القسم العاشر

(بئس للظالمين بدلا)(1)

بئس للظالمين

مسألة: يستفاد من إستنادها (عليها السلام) إلى الآية الشريفة: (بئس للظالمين) أن ما فعلوه من غصب الخلافة وإيذاء الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وخذلانهم لهما (عليهما السلام) و… جعلهم في عداد الظالمين وقد قال تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)(2).

ويلزم الاعتقاد بذلك(3) على حسب دلالة متواتر الروايات الواردة في باب التبري وغيره، ولأنه من الاعتقاد بالأمور الأصولية، فإن كثيراً من شؤون الأصول الخمسة ترجع إليها وإن كان بعضها مما لا يُعلم بوجوب الاعتقاد بجميع خصوصياتها وان كان يحرم إنكارها، مثلاً خصوصيات العرش وخصوصيات الجنة والنار وما أشبه، وبعض الخصوصيات المتعلقة بالمعصومين (عليهم السلام) من قبيل كناهم وعدد أولادهم وما أشبه ذلك، على تفصيل ذكره علماء الكلام مما هو خارج عن مبحثنا.

وفي استنادها (عليها السلام) إلى هذه الآية الشريفة دلالة أخرى عميقة حيـث أن كامل الآية هو (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً)(4)، فليتدبر.

قولها (عليها السلام): (بئس للظالمين بدلاً)، أي: بئس ما إختاروه لأنفسهم بديلاً عن القرآن وأحكامه ودساتيره، حيث بدّلوا القرآن بغير القرآن واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وحكموا بالباطل والجور، إرضاءً وإشباعاً لشهواتهم الزائلة، وقد قال سبحانه: (للظالمين) كناية عن أن الذي يستبدل القرآن بغير القرآن فهو من الظالمين أي أن الاستبدال هو ملاك الظلم وسبب اتصافهم بهذه الصفة وإن شمل اللفظ من كان متصفاً بها من قبل.

أقسام الظلم

مسألة: الظلم المحرم يشمل ظلم النفس وظلم الشعب وظلم الأجيال القادمة.

والقوم بغصبهم الخلافة وعزل آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها وتغيير منهجه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ظلموا أنفسهم والناس وكل الأجيال القادمة على مر العصور، أسوأ الظلم وأشده.

وإستشهادها (عليها السلام) بالآية الشريفة، والإطلاق الازماني والاحوالي في (للظالمين)، وشهادة الآثار الوضعية الخارجية العينية، دليل على ذلك، وقد ورد النهي الشديد عن الظلم:

قال (صلى الله عليه وآله): «وإياكم والظلم، فان الظلم عند الله هو الظلمات يوم القيامة»(5).

وقال (صلى الله عليه وآله): «وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم»(6).

وعن أبي عبد الله (عليها السلام) قال: «الظلم في الدنيا هو الظلمات في الآخرة»(7).

وقال أبو جعفر (عليها السلام):« قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقه لم يزل الله عزوجل معرضاً عنه، ماقتاً لأعماله التي يعملها من البر والخير، لا يثبتها في حسناته حتى يتوب ويرد المال الذي أخذه إلى صاحبه»(8).

وقال الإمام الصادق (عليها السلام): «من عذر ظالماً بظلمه سلط الله تعالى عليه من يظلمه فان دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته»(9).

نعم إن ما أبدلوا به كان بئس البدل سياسياً واقتصادياً واجتماعيا وأخلاقياً ودينياً وفي شتى الجهات الأخرى، قال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)(10).

وليست الويلات والدواهي والفتن والمحن التي مرت بالمسلمين منذ ذلك اليوم وحتى الآن إلا وليدة ذلك الظلم الذي عُدّ الحجر الأساس في تحريف مسار التاريخ عن منهج الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان سيكفل للبشرية جمعاء السعادة لو طبق، إلى منهج الظلم والاستبداد والجهل والأثرة والتخلف والانحطاط و…

و(بئس) تكشف عن حقيقة خارجية وتدل على الأثر الوضعي الدنيوي كما تفصح عن واقع الحال في الآخرة أيضاً.

 

(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)(11)

أصول الدين

مسألة: عدّ جماعة أصول الدين ثلاثة وهي: التوحيد والنبوة و المعاد، وأصول المذهب خمسة بإضافة العدل والإمامة، والمستفاد من استدلالها (صلوات الله عليها) بهذه الآية الشريفة (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً …)(12)، أن الإمامة من أصول الدين، ومنكرها قد ابتغى غير الإسلام ديناً في الموضوع لا الحكم، فتأمل، وعلى ذلك روايات كثيرة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ان الولاية من بعدي لعلي والحكم حكمه، والقول قوله، لا يرد حكمه وقوله وولايته إلا كافر، ولا يرضى بحكمه وقوله وولايته إلا مؤمن»(13).

وعنهما (عليهما السلام): «في قوله تعالى: (ليخرجكم من الظلمات إلى النور)(14) يقول: من الكفر إلى الإيمان يعني إلى الولاية لعلي (عليها السلام)»(15).

وعن الإمام الباقر (عليها السلام): ( (والذين كفروا)(16) أي بولاية علي (عليها السلام) (أولياؤهم الطاغوت) نزلت في أعدائه ومن تبعهم، أخرجوا الناس من النور، والنور ولاية علي (عليها السلام) فصاروا إلى الظلمة ولاية أعدائه)(17).

وفي قوله تعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)(18) قال أبو الحسن الماضي (عليه السلام):

«يريدون يطفئوا ولاية أمير المؤمنين بأفواههم والله متمم نوره: والله متمم الإمامة»(19).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (فاقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها)(20) قال: «هي الولاية»(21).

وعن أبي عبد الله (عليها السلام) في قوله تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً)(22) قال: «نزلت فيمن آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) في أول الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية حيث قال (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه، فعلي مولاه، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين حيث قالوا له: بأمر الله وأمر رسوله فبايعــوه ثم كفروا حين مضــى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يقروا بالبيعـة ثــم ازدادوا كفــراً بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء»(23).

وعن أبي سعيد الخدري قال: «تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الآية: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون)(24) ثم قال: أصحاب الجنة من أطاعني وسلّم لعلي الولاية بعدي، وأصحاب النار من نقض البيعة والعهد وقاتل علياً بعدي..»(25).

لا يقال: إن كلامها (عليها السلام) عن القرآن وتركه وراء الظهر.

لأنه يقال: إن مصبّ كلامها هي خلافة الإمام علي (عليه السلام) واعتراضها عليهم بأن الإعراض عنه إعراض عن القرآن، وأنهم بذلك صاروا مصداق (بئس للظالمين بدلاً)(26)، و(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً)(27).

وفي تفسير العياشي عن أبي جعفر (عليها السلام) في قوله تعالى: (ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)(28) قال (عليها السلام): «يهدي إلى الولاية»(29).

وفي حديث آخر: «يهدي إلى الإمام»(30).

وذلك بيّن أيضاً من قولها (عليها السلام) (والرسول لمّا يقبر) أو ليس نصب غير الإمام خليفة في السقيفة هو الذي كان قبل أن يقبر الرسول (صلى الله عليه وآله)؟

ومن قولها: (ابتدارا زعمتم خوف الفتنة).

