الصفحة 255

الفصل الثاني عشر : نكاح المتعة


قال الشيخ في « مطلب المتعة » :

ومنها إباحتهم نكاح المتعة بل يجعلونها خيراً من سبعين نكاحاً دائماً ، وقد جوّز لهم شيخهم الغالي علي بن العالي أن يتمتع إثنا عشر نفساً في ليلة واحدة بأمرأة واحدة وإذا جاءت بولد منهم أقرعوا فمن خرجت قرعته كان الولد له ، قلت :هذا مثل أنكحة الجاهلية التي أبطلها الشرع كما في الصحيح ، وعن علي (رضي الله عنه) أنه قال : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)نهى عن نكاح المتعة ، رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، وعن سلمة بن الاكوع (رضي الله عنه) أنه (صلى الله عليه وسلم) أباح نكاح المتعة ثم حرمها رواه الشيخان ، وروى مسلم في صحيحه عن سبرة نحو ذلك ، وعن ابن عمر : نهانا عنها يعني المتعة

الصفحة 256
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رواه الطبراني باسناد قوي ، وقد نقل عن ابن عباس رجوعه عنها ، وروى الطبراني عن أبي هريرة (رضي الله عنه) : هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث ، وإسناده حسن ، وعن ابن عباس (رضي الله عنه)قال : كانت المتعة في أول الاسلام حتى نزلت هذه الاية : ( حرمت عليكم ) وتصديقها من القرآن (إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) وما سوى هذا فهو حرام ، رواه الطبراني والبيهقي ، والحاصل أن المتعة كانت حلالاً ثم نسخت وحرمت تحريماً مؤبداً ، فمن فعلها فقد فتح على نفسه باب الزنا(1) .

إن موضوع نكاح المتعة قد أصبح هو الاخر من الاُمور التي يُشنع بها على الشيعة دائماً ، رغم أن هذا الموضوع من الاُمور الخلافية الفقهية بين الطائفتين ، لكن من المؤسف حقاً أن يستغل خصوم الشيعة هذه المسألة لتشويه صورة الشيعة ـ أتباع الثقلين ـ أمام المسلمين متهمين إياهم باباحة الزنا بالقول بحلية المتعة ، ولو أنصف هؤلاء الخصوم ـ وأنّى لهم أن ينصفوا ـ ونظروا إلى المسألة بموضوعية وتجرد بعيداً عن النظرة المتعصبة الضيّقة لادركوا أن الشيعة يستندون إلى أدلّة قاطعة في قولهم بحلّيّة المتعة ، وأنّهم لا

____________

(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 34 ـ 35 .

الصفحة 257
يخالفون الكتاب ولا السنة النبوية الشريفة مطلقاً .

وسوف أُناقش أدلّة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وأترك الحكم للقارئ المنصف .

الاتفاق على إباحة المتعة

بدءاً نقول : إنّ الطرفين متفقان على أن المتعة كانت مباحة ـ كما اعترف الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه بذلك ـ ولكنهم اختلفوا في أنه هل نسخت أم لا ؟ فذهب أهل السنة إلى القول بنسخها ، وتمسك الشيعة بعدم النسخ .

لقد اعترف أكثر المفسرين والعلماء أن المتعة قد أُبيحت بقوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (1) .

حيث روى معظم المفسرين حلّيتها بهذه الاية عن جمع من الصحابة والتابعين : كابن عباس وأبي بن كعب والحكم وسعيد بن جبير ومجاهد وقتاده وشعبة وأُبي بن ثابت والسدي والحسن وغيرهم(2) .

____________

(1) سورة النساء : 24 .

(2) أُنظر : تفسير الطبري 5/9 ـ 10 ، تفسير القرطبي 5/130 ، تفسير الرازي 10/52 ، تفسير السيوطي 2/484 ، تفسير ابن كثير 1/486 ، تفسير أبي حيان 3/218 ، تفسير الشوكاني 1/449 ـ 450 ، تفسير ابن العربي المالكي 1/389 ، وغيرهم .

الصفحة 258
إلاّ أنّ أهل السنة بعد ما أذعنوا إلى إباحتها إدعوا نسخها ، نذكر مثلاً قول الفخر الرازي :

إنا لا ننكر أن المتعة كانت مباحة ، إنما الذي نقوله أنها صارت منسوخة ، وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الاية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحاً في غرضنا ، وهذا الجواب أيضاً عن تمسكهم بقراءة ابن عباس ، فان تلك القراءة ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فاتوهن أُجورهن ) الاية ، بتقدير ثبوتها لا تدل إلاّ على أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه ، إنما الذي نقوله أن النسخ طرأ عليها... (1) .

وإلى هذا القول ذهب معظم مفسري أهل السنة .

أما حجة أهل السنة بالقول بالنسخ فتعتمد على بعض الايات الكريمة ، منها :

1 ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)(2) .

____________

(1) التفسير الكبير 10/51 ـ 52 .

(2) سورة المؤمنون : 5 ـ 6 ، سورة المعارج : 29 ـ 30 .

الصفحة 259
لكن يبطل القول بالنسخ بهذه الاية أنها مكية ، وآية المتعة في سورة النساء وهي مدنية ، والمكي لا ينسخ المدني طبعاً لانه متقدم عليه .

2 ـ قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) (1) .

قال البلاغي في تفسيره : إن تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطء وشرعيته بما كان مورداً للطلاق ، وإلاّ فما تقول في التسري والوطء بملك اليمين ، فان مورد الطلاق هو العقد المبني على الدوام ، لان الطلاق هو الحل لعقدة الزواج الدائم وقطع لدوامه ، وإن قلت أن النسخ بالعدة ، قلنا أن المستمتع بها عليها تنقص عن عدة الدائم بحسب الدليل كما نقصت عدة الامة كما عليه الامامية وجمهور أهل السنة ما عدا داود وأصحابه الظاهريين ، وقد روي في الدر المنثور من طريق عمار مولى الشريد عن ابن عباس أن المستمتع بها تعتد بحيضه ، وفي كنز العمال مما أخرجه عبد الرزاق عن جابر في المتعة : وكنا نعتد من المستمتع بها منهن بحيضة ، وروى أيضاً عن السدي أنها تستبرئ رحمها...

وأما الصدقة أي النفقة ، إن كان المراد منها الصداق فان المتعة

____________

(1) سورة الطلاق : 1 .

الصفحة 260
فيها صداق ، ولئن سمي أجراً فان القرآن قد سمى الصداق في العقد الدائم أجراً ، فمن أين يجيء النسخ يا ترى ؟... وأما الميراث ، فان آية ميراث الزوجين تقتضي بنفسها أن يتوارث المستمتع والمستمتع بها لانهما زوجان ، نعم دل الدليل على عدم توارثهما فخصص به الكتاب ، ولعل ذلك لضعف علقتهما بكونها موقتة ، وقد اتفق جمهور أهل السنة على جواز نكاح الكتابية بالعقد الدائم واتفقوا على عدم التوارث بينهما وبين زوجها المسلم ، تخصيصاً منهم لعموم الارث بما رووه من قول النبي (صلى الله عليه وسلم) « لا يتوارث أهل الملتين » ونحوه ، وأجمع المسلمون على أن القاتل من أحد الزوجين للاخر لا يرث منه...(1) .

3 ـ قوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ) (2) .

وقد ورد عن أهل السنة دعوى أن الاية ناسخة لاية المتعة برواية ابن عباس ، وهذه الدعوى باطلة من وجهين :

أحدهما : أن ذلك يخالف مذهب ابن عباس القائل بإباحة المتعة .

والثاني : أنه لو صحت الرواية عن ابن عباس لما كان ذلك سبباً

____________

(1) آلاء الرحمان 2/82 ـ 83 .

(2) سورة النساء : 24 .

الصفحة 261
لنسخ الاية ، لان ثبوت الناسخ بخبر الواحد لا يصح ، وإلاّ لالتزم إمكانية نسخ القرآن كلّه بخبر الواحد ، وعلماء أهل السنة لا يجيزون النسخ بخبر الواحد .

4 ـ قوله تعالى : (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) (1) .

وإدعاء النسخ بهذه الاية ليس صحيحاً أيضاً .

يقول السيد الطباطبائي : أما النسخ بآية العدد ، ففيه أن النسبة بينها وبين آية المتعة ليست نسبة الناسخ والمنسوخ ، بل نسبة العام والمخصص أو المطلق والمقيد ، فان آية الميراث مثلاً تعم الازواج جميعاً من كل دائم ومنقطع ، والسنة تخصصها باخراج بعض أفرادها ، وهو المنقطع من تحت عمومها ، كذلك القول في آية العدد ، وهو ظاهر ، ولعل القول بالنسخ ناشئ من عدم التمييز بين النسبتين .

نعم ذهب بعض الاصوليين فيما إذا ورد خاص ثم عقبه عام يخالفه في الاثبات والنفي إلى أن العام ناسخ للخاص ، لكن هذا مع ضعفه غير منطبق على مورد الكلام ، وذلك ... لموقع آية العدد في سورة النساء متقدمة على آية المتعة ، فالخاص أعني آية المتعة

____________

(1) سورة النساء : 3 .

الصفحة 262
متأخر عن العام على أي حال(1) .

دعوى النسخ بالسنّة

إضافة لدعوى أهل السنة نسخ آية المتعة بالقرآن ـ وقد ثبت بطلان ذلك ـ فانهم تمسكوا بمجموعة من الروايات التي أخرجها محدثوهم ـ وبخاصة في صحيح مسلم ـ بأنها قد نسخت المتعة ، وقد نسبت هذه الروايات القول في تحريمها إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) .

إلاّ أن الملاحظ على هذه الروايات هو إضطرابها في ألفاظها من جهة، وفي الوقت الذي تم فيه تحريم المتعة من جهة أخرى ، فبعضها يدعي أنها حرمت في عام خيبر ، وبعضها يدعي أنها حرمت في عام حنين ، وأُخرى تدعي وقوع التحريم في غزوة تبوك ، أو في حجة الوداع أو في عام أوطاس ، وقد تناقضت أقوال علماء أهل السنة في هذا الباب تناقضاً واضحاً .

قال ابن حجر العسقلاني نقلاً عن السهيلي : ويتصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال ، لان فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر ، هذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الاثر...

وقال عن تحريم المتعة عام تبوك نقلاً عن السهيلي أيضاً : وقد

____________

(1) تفسير الميزان 4/274 .

الصفحة 263
اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة ، فأغرب ما روي في ذلك رواية من قال : في غزوة تبوك ، ثم رواية الحسن إن ذلك كان في عمرة القضاء ، والمشهور في تحريمها أن ذلك كان في غزوة الفتح ، كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه ، وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع ، قال : ومن قال من الرواة : كان في غزوة أوطاس ، فهو موافق لمن قال عام الفتح ، انتهى .

فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن : خيبر ، ثم عمرة القضاء ، ثم الفتح ، ثم أوطاس ، ثم تبوك ، ثم حجة الوداع ، وبقي عليه حنين(1) .

وقال ابن القيّم : ولم تحرم المتعة يوم خيبر ، وإنما كان تحريمها عام الفتح ، هذا هو الصواب...

وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة ، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة ، لا فعلاً ولا تحريماً ، بخلاف غزاة الفتح ، فان قصة المتعة كانت فيها فعلاً وتحريماً ، مشهورة ، وهذه الطريقة أصح(2) .

____________

(1) فتح الباري 9/138 .

(2) زاد المعاد 3/343 ـ 345 .

الصفحة 264
يتبين من ذلك أن علماء أهل السنة أنفسهم يسقطون جميع الروايات التي تدعي نسخ المتعة أو تحريمها في كل الموارد المذكورة ، عدا الروايات التي تدعي أن ذلك كان في عام الفتح ، والعمدة فيها الروايات التي أخرجها مسلم في صحيحه ومن ثم أحمد بن حنبل في مسنده ، فلنستعرض بعضاً من هذه الروايات ـ طلباً للاختصار ـ ثم نناقشها مستشهدين بأقوال بعض العلماء فيها .

أخرج مسلم في صحيحه في ( باب نكاح المتعة وبيان أنه أُبيح ثم نسخ ثم أُبيح ثم نسخ ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة ) :

1 ـ عن الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه سبرة ، أنه قال : أذن لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمتعة ، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأه من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا ، فقالت : ما تعطي ؟ فقلت ردائي ، وقال صاحبي : ردائي ، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشب منه ، فاذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها ، وإذا نظرت إليّ أعجبتها ، ثم قالت : أنت ورداؤك يكفيني ، فمكثت معها ثلاثاً ، ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : « من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها » .

