الصفحة الرئيسية

مكتبة الموقع

مكتبة فاطمة الزهراء

فهرس الكتاب

 

4 ـ عيادة أبي بكر وعمر بن الخطاب للزهراء (عليها السلام) :

كان الصحابة رجالاً ونساءً يعودون فاطمة (عليها السلام) بين الحين والحين إلاّ عمر وأبا بكر لم يعوداها لأنّها قاطعتهُما ورفضتهُما ولم تأذن لهُما بعيادتها ، ولمّا ثقل عليها المرض وقاربتها الوفاة لم يجدا بُدّاً من عيادتها لئلاّ تموت بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) وهي ساخطة عليهما على رؤوس الأشهاد، فتبقى وصمة عار تلاحق الخليفة وجهازه الحاكم إلى يوم الدين ، وأرادوا تغطية انحرافهم باسترضاء الزهراء (عليها السلام) وعند ذلك ينتهي كلّ شيء، وتكون مأساة فعلتهم منسية بالتدريج .

وروي أنّ عمر قال لأبي بكر : إنطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها، فانطلقا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا عليّاً فكلَّماه فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط فسلّما عليها ، فلم تردّ عليهما السَّلامَ ، فتكلّم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله إنّ قرابة رسول الله أحبّ إليّ من قرابتي وإنك لأحبّ إليَّ من عائشة إبنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أَنّي متّ ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفكِ وأعرف فضلك وشرفك ، وأمنعك حقّكِ وميراثك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ إلاّ أنّي سمعت أباكِ رسول الله  (صلى الله عليه وآله) يقول : « لا نورّث ، ما تركناه صدقه ».

فقالت (عليها السلام) : « أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعرفانه وتفعلان به ؟» فقالا : نعم، فقالت : «نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة إبنتي فقد أحبّني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ ».

قالا : نعم ، وسمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

قالت : «فإنّي اُشهدُ الله وملائكته أَنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي  (صلى الله عليه وآله) لأشكونّكما اليه »، فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه ومن سخطكِ يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي ، حتى كادت نفسه أن تزهق و فاطمة تقول : « والله لأدعونَّ عليكما في كلّ صلاة اُصليها ، ثم خرج باكياً» فاجتمع الناس إليه فقال لهم : يبيت كلّ رجل معانقاً حليلته مسروراً بأهله، وتركتموني وما أَنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعت[1] .

 

5 ـ الساعات الأخيرة قبل الرحيل :

كانت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في ذلك اليوم الذي توفيت فيه طريحة الفراش، وقد أخذ منها الهزال كلّ مأخذ ، وما بقي منها سوى الهيكل العظمي فقط ، لقد رأت أَباها في المنام وهو يقول لها : «هلمّي إليّ يا بُنَيَّة فإنّي اليك مشُتاقٌ» ثمّ قال لها : «أنتِ الليلةَ عندي» .

انتبهت من غفوتها واستعدّت للرحيل إلى الآخرة ، فقد سمعت من أبيها الصادق المصدَّق الذي قال : «من رآني فقد رآني». سمعت منه نبأ ارتحالها فلا مجال للشكّ والتردّد في صدق الخبر .

فتحت عينها واستعادت نشاطها ولعلّها كانت في صحوة الموت وقامت لاتّخاذ التدابير اللازمة ، واغتنمت تلك السويعات الأخيرة من حياتها، أقبلت الزهراء تزحف أو تمشي متّكئة على الجدار نحو الموضع الذي فيه الماء من بيتها، وشرعت تغسل ثياب أطفالها بيديها المرتعشتين، ثم دعت أطفالها وطفقت تغسل رؤوسهم، ودخل الإمام عليّ (عليه السلام) البيت وإذا به يرى عزيزته قد غادرت فراش العلّة وهي تمارس أعمالها المنزلية .

رقّ لها قلب الإمام حين نظر إليها وقد عادت إلى أعمالها المتعبة التي كانت تجدها أيام صحتها، فلا عجب إذا سألها عن سبب قيامها بتلك الأعمال بالرغم من انحراف صحّتها ، أجابته بكلّ صراحة لأن هذا اليوم هو آخر يوم من أيام حياتي، قمت لأغسل رؤوس أطفالي وثيابهم لأنّهم سيصبحون يتامى بلا اُم، سألها الإمام عن مصدر هذا النبأ فأخبرته بالرؤيا ، فهي بذلك قد نعت نفسها إلى زوجها بما لا يقبل الشك .

