معارف

 

هاتي وسلي(1)

قال أبو محمد العسكري (عليه السّلام): وحضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك اسألك. فأجابتها فاطمة (عليها السّلام) عن ذلك، ثمّ ثنّت فأجابت، ثمّ ثلّثت إلى أن عشّرت فأجابت، ثمّ خجلت من الكثرة، فقالت: ﻻ أشقّ عليك يا بنت رسول الله. قالت فاطمة (عليها السّلام):

هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراؤه مائة ألف دينار أيثقل عليه؟ فقالت: ﻻ.

فقالت: اكتريت أنا لكلّ مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن ﻻ يثقل عليّ، سمعت أبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات، على قدر كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله، حتّى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور، ثمّ ينادي منادي ربّنا عزّ وجل: أيّها الكافلون لأيتام آل محمد (صلى الله عليه وآله) الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم، الذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا، فيخلعون على كلّ واحد من أُولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم حتّى أنّ فيهم – يعني: في الأيتام – لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلّم منهم، ثمّ إنّ الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام، حتى تتمّوا لهم خلعهم، وتضعّفوها فيتمّ لهم ماكان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممّن يخلع عليه على مرتبتهم.

وقالت فاطمة (عليها السّلام): يا أمة الله إنّ سلكا من تلك الخلع، لأفضل ممّا طلعت عليه الشمس ألف ألف مرّة، وما فضل فإنّه مشوب التنغيص والكدر.

 

 

فرح الملائكة أشدّ(2)

وقالت فاطمة (عليه السّلام) – وقد اختصم إليها امرأتان، فتنازعتا في شيء من أمر الدين، إحداهما معاندة، والأُخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجّتها فاستظهرت على المعاندة، ففرحت فرحاً شديداً – فقالت فاطمة (عليها السّلام):

إنّ فرح الملائكة باستظهارك عليها أشدّ من فرحك، وإنّ حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشدّ من حزنها، وإنّ الله تعالى قال للملائكة: أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ما كنت أعددت لها، واجعلوا هذه سنّة في كلّ من يفتح على أسير مسكين، فيغلب معانداً مثل ألف ألف ما كان له معدّاً من الجنان.

 

 

جئت بالآخرة(3)

أصابت عليّاً (عليه السّلام) شدّة، فأتت فاطمة (عليها السّلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدقّت الباب فقال: أسمع حسّ حبيبتي بالباب، يا أُمّ أيمن! قومي وانظري، ففتحت لها الباب، فدخلت، فقال (صلى الله عليه وآله): قد جئتنا في وقت ما كنت تأتينا في مثله. فقالت فاطمة:

يا رسول الله، ما طعام الملائكة عند ربّنا؟ فقال: التحميد.

فقالت: ما طعامنا؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والّذي نفسي بيده، ما اقتبس في آل محمّد شهراً ناراً، وأُعلمك خمس كلمات علّمنيهنّ جبرئيل (عليه السّلام).

قالت: يا رسول الله! ما الخمس الكلمات؟ قال: يا ربّ الأوّلين والآخرين. ويا خير الأوّلين والآخرين، وياذا القوّة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين.

ورجعت، فلمّا أبصرها علي ّ (عليه السّلام) قال: بأبي أنت وأُمّي، ماوراءك يا فاطمة؟

قالت: ذهبت للدنيا، وجئت بالآخرة. قال عليّ (عليه السّلام): خير أيّامك، خير أيّامك.

 

 

مصحف فاطمة (عليها السّلام)(4)

سألت أبا جعفر محمد بن عليّ (عليه السلام) عن مصحف فاطمة (عليها السّلام)؟ فقال: أُنزل عليها بعد موت أبيها – إلى أن قال: - ولمّا أراد الله تعالى أن ينزله عليها [أمر] جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزل به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل فهبطوا به وهي قائمة تصلّي؛ فما زالوا قياماً حتّى قعدت، ولمّا فرغت من صلاتها سلّموا عليها، وقالوا: السلام يقرؤك السلام، ووضعوا المصحف في حجرها. فقالت:

لله السلام ومنه السلام وإليه السلام، وعليكم يا رسل الله السلام.

ثمّ عرجوا إلى السماء، فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه حتّى أتت على آخره، ولقد كانت (عليها السّلام) مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة.

قلت: جعلت فداك، فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيّها؟

قال: دفعته إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فلمّا مضى صار إلى الحسن (عليه السّلام)، ثمّ إلى الحسين (عليه السّلام)، ثمّ عند أهله حتّى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر.

