5 ـ الحكم والسياسة والتأريخ :

1 ـ والخطبتان اللتان نقلناهما عنها تفصحان عن بُعد نظرها وسعة أفقها فيما يخصّ: الثورة النبويّة المباركة، ومستقبلها، والجاهلية التي سبقت البعثة المباركة، وما سيترتّب على انحراف القيادة الإسلامية عن مسارها الصحيح .

فراجعهما ولاحظهما مرةً اُخرى بإمعان .

2 ـ إخبارات غيبيّة : عن فاطمة الصغرى بنت الحسين رضي الله عنهما، عن أبيها ، عن جدَّتها فاطمة الكبرى بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت : قال لي رسول الله  (صلى الله عليه وآله)  : يدفن من ولدي سبعة بشاطئ الفرات ، لم يبلغهم الأوّلون ، ولم يدركهم الآخرون[1] .

3 ـ إسرار النبيّ لها صلوات الله عليهما عن عائشة قالت : أقبلت فاطمة تمشي ، كأنَّ مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : مرحباً بابنتي ; ثمَّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثمَّ إنَّه أسرَّ إليها حديثاً ، فبكت ، فقلت لها : استخصَّك رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديثه ثمَّ تبكين  ؟ ثمّ إنَّه أسرَّ إليها حديثاً فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن ! فسألتها عمّا قال ، فقالت : ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله  (صلى الله عليه وآله) ; حتّى إذا قبض النبيُّ (صلى الله عليه وآله) سألتها ، فقالت : إنّه أسرَّ إليَّ فقال : إنّ جبرئيل (عليه السلام) كان يعارضني بالقرآن في كلِّ عام مرَّةً ، وإنَّه عارضني به العام مرَّتين ، ولا أراه إلاّ قد حضر أجلي ، وإنك أوَّل أهل بيتي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت لذلك، ثمَّ قال: ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الاُمَّة ـ أو نساء المؤمنين ـ ؟[2] قالت : فضحكت لذلك[3] .

19 ـ عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت : لمّا مرض رسول الله  (صلى الله عليه وآله); دعا ابنته فاطمة فسارّها ، فبكت ، ثمَّ سارّها فضحكت ، فسألتها عن ذلك ، فقالت : أمّا حين بكيت فإنّه أخبرني أنّه ميّت ، فبكيت ، ثمَّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به فضحكت[4] .

 

نماذج من أدعيتها

كانت (عليها السلام) إذا جنّ الليل تقوم في محرابها صافّـةً قدميها منقطعةً إلى ربّها مصليةً مناجيةً متهجدةً تدعو الله سبحانه بلسان الخائف الذليل المنقطع، وتقول في دعائها : « اللهمّ إنّي أسألك قوةً في عبادتك ، وتبصّراً في كتابك ، وفهماً في حكمك، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، ولا تجعل القرآن بنا ماحلاً ، والصراط زائلاً ومحمّداً  (صلى الله عليه وآله) عنا مولّياً ».

ومن دعائها أيضاً :

1 ـ « اللهمّ اجعل أول يومي هذا فلاحاً ، وأوسطه صلاحاً ، وأخره نجاحاً، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، واجعلنا ممن أناب إليك فَقبلته ، وتوكّل عليك فكفيته ، وتضرّع إليك فرحمته» .

2 ـ « اللهمّ إنّي اسألك الهدى والتقى والعفافَ والغنى ، والعمل بما تحبّ وترضى ، اللهمّ إنّي أسألك من قوتك لضعفنا، ومن غناك لفقرنا وفاقتنا، ومن حلمكَ وعلمكَ لجهلنا ، اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، وأعنّا على شكرك وذكرك وطاعتك وعبادتك يا أرحم الراحمين » .

3 ـ دعاء النور المعروف عنها :

«بسم الله النور ، بسم الله نور النور ، بسم الله نور على نور ، بسم الله الذي هو مدبّر الاُمور ، بسم الله الذي خلق النور من النور ، الحمد لله الذي خلق النور من النور ، وأنزل النور على الطور ، في كتاب مسطور ، في رقّ منشور ، بقدر مقدور ، على نبيّ محبور ، الحمد لله الذي هو بالعزّ مذكور ، وبالفخر مشهور، وعلى السرّاء والضرّاء مشكور، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين»[5] .

