في وروده بمدين مغلوقا وصعوده إلى جبل ، وفيه بيان

الحسين بن محمد ، بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال : لما حمل أبو جعفر إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك ، وصار ببابه ، قال هشام لأصحابه : إذا سكت من توبيخ محمد بن علي فلتوبخوه ، ثم أمر أن يؤذن له ، فلما دخل عليه أبو جعفر قال بيده فعمهم بالسلام جميعا ثم جلس فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة ، وجلوسه بغير إذن فقال : يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنه الامام سفها وقلة علم ، وجعل يوبخه ، فلما سكت أقبل القوم عليه رجل بعد رجل يوبخه ، فلما سكت القوم نهض قائما ثم قال : أيها الناس أين تذهبون ؟ وأين يراد بكم ؟ بنا هدى الله أولكم ، وبنا يختم آخركم ، فان يكن لكم ملك معجل ، فان لنا ملكا مؤجلا ، وليس بعد ملكنا ملك ، لأنا أهل العاقبة يقول الله عز وجل " و العاقبة للمتقين " فأمر به إلى الحبس ، فلما صار في الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحن عليه ، فجاء صاحب الحبس إلى هشام ، وأخبره بخبره فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه ليردوا إلى المدينة ، وأمر أن لا تخرج لهم الأسواق ، وحال بينهم وبين الطعام والشراب ، فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا ، حتى انتهوا إلى مدين فأغلق باب المدينة دونهم ، فشكا أصحابه العطش والجوع قال : فصعد جبلا وأشرف عليهم فقال بأعلا صوته : يا أهل المدينة الظالم أهلها ! أنا بقية الله يقول الله " بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ " قال : وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال : يا قوم هذه والله دعوة شعيب والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم ومن تحت أرجلكم فصدقوني هذه المرة وأطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون فاني ناصح لكم قال : فبادروا وأخرجوا إلى أبي جعفر وأصحابه الأسواق .

- الكافي : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن ابن أسباط ، عن صالح بن حمزة عن أبيه ، عن الحضرمي مثله .

بيان : الحنق محركة شدة الغيظ ، وشق العصا كناية عن تفريق الجماعة قال الفيروزآبادي : العصا اللسان ، وعظم الساق ، وجماعة الاسلام ، وشق العصا مخالفة جماعة الاسلام انتهى .

أقول : يحتمل أن يكون الإضافة بيانية بأن شبه المسلمين بعصا يقوم به الاسلام ، وتفريقهم بمنزلة شق عصا الاسلام ، أو لامية بأن شبه اجتماعهم بعصا يقومون به لأنه سبب قيامهم وبقائهم ، أو المراد بعصا المسلمين تأديبهم وضربهم و زجرهم عن المناهي ، فمن فرق جماعتهم ، فقد شق عصاهم أي منعهم عن ذلك ، أو أنهم يشقون ويكسرون العصا في تأديب هذا الذي يريد تفريق جماعتهم .

قال الجزري فيه لا ترفع عصاك عن أهلك أي لا تدع تأديبهم وجمعهم على طاعة الله ، يقال شق العصا أي فارق الجماعة ، ولم يرد الضرب بالعصا ، و لكنه جعله مثلا وقيل أراد لا تغفل عن أدبهم ، ومنعهم عن الفساد ، ومنه الحديث إن الخوارج شقوا عصا المسلمين ، وفرقوا جماعتهم ، ومنه الحديث إياك وقتيل العصا أي إياك أن تكون قاتلا أو مقتولا في شق عصا المسلمين انتهى وربما يؤيد ما ذكره [ من ] المعنيين الأخيرين .

وقال الميداني في مجمع الأمثال شق فلان عصا المسلمين إذا فرق جمعهم قال أبو عبيد : معناه فرق جماعتهم قال : والأصل في العصا الاجتماع والائتلاف وذلك أنها لا تدعى عصا حتى تكون جميعا ، فإذا انشقت لم تدع عصا ، ومن ذلك قولهم للرجل إذا أقام بالمكان واطمأن به واجتمع له فيه أمره : قد ألقى عصاه .

