قرار المواجهة السلمية ودور الزهراء (عليها السلام) :

انتهى الإمام إلى قرار حاسم وهو ترك الثورة وعدم التسلّح بالنصوص في وجه الحاكمين جهاراً وعلانية إلاّ إذا اطمأن إلى قدرته على تجنيد الرأي العام ضدّ أبي بكر وصاحبيه، وهذا ما أخذ يحاوله عليّ في محنته آنذاك، فبدأ يطوف[1] سِرّاً على زعماء المسلمين ورجالات المدينة ، يعظهم ويذكّرهم ببراهين الحقّ وآياته ، وإلى جانبه قرينته تعزّز موقفه وتشاركه في جهاده السرّي، ولم يكن يقصد بذلك التطواف إنشاء حزب يتهيّأ له القتال به، لأنّنا نعرف أنّ عليّاً كان له حزب من الأنصار هتف باسمه ، وحاول الالتفاف حوله،وإنّما أراد أن يمهّد بتلك المقابلات لإجماع الناس عليه.

وهنا تجيء مسألة فدك لتحتلّ الصدارة في السياسة العلوية الجديدة، فإنّ الدور الفاطمي الذي رسم هارون النبوّة خطوطه بإتقان كان متّفقاً مع ذلك التطواف الليلي في فلسفته وجديراً بأن يقلب الموقف على الخليفة وينهي خلافة الصدِّيق كما تنُهى القصة التمثيلية ، لا كما يقوّضُ حكمٌ مركّزٌ على القوّة والعدّة.

وكان الدور الفاطمي يتلخّص في أن تطالب الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) أبا بكر بما انتزعه منها من أموال، وتجعل هذه المطالبة وسيلةً للمناقشة في المسألة الأساسية وهي مسألة الخلافة، وإفهام الناس بأنّ اللحظة التي عدلوا فيها عن عليّ (عليه السلام) إلى أبي بكر كانت لحظة هوس وشذوذ[2]، وأنّهم بذلك أخطأوا وخالفوا كتاب ربّهم ووردوا غير شربهم[3].

ولمّا اختمرت الفكرة في ذهن فاطمة، اندفعت لتصحّح أوضاع الساعة، وتمسح عن الحكم الإسلامي ـ الذي وضعت قاعدته الاُولى في السقيفة ـ الوحل الذي تلطّخ به، عن طريق اتّهام الخليفة الحاكم بالخيانة السافرة والعبث بكرامة القانون، واتّهام نتائج المعركة الانتخابية التي خرج منها أبو بكر خليفةً بمخالفة الكتاب والصواب[4].

وقد توفّرت في المقابلة الفاطمية ناحيتان لاتتهيَّئان للإمام فيما لو وقف موقف قرينته:

إحداهما : إنّ الزهراء أقدر منه بظروف فجيعتها الخاصّة ومكانتها من أبيها ، على استثارة العواطف ، وإيصال المسلمين بسلك من كهرباء الروح بأبيها العظيم صلوات الله عليه وأيّامه الغرّاء، وتجنيد مشاعرهم لقضايا أهل البيت .

والاُخرى : إنّها مهما تتّخذ لمنازعتها من أشكال فلن تكتسب لون الحرب المسلّحة التي تتطلّب زعيماً يهيمن عليها ما دامت امرأة، وما دام هارون النبوّة في بيته محتفظاً بالهدنة التي أعلنها حتّى تجتمع الناس عليه، ومراقباً للموقف ليتدخّل فيه متى شاء ، متزعّماً للثورة إذا بلغت حدّها الأعلى أو مهدّئاً للفتنة إذا لم يتهيّأ له الظرف الذي يريده ، فالحوراء فاطمة (عليها السلام) بمقاومتها إمّا أن تحقّق انتقاضاً إجماعياً على الخليفة، وإمّا أن لا تخرج عن دائرة الجدال والنزاع ولا تجرّ إلى فتنة وانشقاق .