 

6 ـ وصيّة الزهراء (عليها السلام) للإمام عليّ (عليه السلام) :

وفي الساعات الأخيرة من حياتها حان لها أن تكاشف زوجها بما أضمرته في صدرها ( طيلة هذه المدّة ) من الوصايا التي يجب تنفيذها.

فقالت (عليها السلام) لعليّ (عليه السلام) : « يابن عمّ إنّه قد نُعيت إليَّ نفسي وإنّني لا أرى ما بي إلاّ أننّي لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا اُوصيك بأشياء في قلبي » قال لها عليّ (عليه السلام) : «أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) » . فجلس عند رأسها  ، وأخرج من كان في البيت ثم قالت : « يابن عمّ ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني »؟ فقال عليّ (عليه السلام) : « معاذ الله أنتِ أعلم بالله ، وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أُوبّخكِ بمخالفتي وقد عزّ عليَّ مفارقتكِ وفقدكِ إلاّ أنّه أمر لا بد منه، والله لقد جددتِ عليَّ مصيبة رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنّا لله وإنّا اليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها!! هذه مصيبة لا عزاء منها، ورزية لا خلف لها ».

ثم بكيا جميعاً ساعة ، وأخذ الإمام رأسها وضمها إلى صدره ثم قال : « أوصيني بما شئت فإنّكِ تجديني وفياً أمضي كلّما أمرتني به ، وأختار أمركِ على أمري ». فقالت (عليها السلام) : «جزاكَ الله عنّي خير الجزاء ، يابن عمّ اُوصيك أولاً :

أن تتزوّج بعدي . . . . فإنّ الرجال لا بدّ لهم من النساء » ثم قالت (عليها السلام) : «اُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله ، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار[2].

ثم قالت (عليها السلام) : «يابن العمّ إذا قضيت نحبي فاغسلني ولا تكشف عنّي، فإنّي طاهرة مطهّرة، وحنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصَلِّ عليَّ، وليصلِّ معك الأَدنى فالأَدنى من أهل بيتي، وادفني ليلاً لا نهاراً، وسرّاً لا جهاراً ، وعفَّ موضع قبري، ولا تشهد جنازتي أحداً ممن ظلمني ، يابن العمّ أنا أعلم أنّك لا تقدر على عدم التزويج من بعدي فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلةً ، واجعل لأولادي يوماً وليلةً ، يا أبا الحسن ! ولا تصح في وجوههما فيصبحا يتيمين غريبين منكسرين ، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان اُمهما[3].

وروى ابن عباس وصيّة مكتوبة لها (عليها السلام) جاء فيها :

« هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصت وهي تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأَنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأَنّ الله يبعث من في القبور ، يا عليّ أنا فاطمة بنت محمّد ، زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة ، أنت أولى بي من غيري ، حنّطني وغسّلني وكفّني بالليل، وصلِّ عليَّ وادفني بالليل، ولا تُعلم أحداً ، وأستودعك الله، وأقرأ على ولديّ السلام إلى يوم القيامة [4] .

 

7 ـ أول نعش أُحدث في الإسلام :

روي عن أسماء بنت عميس أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت لأسماء : إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء ، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فقالت أسماء : يا بنت رسول الله أنا اُريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجريدة رطبة فحسنتها ، ثم طرحت عليها ثوباً ، فقالت فاطمة (عليها السلام) : «ما أحسن هذا وأجمله ، لا تعرف به المرأة من الرجل[5] .

وعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) :  «أول نعش اُحدث في الإسلام نعش فاطمة ، إنّها اشتكت شكاتها التي قبضت فيها، وقالت لأسماء : إنّي نحلت فذهب لحمي ، ألا تجعلين لي شيئاً يسترني ؟ فقالت أسماء : إنّي إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك مثله ؟ فإن أعجبك صنعت لك ، قالت  (عليها السلام) : نعم ، فدعت بسرير ، فأكبته لوجهه ، ثم دعت بجرائد ـ نخل ـ فشدّدته على قوائمه، ثم جلّلته ثوباً فقالت أسماء: هكذا رأيتهم يصنعون ، فقالت  (عليها السلام) : اصنعي لي مثله ، اُستريني سترك الله من النار».

 

[1] الإمامة والسياسة : 1 / 31 .

[2] روضة الواعظين : 1 / 151 ، وفي رواية: إذا هدأت الأصوات ونامت العيون .

[3] بحار الأنوار : 43 / 178 و 192 .

[4] بحار الأنوار : 43 / 214 .

[5] كشف الغمة : 1 / 503 ، وبحار الأنوار : 43 / 213 ، وتهذيب الأحكام : 1 / 469 .