الكميت بن زيد الأسدي

أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي ، ينتهي نسبه إلى مضر بن نزار بن عدنان ، من أشعر شعراء الكوفة المقدمين في عصره ، عالم بلغات العرب خبير بأنسابهم وبأيامهم ، ويعد من شعراء القرن الأول من الهجرة ، كان في أيام الدولة الأموية ، ولد أيام مقتل الإمام الحسين سنة ستين ، ومات في سنة ست وعشرين ومائة وعمره ست وستين سنة في خلافة مروان بن محمد الملقب بالحمار ولم يدرك الدولة العباسية ، وكان معروفا بالتشيع لبني هاشم مشهورا بذلك قال أبو عبيدة : لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم .

وقال أبو عكرمة الضبي : لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان ولا للبيان لسان . قيل كانت بنو أسد تقول فينا فضيلة : ليست في العالم ، ليس منزل منا إلا وفيه بركة وراثة الكميت ، لأنه رأى النبي في النوم فقال له : أنشدني : طربت وما شوقا إلى البيض أطرب .

فأنشده فقال له : بوركت وبورك قومك ، وسئل أبو معاذ الهراء : من أشعر الناس ؟ قال أمن الجاهليين أم من الإسلاميين قالوا بل من الجاهليين ، قال : امرؤ القيس ، وزهير ، وعبيد بن الأبرص ، قالوا فمن الإسلاميين ؟ قال : الفرزدق ، وجرير ، والأخطل والراعي ، فقيل له : ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت ؟ قال : ذاك أشعر الأولين والآخرين ، ويقال ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ومعرفة أنسابها ، ما جمع الكميت ، فمن صحح الكميت نسبه صح ومن طعن فيه وهن .

كان في صغره ذكيا لوذعيا يقال : انه وقف وهو صبي على الفرزدق ، وهو ينشد : فلما فرغ قال له : أيسرك إني أبوك ؟ قال : اما أبي فلا أريد به بدلا ، ولكن يسرني أن تكون أمي . فحصر الفرزدق ، وأحرج ، وقال : ما مر بي مثلها .

وقيل في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر : كان خطيب بني أسد ، وفقيه الشيعة ، وحافظ القرآن ، وكاتبا حسن الخط ، ونسابة ، وكان جدليا ، وهو أول من ناظر في التشيع ، مجاهرا بذلك ، وكان راميا لم يكن في بني أسد أرمى منه ، وكان فارسا شجاعا ، وكان سخيا دينا .

قال الجاحظ ، ما فتح للشيعة الحجاج إلا الكميت بقوله :

فإن هي لم تصلح لحي سواهم * فإن ذوي القربى أحق وأوجب

يقولون لم يورث ولولا تراثه * لقد شركت فيها بكيل وأرحب

عده الشيخ . . تارة : في أصحاب الباقر .

وأخرى : في أصحاب الصادق مضيفا إلى العنوان قوله : كوفي ، أبو المستهل ، مات في حياة أبي عبد الله الصادق أخوه ورد .

عن الورد بن زيد قال : قلت لأبي جعفر جعلني الله فداك ، قدم الكميت .

فقال : ادخله ، فسأله الكميت عن الرجلين ؟ فقال له أبو جعفر : ما أهريق دم ، ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم رسوله وحكم على إلا وهو في أعناقهما ، فقال الكميت : الله أكبر ، الله أكبر ! حسبي ، حسبي .

عن عبيدة بن زرارة ، عن أبيه ، قال : دخل الكميت بن زيد على أبي جعفر وأنا عنده فأنشده ، " من لقب متيم مستهام " .

فلما فرغ منها ، قال للكميت : لا تزال مؤيدا بروح القدس ما دمت تقول فينا ، ثم توجه إلى الكعبة ، فقال : اللهم ارحم الكميت واغفر له " قالها ثلاث مرات " .

محبته لآل البيت واخلاصه لهم : دخل الكميت على أبي جعفر محمد بن علي فأنشده قصيدة فأعطاه ألف دينار وكسوة .

فقال له الكميت : والله يا بن رسول الله ما أحببتكم للدنيا ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه ، ولكني أحببتكم للآخرة اما الثياب التي أصابت أجسامكم فانا اقبلها لبركتها واما المال فلا اقبله .

