من خصائصه صلوات الله عليه التي لم يشركه فيها غيره

وهي فنون كثيرة، وفوائدها جمّة غزيرة، وبينونته بها عن جميع البشر واضحة منيرة .
فمنها: سبقه كافّة الخلق إلى الايمان .

فقد صحّ عنه أنّه قال : «أنا عبدالله وأخو رسول الله ، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر، ولقد صلّيت قبل الناس سبع سنين » .

وعن أبي ذرّ: أنّه سمع النبيّ يقول في عليّ :«أنت أوّل من امن بي ، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدّيق الأكبر، وأنت الفاروق تفرّق بين الحقّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ،والمال يعسوب الكافرين» .

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله :«صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله إلاّ منّي ومن علي» .

وعن أبي أيّوب الأنصاري قال : قال رسول الله
: «لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يصلّ معي رجل غيره» .

وعن أبي رافع قال : صلّى النبيّ
غداة الاثنين ، وصلّت خديجة يوم الاثنين اخر النهار، وصلى علي يوم الثلاثاء صلاة الغداة .

وقال عليّ عليه السلام : «فكنت اُصلّي سبع سنين قبل الناس
.

وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين :
 

إذا نحن بايعنا عليّاً فحسبنا أبوحسن ممّا نخاف من الفتن
وجدناه أولى الناس بالناس أنّه أطبّ قريش بالكتاب وبالسنن
ففيه الذي فيهم من الخير كلّه وما فيه مثل الذي فيهم من حسن
وصيّ رسول الله من دون أهله وفارسه قد كان في سالف الزمن
وأول من صلّى من الناس كلّهم سوى خيرة النسوان والله ذو منن

وفيه يقول ربيعة بن الحارث بن عبدالمطّلب :
 
ما كنتُ أحسبُ أن الأمر ( منصرف ) من هاشم ثمّ منها عن أبي حسن
أليس أوّل من صلّى بقبلتهم وأعرف الناس بالأثار والسنن
وآخر الناس عهداً بالنبيّ ومن جبرئيلُ عونٌ له في الغسلِ والكَفن


ومنها: أنّ النبيّ حمله حتى طرح الأصنام من الكعبة .

فروى عبد الله بن داود، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي مريم ، عن عليّ عليه السلام قال : «قال لي رسول الله : احملني لنطرح الأصنام من الكعبة، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلو شئت ان أتناول السماء فعلت» .

وفي حديث آخر طويل قال عليّ : «فحملني النبيّ فعالجت ذلك حتّى قذفت به ونزلت - أو قال : نزوت - » الشكّ من الراوي.

ومنها : حديث المؤاخاة .

فقد اشتهرفي الرواية : انه آخى بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عثمان وعبدالرحمن بن عوف ، وبين ابن مسعود وأبي ذرّ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين المقداد وعمّار بن ياسر، وبين حمزة بن عبدالمطّلب وزيد بن حارثة، وضرب بيده على علي فقال : «أنا أخوك وأنت أخي»
.

فكان عليّ إذا أعجبه الشيء قال : «أنا عبدالله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب»
.

وعن أبي هريرة - في حديث طويل -: أنّ رسول الله
آخى بين أصحابه وبين الأنصار والمهاجرين ، فبدأ بعلي بن أبي طالب فاخذ بيده وقال : «هذا أخي  - وفي خبر آخر: أنت أخي  - في الدنيا والأخرة» فكان رسول الله وعلي أخوين .

ومنها: أنّ النبيّ تفل في عينيه يوم خيبر ودعا له بأن لا يصيبه حرّ ولا قرّ، فكان بعد ذلك لا يجد حرّاً ولا قرّاً ، ولا ترمد عينه ، ولا يصدع ، فكفى بهذه الخصلة شرفاً وفضلاً.

فروي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى : أنّ الناس قالوا له : قد أنكرنا من أمير المؤمنين أنّه يخرج في البرد في الثوبين الخفيفين وفي الصيف في الثوب الثقيل والمحشوّ، فهل سمعت أباك يذكر أنّه سمع من أمير المؤمنين في ذلك شيئاً ؟ قال : لا، قال : وكان أبي يسمر مع علي بالليل ، فسألته قال : فسأله عن ذلك فقال : يا أميرالمؤمنين إنّ الناس قد أنكروا ، وأخبره بالذي قالوا .

فقال : «أوما كنت معنا بخيبر؟» قال : بلى .

قال : «فإنّ رسول الله بعث أبا بكر وعقد له لواء، فرجع وقد انهزم هو وأصحابه . ثمّ عقد لعمر فرجع منهزماً بالناس .

فقال رسول الله : والذي نفسي بيده لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار، يفتح الله على يده ، فارسل إليّ وأنا أرمد فتفل في عيني ، وقال : اللهمّ اكفه أذى الحرّ والبرد، فما وجدتُ حرّاً بعد ُولا برداً»
.

