المشركين ومن اتبعهم من الصابئة في آخر المأية الثانية في امارة المأمون وظهرت علوم الصابئين والمنجمين ونحوهم فظهرت هذه المقالة في اهل العلم واهل السيف والامارة وصار في اهلها من الحلفاء والامرآء والوزرآء والفقهاء والقضاة وغيرهم ما امتحنوا به المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات انتهى كلام الشيخ رحمة الله فانظر في هذا الكلام وتدبره كيف وصف هؤلاء باعظم الكفر والشرك وبالايمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه وانهم فروع المشركين والصابئة وانهم اخذوا ماخذ القرون من قبلهم اهل الكفر وانهم خالفوا العقل والنقل والفطرة وانهم خالفوا جميع الرسل في قولهم وانهم عاندوا الحق وان اهل العلم يقولون قولهم هذا اخبث من قول اليهود والنصارى وانهم عذبوا المؤمنين والمؤمنات على الحق وهؤلاء الذين عنا بهذا الكلام هم المعتزلة والقدرية والجهمية ومن سلك سبيلهم من اهل البدع وغيرهم والخلفاء الذين يعنيهم المأمون والمعتصم والواثق ووزرائهم وقضاتهم وفقهاؤهم وهم الذين جلدوا الامام احمد رحمه الله وحبسوه وقتلوا احمد بن بصير الخزاعي وغيره وعذبوا المؤمنين والمؤمنات يدعونهم الى الاخذ بقولهم وهم الذين يعنى بقوله فيما تقدم وما يأتي ان الامام احمد لايكفرهم ولا احد من السلف وان احمد صلى خلفهم واستغفرلهم ورأى الائتمام بهم وعدم الخروج عليهم وان الامام احمد يرد قولهم الذي هو كفر عظيم كما تقدم كلامه فراجعه (فبالله) عليك تأمل اي هذا واي قولكم فيمن خالفكم فهو كافر ومن لم يكفره فهو كافر (بالله عليكم) انتهوا عن الخفا وقول الزور واقتدوا بالسلف الصالح وتجنبوا طريق اهل البدع ولا تكونوا كالذي زين له سوء عمله فرأه حسناً قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى ومن البدع المنكرة تكفير الطائفة وغيرها من طوائف المسلمين واستحلال دمائهم واموالهم وهذا عظيم لوجهين (احدهما) ان تلك الطائفة الاخرى قد لايكون فيها من البدعة اعظم مما في الطائفة المكفرة لها بل قد تكون بدعة الطائفة المكفرة لها اعظم من بدعة الطائفة المكفرة وقد تكون نحوها وقد تكون دونها وهذا حال عامة اهل البدع والاهوى الذين يكفرون بعضهم بعضاً وهؤلاء من الذين قال الله فيهم (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) (الثاني) انه لو فرض
ان احدى الطائفتين مختصة بالبدعة والاخرى موافقة للسنة لم يكن لهذه السنة ان تكفر كل من قال قولا اخطاء فيه فان الله تعالى قال (ربنا لا تواخذ نا ان نسينا او اخطأنا) وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى قال قد فعلت وقال تعالى (لاجناح عليكم فيما اخطأتم به ولكن ماتعمدت قلوبكم) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله تجاوز لامتي عن الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه وهو حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره وقد اجمع الصحابة والتابعون لهم باحسان وسائر ائمة المسلمين على انه ليس كل من قال قولا اخطاء فيه انه يكفر بذلك ولو كان قوله مخالفاً للسنة ولكن للناس نزاع في مسائل التكفير قد بسطت في غير هذا الموضع وقال الشيخ رحمه الله ايضا الخوارج لهم خاصيتان مشهورتان فارقوا بها جماعة المسلمين وائمتهم (احدهما) خروجهم عن السنة وجعلهم ماليس بسيئة سيئة وجعلهم ماليس بحسنة حسنة (الثاني) في الخوارج واهل البدع انهم يكفرون بالذنوب والسيئات ويترتب على ذلك استحلال دماء المسليمن واموالهم وان دار الاسلام دار حرب ودارهم هى دار الايمان وبذلك يقولوا جمهور الرافضة وجمهور المعتزلة والجهمية وطائفة من غلات المنتسبة الى اهل الحديث فينبغي للمسلم ان يحذر من هذين الاصلين الخبيثين وما يتولد عنهما من بعض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم واموالهم وعامة البدع انما تنشأ من هذين الاصلين (اما الاول) فسببه التأويل الفاسد اما حديث بلغه غير صحيح او عن غير الرسول صلى الله عليه وسلم قلد قائله فيه ولم يكن ذلك القائل مصيباً او تأويل تأوله من آية من كتاب الله ولم يكن التأويل صحيحاً او قياساً فاسداً او رأيا راءه اعتقده صواباً وهو خطأ الى (ان قال) قال احمد اكثرما يخطىء الناس من جهة التأويل والقياس وقال الشيخ اهل البدع صاروا يبنون دين الاسلام على مقدمات يضنون صحتها اما في دلالة الالفاظ واما في المعاني المعقولة ولا يتأملون بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فانهايكون ضلالا وقد تكلم احمد على من يتمسك مما يظهر له من القرءان من غير استدلال بيان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وهذه طريقة سائر ائمة المسلمين لايعدلون عن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم ان
وجدوا الى ذلك سبيلا وقال الشيخ ايضاً اني دايماً ومن جالسنى يعلم مني اني من اعظم الناس نهياً من ان ينسب معين الى تكفير او الى تفسيق او معصية الا اذا علم انه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا اخرى وعاصياً اخرى واني اقرران الله قد غفر لهذه الامة خطأها وذلك يعم الخطأ في المسائل الحبرية والمسائل العملية ومازال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد احد منهم معين لاجل ذلك لا يكفر ولا بفسق ولا بمعصية كما انكر شريح قراءة بل عجبت ويسخرون وقال ان الله لا يعجب الى ان قال وقد آل النزاع بين السلف الى الاقتتال مع اتفاق اهل السنة على ان الطائفتين جميعاً مؤمنتان وان القتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم لان المقاتل وان كان باغياً فهو متأول والتأويل يمنع الفسق وكنت ابين لهم ان ما نقل عن السلف والائمة من اطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو ايضا حق لكن يجب التفريق بين الاطلاق والتعيين وهذه اول مسألة تنازعت فيها الامة من مسائل الاصول الكبار وهي مسالة الوعيد فان نصوص الوعيد في القرأن المطلقة عامة كقوله تعالى (ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلماً ) الاية وكذلك سائر ماورد من فعل كذا فله كذا او فهو كذا فان هذه النصوص مطلقة عامة وهي بمنزلة