فقلت: إنّ هذا العلم كثير؟

قال: يا أبا محمد، إنّ هذا الّذي وصفته لك لفي ورقتين من أوّله، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثانية، ولا تكلّمت بحرف منه.

 

 

فاطمة (عليها السّلام) ومصحفها(5)

روي أنّ فاطمة (عليها السّلام) لمّا توفّي أبوها (صلى الله عليه وآله) قالت لأمير المؤمنين (عليه السّلام):

إنّي لأسمع من يحدّثني بأشياء ووقائع تكون في ذرّيتي.

قال: فإذا سمعتيه فأمليه عليّ، فصارت تمليه، وهو يكتبه.

فروي: أنّه بقدر القرآن ثلاث مرّات ليس فيه شيء من القرآن،

فلمّا كمّله سمّاه. (مصحف فاطمة) لأنّها كانت محدّثة تحدّثها الملائكة.

 

 

صحيفة النّّور(6)

لمّا احتضر أبو جعفر، محمد بن عليّ الباقر (عليه السّلام) عند الوفاة، دعا بابنه الصادق (عليه السّلام) ليعهد إليه عهداً، فقال له أخوه زيد بن عليّ: لو امتثلت فيّ بمثال الحسن والحسين (عليهما السّلام) لرجوت أن ﻻ تكون أتيت منكراً. فقال له: يا أبا الحسين، إنّ الأمانات ليست بالمثال، ولا العهود بالرّسوم، وإنّما هي أُمور سابقة عن حجج الله عزّ وجل، ثمّ دعا بجابر بن عبد الله، فقال له: يا جابر، حدّثنا بما عاينت في الصحيفة؟ فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاهنّئها بمولود الحسن (عليه السّلام)، فإذا (بيدها) صحيفة بيضاء من درّ، فقلت [لها]: يا سيّدة النساء، ما هذه الصحيفة الّتي أراها معك؟ قالت:

فيها أسماء الأئمّة من ولدي، فقلت لها: ناوليني لأنظر فيها، قالت:

يا جابر، لولا النهي لكنت أفعل، لكنّة قد نهى أن يمسّها إلاّ نبيّ، أو وصيّ نبيّ، أو أهل بيت نبيّ، ولكنّه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.

قال جابر: فقرأت فإذا فيها:

أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى، أُمّه آمنة بنت وهب.

أبو الحسن عليّ بن أبي طالب المرتضى، أُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

أبو محمد الحسن بن عليّ البرّ.

أبو عبد الله الحسين بن عليّ التّقي أُمّها فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله).

أبو محمد عليّ بن الحسين العدل، أُمّه شهر بانوية بنت يزدجرد [ابن شاهنشاه].

أبو جعفر محمد بن عليّ الباقر، أُمّه امّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب.

أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أُمّه امّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.

أبو إبراهيم موسى بن جعفر (الثقة) أُمّه جارية اسمها: حميدة.

أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا، أُمّه جارية اسمها: نجمة.

أبو جعفر محمد بن عليّ الزكي، أُمّه جارية اسمها: خيزران.

أبو الحسن عليّ بن محمد الأمين، أُمّه جارية اسمها: سوسن.

أبو محمد الحسن بن عليّ الرفيق، أُمّه جارية اسمها: سمانة، وتكنّى بامّ الحسن.

أبو القاسم محمد بن الحسن، وهو حجّة الله تعالى [على خلقه] القائم، أُمّه جارية اسمها: نرجس. صلوات الله عليهم أجمعين.

 

 

فاطمة (عليها السّلام) ولوحها(7)

عن سيّدنا أبي عبد الله، جعفر بن محمد (عليهم السلام)، قال: قال أبي لجابر بن عبد الله: لي إليك حاجة، أريد أن أخلو بك فيها، فلمّا خلا به في بعض الأيّام، قال له: أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أُمّي فاطمة (عليها السّلام). قال جابر: أشهد بالله لقد دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاهنّئها بولدها الحسين (عليه السّلام)، فإذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء فيه كتاب أنور من الشمس، وأطيب رائحة من المسك الأذفر، فقلت: ما هذا يا بنت رسول الله؟ فقالت:

هذا لوح أهداه الله عزّ وجل إلى أبي، فيه اسم أبي واسم بعلي واسم الأوصياء بعده من ولدي، فسألتها أن تدفعه إليّ لأنسخه، ففعلت... .

 

 

لوح فاطمة (عليها السّلام)(8)

دخلت على [مولاتي] فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليهما) وقدّامها لوح يكاد ضوءه يغشي الأبصار، فيه اثنا عشر اسماً: ثلاثة في ظاهره، وثلاثة في باطنه، وثلاثة أسماء في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشر. فقلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت:

هذه أسماء الأوصياء، أوّلهم: ابن عمّي وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم.

