواتره ، وذهب آخرون إلى أنهم فسقة ، وهو الاقوى ، ثم اختلف هؤلاء على أقول ثلاثة :
أحدها : أنّهم مخلدون في النار لعدم استحقاقهم الجنة .
الثاني : قال بعضهم : إنهم يخرجون من النار إلى الجنة .
الثالث : ما ارتضاه ابن نوبخت وجماعة من علمائنا أنهم يخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود ولا يدخلون الجنة لعدم الايمان المقتضي لاستحقاق الثواب(1) .
أما قول الشيخ : هذا مبني على أن مذهبهم اعتقادهم أهل الجنة
____________
(1) كشف المراد 398 .
فهذا أيضاً من الافك الذي يبرأ الشيعة منه ، فلننظر مثلاً إلى ما يقوله المحقق الطوسي (رحمه الله) في انقطاع عذاب صاحب الكبائر :
أ ـ والكافر مخلّد ، وعذاب صاحب الكبيرة منقطع... لاستحقاقه الثواب بايمانه ، ولقبحه عند العقلاء ، والسمعيات متأولة ، ودوام العقاب مختص بالكافر .
ب ـ الشفاعة : والاجماع على الشفاعة ، فقيل : لزيادة المنافع ، ويبطل منا في حقه ، ونفي المطاع لا يستلزم نفي المجاب ، وباقي السمعيات متأولة بالكفار .
وقيل : في إسقاط المضار ، والحق صدق الشفاعة فيهما ، وثبوت الثاني له (صلى الله عليه وآله وسلم) لقوله : « إدّخرت شفاعتي لاهل الكبائر من أُمتي »(1) .
أما إدعاء الشيخ أن قول الشيعة يشبه قول النصارى واليهود ، فالحقيقة أن رأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباع مدرسته هو الذي يشبه ذلك ، لانهم يعتبرون أنفسهم الموحدين دون غيرهم ، ويعتبرون باقي المسلمين ـ سنة وشيعة ـ من المشركين ، ويستطيع كل باحث في آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكل من يخالطهم
____________
(1) تجريد الاعتقاد : 304 ـ 305 .
أما الشيعة ، فان ما جاء في روايات أئمتهم المعصومين (عليهم السلام) يثبت أن الشيعة لا يكفّرون أحداً من أهل القبلة ، وإليك بعض الامثلة :
1 ـ عن شريك المفضل قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : « الاسلام يحقن به الدم وتؤدى به الامانة وتستحل به الفروج ، والثواب على الايمان »(1) .
2 ـ عن سفيان بن السمط قال : سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الاسلام والايمان ، ما الفرق بينهما... فقال : « الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس : شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، فهذا الاسلام... » الحديث(2) .
3 ـ وعن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : « الايمان ما استقر في القلب وأفضى به إلى الله عزوجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لامره ، والاسلام ماظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء
____________
(1) أصول الكافي 2/20 .
(2) المصدر السابق .
كما أن إدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن مذهب الصحابة هو مذهب أهل السنة ، فغير صحيح ، وسنثبت ذلك في المطلب الاتي .
قال الشيخ في « مطلب مخالفتهم أهل السنة » : ومنها أنهم جعلوا مخالفة أهل السنة والجماعة الذين هم على ما عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه أصلاً للنجاة ، فصاروا كلّما فعل أهل السنة تركوه ، وإن تركوا شيئاً فعلوه ، فخرجوا بذلك عن الدين رأساً ، فان الشيطان سوّل لهم ، وأملى لهم وادعوا بأن هذه المخالفة علامة أنهم الفرقة الناجية ، وقد قال (صلى الله عليه وسلم) : « الفرقة الناجية هي السواد الاعظم وما أنا عليه وأصحابي » ، فلينظر إلى الفرق ومعتقداتهم وأعمالهم ، فما وافقت النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه هي الفرقة الناجية ، وأهل السنة هم المتبعون لاثاره (صلى الله عليه وسلم) وآثار |
____________
(1) المصدر السابق 2/22 باب أن الاسلام يحقن به الدم وتؤدى به الامانة .
أصحابه كما لا يخفى على منصف ينظر بعين الحق ، فهم أحق أن يكونوا الفرقة الناجية وآثار النجاة ظاهرة فيهم لاستقامتهم على الدين من غير تحريف وظهور مذهبهم وشوكتهم في غالب البلاد ووجود العلماء المحققين والمحدثين والاولياء والصالحين فيهم ، وقد نزع الولاية عن الرافضه فما سمع فيهم ولي قط(1) . |
أقول : إن إدعاء الشيخ بالمخالفة لا أساس له من الصحة ، لكن الحقيقة المؤسفة هي أن أهل السنة هم الذين خالفوا سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في أكثر من مورد واتبعوا سنن الذين أحدثوا في الدين ـ كما أخبر النبي بذلك ـ وأهل السنة يعترفون صراحة بمخالفة السنة النبوية بدعوى أنهم يخالفون الشيعة أوالروافض كما يسمونهم ، وإليك طائفة من هذه الاعترافات :
1 ـ قال ابن تيمية : ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم ـ يعني الشيعة ـ فانه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك ، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميز السني من الرافضي ، ومصلحة التميّز عنهم لاجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم
____________
(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 30 .