2 ـ عن الربيع بن سبرة : أن أباه غزا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتح مكة ، قال : فأقمنا بها خمس عشرة ( ثلاثين بين يوم وليلة ) فاذن لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

الصفحة 265
في متعة النساء ، فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة ، مع كل واحد منا بُرد ، فبردي خلق وأما برد ابن عمي فبرد جديد غض ، حتى إذا كنا بأسفل مكة أو بأعلاها ، فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطه ، فقلنا : هل لك أن يستمتع منك أحدنا ؟ قالت : وماذا تبذلان ؟ فنشر كل واحد منا برده ، فجعلت تنظر إلى الرجلين ، ويراها صاحبي تنظر إلى عطفها فقال : إن برد هذا خلق وبردي جديد غض ، فتقول : برد هذا لا بأس به ، ثلاث مرار أو مرتين ، ثم استمتعت منها ، فلم أخرج حتى حرّمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .

3 ـ الربيع بن سبرة الجهني : أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فقال : « يا أيها الناس إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً » .

4 ـ عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه ، عن جده قال : أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها .

5 ـ ربيع بن سبرة يحدث عن أبيه سبرة بن معبد : أن نبي الله (صلى الله عليه وسلم)عام فتح مكة أمر أصحابه بالتمتع من النساء ، قال : فخرجت أنا وصاحب

الصفحة 266
لي من بني سليم ، حتى وجدنا جارية من بني عامر ، كأنها بكرة عيطاء ، فخطبناها إلى نفسها ، وعرضنا عليها بردينا ، فجعلت تنظر فتراني أجمل من صاحبي ، وترى برد صاحبي أحسن من بردي ، فآمرت نفسها ساعة ثم اختارتني على صاحبي ، فكنّ معنا ثلاثاً ، ثم أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بفراقهن .

6 ـ عن الربيع بن سبرة ، عن أبيه : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن نكاح المتعة .

7 ـ عن الربيع بن سبرة ، عن أبيه : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى يوم الفتح من متعة النساء .

8 ـ عن الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه : أنه أخبره أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)نهى عن المتعة زمان الفتح متعة النساء ، وأن أباه كان تمتع ببردين أحمرين (1) .

وأخرج الامام أحمد في هذا الباب في مسند سبرة بن معبد :

1 ـ عن ربيع بن سبرة ، عن أبيه : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن متعة النساء يوم الفتح .

2 ـ عن الزهري قال : تذاكرنا عند عمر بن عبد العزيز المتعة ، متعة النساء ، فقال ربيع بن سبرة : سمعت أبي يقول : سمعت رسول

____________

(1) صحيح مسلم 2/1022 ـ 1026 كتاب النكاح .

الصفحة 267
الله (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع ينهى عن نكاح المتعة .

3 ـ عبد الملك بن الربيع بن سبرة ، عن أبيه ، عن جده أنه قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نصلي في أعطان الابل ورخص أن نصلي في مراح الغنم ، ونهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن المتعة .

4 ـ عن الربيع بن سبرة ، عن أبيه : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حرم متعة النساء .

5 ـ عن الربيع بن سبرة ، عن أبيه قال : خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من المدينة في حجة الوداع... فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم أمرنا بمتعة النساء فرجعنا إليه فقلنا : يا رسول الله إنهن قد أبين إلاّ إلى أجل مسمى ، قال : «فافعلوا » ، قال : فخرجت أنا وصاحب لي علي برد وعليه برد ، فدخلنا على إمرأة فعرضنا عليها أنفسنا ، فجعلت تنظر إلى برد صاحبي فتراه أجود من بردي وتنظر إليّ فتراني أشب منه ، فقالت : برد مكان برد ، واختارتني ، فتزوجتها عشراً ببردي ، فبت معها تلك الليلة ، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو على المنبر يخطب ويقول : « من كان منكم تزوج إمرأة إلى أجل فليعطها ماسمّى لها ولا يسترجع من أعطاها شيئاً وليفارقها فان الله تعالى قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة » .

6 ـ الربيع بن سبرة ، عن أبيه قال : خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الفتح

الصفحة 268
فأقمنا خمس عشرة من بين ليلة ويوم ، قال : فاذن لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)في المتعة ، فخرجت أنا وابن عم لي في أسفل مكة أو قال في أعلى مكة فلقيتنا فتاة من بني عامر بن صعصعة كأنها البكرة العنطنطة ، قال : وأنا قريب من الدمامة وعلي برد جديد غض وعلى ابن عمي برد خلق ، قال : فقلنا لها : هل لك أن يستمتع منك أحدنا ؟ قالت : وهل يصلح ذلك ؟ قال : قلنا : نعم ، قال : فجعلت تنظر إلى ابن عمي ، فقلت لها : إنّ بردي هذا جديد غض وبرد ابن عمي هذا خلق مُح ، قالت : برد ابن عمك هذا لا بأس به ، قال : فاستمتع منها فلم ، نخرج من مكة حتى حرمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .

7 ـ عن الربيع بن سبرة ، عن أبيه يقال له السبري ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه أمرهم بالمتعة ، قال : فخطبت أنا ورجل إمرأة ، قال : فلقيت النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد ثلاث فاذا هو يحرمها أشد التحريم ويقول فيها أشد القول وينهى عنها أشد النهي .

8 ـ الربيع بن سبرة ، عن أبيه سبرة الجهني أنه قال : أذن لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المتعة ، قال : فانطلقت أنا ورجل هو أكبر مني سناً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فلقينا فتاة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء ، فعرضنا عليها أنفسنا فقالت : ما تبذلان ؟ قال كل واحد منا ردائي ، قال : وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشب منه ، قالت : فجعلت

الصفحة 269
تنظر إلى رداء صاحبي ثم قالت : أنت ورداؤك تكفيني ، قال : فأقمت معها ثلاثاً ، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « من كان عنده من النساء التي تمتع بهن شيء فليخل سبيلها » ، قال : ففارقتها .

9 ـ عن الربيع بن سبرة ، عن أبيه قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن نكاح المتعة .

10 ـ الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه قال : خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فلما قضينا عمرتنا قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « استمتعوا من هذه النساء » قال : والاستمتاع عندنا يوم التزويج ، قال : فعرضنا ذلك على النساء فأبين إلاّ أن يضرب بيننا وبينهن أجلاً ، قال : فذكرنا ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : « إفعلوا » ، فانطلقت أنا وابن عم لي ومعه بردة ومعي بردة وبردته أجود من بردتي وأنا أشب منه ، فأتينا إمرأة فعرضنا ذلك عليها فأعجبها شبابي وأعجبها برد ابن عمي ، فقالت : برد كبرد ، قال : فتزوجتها فكان الاجل بيني وبينها عشراً ، قال : فبت عندها تلك الليلة ثم أصبحت غادياً إلى المسجد فاذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين الباب والحجر يخطب الناس يقول : « ألا أيها الناس قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء ، ألا وإنّ الله تبارك وتعالى قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا

الصفحة 270
مما آتيتموهن شيئاً»(1) .

نلاحظ أن جميع أسانيد هذه الروايات تنتهي إلى الربيع بن سبرة عن أبيه ، والواقعة واحدة ، إلاّ أن الاضطراب واضح فيها .

ففي بعض الروايات أنها كانت في عام الفتح ، وفي الروايات الاُخرى أنها كانت في حجة الوداع .

وبعض الروايات تذكر أن سبرة خرج مع أحد من بني قومه ، وأُخرى تذكر أنه ابن عمه ، وبعضها تقول رجل كبير من أصحاب رسول الله .

وفي بعض الروايات أن سبرة كان أجمل وأكثر شباباً من صاحبه وأن برد صاحبه كان أفضل من برده ، وروايات تقول العكس .

وبالتالي فان رواية الاحاد هذه هي آخر مستمسك بيد أهل السنة لاثبات تحريم المتعة ، ولكن هل تستطيع هذه الرواية المهلهلة أن تنهض أمام الروايات الصحيحة المستفيضه التي تقول بعكس ذلك ، ومن أين نشأ هذا التناقض ؟

عملية التبرير

إن هذه الروايات المضطربة عن تحريم المتعة إنما وضعت لتبرير

____________

(1) مسند أحمد 3/404 ـ 406 .

الصفحة 271
أمر قد وقع ولا حيلة في رده ، وهو أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هو الذي حرم المتعتين ـ متعة النساء ومتعة الحج ـ وقد مرّ في بعض المباحث السابقة إعتراف القوشجي بأن عمر بن الخطاب قد نسب تحريم المتعتين والحيعلة الثالثة إلى نفسه على المنبر وعلى رؤوس الاشهاد ، وبما أن ذلك أمر غير جائز شرعاً ، واجتهاد أمام نصوص قرآنية وسنة ثابتة لا ينبغي الاجتراء عليها ، لذا لم يجد القوم سبيلاً لتبرير عمل الخليفة إلاّ بوضع روايات تدعي نسبة النهي عن المتعة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بغية إيجاد الغطاء الشرعي لتصرف الخليفة .

قال الامام عبد الحسين شرف الدين (قدس سره) : وظنّي أن المتأخرين عن زمن الصحابة وضعوا أحاديث النسخ تصحيحاً لرأي الخليفه إذ تأول الادلة فنهى وحرّم متوعداً بالعقوبة ، فقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا أحرمهما وأعاقب عليها : متعة الحج ومتعة النساء(1) .

والباحث يجد في صحاح أهل السنة وكتبهم المعتمدة اعترافات مجموعة كبيرة من الصحابة بأن المتعة كانت مباحة في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)

____________

(1) مسائل فقهية : 64 .

الصفحة 272
وفي زمن أبي بكر وردحاً من خلافة عمر ، حتى نهى عنهما بعد ذلك ، وسوف أذكر بعض الروايات التي أخرجها محدّثو أهل السنة وحفاظهم والتي تتضمن هذه الاعترافات :

1 ـ عن عمران (رضي الله عنه) قال : تمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فنزل القرآن ، قال رجل برأيه ماشاء(1) .

وفي بعض نسخ البخاري : يقال أنه عمر .

قال القسطلاني في الارشاد : لانه كان ينهى عنها .

وقال ابن حجر العسقلاني : ونقله الاسماعيلي عن البخاري كذلك فهو عمدة الحميدي في ذلك ، ولهذا جزم القرطبي والنووي وغيرهما ، وكأن البخاري أشار بذلك إلى رواية الحريري عن مطرف فقال في آخره : إرتأى رجل برأيه ماشاء ، يعني عمر . كذا في الاصل أخرجه مسلم . وقال ابن التين : يحتمل أن يريد : أو عثمان . وأغرب الكرماني فقال : إن المراد به عثمان ، والاولى أن يفسر بعمر ، فانه أول من نهى عنها وكان من بعده تابعاً له في ذلك . ففي مسلم : إن ابن الزبير كان ينهى عنها وابن عباس يأمر بها ، فسألوا جابراً فأشار إلى

____________

(1) صحيح البخاري 2/176 ، وفي لفظ : أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ماشاء 6/33 ، صحيح مسلم 2/900 باب جواز التمتع .

الصفحة 273
أن أول من نهى عنها عمر(1) .

وقال القسطلاني : قال رجل برأيه ماشاء ، هو عمر بن الخطاب لا عثمان بن عفان ، لان عمر أول من نهى عنها ، فكان من بعده تابعاً له في ذلك(2) .

2 ـ عن أبي جمرة نصر بن عمران قال : سألت ابن عباس (رضي الله عنه)عن المتعة فأمرني بها ، وسألته عن الهدي فقال فيها : المتعة جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم . قال وكأن أناساً كرهوها ، فنمت ، فرأيت في المنام كأن إنساناً ينادي : حج مبرور ومتعة متقبلة ، فأتيت ابن عباس (رضي الله عنه) فحدثته فقال : الله أكبر ، سنة أبي القاسم (صلى الله عليه وسلم)(3) .

هذا فيما يتعلق بالتمتع بالعمرة ، وفيها إثبات بأن عمر بن الخطاب هو الذي نهى عنها وحرمها ، والروايات في هذا الباب كثيرة جداً عن عدد من الصحابة في مصادر أهل السنة المعتمدة(4) .