ويدل عليه أيضاً قولها: «ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين».

ثم إن معنى (فلن يقبل منه) هل هو المطلق أو النسبي، أي قبولاً مطلقاً أم قبولاً كما يقبل عن المؤمنين، وبعبارة أخرى هل (القبول المطلق) هو المنفي أو (مطلق القبول)؟

قد يختلف باختلاف المصاديق.

ثم إن الكفار على ثلاثة أقسام أو أكثر: الذميون والمحايدون والمعاهدون، وهؤلاء يحقن دمهم ومالهم وعرضهم، وأما الكفار في القسم الرابع وهم المحاربون، فإنهم يحاربون حسب موازين الإسلام، كما قال سبحانه: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)(31).

هذا ويحتمل أن يكون المراد عدم القبول أخروياً ولا منافاة بينهما.

و(ابتغاء غير الإسلام ديناً) يشمل الأقوال والأعمال، سلباً وإيجاباً ـ فهذه أربع صور ـ:

بأن يقول ما لايقوله الإسلام(32).

أو لا يقول ما يقوله الإسلام(33).

أو يعمل ما لا يريد الإسلام عمله(34).

أو لا يعمل ما أراده(35)، فإن الإسلام عقيدة وقول وعمل، وعلى هذا فالأقسام ستة.

قال الإمام الرضا (عليها السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان»(36).

وفي حديث عن أمير المؤمنين (عليها السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال جبرئيل: قال الله تعالى: (لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني كان آمنا) وقال الإمام(عليها السلام): بشروطها وشروطها المعرفة الولاية والعمل بالأركان»(37).

ثم انه يجب الاعتقاد بمضمون هذه الآية الشريفة(38) كبرىً، وبمصاديقها صغرىً ـ في الجملة ـ، ومنها ما قام به القوم من غصب الخلافة، وعلى ذلك دلت الأدلة الأربعة.

الطريق إلى الله

مسألة: الآية صريحة في نفي ما ذهب إليه بعض المذاهب الباطلة(39)، من أن الأديان والمذاهب كلها طرق الى الله تعالى وإن من تمسك بأي منها فهو ناج، أو أن القلب وسلامته هي المعيار لا العمل، أو أن هنالك طريقة تغاير الشريعة وما أشبه ذلك.

كما أن إستدلالها (عليها السلام) بالآية في المقام نفي لصحة المذاهب الأخرى غير المذهب الجعفري الاثنا عشري، وهي عبارة أخرى عن الروايات الصحيحة التي تصرح بـ«ستفترق أمتي من بعدي على ثلاث وسبعين إحداها ناجية وسايرها هالكة»(40).

وقال (صلى الله عليه وآله): «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة ناجية والباقون في النار»(41).

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قول النبي (صلى الله عليه وآله): «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية وهم المتمسكون بولايتكم، لا يعملون برأيهم، أولئك ما عليهم من سبيل»(42).

وفي حديث آخر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي مثلك في أمتي مثل المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) افترق قومه ثلاث فرق، فرقة مؤمنون وهم الحواريون، وفرقة عادوه وهم اليهود، وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن الإيمان، وان أمتي ستفترق ثلاث فرق، فرقة شيعتك وهم المؤمنون، وفرقة أعداؤك وهم الشاكون، وفرقة غلاة فيك فهم الجاحدون، وأنت يا علي وشيعتك ومحبو شيعتك في الجنة، وأعداؤك والغلاة في محبتك في النار»(43).

الخلافة والظلم

مسائل: لا يصلح من يكون ظالماً، أو في حكم غير المسلمين، أومن يكون من الخاسرين في الآخرة، لخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يجوز إستخلافه، ولا تكون له الشرعية، ولا لأقواله وأفعاله الحجية، ويلزم الاعتقاد بما ذكر وقد قال سبحانه جواباً لإبراهيم (عليه السلام): (لا ينال عهدي الظالمين)(44).

لا يقال: هل سأل إبراهيم (عليه السلام) من ربه (العهد) للظالمين أو العادلين، فإن سأله للظالمين فهو مستبعد منه (عليه السلام) وإن سأله للعادلين فلم يكن هذا الجواب جواباً له؟

لأنه يقال: إن إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) طلب العهد في الجملة، وإنما فصل الله سبحانه وتعالى ونوه إلى أنهم بين عادل وظالم، لتنبيه الناس على هذه الحقيقة (كبرىً) والى أنه لا يليق بالخلافة من كان ظالماً (صغرىً)، وتفصيل البحث في علم الكلام.

قولها (عليها السلام): (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)(45).

فإن الذي يبتغي غير الإسلام ديناً وطريقة في حياته، سواء عقيدة أو عملاً لن يقبل منه في الدنيا في الجملة(46)، ويسبب له ذلك انحطاطاً وانحرافاً وضنكاً في معاشه وفي سائر مجالات حياته الدنيا.

ولن يقبل منه في الآخرة أيضاً، قال تعالى:(وهو في الآخرة من الخاسرين)(47).

وقال سبحانه: (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين)(48)، لأن الدنيا مزرعة الآخرة(49)، فقسم من الناس يزرعون ما ينفعهم هناك، وقسم من الناس يزرعون مالا يضر ولا ينفع(50)، وقسم من الناس يزرعون ما يضرهم هناك.

فأهل الباطل يخسرون رأس المال والأرباح المفترضة(51)، بل إنهم يحتطبون أوزاراً ويحملون أثقالاً ويشرون سعيرا، بينما الذكي الفطن هو من يحافظ على رأس ماله ويربح فوق ذلك (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)(52).

نسأل الله عزوجل أن يجعلنا من المتمسكين بولاية الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وأولاده المعصومين (عليهم السلام).

 

ثم لم تلبثوا(53) إلا ريث(54) أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها

ومكروا ومكر الله

مسألة: يستفاد من كلامها (عليها السلام) حرمة ما فعله القوم حيث لم يلبثوا إلا ريث سكون نفرتها وسلس قيادتها.

ويحتمل في قولها (عليها السلام): (ثم لم تلبثوا…) أن يكون إنشاء كما يحتمل أن يكون إخباراً، فعلى الأول ـ على تأمل فيه ـ فان هذا يتضمن تهديداً لهم وعلى ما فعلوه بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) وانه سيعود ـ بشناره وضرره ـ على أنفسهم، وذلك نتيجة أعمالهم المنحرفة ونتيجة إعراضهم عن أحكام القرآن ودساتير الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد قال سبحانه: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله )(55).

وقال تعالى: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)(56).

وقال سبحانه: (يخادعون الله وهو خادعهم)(57).

وقال تعالى: (ويمكرون ويمكر الله)(58).

وقال سبحانه: (قل الله أسرع مكراً)(59).

لا يقال: إن …(60) يريد الماكرين فلا يحيط المكر السيئ.

لأنه يقال: هذا على حسب اقتضاء طبيعة الأشياء وقد ذكرنا فيما سبق أن القضايا غالباً طبيعية.

هذا أولاً.

وثانياً: انا إذا لاحظنا أن الدنيا والآخرة كوجهي الشيء الواحد وأن الآخرة امتداد للدنيا بوجه كما فصلناه في بعض كتبنا(61)، فلا إشكال في أن المكر يعود إلى الماكر سواء في الدنيا أو في الآخرة.