 

أدب السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

بالرغم من أنّ فاطمة (عليها السلام) توفّيت ولها ثماني عشرة سنة فإنّ النصوص المؤرّخة تشير إلى أنّها ـ مثل سائر المعصومين (عليهم السلام) ـ توفّرت على إلقاء وتدوين ما يرتبط بمبادئ الشريعة الإسلامية، وأنّها (عليها السلام) في لقاءاتها مع العنصر النسوي كانت تتكفّل بالإجابة على أسئلتهنّ ، وأنّها بعامة أثر عنها من النصوص ما يفصح عن شخصيّتها العلميّة والأدبيّة، ولعلّ النماذج التي نقلها المؤرّخون بالنسبة إلى النصوص الخطابية التي ارتجلتها تفصح بوضوح عن الطابع الأدبي المحكم في خطاباتها، فهناك خطبتان مأثورتان عن فاطمة  (عليها السلام) فيما ارتجلت اُولاهما بمحضر من النساء « بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)  » والاُخرى ارتجلتها بمحضر من شخصيّات المهاجرين والأنصار ...[6].

وقد ذكرنا نص الخطبتين بعد أحداث رحلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعلّق الدكتور البستاني على هذا النص الفني قائلاً : « لقد بدأت الخطبة بتمجيد الله تعالى وهو اُسلوب قد اختطّه النبيّ وفصّله الإمام عليّ (عليه السلام) حيث يلاحظ أنّ فاطمة (عليها السلام) قد أفادت من جانب من النبيّ والإمام عليّ (عليه السلام) اُسلوبياً ، واختطت منحىً فنياً خاصاً من جانب آخر ، إنّها تسلسلت موضوعياً من الحمد ، فالشكر ، فالثناء على معطيات الله تعالى، ثم صفاته تعالى ، ثم نبوّة أبيها فمعطيات ذلك ، ثم اتّجهت إلى الموضوع الرئيس وسردت قائمة بالمعطيات النفسية والعبادية، وهكذا وصلت بين النبوّة وبين معطياتها اجتماعياً، بين المقدمة وبين الموضوع ، فجاءت الخطبة خاضعةً عمارياً لخطوط هندسية متواشجة فيما بينها، وأمّا الأدوات الفنية التي توكّأت عليها فتتمثّل في حشد ملحوظ من العنصر (الصوري) وفي عناية ملحوظة بالعنصر الإيقاعي فضلاً عن العنصر اللفظي، من تقابل وتماثل وتتابع وتكرار وقسم ... »[7].

هذا عن النثر، وأمّا أدبها المنظوم فنذكر نماذج منه :

1 ـ لمّا دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقبلت على أنس بن مالك فقالت : «يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثّوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) التراب ؟» ثمّ بكت ورثته قائلةً :

أغبرّ آفـــــاق السماء وكوّرت          شمس النهار وأظلم العصران

فالأرض من بعد النبيّ كئيـــبة          أسفاً عليه كثيـــــرة الرجـــفان

فليبكه شــــرق البلاد وغـربها          ولتبكه مضـــر وكــــلّ يمــــان

يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه          صلّى عـــليك منــــزل القــرآن

ثمَّ أخذت قبضةً من تراب القبر فجعلتها على عينيها ووجهها، ثمَّ أنشأت تقول :

ماذا على مـــن شمَّ تربة أحمد          أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليَّ مصائــــب لــو أنَّها          صبَّت على الأيّام عُدن لياليا[8]

2 ـ وقالت أيضاً في رثائه (صلى الله عليه وآله) :

قل للمغيَّب تحــــت أطباق الثــــرى          إن كنت تسمع صرخــــتي ونـدائيا

صبَّت عليَّ مصـــــائب لـــــــو أنَّها          صبَّت على الأيّــــام صــــرن لياليا

 قد كنتُ ذات حــــمِّى بظلِّ محــــمِّد          لا أختشي ضيمــــاً وكان جــــماليا

