من أخبار معجزات مولانا محمد بن علي الباقر

- ذكر السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب أمان الاخطار ناقلا عن كتاب دلائل الإمامة تصنيف محمد بن جرير الطبري الامامي ، من أخبار معجزات مولانا محمد بن علي الباقر .

ذكره بإسناده عن الصادق قال : حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين ، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمد فقال جعفر بن محمد : الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا وأكرمنا به فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده وخلفاؤه ، فالسعيد من اتبعنا و الشقي من عادانا وخالفنا .

ثم قال : فأخبر مسلمة أخاه بما سمع فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي واشخاصي معه فأشخصنا ، فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثا ، ثم أذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا ، وإذا قد قعد على سرير الملك ، وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطان متسلحان ، وقد نصب البرجاس حذاة وأشياخ قومه يرمون ، فلما دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه ، فنادى أبي وقال : يا محمد ارم مع أشياخ قومك الغرض ، فقال له : إني قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني ، فقال : وحق من أعزنا بدينه ونبيه محد لا أعفيك ، ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما ، فوضعه في كبد القوس ، ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه ، ثم رمى فيه الثانية فشق فواق سهمه إلى نصله ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك إلا أن قال : أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم ، هلا زعمت أنك كبرت عن الرمي ، ثم أدركته ندامة على ما قال .

وكان هشام لم يكن كنى أحدا قبل أبي ولا بعده في خلافته ، فهم به وأطرق إلى الأرض إطراقة يتروى فيها وأنا وأبي واقف حذاه مواجهين له ، فلما طال وقوفنا غضب أبي فهم به ، وكان أبي إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه ، فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي ، قال له : إلي يا محمد ! فصعد أبي إلى السرير ، وأنا أتبعه ، فلما دنا من هشام ، قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ، ثم أقبل على أبي بوجهه ، فقال له : يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ، لله درك ، من علمك هذا الرمي ؟ وفي كم تعلمته ؟ فقال أبي : قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته ، فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت فيه ، فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت وما ظننت ، أن في الأرض أحدا يرمي مثل هذا الرمي ، أيرمي جعفر مثل رميك ؟ فقال : إنا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه في قوله : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر غيرنا عنها .

قال : فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثم أطرق هنيئة ثم رفع رأسه ، فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد ؟ فقال أبي : نحن كذلك ولكن الله جل ثناؤه اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص أحدا به غيرنا فقال : أليس الله جل ثناؤه بعث محمد من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها من أين ورثتم ما ليس لغيركم ؟ ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة وذلك قول الله تبارك وتعالى " ولله ميراث السماوات والأرض " إلى آخر الآية فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء ؟ فقال : من قوله تبارك وتعالى لنبيه " لا تحرك به لسانك لتعجل به " الذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله أن يخصنا به من دون غيرنا فلذلك كان ناجى أخاه عليا من دون أصحابه فأنزل الله بذلك قرآنا في قوله " وتعيها اذن واعية " فقال رسول الله لأصحابه : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي ، فلذلك قال علي بن أبي طالب بالكوفة : علمني رسول الله ألف باب من العلم ففتح كل باب ألف باب ، خصه رسول الله من مكنون سره بما يخص أمير المؤمنين أكرم الخلق عليه ، فكما خص الله نبيه خص نبيه أخاه عليا من مكنون سره بما لم يخص به أحدا من قومه ، حتى صار إلينا فتوارثنا من دون أهلنا .

فقال هشام بن عبد الملك : إن عليا كان يدعي علم الغيب والله لم يطلع على غيبه أحدا ، فمن أين ادعى ذلك ؟ فقال أبي : إن الله جل ذكره أنزل على نبيه كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " وفي قوله : " وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " وفي قوله : " ما فرطنا في الكتاب من شئ " وأوحى الله إلى نبيه أن لا يبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا ، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه ، وقال لأصحابه : حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي ، فإنه مني وأنا منه ، له ما لي وعليه ما علي ، وهو قاضي ديني ومنجز وعدي .

ثم قال لأصحابه : علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي عليه السلام ، ولذلك قال رسول الله لأصحابه : أقضاكم علي أي هو قاضيكم وقال عمر بن الخطاب : لولا علي لهلك عمر ، يشهد له عمر ويجحده غيره .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>