القسم الأول |
ثم قالت: أيها الناس نداء الناس مسألة: ربما يقال بأنه ينبغي نداء الناس في مطلع كل حديث مهم، وقد خاطب الله سبحانه الناس بقوله: (يا أيها الناس)(1) و(يا أيها الذين آمنوا)(2) في كثير من آيات الذكر الحكيم(3)، كما خاطب أيضا بقوله تعالى:(يا بني آدم) فانه ذكر خمس مرات في القرآن الكريم(4). وجاء في بعض الآيات: (قل يا أيها الناس)(5). وكذلك الأمر في كثير من الأحاديث القدسية(6) و الروايات التي تبدأ بـ (يا ابن آدم) أو شبهه. وشواهد الرجحان وأدلة الأسوة قد تدل على الاستحباب وإن احتمل كون ذلك جريا على العادة الجارية في العرف، فليس من المستحب بل من المباح، لكـن الأول اقرب(7)، فتأمل. قال تعالى:(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)(8). وقال سبحانه: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)(9). وقال تعالى: (قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله)(10). وقال سبحانه: (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم)(11). وقال تعالى: (وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير)(12). وقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان)(13). وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)(14). وقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين)(15). وفي الحديث القدسي قال الله تبارك وتعالى: «يا بن آدم اطعني فيما أمرتك ولاتعلمني ما يصلحك»(16). من أحكام النداء مسألة: هناك أحكام وآداب ترتبط بالنداء مذكورة في محلها، فمن النداء ما هو واجب ومنه مستحب ومنه حرام ومكروه ومباح، كل في مورده، قال تعالى: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون)(17). وقال تعالى: (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان ان آمنوا بربكم)(18). وقال سبحانه: (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين)(19). وقال تعالى: (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون)(20). وقال سبحانه: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لايعقلون)(21). وفي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً وسلمان وأبا ذر بأن ينادوا بأعلى أصواتهم أنه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه فنادوا بها ثلاثا»(22). وفي شعر حسان بن ثابت يوم الغدير: يـــناديهم يــــوم الغــــدير نبـــــيهم بخــــم وأســــمع بــــالنبي مــناديا يـــــقول فمـــــن مــــولاكم وولـيكم فـــــقالوا ولـم يبدوا هنالك التعاديا إلــــيك مــــــولانــــا وأنـــت وليــنا ولا تـــجدن مــنا لك اليــوم عاصيا فــــــقال لـــه قــــم يـا عــلي فإنني رضـــــيتك مـن بعدي إماماً وهاديا هـــــناك دعـــــا الــــلهم وال ولـيه وكن للذي عادى علياً معاديا(23) وسئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الصدقات، فقال (عليه السلام): «أقسمها فيمن قال الله عز وجل ولا تعط من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئاً، قلت: وما نداء الجاهلية، قال: هو الرجل يقول يا لبني فلان، فيقع بينهما القتل والدماء»(24). وفي الحديث: إن من أسماء فاطمة الزهراء (عليها السلام): (محدثة) لأن الملائكة كانوا ينادونها يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، وتحدثهم(25). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «يمثل لفاطمة رأس الحسين متشحطاً بدمه، فتصيح واولداه، واثمرة فؤاداه، فتصيح الملائكـة لصيحـة فاطمـة(عليها السلام) وينـادون أهــل القيامــة: قتـل الله قاتل ولدك يا فاطمة، قال فيقول الله عز وجل أفعل به…» الحديث(26). وقولها(27) صلوات الله عليها: (ثم)(28) لا يقصد به وجود فاصل زمني بين الكلامين بل الفصل الرتبي، حيث كان الكلام حتى هذا المقطع يدور حول الأصول والفروع، والكلام من هنا يبدأ حول قضية حقها المسلوب حيث جاءت(عليها السلام) إلى المسجد لإثبات الحق وإحقاقه.
اعلموا أني فاطمة التعريف بالنفس مسألة: يستحب أن يعرف الإنسان نفسه للناس إذا كان فيه الفائدة، ولذا عرف الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) نفسه في يوم كربلاء، حيث قال بأعلى صوته: «أنشدكم الله هل تعرفونني.. أنشدكم بالله هل تعلمون أن جدي رسول الله… أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب… أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى.. وان جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما… وأن حمزة سيد الشهداء عم أبي.. وأن جعفراً الطيار عمي..»(29). وقال (عليه السلام): أنــــــا الحـــســـــيــن بــــن عـــلي أحــــــمــــــي عـــــيـــالات أبــــــي آلـــيــــــــــت أن لا أنـــــــــثــــــني أمــــضــــي عـــلى دين النبي(30) وكذلك الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) في المسجد الجامع في الشام، حيث قال (عليه السلام): «أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن المروة والصفا، أنا بن محمد المصطفى..»