وأما أن الله سبحانه وتعالى أسرع مكراً، فلأنه سبحانه يعلم مسبقاً بمكرهم ومخططاتهم ولذلك فانه يهيأ أسباب المكر لهم، ويكون مكره أسرع من مكرهم(62)، والمكر عبارة عن معالجة الأمور بنحو خفي حتى يوقع غيره فيما يريد الفرار منه(63).

الحيطة من أهل الباطل

مسألة: الواجب أن لا يغتر المؤمنون من سكون أهل الباطل وهدوئهم ودعتهم الظاهرية، إذ ربما يكونون قد بيتوا شراً مستطيراً.

ومعنى ذلك الأخذ بلوازم الحيطة والحذر، وليس ذلك يعني مصادرة حرياتهم المكفولة شرعاً أو التضييق عليهم ومعاملتهم كمجرمين، إذ لا قصاص قبل الجناية، ولا يؤخذ بالظنة أو التهمة في الشريعة السمحة السهلة.

نعم من دأب الظالمين والمستبدين القصاص قبل الجناية بل ومن غير قصدها، والأخذ بالظنة وما أشبه.

وقد كتب الإمام الحسين (عليه السلام) جواباً لكتاب معاوية:

«ابشر يا معاوية بقصاص واستعد للحساب واعلم ان لله كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس الله تبارك وتعالى بناس أخذك بالظنة وقتلك أولياءه بالتهمة ونفيك إياهم من دار الهجرة إلى الغربة والوحشة»(64).

ثم إن هذه الجملة، من كلامها (صلوات الله عليها) تعد إحدى أدق الدراسات وأجمل التعابير في الأدب التصويري عن طبيعة المنحرفين في المجتمع ونفسيتهم، فهم يتبعون خطوات الشيطان في المراوغة، والتظاهر، والتستر، والمكر، واتباع سياسة الكر والفر، وسياسة الخطوة خطوة، وسياسة خطوة إلى الخلف وخطوتان إلى الأمام.

أقسام المكر

مسألة: المكر على قسمين:

فمنه: مكر صحيح محمود هو مقتضى العدل والعقل(65) واللطف، وهو ما كان من باب مقابلة المكر بالمكر، وفي حدوده الشرعية، أي ما كان في مواجهة مكر وحيلة وتضليل وتدليس وظلم الطغاة والمنحرفين والضلاّل.

ومنه: مكر فاسد مذموم، وهو الابتداء بالمكر مما يعد ظلماً وتحايلاً على الحق لصالح جبهة الضلال والظلام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من كان مسلماً فلايمكر ولا يخدع فاني سمعت جبرئيل يقول ان المكر والخديعة في النار»(66).

وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «المكر سجية اللئام»(67).

وقال (عليه السلام): «إياك والمكر فان المكر لخلق ذميم»(68).

وقال (عليه السلام): «المكر والخديعة والخيانة في النار»(69).

وقال الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام): (ولا تمكر بي في حيلتك)(70) أي لاتمكر بي في علاجك للأمور.

ومن المحتمل أن قولها (عليها الصلاة والسلام): (لم تلبثوا) إخبارٌ لا إنشاء أي لما سكنت نفرة الخلافة ـ تشبيهاً لها بالفرس الجموح أو الناقة الهائجة بالنسبة لهم ـ واسلست السلطة لكم قيادتها، وثبتم على الحكم وانتهزتموها فرصة سانحة وأخّرتم من عينه الله خليفة لرسوله(صلى الله عليه وآله).

قولها (عليها السلام): (ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها). ريث بمعنى: قدر، وقد يضاف عليها (ما) فيقال: (ريثما) أي: قدر ما، فقد لبثتم هادئين ـ ظاهرياً ـ بانتظار ساعة الصفر وهي (عندما تسكن نفرتها ويسلس قيادها).

قولها (عليها السلام) (ويسلس قيادها)، بمعنى: سهولة القيادة والانقياد.

ومعنى الجملتين(71) أن الخلافة كانت حين عقدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) كالفرس الجامح الصعب بالنسبة لكم، لا ينقاد لأحد منكم وأشباهكم، ولا تكون قيادته أمراً سهلاً، إنها كانت كذلك بسبب حضور رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقوته وخشية الأعداء منه، فلم تتمكنوا أن تأخذوها كما تشاءون، لكن لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانشغل الإمام علي (عليه السلام) بتجهيز رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ إضافة إلى أن وصيته (صلى الله عليه وآله) قد قيدته(72) ـ صارت الخلافة كفرس ذلول فلانشوز لها عنكم، وتمكنتم من قيادها بسهولة، ولذا ركبتموها وأخذتم بزمامها، ولم يكن زهدكم عن الخلافة في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) إلا بقدر وبانتظار أن تأتي الخلافة بهاتين الحالتين: حالة السكون وحالة السلاسة، فكان الأمر تكتيكاً منكم وبحثا عن الفرص وتربصاً للدوائر.

 

ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها

الإعانة على الإثم

مسألة: يستفاد من إطلاق خطابها(73) (عليها السلام) وتوجيهه للمجموع، شموله لمن قاد المؤامرة ولمن أعان عليها، بل ربما أمكن القول بشموله لمن سكت أيضاً، فانه نوع معونة عقلاً أو عرفاً، كما ورد في الساكت عن الغيبة، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الساكت شريك المغتاب»(74).

باعتبار أن سكوت جمع كبير من الناس عن الظلم يعد من العلل المعدة لوقوعه وتحققه فتأمل.

فكما أن اقتراف الإثم والظلم والغصب محرم كذلك الإعانة عليها محرم أيضاً.

قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)(75).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من تولى خصومة ظالم أو أعان عليها ثم نزل به ملك الموت قال له: أبشر بلعنة الله ونار جهنم وبئس المصير»(76).

وقال (صلى الله عليه وآله): «من أعان ظالماً سلطه الله عليه»(77).

وقال (صلى الله عليه وآله): «من دل جائراً على جور كان قرين هامان في جهنم»(78).

وقال الإمام الرضا (عليه السلام): «من أعان ظالماً فهو ظالم»(79).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «من أعان ظالماً على مظلوم لم يزل الله ساخط عليه حتى ينزع من معونته»(80).

وقال (عليه السلام): «لا ينجو من أعان علينا، ولا يعان من أسلمنا»(81).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا عمار من تقلد سيفاً أعان به علياً على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحاً من درّ، ومن تقلد سيفاً أعان به عدو علي عليه قلده الله تعالى يوم القيامة وشاحاً من نار»(82).

التفكيك بين الظلم والظالم

مسألة: من المحرمات الإعانة على (ذات الظلم والعدوان) كما تحرم إعانة الظالم على ظلمه، والفرق:

إنه قد يكون هناك ظلم صادر عن فاعل مكلف مختار جامع لسائر الشرائط، فهاهنا قد اجتمع الظلم والظالم.