من قال من السلف من قال كذا فهو كافر الى ان قال والتكفير يكون من الوعيد فانه وان كان القول تكذيبا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لكن قد يكون الرجل حديث عهد بالاسلام او نشأ يباديه بعيده وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص او سمعها ولم تثبت عنده او عارضها عنده معارض آخر او وجب تاويلها وان كان مخطيئا (وكنت) دايما اذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال لاهله اذا انامت فاحرقوني الحديث فهذا رجل شك في قدرة الله وفي اعادته اذا ذرى بل اعتقد انه لايعاد وهذا كفر باتفاق المسلمين لكن كان جاهلا لايعلم ذلك وكان مؤمنا يخاف الله ان يعاقبه فغفر له بذلك والمتأول من اهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم اولى بالمغفرة من مثل هذا (انتهى) وقال الشيخ رحمه الله وقد سئل عن رجلين تكلما فى مسئالة التكفير فاجاب واطال وقال فى اخر الجواب لوفرض ان رجلا دفع التكفير عمن يعتقد انه ليس بكافر حماية له ونصراً لاخيه المسلم لكان هذا غرضا شرعيا حسنا وهواذا
اجتهد فى ذلك فاصاب فله اجران وان اجتهد فيه فاخطأ فله اجر وقال رحمه الله التكفير انما يكون بانكار ماعلم من الدين بالضرورة اوبانكار الاحكام المتواترة المجمع عليها (انتهى) فانظر الى هذا الكلام وتأمله وهل هذا كقولكم هذا كافر ومن لم يكفره فهو كافر وهو قال ان دفع عنه التكفير وهو مخطئ فله اجر وانظر وتأمل كلامه الاول وهو ان القول قد يكون كفراً ولكن القائل او الفاعل لايكفر لاحتمال امور منها عدم بلوغ العلم على الوجه الذى يكفربه امالم يبلغه واما بلغه ولكن مافهمه اوفهمه ولكن قام عنده معارض اوجب تأويله الى غير ذلك مما ذكره فياعباد الله تنبهوا و ارجعو الى الحق وامشوا حيث مشى السلف الصالح وقفوا حيث وقفو او لا يستغركم الشيطان ويزين لكم تكفير هل الاسلام وتجعلون ميزان كفر الناس مخالفتكم وميزان الاسلام موافقتكم فانا لله وانا اليه راجعون آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وعلى مراد رسوله انقذنا الله واياكم من متابعة الاهواء قال ابن القيم رحمه الله تعالى لما ذكر انواع الكفر وكفر الجحود نوعان كفر مطلق عام وكفر مقيد خاص فالمطلق ان يجحد جملة ما انزل الله ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخاص المقيد ان يجحد فرضا من فروض الاسلام او محرما من محرماته او صفة وصف الله بها نفسه او خبرا اخبر الله به عمداً او تقديما لقول من خالفه عالما عمداً لغرض من الاغراض واما ذلك جهلا او تأويلا يعذو فيه فلا يكفر صاحبه لما في الصحيحين والسنن والمسانيد عن ابي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قال رجل لم يعمل خيرا قط لاهله وفي رواية اسرف رجل على نفسه فلما حضر او صى بنيه اذا مات فحرقوه ثم ذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فو الله لان قدر الله عليه ليعذبنه عذابا ما عذب به احدا من العالمين فلما مات فعلوا ما امرهم فامر الله البحر فجمع ما فيه وامر البر وجمع ما فيه ثم قال لم فعلت قال من خشيتك يا رب وانت تعلم فغفر له (فهذا) منكر لقدرة الله عليه ومنكر للبعث والمعاد ومع هذا غفر الله له وعذره بجهله لان ذلك مبلغ علمه لم ينكر ذلك عناداً وهذا فصل النزاع في بطلان قول من يقول ان الله لا يعذر العباد بالجهل في سقوط العذاب اذا كان ذلك مبلغ علمه (انتهى) وقد سئل ابن تيمة عن التكفير الواقع في هذه الامة من اول من احدثه وابتدعه فاجاب اول من احدثه في الاسلام المعتزلة وعنهم تلقاه من تلقاه وكذلك الخوارج
هم اول من اظهره واضطرب الناس في ذلك فمن الناس من يحكي عن مالك فيه قولين وعن الشافعي كذلك وعن احمد روايتان وابو الحسن الاشعري واصحابه لهم قولان وحقيقة الامر في ذلك ان القول قد يكون كفرا فيطلق القول تكفير قائله ويقال من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قاله لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها من تعريف الحكم الشرعي من سلطان او امير مطاع كما هو المنصوص عليه في كتب الاحكام فاذا عرفه الحكم وزالت عنه الجهالة قامت عليه الحجة وهذا كما هو في نصوص الوعيد من الكتاب والسنة وهي كثيرة جداً والقول بموجبها واجب على وجه العموم والاطلاق من غير ان يعين شخص من الاشخاص فيقال هذا كافر او فاسق او ملعون او مغضوب عليه او مستحق للنار لا سيما ان كان للشخص فضائل وحسان فان ما سومي الانبياء يجوز عليهم الصغائر والكبائر مع امكان ان يكون ذلك الشخص صديقاً او شهيداًِِ او صالحا كما قد بسط في غير هذا الموضع من ان موجب الذنوب تختلف عنه بتوبة او باستغفار او حسنات ماحية او مصائب مكفرة او شفاعة مقبولة او لمحض مشيئة الله و رحمته (فاذا قلنا) بموجب قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمداً) (الاية) وقوله (ان الذين يأكلون امول اليتامى ظلماً انما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعير) او قوله (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده) (الاية) وقوله (ولاتاكلوا اموالكم بينكم بالباطل) الى قوله (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما) (الاية) الى غير ذلك من ايات الوعيد (قلنا) بموجب قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله من شرب الخمر او من عق والديه او من غير منار الارض او من ذبح لغير الله او لعن الله السارق او لعن الله آكل الربا و موكله وشاهده وكاتبه او لعن الله لاوي الصدقة والمتعدي فيها او من احدث في المدينة حدثا او آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين الى غير ذلك من احاديث الوعيد لم يجز ان تعين شخصا ممن فعل بعض هذه الافعال وتقول هذا المعين قد صابه هذا الوعيد لامكان التوبة وغيرها من مسقطات العقوبة الى ان قال ففعل هذا الامور ممن يحسب انها مباحة باجتهاد او تلقيد ونحو ذلك وغايته انه معذور من لحوق الوعيد به لمانع كما امتنع لحوق الوعيدبهم لتوبة او حسنات ماحية او مصائب مكفرة او غير ذلك وهذه السبيل هي التي يجب اتباعها فان ماسواها طريقان خبيثان احدهما القول بلحوق الوعيد بكل فرد من الافراد
