مناقضات

 

خلّوا ابن عمّي(1)

لمّا استخرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه من منزله، خرجت فاطمة (عليها السّلام) خلفه فما بقيت امرأة هاشميّة إلاّ خرجت معها، حتى انتهت قريباً من القبر فقالت لهم:

خلّوا عن ابن عمّي فو الذي بعث محمداً أبي (صلى الله عليه وآله) بالحقّ، إن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري، ولأضعن قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسي، ولأصرخنّ إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على الله من أبي ولا الناقة بأكرم مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي.

قال سلمان – رضي الله عنه -: كنت قريباً منها، فرأيت والله أساس حيطان مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تقلّعت من أسفلها، حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيّدتي ومولاتي إنّ الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة، فلا تكوني نقمة.

فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا.

 

 

تركتم رسول الله(2)

خرجت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم (أي: إلى المتجمهرين على بيتهم لإخراج عليّ (عليه السّلام) إلى البيعة) فوقفت خلف الباب ثمّ قالت:

ﻻ عهد لي بقوم أسوء محضراً منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمّرونا، ولم تروا لنا حقّاً، كأنّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خمّ؟

والله لقد عقد له يومئذ الولاء، ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنّكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم، والله حسيب بيننا وبينكم، في الدنيا والآخرة.

 

 

سأقسم على الله(3)

إن فاطمة (عليها السّلام) – لما أن كان من أمرهم ما كان – أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها (ولعله كان هذا تصرفاً ولائياً منها (عليها السّلام) لتريه كرامتها على الله تعالى دونه) ثم قالت:

أما والله يابن الخطّاب، لولا أني أكره أن يصيب البلاء من ﻻ ذنب له، لعلمت أنّي ساقسم على الله ثمّ أجده سريع الإجابة.

 

 

مالي ولك؟(4)

عن أبي هاشم قال: لمّا أُخرج بعليّ (عليه السّلام) خرجت فاطمة (عليها السّلام) واضعة قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسها، آخذة بيدي ابنيها فقالت:

مالي ومالك يا أبا بكر؟ تريد أن تؤتّم ابنيّ وترملني من زوجي؟ والله لولا أن تكون سيّئة لنشرت شعري، ولصرخت إلى ربّي.

فقال رجل من القوم: ما تريد؟ إلى هذا؟

ثمّ أخذت بيده فانطلقت به.

 

 

شكواي إلى أبي(5)

لمّا انصرفت [فاطمة] من عند أبي بكر أقبلت على أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقالت له:

يابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحيلة أبي وبليغة ابني، والله لقد أجهد في ظلامتي، وألدّ في خصامي، حتّى منعتني القيلة، نصرها والمهاجرة وصلها، وغضّت الجماعة دوني طرفها، فلا مانع ولا دافع، خرجت والله كاظمة وعدت راغمة، ولا خيار لي، ليتني متّ قبل ذلّتي وتوفّيت دون منيّتي، عذيري والله فيك حامياً، ومنك داعياً، ويلاه في كلّ شارق ويلاه، مات العمد ووهن العضد،، شكواي إلي أبي، وعدواي إلى ربّي، اللهمّ أنت أشدّ قوّة.

فأجابها أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا ويل لك، بل الويل لشانئك، نهنهي عن وجدك يا بنت الصفوة وبقية النبوّة، فوالله ما ونيت في ديني، ولا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون وكفيلك مأمون، وما أُعد لك خير ممّا قطع عنك، فاحتسبي الله.

فقالت: حسبي الله ونعم الوكيل.

 

 

بين كمد وكرب(6)

دخلت أُمّ سلمة على فاطمة (عليها السّلام) فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله؟ قالت:

أصبحت بين كمد وكرب، فَقْد النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وظلم الوصيّ.

 

 

إستبدلتم الذنابى بالقوادم(7)

لمّا مرضت فاطمة سلام الله عليها المرضة التي توفّيت فيها، دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلن لها: كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟ فحمدت الله وصلّت على أبيها ثمّ قالت:

أصبحت والله عائفة لدنياكنّ، قالية لرجالكنّ، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وسئمتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحدّ، واللعب بعد الجدّ، وقرع الصفاة وصدع القناة وختل الآراء وزلل الأهواء، وبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون.

ﻻ جرم لقد قلّدتهم ربقتها، وحملتهم أوقتها وشنّت عليهم غاراتها، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.

ويحهم أنّى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة والدلالة، ومهبط الروح الأمين والطبين بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين.

وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وقلّة مبالاته لحتفه، وشدّة وطأته ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله.

وتالله لو مالوا عن المحجّة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة لردّهم إليها، وحملهم عليها، ولساربهم سيراً سجحاً، ﻻ يكلم حشاشه ولا يكل سائره، ولا يمل راكبه ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً، تطفح ضفّتاه، ولا يترنق جانباه، ولأصدرهم بطاناً ونصح لهم سرّاً وإعلانا،ً ولم يكن يتحلّى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ريّ الناهل وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(8)، (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ)(9).

ألا هلمّ فاسمع وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن تعجب فعجب قولهم، ليت شعري إلى أيّ أسناد استندوا، وإلى أي عماد اعتمدوا، وبأيّة عروة تمسّكوا، وعلى أيّة ذرّية أقدموا واحتنكوا، (لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(10)، و (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(11).

استبدلوا والله الذانبى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، ألا إنّهم هم المفسدون ولكن ﻻ يشعرون، ويحهم (أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(12).

أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً، وزعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف الباطلون، غبّ ما أسّس الأوّلون ثمّ طيبوا عن دنياكم أنفساً، واطمئنّوا للفتنة جاشاً، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم وأنّى بكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون.

قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها (عليها السّلام) على رجالهنّ، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيّدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد، ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره.

فقالت (عليها السّلام): إليكم عنّي فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم.

