متفرقات
في يوم الشهادة(1) ابن أبي رافع، عن أبيه، عن أُمّه سلمى قال: اشتكت فاطمة (عليها السّلام) بعد ما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) بستة أشهر قالت: فكنت أُمرّضها. فقالت لي ذات يوم: اسكبي لي غسلاً. قالت: فسكبت لها غسلاً فقامت فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل. ثم قالت: يا سلمى هلمّي ثيابي الجدد، فأتيتها بها فلبستها ثم جاءت إلى مكانها الذي كانت تصلي فيه. فقالت: قرّبي فراشي إلى وسط البيت، ففعلت فاضطجعت عليه ووضعت يدها اليمنى تحت خدّها واستقبلت القبلة، وقالت: يا سلمى إنّي مقبوضة الآن. قالت: وكان علي (عليه السّلام) يرى ذلك من صنيعها فلما سمعها تقول: إنّي مقبوضة الآن، استبقت عيناه بالدموع. فقالت: يا أبا الحسن اصبر! فإن الله مع الصابرين، الله خليفتي عليك، وضمّت حسناً وحسيناً اليها. قالت سلمى: فكأنها كانت نائمة، قبضت صلوات الله عليها فأخذ علي (عليه السّلام) في شأنها وأخرجها فدفنها ليلاً.
عليكم بالدعاء(2) قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم فإنّ فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) لما قبض أبوها (صلى الله عليه وآله) ساعدتها جميع بنات بني هاشم فقالت: دعوا التعداد وعليكم بالدعاء.
أين أبوكما؟(3) وروي أنّها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهّدة(4) الركن، باكية العين، محترقة القلب، يُغشى عليها ساعة بعد ساعة؛ وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة؟ أين أبوكما الذي أشدّ النّاس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً، ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما...
اصنعي لي مثله(5) أوّل نعش أُحدث في الإسلام نعش فاطمة (عليها السّلام)، إنّها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها وقالت لأسماء: إنّي نحلت، وذهب لحمي، ألا تجعلين لي شيئاً يسترني؟ قالت أسماء: إنّي إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً، أفلا أصنع لك؟ فإن أعجبك أصنع لك، قالت: نعم، فدعت بسرير فأكبّته لوجهه، ثمّ دعت بجرائد فشدّدته على قوائمه، ثمّ جلّلته ثوباً، فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون. فقالت: اصنعي لي مثله، استريني سترك الله من النّار.
أرني قميص أبي (صلى الله عليه وآله)(6) عن علي (عليه السّلام) قال: غسّلت النبيّ (صلى الله عليه وآله) في قميصه، فكانت فاطمة (عليها السّلام) تقول: أرني القميص، فإذا شمّته غشي عليها، فلمّا رأيت ذلك غيّبته.
أين مؤذّن أبي (صلى الله عليه وآله)؟(7) لمّا قبض النبيّ (صلى الله عليه وآله) امتنع بلال من الأذان، قال: ﻻ أُؤذّن لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنّ فاطمة (عليها السّلام) قالت ذات يوم: إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي (صلى الله عليه وآله) بالأذان. فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان. فلمّا قال: الله أكبر، الله أكبر، ذكرت أباها وأيّامه، فلم تتمالك من البكاء. فلمّا بلغ إلى قوله: أشهد أنّ محمداً رسول الله، شهقت فاطمة (عليها السّلام) وسقطت لوجهها، وغشي عليها، فقال النّاس لبلال: أمسك يا بلال، فقد فارقت ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدنيا، وظنّوا أنّها قد ماتت، فقطع أذانه ولم يتمّه. فأفاقت فاطمة (عليها السّلام) وسألته أن يتمّ الأذان، فلم يفعل، وقال لها: يا سيّدة النسوان، إنّي أخشى عليك ممّا تنزلينه بنفسك، إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك.
ضحك وبكاء(8) ما رأيت من النّاس أحد أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة. كانت إذا دخلت عليه رحّب بها، وقبّل يديها، وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به وقبّلت يديه. ودخلت عليه في مرضه فسارّها، فبكت، ثمّ سارّها فضحكت... فسألتها، فقالت: إنّي [إذاً] لبذرة(9)، فلمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سألتها فقالت: إنّه أخبرني أنّه يموت فبكيت، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به فضحكت.
أين أُمّي؟(10) إنّ خديجة لمّا توفّيت، جعلت فاطمة تلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وتدور حوله وتسأله: يا رسول الله! أين أُمّي؟. فجعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ﻻ يجيبها. فجعلت تدور على من تسأله، ورسول الله ﻻ يدري ما يقول. فنزل جبرئيل فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها: إنّ أُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده من ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران. فقالت فاطمة: إنّ الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام.