بعينه ودعوى انها عمل بموجب النصوص وهذا اقبح من قول الخوارج المكفرين بالذنوب والمعتزلة وغيرهم وفساده معلوم بالاضطرار او دلته معلومة في غير هذا الموضع فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق لكن الشخص المعين الذي فعله لا يشهد عليه بالوعيد فلا يشهد على معين من اهل القبلة بالنار لفوات شرط او لحصول مانع وهكذا الاقوال الذي يكفر قائلها قد يكون القائل لها لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده او لم يتمكن من معفرتها وفهمها او قد عرضت له شبهات يعذره الله بها فمن كان مؤمنا بالله وبرسوله مظهراً للاسلام محبا لله ورسوله فان الله يغفر له ولوقارف بعض الذنوب القولية او العملية سوآء اطلق عليه لفظ الشرك او لفظ المعاصي هذا الذي عليه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماهير أيمة الاسلام لكن المقصود ان مذاهب الأيمة مبنية على هذا التفصيل بالفرق بين النوع والعين بل لا يختلف القول عن الامام احمد وسائر أئمة الاسلام كمالك وابي حنيفة والشافعي انهم لا يكفرون المرجئة الذين يقولون الايمان قول بلا عمل ونصوصهم صريحة بالمتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم وانما كان الامام احمد يطلق القول بتكفير الجهمية لانه ابتلى بهم حتى عرف حقيقة امرهم وانه يدور على التعطيل وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والائمة لكن ما كانوا يكفرون اعيانهم فان الذي يدعو الى القول اعظم من الذي يقوله ولا يدعو اليه والذي يعاقب مخالفه اعظم من الذي يدعو فقط والذي يكفر مخالفه اعظم من الذي يعاقب ومع هذا فالذين من ولاة الامور يقولون بقول الجهمية ان القرآن مخلوق وان الله لا يرى في الاخرة وان ظاهر القرأن لا يحتج به في معفرفة الله ولا الاحاديث الصحيحة وان الدين لا يتم الا بما زخرفوه من الاراء والخيالات الباطلة والعقول الفاسدة وان خيالتهم وجهالاتهم احكم في دين الله من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجماع الصحابة والتابعين لهم باحسان وان اقوال الجهمية والمعطلة من النفي والاثبات احكم في دين الله بسب ذلك امتحنوا المسلمين وسجنوا الامام احمد وجلدوه وقتلوا جماعة وصلبوا آخرين ومع ذلك لا يطلقون اسيراً ولا يعطون من بيت المال الا من وافقهم ويقر بقولهم وجرى على الاسلام منهم امور مبسوطة في غير هذا الموضع ومع هذا التعطيل الذي هو شر من الشك فالامام
احمد ترحم عليهم واستغفر لهم وقال ما علمت انهم مكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم ولا جاحدون لما جاء به لكنهم تأولوا فاخطأوا وقلدوا من قال ذلك والامام الشافعي لما ناظر حفص الفرد من أئمة المعطلة في مسألة القران وقال القران مخلوق قال له الامام الشافعي كفرت بالله العظيم فكفره ولم يحكم بردته بمجرد ذلك ولو اعتقد ردته وكفره لسعى في قتله وافتى العلماء بقتل دعاتهم مثل غليان القدري والجعد بن درهم وجهم بن صفوان امام الجهمية وغيرهم وصلى الناس عليهم ودفنوهم مع المسلمين وصار قتلهم من باب قتل الصائل لكف ضررهم لا لردتهم ولو كانوا كفار الرأهم المسلمون كغيرهم هذه الامور مبسوطة في غير هذا الموضع (انتهى) كلام الشيخ وانما سقته بطوله لبيان ما تقدم مما شرت اليه ولما فيه من اجماع الصحابة والسلف وغير ذلك مما فصل فاذا كان هذا كفر هؤلاء وهو اعظم من الشرك كما تقدم بيانه مراراً من كلام الشيخين مع ان اهل العلم من الصحابة والتابعين وتابعيهم الى زمن احمد بن حنبل هم المناظرون والمبينون لهم مع ان قولهم هذا خلاف الكتاب والسنة واجماع سلف الامة من الصحابة فمن بعدهم وهو خلاف العقل والنقل مع البيان التام من اهل العلم ومع هذا لم يكفروهم حتى دعاتهم الذين قتلوا لم يكفروهم المسلمون اما في هذا عبرة لكم تكفرون عوام المسلمين وتستبيحون دماءهم وامواهلم وتجعلون بلادهم بلاد حرب ولم يوجد منهم عشر معشار ما وجد من هولاء وان وجد منهم شئ من انواع الشرك سواء شرك اصغر او اكبر فهم جهال لم تقم عليهم الحجة الذي يكفر تاركها اتظنون ان اولئك السادة ائمة اهل الاسلام ما قامت الحجة بكلامهم وانتم قامت الحجة بكم بل والله تكفرون من لا يكفر من كفرتم وان لم يوجد منه شيئ من الشرك والكفر الله اكبر لقد جئتم شيئاً ادا (يا عباد الله) اتقوا الله خافوا ذا البطش الشديد لقد آذيتم المؤمنين والمؤمنات ان الذين يرمون المومنين والمؤمنات بغير ما كتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا والله مالعباد الله عند الله ذنب الا انهم لم يتبعوكم على تكفير من شهدت النصوص الصحيحة باسلامه واجمع المسلمون على اسلامه فان اتبعوكم اغضبوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وان عصوا اراءكم حكمتم بكفرهم وردتهم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لست اخاف على امتي غونما تقتلهم ولا عدوا
يجتاحهم ولكن اخاف على امتى ائمة مضلين ان اطاعوهم فتنوهم وان عصوهم قتلوهم رواه الطبري من حديث ابي امامة وكان ابو بكر الصديق رضي الله عنه يقول اطيعوني ما اطعت الله وان عصيت فلا طاعة لي عليكم ويقو انا اخطئ واصيب واذا ضربه امر جمع الصحابة واستشارهم وعمر يقول مثل ما قال ابو بكر ويفعل مثل ما يفعل وكذلك عثمان وعلى رضوان الله تعالى عليهم اجمعين وائمة اهل العلم لا يلزمون احد ان يأخذ بقولهم بل ما عزم الرشيد بحمل الناس على الاخذ بموطئ الامام مالك رضي الله عنه قال له مالك لا تفعل يا امير المؤمنين فان العلم انتشر عند غيري او كلاما هذا معناه وكذلك جميع العلماء اهل السنة لم يلزم احد منهم الناس لاخذ بقوله وانتم تكفرون من لا يقول بقولكم ويرى رايكم سئالتك بالله انتم معصومون فيجب الاخذ بقولكم (فان قلت لا) فلم توجبون على الامة الاخذ بقولكم ام تزعمون انكم ائمة تجب طاعتكم فانا اسئالك بالله اهل اجتمع في رجل منكم شروط الامامة التي ذكرها اهل العلم او حتى خصلة واحدة من شروط الامامة بالله عليهكم انتهوا واتركوا التعصيب هبنا عذرنا العامي الجاهل الذي لم يمراس شيئا من كلام اهل العلم فانت ما عذرك عند الله اذا لقيته بالله عليك تنبه واحذر عقوبة جبار السموات والارض فقد نقلنا لك كلام العلم واجماع اهل السنة والجماعة الفرقة الناجية وسيأتيك ان شاء الله ما يصير سببا لهداية من اراد الله هدايته