قال البارقي " فألقت عصاها واستقرت بها النوى " قالوا : وأصل هذا أن الحاديين يكونان في رفقة فإذا فرقهم الطريق شقا العصا التي معهما ، فأخذ هذا نصفها وذا نصفها ، يضرب مثلا لكل فرقة انتهى .

والترشف المص والتقبيل مع اجتماع الماء في الفم ، وهو كناية عن مبالغتهم في أخذ العلم عنه أو عن غاية الحب ولعله تصحيف ترسفه بالسين المهملة يعني مشى إليه مشي المقيد يتحامل رجله مع القيد .

- مناقب ابن شهرآشوب : عاصم الحناط عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر قال : سمعته وهو يقول لرجل من أهل إفريقية : ما حال راشد ؟ قال : خلفته حيا صالحا يقرئك السلام ، قال : رحمه الله قلت : جعلت فداك ومات ؟ قال : نعم رحمه الله قلت : و متى مات ؟ قال : بعد خروجك بيومين .

وفي حديث الحلبي : أنه دخل أناس على أبي جعفر وسألوا علامة فأخبرهم بأسمائهم وأخبرهم عما أرادوا يسألون عنه ، وقال : أردتم أن تسألوا عن هذه الآية من كتاب الله " كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها " قالوا صدقت هذه الآية أردنا أن نسألك قال : نحن الشجرة التي قال الله تعالى أصلها ثابت وفرعها في السماء ونحن نعطي شيعتنا ما نشاء من أمر علمنا .

علي بن أبي حمزة وأبو بصير قالا : كان لنا موعد على أبي جعفر فدخلنا عليه أنا وأبو ليلى فقال : يا سكينة هلمي المصباح ، فأتت بالمصباح ، ثم قال : هلمي بالسفط الذي في موضع كذا وكذا قال : فأتته بسفط هندي أو سندي ففض خاتمه ثم أخرج منه صحيفة صفراء ، فقال علي : فأخذ يدرجها من أعلاها ، وينشرها من أسفلها ، حتى إذا بلغ ثلثها أو ربعها نظر إلي ، فارتعدت فرائصي حتى خفت على نفسي فلما نظر إلي في تلك الحال وضع يده على صدري فقال : أبرأت أنت قلت : نعم جعلت فداك قال : ليس عليك بأس ، ثم قال : ادنه فدنوت فقال لي : ما ترى ؟ قلت : اسمي واسم أبي وأسماء أولاد لي لا أعرفهم فقال : يا علي لولا أن لك عندي ما ليس لغيرك ، ما أطلعتك على هذا ، أما إنهم سيزدادون على عدد ما ههنا قال : علي بن أبي حمزة : فمكثت والله بعد ذلك عشرين سنة ثم ولد لي الأولاد بعدد ما رأيت بعيني في تلك الصحيفة الخبر .

أبو عيينة وأبو عبد الله إن موحدا أتى الباقر وشكى عن أبيه ونصبه وفسقه وأنه أخفى ماله عند موته ، فقال له أبو جعفر : أفتحب أن تراه وتسأله عن ماله ؟ فقال الرجل : نعم وإني لمحتاج فقير ، فكتب إليه أبو جعفر كتابا بيده في رق أبيض وختمه بخاتمه ، ثم قال : اذهب بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتى تتوسطه ثم تنادي يا درجان ، ففعل ذلك فجاءه شخص فدفع إليه الكتاب ، فلما قرأه قال : أتحب أن ترى أباك ؟ فلا تبرح حتى آتيك به فإنه بضجنان فانطلق فلم يلبث إلا قليلا حتى أتاني رجل أسود في عنقه حبل أسود مدلع لسانه يلهث وعليه سربال أسود ، فقال لي : هذا أبوك ولكن غيره اللهب ودخان الجحيم وجرع الحميم ، فسألته عن حاله قال : إني كنت أتوالى بني أمية ، وكنت أنت تتوالى أهل البيت وكنت أبغضك على ذلك وأحرمتك مالي ودفنته عنك ، فأنا اليوم على ذلك من النادمين فانطلق إلى جنتي فاحتفر تحت الزيتونة فخذ المال وهو مائة و خمسون ألفا ، وادفع إلى محمد بن علي خمسين ألفا ولك الباقي ، قال ففعل الرجل كذلك ، فقضى أبو جعفر بها دينا وابتاع بها أرضا ، ثم قال : أما إنه سينفع الميت الندم على ما فرط من حبنا وضيع من حقنا بما أدخل علينا من الرفق والسرور .

