بين الامام علي(ع) و كعب الأحبار.

روي عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوما وعنده كعب الحبر إذ قال : يا كعب أحافظ أنت للتوراة ؟ قال كعب : إني لاحفظ منها كثيرا ، فقال رجلا من جنبة المجلس : يا أميرالمؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه ؟ ومم خلق الماء الذي جعل عليه عرشه ؟ فقال عمر : يا كعب هل عندك من هذا علم ؟ فقال كعب : نعم يا أميرالمؤمنين ، نجد في الاصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديما قبل خلق العرش ، وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء ، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة و اللجج الدائرة ، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته ، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه ، قال ابن عباس : وكان علي بن أبي طالب عليه السلام حاضرا ، فعظم على ربه وقام على قدميه ونفض ثيابه ، فأقسم عليه عمر لما عاد إلى مجلسه ففعله قال عمر : غص عليها يا غواص ، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجا للغم ؟ فالتفت علي عليه السلام إلى كعب فقال : غلط أصحابك ، وحرفوا كتب الله ، وفتحوا الفرية عليه ، يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته والهواء الذي ذكرت لا يجوز أقطاره ، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكانت لهما قدمته ، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه ، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون ، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الاذهان ، وقولي ( كان ) عجز عن كونه وهو مما علم من البيان ، يقول الله عزوجل:"خَلَقَ الْإِنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4)[الرحمن] " فقولي له ( كان ) ما علمني البيان لانطق بحججه و عظمته وكان ولم يزل ربنا مقتدرا على ما يشاء ، محيطا بكل الاشياء ، ثم كون ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد ، وأنه عزوجل خلق نورا ابتدعه من غير شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وكان قديرا أن يخلق الظلمة لامن شئ كما خلق النور من غير شئ ، ثم خلق من الظلمة نورا ، وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين ، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعدا ، ولا يزال مرتعدا إلى يوم القيامة ، ثم خلق عرشه من نوره ، و جعله على الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان ، يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ، ليس فيها لغة تشبه الاخرى ، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب وذلك قوله :"كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ [هود : 7]"يا كعب ويحك إن من كانت البحار تفلته على قولك كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو تحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه ، فضحك عمر بن الخطاب وقال : هذا هو الامر ، و هكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب ، لا عشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن .

(بحار الأنوار:ج40: 194)

العودة

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>