وقد يكون هنالك ظلم دون أن يوجد ظالم كما لو صدر الظلم أو الجرم أو العدوان عن غير المكلف بوجه من الوجوه، كما لو ضرب المضطر أو المجبور أو المجنون أو الغافل الساهي، إنساناً، وكما في تعدي الحيوان على الإنسان، فإن أعان شخص ذلك الضارب المضطر أو المجنون أو… كان معيناً للظلم وان لم يكن معيناً للظالم لفرض الانفكاك، وقد تطرقوا إلى شبه هذا المبحث في باب التجري والقبح الفاعلي والفعلي.

وكون ظاهر العناوين: القصدية لا يضر بعد وجود القرينة هاهنا(83) فتأمل.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، أو قاتلهم، أو أعان عليهم، أو سبهم، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم»(84).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما نزلت هذه الآية: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم)(85) قال المسلمون: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألست إمام الناس كلهم أجمعين؟ فقال: انا رسـول الله إلــى الناس أجمعين، ولكــن سيكـون بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي يقومون في الناس، فيُكذَّبون ويظلمهم أئمة الكفر والضلال واشياعهم، ألا ومن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه برئ»(86).

الرضا بفعل الظالم

مسألة: يحرم الرضا بفعل الظالم، وذلك فيما إذا كان الظلم في أمر يتعلق بأصول الدين.

وأما إذا كان الظلم في فروع الدين فالمشهور بينهم عدم الحرمة كما إذا اغتصب إنسان مال إنسان وكان المغتصب منه إنساناً عادياً ـ لا مثل السيدة الزهراء (صلوات الله عليها) ـ فان رضي شخص آخر بهذا الغصب (العادي) فلا يعلم بكونه فاعلاً للحرام وان كان ذلك من رذائل الأخلاق ومما يكشف عن سوء السريرة كالحسد مثلاً ما لم يظهر، وقد ذكروا هذا المبحث أيضاً في باب التجري في الأصول وعلم الكلام.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء فيه»(87).

ومثله باختلاف يسير في تحف العقول(88).

وقال (عليه السلام): «إياك ومصاحبة أهل الفسوق فان الراضي بفعل قوم كالداخل معهم»(89).

وقال (عليه السلام): «لكل داخل في باطل إثمان إثم الرضا به وإثم العمل به»(90).

تقوية شوكة الظالمين

مسألة: تحرم تقوية شوكة الظالمين.

وذلك كالمشي في ركاب الظالم حيث يكون شوكة له وان لم يكن الظالم في حال الظلم.

وكالاشتراك في المؤتمرات والمجالس التي يعقدها الظالم وشبه ذلك.

فان المستفاد من الروايات حرمة ذلك في الجملة، بل لعله يعد من الركون أيضاً، ولو في بعض المصاديق، قال سبحانه: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار)(91).

بل ورد في الحديث الشريف: «من تبسم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه»(92).

وورد: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على الإسلام»(93).

وقال (صلى الله عليه وآله): «من مشى مع ظالم ليعينه فقد خرج من الإسلام، ومن أعان ظالماً ليبطل حقاً فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله»(94).

وقال (عليه السلام) في حديث وجوه معائش العباد: «وأما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر، وولاية ولاته، الرئيس منهم، وأتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو وال عليه، والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام محرّم، معذّب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير، لأنّ كلّ شيء من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر. وذلك أنّ في ولاية الوالي الجائر دوس الحق(95) كلّه، وإحياء الباطل كلّه، وإظهار الظلم والجور والفساد، وإبطال الكتب، وقتل الأنبياء والمؤمنين، وهدم المساجد، وتبديل سنّة الله وشرائعه، فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة»(96).

قولها (عليها السلام): (ثم أخذتم) أي: بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، و(ثم) تستخدم للدلالة على الفصل الزمني كما تستخدم للدلالة على الترتيب الرتبي.

قولها (عليها السلام): (تورون وقدتها) أي: تشعلون وقود النار..

والوقود هو العلة المادية للنار حدوثاً وبقاء، فبه توجد النار وبه تبقى، قال سبحانه:

(قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة)(97) فنار الآخرة على خلاف النيران المتعارفة في الدنيا التي توقد بسبب الحطب والفحم والغاز وما أشبه ذلك.

ومن وقود الفتنة كان إثارة الأحقاد البدرية والحنينية والخيبرية، والحقد والحسد المتركز على أمير المؤمنين (عليه السلام) لكونه قاتل جمع كثير منهم في حروبهم ضد الرسول (صلى الله عليه وآله) ولاختصاصه بالفضائل الجمة دون غيره.

ومن وقود الفتنة كان أيضاً الأهواء والشهوات وحب السلطة والرئاسة والجاه والمال، ذلك أن قادة المؤامرة أخذوا يذكرون هذه العوامل في صدور الناس كي يعينوهم على آل الرسول (صلى الله عليه وآله) وليتسلموا السلطة ويصفو لهم الجو.

وقد يكون كناية عن أنكم أخذتم بأزمة الخلافة لأنفسكم وتوقدون نارها لمصالحكم حتى تستفيدوا من الخلافة، فالإنسان الذي ينقلب على الحق ويصادر حقاً أقره الله لغيره لا محالة يكون هدفه الاستفادة منها في أغراضه وأهدافه الشخصية التي يمليها عليه الشيطان والهوى والنفس، ولعل لذلك كان عطفها (عليها السلام) بـ(وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي).

ما يؤدي إلى الغصب

مسألة: كما يحرم أصل الغصب، يحرم أيضاً كل ما يؤدي إلى استحكامه وتجذره وثباته ودوامه وتوسّعه.

وهذا ما كنّت (عليها السلام) عنه بقولها: (وتهيجون جمرتها)، والجمر عبارة عن: الفحم الذي يسجر ناراً ويشتعل، فانهم كان يهيجون جمرة الخلافة للاستفادة منها في مآربهم.

وهي (صلوات الله عليها) مرة شبهت الخلافة بالفرس أو البعير أو ما أشبه ذلك حيث يركبه الإنسان للوصول إلى هدفه، ومرة شبهها بالنار التي كان ينبغي أن ينتفع منها الإنسان في قبسه وسائر مآربه.

ولعل التشبيه بـ (تورون وقدتها..) بلحاظ المقام، باعــتبار أن عــملهم باغــتصاب الخلافـــة كـــان كالنار المحرقة التي ( لاتبقي ولا تذر)(98).

ولا يخفى لطف التعبير بـ (تورون وقدتها) تنظيراً لغصبهم الخلافة بـ (النار التي وقودها الناس والحجارة)(99).

وربما تستبطن عبارة (وتهيجون جمرتها) فيما تستبطن الدلالة الكمية والكيفية في محاولاتهم، فانهم كانوا يرومون تكريس سلطتهم وتجذير ملوكيتهم وتوسعة سلطانهم فكانوا حثيثي السعي لكسب المزيد من الأنصار ولكسر شوكة الأخيار، ومن ذلك كان إصرارهم الشديد على أخذ البيعة من الكل بلا استثناء، وكانت هذه معصية أخرى منضمة إلى معصية أصل غصب الخلافة كما لا يخفى.

 

وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي

الاستجابة لهتاف الشيطان

مسألة: إجابة هتاف الشيطان بما هو هو يتبع حكم متعلقه، وباعتبارها منه مسنداً إليه ان عاد إلى مكابرة الله والعناد معه موجب للكفر، وإلا فمحرم في الجملة، فتأمل.

