مناظرة بين رجل وعبد الملك

- اعلام الدين للديلمي : قال رجل لعبد الملك بن مروان : أناظرك و أنا آمن ؟ قال : نعم ، فقال له : أخبرني عن هذا الامر الذي صار إليك أبنص من الله ورسوله ؟ قال : لا ، قال : اجتمعت الأمة فتراضوا بك ؟ فقال : لا ، قال : فكانت لك بيعة في أعناقهم فوفوا بها ؟ قال : لا ، قال : فاختارك أهل الشورى ؟ قال : لا ، قال : أفليس قد قهرتهم على أمرهم ، واستأثرت بفيئهم دونهم ؟ قال : بلى قال : فبأي شئ سميت أمير المؤمنين ولم يؤمرك الله ولا رسوله ولا المسلمون ؟ قال له : اخرج عن بلادي وإلا قتلتك ، قال : ليس هذا جواب أهل العدل و الانصاف ، ثم خرج عنه .

وروي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله بخراسان أن أوفد إلي من علماء بلادك مائة رجل أسألهم عن سيرتك ، فجمعهم وقال لهم ذلك فاعتذروا وقالوا إن لنا عيالا وأشغالا لا يمكننا مفارقته ، وعدله لا يقتضي إجبارنا ، ولكن قد أجمعنا على رجل منا يكون عوضنا عنده ، ولساننا لديه ، فقوله قولنا ، ورأيه رأينا فأوفد به العامل إليه ، فلما دخل عليه سلم وجلس ، فقال له : أخل لي المجلس فقال له : ولم ذلك ؟ وأنت لا تخلو أن تقول حقا فيصدقوك ، أو تقول باطلا فيكذبوك فقال له : ليس من أجلي أريد خلو المجلس ، ولكن من أجلك ، فإني أخاف أن يدور بيننا كلام تكره سماعه .

فأمر باخراج أهل المجلس ثم قال له : قل ! فقال : أخبرني عن هذا الامر من أين صار إليك ؟ فسكت طويلا فقال له : ألا تقول ؟ فقال : لا ، فقال : ولم ؟ فقال له : إن قلت بنص من الله ورسوله كان كذبا ، وإن قلت باجماع المسلمين ، قلت فنحن أهل بلاد المشرق ولم نعلم بذلك ، ولم نجمع عليه ، وإن قلت بالميراث من آبائي ، قلت بنو أبيك كثير فلم تفردت أنت به دونهم ؟ فقال له : الحمد لله على اعترافك على نفسك بالحق لغيرك ، أفأرجع إلى بلادي ؟ فقال : لا فوالله إنك لواعظ قط فقال له : فقل ما عندك بعد ذلك فقال له : رأيت أن من تقدمني ظلم و غشم وجار واستأثر بفئ المسلمين ، وعلمت من نفسي أني لا أستحل ذلك ، وإن المؤمنين لا شئ يكون أنقص وأخف عليهم فوليت ، فقال له : أخبرني لو لم تل هذا الامر ووليه غيرك ، وفعل ما فعل من كان قبله ، أكان يلزمك من إثمه شئ ؟ فقال : لا ، فقال له : فأراك قد شريت راحة غيرك بتعبك ، وسلامته بخطرك فقال له : إنك لواعظ قط ، فقام ليخرج ثم قال له : والله لقد هلك أولنا بأولكم وأوسطنا بأوسطكم ، وسيهلك آخرنا بآخركم ، والله المستعان عليكم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

