في أن أسماء صنعت نعشا لفاطمة عليها السلام كما رأت بالحبشة

1 - وعن ابن عباس قال : مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس : ألا ترين إلى ما بلغت فلا تحمليني على سرير ظاهر فقالت : لا لعمري ولكن أصنع نعشا كما رأيت يصنع بالحبشة .

قالت : فأرينيه فأرسلت إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواق ثم جعلت على السرير نعشا وهو أول ما كان النعش فتبسمت وما رؤيت متبسمة إلا يومئذ ثم حملناها فدفناها ليلا وصلى عليها العباس بن عبد المطلب ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن عباس .

وعن أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قالت لأسماء : إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى فقالت أسماء : يا بنت رسول الله أنا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة ، قال : فدعت بجريدة رطبة فحسنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : ما أحسن هذا وأجمله لا تعرف به المرأة من الرجل .

قال : قالت فاطمة : فإذا مت فاغسليني أنت ولا يدخلن علي أحد فلما توفيت فاطمة ( عليها السلام ) جاءت عائشة تدخل عليها فقالت أسماء : لا تدخلي فكلمت عائشة أبا بكر فقالت : إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد جعلت لها مثل هودج العروس فقالت أسماء لأبي بكر : أمرتني أن يدخل عليها أحد وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع لها ذلك فقال أبو بكر : اصنعي ما أمرتك فا نصرف ، وغسلها علي ( عليه السلام ) وأسماء .

وروى الدولابي حديث الغسل الذي اغتسلته قبل وفاتها وكونها دفنت به ولم تكشف وقد تقدم ذكره وروى من غير هذا أن أبا بكر وعمر عاتبا عليا ( عليه السلام ) كونه لم يؤذنهما بالصلاة عليها فاعتذر أنها أوصته بذلك وحلف لهما فصدقاه وعذراه .

وقال علي ( عليه السلام ) عند دفن فاطمة ( عليهما السلام ) كالمناجي بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند قبره : السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك ، إلى آخر ما سيأتي .

ثم قال علي بن عيسى : الحديث ذو شجون أنشدني بعض الأصحاب للقاضي أبي بكر بن ( أبي ) قريعة :

يا من يسائل دائبا   عن كل معضلة سخيفة
لا تكشفن مغطى   فلربما كشفت جيفة
ولرب مستور بدا   كالطبل من تحت القطيفة
إن الجواب لحاضر   لكنني أخفيه خيفة
لولا اعتداء رعية   ألقى سياستها الخليفة
وسيوف أعداء بها   اماتنا أبدا نقيفة
لنشرت من أسرار   آل محمد جملا طريفة
تغنيكم عما رواه   مالك وأبو حنيفة
وأريتكم أن الحسين   أصيب في يوم السقيفة
ولأي حال لحدت   بالليل فاطمة الشريفة
ولما حمت شيخيكم   عن وطئ حجرتها المنيفة
أوه لبنت محمد   ماتت بغصتها أسيفة

وقد ورد من كلامها ( عليها السلام ) في مرض موتها ما يدل على شدة تألمها وعظم موجدتها وفرط شكايتها ممن ظلمها ومنعها حقها أعرضت عن ذكره ، وألغيت القول فيه ، ونكبت عن إيراده لان غرضي من هذا الكتاب نعت مناقبهم ومزاياهم وتنبيه الغافل عن موالاتهم ، فربما تنبه ووالاهم ، ووصف ما خصهم الله به من الفضائل التي ليست لاحد سواهم ، فأما ذكر الغير والبحث عن الشر والخير فليس من غرض هذا الكتاب وهو موكول إلى يوم الحساب وإلى الله تصير الأمور .

بيان : النقف : كسر الهامة عن الدماغ أو ضربها أشد ضرب أو برمح أو عصا .

2 - روضة الواعظين : مرضت فاطمة ( عليها السلام ) مرضا شديدا ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت ( صلوات الله عليها ) فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي وأحضرته ، فقالت : يا ابن عم إنه قد نعيت إلي نفسي وإنني لا أرى ما بي إلا أنني لا حق بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي .

قال لها علي ( عليه السلام ) : أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله ! فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ثم قالت : يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال ( عليه السلام ) : معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله [ من ] أن أوبخك بمخالفتي قد عز علي مفارقتك وتفقدك ، إلا أنه أمر لابد منه ، والله جددت علي مصيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها هذه والله مصيبة لا عزاء لها ، ورزية لا خلف لها .

ثم بكيا جميعا ساعة وأخذ علي رأسها وضمها إلى صدره ثم قال : أوصيني بما شئت فإنك تجدني فيها أمضي كما أمرتني به وأختار أمرك على أمري . ثم قالت : جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم رسول الله أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة [ أختي ] أمامة فإنها تكون لولدي مثلي فإن الرجال لابد لهم من النساء .

قال : فمن أجل ذلك قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أربع ليس لي إلى فراقه سبيل ، بنت [ أبي العاص ] أمامة أوصتني بها فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

ثم قالت : أوصيك يا ابن عم أن تتخذ لي نعشا فقد رأيت الملائكة صوروا صورته فقال ها : صفيه لي فوصفته فاتخذه لها فأول نعش عمل على وجه الأرض ذاك وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد .

ثم قالت : أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فإنهم عدوي وعدو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا تترك أن يصلي علي أحد منهم ، ولا من أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الابصار ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبنيها وبعلها وبنيها .

فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخوا صرخة واحدة كادت المدينة أن تتزعزع من صراخهن وهن يقلن : يا سيدتاه ! يا بنت رسول الله ! وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي ( عليه السلام ) : وهو جالس والحسن والحسين ( عليهما السلام ) بين يديه يبكيان ، فبكى الناس لبكائهما . وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء عليها تسبجها وهي تقول : يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك ، فقدا لا لقاء بعده أبدا .

واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجون وينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها ، وخرج أبو ذر وقال : انصرفوا فإن ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد أخر اخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا .

فلما أن هدأت العيون ومضى شطر من الليل أخرجها علي والحسن والحسين ( عليهم السلام ) وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواصه صلوا عليها ودفنوها في جوف الليل وسوى علي ( عليه السلام ) حواليها قبورا مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها وقال بعضهم من الخواص : قبرها سوى مع الأرض مستويا فمسح مسحا سواء مع الأرض حتى لا يعرف موضعه .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>