أبكي على أولادك الأُسارى(11) رأيت رجلاً بمكّة شديد السواد له بدن وخلق غابر، وهو ينادي: أيّها النّاس، دلّوني على أولاد محمد، فأشار [إليه] بعضهم، وقال: مالك؟ قال: أنا فلان بن فلان. قالوا: كذبت إنّ فلاناً كان صحيح البدن صبيح الوجه، وأنت شديد السواد، غابر الخلق. قال: وحقّ محمد إنّي لفلان، اسمعوا حديثي – إلى أن قال: - فصرت بين القتلى، وغاب عنّي عقلي من شدّة الجزع. فإذا رجل يقدمهم – كأنّ وجهه الشمس – وهو ينادي: أنا محمد رسول الله، والثاني ينادي: أنا حمزة أسد الله، والثالث ينادي: أنا جعفر الطيّار، والرابع ينادي: أنا الحسن بن عليّ. وأقبلت فاطمة وهي تبكي وتقول: حبيبي، وقرّة عيني، ءأبكي على رأسك المقطوع، أم على يديك المقطوعتين، أم على بدنك المطروح، أم على أولادك الأُسارى. ثمّ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): أين رأس حبيبي وقرّة عيني الحسين؟ فرأيت الرأس في كفّ النبيّ، فوضعه على بدن الحسين، فاستوى جالساً، فاعتنقه النبيّ وبكى – فذكر الحديث إلى أن قال -: فمن قطع أصابعك، فقال الحسين (عليه السّلام): هذا الّذي يختبئ يا جدّاه – إلى أن قال -: فقال: يا عدوّ الله! ما حملك على قطع أصابع حبيبي وقرّة عيني الحسين – إلى أن قال -: ثمّ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): اخسأ يا عدوّ الله! غيّر الله لونك، فقمت، فإذا أنا بهذه الحالة.
ﻻ عذر لأحد(12) لمّا منعت فدك وخاطبت الأنصار، فقالوا: يا بنت محمد، لو سمعنا هذا الكلام قبل بيعتنا لأبي بكر، ما عدلنا بعليّ أحداً. فقالت: وهل ترك أبي يوم غدير خمّ لأحد عذراً؟!
أول شهادة زور(13) يا أبا بكر، ادّعيت أنّك خليفة أبي وجلست مجلسه، وأنّك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك، وقد تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدّق بها عليّ، وأنّ لي بذلك شهوداً... . فقال أبو بكر: فإنّ عائشة تشهد وعمر أنّهما سمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: إنّ النبيّ ﻻ يورّث، فقالت (عليها السّلام): هذه أوّل شهادة زور شهدا بها في الإسلام.
ما أسرع ما خنتم!(14) ويلكم، ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا، فقال الله: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(15).
|
1 ـ بحار الأنوار 81/245-246 ح 31: عن مصباح الأنوار:... 2 ـ الخصال 2/618 ضمن ح 10: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) قال:... 3 ـ بحار الأنوار 43/181 ضمن حديث 16 عن المناقب لابن شهر آشوب:... 4 ـ إنهدّ الجبل أو البيت: انكسر وانحطّ. 5 ـ بحار الأنوار ج 43 ص 212 ح 43 عن التهذيب: سلمة بن الخطّاب، عن أحمد بن يحيى بن زكرّيّا، عن أبيه، عن حميد بن المثنّى، عن أبي عبد الرحمان الحذّاء، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال:... 6 ـ بحار الأنوار 43/157 ح 6 من بعض كتب المناقب: عن سعد بن عبد الله الهمداني، عن سليمان بن إبراهيم، عن أحمد بن موسى بن مردويه، عن جعفر بن محمد بن مروان، عن أبيه، عن سعيد بن محمد الجرمي، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن حبّة؛ 7 ـ من ﻻ يحضره الفقيه 1/297، ح 907:.... 8 ـ بحار الأنوار 43/25 عن أمالي الطوسي: ابن حمويه، عن أبي الحسين، عن أبي خليفة، عن العبّاس بن الفضل، عن عثمان بن عمر، عن إسرائيل، عن ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمر، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت. 9 ـ البذرة: الّذي يفشي السرّ. 10 ـ الخرائج والجرائح ص 529 ح 4، روي أنّ أبا عبد الله (عليه السّلام) قال:... 11 ـ مدينة المعاجز 239: روي عن يوسف بن يحيى، عن أبيه، عن جدّه، قال:... 12 ـ الخصال 173: قالت سيّدة النسوان فاطمة (عليها السّلام):... 13 ـ عوالم سيّد النساء 2/885 عن الإختصاص:... إنّ فاطمة (عليها السّلام) قالت:... 14 ـ علم اليقين للكاشاني 686: ـ في حديث ـ قالت (فاطمة) (عليها السّلام):... 15 ـ الشورى: 23. |
![]() |