- أمالي الطوسي : المفيد ، عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن السعد آبادي عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابه ، عن الثمالي قال : حدثني من حضر عبد الملك بن مروان وهو يخطب الناس بمكة فلما صار إلى موضع العظة من خطبته ، قام إليه رجل فقال له : مهلا مهلا إنكم تأمرون ولا تأتمرون ، وتنهون ولا تنتهون ، وتعظون ولا تتعظون ، أفاقتداء بسيرتكم أم طاعة لأمركم ؟ فان قلتم اقتداء بسيرتنا فكيف يقتدى بسيرة الظالمين وما الحجة في اتباع المجرمين الذين اتخذوا مال الله دولا ، وجعلوا عباد الله خولا وإن قلتم أطيعوا أمرنا واقبلوا نصحنا فكيف ينصح غيره من لم ينصح نفسه ؟ أم كيف تجب طاعة من لم تثبت له عدالة ؟ وإن قلتم خذوا الحكمة من حيث وجدتموها ، واقبلوا العظة ممن سمعتموها ، فلعل فينا من هو أفصح بصنوف العظات وأعرف بوجوه اللغات منكم ، فتزحزحوا عنها وأطلقوا أقفالها وخلوا سبيلها ، ينتدب لها الذين شردتم في البلاد ، ونقلتموهم عن مستقرهم إلى كل واد ، فوالله ما قلدناكم أزمة أمورنا ، وحكمناكم في أموالنا وأبداننا وأدياننا ، لتسيروا فينا بسيرة الجبارين ، غير أنا بصراء بأنفسنا لاستيفاء المدة وبلوغ الغاية وتمام المحنة ، ولكل قائم منكم يوم لا يعدوه ، وكتاب لابد أن يتلوه ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، قال : فقام إليه بعض أصحاب المسالح ، فقبض عليه ، وكان آخر عهدنا به ، ولا ندري ما كانت حاله .

بيان : الدول جمع الدولة بالضم وهو ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم ، وقوله خولا أي خدما وعبيدا ، وانتدب له أجابه .

- الاختصاص : محمد بن أحمد الكوفي الخزاز ، عن أحمد بن محمد بن سعد الكوفي ، عن ابن فضال ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي مسروق النهدي ، عن مالك ابن عطية ، عن أبي حمزة قال : دخل سعد بن عبد الملك - وكان أبو جعفر يسميه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان - على أبي جعفر فبينا ينشج كما تنشج النساء قال : فقال له أبو جعفر : ما يبكيك يا سعد ؟ قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن ، فقال له : لست منهم أنت أموي منا أهل البيت ، أما سمعت قول الله عز وجل يحكي عن إبراهيم " فمن تبعني فإنه مني " .

- الاختصاص : ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن حجر بن زائدة ، عن حمران بن أعين ، قال : قلت لأبي جعفر : إني أعطيت الله عهدا أن لا أخرج من المدينة حتى تخبرني عما أسألك عنه ، قال : فقال لي : سل قال : قلت : أمن شيعتكم أنا ؟ قال : فقال : نعم في الدنيا والآخرة .

- مناقب ابن شهرآشوب : قال الباقر للكميت : امتدحت عبد الملك ؟ فقال : ما قلت له يا إمام الهدى ، وإنما قلت يا أسد والأسد كلب ، ويا شمس والشمس جماد ، ويا بحر والبحر موات ، ويا حية والحية دويبة منتنة ، ويا جبل وإنما هو حجر أصم قال : فتبسم وأنشأ الكميت بين يديه : من لقب متيم مستهام غير ما صبوة ولا أحلام فلما بلغ إلى قوله : أخلص الله لي هواي فما أغرق نزعا ولا تطيش سهامي فقال عليه السلام : فقد أغرق نزعا وما تطيش سهامي ، فقال : يا مولاي أنت أشعر مني في هذا المعنى .

بيان : أخلص الله لي هواي : أي جعل الله محبتي خالصة لكم ، فصار تأييده تعالى سببا لان لا أخطئ الهدف ، وأصيب كلما أريده من مدحكم ، وإن لم أبالغ فيه ، يقال : أغرق النازع في القوس إذا استوفى مدها ، ثم استعير لكل من بالغ في شئ ويقال : طاش السهم عن الهدف أي عدل ، وإنما غير شعره لإيهامه بتقصير وعدم اعتناء في مدحهم ، أو لان الاغراق في النزع لا مدخل له في إصابة الهدف ، بل الامر بالعكس ، مع أن فيما ذكره معنى لطيفا كاملا وهو أن المداحين إذا بالغوا في مدح ممدوحهم ، خرجوا عن الحق ، وكذبوا فيما يثبتون له ، كما أن الرامي إذا أغرق نزعا أخطأ الهدف ، وإني كلما أبالغ في مدحكم ، لا يعدل سهمي عن هدف الحق والصدق .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>