قال جابر: فرأيت فيه: محمداً محمداً محمداً في ثلاثة مواضع، وعليّاً عليّاً عليّاً عليّاً في أربعة مواضع.

 

 

مع طالب الحكمة(9)

جاء رجل إلى فاطمة (عليها السّلام) فقال: يا بنت رسول الله، هل ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندك شيئاً تطرفينيه؟ فقالت:

يا جارية، هات تلك الحريرة، فطلبتها فلم تجدها، فقالت: اطلبيها... فطلبتها فإذا هي قد قمّمتها في قمامتها،

فإذا فيها: قال محمد النبي (صلى الله عليه وآله): ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه.

ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره.

ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت.

إنّ الله يحبّ الخيّر الحليم المتعفّف، ويبغض الفاحش الضنين السائل الملحف.

إنّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة.

وإنّ الفحش من البذاء، والبذاء في النّار.

 

فلسفة الأحكام(10)

قالت فاطمة (عليها السّلام) في خطبتها:

لله فيكم عهد قدّمه إليكم، وبقيّة استخلفها عليكم: كتاب الله بيّنة بصائره، وآي منكشفة سرائره، وبرهان متجلّية ظواهره، مديم للبريّة استماعه، وقائد إلى الرضوان أتباعه، ومؤدّ إلى النجاة أشياعه،

فيه تبيان حجج الله المنيرة، ومحارمه المحرّمة، وفضائله المدوّنة، وجمله الكافية، ورخصه الموهوبة، وشرايعه المكتوبة، وبيّناته الجليّة،

ففرض الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والزكاة زيادة في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحجّ تسنية للدين، والعدل تسكيناً للقلوب، والطاعة نظاماً للملّة، والإمامة لمّاً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام، والصبر معونة على الإستيجاب، والأمر بالمعروف مصلحة للعامّة، وبرّ الوالدين وقاية عن السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء للنذر تعرّضاً للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين تغييراً للبخسة، واجتناب قذف المحصنات حجباً عن اللعنة، ومجانبة السرقة إيجاباً للعفّة؟ والتنزّه عن أكل أموال اليتامى إجارة من الظلم، والعدل في الأحكام ايناساً للرعيّة، وحرّم الله عزّ وجل الشرك إخلاصاً للربوبيّة. فاتّقوا الله حقّ تقاته فيما أمركم به، وانتهوا عمّا نهاكم عنه.

 

1 ـ تفسير الإمام العسكري (عليه السّلام) 340، ح 216:...

2 ـ تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) 246، ح 229:...

3 ـ دعوات الراوندي: 47ح116: عن سويد بن غفلة قال:...

4 ـ دلائل الإمامة ص 27: حدّثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن حمدان، قال: حدّثني عليّ بن سليمان؛ وجعفر بن محمد، عن عليّ بن أسباط، عن الحسن بن أبي العلا؛ وعليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال:...

5 ـ المحتضر ص 132:...

6 ـ عوالم سيّدة النساء 2/843 عن عيون أخبار الرضا، وإكمال الدين: الطالقاني، عن الحسن بن إسماعيل، عن سعيد بن محمد بن نصر القطّان، عن عبيد الله بن محمد السلمي، عن محمد بن عبد الرحيم، عن محمد بن سعيد بن محمد، عن العبّاس بن أبي عمر، عن صدقة بن أبي موسى، عن أبي نظرة، قال:...

7 ـ عوالم سيدة النساء 2/847 عن أمالي الطوسي: الفحّام، عن عمّه، عن أحمد بن عبد الله بن عليّ الرأس، عن عبد الرحمان بن عبد الله العمري، عن أبي سلمة يحيى بن المغيرة، قال: حدّثني أخي محمد بن المغيرة، عن محمد بن سنان،...

8 ـ عوالم سيّدة النساء 2/846، عن إكمال الدين وعيون أخبار الرضا: ابن شاذويه والفامي معاً، عن محمّد الحميري، عن أبيه، عن الفزاري، عن مالك السلولي، عن درست، عن عبد الحميد عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي السفاتج، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:...

9 ـ عوالم سيدة النساء 2/908 عن دلائل الإمامة: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزدي، قال: حدثنا الخليل بن أسد، أبوالأسود النوشجاني، قال: حدّثنا رويم بن يزيد المنقري، قال: حدّثنا سوار بن مصعب الهمداني، عن عمرو بن قيس، عن سلمة بن كهيل، عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود قال:...

10 ـ عوالم سيدة النساء 2/910 عن علل الشرائع:...