أما الروايات المثبته لتحريم عمر متعة النكاح فهي كثيرة جداً ، منها :

____________

(1) فتح الباري 3/339 .

(2) إرشاد الساري 3/136 .

(3) صحيح البخاري 2/204 ، إرشاد الساري 3/204 وقال : وكأن أناساً كرهوها ، يعني كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهما ممن نقل الخلاف في ذلك .

(4) راجع مثلاً : صحيح مسلم 2/900 و 909 باب في متعة الحج .

الصفحة 274
1 ـ عن جابر بن عبدالله قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الايام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (1) .

2 ـ عن الحكم أنه سئل عن هذه الاية ـ آية متعة النساء ـ أمنسوخة ؟ قال : لا ، وقال علي : لولا أن عمر نهى عن المتعة مازنى إلاّ شقي(2) .

3 ـ قال عطاء : قدم جابر بن عبدالله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال : استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر وعمر(3) .

4 ـ عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبدالله قالا : تمتعنا إلى نصف من خلافة عمر حتى نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث(4) .

____________

(1) صحيح مسلم 2/1023 ، فتح الباري 9/141 ، كنز العمال 16/523 ، جامع الاصول 11/451 .

(2) تفسير الطبري 5/9 باسناد صحيح ، تفسير الرازي 3/200 ، تفسير أبي حيّان 3/218 ، الدر المنثور 2/140 بعدة طرق .

(3) صحيح مسلم 2/1023 ، وفي لفظ أحمد : حتى إذا كان في آخر خلافة عمر (رضي الله عنه)المسند 3/380 .

(4) عمدة القاري 8/310 .

الصفحة 275
5 ـ قال ابن شهاب : أخبرني عروة بن الزبير : أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال : إنّ أُناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ، يعرّض برجل ، فناداه فقال : إنك لجلف جاف ، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين ( يريد رسول الله ) ، فقال له ابن الزبير : فجرب بنفسك فو الله لئن فعلتها لارجمنك بأحجارك(1) .

والشخص الذي عرّض به ابن الزبير هو عبد الله بن عباس ، وواضح قوله : لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين ، بحلّيتها زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم تحريمه لها .

6 ـ عن عبدالله بن مسعود قال : كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نختصي ؟ فنهانا ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ علينا : (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (2) .

هذه الروايات وغيرها كثيرة كافية لاثبات أن تحريم المتعة إنما كان إجتهاداً في غير محله من قبل الخليفة عمر بن الخطاب ،

____________

(1) صحيح مسلم 2 / 1026 .

(2) صحيح البخاري 7/5 ، صحيح مسلم 2/1022 باب نكاح المتعة ، زاد المعاد 3/461 .

الصفحة 276
واعترافه بنسبة التحريم إلى نفسه ـ خلافاً للكتاب والسنة ـ كاف لكشف النقاب عن وجه المسألة كلّها ، ولعل رواية ابن مسعود ـ الذي كان معاصراً لقضية تحريم المتعة من قبل عمر ، وكان من الذين نهاهم عمر عن الرواية ـ كافية لوضع النقاط على الحروف وتنبيه المسلمين إلى أن المتعة من الطيبات التي أحلها الله ، وأن تحريمها من قبيل الاعتداء على الشريعة .

وليس ابن مسعود (رضي الله عنه) هو الصحابي الوحيد الذي كان يقول بجواز المتعة ، بل ثبت على جوازها أيضاً ـ كما يقول ابن حجر ـ معاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد إبنا أُمية بن خلف وجابر وعمرو بن حريث إلى قرب خلافة عمر... ومن التابعين طاووس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة .

وكان فقيه مكة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح أبو خالد المكي وهو من أعلام التابعين يرى جواز زواج المتعة ، وقد روي عنه أنه تزوج نحواً من تسعين إمرأة بنكاح المتعة وأنه كان يرى الرخصة في ذلك(1) .

فاذا كانت المتعة من الزنا ، فينبغي أن يكون جميع أُولئك الصحابة

____________

(1) فتح الباري 9/31 .

الصفحة 277
والتابعين من الزناة ، أو من المقرين به على الاقل ، كما أن جواز المتعة ولو لثلاثة أيام كما يدعون هو إباحة للفاحشة ، فالروايات التي يتحصن بها أهل السنة ـ على ما فيها ـ في تحريم المتعة معارضة بالروايات الصحيحة المتكاثرة في حليتها ، فاذا أسقطنا الروايات جميعاً للتعارض ، يبقى لنا ظاهر القرآن الذي هو الحجة البالغة ، وحيث لم يثبت نسخها ـ كما بينا ـ فالحكم باق إلى قيام الساعة .

يتبين من كل ذلك أن الشيعة يتمسكون بالقرآن أولاً في بيان حلية المتعة ، وبالروايات المستفيضة التي جاءتهم عن طريق أئمتهم الاطهار (عليهم السلام)فضلاً عن الروايات التي أوردنا بعضها والتي هي في مصادر أهل السنة وصحاحهم .

وبذلك يثبت الشيعة مرة أُخرى أنهم هم المتمسكون بالثقلين : كتاب الله وعترة النبي أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم) دون غيرهم .

النكاح بلا ولي وشهود

قال الشيخ في « مطلب النكاح بلا وليّ ولا شهود » :

ومنها إباحتهم النكاح بلا ولي ولا شهود ، وهذا هو الزنا بعينه ، قال الحلي منهم : ولا يشترط في نكاح الرشيدة الولي ولا يشترط الشهود في شيء

الصفحة 278
من الانكحة ، ولو تآمروا على الكتمان لم يبطل ، انتهى .

عن عمران بن حصين أنه (صلى الله عليه وسلم) قال : « لا نكاح إلاّ بولي وشاهدي عدل »... قال بعض السادة : وإذا طرق سمعك ما سردنا عليك من الاحاديث فقد ظهر بطلان مذهبهم في تجويز النكاح بلا ولي ولا شهود والله أعلم(1) .

قلت : على الرغم من أن الخلاف في مسائل الفروع أمر طبيعي ، إلاّ أن إدعاء الشيخ ـ رغم ذلك ـ لا أساس له من الواقع ، وهو يخالف رأي جمهور الشيعة في هذا الباب ، وإليك جملة من آراء علمائهم :

1 ـ قال الشيخ البحراني (قدس سره) : الذي عليه المعوّل باستقلال الولي وأنه ليس لها معه أمر ، ويدل عليه جملة من الاخبار ، منها ما يدل على إستقلاله نصاً بحيث لا يقبل التأويل والاحتمال ، ومنها ما يدل على ذلك ظاهراً كما هو المعتمد في الاستدلال ، فلا يلتفت إلى ما قبله من التأويل والاحتمال .

فمنها : ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن عبدالله بن الصلت ، قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الجارية الصغيرة زوّجها أبوها ،

____________

(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 36 ـ 38 .

الصفحة 279
ألها أمر إذا بلغت ؟ قال : « لا ليس لها مع أبيها أمر » قال : وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، ألها مع أبيها أمر ؟ قال : « ليس لها مع أبيها أمر مالم تثيب » .

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر ؟ قال : « ليس لها مع أبيها أمر مالم تثيب » .

وهي كالاُولى متناً ودلالة(1) .

2 ـ قال المحقق الكركي (قدس سره) : والولاية الثابتة بالقرابة منحصرة عندنا في قرابة الابوة والجدودة من الابوة ، باتفاق علمائنا ، فلا تثبت للاخ ولاية من الابوين كان أو من أحدهما ، انفرد أم كان مع الجد ، خلافاً للعامة .

وكذا الولد وسائر العصبات قربوا أو بعدوا ، وكذا لا ولاية للاُم ولا لمن يتقرب بها ، وهو قول الاصحاب وأكثر العامة(2) .

3 ـ واختار السيد الخوئي (قدس سره) التشريك ، بمعنى : اعتبار إذنهما معاً ، قال : هذا القول هو المتعيّن في المقام ، لما فيه من الجمع بين

____________

(1) الحدائق الناضرة 23/212 كتاب النكاح .

(2) جامع المقاصد 12/92 كتاب النكاح في الاولياء .

الصفحة 280
النصوص الواردة ، ولخصوص ظهور قوله (عليه السلام) في معتبرة صفوان : « فان لها في نفسها نصيباً » أو : « فان لها في نفسها حظاً » ، فانهما ظاهران في عدم إستقلالها وكون بعض الامر خاصة بها(1) .

وكتب الحديث المعتمدة عند الشيعة مليئة بالروايات عن الائمة المعصومين (عليهم السلام) والتي تكذب مقالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، أذكر منها هذه الروايات القليلة ـ طلباً للاختصار ـ :

1 ـ عن سعيد بن إسماعيل ، عن أبيه قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل تزوج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها ولا أحد من قراباتها ، ولكن تجعل المرأة وكيلاً فيزوجها من غير علمهم ، قال : « لا يكون ذا »(2) .

2 ـ عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « لا تنكح ذوات الاباء من الابكار إلاّ باذن آبائهن »(3) .

3 ـ عن المهلب الدلال ، أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) : إن إمرأة كانت معي في الدار ، ثم أنها زوجتني نفسها وأشهدت الله وملائكته على ذلك ، ثم أن أباها زوجها من رجل آخر ، فما تقول ؟ فكتب (عليه السلام) :

____________

(1) مباني العروة الوثقى 2/264 .

(2) وسائل الشيعة 20/270 .

(3) وسائل الشيعة 20 / 277 .

الصفحة 281
« التزويج الدائم لا يكون إلاّ بولي وشاهدين... »(1) .

وأخيراً أختم هذا المبحث بقول الشيخ المفيد في هذا الباب :

وذوات الاباء من الابكار ينبغي لهن ألا يعقدن على أنفسهن إلاّ باذن آبائهن ، وإن عقد الاب على إبنته البكر البالغ بغير إذنها أخطأ السنّة ، ولم يكن لها خلافه ، وإن عقدت على نفسها بعد البلوغ بغير إذن أبيها خالفت السنّة وبطل العقد إلاّ أن يجيزه الاب(2) .

وطء الجارية بالاباحة

قال الشيخ في « مطلب وطء الجارية بالاباحة » :

ومنها : تجويزهم وطء الجارية للغير بالاباحة ، قال الحلي : يجوز إباحة الامة للغير بشرط كون المبيح مالكاً لرقه جائز التصرف ، وكون الامة مباحة بالنسبة إلى من أُبيحت له ، ويكفي في رد هذا الباطل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) ، ومعلوم قطعاً أن وطأها ليس بالنكاح ولا بملك اليمين ، وقوله تعالى :

____________

(1) وسائل الشيعة 21/34 .

(2) المقنعة : 510 .

الصفحة 282
(وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) (1) .

هذه أيضاً واحدة من المسائل الفقهية المختلف فيها ، ومن المؤسف أن البعض لم يكتفوا بما سطره الشيخ ابن عبد الوهاب قبل مئات السنين بما يوغر صدور المسلمين ويغري بينهم بالعداوة والبغضاء ، فراحوا يردّدون مقالاته إلى يومنا هذا ، فقد نشرت مجلة ( الدعوة ) السعودية مقالاً حمل فيه كاتبه إبراهيم السليمان الجهمان على الشيعة وعقائدهم ، فسبّ وشتم ماشاءت له قريحته ، فمما قال : إن الشيعة قائلون بجواز تحليل وإباحة فروج الاماء للغير ، وهذا مخالف لقوله تعالى : (وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلى الْبِغَاءِ ...) الاية(2) .

نقول : إن هذه المسألة من المسائل التي وقع الاختلاف فيها بين الفريقين أولاً ، وبين أبناء الطائفة الواحدة ثانياً .

فجمهور أهل السنة قالوا بالمنع ، أما الشيعة فقد اختلفوا فيه .

قال ابن إدريس : إنه جائز عند أكثر أصحابنا المحصلين ، وبه تواترت الاخبار ، وهو الاظهر بين الطائفة والعمل عليه والفتوى به ، ومنهم من منع منه .

____________

(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 38 .

(2) سورة المؤمنون : 5 .

الصفحة 283
أما الشيخ الطوسي فقد حكى قولاً في المبسوط بالمنع منه ، وكذلك نقل عن الشيخ الطوسي عدم الجواز في النهاية في مسألة تحليل المولى أمته لعبده .