وفي رواية اُخرى : «فنفث في عيني فما اشتكيتها بعد، وهزّ لي الراية فدفعها إليّ ، فانطلقت ، ففتح لي ، ودعا لي أن لا يضرّني حرّ ولا قر»
.

وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت :

وَكانَ عليّ أرمدَ العينِ يَبتغي دواءً فَلَمّالم يحسن مُداويا
شفاهُ رسولُ اللهِ منهُ بتفلةٍ فبوركَ مَرقيّاً ويُورك راقيا
وقال ساُعطي الراية اليومَ صارماً كميّا مُحبّاً للرّسولِ مُواليا
يُحبّ إلهي والإلهُ يُحبّهُ بهِ يفتحُ الله الحصونَ الأوابيا
فَاصفى بها دونَ البريّةِ كلّها عليّاً وسمّاه الوزيرَ المؤاخيا


وروى حبيب بن أبي ثابت ، عن الجعد مولى سويد بن غفلة، عن سويد بن غفلة قال : لقينا عليّاً في ثوبين في شدّة الشتاء، فقلنا له : لا تغترب ارضنا هذه ، فإنّها أرض مقرّة ليست مثل أرضك .

قال : «أما إنّي قد كنت مقروراً ، فلمّا بعثني رسول الله إلى خيبر قلت له : إنّي أرمد ، فتفل في عيني ودعا لي ، فما وجدت برداً ولا حرّاً بعد، ولا رمدت عيناي »
.

ومنها: ما قاله فيه يوم خيبر، ممّا لم يقله في أحد غيره ، ولا يوازيه إنسان ، ولا يقارنه فيه ، فقد ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفيّ في كتاب المعرفة : حدّثني الحسن بن الحسين العرفي -وكان صالحاً- قال : حدّثنا كادح بن جعفر البجلي ـ وكان من الأبدال  ـ عن ابن لهيعة، عن عبدالرحمن بن زياد، عن مسلم بن يسار، عن جابر بن عبد الله الأنصار يقال : لمّا قدم عليّ عليه السلام على رسول الله بفتح خيبر قال له رسول الله : «لولا أن يقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم قولاً لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك فيستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنك منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنّك تؤدّي ذمتي ، وتقاتل على سنّتي ، وأنّك في الآخرة غداً أقرب الناس منّي ، وأنّك غداً على الحوض خليفتي ، وأنّك أوّل من يرد عليّ الحوض غداً، وأنك أول من يكسى معي ، وأنّك أوّل من يدخل الجنّة من اُمّتي ، وأنّ شيعتك على منابر من نور، مبيضّة وجوههم حولي ، أشفع لهم ، ويكونون في الجنّة جيراني ، وأنّ حربك حربي ، وأنّ سلمك سلمي ، وأنّ سرّك سرّي ، وأنّ علانيتك علانيتي ، وأنّ سريرة صدر ككسريرة صدري ، وأنّ ولدك ولدي ، وأنّك منجز عدتي ، وأنّ الحقّ معك ، وأنّ الحقّ على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، وأنّ الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأنّه لا يرد على الحوض مبغض لك ، ولن يغيب عنه محبّ لك غداً حتّى يردوا الحوض معك ».

فخرّ عليّ لله ساجداً، ثمّ قال : «الحمد لله الذي منّ عليّ بالإسلام ، وعلّمني القرآن ، وحبّبني إلى خير البريّة خاتم النبيّين وسيّد المرسلين ، إحساناً منه إليّ ، وفضلاً منه عليّ» .

فقال له النبيّ عند ذلك : «لولا أنت يا عليّ لم يعرف المؤمنون بعدي»
.

وهذا الخبر بما تضمنه من مناقب أمير المؤمنين لو قسّم على الخلائق كلّهم من أوّل الدهر إلى آخره لاكتفوا به شرفاً ومكرمة وفخراً.

ومنها: أن شرّفه الله تعالى بطاعة النار له .

روى الأعمش ، عن خيثمة، عن عبد الله بن عمر قال : سمعت عليّاً يقول : «أنا قسيم النار، أقول : هذا لي وهذا لك »
.

قال : وحدّثني موسى بن طريف ، عن عباية بن ربعي قال : سمعت عليّاً يقول : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّي لقسيم النار ، أقول : هذا لي وهذا لك ».

قال : فذكرته لمحمّد بن أبي ليلى فقال : يعني : أنّ وليّي في الجنّة وعدوّي في النار. قلت : سمعته ؟ قال : نعم
.