(31). وعن أبي ذر انه قال: «أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي(عليه السلام) قائد البررة، علي قاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ملعون من جحد ولايته» الحديث(32). من غير فرق بين أن يكون التعريف بالاسم أو بالوصف، وقد جاء في القرآن الحكيم: (إني رسول الله إليكم جميعاً)(33) وما أشبه ذلك(34). ومن هذا الباب ما ورد من حديث المفاخرة بين أمير المؤمنين (عليه السلام) وولده الحسين(عليه السلام) وما أشبه، فقد ورد: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالساً ذات يوم وعنده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فدخل الإمام الحسين (عليه السلام) فأخذه النبي (صلى الله عليه وآله) وأجلسه في حجره… فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله أيّنا أحب إليك؟… فقال الحسين: يا أبتي من كان أعلى شرفاً كان أحب إلى النبي. قال علي (عليه السلام) لولده: أتفاخرني يا حسين. قال: نعم يا أبتاه إن شئت. فقال علي (عليه السلام): أنا أمير المؤمنين، أنا لسان الصادقين، أنا وزير المصطفى… أنا قائد السابقين إلــى الجنة… أنـــا حبــل الله المتين الـذي أمـر الله تعالــى خلقـه أن يعتصموا به في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً)(35)، أنا نجم الله الزاهر… أنا الذي قال الله سبحانه فيه: (بل عباد مكرمون * لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)(36)، أناعروة الله التي لا انفصام لها، أنا باب الله الذي يؤتى منه.. أنا بيت الله من دخله كان آمناً، فمن تمسك بولايتي ومحبتي أمن من النار… أنا (عم يتساءلون)(37) عن ولايتي يوم القيامة،… أنا النبأ العظيم… أنا حي على الصلاة، أنا حي على الفلاح، أنا حي على خير العمل… ـ إلى أنا قال (عليه السلام): ـ أنا قسيم الجنة والنار. فعندها سكت علي (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله) للحسين: أسمعت يا أبا عبد الله ما قاله أبوك وهو عشر عشير معشار ما قاله من فضائله ومن ألف ألف فضيلة، وهو فوق ذلك أعلى… فقال الحسين(عليه السلام): يا أبت أنا الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وجدي محمد المصطفى سيد بني آدم أجمعين، لا ريب فيه، يا علي إن أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين… ـ إلى أن قال: ـ يا علي أنت عند الله تعالى أفضل مني، وأنا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد» الحديث(38). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يفتخر يوم القيامة آدم بابنه شيث وافتخر أنا بعلي بن أبي طالب»(39). وفي كتاب سليم عن أبي ذر وسلمان والمقداد قالوا: «إن رجلاً فاخر علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: أي أخي فاخر العرب فأنت أكرمهم ابن عم وأكرمهم أباً وأكرمهم أخاً وأكرمهم نفساً وأكرمهم نسباً وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولداً وأكرمهم عماً وأعظمهم عناءً بنفسك ومالك»(40). كما يستحب الانتساب إلى الأب أيضا، ولذا قالت (عليها الصلاة والسلام): (وأبي محمد). وهكذا نجد في كلام الإمام الحسين (عليه السلام) المتقدم وكلام غيرهما. وقبل ذلك قال تعالى: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها)(41) و.. أما تعريف النفس لا بالقصد المذكور بل لأغراض شيطانية، فمن الرذائل. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الله قد أذهب عنكم حمية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنو آدم وآدم من تراب مؤمن تقي وفاجر شقي لينتهين أقوام يفخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم»(42). وفي الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): أيــــــها الفـــــاخر جـــهلاً بالنسـب إن الــــــــنـــــــــــــاس لام ولأب هـــــل تـــــراهم خلــــقوا من فضة أم حـــــديــــد أم نــــحاس أم ذهب هــــل تــــراهم خــلقوا من فضلهم هـــل ســـــوى لحم وعظم وعصب إنـــــما الـــفخر لعـــــقل ثـــــابـــت وحـــــياء وعــــــفـاف وأدب(43) وأيضا: كـــن ابــــن من شئت واكتسب أدباً يــــغـــــنك محـــــموده عن النسب فليــــس يغنــــي الحســــيب نسبته بـــــــلا لــســــــــان لـــــه ولا أدب ان الفــــــتى مــــن يـقول ها أنا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي(44) وأيضا: ولا تمشين في منكب الأرض فاخراً نعــــماً قـــليل يحتويك ترابها(45) قولها عليها السلام: (اعلموا أني فاطمة) تعريف بنفسها الشريفة، كي لايبقى أي مجال للتشكيك بشخصية المتحدث، سواء لدى كل فرد فرد من الجمهور الغفير الحاضر في المسجد، أو عند الغائبين الذين يصلهم هذا الحديث والاحتجاج في المدينة المنورة وسائر البلدان، في ذلك الجيل أو الأجيال اللاحقة.. وبذلك فإنها (عليها السلام) قد قطعت الطريق على أية محاولة تشكيكية بصدور هذا الحديث الصاخب منها. فلا يمكن بعد ذلك للطغاة ومرتزقتهم من ذوي الأقلام المسمومة وأصحاب الضمائر المنحرفة أن (يجهضوا) مفعول ذلك الحديث عبر سلاح (التكذيب) و(الإنكار): فمن قال إن هذا الحديث لفاطمة ؟ أو من قال: إنها فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله)؟(46).