 

 

شمت بي عدوّي(13)

لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتجع له الصغير والكبير، وكثر عليه البكاء، وقلّ العزاء، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب، والأولياء والأحباب، والغرباء والأنساب، ولم تلق إلاّ كلّ باك وباكية، ونادب ونادبة، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب، والأقرباء والأحباب، أشدّ حزناً وأعظم بكاءً وانتحاباً، من مولاتي فاطمة الزهراء (عليها السّلام)، وكان حزنها يتجدّد ويزيد، وبكاؤها يشتدّ، فجلست سبعة أيّام ﻻ يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين، كلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأوّل، فلمّا كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صبراً، إذ خرجت وصرخت، فكأنّها من فم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنطق، فتبادرت النسوان، وخرجت الولائد والولدان، وضجّ النّاس بالبكاء والنحيب، وجاء النّاس من كلّ مكان، وأُطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء، وخيّل إلى النسوان أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قام من قبره، وصارت النّاس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم، وهي (عليها السّلام) تنادي وتندب أباها:

وا أبتاه، واصفيّاه، وامحمّداه، وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى، من للقبلة والمصلّى ومن لابنتك الوالهة الثكلى؟.

ثمّ أقبلت تعثر في أذيالها، وهي ﻻ تبصر شيئاً من عبرتها، ومن تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد (صلى الله عليه وآله)، فلمّا نظرت إلى الحجرة، وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها، ودام نحيبها وبكاها، إلى أن أُغمي عليها.

فتبادرت النسوان إليها، فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتّى أفاقت، فلمّا أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول: رفعت قوّتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوّي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغّص عيشي، وتكدّر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي، ولا رادّاً لدمعتي ولا معيناً لضعفي، فقد فُني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرئيل، ومحلّ ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلّقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية، وعليك ما تردّدت أنفاسي باكية، ﻻ ينفد شوقي إليك، ولا حزني عليك.

ثمّ نادت: يا أبتاه وا لبّاه، ثمّ قالت:

إنّ حزني عليك حزن جديد***وفؤادي والله صبّ عنيد

كلّ يوم يزيد فيه شجوني***واكتيابي عليك ليس يبيد

جلّ خطبي فبان عنّي عزائي***فبكائي كلّ وقت جديد

إنّ قلباً عليك يألف صبراً***أو عزاءً فإنّه لجليد

ثمّ نادت: يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة، فقد اسودّ نهارها، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها، يا أبتاه ﻻ زلت آسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضي منذ حقّ الفراق، يا أبتاه من للأرامل والمساكين، ومن للأُمّة إلى يوم الدين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين، يا أبتاه أصبحت النّاس عنّا معرضين، ولقد كنّا بك معظّمين في النّاس غير مستضعفين، فأيّ دمعة لفراقك ﻻ تنهمل، وأي حزن بعدك عليك ﻻ يتصل، وأيّ جفن بعدك بالنوم يكتحل، وأنت ربيع الدين، ونور النبيين، فكيف للجبال ﻻ تمور، وللبحار بعد ﻻ تغور، والأرض كيف لم تتزلزل؟!

رميت يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزيّة بالقليل، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم، والفادح المهول.

بكتك يا أبتاه الأملاك، ووقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك، والجنّة مشتاقة إليك، وغلى دعائك وصلاتك.

يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك، واثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك، الحسن والحسين، وأخوك ووليّك وحبيبك ومن ربّيته صغيراً، وواخيته كبيراً، وأجل أحبابك وأصحابك إليك، من كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً، والثّكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسى لازمنا.

ثمّ زفرت زفرة وأنّت أنّة كادت روحها أن تخرج ثمّ قالت:

قلّ صبري وبان عنّي عزائي***بعد فقدي لخاتم الأنبياء

عين يا عين اسكبي الدمع سحّا***ويك ﻻ تبخلي بفيض الدماء

يارسول الإله ياخيرة الله***وكهف الأيتام والضعفاء

قد بكتك الجبال والوحش جمعاً***والطير والأرض بعد بكي السماء

وبكاك الحجون والركن***والمشعر يا سيّدي مع البطحاء

وبكاك المحراب والدّرس***للقرآن في الصبح معلنا والمساء

وبكاك الإسلام إذ صار في النّا***س غريباً من سائر الغرباء

لوترى المنبر الذي كنت تعلو***ه علاه الظلام بعد الضياء

ياإلهي عجّل وفاتي سريعاً***فلقد تنغّصت الحياة يا مولائي

قالت: ثمّ رجعت إلى منزلها، وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها، وهي ﻻ ترقأ دمعتها ولا تهدأ زفرتها.

واجتمع شيوخ أهل المدينة، وأقبلوا إلى أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) فقالوا له: يا أبا الحسن إنّ فاطمة (عليها السّلام) تبكي الليل والنهار، فلا أحد منّا يتهنّأ بالنوم في الليل على فرشنا، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنّا نخيّرك أن تسألها إمّا أن تبكي ليلاً أو نهاراً.

فقال (عليه السّلام): حبّاً وكرامة.

فأقبل أمير المؤمنين (عليه السّلام) حتّى دخل على فاطمة (عليها السّلام) وهي ﻻ تفيق من البكاء، ولا ينفع فيها العزاء، فلمّا رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول الله، إنّ شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إمّا أن تبكين أباك ليلاً وإمّا نهاراً.

فقالت: يا أبا الحسن ما أقلّ مكثي بينهم، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالله ﻻ أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال لها عليّ (عليه السّلام): إفعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك.

ثمّ إنّه بنى لها بيتاً في البقيع، نازحاً عن المدينة يسمّى بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قدّمت الحسن والحسين (عليهما السّلام) أمامها، وخرجت إلى البيقع فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين (عليه السّلام) إليها وساقها بين يديه إلى منزلها.

 

 

إنّهما آذياني(14)

كان عليّ (عليه السّلام) يصلّي في المسجد الصلوات الخمس، فلمّا صلّى قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول الله؟ قد كان بيننا وبينها ما قد علمت، فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا، قال: ذاك إليكما، فقاما فجلسا بالباب ودخل عليّ (عليه السّلام) على فاطمة (عليها السّلام)، فقال لها: أيّتها الحرّة، فلان وفلان بالباب، يريدان أن يسلّما عليك فما ترين؟ قالت:

البيت بيتك، والحرّة زوجتك، إفعل ما تشاء.