جابر بن يزيد سألت أبا جعفر عن قوله تعالى " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات "  .

فدفع أبو جعفر بيده وقال : ارفع رأسك فرفعت فوجدت السقف متفرقا ورمق ناظري في ثلمة حتى رأيت نورا حار عنه بصري ، فقال هكذا رأى إبراهيم ملكوت السماوات ، وانظر إلى الأرض ثم ارفع رأسك فلما رفعته رأيت السقف كما كان ، ثم أخذ بيدي وأخرجني من الدار وألبسني ثوبا وقال : غمض عينيك ساعة ، ثم قال : أنت في الظلمات التي رآها ذو القرنين ، ففتحت عيني فلم أر شيئا ثم تخطى خطا وقال : أنت على رأس عين الحياة للخضر ، ثم خرجنا من ذلك العالم حتى تجاوزنا خمسة فقال : هذه ملكوت الأرض ثم قال : غمض عينيك وأخذ بيدي فإذا نحن في الدار التي كنا فيها ، وخلع عني ما كان ألبسنيه ، فقلت : جعلت فداك كم ذهب من اليوم ؟ فقال : ثلاث ساعات .

- إعلام الورى : شعيب العقرقوفي عن أبي عروة قال : دخلت مع أبي بصير إلى منزل أبي جعفر أو أبي عبد الله قال : فقال لي : أترى في البيت كوة قريبا من السقف قال : قلت : نعم وما علمك بها ؟ قال أرانيها أبو جعفر .

- مناقب ابن شهرآشوب إعلام الورى : حماد بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله يقول : إن أبي قال ذات يوم : إنما بقي من أجلي خمس سنين فحسبت فما زاد ولا نقص .

- كشف الغمة : من كتاب دلائل الحميري ، عن يزيد بن حازم قال : كنت عند أبي جعفر فمررنا بدار هشام بن عبد الملك وهي تبنى فقال : اما والله لتهدمن أما والله لينقلن ترابها من مهدمها ، أما والله لتبدون أحجار الزيت ، وإنه لموضع النفس الزكية ، فتعجبت وقلت دار هشام من يهدمها ؟ ! فسمعت اذني هذا من أبي جعفر قال : فرأيتها بعد ما مات هشام وقد كتب الوليد في أن يستهدم وينقل ترابها ، فنقل حتى بدت الأحجار ورأيتها .

بيان : أحجار الزيت موضع بالمدينة وبها قتل محمد بن عبد الله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية كما سيأتي .

- كشف الغمة : من دلائل الحميري عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر كان فيما أوصى أبي إلي : إذا أنا مت فلا يلي غسلي أحد غيرك ، فإن الامام لا يغسله إلا إمام واعلم أن عبد الله أخاك سيدعو إلى نفسه فدعه ، فإن عمره قصير ، فلما قضى أبي غسلته كما أمرني ، وادعى عبد الله الإمامة مكانه ، فكان كما قال أبي ، وما لبث عبد الله إلا يسيرا حتى مات ، وكانت هذه من دلالته يبشرنا بالشئ قبل أن يكون فيكون ، وبه يعرف الامام .

وعن فيض بن مطر قال : دخلت على أبي جعفر وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل في المحمل قال : فابتدأني فقال : كان رسول الله يصلي على راحلته حيث توجهت به .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>