الشاب المذبوح.

عن أبي جعفر ميثم التمار رضي الله عنه أنه قال : كنت بين يدي أميرالمؤمنين علي عليه السلام في جامع الكوفة في جماعة من أصحابه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو كأنه البدر بين الكواكب ، إذ دخل علينا من باب المسجد رجل طويل عليه قباء خز أدكن ، وقد اعتم بعمامة صفراء وهو متقلد بسيفين ، فدخل وبرك بغير سلام ، ولم ينطق بكلام ، فتطاولت إليه الاعناق ، ونظروا إليه بالآماق ، و قد وقف عليه الناس من جميع الآفاق ، ومولانا أميرالمؤمنين عليه السلام لا يرفع رأسه إليه ، فلما هدأت من الناس الحواس أفصح عن لسانه كأنه حسام جذب عن غمده : أيكم المجتبى في الشجاعة والمعمم بالبراعة ؟ أيكم المولود في الحرم والعالي في الشيم والموصوف بالكرم ؟ أيكم الاصلع الرأس والبطل الدعاس والمضيق للانفاس والآخذ بالقصاص ؟ أيكم غصن أبي طالب الرطيب و بطله المهيب والمسهم المصيب والقسم النجيب ؟ أيكم خليفة محمد صلى الله عليه وآله الذي نصره في زمانه واعتز به سلطانه وعظم به شأنه ؟ .


فعند ذلك رفع أميرالمؤمنين عليه السلام رأسه إليه فقال : مالك يا باسعد بن الفضل ابن الربيع بن مدركة بن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن وعران بن الاشعث بن أبي السمع الرومي ؟ اسأل عما شئت ، أنا عيبة علم النبوة ، قال : قد بلغنا عنك أنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وخليفته على قومه بعده ، وأنك محل المشكلات ، وأنا رسول إليك من ستين ألف رجل يقال لهم العقيمة ، وقد حملوني ميتا قد مات من مدة ، و قد اختلفا في سبب موته وهو بباب المسجد ، فإن أحييته علمنا أنك صادق نجيب الاصل ، وتحققنا أنك حجة الله في أرضه وخليفة محمد صلى الله عليه وآله على قومه ، وإن لم تقدر على ذلك رددناه إلى قومه وعلمنا أنك تدعي غير الصواب وتظهر من نفسك ما لا تقدر عليه .


قال أميرالمؤمنين عليه السلام : يا ميثم اركب بعيرك وناد في شوارع الكوفة ومحالها : من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله عليا أخا رسول الله وزوج ابنته من العلم الرباني فليخرج إلى النجف ، فخرج الناس إلى النجف ، فقال الامام عليه السلام : يا ميثم هات الاعرابي وصاحبه ، فخرجت ورأيته راكبا تحت القبة التي فيها الميت ، فأتيت بهما إلى النجف ، فعند ذلك قال علي عليه السلام : قولوا فينا ما ترون منا وارووا عنا ما تشاهدونه منا ، ثم قال : يا أعرابي أبرك الجمل وأخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين ، قال ميثم : فأخرجت تابوتا وفيه وطأ ديباج أخضر ، وفيها غلام أول ماتم عذاره على خده ، بذوائب كذوائب الامرأة الحسناء ، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : كم لميتكم ؟ قال : أحد وأربعون يوما ، قال : وما سبب موته ؟ فقال الاعرابي : يافتى إن أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله ، لانه بات سالما وأصبح مذبوحا من اذنه إلى اذنه ، ويطالب بدمه خمسون رجلا يقصد بعضهم بعضا فاكشف الشك والريب يا أخا محمد ، قال الامام عليه السلام : قتله عمه ، لانه زوجه ابنته فخلاها وتزوج بغيرها ، فقلته حنقا عليه ، قال الاعرابي : لسنا نقنع بقولك فإنا نريد أن يشهد لنفسه عند أهله لترتفع الفتنة والسيف والقتال .


فعند ذلك قام الامام علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه وقال : يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل بأجل عند الله مني قدرا ، وأنا أخو رسول الله ، وإنها أحيت ميتا بعد سبعة أيام ، ثم دنا أميرالمؤمنين عليه السلام من الميت وقال : إن بقرة بني إسرائيل ضرب ببعضها الميت فعاش ، و أنا أضرب هذا الميت ببعضي لان بعضي خير من البقرة كلها ، ثم هزه برجله و قال له : قم بإذن الله يا مدرك بن حنظلة بن غسان بن بحير بن فهر بن سلامة بن الطيب بن الاشعث ، فهاقد أحياك الله تعالى على يد علي بن أبي طالب ، قال ميثم التمار : فنهض غلام أضوء من الشمس أضعافا ومن القمر أوصافا ، فقال : لبيك لبيك يا حجة الله على الانام المتفرد بالفضل والانعام ، فعند ذلك قال : يا غلام من قتلك ؟ قال : قتلني عمي الحارث بن غسان ، قال له الامام عليه السلام : انطلق إلى قومك فأخبرهم بذلك ، فقال : يا مولاي لا حاجة لي إليهم ، أخاف أن يقتلوني مرة اخرى ولا يكون عندي من يحييني ، قال : فالتفت الامام إلى صاحبه وقال له : امض إلى أهلك فأخبرهم ، قال : يا مولاي والله لا افارقك بل أكون معك حتى يأتي الله بأجلي من عنده ، فلعن الله من اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق سترا ، ولم يزل بين يدي أميرالمؤمنين حتى قتل بصفين ، ثم إن أهل الكوفة رجعوا إلى الكوفة واختلفوا أقوالا فيه عليه السلام .(بحار الأنوار:ج40: 274)

العودة

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>