وممن قال بعدم الجواز أيضاً ، العلامة في المختلف ، وولده .

أما القائلون بالجواز فيستدلّون بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (1) .

حيث استدل ابن إدريس بهذه الاية على حلية الاستمتاع بالتحليل لدخوله في قوله تعالى : (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) ، لان المراد من ملك اليمين ما يشمل تحليل الامة المملوكة ، والتحليل هذا هو ( تمليك المنفعة ) .

ويمكن أن يدخل التحليل أيضاً في قوله تعالى : (إِلاَّ عَلى أَزْوَاجِهِمْ) ، لان الاصحاب اختلفوا في أن التحليل هنا هل هو عقد أو إباحة وتمليك منفعة ؟ فنقل عن السيد المرتضى (رحمه الله) أنه عقد متعة .

وعلى فرض عدم شمول الاية لتحليل الامة المملوكة فيخصص عموم الاية (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) بتخصيص آخر غير القسمين المذكورين فيها ، للروايات الواردة عن أئمة أهل

____________

(1) سورة المؤمنون : 5 .

الصفحة 284
البيت (عليهم السلام) ، لان أقوالهم حجة ، بدليل حديث الثقلين وآية التطهير وغيرهما .

قال الشيخ يوسف البحراني (رحمه الله) : لا ريب من اعتبار صيغة لهذا النكاح ، فان مجرد التراضي لا يكفي حل الفروج إجماعاً ، وقد أجمعوا على الجواز بلفظ التحليل ، لانه هو الوارد في النصوص... فيصح بقوله : أحللت لك وطء فلانة ، أو جعلتك في حل من وطئها ، قاصداً به الانشاء(1) .

والذين يشنعون على الشيعة في هذا الباب يغمضون أعينهم عما جاء في كتب أهل السنة من الاعتراف باباحة ذلك ، مما قد ورد عن عدد من الصحابة والتابعين ، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه ( باب : الرجل يحل أمته للرجل ) :

1 ـ عن الحسن يقول : إذا أحل الرجل الجارية للرجل ، فعتقها له ، فان حملت أُلحق به الولد .

2 ـ عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء قال : كان يُفعل ، يُحل الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وأبيه ، والمرأة لزوجها ، وما أحب أن يفعل ذلك ، وما بلغني عن ثبت ، وقد بلغني أن الرجل يرسل

____________

(1) الحدائق الناضرة : 24/315 .

الصفحة 285
وليدته إلى ضيفه .

3 ـ عن طاووس أنه قال :هي أحلّ من الطعام ، فان ولدت فولدها للذي أُحلت له ، وهي لسيدها الاول .

4 ـ عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاووساً يقول : قال ابن عباس : إذا أحلّت إمرأة الرجل أو إبنته أو أُخته له جاريتها فليصبها وهي لها ، قال ابن عباس : فليجعل به بين وركيها .

5 ـ عن ابن جريج قال : أخبرني ابن طاووس عن أبيه كان لا يرى بأساً ، قال : هو حلال ، فان ولدت فولدها حر ، والامة لامرأته ، لا يغرم زوجها شيئاً .

6 ـ عن ابن جريج قال : أخبرني عبدالله بن قيس عن الوليد بن هشام ، أخبره أنه سأل عمر بن عبد العزيز فقال : امرأتي أَحلّت جاريتها لابنها ، قال : فهي له(1) .

الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها

قال الشيخ في « مطلب الجمع بين المرأة وعمّتها » :

ومنها : تجويزهم الجمع بين المرأة وعمتها وبين

____________

(1) المصنف 7/216 ـ 217 .

الصفحة 286
المرأة وخالتها ، وعلى هذا ما ورد عن علي (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها والخالة على بنت أُختها ، ولا تنكح الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الكبرى ، رواه البزار... وبهذا وأمثاله تعرف أن الرافضة أكثر الناس تركاً لما أمر الله وإتياناً لما حرّمه ، وأن كثيراً منهم ناشي عن نطفة خبيثة موضوعة في رحم حرام ، ولذا لا ترى منهم إلا الخبيث اعتقاداً وعملاً !! وقد قيل : كل شيء يرجع إلى أصله(1) .

قلت : لم يصدق الشيخ إلاّ في العبارة الاخيرة : كل شيء يرجع إلى أصله ! نعم ، فلو كان الشيخ محمد بن عبد الوهب يتملك أدنى مقومات الايمان أو الاسلام ، لما تفوه بمثل هذا الكلام القبيح الذي يندى له الجبين عرقاً ، والنبى (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده » ، وقال (صلى الله عليه وآله) : « ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان »(2) .

فقد نفى الشيخ ابن عبد الوهاب عن نفسه صفة الايمان والاسلام ،

____________

(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 38 ـ 39 .

(2) كتاب السنة : 473 ابن أبي عاصم وصححه الالباني .

الصفحة 287
وهو يُقذِع في وصف أُمّة مسلمة يربو عددهم على المائتي مليون ، ولكن ليس لنا أن نجاريه في هذه السفاهة ، فأتباع أهل البيت (عليهم السلام)يُجلون ألسنتهم وأقلامهم عن مثل هذا الفحش ، وكل شيء يرجع إلى أصله .

نقول بعد هذا : إن المسلمين متفقون على أن الاجتهاد في الفروع أمر جائز تبعاً للادلة المتوفرة ، وقد خالف أئمة أهل السنة وفقهاؤهم بعضهم بعضاً ، ولم يقدح ذلك في أحدهم .

لكن من المؤلم حقاً أن الشيخ لا يكتفي بالافتراء على الشيعة ، بل يفتري على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه المنتجبين أيضاً ، حيث ينسب لهم ما لم يقولوه ، ذلك أن الرواية التي يستشهد بها ويدعيها على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)فيما يخبر عن النبي ، لم ترد بهذا الشكل المشوه الذي يدعيه الشيخ ، بل هي كما يأتي :

عن علي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها »(1) .

وهنا ينبغي لنا أن نقف قليلاً أمام النصوص التي وردت عن

____________

(1) مجمع الزوائد 4/263 وقال : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح .

الصفحة 288
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أخرجه أئمة أهل السنة ، ونحاول أن نستشف منها الحكم ، ثم نقارن ذلك مع ما ورد عند الشيعة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)على لسان الائمة الاطهار من أهل البيت حتى يمكن الخروج بالنتيجة المرضية :

1 ـ أخرج الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : « لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها »(1) .

2 ـ أخرج البخاري عن الشعبي : سمع جابراً (رضي الله عنه) قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها .

3 ـ وأخرج عن الزهري قال : حدثني قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة يقول : نهى النبي أن تنكح المرأة على عمتها والمرأة وخالتها ... لان عروة حدثني عن عائشة قالت : حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب(2) .

4 ـ وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن أربع نسوة أن يجمع بينهن ، المرأة وعمتها ، والمرأة وخالتها .

____________

(1) صحيح البخاري 7/15 ، صحيح مسلم 2/1028 كتاب النكاح : باب تحريم الجمع بين المرأه وعمتها أو خالتها .

(2) صحيح البخاري 7/15 كتاب النكاح : باب لا تنكح المرأة على عمتها ، صحيح مسلم 2/1028 ـ 1029 وليس فيه حديث عروة عن عائشة .

الصفحة 289
5 ـ وأخرج عن أبي هريرة أيضاً ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : « لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ، ولا يسوم على سوم أخيه ، ولا تنكح المرأة على عمتها و لا على خالتها ، ولا تسأل المرأة طلاق أُختها لتكتفىء صحفتها ، ولتنكح ، فانما لها ما كتب الله لها »(1) .

وأخرج البيهقي إضافة إلى رواية أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقدم ذكرها :

1 ـ عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها » رواه أحمد ورجاله ثقات .

2 ـ وعنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استند إلى بيت فوعظ الناس وذكرهم وقال : « لا يصلي أحد بعد العصر حتى الليل ، ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس ،ولا تسافر المرأة إلاّ مع ذي رحم مسيرة ثلاث ، ولا يعقد من إمرأة على عمتها ولا على خالتها » رواه أحمد والطبراني في الاوسط وزاد في رواية : أنه نهى عن لحوم الحمر الاهلية وعن الجلالة وركوبها وأكل لحمها . ورجال الجميع ثقات إلاّ أن إسناد الطبراني الاول فيه محمد بن أبي ليلى وهو ضعيف الحديث وقد وثّق .

____________

(1) صحيح مسلم 2/1028 ـ 1030 .

الصفحة 290
3 ـ وعن عبدالله بن مسعود رفعه أحمد بن إسحاق قال : « لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا تسأل المرأة طلاق أُختها لتكتفئ ما في صحفتها ، رواه البزار وقال : لا نعلمه عن عبدالله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) إلاّ بهذا الاسناد . ورواه الطبراني في الكبير وإسناده منقطع بين المنهال بن خليفة وعمرو بن الحارث بن أبي ضرار ، ورجالهما ثقات .

4 ـ وعن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى أن تنكح المرأة على عمتها وعلى خالتها وعن لبستين عن الصماء وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد وليس على فرجه منه شيء . رواه الطبراني في الاوسط والبزار باختصار اللبستين ، ورجالهما رجال الصحيح .

5 ـ وعن سمرة قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها . رواه البزار والطبراني في الكبير والاوسط ورجال البزار ثقات (1) .

نلاحظ مما سبق أن جميع هذه الروايات قد ورد فيها النهي عن التزوج بابنة الاخ على عمتها وابنة الاخت على خالتها ، إذ أن اللفظ المشترك بينها تقريباً « أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها » ،

____________

(1) مجمع الزوائد 4/263 .

الصفحة 291
ولم يرد النهي فيها عن العكس ، أي التزوج من العمة على إبنة أخيها أو الخالة على إبنة أُختها ، وهذا هو محل الخلاف :

فجمهور أهل السنة حكموا بتحريم الجمع في كلتا الصورتين .

قال النووي : وقوله (صلى الله عليه وسلم) : « لا يجمع بين المرأه وعمتها ولا بين المرأة وخالتها » ظاهر في أنه لا فرق بين أن ينكح البنتين معاً أو تقدم هذه أو هذه ، فالجمع بينهما حرام كيف كان ، وقد جاء في رواية أبي داود وغيره « لا تنكح الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى » لكن إن عقد عليهما معاً بعقد واحد فنكاحهما باطل وإن عقد على إحداهما ثم الاُخرى فنكاح الاُولى صحيح ونكاح الثانية باطل والله أعلم(1) .

وقد أخرج الائمة من أهل السنة كثيراً من هذه الروايات ، فقد أخرج النسائي تسع روايات عن أبي هريرة جماعها : لا تنكح المرأة على خالتها ولا على عمتها ، وأخرج ثلاث روايات عن جابر ، جماعها : نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها ، وأخرج الترمذي عن ابن عباس : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى أن تزوج المرأة على عمتها أو على خالتها ، قال : حدثنا نصر بن علي ، حدثنا عبد

____________

(1) شرح صحيح مسلم 5/192 .

الصفحة 292
الاعلى ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بمثله ، وفي الباب عن علي وابن عمر وعبدالله بن عمرو وأبي سعيد وأبي أمامة وجابر وعائشة وأبي موسى وسمرة بن جندب(1) .

وأخرج الدارمي عن أبي هريرة : نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها (2) .

هذه الروايات كما نلاحظ مجمعة على النهي عن التزوج بابنة الاخ أو إبنة الاُخت جمعاً مع العمة والخالة ، ولم ترد الزيادة على ذلك إلاّ عن طريق واحد ، هو :

حدثنا الحسن بن علي الخلاّل ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا داود بن أبى هند ، حدثنا عامر عن أبي هريرة ، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو العمة على إبنة أخيها أو المرأة على خالتها أو الخالة على بنت أُختها ، ولا تنكح الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى(3) .

هذه هي الرواية التي استشهد بها النووي على التحريم ، وهي معارضة بكل الروايات المتقدمة التي ليس فيها هذه الزيادة ، فلا

____________

(1) جامع الترمذي 3/432 ـ 433 .

(2) سنن الدارمي 2/36 .

(3) الترمذي 3/433 ، سنن أبي داود 2/224 .

الصفحة 293
تقوم بها حجة ، فضلاً عن أن في إسنادها :

1 ـ الحسن بن علي الخلال ، أبو محمد الحلواني : قال داود بن الحسين البيهقي : بلغني أن الحلواني قال : لا أكفر من وقف في القرآن ، قال داود : فسألت سلمة بن شبث عن الحلواني فقال : يُرمى في الحش ، من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر .

وقال الامام أحمد : ما أعرفه بطلب الحديث ولا رأيته يطلبه ، ولم يحمده . ثم قال : بلغني عنه أشياء أكرهها ، وقال مرة : أهل الثغر عنه غير راضين ، وما هذا معناه (1) .

2 ـ يزيد بن هارون : ذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه أنه كاتب أبي شيبة القاضي جد أبي بكر بن أبي شيبة ، قال : سمعت أبي ـ يعني أبا خيثمة زهير بن حرب ـ يقول : كان يعاب على يزيد حين ذهب بصره ، ربما إذا جاء سئل عن حديث لا يعرفه فيأمر جاريته فتحفظه من كتابه . قال : وسمعت يحيى بن معين يقول : يزيد يدلّس من أصحاب الحديث لانه لا يميز ولا يبالي عمن روى(2) .

3 ـ داود بن أبي هند : قال الذهبي : حجة ، ما أدري لم لم يخرّج له البخاري(3) .

____________

(1) تهذيب التهذيب 2/262 .

(2) تهذيب التهذيب 11/322 .

(3) ميزان الاعتدال 2/11 .

الصفحة 294
وقال ابن حبان : روى عن أنس خمسة أحاديث لم يسمعها منه ، وكان في خيار أهل البصرة من المتقين في الروايات إلاّ أنه كان يهم إذا حدث من حفظه .

قال الاثرم عن أحمد : كان كثير الاضطراب والخلاف(1) .

من هذا يتبين أن هذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها في التحريم ، وتبقى الروايات الاُخرى المتكاثرة التي تنهى عن نكاح ابنة الاخ أو إبنة الاُخت على العمة والخالة فقط ولا عكس ، وقد فهم الشيعة ذلك ، وبذلك وردت الروايات عن أئمتهم الاطهار (عليهم السلام) :

1 ـ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « لا تزوج إبنة الاخ ولا إبنة الاُخت على العمة ولا على الخالة إلاّ باذنهما ، وتزوج العمة والخالة على إبنة الاخ وإبنة الاُخت بغير إذنهما » .

2 ـ عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن إمرأة تزوج على عمتها وخالتها ؟ قال : « لا بأس » ، وقال : « تزوج العمة والخالة على إبنة الاخ وإبنة الاُخت ، ولا تزوج بنت الاخ أو الاُخت على العمة والخالة إلاّ برضىً منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل » .

____________

(1) تهذيب التهذيب 3/177 .

الصفحة 295
3 ـ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « إنما نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن تزويج المرأة على عمتها وخالتها إجلالاً للعمة والخالة ،فاذا أذنت في ذلك فلا بأس »(1) .

الطلاق الثلاث

قال الشيخ فى « مطلب الطلاق بالثلاث في لفظ واحد » :

ومنها : قولهم : أنّ من طلق إمرأته بالثلاث في لفظ واحد لا يقع شيء ، وهذا مخالف للاحاديث الصحيحة وإجماع أهل الاسلام ، فانهم أجمعوا على وقوع الطلاق ، وإنما اختلافهم في عدد الطلاق أهي واحدة أم ثلاث... وروى البيهقي عن مسلمة بن جعفر الاحمس قال : قلت لجعفر بن محمد : أن قوماً يزعمون أنّ من طلق ثلاثاً بجهالة ردّ إلى السنة ، يجعلونها واحدة يروونها عنكم ، قال : معاذ الله أن يكون هذا من قولنا ، من طلق ثلاثاً فهو كما قال ! !

وتعرف بهذا وأضرابه إفتراء الرافضة الكذبة على أهل البيت وأن مذهبهم مذهب أهل السنة

____________

(1) وسائل الشيعة 20/487 ـ 490 كتاب النكاح : باب عدم جواز تزويج بنت الاخ على عمتها وبنت الاخت على خالتها نسباً ورضاعاً إلاّ باذنهما ، فان فعل بطل ، ويجوز العكس بغير إذن .

الصفحة 296
والجماعة... فهؤلاء الامامية خارجون عن السنة بل عن الملة واقعون في الزنا...(1) .

هذه فرية أُخرى من إفتراءات شيخ الوهابية على الشيعة ، وهذه كتبهم في الحديث والفقه تملا الخافقين كلها تكذّب مقالته ، فالشيعة أيضاً يقولون بوقوع الطلاق إذا طلق الرجل إمرأته بالثلاث ، ولكنهم يعتبرونها طلقة واحدة ، وهم متفقون على ذلك بالاجماع ، لكن فقهاء أهل السنة هم الذين اختلفوا في كونها طلقة واحدة أو ثلاث .

ومذهب الشيعة في ذلك يوافق كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) ، ففي كتاب الله ، قوله عز من قائل : (اَلطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان) (2) ، وقوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيرَهُ) (3) .

وأما الرواية المنسوبة إلى الامام الصادق (عليه السلام) فهي مفتراة عليه ـ وكم افتري على لسان الائمة كما أخبر بذلك الامام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) فيما ذكرناه عنه في مبحث سابق ـ لان الروايات قد تواترت عنهم (عليهم السلام) بما يدحض هذه الفرية ، والشيعة الامامية أعلم

____________

(1) رسالة في الرد على الرافضة : 41 ـ 42 .

(2) سورة البقرة : 229 .

(3) سورة البقرة : 230 .

الصفحة 297
من غيرهم بسنة أئمتهم وأحاديثهم التي هي امتداد لسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وليست مخالفة لها ، وكتب الشيعة مكتظة برواياتهم (عليهم السلام) في هذا الشأن ، نذكر بعضاً منها :

1 ـ عن زرارة ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل طلق إمرأته ثلاثاً في مجلس واحد وهي طاهر ؟ قال : « هي واحدة »(1) .

2 ـ عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : « لا يقع الطلاق إلاّ على كتاب الله والسنة ، لانه حد من حدود الله عزوجل ، يقول : (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) ، ويقول : (وَأَشهِدوا ذَوَيْ عَدْل مِنْكُمْ) ، ويقول : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ، وأما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ردَّ طلاق عبدالله بن عمر لانه كان على خلاف الكتاب والسنة »(2) .

3 ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ أنه قال لنافع مولى ابن عمر : « أنت الذي تزعم أن ابن عمر طلق إمرأته واحدة وهي حائض ، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمر أن يأمره أن يراجعها ؟ » فقال : نعم . فقال له : « كذبت ـ والله الذي لا إله إلاّ هو ـ أنا سمعت ابن

____________

(1) وسائل الشيعة 22 / 62 كتاب الطلاق : باب إن من طلق مرتين أو ثلاثاً أو أكثر مرسلة من غير رجعة وقعت واحدة مع الشرائط .

(2) المصدر السابق 22/17 .

الصفحة 298
عمر يقول : طلقتها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثاً ، فردها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليَّ » وأمسكتها بعد الطلاق ; فاتق الله يا نافع ولا ترو على ابن عمر الباطل(1) .

4 ـ عن عمرو بن البراء ، قال : قلت لابي عبدالله (عليه السلام) : إن أصحابنا يقولون إن الرجل إذا طلق إمرأته مرة أو مائة مرة فانما هي واحدة ، وقد كان يبلغنا عنك وعن آبائك أنهم كانوا يقولون « إذا طلق مرة أو مائة مرة فانما هي واحدة » ، فقال : « هو كما بلغكم » .

وقال الشيخ المفيد : وإِذا دخل الرجل بالمرأة ، وكانت ممن ترى الدم بالحيض وكانا مجتمعين في بلد واحد ، ثم أراد طلاقها ، لم يجز ذلك حتى يستبرئها بحيضة ، فاذا طهرت من دمها طلقها بلفظ الطلاق مرة واحدة ، فقال لها : ( أنت طالق ) أو ( هي طالق ) ـ وأومى إليها بعينها ـ و( فلانة بنت فلان طالق ) ويُشهد على نفسه بذلك رجلين مسلمين عدلين ، فاذا فعل ذلك فقد بانت منه بواحدة وهو أملك برجعتها مالم تخرج من عدتها ، فان بدا له من فراقها وهي في العدة وأراد مراجعتها ، أشهد نفسين من المسلمين على أنه قد راجعها ، فقال : أشهد على أنني قد راجعت فلانة ، فاذا قال ذلك عادت إلى

____________

(1) وسائل الشيعة 22/22 .

الصفحة 299
نكاحه ، ولم يكن لها الامتناع عليه .

ولو لم يشهد على رجعته كما ذكرناه ويقول فيها ما شرحناه ، وعاد إلى إستباحة زوجته فوطأها قبل خروجها من عدتها أو قبلها أو أنكر طلاقها ، لكان بذلك مراجعاً لها ، وهدم فعاله هذا حكم عدتها ، وإنما ندب إلى الاشهاد على الرجعة وسُنّ له ذلك إحتياطاً فيها لثبوت الولد منه واستحقاقه الميراث بذلك ، ودفع دعاوى المرأة استمرار الفراق المانع للزوج من الاستحقاق . ومتى تركها حتى تخرج من عدتها فلم يراجعها بشيء ـ مما وصفناه ـ فقد ملكت نفسها ـ وهو كواحد من الخطاب ـ إن شاءت أن ترجع إليه رجعت بعقد جديد ومهر جديد ، وإن لم تشأ الرجوع إليه لم يكن له عليها سبيل . وهذا الطلاق يسمى طلاق السنة(1) .

هذا هو رأي الشيعة في الطلاق عامة وطلاق الثلاث ، وهو ـ كما نرى ـ موافق لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأن الشيعة ليسوا بخارجين عن السنة ، بل هم أهلها الحقيقيون ، وحاشاهم من الفرى القبيحة التي يرميهم بها شيخ الوهابية .

ولنا أن نذكر مثالاً عن رأي أهل السنة في مسألة الطلاق ، حتى

____________

(1) المقنعة : 526 .

الصفحة 300
نعلم عدم تمسك الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالكتاب والسنة .

قال بهاء الدين المقدسي : ولا يحل جمع الثلاث ، ولا طلاق المدخول بها في حيضتها ، أو في طهر أصابها فيه ، لما روي عن ابن عمر أنه طلق إمرأة له وهي حائض ، فذكر ذلك عمر لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : « مُرهُ فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، فان بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها » .

قال المقدسي : ولا يحل جمع الثلاث ، وهو إحدى الروايتين ، وهو طلاق بدعة وهو محرّم ، روي ذلك عن عمر وعلي وجماعة من الصحابة ، فروي عن عمر أنه كان إذا أُتي برجل طلق ثلاثاً أوجعه ضرباً ، وعن مالك بن الحارث قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إن عمي طلق إمرأته ثلاثاً ; فقال : إن عمك عصى الله وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجاً ، ولانه تحريم للبضع بقول الزوج من غير حاجة فحرم كالظهار . والرواية الاُخرى أنه مكروه غير محرم ، لان عويمراً العجلاني لما لاعن زوجته قال : كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتها ; فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، متفق عليه . ولم ينقل إنكار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليه ، وفي حديث إمرأة رفاعة أنها قالت : يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي . متفق عليه . وفي حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أَرسل إليها بثلاث تطليقات والاولى

الصفحة 301
أولى . وأما حديث المتلاعنين فغير لازم لان الفرقة لم تقع بالطلاق وإنما وقعت بمجرد لعانها فلا حجة فيه ، وسائر الاحاديث لم يقع فيها جمع الثلاث بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى يكون مقراً عليه . على أن حديث فاطمة بنت قيس أنه أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها ، وحديث إمرأة رفاعة جاء فيه أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات . متفق عليه ، ولم يكن في شيء من ذلك جمع الثلاث(1) .

ومن عجب أن يخالف الشيخ محمد بن عبد الوهاب مذهب أُستاذه ابن تيمية الذي لم يجز إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد ، حيث قال : وأمّا جمع الثلاث بكلمة ، فهذا كان منكراً عندهم إنما يقع قليلاً فلا يجوز حمل اللفظ المطلق على القليل المنكر دون الكثير الحق ولا يجوز أن يقال يطلق مجتمعات لا هذا ولا هذا ، بل هذا قول بلا دليل بل هو خلاف الدليل(2) .