الفصل الحادي عشر: اجتماع الإيمان والكفر والنفاق في المسلم
قال ابن القيم في شرح المنازل اهل السنة متفقون على ان الشخص الواحد يكون فيه ولاية لله وعدواة من وجهين مختلفين ويكون محبوبا لله مبغوضا من وجهين بل يكون فيه ايمان ونفاق وايمان وكفر ويكون الى احدهما اقرب من الاخر فيكون الى اهله كما قال تعالى (هم للكفر يومئذ اقرب منهم للايمان) وقال (وما يؤمن اكثرهم بالله الاوهم مشركون) فاثبت لهم تبارك وتعالى الايمان مع مقارنة الشرك فان كان مع هذا الشرك تكذيباً لرسله لم ينفعهم ما معهم من الايمان وان كان تصديقاً برسله وهم يرتكبون الانواع من الشرك لا يخرجهم عن الايمان بالرسل واليوم الاخر فهم مستحقون للوعيد اعظم من استحقاق اهل الكبائر وبهذا الاصل اثبت اهل السنة دخول اهل الكبائر النار ثم خروجهم منها ودخولهم الجنة لما قام بهم من السببين قال وقال ابن عباس في قوله تعالى ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك
هم الكافرون قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس بكفر ينقل عن الملة اذا فعله فهو به كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الاخر وكذلك قال طاووس وعطاء (انتهى كلامه) وقال الشيخ تقي الدين كان الصحابة والسلف يقولون انه يكون في العبد ايمان ونفاق وهذا يدل عليه قوله عزوجل (هم للكفر يومئذ اقرب منهم للايمان) وهذا كثير في كلام السلف يبينون ان القلب يكون فيه ايمان ونفاق والكتاب والسنة يدل على ذلك ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان فعلم انه من كان معه من الايمان اقل قليل لم يخلد في النار وان كان معه كثير من النفاق فهذا يعذب في الدار على قدر ما معه ثم يخرج الى ان قال وتمام هذا ان الانسان قد يكون فيه شعبة من شعب الايمان وشعبة من شعب الكفر وشعبة من شعب النفاق وقد يكون مسلماً وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الاسلام بالكلية كما قال الصحابة ابن عباس وغيره كفر دون كفر وهذا عامة قول السلف (انتهى) فتأمل هذا الفصل وانظر حكايتهم الاجماع من السلف ولا تظن ان هذا المخطيئ فان ذلك مرفوع عنه اثم خطاءه كما تقدم مراراً عديدة فانتم الان تكفرون باقل القليل من الكفر بل تكفرون بما تظنون انتم انه كفر بل تكفرون بصريح الاسلام فان عندكم ان من توقف عن تكفير من كفرتموه خايفاً من الله تعالى في تكفير من رأى عليه مات الاسلام فهو عندكم كافر نسئال الله العظيم ان يخرجكم من الظلمات الى النور وان يهدينا واياكم صراط المستقيم صراط الذين انعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
الفصل الثاني عشر: إناطة الأحكام الشرعية بالظاهر لا الباطن
قال الشيخ تقي الدين في كتاب الايمان الايمان الظاهر الذي تجري عليه الاحكام في الدنيا لا يستلزم الايمان في الباطن وان المنافقين الذين قالوا امنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين هم في الظاهر مؤمنون يصلون مع المسلمين ويناكحونهم ويوارثونهم كما كان المنفقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم بحكم الكفار المظهرين الكفر لا في مناكحتهم ولافي موارثتهم ولا نحو ذلك بل لما مات عبدالله ابن ابي وهو من اشهر الناس في النفاق ورثه عبدالله ابنه وهو من خيار المؤمنين وكذلك سائر من يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون واذا مات لهم وارث ورثوه
مع المسلمين وان علم انه منافق في الباطن وكذلك كانوا في الحدود والحقوق كسائر المسلمين وكانوا يغزون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من هم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في عزوة تبوك ومع هذا ففي الظاهر تجرئ عليهم احكام اهل الايمان الى ان قال ودماؤهم واموالهم معصومة لا يستحل منهم ما يستحل من الكفار والذين يظهرون انهم مؤمنون بل يظهرون الكفر دون الايمان فانه صلى الله عليه وسلّم قال امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله واني رسول الله فاذا قالوها عصموا مني دمائهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله ولما قال لاسامة اقتلته بعد ان قال لا اله الا الله قال فقلت انما قالها تعوذاً قال هل شققت عن قلبه واقال اني لم اؤمر ان انقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم وكان اذا استؤذن في قتل رجل يقول اليس يصلى اليس يشهد فاذا قيل له انه منافق قال لذلك فكان حكمه في دمائهم واموالهم كحكمه في دماء غيرهم ولا يستحل منها شيئاً مع انه يعلم نفاق كثير منهم انتهى كلام الشيخ (قال) ابن القيم في اعلام الموقعين قال الامام الشافعي فرض الله سبحانه طاعته على خلقه ولم يجعل لهم من الامر شيئاً وان لا يتعاطوا حكماً على عيب احد بدلالة ولاظن لقصور عملهم عن علم انبيائه الذي فرض عليهم الوقوف عما ورد عليهم حتى يأتيهم امره فانه سبحانه ظاهر عليهم الحجج فاجعل عليهم الحكم في الدينا الا بما ظهر المحكوم عليه ففرض على نبيه صلى الله عليه وسلم ان يقاتل اهل الاوثان حتى يسلموا فيحقن دمائهم اذا اظهروا الاسلام واعلم انه لايعلم صدقهم بالاسلام الا الله تبارك وتعالى ثم اطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على قوم يظهرون الاسلام ويسرون غيره ولم يجعل له ان يحكم عليهم بخلاف حكم الاسلام ولم يجعل له ان يقضيي عليهم في الدينا بخلاف ما اظهروا فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولو اسلمنا يعني اسلمنا بالقول مخافة القتل والسبا ثم اخبر انه يجزيهم ان اطاعوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يعني ان احدثوا طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في المنافقين وهم صنف ثان اذا جاءك المنافقون قال انشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون اتخذوا ايمانهم جنة يعني