إذن فقد أراد الإمام صلوات الله عليه أن يُسْمِع الناس يومئذ صوته من فم الزهراء، ويبقى هو بعيداً عن ميدان المعركة ينتظر اللحظة المناسبة للاستفادة منها ، والفرصة التي تجعل منه رجل الموقف ، وأراد أيضاً أن يقدّم لاُمّة القرآن كلّها في المقابلة الفاطمية برهاناً على بطلان الخلافة القائمة، وقد تمّ للإمام ما أراد حيث عبّرت الزهراء صلوات الله عليها عن الحقّ العلويّ تعبيراً واضحاً فيه ألوان من الجمال والنضال .

وتتلخّص المعارضة الفاطمية في عدّة مظاهر :

الأوّل : إرسالها مَن ينازع أبا بكر في مسائل الميراث ويطالب بحقوقها[5] وهذه هي الخطوة الاُولى التي انتهجتها الزهراء صلوات الله عليها تمهيداً لمباشرتها للعمل بنفسها .

الثاني : مواجهتها بنفسها له في اجتماع خاصّ[6] وقد أرادت بتلك المقابلة أن تشتدّ في طلب حقوقها من الخمس وفدك وغيرهما، لتعرف مدى استعداد الخليفة للمقاومة .

الثالث : خطبتها في المسجد بعد عشرة أيام من وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) كما في شرح النهج[7] .

الرابع : حديثها مع أبي بكر وعمر حينما زاراها بقصد الاعتذار منها، وإعلانها غضبها عليهما، وأنّهما أغضبا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) بذلك[8].

الخامس : خطابها الذي ألقته على نساء المهاجرين والأنصار حين اجتماعهنّ عندها[9] .

السادس : وصيّتها بأن لا يحضر تجهيزها ودفنها أحد من خصومها[10] وكانت هذه الوصية الإعلان الأخير من الزهراء عن نقمتها على الخلافة القائمة.

وقد انحسرت الحركة الفاطمية بمعنىً ونجحت بمعنىً آخر ، انحسرت لأنّها لم تُطِح بحكومة الخليفة في زحفها الأخير الخطير الذي قامت به في اليوم العاشر من وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) .

ولا نستطيع أن نتبيّن الاُمور التي جعلت الزهراء تخسر المعركة ، غير أنّ الأمر الذي لا ريب فيه أنّ شخصيّة الخليفة من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى فشلها، لأنّه من أصحاب المواهب السياسية ، وقد عالج الموقف بلباقة ملحوظة نجد لها مثالاً، فيما أجاب به الزهراء من كلام وجّهه إلى الأنصار في خطاب بعد انتهائها من خطبتها في المسجد .

فبينما هو يذوب رقّة في جوابه للزهراء وإذا به يطوي نفسه على نار متأجّجة تندلع بعد خروج فاطمة من المسجد، في أكبر الظنّ، فيقول : ما هذه الرِّعة إلى كلّ قالة إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه[11] ـ وقد نقلنا الخطاب كاملاً فيما سبق ـ فإنّ هذا الانقلاب من اللين والهدوء إلى الغضب الفائر يدلّنا على مقدار ما اُوتي من سيطرة على مشاعره وقدرته على مسايرة الظرف وتمثيل الدور المناسب في كلّ حين.

ونجحت معارضة الزهراء لأنّها جهّزت الحقّ بقوّة قاهرة، وأضافت إلى طاقته على الخلود في ميدان النضال المذهبي طاقة جديدة ، وقد سجّلت هذا النجاح في حركتها كلّها وفي محاورتها مع الصدِّيق والفاروق عند زيارتهما لها بصورة خاصّة، إذ قالت لهما : أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله  (صلى الله عليه وآله) تعرفانه وتفعلان به ؟ فقالا : نعم ، فقالت : «نشدتكما الله، ألم تسمعا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : « رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة فقد أحبّني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني »[12] قالا : نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالت : «  فإنّي اُشْهِدُ الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبيّ  (صلى الله عليه وآله) لأشكونّكما عنده »[13].

ويصوّر لنا هذا الحديث مدى اهتمامها بتركيز الاعتراض على خصمَيْها ومجاهرتهما بغضبها ونقمتها، لتخرج من المنازعة بنتيجة هي الفوز المؤكّد في حساب العقيدة والدين، وأعني بها أنّ الصدِّيق قد استحقّ غضب الله ورسوله  (صلى الله عليه وآله) بإغضابها  ، وآذاهما بأذاها لأنّهما يغضبان لغضبها ويسخطان لسخطها بنصّ الحديث النبويّ الصحيح، فلا يجوز أن يكون خليفة لله ورسوله[14]، وقد قال الله تبارك وتعالى :

(... وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤذُواْ رَسُولَ اللهِ وَلاَ أن تَنكِحُواْ أَزْواجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيماً )[15] .

( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً)[16] .

( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ )[17] .

( يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّواْ قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ )[18] .

( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هوى )[19] .

 

8 ـ الهجوم على دار الزهراء (عليها السلام) :

رفض الإمام عليّ (عليه السلام) البيعة لأبي بكر ، وأعلن سخطه على النظام الحاكم ، ليتّضح للعالم أنّ هذه الحكومة التي أعرض عنها الرجل الأول في الإسلام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تمثّل الخلافة الواقعية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكذلك فعلت الزهراء فاطمة (عليها السلام) ليعلم الناس أنّ ابنة نبيّهم ساخطة عليهم وهي تدينها فلا شرعية لهذا الحكم .

وبدأ الإمام عليّ (عليه السلام) من جانب آخر جهاداً سلبياً ضد الغاصبين للحقّ الشرعي ، ووقف مع الإمام عليّ (عليه السلام) عدد من أجلاّء الصحابة من المهاجرين والأنصار وخيارهم وممن أشاد النبيّ (صلى الله عليه وآله) بفضلهم مع إدراكهم لحقائق الاُمور مثل : العباس بن عبد المطلب ، وعمار بن ياسر ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود ، وخزيمة ذي الشهادتين ، وعبادة بن الصامت ، وحذيفة بن اليمان ، وسهل بن حنيف ، وعثمان بن حنيف ، وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم، من الذين لم تستطع أن تسيطر عليهم الغوغائية، ولم ترهبهم تهديدات الجماعة التي مسكت بزمام الخلافة وفي مقدمتهم عمر ابن الخطاب .

وقد قام عدد من الصحابة المعارضين لبيعة أبي بكر بالاحتجاج عليه، وجرت عدّة محاورات عليه في مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفي أماكن عديدة، ولم يهابوا من إرهاب السلطة مما ألهب مشاعر الكثيرين الذين أنجرفوا مع التيار، فعاد إلى بعضهم رشده وندموا على ما ظهر منهم من تسرّعهم واندفاعهم لعقد البيعة بصورة ارتجالية لأبي بكر ، بالإضافة إلى ما ظهر منهم من العداء السافر تجاه أهل بيت النبوّة .

وكانت هناك بعض العشائر المؤمنة المحيطة بالمدينة مثل: أسد ، وفزارة، وبني حنيفة وغيرهم، ممن شاهد بيعة يوم الغدير « غدير خم » التي عقدها النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين من بعده ، ولم يطل بهم المقام حتى سمعوا بالتحاق النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى والبيعة لأبي بكر وتربّعه على منصة الخلافة، فاندهشوا لهذا الحادث ورفضوا البيعة لأبي بكر[20] جملةً وتفصيلاً، وامتنعوا عن أداء الزكاة للحكومة الجديدة باعتبارها غير شرعية ، حتى ينجلي ضباب الموقف ، وكانوا على إسلامهم يقيمون الصلاة ويؤدّون جميع الشعائر .

ولكنّ السلطة الحاكمة رأت أنّ من مصلحتها أن تجعل حدّاً لمثل هؤلاء الذين يشكّلون خطراً للحكم القائم، ما دامت معارضة الإمام عليّ (عليه السلام) وصحابته تمثّل خطراً داخلياً للدولة الإسلامية، عند ذلك أحسّ أبو بكر وأنصاره بالخطر المحيط بهم وبحكمهم من خلال تصاعد المعارضة إن لم يبادروا فوراً إلى ايقاف هذا التيار المعارض ، وذلك بإجبار رأس المعارضة ( عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ) على بيعة أبي بكر .