ومعلوم أن إمضاء الطلاق الثلاث كان من عند عمر بن الخطاب ، فقد أخرج مسلم عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر ، طلاق الثلاث واحدة ، فقال

____________

(1) العدة شرح العمدة : 487 كتاب الطلاق .

(2) مجموعة فتاوى ابن تيمية 3/14 .

الصفحة 302
عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم(1) .

وبهذا يتبين أن الامامية ليسوا هم الخارجون عن السنة المخالفون لها كما يدعي الشيخ !

إتيان النساء

قال الشيخ في « مطلب إباحتهم ... إتيان المرأة في دبرها » :

ومنها : إباحتهم إتيان الزوجة والمملوكة في الدبر ، وقد صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم)وأصحابه ما يدل على أن المراد من قوله : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) هو الاتيان في القبل ، وإليه يرشد لفظ الحرث بل هو نص على ذلك ، وقد ورد عنه (صلى الله عليه وسلم) لعن من فعل ذلك في الدبر ، وإطلاق الكفر عليه ، فهو خليق أن يكون حراماً قطعياً يخاف على مستحله الكفر ، الله الحافظ(2) .

وقال في « مطلب مشابهتهم النصارى » :

ومنها : جماعهم النساء في الادبار حالة الحيض ،

____________

(1) صحيح مسلم 2/1099 كتاب الطلاق باب الطلاق الثلاث .

(2) رسالة في الردّ على الرافضة : 40 .

الصفحة 303
وكانت النصارى تجامع النساء في المحيض(1) .

هذه مسألة أُخرى من مسائل الخلاف ليس بين الشيعة والسنة وحدهم ، بل هي محل خلاف بين فقهاء الطائفة الواحدة أيضاً .

أما الشيعة ، فقال جمهورهم بكراهية وطء المرأة في الدبر كراهية شديدة ، بينما قال بعضهم بتحريم ذلك إستناداً إلى الادلة المتوفرة لدى كل من الطرفين .

قال الشيخ يوسف البحراني : المشهور بين الاصحاب رضي الله عنهم كراهية الوطء في الدبر كراهية مؤكدة ، ونقل في المختلف عن ابن حمزة القول بالتحريم ، ونقل هذا القول في المسالك أيضاً عن جماعة من علمائنا منهم القميّون وابن حمزة(2) .

أما أهل السنة ، فذهب جمهورهم إلى تحريم ذلك ، ولكن نقل عن عدد من الصحابة والتابعين وكبار الفقهاء وأئمة المذاهب القول بحليته مطلقاً .

وإدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن المراد من آية الحرث هو الاتيان في القبل وأن النص يرشد على ذلك ، فيرده روايات عديدة :

____________

(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 46 .

(2) الحدائق الناضرة 23/80 .

الصفحة 304
أخرج البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر (رضي الله عنه) إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوماً ، فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان ، قال : تدري فيما أُنزلت ؟ قلت : لا ، قال : أُنزلت في كذا وكذا ، ثم مضى ، وعن عبد الصمد حدثني أبي حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر (فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) قال : يأتيها في... رواه محمد بن يحيى عن أبيه عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر(1) .

وأخرج الطبري الرواية أيضاً كما في البخاري ـ إلى أن قال ـ قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن(2) .

قال ابن حجر العسقلاني ـ في معرض شرحه لحديث البخاري ـ : اختلف في معنى ( أنىّ ) فقيل : كيف ، وقيل : حيث ، وقيل : متى ، وبحسب هذا الاختلاف جاء الاختلاف في تأويل الاية... وقد قال أبوبكر بن العربي في سراج المريدين : أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال : يأتيها في ، وترك بياضاً ، والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزءاً وصنف فيها محمد بن شعبان كتاباً ، وتبين أن حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها...

____________

(1) صحيح البخاري 6/35 كتاب التفسير باب : نساؤكم حرث لكم...

(2) تفسير الطبري 2/233 .

الصفحة 305
وأما رواية محمد بن يحيى بن سعيد القطان فوصلها الطبراني في الاوسط من طريق أبي بكر الاعين عن محمد بن يحيى المذكور إلى عمر ، قال : إنما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( نساؤكم حرث لكم ) رخصة في إتيان الدبر... وقد روى هذا الحديث عن نافع أيضاً جماعة غير من ذكرنا ورواياتهم بذلك ثابتة عند ابن مردويه في تفسيره وفي فوائد الاصبهانيين لابي الشيخ وتاريخ نيسابور للحاكم وغرائب مالك للدارقطني وغيرها . وقد عاب الاسماعيلي صنيع البخاري فقال : جميع ما أخرج البخاري عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه...

ولم ينفرد ابن عمر بسبب هذا النزول ، فقد أخرج أبو يعلى وابن مردويه وابن جرير والطحاوي من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً أصاب إمرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : نعيّرها ، فأنزل الله عزوجل هذه الاية ، وعلّقه النسائي عن هشام بن سعيد بن زيد ، وهذا السبب في نزول هذه الاية مشهور...(1) .

كما أخرج الطبري في سبب نزول هذه الاية عن ابن عمر : أن رجلاً أتى إمرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فأنزل الله :

____________

(1) فتح الباري 8/152 ـ 153 .

الصفحة 306
( نساؤكم حرث لكم... ) .

وأخرج عن عطاء بن يسار : أن رجلاً أصاب إمرأته في دبرها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأنكر الناس ذلك وقالوا : أثفره ، فأنزل الله : ( نساؤكم... )(1) .

وأخرج جمع من الحفاظ عن أبي سعيد الخدري قال : أبعر رجل إمرأته على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالوا : أبعر فلان إمرأته ، فأنزل الله : ( نساؤكم حرث لكم... )(2) .

يتبين مما سبق أن إدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن سبب نزول الاية غير صحيح ، وأن بعض الصحابة والتابعين قد أثبتوا نزولها في حلية إتيان النساء في الادبار .

وإستناداً إلى ذلك فان عدداً كبيراً من الفقهاء قد أجاز إتيان النساء في أدبارهن ، بل واعترف بعضهم بأنه يفعل ذلك بنفسه .

فعن أبي سعيد بن يسار ، أنه سأل ابن عمر عنه ، يعني وطء النساء في أدبارهن ، فقال : لا بأس به .

____________

(1) تفسير الطبري 2/233 ـ 234 .

(2) مسند أبي يعلى 2/355 ، شرح معاني الاثار 3/40 وقال : قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن وطء المرأة في دبرها جائز ، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث ، وتأولوا هذه الاية على إباحة ذلك .

الصفحة 307
وعن محمد بن كعب القرظي : أنه كان لا يرى بأساً باتيان النساء في أدبارهن ، ويحتج في ذلك بقوله عزوجل (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ عَادُونَ) أي : من أزواجكم مثل ذلك إن كنتم تشتهون .

وعن طريق إصبغ بن الفرج عن عبدالله بن القاسم قال : ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك فيَ أنه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ، ثم قرأ : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) ثم قال : فأي شيء أبين من هذا(1) .

وأخرج الطبري ، قيل لزيد بن أسلم : أن محمد بن المنكدر ينهى عن إتيان النساء في أدبارهن ، فقال زيد : أشهد على محمد لاخبرني أنه يفعله .

وعن قتادة قال : سئل أبو الدرداء عن إتيان النساء في أدبارهن فقال : هل يفعل ذلك إلاّ كافر ؟ قال روح : فشهدت ابن أبي مليكة يُسأل عن ذلك ، فقال : قد أردته من جارية لي البارحة فاعتاص علي فاستعنت بدهن أو بشحم .

ومن المعلوم أن ابن أبي مليكة ومحمد بن المنكدر وعبدالله بن

____________

(1) شرح معاني الاثار للطحاوي 3/41 ، 45 .

الصفحة 308
القاسم كلهم من فقهاء المدينة .

بل إن بعض أئمة المذاهب الاربعة قد صرحوا بحليته واعترف أحدهم بأنه يفعل ذلك أيضاً ، فقد أخرج الطحاوي والحاكم في مناقب الشافعي والخطيب عن محمد بن عبدالله بن عبد الحكم : أن الشافعي سئل عنه فقال : ما صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في تحليله ولا تحريمه شيء ، والقياس أنه حلال .

وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجرجاني قال : سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر ، فقال لي : الساعة غسلت رأسي منه .

وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك : إنه مباح(1) .

وقد اعترف ابن تيمية الحراني بأن ذلك معروف عن الامام مالك ، فقال في معرض رده على العلامة الحلي (قدس سره) : وأما ما حكاه من إباحة اللواط بالعبيد ، فهذا كذب لم يقله أحد من علماء أهل السنة ، وأظنه قصد التشنيع به على مالك ، فاني رأيت من الجهال من يحكي هذا عن مالك، وأصل ذلك ما يحكى عنه في حشوش النساء ، فانه لما

____________

(1) الدر المنثور 1/638 .

الصفحة 309
حكي عن طائفة من أهل المدينة إباحة ذلك ، وحكي عن مالك فيه روايتان ، ظن الجاهل أن أدبار المماليك كذلك(1) .

فابن تيمية يعترف صراحة بأن مذهب مالك كان إباحة إتيان النساء في حشوشهن .

هذه بعض الحقائق واعترافات بعض الصحابة والتابعين والفقهاء من أهل السنة ، أضعها بين يدي القارئ الكريم رغم شناعة هذا الموضوع . إلاّ أنني وجدت نفسي مضطراً للكلام فيه رداً على تخرصات خصوم الشيعة الذين يستغلون مثل هذه الاُمور للتشنيع عليهم ، ولكنهم يغضون الطرف عما عندهم ومما ورد عن أئمتهم وفقهائهم !! .

____________

(1) منهاج السنة النبوية 2/97 .

الصفحة 311

الفصل الثالث عشر : القضاء والقدر


قال الشيخ في « مطلب نفي القدر » :

ومنها : قولهم : إن الله لم يقدر شيئاً في الازل ، وأن الله لم يرد شراً ولا يريده ، وقد روى مسلم أن قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر) نزل حين نازل المشركون فيه ، وقد قال بعض السادة : قد رويت في إثبات القدر ومايتعلق به أحاديث رويت عن أكثر من مائة صحابي رضي الله عنهم ، وقد ورد عنه (صلى الله عليه وسلم) : « لكل أُمة مجوس ومجوس هذه الاُمة الذين يقولون لا قدر »...(1) .

إن موضوع القدر من المواضيع الشائكة التي اختلفت فيها أقول

____________

(1) رسالة في الردّ على الرافضة : 42 ـ 43 .

الصفحة 312
الفلاسفة والمتكلمين ، ولكن ينبغي أن أُشير أولاً إلى بطلان إدعاء الشيخ أن الشيعة يقولون في القدر بمثل مقالته ، وليس هذا بأول إفتراء له على اتباع أهل البيت (عليهم السلام) .

لقد انقسمت آراء المسلمين في القدر إلى ثلاثة مذاهب :

المذهب الاول : وملخصه أن الانسان محكوم بالقدر حكماً باتاً لا مجال فيه للاختيار ، وهو ما يعطي معنى ( الجبر ) ، وهو الذي ذهب إليه جمهور أهل السنة تبعاً لابي الحسن الاشعري .

المذهب الثاني : وهو عكس المذهب الاول ، وملخصه أن الانسان مطلق الحرية غير محكوم بالقدر ، وهو ما يعطي معنى ( التفويض ) ، الذي ذهب إليه المعتزلة .

المذهب الثالث : وهو مذهب وسط بين المذهبين الاولين حيث لا يقول بالجبر المطلق ولا بالتفويض المطلق ، بل هو أمر بين أمرين ، وهو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، حيث لا إفراط ولا تفريط .

فالجبر الذي يقول به الاشاعرة يسلب الانسان إرادته ويجعله كالريشة في مهب الريح ، مسيّراً بقدره المحتوم ، وعلى هذا الاساس فلا عبرة للطاعة أو المعصية ، فالعبد قد يكون مطيعاً لله ، لكن مآله يكون إلى النار ، والعكس أيضاً ، إذ قد يكون العبد عاصياً لله ، ولكن يسبق قدره المحتوم عمله فيصبح من أهل الجنة ، وفي هذا القول

الصفحة 313
مافيه من نسبة الظلم لله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً .

أما مذهب التفويض فهو يطلق إرادة الانسان إطلاقاً غير محدود وبشكل يسلب إرادة الباري عزوجل ، وفي هذا ما لا يخفى من زلل قد يصل إلى حد الكفر .