وأبي محمد لماذا (وأبي محمد)؟ قولها عليها السلام: (وأبي محمد) صلى الله عليه وآله، حيث إن المسلمين كانوا قد سمعوا الرسول (صلى الله عليه وآله) يقول كراراً: (فاطمة بضعة مني)(47). ويقول (صلى الله عليه وآله): «هي نور عيني وثمرة فؤادي»(48). ويقول (صلى الله عليه وآله): «هي مني وأنا منها»(49). ويقول (صلى الله عليه وآله): «إنما سميت فاطمة فاطمة لأن الله تعالى فطم من أحبها من النار»(50). وفي حديث: «لأنها فطمت هي وشيعتها من النار»(51). ويقول (صلى الله عليه وآله): «فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل»(52). ويقول (صلى الله عليه وآله): «فاطمة بضعة مني يسخطها من يسخطني ويرضيني ما أرضاها»(53). وفي حديث: «فمن أغضبها فقد أغضبني»(54). وفي حديث: «من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني»(55). وقال (صلى الله عليه وآله): «فاطمة أعز البرية عليّ»(56). وقال (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بيد فاطمة (عليها السلام): «من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله»(57). وقال (صلى الله عليه وآله): «فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من المقربين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين» الحديث(58). إلى عشرات الأحاديث الأخرى، فكان في الإشارة إلى ذلك(59) إلفاتاً إلى حقيقة توجب لكلماتها (عليها السلام) وقعاً اكبـر في النفـوس، فهـي (عليها السلام) بنـت ذلك النبي الذي أنقذكم من الظلمات إلى النور ومن أسفل درجات الذلة إلى أرفع درجات العزة، وكلماتها امتداد لتلك المسيرة، وكما ضل من ضل بإعراضه عن كلامه(صلى الله عليه وآله) سيضل من سيعرض عن كلماتها (عليها السلام). ولذلك(60) وجه آخر أيضا: فالإشارة إلى هذه العلاقة السببية يثير عادة في النفوس عاطفة أقوى ـ خاصة والنبي (صلى الله عليه وآله) قد توفي منذ فترة قصيرة والعواطف شديدة التأجج والالتهاب ـ مما يدفع الناس إلى تقبّل أقوى لمواعظها وإنذارها(61).
أقول عوداً وبدواً (62) التأكيد والتكرار مسألة: يستحب التأكيد والتكرار بشكل تفصيلي أو بنحو إجمالي للمطالب المهمة، لما يتضمن من التأثير الأكبر في تقبل المستمع للموعظة والإنذار، كما قالت عليها السلام: (عودا وبدوا). ومن هذا الباب بعض التكرار في القرآن الكريم وان كان لدى الدقة غير الأول. ومنه أيضا ما كرره رسول الله (صلى الله عليه وآله) من التأكيد على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وانه الخليفة من بعده وذلك في أماكن عديدة وفي مناسبات مختلفة، كما في حجة الوداع حيث جمع الصحابة وكرر عليهم (ألست أولى بكم من أنفسكم) ثلاثاً وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف ثم رفع يد علي (عليه السلام) وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار)(63). ومنه أيضا ما كرره (صلى الله عليه وآله) عندما أمر أصحابه بتجهيز جيش أسامة حيث قال: «أنفذوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه» وكرر ذلك(64). وكذلك ما ورد في تكرار بعض الأدعية مثل قوله (عليه السلام): «من كان به علة فليقل عليها في كل صباح أربعين مرة مدة أربعين يوماً: بسم الله الرحمن الرحيم…» الحديث(65). وروي عن ابن عباس أنه قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا حدث الحديث أو سئل عن الأمر كرره ثلاثاً ليفهم ويفهم عنه»(66). ثم انه لا فرق في التكرار بين: التكرار باللفظ كقول ابن مالك: (كالضيغم الضيغم يا ذا السادي). أو بالمعنى.. أو ما يدل على التكرار، كقولها (عليها الصلاة والسلام): (عودا وبدوا). وانما قدمت (عودا) مع ان الأول أسبق في الأسلوب والتسلسل الخارجي(67) لان الكلام مكان العود وما هو المكان له يقدم كما ذكره علماء البلاغة(68)، كأنها عليها السلام تريد ان تقول: اني اقول مكرراً، ثم قالت: (وبدوا) تصريحا بما يدل عوداً عليه تلويحاً. قولها عليها السلام: (عودا وبدوا) أي: أولا وآخرا، أي ان كلامي الأخير هو ذات كلامي الأول، لا أن أقول شيئا ثم أتكلم بما يناقضه ويعارضه كما هو شأن كثير من السياسيين وأرباب السلطات ومن أشبههم.
ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا افعل ما أفعل شططاً عصمتها (عليها السلام) مسألة: إن كلامها (عليها السلام) هذا مضافاً إلى سائر الأدلة(69) يدل على عصمتها(عليها السلام)، فان المعصوم لا يخطأ ولا يغلط ولا يشطط، والشطط هو الابتعاد عن الحق. والفرق بين القول والفعل واضح، والكلام وان كان في القول هنا لكنها (عليها السلام) ذكرت الفعل أيضا تأكيداً من باب الأولوية العرفية فمن لا يكون فعله شططا لا يكون قوله غلطاً. وهناك وجه آخر وهو ان (القول) لدى الدقة من مصاديق (الفعل)(70). قولها عليها السلام: (ولا أقول ما أقول غلطا) أي أن كلامي لم يصدر إلا عن بصيرة وحكمة وهو مطابق للواقع، إذ كثيراً ما يقول القائل شيئا ثم إذا رأى المحذور فيه قال انه أخطأ في كلامه، وتنازل عن مقالته بهذه الحجة. حرمة القول بالغلط هنا مسألتان: أ: القول الغلط قد يكون حراما. وقد يكون مرجوحا لا يمنع عن نقيضه. وقد يكون غير ذلك(71). إذ ان الغلط قد يقصد به العمد، وقد يراد به السهو، والقول الغلط إذا أريد به العمد(72) قد يكون محرمـا كما في الأحكام الشرعيـة أو الأمور العقائديـة أو ما أشبه ذلك، وقد يكون مرجوحا، كما إذا كان فيما لم ير الشارع لمعرفته موضوعية(73) ولا تترتب على الغلط فيه محذور ولا انطبق عليه عنوان محرم كالكذب، فتأمل. وأما القول الغلط ـ إذا أريد به السهو ـ فهو تابع في حكمه للتقصير في مقدماته. ب: وكذلك الأمر في كل فعل شط عن الصواب وابتعد وكان من مصاديق الظلم للنفس أو للغير، عمداً أو سهواً كما سبق. و(شططا) أي: ظلماً وابتعاداً عن الحق، والمراد من الفعل في قولها (عليها السلام): (ولا افعل ما افعل) هو مجيئها المسجد ومناصرتها علياً (عليه الصلاة والسلام)، والفعل يشمل الكلام أيضا كما ان القول يشمل الفعل أيضا وان كان ذاك على نحو الحقيقة وهذا على نحو المجاز. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «المستبد متهور في الخطأ والغلط»(74). وقال (عليه السلام): «من كثر مراؤه لم يأمن الغلط»(75). وفي الحديث عنه (عليه السلام): «انه قضى في امرأة تزوجها رجل على حكمها فاشتطت عليه، فقضى أن لها صداق مثلها لا وكس ولا شطط»(76). وفي القرآن الكريم: (وانه كان يقول سفيهنا على الله شططا)(77). وقال تعالى: (فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططا)(78). وقال سبحانه: (إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط)(79).