فابن تيمية يعترف بأن أهل السنة هم الذين يخالفون السنة النبوية ويتركون المستحبات بدعوى مخالفة الشيعة والتميّز عنهم .
2 ـ قال البيهقي : عن سفيان التمار أنه حدّثه أنه رأى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)مسنَّماً ، رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن مقاتل عن عبدالله بن المبارك ، ومتى صحت رؤية القاسم بن محمد قبورهم مبطوحة ببطحاء العرصة فذلك يدل على التسطيح ، وصحت رؤية سفيان التمار قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) مسنَّماً ، فكأنه غُيّر عما كان عليه في القديم ، فقد سقط جداره في زمن الوليد بن عبدالملك وقيل في زمن عمر بن عبدالعزيز ثم أُصلح ، وحديث القاسم بن محمد في هذا الباب أصح وأولى أن يكون محفوظاً ، إلاّ أن من أهل العلم من أصحابنا استحب التسنيم في هذا الزمان لكونه جائزاً بالاجماع ، وأن التسطيح صار شعاراً لاهل البدع فلا يكون سبباً لاطالة الالسنة فيه ورميه بما هو منزّه عنه من مذاهب أهل البدع(2) .
3 ـ وقال الشعراني : والسنة في القبر التسطيح ، وهو أولى على
____________
(1) منهاج السنة النبوية 2 / 147 .
(2) السنن الكبرى 4 / 3 ـ 4 .
فأهل السنة يعترفون أن السنة في القبور هي التسطيح ، ولكنهم عدلوا إلى التسنيم إتباعاً لبني أُمية الذين غيروا قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان مسطحاً فجعلوه مسنّماً ! !
وأهل السنة يعترفون بمخالفتهم للسنة النبوية في ذلك ، لكنهم يبررون ذلك بمخالفة الشيعة ، لان الشيعة يسطّحون قبورهم تبعاً للسنة النبوية ! !
4 ـ قال الزمخشري : عن عائشة رضي الله عنها : كان النبي (صلى الله عليه وسلم)يتختم في يمينه ، وقُبض (صلى الله عليه وسلم) والخاتم في يمينه ، وذكر السلامي : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يتختم في يمينه والخلفاء بعده ، فنقله معاوية إلى اليسار ، فأخذ المروانية بذلك...(2) .
هذا مع العلم أن الشيعة ما زالوا محافظين على السنة النبوية بلبس الخاتم في اليمين .
5 ـ قال الزرقاني : وروى ابن أبي شيبة وأبو داود الطيالسي
____________
(1) رحمة الاُمة بهامش الميزان 1 / 101 ـ 102 .
(2) ربيع الابرار 4/24 .
لم يبن أهو الايمن أو الايسر... فلعله كان يرخيها من الجانب الايمن ثم يردها إلى الجانب الايسر كما يفعله بعضهم ، إلاّ أنه صار شعار الامامية فينبغي تجنبه لترك التشبه بهم(1) .
فهذه الامثلة القليلة تثبت أن أهل السنة هم الذين يخالفون الشيعة رغم أن الشيعة متمسكون بالسنة النبوية المطهرة ، ولا أدري ما ذنب الشيعة حتى يستحقوا المخالفة والمقاطعة كما تبين من أقوال علماء أهل السنة وعلى رأسهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقدوته ابن تيمية الحراني ، فهل ينتظر هؤلاء من الشيعة أن يتخلوا عن السنة النبوية ـ وهم أتباع أهل البيت المطهرين الذين أمر النبي باتباعهم ـ ؟ وهل أن لفظة أهل السنة تليق بمخالفي السنة أم بأتباعها ؟ !
وإذا كانت سمة الفرقة الناجية ـ كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ هي موافقتهم سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه الذين تمسكوا بها ، فقد أثبت الشيخ بذلك القول أن الشيعة هم تلك الفرقة وليس غيرهم .
أما إدعاء الشيخ بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد عيّن الفرقة الناجية بالسواد
____________
(1) شرح المواهب 5/13 .
وحديث السواد الاعظم أخرجه عدد من الحفاظ ، من بينهم ابن ماجة في سننه(2) ، قال محققه : في المجمع : في إسناده أبو خلف الاعمى ، وإسمه حازم ابن عطاء ، وهو ضعيف ، وقد جاء الحديث بطرق في كلها نظر ، قاله شيخنا العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي ، وقد سأل رجل إسحاق بن راهويه : يا أبا يعقوب ، من السواد الاعظم ؟ قال : محمد بن أسلم وأصحابه ومن تبعه ، ثم قال إسحاق : لم أسمع عالماً منذ خمسين سنة كان أشد تمسكاً بأثر النبي (صلى الله عليه وسلم)من محمد بن أسلم(3) .
وقال إسحاق بن راهويه أيضاً : لو سألت الجهال عن السواد الاعظم قالوا : جماعة الناس ، ولا يعلمون أن الجماعة عالِمٌ متمسك بأثر النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة ومن خالفه فيه ترك الجماعة(4) .
____________
(1) سورة الانعام : 116 .
(2) سنن إبن ماجه 2/1303 باب السواد الاعظم .
(3) سير أعلام النبلاء 12/196 ـ 197 .
(4) حلية الاولياء 9/238 .