جنة من القتل وقال سيحلفون بالله لكم انهم لمنكم وماهم منكم (الاية) فامر بقول ما اظهروا ولم يجعل سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ان يحكم عليهم بخلاف حكم الايمان وقد اعلم الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم انهم في الدرك الاسفل من النار فجعل حكمه سبحانه على سرائرهم وحكم نبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا على علانيتهم الى ان قال وقد كذبهم في قولهم في كل ذلك وبذلك اخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه بما اخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيدالله بن يزيد بن عدي بن الخبار ان رجلا سار النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدر ما ساره حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو يساره في قتل رجل من المنافقين قال النبي صلى الله عليه وسلم اليس يشهد ان لا اله الا الله قال بلى ولاصلوة له فقال النبي صلى الله عليه وسلم اولئك الذين نهاني الله عن قتلهم ثم ذكر حديث امرت ان اقاتل الناس حتى قال فحسابهم بصدقهم وكذبهم وسرائرهم على الله العالم بسرائرهم المتولى الحكم عليهم دون انبيائه وحكام خلقه وبذلك مضت احكام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق اعلمهم ان جميع احكامه على ما يظهرون والله يدين بالسرائر فمن حكم على الناس بخلاف ماظهر عليهم استدلالا علي مااظهر واخلاف ما ابطنوا بدلالة منهم او غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة الى ان قال ومن اظهر كلمة الاسلام بان شهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك منه ولم يسأل عن كشف حاله او عن باطنه وعن معنى ما لفظ به وباطنه وسريرته الى الله لا الي غيره من نبي او غيره فهذا حكم الله ودينه الذي اجمعت عليه علماء الامة انتهى كلام الشافعي رحمه الله قال ابن القيم بعدما حكي كلام الشافعي وهذه الاحكام جارية منه صلى الله عليه وسلم ثم هي الذي مشى عليه الصحابة والتابعون لهم باحسان والائمة وسائر المتبعين له من علماء امته الى يوم القيمة (انتهى)
الفصل الثالث عشر: وجوه تدل على عدم جواز تكفير المسلمين
قد تقدم لك من كلام اهل العلم واجماعهم انه لايجوز ان يقلد ويؤتم به في الدين الامن جمع شروط الاجتهاد اجماعاً وتقدم ان من لم يجمع شروط الاجتهاد انه يجب عليه التقليد وان هذا الاخلاف فيه وتقدم ايضا اجماع اهل السنة ان من كان مقراً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ملتزماً له انه وان كان فيه خصلة من الكفر الاكبر او الشرك ان لا يكفر حتى تقام عليه الحجة الذي يكفر تاركها
وان الحجة لا تقوم الا بالاجماع القطعي لا الظني وان الذي يقوم الحجة الامام او نائبه وان الكفر لا يكون الا بانكار الضروريات من دين الاسلام كالوجود والوحدانية والرسالة او بانكار الامور الظاهرة كوجوب الصلوة وان المسلم المقر بالرسول اذا استند الى نوع شبهة تخفى على مثله لا يكفر وان مذهب اهل السنة والجماعة التحاشي عن تكفير من انتسب الى الاسلام حتى انهم يقفون عن تكفير ائمة اهل البدع مع الامر بقتلهم دفعاً لضررهم لا لكفرهم وان الشخص الواحد يجتمع فيه الكفر والايمان والنفاق والشرك ولا يكفر كل الكفر وان من اقر بالاسلام قبل منه سواء كان صادقاً او كاذباً ولو ظهرت منه بعض علامات النفاق وان المكفرين هم اهل الاهوآء والبدع وان الجهل عذر عن الكفر وكذلك الشبهة ولو كانت ضعيفة وغير ذلك مما تقدم فان وفقت ففي هذا كفاية للزجر عن بدعتكم هذه التي فارقتم بها جماعة المسلمين وائمتهم ونحن لم نستنبط ولكن حكينا كلام العلمآء ونقلهم عن اهل الاجتهاد الكامل (فلنرجع) الى ذكر وجوه تدل على عدم صحة ماذهبتم اليه من تكفير المسلم واخراجه من الاسلام اذادعى غير الله او نذر لغير الله اوذبح لغير الله اوتبرك بقبر اوتمسح به الى غير ذلك مما تكفرون به المسلم بل تكفرون من لايكفر من فعل ذلك حتى جعلتم بلاد الاسلام كفرا وحربا فنقول عمدتكم فى ذلك ماستبطتم من القرءان فقد تقدم الاجماع على انه لايجوز لمثلكم الاستنباط ولا يحل لكم ان تعتمدوا على مافهمتم من غير الاقتداء باهل العلم ولايحل لاحد يؤمن بالله واليوم الاخر ان يقلدكم فيما فهمتم من غير اقتداء بائمة الاسلام فان قلتم مقتدون ببعض اهل العلم في ان هذه الافعال شرك (قلنانعم) ونحن نوافقكم على ان من هذه الافعال مايكون شركا ولكن من اين اخذتم من كلام اهل العلم ان هذا هو الشرك الاكبر الذي ذكر الله سبحانه في القرأن والذي يحل ما صاحبه ودمه وتجري عليه احكام المرتدين وان من شك في كفره فهو كافر بينوا لنا من قال ذلك من ائمة المسلمين وانقلوا لنا كلامهم واذكروا مواضعه هل اجمعوا عليه ام اختلفوا فيه فنحن طالعنا بعض كلام اهل العلم ولم نجد كلامكم هذا بل وجدنا مايدل على خلافه وان الكفر بانكار الضروريات كالوجود والوحدانية والرسالة وما اشبه ذلك او بانكرا الاحكام المجمع عليها اجماعا ظاهراً قطعياً كوجوب اركان الاسلام
الخمسة ومااشبهها مع ان من انكر ذلك جاهلا لم يكفر حتى يعرفق تعريفا تزول معه الجهالة وحينئد يكون مكذباً لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فهذه الامور التي يكفرون بها ليست ضروريات وان قلتم مجمع عليها اجماعاً ظاهراً يعرف الخاص والعام قلنا لكم بينوالنا كلام العلماء في ذلك والا فبينوا كلام الف منهم وحتى مائة او عشرة او واحد فضلا ان يكون اجماعاً طاهرا كالصلوة فان لم تجدوا الا العبارة فهذه عبارة مجملة ونطالب منكم تفصيلها من كلام اهل العلم لتزول عنا الجهالة ولكن من اعجب العجب انكم تستدلون بها على خلاف كلام صاحبها وعلى خلاف كلام من اوردها ونقلها في كتبه على خصوصيات كلامهم في هذه الاشياء التي تكفرون بها بل ذكروا النذر والذبح وبعض الدعاء وبعضها عدوه في المكروهات كالتبرك والتمسح واخذ تراب القبور للتبرك والطواف بها وقد ذكر العلماء في كتبهم منهم صاحب الاقناع واللفظ له قال ويكره المبيت عند القبر وتجصيصه وتزويقه وتخليقه وتقبيله والطواف به وتبخيره وكتابة الرقاع اليه ودسها في الانقاب والاستشفاء بالتربة من الاسقام لان ذلك كله من البدع (انتهى) وانتم تكفرون بهذه