لقد جاءكم رسول من أنفسكم لماذا رسول من أنفسكم؟ مسألة: يـــلزم في حكم العــــقل ومن باب قاعــــدة اللطف أن يكون النبي من البشر، وقد قال سبحانه: (لقد جـــاءكم رسول من أنفـــسكم)(80) أي مثلكم في الخلقة. وقال تعالى: (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون)(81). وذلك لان البشر في مظان أن يكون أسوة وقدوة للناس(82)، أما الملك فلا، إذ الناس يقولون انه ملك وهو مجرد من دواعي المعصية وله قوى لا نملكها وله أحكام غير أحكامنا فلا يكون لنا قدوة، وكذلك إذا كان من الجن، أو من جنس آخر. ويمكن القول بان جعله بشراً من باب اللطف ولكن ليس كل لطف واجبا، فليس سبحانه ملزما بذلك، إذ الإلزام ـ فيما الزم به تعالى نفسه ـ إنما يكون في اصل تبليغ الرسالة، سواء كان بسبب البشر أم بسبب غير البشر، كما قرر في علم الكلام.
عزيز عليه ما عنتّم من مواصفات القائد مسألة: يلزم أن يكون القائد بحيث يعز عليه ويشق عليه ما عنت وشق وصعب على رعيته، كما يعز على الأب ما يجري على ابنه، إذ القائد هو الأب الروحي، ولأنه إذا لم يكن يهتم برعيته حتى يشق عليه ما يشق عليهم لا يصلح ان يكون ذلك الذي يقود سفينة الرعية نحو شاطئ السلام في خضم التيارات وأمواج الفتن وأعاصير البلاء. ولمكانة (ما) يدل على عزة ذلك على الرسول (صلى الله عليه وآله) ولو كان من أدنى درجات العنت، لان الطبيعة سارية من الصغيرة الى الكبيرة، كما قرر في علم المنطق. قولها (عليها السلام): (ما عنتم) أي ما عنتكم أي ما صعب وشق عليكم، فانه (صلى الله عليه وآله) كان يشق عليه كل ما شق على أمته في حال حياته وبعد مماته، ولذا قال (صلى الله عليه وآله) لعزرائيل (عليه السلام) عند حضوره لقبض روحه : (شدد عليَّ وخفف على أمتي)، على عكس الحكام الدنيويين وطلاب القوة والسلطة الذين لا يهمهم إلا أمر أنفسهم وإلا المزيد من الأموال والقدرة والشهوات، وان كان كل ذلك على حساب الأمة واقتطاعا من أقواتها وحقوقها. وهكذا كان علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد ورد أنه (عليه السلام) نظر إلى فقير انخرق كم ثوبه، فخرق كم قميصه وألقاه إليه(83).
حريص عليكم وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان علي بن أبي طالب ليطعم الناس خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل»(84). الحرص على الرعية مسألة: يلزم أن يكون القائد والراعي ـ في أية درجة ومنزلة كان، وسواء اتسعت دائرة رعيته أم تضيقت(85) ـ حريصا على شؤون أتباعه ورعيته. ومعنى الحرص عليهم الحرص على هدايتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة وتقدمهم في شتى الأبعاد الجسمية والروحية، المادية والمعنوية، وذلك لان حذف المتعلق يفيد العموم. ومن الواضح إن الحرص ـ وهو شدة الاهتمام والتمسك والتعلق بشيء ـ على الخيرات حسن ممدوح،كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «المؤمن على الطاعات حريص وعن المحارم عفيف»(86). أما المذموم فهو الحرص على الدنيا الفانية وشهواتها الدنية. قال الإمام الصادق (عليه السلام): «أربع من علامات النفاق قساوة القلب وجمود العين والإصرار على الذنب والحرص على الدنيا»(87). وقال (عليه السلام): «هلاك الناس في ثلاث: الكبر والحرص والحسد»(88). وعنه (صلى الله عليه وآله): «وإياكم والحرص فان آدم (عليه السلام) حمله الحرص على أن أكل من الشجرة»(89). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لابنه الحسين (عليه السلام): «أي بني الحرص مفتاح التعب ومطية النصب… الحرص علامة الفقر»(90). وقال (عليه السلام): ( خير الناس من اخرج الحرص من قلبه)(91). هذا وفي بعض الروايات الواردة في تأويل الآية المباركة أنه (عليه السلام) تلا هذه الآية: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) قال: (من أنفسنا)، قال: (عزيز عليه ما عنتم) قال: ما عنتنا، قال: (حريص عليكم) قال: علينا، (بالمؤمنين رؤوف رحيم) قال: بشيعتنا رؤوف رحيم، فلنا ثلاثة أرباعها ولشيعتنا ربعها(92).