قال: شدّي قناعك، فشدّت قناعها وحوّلت وجهها إلى الحائط فدخلا وسلّما وقالا: إرضي عنّا رضي الله عنك.

فقالت: ما دعاكما إلى هذا؟

فقالا: إعترافنا بالإساءة، ورجونا أن تعفي عنّا وتخرجي سخيمتك.

فقالت: فإن كنتما صادقين فأخبراني عمّا أسألكما عنه، فإني ﻻ أسألكما عن أمر إلاّ وأنا عارفة بأنّكما تعلمانه.

قالا: سلي عمّا بدا لك.

قالت: نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (فاطمة بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني)؟

قالا: نعم.

فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهمّ إنّهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك، لا والله ﻻ أرضى عنكما أبداً، حتّى ألقى أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأُخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما.

قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور، وجزع جزعاً شديداً.

فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة؟

 

 

فاطمة (عليها السّلام) تتظلّم(15)

عن محمد بن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: جاءت فاطمة (عليها السّلام) إلى سارية في المسجد(16) وهي تقول وتخاطب النبيّ (صلى الله عليه وآله).

قد كان بعدك أنباء وهنبثة***لوكنت شاهدها لم يكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها***واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب

 

 

مع الشيخين(17)

لمّا مرضت فاطمة (عليها السّلام) مرضها الذي ماتت فيه، أتياها عائدين واستأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما، فلمّا رأى ذلك أبو بكر، أعطى الله عهداً أن لا يظلّه سقف بيت، حتى يدخل على فاطمة (عليها السّلام) ويتراضاها، فبات ليلة في البقيع ما يظلّة شيء، ثمّ إنّ عمر أتى عليّاً (عليه السّلام) فقال له: إنّ أبا بكر شيخ رقيق القلب، وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار فله صحبة، وقد أتيناها غير هذه المرّة مراراً، نريد الإذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا حتّى ندخل عليها فنتراضى فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل، قال: نعم، فدخل عليّ على فاطمة (عليها السّلام) فقال: يا بنت رسول الله قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد تردّدا مراراً كثيرة ورددتهما ولم تأذني لهما وقد سألاني أن أستأذن لهما عليك، فقالت:

والله ﻻ آذن لهما ولا أُكلّمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه منّي.

فقال علي (عليه السّلام): فإنّي ضمنت لهما ذلك.

قالت: إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال ﻻ أُخالف عليك بشيء فائذن لمن أحببت.

فخرج عليّ (عليه السّلام) فأذن لهما، فلمّا وقع بصرهما على فاطمة (عليها السّلام) سلّما عليها فلم تردّ عليهما وحوّلت وجهها عنهما فتحوّلا واستقبلا وجهها حتّى فعلت مراراً، وقالت: يا علي جاف الثوب، وقالت لنسوة حولها: حوّلن وجهي.

فلمّا حوّلن وجهها، حوّلا إليها فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله إنّما أتيناك ابتغاء مرضاتك، واجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عمّا كان منّا إليك.

قالت: ﻻ أُكلّمكما من رأسي كلمة واحدة أبداً حتى ألقى أبي وأشكوكما إليه وأشكو صنيعكما وفعالكما وما ارتكبتما منّي.

قالا: إنّا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنّا ولا تؤاخذينا بما كان منّا.

فالتفتت إلى عليّ (عليه السّلام) وقالت: إنّي ﻻ أُكلّمهما من رأسي كلمة حتّى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن صدقاني رأيت رأيي.

قالا: اللهمّ ذلك لها وإنّا ﻻ نقول إلاّ حقّاً ولا نشهد إلاّ صدقاً.

فقالت: أنشدكما الله أتذكران أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) استخرجكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر عليّ؟ فقالا: اللهمّ نعم.

فقالت: أنشدكما بالله هل سمعتما النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة منّي وأنا منها من آذها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟

قالا: اللهمّ نعم. فقالت: الحمد لله.

ثمّ قالت: اللهمّ إنّي أُشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنّهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، والله ﻻ أُكلّمكما من رأسي كلمة حتّى ألقى ربّي فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكبتما منّي.

فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أُمّي لم تلدني.

فقال عمر: عجباً للناس كيف ولّوك أُمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب إمرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب امرأة، وقاما وخرجا.

 

 

شكوت ما نالنا(18)

رأت فاطمة في منامها النبيّ (صلى الله عليه وآله) قالت:

فشكوت إليه ما نالنا من بعده.

فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكم الآخرة التي أُعدّت للمتقين وإنّك قادمة عليّ عن قريب.

 

 

أبكي لما تلقى(19)

لمّا حضرت فاطمة الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السّلام): يا سيّدتي ما يبكيك؟ قالت:

أبكي لما تلقى بعدي.

فقال لها: ﻻ تبكي فوالله إنّ ذلك لصغير عندي في ذات الله.

قال: وأوصته أن ﻻ يؤذن بها الشيخين، ففعل.

 

 

الداخلون بلا إذن(20)

فلمّا رأى عليّ (عليه السّلام) خذلان النّاس إيّاه وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وطاعتهم له، وتعظيمهم إيّاه لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنّه لم يبق أحد إلاّ وقد بايع، غيره وغير هؤلاء الأربعة، وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غوراً، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما؛ فقال [له] أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، وهو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عديّ بن كعب، فأرسله إليه، وأرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن على عليّ (عليه السّلام)، فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر، وهما جالسان في المسجد والنّاس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا؛ فقال عمر: اذهبوا فإن أُذِنَ لكم، وإلاّ فادخلوا [عليه] بغير إذن!! فانطلقوا فاستأذنوا؛ فقالت فاطمة (عليها السّلام):

أُحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن. فرجعوا، وثبت قنفذ، فقالوا: إنّ فاطمة قالت: كذا وكذا، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن.

فغضب عمر، وقال: مالنا وللنساء!! ثمّ أمر اناساً حوله أن يحملوا الحطب.