وروى جابر الجعفي قال : أخبرني وصيّ الأوصياء قال : «قال رسول الله لعائشة : لا تؤذيني في عليّ ، فإنه أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، يقعده الله غداً يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار»


ومنها : ما رواه عباد بن يعقوب ، ويحيى بن عبدالحميد الحماني قالا : حدّثنا عليّ بن هاشم ، عن محمّد بن عبيدالله ، عن أبيه عبيداللهّ بن أبيرافع ، عن جدّه ابي رافع قال : إنّ رسول الله كان إذا جلس ثمّ أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير عليّ ، وإنّ أصحاب النبيّ كانوا يعرفون ذلك له فلا يأخذ بيد رسول الله أحد غيره .

وقال الحماني في حديثه : كان إذا جلس اتّكأ على عليّ ، وإذا قام وضع يده على عليّ
.
ومنها: أنّه صاحب حوض رسول الله يوم القيامة .

روى محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : «كأنّي أنظر إلى تدافع مناكب اُمّتي على الحوض ، فيقول الوارد للصادر: هل شربت ؟ فيقول : نعم واللهّ لقد شربت ، ويقول بعضهم : لا واللهّ ما شربت فيا طول عطشاه » .

وقال لعلّي : «والذي نبّأ محمّداً وأكرمه ، إنّك لذائد عن حوضي ، تذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادي عن الماء، بيدك عصا من عوسج ، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي».

وعن طارق عن عليّ قال : «ربّ العباد والبلاد ، والسبع الشداد ، لأذودنّ يوم القيامة عن الحوض بيديّ هاتين القصيرتين» قال : وبسط يديه
.

وفي رواية اُخرى : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لاقمعنّ بيديّ هاتين عن الحوض أعداءنا، ولا وردنّ أحبّاءنا».

ومنها : اختصاصه عليه السلام بالمناجاة يوم الطائف .

فروي عن جابر بن عبدالله : أن النبي لما خلا بعلي يوم الطائف وناجاه طويلاً قال أحد الرجلين لصاحبه : لقد طالت مناجاته لابن عمّه ، فبلغ ذلك النبيّ فقال : «ما أنا ناجيته ، بل الله انتجاه ».

ومنها: تفرّده بآية النجوى والعمل بها .

فروي عن مجاهد قال : قال عليّ : «آية من القران لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، آية النجوى، كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكلّما أردت أن اُناجي النبيّ تصدّقت بدرهم ثمّ نسخت بقوله :﴿  فَاِن لَم تَجدوا فَاِنّ اللهَ غَفُور رَحيم  ﴾

وفي رواية اُخرى : «بي خفّف الله عن هذه الاُمّة، فلم تنزل في أحد قبلي ولا تنزل في أحد بعدي».

وروى السندي ، عن ابن عبّاس قال : كان الناس يناجون رسول الله في الخلاء إذا كانت لأحدهم حاجة، فشقّ ذلك على النبيّ ففرض الله على من ناجاه سرّاً أن يتصدّق بصدقة، فكفّوا عنه وشقّ ذلك عليهم

ومنها : أنّ حبّه إيمان وبغضه نفاق . .

فقد اشتهر عنه أنّه قال : «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق أن يحبّني ما أحبّني ، وذلك أنّه قضي فانقض على لسان النبيّ الاُمّي : أنّه لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك منافق ».

ومنها : ما قاله فيه يوم الحديبية لمّا كتب عليه السلام كتاب الصلح بين رسول الله وأهل مكّة فكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم».

فقال سهيل بن عمرو: هذا كتاب بيننا وبينك يا محمّد، فافتتحه بما نعرفه واكتب باسمك اللهم .

فقال : «اُكتب باسمك اللهم وامح ما كتبت» .

فقال علي : «لولا طاعتك يا رسول اللهّ لما محوت» .

فقال النبيّ : «اكتب : هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللهّ سهيل بن عمرو».

فقال سهيل : لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة ، فامح هذا الاسم واكتب محمّد بن
عبدالله .

فقال له عليّ : «إنّه واللهّ لرسول اللهّ على رغم أنفك» .

فقال النبيّ : «امحها يا عليّ» .

فقال له : «يا رسول الله ، إنّ يدي لا تنطلق تمحو اسمك من النبوّة» .

قال : فضع يدي عليها. فمحاها رسول الله بيده وقال لعليّ : «ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض».

ومنها: ما رواه ربعي بن خراش عن أمير المؤمنين قال :

«أقبل سهيل بن عمر ورجلان - أوثلاثة - معه إلى رسول الله في الحديبية فقالوا له : إنّه ياتيك قوم من سفلنا وعبداننا فارددهم علينا، فغضب حتّى احمارّ وجهه ، وكان إذا غضب عليه السلام يحمارّ وجهه ثمّ قال : لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للايمان ، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عن الدين . فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: «لا». قال عمر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا، ولكنّه ذلكم خاصف النعل في الحجرة . وأنا أخصف نعل رسول الله في الحجرة».

ثمّ قام وقال علي : "اما انه قد قال : من كذّب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار».
 

 كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى ، للشيخ الطبرسي ، تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث

العودة

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>