بالمؤمنين رؤوف رحيم بين الرأفة والرحمة مسألة: يلزم أن يكون القائد رؤوفا رحيما، والفرق بينهما أن الصفة الأولى تتعلق بالعمل والجوارح، والثانية ترتبط بالقلب والجوانح، في قبال الفظّ الذي يعكس خشونة الأفعال وهي حالة خارجية، وغليظ القلب وهي حالة داخلية، كما في الآية الكريمة: (ولو كنت فظا غليظ القلب)(93).. أمـا (الرحمن الرحيم) في قولـه تعالـى: (بسم الله الرحمن الرحيم)(94)، فالأول خارجي يتعلق بالظواهر والمظاهر، والثاني قلبي، وكلاهما من مادة الرحمة وبمعنى واحد، لا ان لهما معنيين كما قاله بعض المفسرين. ولذا يقال: فلان رحيم القلب، ولايقال: رحمان القلب، وربما يقال بإطلاق كل منهما على الآخر لو انفرد كما قالوا بذلك في (المسكين والفقير) و(الظرف والجار والمجرور) والتفصيل في المفصلات. فالمراد: ظاهره رحيم وباطنه رحيم، لا كبعض الناس حيث ترى الغلظة في ظاهره وباطنه، أو في ظاهره فقط، أو في باطنه فقط، فان الغلظة إذا كانت في الظاهر لا تنفع معها - عادة - الرقة الباطنية، وإذا كانت الغلظة في الباطن كان الظاهر الرقيق تصنعا لاواقعية له، والتصنع قد ينفع في خداع الناس لفترة، إلا انه ليس بدائمي ولا شمولي إذ إن الجوهر يصنع ما يصنع، ففي الخلوات ـ مثلاً ـ تصنع الغلظة صنعتها في تلك المؤامرات التي تحاك خفية والخطط الشيطانية التي سرعان ما تنكشف للناس فتفضح تلك السريرة الشريرة وتلك الضمائر الخبيثة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الله عز وجل خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علم… فجعل العلم نفسه والفهم روحه والزهد رأسه والحياء عينيه والحكمة لسانه والرأفة همه والرحمة قلبه» الحديث(95). وفي الدعاء: «الذي أوجبته على نفسك من الرأفة والرحمة»(96). وأيضا: «يا معروفاً بالإحسان والرأفة والرحمة»(97). وأيضا: «وأسألك باسمك الذي خلقت به ملائكة الرأفة والرحمة»(98). قولها عليها السلام: (بالمؤمنين) تخصيصهم بالذكر من جهة ان الصفتين السابقتين(99) كانتا تشملان المؤمن والمنافق، فالرسول (صلى الله عليه وآله) ما كان يريد حتى عنت المنافقين، وكان حريصاً على إيمانهم وهدايتهم وإنقاذهم وكان يقول حتى بالنسبة إلى الكافرين: (اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون)(100)، أما رأفته ورحمته فمصبها (المؤمنون).
فإن تعزوه وتعرفوه(101) تجدوه أبي دون نسائكم التعرف على الرسول (صلى الله عليه وآله) مسألة: يجب التعرف على الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، والقضية الشرطية في كلامها(عليها السلام) وان كانت صحتها لا تتوقف على صدق المقدم بل ولا على إمكانه، إلا أن حكم المقدم هنا يستفاد من الخارج، كما هو بيّن لدى الالتفات. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد بيان لزوم معرفة الله وحدوده: «وبعده معرفة الرسول(صلى الله عليه وآله) والشهادة له بالنبوة، وأدنى معرفة بالرسول الإقرار بنبوته وان ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك عن الله عز وجل…» الحديث(102). وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «لم يبعث الله نبياً يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة، وانما يقبل الله عز وجل العمل من العباد بالفرائض التي افترضها عليهم بعد معرفة من جاء بها من عنده ودعاهم إليه فأول ذلك معرفة من دعا إليه وهو الله الذي لا إله إلا هو وحده والإقرار بربوبيته، ومعرفة الرسول الذي بلغ عنه وقبول ما جاء به، ثم معرفة الوصي (عليه السلام) ثم معرفة الأئمة بعد الرسل الذي افترض الله طاعتهم في كل عصر وزمان على أهله…»(103). وعنه (عليه السلام): «من زعم انه يحل الحلال ويحرم الحرام بغير معرفة النبي (صلى الله عليه وآله) لم يحل لله حلالاً ولم يحرم له حراماً…»(104). قولها صلوات الله عليها: (تعزوه) أي تنسبوه بذكر النسب منه واليه. و(تعرفوه) تعرفون شخصه ونسبه، بالمعنى الأعم من النسبة اليه، حتى يعرفوا ان فاطمة (عليها الصلاة والسلام) منسوبة إليه (صلى الله عليه وآله). و(أبي) تمهيد لكون فدك لها، لان فدك حتى إذا لم تكن نحلة ـ فرضاً ـ تكون إرثاً، لان فاطمة عليها السلام هي ابنته التي ترثه. لا يقال: إذا كانت فدك إرثا كانت للزوجات حصة أيضا؟ لأنه يقال: الزوجات كن يعترفن بان فدك ليست لهن فلم يبق إلا هي (صلوات الله عليها). كما إذا مات زيد وكان في حوزته كتاب، واعترف الأبناء بأنه ليس لهم وادعاه أحدهم فقط فانه يصبح له وحده، فهذه الجملة(105) كالتمهيد على حسب كلام البلغاء. ثم إن قولها (عليها السلام): (تجدوه أبي دون نسائكم) هل يدل على أنها صلوات الله عليها هي البنت الوحيدة للرسول (صلى الله عليه وآله)؟ قال بذلك بعض. الانتساب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) مسألة: يستحب لذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يبينوا نسبهم للناس ولا شك أن النسب والقرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضيلة عظيمة في الدنيا والآخرة، والاستحباب إنما يكون إذا لم يتوقف حكم شرعي على ذلك وإلا وجب البيان، كما بالنسبة الى المرأة الهاشمية القرشية حيث أنها تبلغ سن اليأس في الستين من العمر وغيرها في الخمسين(106). وكذلك يجب بيان النسب فيما يتعلق بشؤون الخمس والزكاة ـ سلباً وايجاباً ـ وغير ذلك، وهناك أحكام كثيرة ترتبط بالنسب مذكورة في الفقه. وقد انتسب الإمام السجاد (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في خطبته أمام يزيد(107). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما بال أقوام يقولون أن رحم رسول الله لا ينفع يوم القيامة بلى والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة»(108). ثم انه لا منافاة بين ما ذكرناه وما ورد من قوله (عليه السلام): «حسب الأدب أشرف من حسب النسب»(109).