فحملوا الحطب، وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل عليّ وفاطمة وابناها (عليهم السلام) ثمّ نادى عمر – حتّى أسمع عليّاً وفاطمة (عليهما السلام) -: - والله – لتخرجنّ يا عليّ ولتبايعنّ خليفة رسول الله، وإلاّ أضرمت عليك [بيتك] النّار.

فقالت فاطمة (عليها السّلام): يا عمر، مالنا ولك؟

فقال: افتحي الباب، وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم.

فقالت: يا عمر، أما تتّقي الله تدخل عليّ بيتي؟! فأبى أن ينصرف، ودعا عمر بالنّار فأضرمها في الباب، ثمّ دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة (عليها السّلام) وصاحت: يا أبتاه، يا رسول الله.

فرفع عمر السيف – وهو في غمده – فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه!

فرفع السوط فضرب به ذراعها...

 

 

أتحرق عليّاً (عليه السّلام)؟(21)

قال زيد بن أسلم: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع عليّ وأصحابه عن البيعة، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلاّ أحرقته ومن فيه،- قال: وفي البيت عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وجماعة من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله)؛ - فقالت فاطمة:

أتحرق عليّاً وولدي؟. قال: إي – والله – أو ليخرجنّ وليبايعنّ.

 

 

أتريد أن ترمّلني؟(22)

ما أتى عليّ يوم قطّ أعظم من يومين أتيا عليّ، فأمّا اليوم الأوّل: فيوم قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وأمّا اليوم الثاني: فوالله إنّي لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والنّاس يبايعونه، إذ قال له عمر: يا هذا، ليس في يديك شيء ما لم يبايعك عليّ؛ فابعث إليه حتّى يأتيك يبايعك، فإنّما هؤلاء رعاع. فبعث إليه قنفذ، فقال: اذهب فقل لعليّ: أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله). فذهب قنفذ فما لبث أن رجع، فقال لأبي بكر: قال لك: ما خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحداً غيري. قال ارجع إليه فقل: أجب فإنّ النّاس قد أجمعوا على بيعتهم إيّاه، وهؤلاء المهاجرين والأنصار يبايعونه وقريش، وإنّما أنت رجل من المسلمين، لك مالهم، وعليك ما عليهم؛ فذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع، فقال: قال لك: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي وأوصاني أن – إذا واريته في حفرته – ﻻ أخرج من بيتي حتّى اؤلّف كتاب الله، فإنّه في جرائد النخل، وفي أكتاف الإبل، قال عمر: قوموا بنا إليه. فقام أبوبكر، وعمر، وعثمان، وخالد بن الوليد، والمغيرة بن شعبة، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وسالم مولى أبي حذيفة، وقنفذ، وقمت معهم. فلمّا انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها أغلقت الباب في وجوههم، وهي ﻻ تشكّ أن ﻻ يدخل عليها إلاّ بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره – وكان من سعف – ثمّ دخلوا فأخرجوا عليّاً (عليه السّلام) ملبّباً. فخرجت فاطمة (عليها السّلام) فقالت:

يا أبا بكر، أتريد أن ترمّلني من زوجي – والله – لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقّنّ جيبي، ولآتينّ قبر أبي، ولأصيحنّ إلى ربّي.

فأخذت بيد الحسن والحسين (عليهما السلام)، وخرجت تريد قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله).

فقال عليّ (عليه السّلام) لسلمان: أدرك إبنة محمّد (عليه السّلام) فإنّي أرى جنبتي المدينة تكفيان.

والله إن نشرت شعرها، وشقّت جيبها، وأتت قبر أبيها، وصاحت إلى ربّها ﻻ يناظر بالمدينة أن يخسف بها [وبمن فيها]، فأدركها سلمان رضي الله عنه، فقال: يا بنت محمّد، إنّ الله إنّما بعث أباك رحمة، فارجعي.

فقالت: يا سلمان، يريدون قتل عليّ، ما على عليّ صبر، فدعني حتّى آتي قبر أبي فأنشر شعري، وأشق جيبي، وأصيح إلى ربّي، فقال سلمان: إنّي أخاف أن تخسف بالمدينة، وعليّ (عليه السّلام) بعثني إليك، ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك، وتنصرفي.

فقالت: إذا أرجع، وأصبر، وأسمع له، وأُطيع.

قال: فأخرجوه من منزله ملبّباً، ومرّوا به على قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: فسمعته يقول: يـ (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي)(23) إلى آخر الآية.

وجلس أبو بكر في سقيفة بني ساعدة، وقدم عليّ، فقال له عمر: بايع.

فقال له عليّ (عليه السّلام): فإن أنا لم أفعل، فمه؟ فقال له عمر: إذاً أضرب والله عنقك.

فقال له عليّ (عليه السّلام): إذاً – والله – أكون عبد الله المقتول، وأخا رسول الله،

فقال عمر: أمّا عبد الله المقتول فنعم، وأما أخو رسول الله فلا – حتّى قالها ثلاثاً – فبلغ ذلك العبّاس بن عبد المطّلب فأقبل مسرعاً يهرول، فسمعته يقول:

ارفقوا بابن أخي، ولكم عليّ أن يبايعكم، فأقبل العبّاس وأخذ بيد عليّ، فمسحها على يد أبي بكر، ثمّ خلّوه مغضباً، فسمعته يقول – ورفع رأسه على السماء-:

اللهمّ إنّك تعلم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد قال لي: إن تمّوا عشرين فجاهدهم، وهو قولك في كتابك: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)(24).

قال: وسمعته يقول: اللهمّ وإنّهم لم يتمّوا عشرين – حتّى قالها ثلاثاً – ثمّ انصرف.

 

 

ما أسرع ما خنتم؟(25)

ثمّ إنّ عمراً جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين، وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السّلام) فوافوا بابه مغلقاً فصاحوا به: أُخرج يا عليّ، فإنّ خليفة رسول الله يدعوك، فلم يفتح لهم الباب؛ فأتوا بحطب فوضعوه على الباب، وجاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمر، وقال: والله، لئن لم تفتحوا لنضرمنّه بالنّار، فلمّا عرفت فاطمة (عليها السّلام) أنّهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب، فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبئت فاطمة (عليها السّلام) وراء الباب والحائط. ثمّ إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنين (عليه السّلام) وهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتّى أخرجوه سحباً من داره، ملبّباً بثوبه يجرّونه إلى المسجد. فحالت فاطمة (عليها السّلام) بينهم وبين بعلها، وقالت:

والله، ﻻ أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا!

