عاتق حامل!

عن عمار بن ياسر وزيد بن أرقم قالا : كنا بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام وكان يوم الاثين لسبع عشر خلت من صفر ، وإذا بزعقة عظيمة أملأت المسامع ، وكان على دكة القضاء ، فقال : يا عمار ائتني بذي الفقار ، و كان وزنه سبعة أمنان وثلثي منّ مكيّ ، فجئت به ، فانتضاه من غمده فتركه على فخذه ، وقال : يا عمار هذا يوم أكشف لاهل الكوفة الغمة ليزداد المؤمن وفاقا والمخالف نفاقا ، يا عمار ائت بمن على الباب ، قال عمار : فخرجت وإذا على الباب امرأة في قبة على جمل ، وهي تشتكي وتصيح : يا غياث المستغيثين ، ويا بغية الطالبين ، ويا كنز الراغبين ، ويا ذا القوة المتين ، ويا مطعم اليتيم ، ويا رازق العديم ، ويا محيي كل عظم رميم ، ويا قديم سبق قدمه كل قديم ، ويا عون من ليس له عون ولا معين ، يا طود من لا طود له ، يا كنز من لا كنز له ، إليك توجهت وبوليك توسلت وخليفة رسولك قصدت ، فبيض وجهي وفرج عني كربتي , قال عمار : وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة ، قوم لها وقوم عليها ، فقلت : أجيبوا أمير المؤمنين أجيبوا عيبة علم النبوة ، قال : فنزلت المرأة من القبة ونزل القوم معها ودخلوا المسجد ، فوقفت المرأة بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام وقالت : يا مولاي يا إمام المتقين إليك أتيت وإياك قصدت ، فاكشف كربتي وما بي من غمة فإنك قادر على ذلك وعالم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، فعند ذلك قال : يا عمار ناد في الكوفة : من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله أخا رسول الله فليأت المسجد قال : فاجتمع الناس حتى امتلأ المسجد ، فقام أميرالمؤمنين عليه السلام وقال : سلوني ما بدالكم يا أهل الشام ، فنهض من بينهم شيخ قد شاب ، عليه بردة يمانية ، فقال : السلام عليك يا أميرالمؤمنين ويا كنز الطالبين ، يا مولاي هذه الجارية ابنتي قد خطبها ملوك العرب ، وقد نكست رأسي بين عشيرتي ، وأنا موصوف بين العرب ، وقد فضحتني في أهلي ورجالي ، لانها عاتق حامل ، وأنا فليس بن عفريس ، لا تخمد لي نار ولا يضام لي جار ، وقد بقيت حائرا في أمري ، فاكشف لي هذه الغمة فإن الامام خبير بالامر ، فهذه غمة عظيمة لم أر مثلها ولا أعظم منها ,فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : ما تقولين يا جارية فيما قال أبوك ؟ قالت : يامولاي أما قوله : إني عاتق ، صدق ، وأما قوله : إني حامل ، فوحقك يا مولاي ما علمت من نفسي خيانة قط ، وإني أعلم أنك أعلم بي مني ، وإني ما كذبت فيما قلت ففرج عني يا مولاي ، قال عمار : فعند ذلك أخذ الامام ذا الفقار وصعد المنبر فقال : الله أكبر الله أكبر ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) ثم قال عليه السلام عليّ بداية الكوفة ، فجاءت امرأة تسمى لبناء وهي قابلة نساء أهل الكوفة ، فقال لها : اضربي بينك وبين الناس حجابا وانظري هذه الجارية عاتق حامل أم لا ، ففعلت ما أمر به ثم خرجت وقالت : نعم يا مولاي هي عاتق حامل ، فعند ذلك التفت الامام إلى أبي الجارية وقال : يا أبا الغضب ألست من قرية كذا وكذا من أعمال دمشق ؟ قال : وما هذه القرية ؟ قال : هي قرية تسمى أسعار ، قال : بلى يا مولاي قال : ومن منكم يقدر على قطعة ثلج في هذه الساعة ؟ قال : يا مولاي الثلج في بلادنا كثير ولكن ما نقدر عليه ههنا ، فقال عليه السلام : بيننا وبينكم مائتان وخمسون فرسخا ؟ قال : نعم يا مولاي ، ثم قال : يا أيها الناس انظروا إلى ما أعطاه الله عليا من العلم النبوي والذي أودعه الله ورسوله من العلم الرباني ، قال عمار بن ياسر : فمد يده عليه السلام من أعلى منبر الكوفة وردها وإذا فيها قطعة من الثلج يقطر الماء منها فعند ذلك ضج الناس وماج الجامع بأهله ، فقال عليه السلام : اسكتوا فلو شئت أتيت بجبالها ، ثم قال : يا داية خذي هذه القطعة من الثلج واخرجي بالجارية من المسجد واتركي تحتها طشتا ، وضعي هذه القطعة مما يلي الفرج ، فسترى علقة وزنها سبع مائة وخمسون درهما ودانقان ، فقالت : سمعا وطاعة لله ولك يا مولاي ، ثم أخذتها وخرجت بها من الجامع فجاءت بطشت فوضعت الثلج على الموضع كما أمرها عليه السلام فرمت علقة وزنتها الداية فوجدتها كما قال عليه السلام ، فأقبلت الداية والجارية فوضعت العلقة بين يديه ، ثم قال : يا أبا الغضب خذ ابنتك فو الله مازنت وإنما دخلت الموضع الذي فيه الماء فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي بنت عشر سنين ، وكبرت إلى الآن في بطنها ، فنهض أبوها وهو يقول : أشهد أنك تعلم ما في الارحام وما في الضمائر وأنت باب الدين وعموده .

(بحار الأنوار:ج277:40 )


بيان : جارية عاتق أي شابة أول ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج.

العودة

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>