و أخا ابن عمي دون رجالكم وقال (عليه السلام): «نعم النسب حسن الأدب»(110). وقال (عليه السلام): «فخر المرء بفضله لا بأصله (بأهله)»(111). وقال (عليه السلام): «ليست الأنساب بالآباء والأمهات لكنها بالفضائل المحمودات»(112). أخ الرسول (صلى الله عليه وآله) مسألة: يستحب بيان أن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) أخ للرسول (صلى الله عليه وآله) دون غيره. وفي ذلك تكريس لنفس الغرض الذي من أجله اتخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام) أخاً، وقد يكون بيان ذلك واجباً(113). وإذا كان النظر إلى وجه علي (عليه السلام) عبادة(114) وذكره عبادة(115) فالخوض في فضائله عبادة وبشكل أولى. قولهــا عليها السلام: (وأخـا) أي أن عليـاً (عليه الصلاة والسلام) مخصـوص بالاخـوة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وانه ابن عم فاطمة (عليها السلام)، ولعله تمهيد لكونه (عليه السلام) وصيه (صلى الله عليه وآله) دون غيره، لان الأخ يقوم مقام أخيه. أو أن الجملتين لمزيد التعريف بهما ولوجود من قد يجهل الأصل أو الاختصاص(116). وفي الحديث عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) قال: «كان لي عشر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يعطهن أحد قبلي ولا يعطاهن أحد بعدي، قال لي: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت أقرب الناس مني موقفاً يوم القيامة، ومنزلي ومنزلك في الجنة متواجهان كمنزل الأخوين، وأنت الوصي، وأنت الولي، وأنت الوزير، عدوك عدوي وعدوي عدو الله، ووليك وليي ووليي ولي الله عز وجل»(117). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم وهو في مسجد قباء والأنصار مجتمعون: «يا علي أنت أخي وأنا أخوك، يا علي أنت وصيي وخليفتي من وإمام أمتي بعدي» الحديث(118). وفي كشف الغمة: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بين المسلمين ثم قال: يا علي أنت أخي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي»(119). وفي الحديث المروي عن الفريقين: «إن النبي آخى بين الناس وترك علياً (عليه السلام) حتى بقي آخرهم لا يرى له أخاً، فقال: يا رسول الله آخيـت بين النـاس وتركتني، قـال: إنمـا تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك، فان ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يدعيها بعدك إلا كذاب»(120). ذكر فضائل علي (عليه السلام) مسألة: يستحب ذكر فضائل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) للناس، وفي الخطاب بصورة خاصة ويلحق به كتابتها. فان ذكر فضائله (عليه السلام) حسنة، وقد يكون واجباً إذا كان المورد من اللازم ذكره ومعرفته، ذاتا أو طريقاً(121). وانما قلنا باستحبابه في الخطاب بصورة خاصة، لان الخطاب يفيد الغير، على عكس ما إذا لم يكن هناك خطاب وانما حديث وتذاكر لما يعلمه. والحاصل إن الخطاب أخص من اصل المذاكرة، سواء علم الجميع أم اقتصر العلم على المتكلم وان كان الأمر في صور عدم علم المخاطبين آكد، فهي مراتب من الاستحباب ـ وربما وجب ـ حسب ما يفهم من الروايات والموازين العقلائية. وفي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه محمد بن علي (عليه السلام) عن آبائه الصادقين (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تبارك وتعالى جعل لأخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فضائل لا يحصي عددها غيره، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقراً بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين، ومن كتب فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقـي لتلك الكتابـة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): النظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) عبـادة، وذكـره عبادة، ولا يقبل إيمـان عبـد إلا بولايته والبراءة من أعدائه»(122). هذا وقد أصر الأعداء على كتمان فضائل علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وعاقبوا على ذلك ولكن (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون(123). وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: «وقد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي (عليه السلام) وعاقبوا على ذلك الراوي له، حتى أن الرجل إذا روى عــنه حــديثاً لا يتعــلق بفـــضله بل بشرائع الديـــن لا يتجـــاسر عـــلى ذكـــر اسمه فيقول عن أبــي زينب!»(124). وعن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «لو أن الغياض أقلام، والبحار مداد، والجن حسّاب والأنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب(عليه السلام)»(125).