وقال الله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(26).

قال: فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قنفذ بن عمّ، أن يضربها بسوطه.

فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف وكان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) سمّاه محسناً، وجعلوا يقودون أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى المسجد حتّى أوقفوه بين يدي أبي بكر، فلحقته فاطمة (عليها السّلام) إلى المسجد لتخلّصه، فلم تتمكّن من ذلك.

فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة ونحيب، وهي تقول:

نفسي على زفراتها محبوسة***ياليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنّما***أبكي مخافة أن تطول حياتي

ثمّ قالت: وا أسفاه عليك يا أبتاه، واثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن، وأبو سبطيك الحسن والحسين، ومن ربّيته صغيراً، وآخيته كبيراً، وأجلّ أحبّائك لديك وأحبّ أصحابك عليك، أوّلهم سبقاً إلى الإسلام، ومهاجرةً إليك يا خير الأنام،

فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.

ثمّ إنّها أنّت أنّةً وقالت:

وا محمداه، وا حبيباه، وا أباه، وا أبا القاسماه، وا أحمداه، وا قلّة ناصراه، وا غوثاه، وا طول كربتاه، وا حزناه، وا مصيبتاه، وا سوء صباحاه،

وخرّت مغشيّةً عليها، فضجّ النّاس بالبكاء والنحيب، وصار المسجد مأتماً ثمّ إنّهم أوقفوا أمير المؤمنين (عليه السّلام) بين يدي أبي بكر، وقالوا له:

مدّ يدك فبايع، فقال: - والله – ﻻ أُبايع، والبيعة لي في رقابكم.

فروي عن عديّ بن حاتم أنّه قال – والله – ما رحمت أحداً قطّ رحمتي عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) حين أُتي به ملبّباً بثوبه، يقودونه إلى أبي بكر، وقالوا: بايع.

قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: نضرب الّذي فيه عيناك.

قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: اللهمّ إنّي أُشهدك أنّهم أتوا أن يقتلوني، فإنّي عبد الله وأخو رسول الله، فقالوا له: مدّ يدك فبايع، فأبى عليهم، فمدّوا يده كرهاً.

فقبض عليّ (عليه السّلام) أنامله، فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا، فمسح عليها أبوبكر، وهي مضمومة، وهو (عليه السّلام) يقول وينظر إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله):

يـ (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي)(27).

قال الراوي: إنّ عليّاً (عليه السّلام) خاطب أبابكر بهذين البيتين:

فإن كنت بالشورى ملكت امورهم***فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم***فغيرك أولى بالنبيّ وأقرب

وكان (عليه السّلام) كثيراً ما يقول: واعجباه! تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكون بالقرابة والصحابة؟!

 

 

ماذا لقينا بعدك؟(28)

وخرج عليّ (عليه السّلام) يحمل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر، ما عدلنا به. فيقول عليّ (عليه السّلام): أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته لم أدفنه، وأخرج أُنازع النّاس سلطانه؟! فقالت فاطمة:

ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.

قال: وإنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ (عليه السّلام)، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب، وقال: والّذي نفس عمر بيده، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها.

فقيل له: يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة؟ فقال: وإن!!

فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّاً، فإنّه زعم أنّه قال: حلفت أن ﻻ أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتّى أجمع القرآن.

فوقفت فاطمة (عليها السّلام) على بابها، فقالت: ﻻ عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردّوا لنا حقّاً، فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة؟

فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي عليّاً.

قال: فذهب إلى عليّ فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله.

فقال عليّ: لسريع ما كذبتم على رسول الله، فرجع فأبلغ الرسالة.

قال: فبكى أبو بكر طويلاً، فقال عمر الثانية: ﻻ تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة.

فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ، فأدّى ما أمر به، فرفع عليّ صوته، فقال: سبحان الله! لقد ادّعى ما ليس له.

فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلاً، ثمّ قام عمر، فمشى معه جماعة، حتّى أتوا باب فاطمة، فدقّوا الباب، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبة يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة.

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليّاً، فمضوا به إلى أبي بكر.

فقالوا له: بايع. فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذاً – والله الّذي ﻻ إله إلاّ هو – نضرب عنقك.

فقال: إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت ﻻ يتكلّم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟

فقال: ﻻ أُكرهه على شيءٍ ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق عليّ بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصيح ويبكي، وينادي: يـ (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي)(29).

فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنّا قد أغضبناها.

فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلّماه، فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها، حوّلت وجهها إلى الحائط.

فسلّما عليها، فلم تردّ عليهما السلام...

فقالت: أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعرفانه وتفعلان به؟

قالا: نعم. فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني)؟

قالا: نعم، سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قالت: فإنّي اشهد الله وملائكته، أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبيّ لأشكونّكما إليه. فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثمّ انتحب أبو بكر يبكي، حتّى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول:

والله، لأدعونّ الله عليك في كلّ صلاة أُصلّيها، ثمّ خرج باكياً، فاجتمع إليه النّاس، فقال لهم: يبيت كلّ رجل منكم معانقاً حليلته، مسروراً بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، ﻻ حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي... .

 

 

أجئت لتحرق دارنا؟(30)

الّذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر: عليّ (عليه السّلام) والعبّاس والزبير وسعد بن عبادة، فأمّا عليّ (عليه السّلام) والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة (عليها السّلام) حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار؛ فلقيته فاطمة فقالت:

يابن الخطّاب، أجئت لتحرق دارنا؟!. قال: نعم... .

