دفع شبهة في احتراق الحرم العسكريين ومسجد النبي
المجلسي: قد وقعت داهية عظمي ، وفتنة كبرى ، في سنة ست ومائة بعد الألف من الهجرة في الروضة المنورة بسر من رأى ، وذلك أنه لغلبة الأروام وأجلاف العرب على سر من رأى ، وقلة اعتنائهم ، باكرام الروضة المقدسة ، وجلاء السادات والاشراف لظلم الأروام عليهم منها وضعوا ليلة من الليالي سراجا داخل الروضة المطهرة في غير المحل المناسب له فوقعت من الفتيلة نار على بعض الفروش أو الأخشاب ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها .

فاحترقت الفروش والصناديق المقدسة والأخشاب والأبواب وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنصاب من المخالفين جهلا منهم بأن أمثال ذلك لا يضر بحال هؤلاء الأجلة الكرام ، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلام ، وإنما ذلك غضب على الناس ، ولا يلزم ظهور المعجز في كل وقت ، وإنما هو تابع للمصالح الكلية والاسرار في ذلك خفية ، وفيه شدة تكليف ، افتتان وامتحان للمكلفين وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدسة النبوية بالمدينة أيضا صلوات الله على مشرفها وآله .

قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن سعيد قدس الله روحه في كتاب جامع الشرائع في باب اللعان أنه إذا وقع بالمدينة يستحب أن يكون بمسجدها عند منبره  .

ثم قال : وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وست مائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ثم عمل بدل المنبر .

وقال صاحب كتاب عيون التواريخ من أفاضل المخالفين في وقايع السنة الرابع والخمسين والستمائة : وفي ليلة الجمعة أول ليلة من شهر رمضان احترق مسجد رسول الله في المدينة ، وكان ابتداء حريقه من زاوية الغربية من الشمال ، وكان أحد القومة قد دخل خزانة ومعه نار فعلقت في بعض الآلات ، ثم اتصلت بالسقف بسرعة ، ثم دبت في السقوف آخذة مقبلة فأعجلت الناس عن قطعها .

فما كان إلا ساعة حتى احترق سقوف المسجد أجمع ، ووقع بعض أساطينه وذاب رصاصها ، وكل ذلك قبل أن ينام الناس ، واحتراق سقف الحجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، ووقع ما وقع منه بالحجرة ، وبقي على حاله ، وأصبح الناس يوم الجمعة فعزلوا موضع الصلاة انتهى .

والقرامطة هدموا الكعبة ، ونقلوا الحجر الأسود ، ونصبوها في مسجد الكوفة وفي كل ذلك لم تظهر معجزة في تلك الحال ، ولم يمنعوا من ذلك على الاستعجال ، بل ترتب على كل منها آثار غضب الله تعالى في البلاد والعباد بعدها بزمان ، كما أن في هذا الاحتراق ظهرت آثار سخط الله على المخالفين في تلك البلاد ، فاستولى الاعراب على الروم وأخذوا منهم أكثر البلاد ، وقتلوا منهم جما غفيرا وجمعا كثيرا ، وتزداد في كل يوم نائرة الفتنة .

والنهب والغارة ، في تلك الناحية ، اشتعالا وقد استولى الإفرنج على سلطانهم مرارا وقتلوا منهم خلقا كثيرا وكل هذه الأمور من آثار مساهلتهم في أمور الدين . وقلة اعتنائهم بشأن أئمة الدين سلام الله عليهم أجمعين .

وكفى شاهدا لما ذكرنا من أن هذه الأمور من آثار غضب الله تعالى استيلاء بخت نصر على بيت المقدس ، وتخريبه إياه ، وهتك حرمته له ، مع أنه كان من أبنية الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، وأعظم معابدهم ومساجدهم ، وقبلتهم في صلاتهم وقتل آلافا من أصفياء بني إسرائيل ، وصلحائهم وأخيارهم ، ورهبانهم .

وكل ذلك لعدم متابعتهم للأنبياء وترك نصرتهم ، والاستخفاف بشأنهم وشتمهم وقتلهم .

ثم إن هذا الخبر الموحش لما وصل إلى سلطان المؤمنين ، ومروج مذهب آبائه الأئمة الطاهرين ، وناصر الدين المبين ، نجل المصطفين ، السلطان حسين برأه الله من كل شين ومين ، عد ترميم تلك الروضة البهية ، وتشييدها فرض العين فأمر باتمام صناديق أربعة في غاية الترصيص والتزيين ، وضريح مشبك كالسماء ذات الحبك ، زينة للناظرين ، ورجوما للشياطين ، وفقه الله تعالى لتأسيس جميع مشاهد آبائه الطاهرين ، وترويج آثارهم في جميع العالمين .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>