|
1 - راجع مثلاً: سورة البقرة: 21 و168، وسورة النساء: 1 و170 و174، وسورة يونس: 23، وسورة الحج: 1 و5 و.. 2 - راجع مثلاً: سورة البقرة: 104 و153 و172 و183 و178 و208، وسورة آل عمران: 100 و102 و118 و130 و149 و156 و200، وسورة النساء: 19 و29 و43 و59 و71 و94 و.. 3 - جاء قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا) 89 مرة في القرآن، و(يا أيها الناس) 20 مرة. 4 - راجع سورة الأعراف: الآيات 26 و 27 و31 و35 وسورة يس الآية 60. 5 - انظر مثلاً: سورة يونس: 104 و108. ولا يخفى ما في كلمة (قل) من الدلالة. 6 - راجع (كلمة الله) لآية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره). 7 - من الواضح ان خطاب الجمهور يوجب شد الأسماع وتركيز الأفكار فيكون الحديث أقوى في التأثير. 8 - سورة البقرة: 21. 9 - سورة الأعراف: 158. 10 - سورة يونس: 104. 11 - سورة يونس: 108. 12 - سورة النمل: 16. 13 - سورة البقرة: 208. 14 - سورة النساء: 29. 15 - سورة النساء: 144. 16 - الخرائج والجرائح: ص249 ـ 250. وهناك روايات أخرى ورد فيها الخطاب بـ (يا بن آدم) مثل: سئل الإمام الحسين (عليه السلام) عن أصوات الحيوانات، فقال (عليه السلام): «إذا صاح النسر فانه يقول: يا ابن آدم عش ما شئت فآخره الموت.. وإذا صاحت السماناة تقول: يا بن آدم ما أغفلك عن الموت…»، الخصال: ص4 ح 8. وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «يا ابن آدم انك لا تزال بخير مادام لك واعظ من نفسك…» الحديث، مشكاة الأنوار: ص246، الفصل الأول: في عيوب النفس ومجاهدتها. 17 - سورة الصافات: 75. 18 - سورة آل عمران: 193. 19 - سورة الأنبياء: 89. 20 - سورة الزخرف: 51. 21 - سورة الحجرات: 4. 22 - مشكاة الأنوار: ص215 الفصل العاشر في حق الجار. 23 - المناقب: ج3 ص26 ـ 27 فصل في قصة يوم الغدير، وخصائص الأئمة: ص42. 24 - مستطرفات السرائر: ص607. 25 - العدد القوية: ص226 نبذة من أحوال الصديقة الطاهرة (عليها السلام) وكيفية ولادتها. 26 - ثواب الأعمال: ص219 عقاب من قتل الحسين (عليه السلام). 27 - أي قول السيدة زينب (عليها السلام) التي روت الخطبة. 28 - حيث قالت عليها السلام: (ثم قالت: اعلموا اني فاطمة..) 29 - اللهوف: 86 ـ 87. 30 - المناقب: ج4 ص109 فصل في مقتله (عليه السلام). 31 - الاحتجاج: ص311، احتجاج علي بن الحسين (عليه السلام) على يزيد بن معاوية لما أدخل عليه. 32 - إرشاد القلوب: ص220. 33 - سورة الأعراف: 158. 34 - وانظر أيضا سورة الصف: 5 و 6، وفيها: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون إني رسول الله إليكم...)، و (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا…). 35 - سورة آل عمران: 103. 36 - سورة الأنبياء: 26 ـ 27. 37 - سورة النبأ: 1. 38 - الفضائل: ص83 ـ 85. 39 - المناقب: ج3 ص242. 40 - كتاب سليم بن قيس: ص93. 41 - سورة التحريم: 12. 42 - شرح النهج: ج9 ص107 يوم نهاوند. 43 - ديوان الإمام علي (عليه السلام): ص69. 44 - ديوان الإمام علي (عليه السلام): ص69. 45 - ديوان الإمام علي (عليه السلام): ص69. 46 - كما أنكر البعض وشكك آخرون في صحة نسبة عدد من خطب وكلمات نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أو جهل مدى صحة نسبة عدد من الكلمات إلى العديد من المعصومين (عليهم الصلاة والسلام)، بل إن قسما من الخطب والكلمات انتحلها أمثال معاوية لنفسه!. 47 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص102 المجلس 22 ح3. 48 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص486 المجلس 73 ح18. 49 - راجع علل الشرائع: ص185 ح2 باب العلة التي من أجلها دفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل ولم تدفن بالنهار. 50 - علل الشرائع: ص178 ح1 ب باب العلة التي من أجلها سميت فاطمة (عليها السلام) فاطمة. 51 - علل الشرائع: ص179 ح5 باب العلة التي من أجلها سميت فاطمة (عليها السلام) فاطمة. 52 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص273. 53 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص278. 54 - المناقب: ج3 ص232 فصل في حب النبي إياها، عن البخاري. 55 - المناقب: ج3 ص332 فصل في حب النبي إياها. 56 - المناقب: ج3 ص332 فصل في حب النبي إياها. 57 - كشف الغمة: ج1 ص466. 