 

 

أما تتّقي الله؟(31)

كنت عند عبد الله بن عبّاس في بيته، ومعنا جماعة من شيعة عليّ (عليه السّلام) فحدّثنا، فكان فيما حدّثنا أن قال:... فوثب عمر غضبان، فنادى خالد بن الوليد وقنفذاً، فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً، ثمّ أقبل حتّى انتهى إلى باب عليّ وفاطمة (عليهما السّلام)؛ وفاطمة قاعدة خلف الباب قد عصّبت رأسها، ونحل جسمها في وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأقبل عمر حتّى ضرب الباب، ثمّ نادى: يابن أبي طالب، [افتح الباب]؛ فقالت فاطمة (عليها السّلام):

يا عمر، مالنا ولك ﻻ تدعنا وما نحن فيه؟

قال: افتحي الباب وإلاّ أحرقناه عليكم!

فقالت: يا عمر، أما تتّقي الله عزّ وجل تدخل على بيتي، وتهجم على داري؟

فأبى أن ينصرف، ثمّ دعا عمر بالنّار، فأضرمها في الباب، فأحرق الباب.

ثمّ دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة (عليها السّلام) وصاحت: يا أبتاه، يا رسول الله!

فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها... .

 

 

ﻻ حباً ولا كرامة(32)

من رسالة كتبها عمر إلى معاوية حين ولاّه الشام جاء فيها: علمنا أنّ عليّاً يحمل فاطمة والحسن والحسين إلى دور المهاجرين والأنصار ويذكّرهم بيعته علينا في أربع مواطن، ويستنفرهم، فيعدونه النصرة ليلاً، ويقعدون عنه نهاراً، فأتيت داره مستشيراً لإخراجه منها، فقالت الأمة فضّة، وقد قلت لها: قولي لعليّ يخرج إلى بيعة أبي بكر، فقد اجتمع عليه المسلمون. فقالت: إنّ أمير المؤمنين عليّاً مشغول؛ فقلت: خلّي عنك هذا، وقولي له، يخرج، وإلاّ دخلنا عليه وأخرجناه كرهاً. فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب، فقالت:

أيّها الضالّون المكذّبون، ماذا تقولون؟ وأيّ شيء تريدون؟

فقلت: يا فاطمة، فقالت فاطمة: ما تشاء يا عمر؟

فقلت: مابال ابن عمّك قد أوردك للجواب، وجلس من وراء الحجاب؟

فقالت لي: طغيانك يا شقيّ! أخرجني، وألزمك الحجّة وكلّ ضالّ غويّ.

فقلت: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء، وقولي لعليّ يخرج،

فقالت: لاحباً ولا كرامة،

أبحزب الشيطان تخوّفني يا عمر؟! وكان حزب الشيطان ضعيفاً.

فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها ناراً على أهل هذا البيت، وأحرق من فيه، أو يُقاد عليّ إلى البيعة، وأخذت سوط قنفذ فضربتها، وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا، هلمّوا في جمع الحطب، فقلت: إنّي مضرمها،

فقالت: يا عدوّ الله، وعدوّ رسوله، وعدوّ أمير المؤمنين!

فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه، فرمته، فتصعّب عليّ، فضربت كفّيها بالسوط، فآلمها، فسمعت لها زفيراً وبكاءً، فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب،

فذكرت أحقاد عليّ وولوغه في دماء صناديد العرب، وكيد محمد وسحره،

فركلت الباب، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه،

وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها،

وقالت: يا أبتاه! يا رسول الله! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك؟! آه يافضّة، إليك فخذيني، فقد قتل – والله – ما في أحشائي من حمل،

وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار، فدفعت الباب ودخلت... .

 

 

إنهما ظلماني(33)

انّه لما غصبوا فاطمة فدكاً طالبتهم به وأقامت عليه شهوداً فردّوا شهودها. فقامت مغضبة وقالت:

اللّهمّ إنهما ظلما ابنة محمد نبيّك حقّها، فاشدد وطأتك عليهما.

ثمّ خرجت وحملها عليّ على أتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعين صباحاً في بيوت المهاجرين والأنصار، والحسن والحسين (عليها السّلام) معها وهي تقول:

يا معشر المهاجرين والأنصار، انصروا الله فإنّي ابنة نبيّكم، وقد بايعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بايعتموه أن تمنعوه وذرّيته ممّا تمنعون منه أنفسكم وذراريكم.

ففوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ببيعتكم، قال: فما أعانها أحد، ولا أجابها ولا نصرها.

قال: فانتهت إلى معاذ بن جبل، فقالت: يا معاذ بن جبل، إنّي قد جئتك مستنصرة وقد بايعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن تنصره وذرّيّته، وتمنعه ممّا تمنع منه نفسك وذرّيّتك.

وإنّ أبا بكر فد غصبني على فدك، وأخرج وكيلي منها.

قال: فمعي غيري؟

قالت: ﻻ، ما أجابني أحد، قال: فأين أبلغ أنا من نصرتك؟

قال: فخرجت من عنده ودخل ابنه، فقال: ماجاء بابنة محمد إليك؟

قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنّه أخذ منها فدكاً.

قال: فما أجبتها به؟ قال: قلت: وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي؟

قال: فأبيت أن تنصرها؟

قال: نعم، قال: فأيّ شيء قالت لك؟ قال:

قالت لي: - والله – لأنازعنّك الفصيح(34) من رأسي حتّى أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال: فقال: أنا – والله – لأنازعنّك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ لم تجب ابنة محمد (صلى الله عليه وآله).

قال: وخرجت فاطمة (عليها السّلام) من عنده وهي تقول:

- والله – ﻻ أكلّمك كلمة حتّى أجتمع أنا وأنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ انصرفت...