ولو أننا بحثنا هذا الموضوع بأُسلوب علمي محايد لاكتشفنا أن السياسة قد لعبت دوراً مهماً في نشوء الاتجاهين الاولين : الجبر والتفويض ، لان الفتنة التي اشتعلت بين المسلمين في عهد عثمان بن عفان وما جرته بعد ذلك من حدوث الاقتتال بين المسلمين ـ وفيهم كبار الصحابة ـ في معارك الجمل وصفين ، وما أعقب ذلك من إستيلاء بني أُمية على الحكم بالقهر والغلبة ، تطلب كل ذلك ايجاد نظرية في القضاء والقدر ترفع الاوزار عن كاهل أُولئك الصحابة والتابعين ، وتعطي للفئة الباغية غطاءً شرعياً يبرر كل تصرفاتها اللاحقة ، فاخترعت نظرية الجبر ـ ووضعت الاحاديث المناسبة لها ـ لتثبت أن الانسان مسوق إلى قدره بلا إرادة منه ولا حول ، فهو يفعل ما يفعل ويرتكب ما يرتكب من المعاصي بقدره المحتوم الذي سلبه حرية التصرف والاختيار .

قال أبو هلال العسكري : إن معاوية أول من زعم أن الله يريد

الصفحة 314
أفعال العباد كلها(1) .

فمعاوية كان بحاجة إلى ما يبرر أعماله الشنيعة وقتله الصحابة والتابعين ـ كحجر بن عدي وغيره ـ فاخترع هذه النظرية ، وقد انساق جمهور أهل السنة ـ تبعاً للنظرية القائلة بضرورة الخضوع للحاكم وإن كان فاجراً وحرمة الخروج عليه ـ وراء هذه الخدعة ، ولم يعدم معاوية وأعوانه من يتصدى لوضع بعض الاحاديث المكذوبة المنسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتكريس هذا الاتجاه ، وانبرى البعض لتأويل بعض الايات المتشابهات من القرآن الكريم دعماً لهذا الاتجاه الجديد .

أمام هذه الموجة كان لابد وأن يظهر إتجاه معاكس كرد فعل لهذه النظرية ، تزعّمها بعض التابعين ـ الذين سموا معتزلة فيما بعد ـ فظهرت نظرية التفويض .

روى ابن قتيبة أن عطاء بن يسار كان قاضياً للامويين ، ويرى رأي معبد الجهني ، فدخل على الحسن البصري وقال له : يا أبا سعيد ، إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون : إنما تجري أعمالنا على قضاء الله وقدره ; فقال له الحسن

____________

(1) الاوائل 2/125 .

الصفحة 315
البصري : كذب أعداء الله(1) .

وقد اخترع أبو الحسن الاشعري ـ الذي كان معتزلياً ثم انقلب عليهم ـ نظرية ( الكسب ) لتبرير أفعال العباد ، وهي النظرية التي حيّرت حتى أتباعه ولم تزد الامر إلاّ تعقيداً .

وقد رد عليه العلامة الحلي (قدس سره) حيث لخص رأي أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في مسألة القضاء والقدر بقوله :

يطلق القضاء على الخلق والاتمام . قال تعالى (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماوات فِي يَومَيْنِ) أي خلقهن وأتمهن .

وعلى الحكم والايجاب ، لقوله تعالى (وَقَضَيْنَا إِلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ) أي أعلمناهم وأخبرناهم .

ويطلق القدر على الخلق ، كقوله تعالى (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقواتَها) .

والكتابة ، كقول الشاعر :
واعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الاولى التي كان سطر

والبيان ، كقوله تعالى (إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) ، أي بيّنا وأخبرنا بذلك .

____________

(1) الخطط للمقريزي 2/356 .

الصفحة 316
إذا ظهر هذا فنقول للاشعري : ما تعني بقولك إنه تعالى قضى أعمال العباد وقدرها ؟

إن أردت به الخلق والايجاد ، فقد بينا بطلانه وأن الافعال مستندة إلينا ، وإن عنى به الالزام ، لم يصح إلاّ في الواجب خاصة ، وإن عنى به أنه تعالى بيّنها وكتبها وَأعلَمَ أنهم سيفعلونها فهو صحيح ، لانه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته ، وهذا المعنى الاخير هو المتعين ، للاجماع على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ، ولا يجوز الرضا بالكفر وغيره من القبائح ، ولا ينفعهم الاعتذار بوجوب الرضا من حيث أنه فعله تعالى وعدم الرضا به من حيث الكسب ، لبطلان الكسب أولاً ، وثانياً فلانا نقول : إن كان كون الكفر كسباً بقضائه تعالى وقدره وجب به الرضا من حيث هو كسب ، وهو خلاف قولكم ، وإن يكن بقضاء وقدر ، بطل استناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر .

واعلم ، أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد بيّن معنى القضاء والقدر وشرحهما شرحاً وافياً في حديث الاصبغ بن نباته لمّا انصرف من صفين ، فانه قام إليه شيخ فقال له : أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام ، أكان بقضاء الله وقدره ؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ما

الصفحة 317
وطأنا موطئاً ولا هبطنا وادياً ولا علونا تلعة إلاّ بقضاء وقدر » .

فقال له الشيخ : عند الله أحتسب عنائي ، ما أرى لي من الاجر شيئاً .

فقال له : « مه أيها الشيخ ، بل عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ، ولا إليها مضطرين » .

فقال الشيخ : كيف والقضاء والقدر ساقانا ؟

فقال : « ويحك ، لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حتماً ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والامر والنهي ، ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذم من المحسن ، تلك مقالة عبدة الاوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب ، وهم قدرية هذه الاُمة ومجوسها ، إن الله تعالى أمر تخييراً ونهى تحذيراً وكلّف يسيراً ، لم يُعص مغلوباً ولم يُطع مكرهاً ولم يُرسل الرسل عبثاً ، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلاً ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار » .

فقال الشيخ : وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلاّ بهما ؟

فقال : « هو الامر من الله تعالى والحكم » وتلا قوله تعالى :

الصفحة 318
(وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدوا إِلاَّ إِيَّاهُ) ، فنهض الشيخ مسروراً وهو يقول :

أنت الامام الذي نرجو بطاعته يوم النشور من الرحمن رضوانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً جزاك ربك عنا فيه إحسانا

قال أبو الحسن البصري ومحمود الخوارزمي : وجه تشبيهه (عليه السلام)المجبرة بالمجوس من وجوه :

أحدها : أن المجوس اختصوا بمقالات سخيفة واعتقادات واهية معلومة البطلان وكذلك المجبرة .

وثانيها : أن مذهب المجوس أن الله تعالى يخلق فعله ثم يتبرأ منه كما خلق إبليس ثم انتفى منه ، وكذلك المجبرة قالوا أنه تعالى يفعل القبائح ثم يتبرأ منها .

وثالثها : أن المجوس قالوا إن نكاح الاخوات والاُمهات بقضاء الله وقدره وإرادته ، ووافقهم المجبرة حيث قالوا : إن نكاح المجوس لاخواتهم وأمهاتهم بقضاء الله وقدره وإرادته .

ورابعها : أن المجوس قالوا : إن القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس ، والمجبرة قالوا : إن القدرة موجبة للفعل غير متقدمة

الصفحة 319
عليه ، فالانسان القادر على الخير لا يقدر على ضده وبالعكس(1) .

اما استشهاد الشيخ بحديث « لكل أمة مجوس ومجوس هذه الامة الذين يقولون لا قدر » فهذا الحديث وأمثاله من الاحاديث التي حرّفها البعض من السائرين في ركب بني أُمية ، لان بني أُمية كانوا قدرية ، إذ أثبتوا القدر لتبرير جرائمهم ، ولاجل أن تنطلي الحيلة على الناس قلبوا حديث « القدرية مجوس هذه الاُمة » فجاؤوا بهذه الصيغة التي ذكرها الشيخ أو بصيغة « القدرية يقولون : الخير والشر بايدينا » أو « القدرية يقولون : لا قدر » وقد أورد ابن الجوزي هذه الاحاديث في كتابه العلل المتناهية(2) وبيّن ضعفها .

والحديث الذي استشهد به الشيخ موجود في سنن أبي داود(3) .

وفي سنده عمر مولى غفرة ، عن رجل من الانصار ، عن حذيفة ، فالانصاري هذا مجهول ، وأما عمر مولى غفرة فقد ضعفه ابن معين والنسائي وتركه مالك ، وقال : فيه ابن حبان : كان يقلب الاخبار ، لا يحتج بحديثه(4) وعبارة ابن حبان واضحة في أن هذا الراوي كان

____________

(1) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : 315 ـ 317 .

(2) العلل المتناهية 1/152 ، 162 .

(3) سنن أبي داود حديث 4692 .

(4) تهذيب التهذيب 7/415 .

الصفحة 320
يقلب الاخبار ، فهذا الحديث الذي يحتج به الشيخ هو من الاخبار التي قلبها عمر مولى غفرة هذا وحرَّف النص الاصلي .

ومن هذا كلّه يتبيّن أنّ القائلين بحتمية القدر وسلب إرادة الانسان كلية ، هم في الحقيقة المتشبهون بالمجوس ، وهم المجبّرة ، تصديقاً لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : القدرية مجوس هذه الاُمة »(1) .

( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )(2)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

____________

(1) سنن أبي داود ، الحديث رقم 4691 .

(2) سورة المزمل : 19 .

الصفحة 321

فهرس المصادر

1 ـ أسباب نزول القرآن

علي بن أحمد الواحدي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط1 ، 1411هـ 1991م .

2 ـ أسنى المطالب

الجزري الشافعي ـ مطابع نقش جهان ـ طهران .

3 ـ الاستيعاب

محمد بن عبد البر ـ دار الجيل ـ بيروت ـ ط1 ، 1412هـ 1992م .

4 ـ أُسد الغابة

ابن الاثير الجزري ـ دار الفكر ـ بيروت 1409هـ 1989م .

5 ـ إرشاد الساري

أحمد بن محمد القسطلاني ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .

الصفحة 322
6 ـ آفة أصحاب الحديث

ابن الجوزي ـ مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران .

7 ـ الامامة والسياسة

ابن قتيبية ـ مؤسسة الوفاء ـ بيروت ـ ط3 ، 1401هـ 1981م .

8 ـ الاصابة في معرفة الصحابة

ابن حجر العسقلاني ـ دار صادر ـ بيروت .

9 ـ الاتقان في علوم القرآن

جلال الدين السيوطي ـ منشورات رضي ـ بيدار ـ عزيزي ط2 .

10 ـ الايضاح

الفضل بن شاذان ـ مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ـ بيروت ط1 1421هـ 1982م .

11 ـ الاعتقادات

الشيخ الصدوق ـ المؤتمر العالمي لالفية الشيخ المفيد ـ 1413هـ .

12 ـ أوائل المقالات

محمد بن محمد بن النعمان الشيخ المفيد ـ المؤتمر العالمي لالفية الشيخ المفيد .

13 ـ الامام الصادق والمذاهب الاربعة

أسد حيدر ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت .

الصفحة 323
14 ـ إحياء علوم الدين

الغزالي ـ دار الندوة الجديدة ـ بيروت .

15 ـ الام

الشافعي ـ دار المعرفة ـ بيروت .

16 ـ الايقاظ من الهجعة

الحر العاملي ـ بوذرجمهري ـ 1362هـ ش .

17 ـ آلاء الرحمان في تفسير القرآن

محمد جواد البلاغي ـ مكتبة الوجداني ـ قم .

18 ـ أحكام القرآن

ابن العربي المالكي ـ دار المعرفة ـ بيروت .

19 ـ أحكام القرآن

الكيالهراسي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ط2 ـ 1405هـ 1985م .

20 ـ أحكام القرآن

الجصاص ـ دار الفكر ـ بيروت .

21 ـ إعجاز القرآن

مصطفى صادق الرافعي ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت .

22 ـ البحر المحيط

أبو حيان الاندلسي ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1403هـ 1983م .

الصفحة 324
23 ـ البداية والنهاية

إسماعيل بن كثير الدمشقي ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1402هـ 1982م .

24 ـ التفسير الكبير

الفخر الرازي ـ ط3 .

25 ـ تفسير القرآن العظيم

إسماعيل بن كثير ـ دار المعرفة ـ بيروت ط1 ـ 1406هـ 1986م .