58 - روضة الواعظين: 149 مجلس في ذكر مناقب فاطمة (عليها السلام). 59 - أي إلى أنها (عليها السلام) بنت محمد (صلى الله عليه وآله). 60 - أي: للسر في قولها عليها السلام: (وأبي محمد). 61 - وقد ذكر الإمام المؤلف دام ظله وجها ثالثاً لذلك قبل قليل تحت عنوان (اعلموا أني فاطمة). 62 - وفي بعض النسخ: (أقول عوداً على بدء) والمعنى واحد. 63 - الصوارم المهرقة: ص176. 64 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص52، وشرح النهج ج17 ص175. 65 - أنظر مصباح الكفعمي: ص15 الفصل 18، وغيره. 66 - مكارم الأخلاق: ص20. 67 - إذ (يبدأ) الإنسان بشيء ثم (يعود) إليه مرة أخرى. 68 - أي ان كلامها (عليها السلام) لأهميته جدير بان يعاد مؤكدا، فهو (محل) و(محطة) لان يعاد ويكرر. 69 - راجع مقدمة الجزء الأول من كتاب (من فقه الزهراء (عليها السلام) ) حديث الكساء. 70 - فيكون (لا أفعل) تأكيدا لـ (لا أقول). 71 - إشارة إلى الخطأ سهوا، الذي لا ينطبق عليه حكم من الأحكام الخمسة لخروجه عن مقسمها. 72 - أي قال قولاً غير مطابق للواقع عمدا. 73 - أي لا مثل الشؤون الاعتقادية. 74 - غرر الحكم ودرر الكلم: ص65 الفصل 12. 75 - غرر الحكم ودرر الكلم: ص464 الفصل 8. 76 - دعائم الإسلام: ج2 ص222 فصل ذكر المهور ح831. 77 - سورة الجن: 4. 78 - سورة الكهف: 14. 79 - سورة ص: 22. 80 - سورة التوبة: 128. 81 - سورة الأنعام: 9. 82 - فهو يصلح ان يكون أسوة في تبليغه الرسالة رغم المصاعب، وفي التزامه بأوامره جل وعلا وتجنبه ارتكاب المعاصي رغم انه ـ كسائر الناس ـ مركب من روح وجسد ورغم وجود القوة الغضبية والشهوانية و.. فيه، الى غير ذلك. 83 - بحار الأنوار: ج40 ص323. 84 - بحار الأنوار: ج40 ص327. 85 - أي سواء كان قائداً لامة أم لشعب أم لقبيلة أم لحزب أم لعائلة أم لفرد واحد. 86 - غرر الحكم ودرر الكلم: ص90 ح1537. 87 - الاختصاص: ص228. 88 - كشف الغمة: ج1 ص571. 89 - إرشاد القلوب: 119 ب40. 90 - تحف العقول: ص88 ـ 90. 91 - غرر الحكم ودرر الكلم:ص241 ح4873. 92 - تفسير العياشي: ج2 ص118، والآية في سورة التوبة: 128. 93 - سورة آل عمران: 159. 94 - سورة الفاتحة: 1. 95 - الخصال: ص427، ان الله تبارك وتعالى قوى العقل بعشرة أشياء. 96 - الإقبال: ص73. 97 - الإقبال: ص491. 98 - البلد الأمين: ص414، الأسماء الحسنى. 99 - وهما (عزيز عليه ما عنتم) و(حريص عليكم). 100 - إعلام الورى: ص83. 101 - وفي بعض النسخ: فإن تعزروه وتوقروه. 102 - كفاية الأثر: ص262. 103 - دعائم الإسلام: ج1 ص52 ـ 53. 104 - علل الشرائع: ص250 باب علل الشرائع وأصول الإسلام ح7. 105 - أي: (تجدوه أبي). 106 - هناك أحكام شرعية عديدة تترتب على كون المرأة دون سن اليأس أو بلوغها سن اليأس، مذكورة في كتاب النكاح والطلاق وغيرهما. 107 - بحار الأنوار:ج45 ص174 ب39 ح22. 108 - الأمالي للشيخ المفيد: ص327 المجلس 38 ح11، والإفصاح: ص51. 109 - غرر الحكم: ص248 ح5112. 110 - غرر الحكم: ص248 ح5118. 111 - غرر الحكم: ص409 ح9387. 112 - غرر الحكم: ص409 ح9388. 113 - كما إذا توقفت هداية إنسان على ذلك ( أي على بيان فلسفة اتخاذ الرسول (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) أخا دون غيره من سائر المسلمين وفيهم القريب والبعيد والشاب والشيخ و..). 114 - المناقب: ج3 ص202 فصل في محبته (عليه السلام). 115 - الاختصاص: ص223، والعمدة:ص365. 116 - الظاهر ان مراده (دام ظله) من (الأصل أو الاختصاص): اصل الاخوة، أو اختصاصها بعلي(عليه السلام). 117 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص77 المجلس 18 ح8. 118 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص352 المجلس 56 ح7. 119 - كشف الغمة: ج1 ص294 في ذكر أنه (عليه السلام) أقرب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانه مولى من كان مولاه. 120 - الطرائف: ص63 باب أن علياً أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) روى عن مسند أحمد بستة طرق. 121 - (ذاتا) كفضائله التي تعد من أصول المذهب كإمامته مثلاً، و(طريقاً) أي من باب المقدمية. 122 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص138 المجلس28 ح9. 123 - سورة الصف: 8. 124 - شرح نهج البلاغة: ج4 ص73. 125 - الصراط المستقيم: ج1 ص153 ب7. |