 

فاطمة (عليها السّلام) تشكو أعداءها(35)

ثمّ تبتدئ فاطمة (عليها السّلام) بشكوى مانالها من أبي بكر وعمر من أخذ فدك منها، ومشيها إليهم في مجمع الأنصار والمهاجرين، وخطابها إلى أبي بكر في أمر فدك، وما ردّ عليها من قوله: إنّ الأنبياء ﻻ وارث لهم وإحتجاجها عليه – إلى أن قال - وتقصّ عليه قصّة أبي بكر، وإنفاذ خالد بن الوليد وقنفذ وعمر جميعاً لإخراج أمير المؤمنين (عليه السّلام) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة، واشتغال أمير المؤمنين، وضمّ أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعزيتهنّ، وجمع القرآن وتأليفه، وإنجاز عداته، وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تالده وطارفه، وقضاها عنه. وقول عمر له: اخرج يا عليّ، إلى ما أجمع عليه المسلمون من البيعة لأمر أبي بكر، فما لك أن تخرج عمّا اجتمعنا عليه؛ فإن لم تفعل قتلناك. وقول فضّة جارية فاطمة (عليها السّلام): إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) عنكم مشغول، والحقّ له لو أنصفتموه واتّقيتم الله ورسوله؛ وسبّ عمر لها، وجمع الحطب الجزل على النّار، لإحراق أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب ورقيّة وأمّ كلثوم (عليهم السلام) وفضّة وإضرامهم النّار على الباب. وخروج فاطمة (عليها السّلام)، وخطابها لهم من وراء الباب، وقولها:

ويحك يا عمر، ما هذه الجرأة على الله ورسوله؟

تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه، وتطفئ نور الله والله متمّ نوره؟!

وانتهاره لها، وقوله:

كفّي يا فاطمة، فلو أنّ محمداً حاضر، والملائكة تأتيه بالأمر والنهي والوحي من الله، و ما عليّ إلاّ كأحد المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه إلى بيعة أبي بكر، وإلاّ أحرقكم بالنّار جميعاً، وقولها له:

ياشقيّ عديّ، هذا رسول الله لم يبلّ له جبين في قبره، ولا مسّ الثرى أكفانه.

ثمّ قالت وهي باكية: اللهمّ إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك، وارتداد أُمّته، ومنعهم إيّانا حقّنا، الّذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك بلسانه... .

 

 

أحكم بيني وبينهم(36)

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة، معها ثياب مصبوغة بالدم فتتعلّق بقائمة من قوائم العرش فتقول:

يا عدل، احكم بيني وبين قاتل ولدي.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فيحكم [الله تعالى] لإبنتي، وربّ الكعبة.

وإنّ الله عزّ وجل يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.

 

 

أعداء أهل البيت في القيامة(37)

يابن رسول الله، إنّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم، فقال له الصادق (عليه السّلام): ولا كيوم محنتنا بكربلاء وإن كان يوم السقيفة، وإحراق النّار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأُمّ كلثوم (عليهم السلام) وفضّة، وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمرّ، لأنّه أصل يوم العذاب. وقال (عليه السّلام): ويأتي محسن مخضّباً محمولاً تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة ابنة أسد أُمّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) وهما جدّتاه، وأُمّ هاني وجمانة عمّتاه، ابنتا أبي طالب، وأسماء ابنة عميس الخثعميّة صارخات، أيديهنّ على خدودهنّ، ونواصيهنّ منشّره، والملائكة تسترهنّ بأجنحتهنّ؛ وفاطمة أُمّه تبكي وتصيح وتقول:

هذا يومكم الّذي كنتم توعدون.

وجبرئيل يصيح – يعني محسناً – ويقول: إنّي مظلوم فانتصر.

فيأخذ رسول الله محسناً على يديه رافعاً له إلى السماء وهو يقول:

إلهي وسيّدي صبرنا في الدنيا احتساباً، وهذا اليوم الّذي (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)(38).

 

 

إنها افتخرت على أمي(39)

ودخل النبي (صلى الله عليه وآله) على فاطمة، فرآها منزعجة، فقال لها: ما بك؟ فقالت:

الحميراء افتخرت على أُمّي أنّها لم تعرف رجلاً قبلك، وأنّ أمّي عرفتها مسنّة. فقال (صلى الله عليه وآله): إنّ بطن أُمّك كان للإمامة وعاءً.

 

 

مع غاصبي فدك(40)

ومن كراماتها على الله: أنّها لمّا منعت حقّها، أخذت بعضادة حجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقالت:

ليست ناقة صالح عند الله بأعظم منّي.

ثمّ رجعت جنب قناعها إلى السماء، وهمّت أن تدعو، فارتفعت جدران المسجد عن الأرض، وتدل العذاب، فجاء أمير المؤمنين (عليه السّلام) فمسك يدها وقال:

يا بقيّة النبوّة، وشمس الرسالة، ومعدن العصمة والحكمة! إنّ أباك كان رحمة للعالمين، فلا تكوني عليهم نقمة، أقسم عليك بالرؤف الرحيم، فعادت إلى مصلاّها.

 

 

مع قتلة الإمام الحسين (عليه السّلام)(41)

إنّ رجلاً كان بلا أيد ولا أرجل، وهو يقول: ربّ نجّني من النّار. فقيل له: لم تبق لك عقوبة ومع ذلك تسأل النجاة من النّار. قال: كنت فيمن قتل الحسين (عليه السّلام) بكربلاء، فلمّا قتل، رأيت عليه سراويل وتكّة حسنة بعد ما سلبه النّاس، وأردت أن أنزع منه التكّة، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكّة، فلم أقدر على دفعها، فقطعت يمينه ثمّ هممت أن آخذ التكّة، فرفع شماله، فوضعها على تكّته، فقطعت يساره، ثمّ هممت بنزع التكّة من السراويل، فسمعت زلزلة، فخفت وتركته، فألقى الله عليّ النوم، فنمت بين القتلى، فرأيت كأنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) أقبل ومعه عليّ وفاطمة (عليهما السّلام)، فأخذوا رأس الحسين (عليه السّلام)، فقبّلته فاطمة (عليها السّلام)، ثمّ قالت:

يا ولدي قتلوك قتلهم الله، من فعل هذا بك؟ فكان يقول: قتلني شمر، وقطع يدي هذا النائم وأشار إليّ.

فقالت فاطمة (عليها السّلام) لي: قطع الله يديك ورجليك، وأعمى بصرك، وأدخلك النّار، فانتبهت، وأنا ﻻ أبصر شيئاً، وسقطت منّي يداي ورجلاي، ولم يبق من دعائها إلاّ النّار.