قال تعالى: (انهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون)(100).

وقال الإمام الحسن (عليه السلام) بعد ان بايعه الناس: «وأحذركم الإصغاء لهتاف الشيطان بكم فانه لكم عدو مبين فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس واني جـــار لكم فلما تـــراءت الفــئتان نكــص على عــقــبــيه وقـــال اني بريء منكم»(101).

والشيطان يهتف بالحرام والمكروه وترك الأولى، مثل أن ينام بين الطلوعين، استجابة لهتاف الشيطان فانه من المكروه لا من المحرم.

واستجابتهم لهتاف الشيطان الذي أشارت إليه (صلوات الله عليها) كانت من المحرم بل من أشد درجاته الحرمة لكونهم نقضوا أكبر دعامة وأهم عمود للدين وهـو الولاية للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد ورد: (بني الإسلام على خمس على الصلاة… ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية) (102).

وعن أبي جعفر (عليه السلام): «بني الإسلام على خمسة أشياء، على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، قال قلت: فأي ذلك أفضل؟ قال: الولاية أفضلهن لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن»(103).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «في قوله عزوجل: (أرأيت الذي يكذب بالدين)(104) قال: بالولاية»(105).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المخالف على علي بن أبي طالب بعدي كافر، والمشرك به مشرك، والمحب له مؤمن، والمبغض له منافق.. لا يقبل الله الإيمان إلا بولايته وطاعته»(106).

وقال (صلى الله عليه وآله): «والذي بعثني بالحق نبياً إن الله لا يقبل من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب وهو تعالى أعلم، فإن جاءه بولايته قبل عمله على ما كان فيه، وان لم يأته بولايته لم يسأله عن شيء وأمر به إلى النار»(107).

وعن أبي جعفر الباقــر (عليه السلام): «فــي قــوله تعالى: (ومن يكفــر بالإيـــمان فــقد حبط عــمله وهو في الآخرة من الخاسرين)(108)، قال: فالإيمان في بطن القرآن علـي ابن أبي طالب (عليه السلام) فـ (من يكفر) كفر بولايته، (فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين)»(109).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «بولايته ـ أي ولاية علي (عليه السلام) ـ صارت أمتي مرحومة»(110).

التحذير من مساوئ الشيطان

مسألة: من اللازم ذكر مساوئ الشيطان وانه يغوي ويضل، فان ذلك يوجب تفريق الناس من حوله وعدم الاستجابة إليه.

وبالعكس من ذلك يلزم بيان صفات الصالحين والمصلحين، حيث أنه بين مستحب وواجب، فيما إذا سبب التفاف الناس حولهم التفافاً وجوبياً أو التفافاً استحبابياً، فتأمل.

وذلك كله في طرفيه السلبي والإيجابي يعد من مصاديق التولي والتبري و(عمل بالأركان)(111) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو مقدمة لها.

وربما عد من مصاديق (فقاتلوا أئمة الكفر)(112) و(جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم)(113).

قولها (عليها السلام): (تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي):

الهتاف ـ بالكسر ـ بمعنى: الصياح، وهتف به: أي دعاه، فان الشيطان دعاهم إلى نقض عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمر الخلافة فاستجابوا له.

والغوي بمعنى: الضال، وذكر هذه الصفة بالذات تذكير بأجلى صفاته مما يناسب المقام، إذ كيف يستجيب الإنسان لهتاف ضال؟ فيضل هو كما ضل شيطانه ويستحق ما استحقه من اللعنة والإبعاد عن رحمة الله والعقاب.

وقد حذر القرآن الكريم عن الشيطان واتباعه:

قال سبحانه: (ولا يصدنكم الشيطان انه لكم عدو مبين)(114).

وقال تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم)(115).

وقال سبحانه: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين)(116).

وقال عزوجل: (ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً)(117).

وقال تعالى: (ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً)(118).

وقال سبحانه: (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)(119).

وقال تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)(120).

وقال عزوجل: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة)(121).

وقال سبحانه: (يا أبت لا تعبد الشيطان ان الشيطان كان للرحمن عصيا)(122).

استجابتهم المطلقة للشيطان

مسألة: قولها (عليها السلام) (تستجيبون) يدل على أن استجابتهم لهتاف الشيطان الغوي كان حالة مستمرة ومنهجاً متواصلاً على مر الأيام، ويلزم الاعتقاد بذلك.

حيث أن الفعل المضارع يدل على الاستمرار، وبقرينة السياق أيضاً.

وحيث أن حذف المتعلق يفيد العموم(123) ولقرائن مقامية أخرى يكتشف أن استجابتهم لم تتحدد في قضية واحدة، بل كانت هي الأصل في شتى الجوانب، وكـان مــن مصاديقهــا غصـب الخلافة وغصب فدك واتهام المؤمنين بالردة، وأخذ

الزكاة عن الناس بالقوة، وقتل الأبرياء والتعدي على الأعراض (كما في قضية مالك بن نويرة والتعدي على زوجته)(124) ومصادرة حريات الناس، والجبر على البيعة، وتحريف كلمات الرسول (صلى الله عليه وآله)، مضافاً إلى إيذائه للزهراء (عليها السلام) وكسر ضلعها وإسقاط جنينها و…(125).

مقتضى الأصل في هتاف الشيطان

مسألة: الأصل في كل دعوة وهتاف للشيطان: الغواية والضلال والإضلال، وهذا في مقابل أن الأصل في المسلم الصحة، وفي غيره أيضاً في الجملة كما فصلناه في الفقه، وربما يقال انه في قبال عدم وجود أصل في غير المسلم بقول مطلق فتأمل(126).

وإنما كان كذلك لأنه مقتضى كونه عدواً، ولزوم اتخاذه عدواً، كما قال تعالى: (يا بني آدم ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)(127).

وان ذلك هو ما بنى عليه أمره، حيث قال: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين)(128).

وقال تعالى: (قال رب بما أغويتني لازينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين)(129).

وقد آلى على نفسه أن لا ينصح شخصاً أبداً كما في قضيته مع أحد الأنبياء (عليهم السلام).

وأما أن هذا النداء الباطني الداعي لأمر ما، هل هو من هتاف الشيطان أو لا، فيعرف بملاحظة موافقته للأهواء والشهوات، ومخالفته للكتاب والسنة والعقل.

 

وإطفاء أنوار الدين الجلي

إطفاء نور الدين

مسألة: يحرم إطفاء أنوار الدين، فان الدين له نور يهتدي الإنسان بسببه إلى المقاصد الصحيحة، وذلك من تشبيه المعنويات بالماديات.

أو يقال: هو حقيقة، فان النور له مصداقان: نور في الماديات لعالم الأجساد، ونور في المعنويات لعالم الأرواح، فان النور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، والدين ظاهر بنفسه ـ لكونه فطرياً منكشفاً للعقول والأرواح دون واسطة(130) ـ ومظهر لغيره كما هو واضح، فإذا أطفئ ذلك النور أدى إلى ظلام دامس يخيم على الناس، ويسبب عدم وصولهم إلى الهدف من الخلقة، قال عزوجل: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون)(131).

وعن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) قال: «لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) جهد الناس على إطفاء نور الله، فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين(عليه السلام)»(132).