فاليوم أخشع للذليــــل وأتّـــــــــقي          ضيمى وأدفـــــع ظالمي بـــــردائيا

فإذا بكت قمــــريَّة فـــي ليلــــهــــا          شجناً على غـــص بكيت صباحيــــا

فلأجعلنَّ الحزن بعــــدك مـــونسي          ولأجعــــــلنّ الدمع فيـــــك وشاحيا

ماذا على من شـــمَّ تربــــــة أحمد          أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليا[9]

 

3 ـ وعن محمَّد بن المفضَّل قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : جاءت فاطمة  (عليها السلام) إلى سارية

 في المسجد وهي تقول وتخاطب النبيّ (صلى الله عليه وآله) :

قد كان بعــــدك أنبـــــــــــاء وهنبثة          لو كنت شاهدَهــــــا لم تكــثر الخطب

إنّا فقـــدناك فقــــد الأرض وابلَهــــا          واختلَّ قــــومك لمّا غـــــبت وانقلبوا

أبدت رجــــال لنا فحــــوى صدورهم          لما قضيت وحالت دونك الترب[10]

 

الرواة والمحدّثون عن فاطمة الزهراء (عليها السلام)

قلنا : إنّ الزهراء فاطمة (عليها السلام) كانت ربيبة العلم والتُقى، وعرفنا أنّ لها كتاباً يدعى « المصحف » اختص به أهل البيت (عليهم السلام) وقد كانت معنيّة بنشر العلم وإنفاقه بالإضافة إلى اهتمامها بتربية أبنائها ومن خَدَمها في بيتها كاُم أيمن وفضّة التي لم تكن تتكلم إلاّ بالقرآن ( بما يقرب من عشرين سنة ) .

وممّا يدلنا على اهتمامها ببذل العلم كثرة الرواة عنها صلوات الله عليها وإليك قائمة بأسمائهم:

1 ـ ابن أبي مليكة .

2 ـ أبو أيوب الأنصاري .

3 ـ أبو سعيد الخدري .

4 ـ أبو هريرة .

5 ـ أسماء بنت عميس .

6 ـ اُم كلثوم .

7 ـ بشير بن زيد .

8 ـ جابر بن عبدالله الأنصاري .

9 ـ الحسن بن علي (عليه السلام) .

10 ـ الحسين بن علي (عليه السلام) .

11 ـ الحكم بن أبي نعيم .

12 ـ ربعي بن خراش .

13 ـ زينب بنت أبي رافع .

14 ـ زينب بنت علي (عليها السلام) .

15 ـ سلمان الفارسي .

16 ـ سهل بن سعد الأنصاري .

17 ـ شبيب بن أبي رافع .

18 ـ العباس بن عبد المطلب .

19 ـ عبدالله بن الحسن .

20 ـ عبدالله بن العباس .

21 ـ عبدالله بن مسعود .

22 ـ علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

23 ـ علي بن الحسين (عليه السلام) .

24 ـ عوانة بن الحكم .

25 ـ فاطمة بنت الحسين (عليه السلام).

26 ـ القاسم بن أبي سعيد الخدري .

27 ـ هارون بن خارجة .

28 ـ هشام بن محمد .

29 ـ يزيد بن عبد الملك[11] .

 

[1] بحار الأنوار : 8 / 131 .

[2] الظاهر أن الترديد من عائشة .

[3] مسند أحمد : 6 / 282 .

[4] المصدر السابق : 283 .

[5] بحار الانوار : 43 / 66 .

[6] تأريخ الأدب العربي ( في ضوء المنهج الإسلامي ) : 257 .

[7] راجع للتفصيل ، تاريخ الأدب العربي : 257 ـ 262 .

[8] المصدر نفسه : 164 ـ 165 .

[9] أعيان الشيعة : 1 / 323 ، ط. بيروت .

[10] كشف الغمة: 2/115، ط بيروت، وأعيان الشيعة: 1/318، ط بيروت.

[11] راجع للتفصيل : مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام) للشيخ عزيز الله العطاردي : 590 ـ 602 .