ذكر بعض المؤرّخين[21]: أنّ عمر بن الخطّاب أتى أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة ؟ يا هذا لم تصنع شيئاً ما لم يبايعك علي ! فابعث اليه حتى يبايعك ، فبعث أبو بكر قنفذاً ، فقال قنفذ لأمير المؤمنين (عليه السلام) : أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) . قال عليّ (عليه السلام) : «لَسريع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)» فرجع فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلاً ، فقال عمر ثانيةً: لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ: عُد إليه فقل له : خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) يدعوك لتبايع، فجاءهُ قنفذ ، فأدّى ما أمر به ، فرفع عليّ(عليه السلام) صوته وقال : «سبحان الله ! لقد إدعى ما ليس له» فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلاً، فقال عمر: قم إلى الرجل ، فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة .

وظنّت فاطمة (عليها السلام) أنّه لا يدخل بيتها أحدٌ إلاّ بإذنها، فلمّا أتوا باب فاطمة (عليها السلام) ودقّوا الباب وسمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: «يا أبتِ يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة، لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بأيدينا وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا، ولم تردّوا لنا حقاً ».

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تتصدّع وأكبادهم تنفطر وبقي عمر ومعه قوم ، ودعا عمر بالحطب ونادى بأعلى صوته : والذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقنّها على من فيها، فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة ، فقال : وإن[22] .

فوقفت فاطمة (عليها السلام) خلف الباب وخاطبت القوم : «ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله؟ والله متّم نوره». فركل عمر الباب برجله فاختبأت فاطمة (عليها السلام) بين الباب والحائط رعاية للحجاب، فدخل القوم إلى داخل الدار مما سبّب عصرها سلام الله عليها، وكان ذلك سبباً في إسقاط جنينها .

وتواثبوا على أمير المؤمنين وهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه ملبّباً بثوبه يجرّونه إلى السقيفة ، فحالت فاطمة (عليها السلام) بينهم وبين بعلها وقالت : «والله لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً، ويلكم ما أسرع ما خُنتم الله ورسوله، فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسول الله(صلى الله عليه وآله) باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا»، فأمر عمر قنفذاً بضربها فضربها قنفذ بالسوط فصار بعضدها مثل الدملج[23] .

فأخرجوا الإمام (عليه السلام) يسحبونه إلى السقيفة حيث مجلس أبي بكر ، وهو ينظر يميناً وشمالاً وينادي « واحمزتاه ولا حمزة لي اليوم، واجعفراه ولا جعفر لي اليوم»!! وقد مرّوا به على قبر أخيه وابن عمّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنادى « يا ابن اُم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » .

وروي عن عدي بن حاتم أنّه قال : والله ما رحمت أحداً قطّ رحمتي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حين أُتي به ملبّباً بثوبه ، يقودونه إلى أبي بكر وقالوا له : بايع ! قال : «فإن لم أفعل فَمَه ؟ » قال له عمر : إذن والله أضرب عنقك، قال عليّ : «إذن والله تقتلون عبدالله وأخا رسوله» فقال عمر : أمّا عبدالله فنعم، وأمّا أخو رسول الله فلا، فقال : «أتجحدون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بيني وبينه ؟!» وجرى حوار شديد بين الإمام (عليه السلام) وبين الحزب الحاكم .

وعند ذلك وصلت السيّدة فاطمة (عليها السلام) وقد أخذت بيد ولديها الحسن والحسين (عليهما السلام) وما بقيت هاشمية إلاّ وخرجت معها ، يصحن ويوَلوِلن فقالت فاطمة (عليها السلام) : «خلوا عن ابن عمّي !! خلوا عن بعلي !! والله لأكشفن رأسي ولأضعنّ قميص أبي على رأسي ولأدعوَنَّ عليكم ، فما ناقة صالح بأكرم على الله منّي ، ولا فصيلها بأكرم على الله من ولدي »[24] .

وجاء في رواية العياشي أنّها قالت : يا أبا بكر، أتريد أن ترملني عن زوجي وتيتّم أولادي ؟ والله لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقّنّ جيبي ولآتينَّ قبر أبي ولأصرخنَّ إلى ربّي » فأخذت بيد الحسن والحسين تريد قبر أبيها، عند ذلك تصايح الناس من هنا وهناك بأبي بكر: ما تريد إلى هذا؟ أتريد أن تنزل العذاب على هذه الاُمة؟

وراحت الزهراء وهي تستقبل المثوى الطاهر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) تستنجد بهذا الغائب الحاضر : «يا أبتِ يا رسول الله! (صلى الله عليه وآله) ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟ فما تركت كلمتها إلاّ قلوباً صدعها الحزن وعيوناً جرت دمعاً»[25].