دخل الكميت أيام التشريق بمنى على أبي عبد الله جعفر بن محمد ، فقال له جعلت فداك إني قلت فيكم شعرا ، أحب أن أنشدكه ، فقال : يا كميت اذكر الله في هذه الأيام المعدودات ، فأعاد عليه القول ، فرق له أبو عبد الله فقال هات : وبعث إلى أهله فقرب فأنشده فكثر البكاء حتى أتى على قوله .

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم * فيا آخرا أسدى له الغي أول فرفع الامام يديه فقال : " اللهم اغفر للكميت " .

والكميت بعد هذا من أعاظم الشعراء الذين عرفهم العصر الأموي ، ومن أصدقهم عاطفة ولا يلام إذا رأيناه يتذبذب وهو يريد الاحتفاظ بدمه .

والكميت شاعر شيعي ، عميق التشيع ، عقلي الشعر ، قوي الحجة ، متين الجدل والأدلة ، وهو شاعر له خطه معينة يتبعها ، وفكرة دينية يناضل في سبيلها ، ومذهب سياسي معارض للحكم القائم حينذاك ، يعبر عنه في صراحة ، وهو أول من فتح التقرير والاحتجاج للعلويين في الدفاع عنهم ، وعن حقهم المهضوم المغتصب ، وشعره الخالد يدل على اخلاصه - تجده في ديوانه المعروف بالهاشميات وهذه نماذج منها :

مطلع الهاشميات طربت وما شوقا إلى البيض أطرب * ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب ولكن إلى أهل الفضائل والنهى * وخير بنى حواء والخير يطلب وقصيدة أخرى يمدح بها الأئمة من بني هاشم مطلعها :

من لقلب متيم مستهام * غير ما صبوة ولا أحلام

طارقات ولا ادكار غوان * واضحات الخدود كالأرآم

بل هواي الذي أجن وأبدي * لبني هاشم فروع الأنام

وله قصيدة أخرى مطلعها :

نفى عن عينك الأرق الهجوعا * وهم تمتري منها الدموعا

لفقدان الخضارم من قريش * وخير الشافعين معا شفيعا

إلى أن قال :

فقل لبني أمية حيث حلوا * وإن خفت المهند والقطيعا

أجاع الله من أشبعتموه * وأشبع من بجوركم أجيعا

مقتله ووفاته : ولما هجا الكميت ، خالد القسري عامل هشام على العراقين ، طارده وأراد الانتقام منه وقتله ، فتوارى وكتب اخباره إلى هشام ، وهجاء بني أمية ، وانفذ اليه قصيدته .

في قصة مفصلة .

ثم بعد ان أقام مدة متواريا ، وأيقن ان الطلب اليه قد خف ، سار في جماعة من بني أسد إلى الشام وقدم اعتذاره إلى هشام وطلب منه الأمان ، ومدح بني أمية وهشام بقصيدة بعد اخذ الاذن من الامام وبعد حوار طويل ، ولم يزل به حتى أجازه وقال قد رضيت عنك يا كميت ، فقال الكيمت : ان أردت ان تزيد في تشريفي لا تجعل لخالد على امارة ، قال : قد فعلت ، وكتب له كتابا وأمر له بجوائز وعطايا جزيلة ، وكتب إلى عامله خالد القسري على الكوفة أن يخلى سبيل امرأته ويعطيها العطايا الجزيلة .

وقتل الكميت في خلافة مروان بن محمد الملقب ب‍ " الحمار " سنة ست وعشرين ومائة .

وكان السبب في قتله ، انه مدح يوسف بن عمر بعد عزل خالد القسري عن العراق ، فلما دخل عليه انشده مديحة معرضا بخالد القسري وكان الجند على رأس يوسف متعصبين لخالد فهجموا عليه ووضعوا سيوفهم في بطنه ، فلم يزل ينزف الدم منه حتى مات ( رحمه الله ) .

روى عن المستهل بن الكميت انه قال : حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه ثم افاق ففتح عينيه ثم قال : " اللهم آل محمد " قالها ثلاث مرات حتى فارق الحياة .

حشره الله وإيانا مع آل محمد آمين .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>