الامور (فاذا قلتم) صاحب الاقناع وغيره من علماء الحنابلة كصاحب الفروع جهال لا يعرفون من الضروريات بل عندكم على لازم مذهبكم كفار (قلت) هؤلاء لم يحكوا من مذهب انفسهم لاهم ولا اجل منهم بل ينقلون ويحكون مذهب احمد بن حنبل احد ائمة الاسلام الذي اجمعت الامة على امامته اتظنون ان الجاهل يجب عليه ان يقلدكم ويترك تقليد ائمة اهل العلم بل اجمع ائمة اهل العلم كما تقدم انه لا يجوز الا تقليد الائمة المجتهدين وكل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد ان يحكي ويفتي بمذاهب اهل الاجتهاد وانما خصوا للمستفتي ان يستفتي مثل هؤلاء لانهم حاكين مذاهب اهل الاجتهاد والتقليد للمجتهد لا للحاكي هذا صرح به عامة اله العلم ان طلبته من مكانه وجدته وقد تقدم لك مافيه كفاية (وانما) المقصود ان العبارة التي تستدلون بها على تكفير المسلمين لا تدل لمرادكم وان من نقل هذه العبارة واستدل بها هم الذين ذكروا النذر والدعاء والذبح وغيره ذكروا ذلك كله في مواضعه ولم يجلعوه كفراً مخرجاً عن الملة سوى ما ذكره الشيخ في بعض المواضع في نوع من
الدعاء كمغفرة الذنوب وانزال المطر وانبات النبات ونحو ذلك مما انه ذكر ان هذا وان كان كفرا فلا يكفر صاحبه حتى تقوم عليه الحجة الذي يكفر تاركها وتزول عنه الشبهة ولم يحكه عن قوله اي التكفير بالدعاء المذكور اجماعاً حتى تستدلون انتم عليه بالعبارة بل والله لازم قولكم تكفير الشيخ بعينه واحزابه نسال الله العافية ومما يدل على ان ما فهمتم من العبارة غير صواب انهم عدو الامور المكفرات فرداً في كتاب الردة في كل مذهب من مذاهب الائمة ولم يقولوا او واحد منهم من نذر لغير الله كفر بل الشيخ نفسه الذي تستدلون بعبارته ذكر ان النذر للمشايخ لاجل الاستغاثة بهم كالحلف بالمخلوق كما تقدم كلامه والحلف بالمخلوق ليس شركا اكبر بل قال الشيخ من قال انذرو الى تقضى حوائجكم يستتاب فان تاب والا قتل لسعيه في الارض بالفساد فجعل الشيخ قتله حداً لا كفراً وكذلك تقدم عنه من كلامه في خصوص النذور ما فيه كفاية ولم يقولوا ايضاً من طلب غير الله كفر بل يأتي ان شاء الله تعالى ما يدل على انه ليس بكفر ولم يقولوا من ذبح لغير الله كفرا تظنهم يحكون العبارة ولا عرفوا معناها ام هم اوهموا الناس ارادة لاغوائهم ام احالوا الناس على مفهومكم منها الذي ما فهمه منها من اوردها ولا من حكيها عمن ارودها ام عرفتم من كلامهم ما ان جهلوا هم ام تركوا الكفر الصراح الذي يكفر به المسلم ويحل ماله ودمه وهل يعمل عندهم ليلا ونهار اجهارا غير خفي وتركوا ذلك ما بينوه بل بينوا خلافه حتى جئتم انتم فاستنبطتموه من كلامهم لا والله بل ماارد وما اردتم وانهم في واد وانتم في واد (ومما) يدل على ان كلامكم وتكفيركم ليس بصواب أن الصلاة اعظم اركان الاسلام بعد الشهادتين ومع هذا ذكروا ان من صلاها رياء الناس ردها الله عليه ولم يقبلها منه بل يقول الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك فيه غيري تركته وشركه ويقول له يوم القيمة اطلب ثوابك من الذي عملت لاجله فذكر ان ذلك يبطل العمل ولم يقولوا ان فاعل ذلك كافر حلال المال والدم بل من لم يكفره كما هو مذهبكم فيما اخف من ذلك بكثير وكذلك السجود الذي هو اعظم هيئات الصلاة الذي هو اعظم من النذر والدعاء وغيره فرقوا فيه وقالوا من سجد لشمس او قمر او كوكب او صنم كفر واما السجود لغير ما ذكر فلم يكفروا به بل عدوه في كبائر المحرمات ولكن حقيقة الامر انكم ماقلدتم اهل العلم
ولا عباراتهم وانما عمدتكم مفهومكم واستنباطكم الذي تزعمون انه الحق من انكره انكر الضروريات واما استدلالاتكم بمشتبه العبارات فتلبيس ولكن المقصود انما نطلب منكم ان تبينوا لنا وللناس كلام ائمة اهل العلم بموافقة مذهبكم هذا وتنقلون كلامهم ازاحة للشبهة وان لم يكن عندكم الا القذف والشتم والرمي بالعزية والكفر فالله المستعان لأخر هذه الامة اسوة باولها الذين انزل الله عليهم لم يسلموا من ذلك
الفصل الرابع عشر: وجوه اخرى تدل على عدم جواز تكفير المسلمين
ومما يدل على عدم صوابكم في تكفير من كفرتموه وان الدعاء النذر ليسا بكفر ينقل عن الملة وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم امر في الحديث الصحيح ان تدرء الحدود بالشبهات وقد روى الحاكم في صحيحة وابو عوانة والبزار بسند صحيح وابن السني عن بن مسعود رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا انفلتت دابة احدكم بارض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا ثلاثاً فان لله حاضراً سيحبسه وقد وري الطبراني ان اراد عوناً فليقل يا عباد الله اعينوني ذكر هذا الحديث الائمة في كتبهم ونقلوه اشاعة وحفظا للامة ولم ينكروه منهم النووي في الاذكار وبن القيم في كتابه الكلم الطيب وابن مفلح في الاداب قال في الاداب بعد ان ذكر هذا الاثر قال عبدالله بن الامام احمد سمعت ابي يقول حججت خمس حجج فضللت الطريق في حجة وكنت ما شيا فجعلت اقول يا عباد الله دلونا على الطريق فلم ازل اقول ذلك حتى وقعت على الطريق (انتهى) اقول حيث كفرتم من سئال غايباً او ميتاً بل زعمتهم ان المشركين الكفار الذي كذبوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم اخف شركا ممن سئال غير الله في بر او بحر واستدللتم على تلك بمفهومكم الذي لا يجوز لكم ولا لغيركم الاعتماد عليه هل جعلتم هذا الحديث وعمل العلماء بمضمونه شبهة لمن فعل شيئاً مما تزعمون انه شرك اكبر فانالله وانا اليه راجعون قال في مختصر الروضة الصحيح ان من كان من اهل الشهادتين فانه لا يكفر ببدعة على الاطلاق ما استند فيها الى تأؤيل يلتبس به الامر على مثله وهو الذي رجحه شيخنا ابو العباس ابن تيمية (انتهى) اتظن دعاء الغايب كفرا بالضرورة ولم يعرفه ائمة الاسلام اتظن ان على تقدير ان قولكم صواب تقوم الحجة على الناس بكلامكم ونحن نذكر كلام الشيخ تقي الدين الذي استدللتم بعبارته على تكفير المسلمين بالدعاء والنذر والاففي ما تقدم كفاية ولكن