وقال تعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)(133).

وقال سبحانه في آية أخرى: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)(134).

الدين جلي واضح

مسألة: يستحب بيان أن هذا الدين هو الجلي الواضح المشرق كالشمس في رابعة النهار، فان الدين ببراهينه الساطعة وأدلته القويمة شيء جلي واضحٌ لا خفاء فيه، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك وعن آياته بـ(المبين) أي الواضح الجلي.

قال تعالى: (تلك آيات الكتاب المبين)(135).

وقال سبحانه: (إنما على رسولنا البلاغ المبين)(136).

وقال عزوجل: (فتوكل على الله انك على الحق المبين)(137).

وعن ابن عباس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «انا والله الإمام المبين(138) أبين الحق من الباطل، وورثته من رسول الله(صلى الله عليه وآله)»(139).

وأما احتياج الدين في بعض مسائله رغم كونه جلياً إلى البيان، فذلك من باب (ويثيروا لهم دفائن العقول)(140) فالخلل في القابل لا الفاعل، مضافاً إلى انه قد يقال بأن الجلي الواضح من الكلي المشكك، فتأمل.

هل للدين أنوار؟

مسألة: الدين واحد إلا أن له أنواراً واشراقات وتجليات متعددة، ولذلك عبرت (صلوات الله عليها) بـ (أنوار الدين) جمعاً.

فإن للدين أنواراً يهتدي الإنسان بسبب تلك الأنوار إلى طرق المعاش والمعاد والاجتماع والاقتصاد والسياسة وغيرها، فالتعدد بلحاظ المتعلق (والمرشَد إليه) أو بلحاظ الأفراد ـ كل فرد فرد ـ أو بلحاظ المراتب أو بلحاظ أن للصلاة نوراً وللصوم نوراً وللحج نوراً وهكذا، وكلها يجمعها جامع الدين، ولا مانعة جمع هاهنا بين الأربعة.

ولنا أن نقول: المستفاد من قولها (صلوات الله عليها): (أنوار الدين الجلي) ـ حيث عبرت بأنوار الدين وليس بـ: (نور الدين) ـ أن هنالك أنواراً تضيء الطريق وتقشــع الظلمــات وهذه الأنوار تتجسد في كلمات وأشخاص وأحداث وأعمال، فالكلمات: كالقرآن الكريم وأقوال الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله) وآله المنتجبين (عليهم السلام).

والأشخاص: كالمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) وحوارييهم والعلماء على مدى العصور.

والأحداث: كحادثة الغدير(141) والمباهلة(142) والمؤاخاة(143) ورد الشمس(144).

والأعمال: كصلاة الليل، والتوجه لزيارة مراقد الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وأولياء الله الصالحين، والبكاء واللطم والتطبير على سيد شهداء أهل الجنة (عليه السلام).

وقد حاول الأعداء طمس كل هذه الأنوار:

فالقرآن: عبر تحريف ‎أسباب النزول والتأويل المناقض لحقائق التنزيل.

وكلمات المعصومين (عليهم السلام): عبر إحراقها أو تمزيقها أو إلقائها في الأنهار حيث قالوا: (حسبنا كتاب الله)(145)، أو التصرف فيها زيادة أو نقصاناً، أو تغييرها تأويلاً وتحويلاً.

والأشخاص: عبر قتلهـم وتشريدهم وسجنهــــم ومحاصرتهــــم وتشويــه سمعتهم وتلفيق التهم ضدهم كما قال: «ما منا إلا مقتول أو مسموم»(146).

والأحداث: عبر إسدال ستار التجاهل عليها وطمرها أو التشويش عليها.

والأعمال: عبر صرف الناس عنها تارة باسم أنها بدعة، وأخرى باسم الأهم والمهم، وثالثة بعنوان انها مضيعة للوقت، ورابعة عبر توفير البدائل الأخرى.

وبعض هذه الأنوار وان كان مستحباً في نفسه إلا أن محاولة إطفائه كلياً والقضاء عليه كظاهرة، يعد محرماً، وأحياؤه بهذا اللحاظ يعد واجباً كما لا يخفى.

 

وإهمال(147) سنن النبي الصفي (صلى الله عليه وآله)

إلغاء سننه (صلى الله عليه وآله) محرم

مسألة: سنن الرسول (صلى الله عليه وآله) بين واجبة ومستحبة، والواجبة يحرم تركها، أما المستحبة فتركها غير محرم بما هو ترك، لكن لو انطبق عليه عنوان (الإهمال) المذكور في كلامها (عليها السلام) فربما أمكن القول بالحرمة أيضاً.

وأما (إهماد) سننه (كما في نسخة أخرى) فحتى إهماد المستحب منها محرم، كمن يتعمد لا لمجرد ترك صلاة الليل بل يحاول طمسها وامحائها وإهمادها، والإهماد هو إطفاء النار والنور كلياً.

وكما أن تعليق الحكمة على الوصف مشعر بالعلية، كذلك إثبات الحكم ـ أو ما يشبهه ـ لموضوع متصف بوصف موحٍ بالمدخلية، فإهمال أو إهماد السنن، مذموم لأنها سنن (النبي) وهو المنبئ من الله، و(الصفي) وهو من اصطفاه الله تعالى فإذا كان الشخص مصطفى لله ـ وبلحاظ الإطلاق الأحوالي والازماني ـ كانت سننه مصطفاة لله دون شك أو ريب، وكان إهمالها أو اهمادها إهمالا لسنة الله وانتهاكاً لحريم الخالق جل وعلا.

قال تعالى: (ولن تجد لسنة الله تبديلاً)(148).

وقال سبحانه: (ولن تجد لسنة الله تحويلا)(149).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «سبعة لعنهم الله وكل نبي مجاب: المغير لكتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمبدل سنة رسول الله والمستحل من عترتي ما حرم الله..»(150) الحديث.

ولا يخفى أن التبديل نوع من الإهمال أو الاهماد كما هو واضح.

وعن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلال والحرام، فقال: «حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لايكون غيره، ولا يجيء غيره، وقال: قال علي (عليه السلام): ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة»(151).

وعن أبي جعفر (عليه السلام): «ان الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج اليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله (صلى الله عليه وآله) وجعل لكل شيء حداً، وجعل عليه دليلاً يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حداً»(152).

وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: «هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسك بها وأراد الله هداه: … وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة والبراءة من أعدائهم واجبة ومن الذين ظلموا آل محمد وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة (عليها السلام) فدك ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما وهموا بإحراق بيتها وأسسوا الظلم وغيروا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(153).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) قال: «ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف سنة رسول الله فاتركوه»(154).

ومن هنا أيضاً يعلم عدم صحة قولهم (حسبنا كتاب الله)(155) فان سنته (صلى الله عليه وآله) المتمثلة به (صلى الله عليه وآله) وبأهل بيته (عليهم السلام) لا يجوز إهمالها أو اهمادها كما سبق.

إلغاء السنن يوجب الفسق

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن من اهمد سنن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأطفأها أو أهملها في الجملة، ظالم فاسق، وبأن من فعل ذلك لا يمكن أن ينال الخلافة، فانه:(لا ينال عهدي الظالمين)(156).