26 ـ تفسير المراغي

أحمد مصطفي المراغي ـ دار إحياء التراث العربي ط2 ـ 1895م .

27 ـ تفسير القمي

علي بن إبراهيم القمي ـ مطبعة النجف ـ ط2 ـ بيروت 1387هـ 1968م .

28 ـ تفسير العياشي

محمد بن مسعود السمرقندي ـ المكتبة العلمية الاسلامية ـ طهران .

الصفحة 325
29 ـ تفسير الطبري

محمد بن جرير الطبري ـ دار المعرفة بيروت ـ ط4 ـ 1400هـ 1980م .

30 ـ تفسير القرطبي

محمد بن أحمد القرطبي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ ط2 .

31 ـ تاريخ دمشق

ابن عساكر ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط1 ـ 1418هـ 1997م .

32 ـ تاريخ بغداد

أحمد بن علي الخطيب البغدادي ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت .

33 ـ تاريخ الشيعة

محمد حسين المظفري ـ مكتبة بصيرتي ـ قم .

34 ـ تاريخ الاسلام

الذهبي ـ دار الكتاب العربي ـ ط1 ـ 1407هـ 1987م .

35 ـ تاريخ الخلفاء

جلال الدين السيوطي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ط1 ـ 1988م .

36 ـ تاريخ المذاهب الاسلامية

محمد أبو زهرة ـ دار الفكر العربي .


الصفحة 326
37 ـ تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي

صائب عبد الحميد ـ مركز الغدير للدراسات الاسلامية ـ 1417 هـ .

38 ـ تاريخ اليعقوبي

أحمد بن إسحاق اليعقوبي ـ دار صادر ـ بيروت .

39 ـ تاريخ الخميس

حسين بن محمد الدياربكري ـ مؤسسة شعبان ـ بيروت .

40 ـ التمهيد في علوم القرآن

محمد هادي معرفة ـ مؤسسة النشر الاسلامي ـ 1412هـ .

41 ـ تهذيب التهذيب

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ـ دار الفكر ـ بيروت ط1 ـ 1404هـ 1984م .

42 ـ تنزيه الانبياء

علي بن الحسين الشريف الرضي ـ انتشارات الشريف الرضي ـ قم ـ ط1 .

43 ـ التسهيل بعلوم التنزيل

ابن جزي الكلبي ـ دار الفكر ـ بيروت .

44 ـ التقية في فقه أهل البيت

محمد علي صالح المعلم ـ مطبعة بهمن ـ ط1 ـ 1418هـ .

الصفحة 327
45 ـ تجريد الاعتقاد

نصير الدين الطوسي ـ مكتب الاعلام الاسلامي ـ 1407هـ .

46 ـ تذكرة الفقهاء

الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ـ مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)لاحياء التراث .

47 ـ تحفة الاحوذي

المباركفوري ـ دار الفكر ـ بيروت .

48 ـ تمهيد الاوائل

أبو بكر الباقلاني ـ مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت ـ ط3 .

49 ـ جامع الاصول

ابن الاثير الجزري ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط2 .

50 ـ جامع المقاصد

علي بن الحسين الكركي ـ مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث .

51 ـ الحدائق الناضرة

يوسف البحراني ـ مؤسسة النشر الاسلامي ـ إيران .

52 ـ خصائص أمير المؤمنين

أحمد بن شعيب النسائي ـ مكتبة العلا ـ الكويت ـ ط1 .

الصفحة 328
53 ـ دراسات في الحديث والمحدثين

هاشم معروف الحسيني ـ دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت ـ ط2 .

54 ـ الدر المنثور

جلال الدين السيوطي ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط1 .

55 ـ دلائل الصدق

محمد الحسن المظفر ـ دار المعلم للطباعة ـ القاهرة ـ ط2 .

56 ـ ذكرى الشيعة

محمد جمال الدين العاملي ـ مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث .

57 ـ ربيع الابرار

الزمخشري ـ انتشارات الشريف الرضي ـ قم ـ 1410هـ .

58 ـ رجال النجاشي

أحمد بن علي النجاشي ـ دار الاضواء ـ بيروت ـ ط1 .

59 ـ روح المعاني

الالوسي البغدادي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .

60 ـ الروض الانف

عبد الرحمن السهيلي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ ط1 .


الصفحة 329
61 ـ الرياض النضرة

المحب الطبري ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت .

62 ـ زاد المسير

علي بن محمد الجوزي ـ المكتب الاسلامي ـ ط4 .

63 ـ زاد المعاد

ابن قيم الجوزية ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ط16 .

64 ـ سنن الترمذي

محمد بن عيسى الترمذي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .

65 ـ سنن أبي داود

سليمان بن الاشعث السجستاني ـ دار الفكر ـ بيروت .

66 ـ سنن النسائي بشرح السيوطي

أحمد بن شعيب النسائي ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط1 .

67 ـ سنن الدارمي

عبدالله بن بهرام الدارمي ـ دار الفكر ـ بيروت .

68 ـ سنن ابن ماجة

محمد بن يزيد القزويني ـ دار الفكر ـ بيروت .

69 ـ السنن الكبرى

أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ـ دار المعرفة ـ بيروت .

الصفحة 330
70 ـ السيرة الحلبية

علي بن برهان الدين الحلبي ـ المكتبة الاسلامية ـ بيروت .

71 ـ السيرة النبوية

عبد الملك بن هشام الحميري ـ دار إحياء التراث العربي .

72 ـ السيرة النبوية

إسماعيل بن كثير ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .

73 ـ شرح تجريد المعتقدات

علي بن محمد القوشجي ـ منشورات رضي ـ بيدار ـ عزيزي .

74 ـ شرح صحيح مسلم

زكريا محيي الدين النووي ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت .

75 ـ شرح معاني الاثار

أحمد بن محمد الطحاوي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط2 .

76 ـ شرح المواهب اللدنية

محمد بن عبد الباقي الزرقاني ـ دار المعرفة ـ بيروت .

77 ـ شرح نهج البلاغة

ابن أبي الحديد ـ دار إحياء الكتب العربية ـ ط2 .

78 ـ صحيح البخاري

محمد بن إسماعيل البخاري ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .

الصفحة 331
79 ـ صحيح مسلم

مسلم بن الحجاج القشيري ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط2 .v 80 ـ الصواعق المحرقة

أحمد بن حجر الهيتمي المكي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط3 .

81 ـ الطبقات الكبرى

محمد بن سعد ـ دار صادر ـ بيروت ـ 1405هـ 1985م .

82 ـ عارضة الاحوذي

محمدبن عبدالله بن العربي المالكي ـ دار الكتاب العربي .

83 ـ العدة شرح العمدة

عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي ـ مكتبة الرياض الحديثة .

84 ـ العروة الوثقى

محمد كاظم الطباطبائي ـ دار الفكر ـ بيروت .

85 ـ العلل المتناهية في الاحاديث الواهية

عبد الرحمن ابن الجوزي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط1 1403هـ .

86 ـ عمدة القاري

محمود بن أحمد العيني ـ دار الفكر ـ بيروت .

الصفحة 332
87 ـ فتح الباري

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ ط2 .

88 ـ فتح القدير

علي بن محمد الشوكاني ـ دار المعرفة ـ بيروت .

89 ـ الفصل في الملل والاهواء والنحل

علي بن أحمد بن حزم ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ط2 .

90 ـ الفصول المهمة

علي بن محمد ابن الصباغ المالكي ـ مكبة دار الكتب التجارية ـ النجف .

91 ـ الكافي

محمد بن يعقوب الكليني ـ المكتبة الاسلامية ـ 1388هـ .

92 ـ الكامل في التاريخ

محمد بن عبد الكريم ابن الاثير ـ دار صادر ـ بيروت .

93 ـ الكامل في الضعفاء

عبدالله بن عدي الجرجاني ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط2 .

94 ـ كتاب السنة

عمرو بن أبي عاصم ـ المكتب الاسلامي ـ بيروت ـ ط2 .

الصفحة 333
95 ـ كشف المراد

الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ـ مؤسسة النشر الاسلامي ـ قم .

96 ـ مباني العروة الوثقى

محمد تقي الخوئي ـ المطبعة العلمية ـ قم ـ 1408هـ .

97 ـ المبسوط

شمس الدين السرخسي ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ط3 .

98 ـ المجموع شرح المهذب

زكريا محيي الدين النووي ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط1 .

99 ـ مجموعة فتاوى ابن تيمية

أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ـ دار المنار ـ 1411هـ 1991م .

100 ـ المحلى

علي بن أحمد بن حزم ـ دار الافاق الجديدة ـ بيروت .

101 ـ مدارك الاحكام

محمد بن علي العاملي ـ مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) ـ ط1 .

102 ـ مجمع الزوائد

علي بن أبي بكر الهيثمي ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ ط3 .

الصفحة 334
103 ـ المراجعات

عبد الحسين شرف الدين العاملي ـ مطبوعات النجاح ـ القاهرة ـ ط20 .

104 ـ مسند أحمد

أحمد بن حنبل ـ دار الفكر ـ بيروت .

105 ـ مسند أبي يعلى

أحمد بن علي التميمي ـ دار المأمون للتراث ـ ط1 .

106 ـ مسند الطيالسي

سليمان بن داود الطيالسي ـ دار المعرفة ـ بيروت .

107 ـ المستدرك على الصحيحين

محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري ـ دار الفكر ـ بيروت .

108 ـ المسائل السروية

محمد بن محمد بن النعمان الشيخ المفيد ـ المؤتمر العالمي لالفية الشيخ المفيد ـ .

109 ـ المسائل والاجوبة في الحديث

ابن قتيبة الدينوري ـ دار ابن كثير ـ دمشق .

110 ـ مسائل فقهية

عبد الحسين شرف الدين العاملي ـ معاونية العلاقات الدولية في

الصفحة 335
منظمة الاعلام الاسلامي .

111 ـ المصنف

عبدالله بن محمد بن أبي شيبة ـ الدار السلفية ـ بومياي .

112 ـ المصنف

عبد الرزاق الصنعاني ـ منشورات المجلس العلمي ـ ط1 .

113 ـ مصابيح السنة

الحسين بن مسعود البغوي ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ط1 .

114 ـ المعيار والموازنة

أبو جعفر الاسكافي ـ مؤسسة المحمودي ـ بيروت ـ ط1 .

115 ـ المعجم الكبير

سليمان بن أحمد الطبراني ـ مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة .

116 ـ المعجم الاوسط

سليمان بن أحمد الطبراني ـ دار الحديث ـ القاهرة ـ ط1 .

117 ـ المعجم الصغير

سليمان بن أحمد الطبراني ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت .

118 ـ المقنعة

محمد بن محمد النعمان الشيخ المفيد ـ المؤتمر العالمي لالفية الشيخ المفيد ـ ط1 .

الصفحة 336
119 ـ منهاج السنة النبوية

أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت .

120 ـ الموطأ

مالك بن أنس ـ دار إحياء التراث العربي .

121 ـ الميزان في تفسير القرآن

محمد حسين الطباطبائي ـ مؤسسة إسماعيليان ـ قم ـ ط2 .

122 ـ ميزان الاعتدال

محمد بن أحمد الذهبي ـ دار المعرفة ـ بيروت .

123 ـ نهج البلاغة

صبحي الصالح ـ دار الاسوة للطباعة والنشر ـ ط1 .

124 ـ وركبت السفينة

مروان خليفات ـ مركز الغدير ـ ط 1 ـ 1997م .

125 ـ وسائل الشيعة

محمد بن الحسن الحر العاملي ـ مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث ـ قم ـ 1414 هـ .


الصفحة 337

المؤلف في سطور

  • صباح علي البياتي
  • ولد في مدينة الموصل بالعراق عام 1953م في أسرة تعتنق المذهب الشافعي.
  • حصل على شهادة البكالوريوس في قسم اللغة العربية من كلية التربية في جامعة صلاح الدين عام 1989م.
  • اعتنق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام 1993م.
  • له من الكتب:
        «تاريخ التشيع في الموصل» مخطوط.
        «الصحوة - رحلتي إلى الثقلين» دراسة تحليلية موضوعية ومناقشة للقاضي أبي بكر بن العربي في كتابه العواصم من القواصم ولعدد آخر من العلماء والمؤرخين، سيصدر ضمن هذه السلسلة عن مركز الأبحاث العقائدية.