 

 

اشتد غضب الله(42)

إنّه لمّا انتهت فاطمة (عليها السّلام) وصفيّة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونظرتا إليه، قال لعليّ (عليه السّلام): أمّا عمّتي فاحبسها عنّي، وأمّا فاطمة فدعها.

فلمّا دنت فاطمة (عليها السّلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورأته قد شجّ في وجهه، وأدمي فاه إدماءً، صاحت وجعلت تمسح الدم، وتقول:

اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وكان يتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يسيل من الدم فيرميه في الهواء، فلا يتراجع منه شيء. قال الصادق (عليه السّلام): - والله – لو سقط منه شيء على الأرض، لنزل العذاب.

 

 

الويل لمن دخل النّار(43)

إنّه لمّا نزلت هذه الآية، على النبيّ (صلى الله عليه وآله): (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)(44). بكى النبيّ (صلى الله عليه وآله) بكاءً شديداً وبكت صحابته لبكائه، ولم يدروا ما نزل به جرئيل (عليه السّلام)، ولم يستطع أحد من صحابته أن يكلّمه. وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا رأى فاطمة (عليها السّلام) فرح بها، فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها، فوجد بين يديها شعيراً، وهي تطحن فيه وتقول: (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى)(45)، فسلّم عليها، وأخبرها بخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبكائه. فنهضت والتفّت بشملة لها وخلقة قد خيطت [في] اثني عشر مكاناً بسعف النخل، فلمّا خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة فبكى، وقال: واحزناه إنّ بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير، وابنة محمد (صلى الله عليه وآله) عليها شملة صوف خلقة، قد خيطت في اثني عشر مكاناً. فلمّا دخلت فاطمة (عليها السّلام) على النبيّ (صلى الله عليه وآله) قالت:

يا رسول الله، إنّ سلمان تعجّب من لباسي، فو الّذي بعثك بالحقّ مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإنّ مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله).

يا سلمان، إنّ ابنتي لفي الخيل السوابق، ثمّ قالت: يا أبة فديتك ما الّذي أبكاك؟

فذكر لها ما نزل به جبرئيل من الآيتين المتقدّمتين قال:

فسقطت فاطمة (عليها السّلام) على وجهها وهي تقول: الويل ثمّ الويل لمن دخل النّار...

 

1 ـ الإحتجاج 1/113-114: روي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال:...

2 ـ الإحتجاج 1/105:...

3 ـ أصول الكافي 1/460، ح 5: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر، وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا:...

4 ـ روضة الكافي 237 – 238، ح 320: الحسين بن محمد الأشعري، عن المعلّى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان بن عثمان،...

5 ـ مناقب ابن شهر آشوب 2/208:...

6 ـ مناقب ابن شهر آشوب 2/205:...

7 ـ الإحتجاج 1/146-149: قال سويد بن غفلة:...

8 ـ الأعراف: 96.

9 ـ الزمر: 51.

10 ـ الحج: 13.

11 ـ الكهف: 50.

12 ـ يونس: 35.

13 ـ بحار الأنوار 43/175-178، ضمن ح 15:...

14 ـ كتاب سليم بن قيس 211 – 212 ضمن ح 52:...

15 ـ روضة الكافي 375 – 376، ح 564: حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان،...

16 ـ أي: إلى إسطوانة وكانت هذه المطالبة والشكاية، عند إخراج أمير المؤمنين (عليه السّلام) للبيعة أو عند غصب فدك.

17 ـ علل الشرائع 1/186-187، ب 149، ضمن ح 2:...

18 ـ بحار الأنوار 43/218، ضمن ح 49، عن مصباح الأنوار، عن ابن عباس قال:...

19 ـ بحار الأنوار 43/218 ضمن ح 49، عن مصباح الأنوار: عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) قال:...

20 ـ كتاب سليم بن قيس 3/583: في حديث طويل – قال:...

21 ـ بحار الأنوار 28/339 ضمن حديث 59 عن نهج الحقّ، وكشف الصدق،...

22 ـ عوالم سيّدة النساء 2/560 عن تفسير العيّاشي: عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن جدّه:...

23 ـ الأعراف: 150.

24 ـ الأنفال: 65.

25 ـ اليقين في أصول الدين للكاشاني ص 686 قال – في حديث:،...

26 ـ الشورى: 23.

27 ـ الأعراف: 150.

28 ـ الإمامة والسياسة لإبن قتيبة الدينوري 1/12 قال:...

29 ـ الأعراف: 150.

30 ـ العقد الفريد 5/12 قال:...

31 ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي 2/662: أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، قال:

32 ـ عوالم سيّدة النساء 2/599 عن بحار الأنوار:...

33 ـ عوالم سيّدة النساء 2/647 عن الاختصاص:...

34 ـ أي لانازعك بما يفصح عن المراد، أي بكلمة من رأسي، فإنّ محل الكلام في الرأس، والمراد بالفصيح: اللسان.

35 ـ الهداية الكبرى 405: قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدّثني محمد بن إسماعيل، وعليّ بن عبد الله الحسنيّان، عن أبي شعيب محمد بن نصير، عن ابن الفرات، عن محمد بن المفضّل [عن المفضّل بن عمر]، قال: سألت سيّدي أبا عبد الله الصّادق (عليه السّلام)، قال – في حديث:...

36 ـ بحار الأنوار 43/220 ح 3: عن عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا (عليه السّلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال:...

37 ـ عوالم سيّدة النساء 2/1185: عن نوائب الدهور في حديث قال:...

38 ـ آل عمران: 30.

39 ـ بحار الأنوار 43/43 عن المناقب لابن شهر آشوب:...

40 ـ مشارق أنوار اليقين 86:...

41 ـ عوالم سيّدة النساء 1/240 عن دار السلام: عن بعض كتب المناقب المعتبرة مرسلاً:....

42 ـ بحار الأنوار 20/95 عن كتاب أبان بن عثمان:...

43 ـ بحار الأنوار 43/87 ح 9 عن الدروع الواقية: من كتاب (زهد النبي (صلى الله عليه وآله)) لأبي جعفر أحمد القمّي:...

44 ـ الحجر: 43 و 44.

45 ـ القصص: 60، والشورى: 36.