قولها (صلوات الله عليها): (وإهماد سنن النبي الصفي)، الإهماد بمعنى: الإطفاء فانه إذا أطفأت النار يقال: أهمدها، وهم قد أطفئوا سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخلافة، وإنما عبرت (صلوات الله وسلامه عليها) بالسنن لأن في إطفاء خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إطفاء لغير واحد من سننه (صلى الله عليه وآله) لأن الخلافة جماع الخير والشر، وهي المحور والمنطلق، ومنها ان انحرفت تبدأ بالفتنة واليها تعود الخطيئة.

وربما يكون المقصود ما هو الظاهر من إلغائهم مجموعة من سنن الرسول(صلى الله عليه وآله) وإهمادها من غصب الخلافة، وغصب فدك، ومنع الارث، وغير ذلك.

 

تشربون(157) حسواً في ارتغاء

هل المكر محرم؟

مسألة: هل الذين يشربون حسواً في ارتغاء، يرتكبون إثمين: إثم الغصب وإثم المكر والمخادعة، أم إثما واحداً؟

ربما يقال: بأن ما يستفاد من لحن الآيات والروايات مذمومية المكر في حد ذاته:

قال تعالى: (ومكروا ومكر الله)(158).

وقال سبحانه: (يخادعون الله)(159).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس»(160).

وقال (صلى الله عليه وآله): «ليس منا من ماكر مسلماً»(161).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر»(162).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يجيء كل غادر بإمام يوم القيامة مائلاً شدقه حتى يدخل النار»(163).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا أن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة، ألا وأن الغدر والفجور والخيانة في النار»(164).

وربما يستفاد ذلك أيضاً من روايات (التدليس)(165) وغيرها.

وكذا من إدراك العقل لقبحه أو حكمه به، لكن قد يقال بطريقيته والذم من باب مقدميته ولا تلازم بين القبح الذاتي ـ على تقديره ـ وبين الحرمة.

قولها (صلى الله عليه وآله) ـ على بعض النسخ ـ: (تسرون حسواً في إرتغاء).

الإسراء: ضد الإعلان.

والحسو، بفتح الحاء وسكون السين المهملتين بمعنى: شرب المايع شيئاً بعد شيء.

والإرتغاء: شرب الرغوة وهو الزبد على اللبن، وهذا من أمثال العرب، يقال ذلـك لمـن: يظهر أمراً ويريد غيره، فكأنه يظهر انه يريد تذوق الزبد حتى يرى صلاحه وفساده، لكنه يريد أن يشرب من خلال هذا التذوق اللبن جرعة بعد جرعة.

والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تقصد من هذا المثال ان الغاصبين أسرعوا إلى السقيفة وهم يدعون ان ذلك لأجل الوقوف أمام الفتنة، لكنهم أرادوا غير ذلك وهو غصب الخلافة من أهلها، وكذلك ادّعوا ان غصبهم فدك كان لأجل المصلحة العامة! والحال انه كان لأجل تجريد ذوي الحق من العامل الاقتصادي والمقدرة المالية، وهم بذلك كانوا ممن تسلح بالغاية لتبرير الوسيلة، مع انه تعالى قال: (إنما يتقبل الله من المتقين)(166) ومع أن الغاية في حد ذاتها كانت خادعة مضللة كاذبة.

حسن الحذر والاحتياط

مسألة: ينبغي توخي الحذر والاحتياط في التعامل مع الشؤون الخطيرة، خاصة إذا فسد الزمان حيث قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: (إذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرر)(167).

وفي كل الصور فان المحتمل إذا كان خطيراً وان كان الاحتمال ضعيفاً يلزم الفحص والاحتياط، ولو عمل بهذه القاعدة الهامة، عامة الناس الذين ساهموا في تكريــس سلطـة (الذين شربوا حسوا في إرتغاء) ـ مع قطع النظر عن تمامية الحجة عليهم وإبلاغ الرسول (صلى الله عليه وآله) لهم بمحض الحق ـ لما حدثت المآسي التي حدثت من صدر التاريخ بتموجاتها حتى يومنا هذا.

ومن ذلك يعرف انه يلزم الفحص والاحتياط عند سماع ما يدعيه أدعياء السلام أو المحبة والوئام، دولاً كانوا أم أحزاباً أم شخصيات.

فالفحص في الشبهة الموضوعية في أمثال تلك الصور لازم، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الأصول والفقه.

 

وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء

حرمة إرادة الشر بهم (عليهم السلام)

مسألة: يحرم إرادة الشر بأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإعانة عليهم.

وقد وردت روايات في حرمة الإعانة على المؤمن فكيف بهم (صلوات الله عليهم أجمعين) وهم أساس الإيمان.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عزوجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي»(168).

وفي حديث آخر عنه (عليه السلام): «من أعان على مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله»(169).

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي، ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وأهل بيتي»(170).

وقال (صلى الله عليه وآله): «من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة»(171).

هذا وقد كان الغاصبون للخلافة يدّعون أنهم يريدون بذلك الإصلاح، بجمع كلمة المسلمين، ودفع الفتنة، وهذا النوع من الناس كثير في المجتمع، إذ الذين يسعون إلى تحقيق أهدافهم الشخصية تحت غطاء إصلاحي كثيرون، كما قال فرعون: (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)(172) وإنما كان هدفه في الواقع: محاولة تكريس سلطته وإرادة بقاء ملكه وذلك مصداق «يلبسون الحق بالباطل»، قال تعالى: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)(173)، وقال سبحانه: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)(174).

وهكذا حال كثير من الظالمين على طول التاريخ، قال عزوجل: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)(175) وقال تعالى: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به)(176) إلى غير ذلك من الشواهد والأمثال.

قولها (عليها السلام): (وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء).

الخمر: على وزن فرس، يقال: توارى الصيد في خمر الوادي أو خمر الغابة، ومنه قولهم: دخل فلان في خمار الناس أي ما يواريه ويستره منه، وأصله من الخمر فان معنى الخمر هو الستر، يقال للمسكر: الخمر، لأنه يستر العقل.

والضراء: على وزن براء، الشجر الملتف في الوادي ونحوه، يقال لمن خذل صاحبه وخادعه: يدب له الضراء ويمشي له الخمر، والمراد: انهم يمشون في اغتصاب الخلافة وفدك مثل المشي في الخمر والضراء، لأنهم يخفون مقاصدهم الواقعية ويظهرون شيئاً آخر وذلك لخداع الناس.

من هم الأهل

مسألة: يستفاد من قولها (وتمشون لأهله وولده) المقصود من أهل بيته (صلى الله عليه وآله) وربما يستفاد تعيين وتوضيح المراد من قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(177) وأنهم: فاطمة وبعلها وبنوها (عليهم السلام) وليست الآية شاملة للأزواج، فان السعي المضاد في الخمرة والضراء كان خاصاً بهم (عليهم السلام) دون الأزواج أو العباس (عليه السلام) أو من أشبه، وذلك حسب المتفاهم العرفي وتفسير بعض كلامهم بالبعض الآخر، فلا يرد أن وجود قرينة على تعيين المراد في مورد ـ حالية كانت أم مقالية ـ لا يقتضي إرادة ذلك المعنى منه في مورد آخر، إضافة إلى ان القرائن على انحصار المقصود من (أهل البيت) في الآية المباركة على هؤلاء الأطهار (عليهم السلام) قطعية(178).