 

[1] راجع شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 6 / 13 ، الطبعة المحقّقة ، أخرج عن أبى جعفر محمّد بن عليّ(عليهما السلام) أنّ عليّاً حَملَ فاطمة على حمار وسارَ بها ليلا إلى بيوت الأنصار، يسألهم النصرة ، وتسألهم فاطمة الانتصار له .

[2] راجع بلاغات النساء : 23، قالت في هذا المعنى من خطبة لها(عليها السلام) : «وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه، فوجدكم لدعائه مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافاً... فوسمتم غير إبلكم».

[3] جاء في شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 6 / 12 : قال علي(عليه السلام) في محاورة مع القوم: «يا معشر المهاجرين الله الله، لاتخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم..».

[4] راجع الصواعق المحرقة : 36 ، طبعة مكتبة القاهرة، قال الخليفة الثاني : «كانت بيعة أبي بكر فلتةً وقى الله شرّها فمن عادَ لمثلها فاقتلوه...». وراجع أيضاً تاريخ الخلفاء : 67 .

[5] شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 16 / 218 ـ 219 عن أبي الطفيل قال : «أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أهله ؟ قال : بل أهله ...» .

[6] المصدر نفسه : 16 / 230 .

[7] المصدر نفسه : 16 / 211 أخرج عن جماعة قال : « قالوا : لمّا بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خِمارها وأقبلت في لُمة من حفدتِها ونساء قومِها ... حتّى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار ... » .

[8] راجع : الإمامة والسياسة / ابن قتيبة : 31  وشرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 16  /  281، 264 . وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني » ، أعلام النساء : 4 / 123 وكنز العمّال : 12 / الحديث 34222.

[9] شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 16 / 233 .

[10] المصدر نفسه : 6 / 281 .

[11] راجع الخطبة في شرح نهج البلاغة : 16 / 214 ـ 215 .

[12] صحّت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبائر متعدّدة بهذا المعنى فقد جاء عنه في الصحيح أنّه قال لفاطمة (رضي الله عنها) : «إنّ الله يغضبُ لغضبك ، ويرضى لرضاك .. » وقال : « فاطمة بضعةٌ منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها » .

راجع : صحيح مسلم : 4 / 1902 حديث رقم : 93 / 2449 طبعة دار إحياء التراث ، مستدرك الحاكم : 3 / 158 ، ذخائر العقبى  : 47 ، مسند الإمام أحمد بن حنبل : 4 / 323 و 332، جامع الترمذي : 5 / 699 ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الصواعق المحرقة / ابن حجر : 190 ـ طبعة القاهرة ، كفاية الطالب : 365 ، دار احياء تراث أهل البيت ـ طهران .

[13] تجد غضب فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر في صحيح البخاري : 5 / 5 وصحيح مسلم : 2 / 72 ومسند الإمام أحمد : 1 / 6 ، تاريخ الطبري : 4 / 27 ، كفاية الطالب : 266 ، سنن البيهقي : 6 / 300 .

[14] راجع فدك في التاريخ : 112 ـ 119 .

[15] الأحزاب (33) : 53 .

[16] الأحزاب (33) : 57 .

[17] التوبة (9) : 61 .

[18] الممتحنة (60) : 13 .

[19] طه (20) : 81 .

[20] تاريخ الامم والملوك ، للطبري : 4 / 61 ط . دار الفكر .

[21] الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 29 ـ 30 .

[22] الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 29 .

[23] مرآة العقول : 5 / 320 .

[24] الاحتجاج للطبرسي : 1 / 222 .

[25] الغدير : 3 / 104 . راجع الإمامة والسياسة : 1 / 13 ، وتأريخ الطبري : 3 / 198 ، والعقد الفريد : 2 / 257 ، وتاريخ أبي الفداء : 1 / 165 ، وتاريخ ابن شحنة في حوادث سنة 11 ، وشرح ابن أبي الحديد : 2 / 19 .