زيادة فائدة قال الشيخ رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم من قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ولم تستحبه الشريعة فهو من المنكرات وبعضه اشد من بعض سواء كان شجرة او عيناً او قناة او جبلا او مفازة او اقبح ان ينذر لتلك البقعة ويقال انها تقبل النذر كما بقوله بعض الضالين فان هذا النذر نذر معصية باتفاق العلماء لا يجوز الوفاء به ثم ذكر رحمه الله تعالى في مواضع كثيرة موجود في اكثر البلاد في الحجاز منها مواضع كثيرة وقال في مواضع اخر من الكتاب المذكور والسائلون قد يدعون دعاء محرماً يحصل معه ذلك الغرض ويحصل لهم ضرر اعظم منه ثم ذكر انه يكون له حسنات تربى على ذلك فيعفو الله بها عنه قال وحكي لنا ان بعض المجاورين بالمدينة الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم اشتهى عليه نوعاً من الاطعمة فجاء بعض الهاشميين اليه فقال ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث لك هذا وقال اخرج من عندنا فان من يكون عندنا لا يشتهي مثل هذا قال الشيخ وآخرون قضيت حوائجهم ولم يقل لهم مثل ذلك لاجتهادهم او تقليدهم او قصورهم في العلم فانه يغفر للجاهل ما لايغفر لغيره ولهذا عامة ما يحكي في هذا الباب انما هو من قاصرى المعرفة ولوكان هذا شرعاِ اوديناً لكان اهل المعرفة اولى به ففرق بين العفو عن الفاعل والمغفرة له وبين اباحة فعله وقد علمت جماعة ممن سئال حاجته لبعض المقبورين من الانبياء والصالحين فقضيت حاجته وهؤلاء يخرج مما ذكرته وليس ذلك بشرع فيتبع وانما يثبت استحباب الافعال وكونها سنة بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السابقون الاولون وما سوى هذا من الامور المحدثة فلا تستحب وان اشتملت احياناً على فوائد وقال ايضاً صارت النذور المحرمة في الشرع مأكل للسدنة والمجاورين العاكفين على بعض المشاهد وغيرها واولئك الناذرون يقول احدهم مرضت فنذرت ويقول الاخر خرج على المحاربون فنذرت ويقول الاخر ركبت البحر فنذرت ويقول الاخر حبست فنذرت وقد قام في نفوسهم من هذه النذور هي السبب في حصول مطلوبهم ودفع مرهوبهم وقد اخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ان نذر طاعة الله فضلا عن معصيته ليس سبباً للخير بل تجد كثيراً من الناس يقول ان المشهد الفلاني والمكان الفلاني يقبل النذر بمعنى انهم نذرو له نذوراً ان
قضيت حاجتهم فقضيت الى ان قال وما يروي ان رجلا جاء الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فشكى اليه الجدب عام الرمادة فرأه وهو يأمره ان ياتي عمر فيأمره ان يخرج يستقي بالناس قال مثل هذا يقع كثيراً لم هو دون النبي صلى الله عليه وسلم واعرف من هذا وقايع وكذلك سؤال بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم او غيره من امته حاجته فتقضى له فان هذا وقع كثير ولكن عليك ان تعلم ان اجابه النبي صلى الله عليه وسلم او غيره لهؤلاء السائلين لا يدل على استحباب السؤال واكثر هؤلاء السائلين الملحين لما هم فيه من الحال لو لم يجابوا لاضطرب ايمانهم كما ان السائلين له في الحياة كانوا كذلك وقال رحمه الله ايضا حتى ان بعض القبور يجتمع عندها في اليوم من السنة ويسافر اليها من الامصار في المحرم او في صفر او عاشورا او غير ذلك تقصد ويجتمع عندها فيه كما تقصد عرفة ومزدلفة في ايم معلومة من السنة وربما كان الاهتمام بهذه الاجتماعات في الدين والدنيا اشد منكراً حتى ان بعضهم يقول نريد الحج الى قبر فلان وفلان وبالجملة هذا الذي يفعل عند هذه القبور هو بعينه نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الذي انكره احمد بن حنبل رحمه الله وقال قد افرط الناس في هذا جداً واكثروا وذكر الامام احمد ما يفعل عند قبر الحسين رضى الله عنه قال الشيخ ويدخل في هذا ما يفعل بمصر عند قبر نفيسة وغيرها وما يفعل بالعراق عند القبر الذي يقال انه قبر علي وقبر الحسين الى قبور كثيرة في بلاد الاسلام لا يمكن حصرها (انتهى)كلام الشيخ فيا عباد الله تاملوا كم في كلام الشيخ هذا من موضع يرد مفهومكم من العبارة التي تستدلون بها من كلامه ويرد تكفيركم للمسلمين ونحن نذكر بعض ما في ذلك تتميماً للفائدة (منها قوله) في قصد البقعة والنذر في العيون والشجر والمغارات وما ذكره انه من المنكرات ولم يجب الوفاء به ولم يقل ان فاعل ذلك كافر مرتد حلال المال والدم كما قلتم (ومنها) ان من الناس من يأمر بالنذر والقصد لهذه الاشياء التي ذكرها وسماه ضالا ولم يكفره كما قلتم (ومنها) ان هذه المواضع وهذه القبور وهذه الافاعيل ملات بلاد الاسلام قديما ولم يقل لاهو ولا احد من اهل العلم انها بلاد كفر كما كفرتم اهالها بل كفرتم من لم يكفرهم (ومنها) انه ذكر طلب اهل القبور وانه كثر وشاع وغاية ذلك انه حرمه بل رفع الخطاء عن المجتهد في ذلك او المقلد او الجاهل وانتم تجعلونهم بهذه الافاعيل اكفر ممن
كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفار قريش (ومنها) ان غاية ان يعلم المسلم ان هذا لم يشرعه الله وانتم تقولون هذا يعلم بالضرورة انه كفر حتى اليهود والنصارى يعرفون ذلك ومن لم يكفر فاعله فهو كافر فيا عباد الله انتبهوا (ومنها) انه قال اجابة النبي صلى الله عليه وسلم او غيره لهولاء السائلين الملحين لو لم يجابو الاضطراب ايمانهم جعلهم مؤمنين وجعل اجابة دعائهم رحمة من الله تعالى لهم لئلا يضطرب ايمانهم وانتم تقولون من فعل فهو كافر ومن لم يكفره فهو كافر ومنها ان هذه الامور وهي سؤال النبي صلى الله عليه وسلم حدثت في زمن الصحابة كالذي شكى للنبي صلى الله عليه وسلم القحط رواه في النوم فامره ان يأتي عمر ولا ذكر ان عمر انكر ذلك وانتم تجعلون مثل هذا كافرا (ومنها) ان هذه الامور حدثت من قبل زمن الامام احمد في زمان ائمة الاسلام وانكرها من انكرها منهم ولازالت حتى ملأت بلاد الاسلام كلها وفعلت هذه الافاعيل كلها التي تكفرون بها ولم يرو عن احد من ائمة المسلمين انهم كفورا بذلك ولا قالوا هولاء مرتدون ولا امروا بجهادهم ولاسموا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم انتم بل كفرتم من لم يكفر بهذه الافاعيل وان لم يفعلها ايظنون ان هذه الامور من الوسائط التي في العبارة الذي يكفر فاعلها اجماعاً وتمضى قرون الائمة من ثمان ماية عام ومع هذا لم يرو عن عالم من علماء المسلمين انها كفر بل ما يظن هذا عاقل بل والله لازم قولكم ان جميع الامة بعد زمان احمد رحمه الله تعالى علماؤها وامراؤها وعامتها كلهم كفار مرتدون فانا لله وانا اليه راجعون واغوثاه الى الله واغوثاه ام تقولون كما يقول بعض عامتكم ان الحجة ما قامت الابكم والا قبلكم لم يعرف دين الاسلام يا عباد الله انتهوا ولكن بكلام الشيخ هذا يستدل عليكم على ان مفهومكم ان هذه الافاعيل من الشرك الاكبر خطأ وايضاً وان مفهومكم ان هذه الافاعيل داخلة في معنى عبارة من جعل بينه وبين الله وسائط الى آخره نبهنا الله واياكم من الضلال
الفصل الخامس عشر: وجه آخر يدل على عدم جواز تكفير المسلمين
ومما يدل على بطلان قولكم هذا ما روى مسلم في صحيحه عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله زوى لي الارض فرأيت مشارقها ومغربها وان امتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها واعطيت الكنزين الاحمر والابيض واني سئلت ربي لامتي ان لا يهلكها بسنة عامة وان لا يسلط
عليهم عدواً من سوى انفسهم يستبيح بيضتهم وان ربي قال يا محم اذا قضيت قضاء انه لايردواني اعطيتك لامتك ان لا هلكهم بسنة عامة وان لا اسلط عليهم عدوا من سوى انفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من اقطارها او قال من بين اقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا انتهى وجه الدليل من هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر انه لا يسلط على هذه الامة عدوا من سوى انفسهم بل يسلط بعضهم على بعض (ومعلوم) عند الخاص والعام ممن له معرفة بالاخبار ان هذه الامور التي تكفرون بها ملات بلاد المسلمين من اكثر من سبع ماية عام كما تقدم نقله ولو كانت هذه عبادة الاصنام الكبرى وانها الوسائط كما زعمتم فكان اهلها كفار او من لم يكفرهم فهو كافر كما قلتم انتم الأن ومعلوم ان العلماء والامرآء لم يكفروهم ولم يجروا عليهم احكام اهل الردة مع ان هذه الامور تفعل في غالب بلاد الاسلام ظاهرة غير خفية بل كما قال الشيخ صارت مأكل لكثير من الناس وايضا يسافرون اليها من جميع الامصار اعظم مما يسافرون الى الحج ومع هذا كله فاخبرونا برجل واحد من اهل العلم او اهل السيف قال مقالتكم هذه بل اجروا عليهم احكام اهل الاسلام فاذا كانوا كفارا عباد اصنام بهذه الافاعيل والعلمآء والامراء اجروا عليهم احكام الاسلام فهم بهذا الصنيع اي العلمآء والامراء كفار لان من لم يكفر اهل الشرك الذين يجعلون مع الله الهاً آخر فهو كافر فحيئذ ليسوا من هذه الامة بل كفار سلطهم الله على هذه الامة فاستباحوا بيضتهم وهذا يرد هذا الحديث وهو ظاهر من الحديث لمن تدبره والله الموفق لارب غيره (فان قلت) روى هذا الحديث بعينه البرقاني وزاد فيه انما اخاف على امتي الائمة المضلين واذا وضع عليهم السيف لم يرفع الى يوم القيمة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من امتي بالمشركين وحتى تعبد فيأم من امتي الاوثان وانه يكون في امتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم انه نبي وانا خاتم النبيين لانبي بعدي ولاتزال طائفة من امتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي امر الله تعالى (قلت) وهذا ايضاً حجة عليكم يوافق الكلام الاول ان قوله صلى الله عليه وسلم انما اخاف على امتي الائمة المضلين فهذا يلد على انه ما خاف عليهم الكفر والشرك الاكبر وانما يخاف عليهم الائمة المضلين كما وقع وماهو الواقع ولو كانوا يكفرون بعده لود ان يسلط عليهم من يهلكهم ومما خاف عليهم
ايضا وضع السيف واخبر انه اذا وضع لا يرفع وكذلك وقع وهذا من آيات نبوته صلى الله عليه وسلم فانه وقع كما اخبر وقوله لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من امتي بالمشركين وهذا ايضا وقع وقوله حتى تعبد فيئام من امتي الاوثان فهذا حق وقوله لا يزال طائفة من امتي على الحق منصورة الى آخره يدل على ان هذه الامور التي ملأت بلاد الاسلام ليست بعبادة الاوثان فلو كانت هذه الامور عبادة الاصنام لقاتلتهم الطائفة المنصورة ولم يعهد ولم يذكر ان احدا من هذه الامة قاتل على ذلك وكفر من فعله واستحل ماله ودمه قبلكم فان وجدتم ذلك في قديم الدهر او حديثه فبينوه وانى لكم بذلك وهذا الذي ذكرناه واضح من اول الحديث وآخره والحمدلله رب العالمين
الفصل السادس عشر: دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين
ومما يدل على بطلان مذهبكم في تكفير من كفر تموه ماروى البخاري في صحيحه عن معاوية بن ابي سفيان رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وانما انا قاسم والله معطي ولا يزال امر هذه الامة مستقيماً حتى تقوم الساعة او يأتي امر الله تعالى انتهى (وجه الدليل) منه ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر ان امر هذه الامة لا يزال مستقيماً الى اخر الدهر ومعلوم ان هذه الامور التي تكفرون بها مازالت قديماً ظاهرة ملأت البلاد كما تقدم فلو كانت هي الاصنام الكبرى ومن فعل شيئاً من تلك الافاعيل عابد للاوثان لم يكن امر هذه الامة مستقيماً بل منعكساً بلدهم بلد كفر تعبد فيها الاصنام ظاهرا وتجري على عبدة الاصنام فيها احكام الاسلام فاين الاستقامة وهذا واضح جلي (فان قلت) ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاحاديث الصحيحة ما يعارض هذا وقوله صلى الله علي وسلم لتتبعن سنن من كان من قبلكم وما في معناه وقوله صلى الله عليه وسلم تفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار الا ملة واحدة (قلت) هذا حق ولا نعارض والحمدلله (وقد بين) العلماء ذلك ووضحوه وانه قوله تفترق هذه الامة الحديث فهؤلاء اهل الاهوآء كما تقدم ذكرهم ولم يكونوا كافرين بل كلهم مسلمون الامن اسر تكذيب الرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منافق كما تقدم في كلام الشيخ من حكاية مذهب اهل السنة في ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم كلها في النار الا واحدة فهو وعيد مثل وعيد اهل الكبائر مثل قاتل النفس وآكل مال اليتيم وآكل الربا