قال إسماعيل بن عبد الخالق: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأبي جعفر الأحول وأنا اسمع: … ما يقول أهل البصرة في هذه الآية (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)(179)؟

قلت: جعلت فداك انهم يقولون إنها لأقارب رسول الله(صلى الله عليه وآله).

فقال (عليه السلام): كذبوا، إنما نزلت فينا خاصة، في أهل البيت، في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء(عليهم السلام)»(180).

الأسباط أبناء

مسألة: كلامها (عليها السلام) هاهنا، دليل آخر على كون الأسباط أبناء، وان الحسن والحسين (عليهما السلام) أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولا وجه بعد تصريح الآيات والروايات ـ ومنها تصريحها (عليها السلام) هاهنا ـ لما قال الشاعر:

بنونا بنوا أبنائنا وبـــناتــنا            بنوهن أبناء الرجال الأباعد

هذا مع قطع النظر عن كون كلام الشاعر لا حجية له في حد ذاته، ومع قطع النظر عن عدم وضوح دلالته على المدعى.

قال تعالى في آية المباهلة: (وأبناءنا وأبناءكم)(181).

وقال (صلى الله عليه وآله): «ان ابني هذين ـ الحسن والحسين (عليهما السلام) ـ ريحانتيّ من الدنيا»(182).

وقال (صلى الله عليه وآله) مشيراً للحسن (عليه السلام): «إن ابني هذا سيد»(183).

وقال (صلى الله عليه وآله): «ان الله جعل ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي من صلب علي مع فاطمة ابنتي»(184).

 

ونصبر منكم على مثل حز المدى، ووخز السنان في الحشا

وجوب الصبر في الجملة

مسألة: الصبر على الطاعة الواجبة واجب، وهكذا عن المعصية، وعلى المصائب مستحب، وربما وجب، وعلى حسب شدة مرارته يكون الأجر، وعلى حسب درجات ما يصبر عليه أيضاً.

وصبرها (عليها السلام) وبعلها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المشار إليه في كلامها هاهنا كان صبراً على الطاعة، إذ سكوتهم (عليهم السلام) بالمقدار الذي عملوه كان تكليفاً، حفاظاً على الإسلام والمسلمين، وهكذا صبرهم على المصيبة وما أقساها من مصيبة بل ما أمضها من مصائب ورزايا.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله»(185).

وقال (عليه السلام): «الصبر رأس الإيمان»(186).

وقال (عليه السلام): «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من البدن»(187).

وقال (صلى الله عليه وآله): «الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية»(188) الحديث.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «عود نفسك الصبر فنعم الخلق الصبر»(189).

وقال (عليه السلام): «اعلم ان النصر مع الصبر»(190).

إحياء ظلامة الزهراء (عليها السلام)

مسألة: يجب إحياء ظلامة السيدة الزهراء (عليها السلام) حتى تكون على مر الأيام غضة طرية لا يعفي عليها الزمن كمصيبة سيد الشهداء (عليه السلام).

وقد اخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بظلامتها قبل أن تقع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي اني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة وكذلك ربي وملائكته، يا علي ويل لمن ظلمهـا، وويـل لمن ابتزهـا حقها وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها وويل لمن آذى خليلها وويل لمن شاقها وبارزها، اللهم اني منهم بريء وهم مني براء، ثم سماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضم فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين»(191).

وقال (صلى الله عليه وآله) لابنته (عليها السلام): «وأنت تظلمين وعن حقك تدفعين وأنت أول أهل بيتي لحوقاً بي»(192).

وقد قال جبرئيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): «أما ابنتك فهي أول أهلك لحاقاً بك بعد أن تظلم ويؤخذ حقها وتمنع ارثها ويظلم بعلها ويكسر ضلعها» الحديث(193).

وفي الحديث الشريف عن ابن عباس، قال:

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلما رآه بكى (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: إليّ اليّ يا بنيّ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه الأيمن.

ثم أقبل الحسين (عليه السلام) فلما رآه (صلى الله عليه وآله وسلم) بكى، ثم قال: اليّ اليّ يا بنيّ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى.

ثم أقبلت فاطمة (عليها السلام)، فلما رآها بكى (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: الي الي يا بنية، فأجلسها بين يديه.

ثم أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما رآه بكى (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: الي اليّ يا أخي، فما زال يدنيه حتى أجلسه الى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء الا بكيت، أو ما تسرّ برؤيته؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، اني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزوجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب اليّ منهم.

أما علي بن أبي طالب (عليه السلام) فانه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي، في حياتي وبعد موتي، محبه محبي ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة منها ملعونة، واني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به حتى انه ليُزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته.

وأما ابنتي فاطمة: فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، و هي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزوجل لملائكته: يا ملائكتي ويا سكان سماواتي انظروا الى أمتي فاطمة سيدة نساء إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، اشهدكم اني قد آمنت شيعتها من النار.

وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت ارثها،وكسر جنبها، واسقطت جنينها وهي تنادي يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش اذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد ان كانت في أيام أبيها عزيزة…

فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.. الحديث(194).

لا يقال: ذلك تاريخ قد انقضى.

لأنه يقال: التاريخ هو الذي يصنع المستقبل، والحاضر تاريخ المستقبل، ومن لا تاريخ له لا جذور له، ولذلك ذكر الله تعالى في كتابه الحكيم قصة هابيل وقابيل(195)، وغيرها من القصص.

قال سبحانه: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)(196).

ولذلك كله سجلت (عليها السلام) ظلامتها بقولها: (ونصبر منكم على مثل خز المدى ووخز السنان في الحشا).

ولذلك كان (نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح وهمه لأمرنا عبادة)(197).

ولذلك ورد: (من أبكى أو بكى أو تباكى وجبت له الجنة)(198).

وإذا كان من فلسفة الآخرة الاقتصاص من الظالم مع ان ظلمه تاريخ، والثواب على الطاعة والطاعة تاريخ، كما لا يخفى.

وإذا كان (فرعون) آية لمن استكبر وطغى ـ بنص الكتاب(199) ـ خلدها الباري عزوجل في كتابه كرمز لقوى الشر.

وإذا كانت قصصهم عبرة لأولي الألباب(200).

وإذا جعل الله عزوجل نبيه عيسى (عليه السلام) آية للناس(201).

وإذا أنجى الله سبحانه نوحاً (عليه السلام) وأصحاب السفينة وجعلها آية للعالمين(202).

وإذا ترك سفينته لتكون آية للمدكرين(203).

وإذا كان أبو الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) يطلب من رب الأرباب(واجعل لي لسان صدق في الآخرين)(204) حتى يتحدث عنه ـ بكل خير ـ وهـو في دائـرة الماضـي، وقـد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من ورخ مؤمناً فكأنما أحياه»(205).

وإذا كان العقلاء على مر الأزمان يعتنون بتاريخهم بشتى الصور..

وإذا كانت كتب التاريخ تملأ المكتبات في كل الحضارات

وإذا.. وإذا...

فالدعوة إلى إلغاء التاريخ، تعد عند العقلاء سفاهة وجهلاً ان لم تعد مخططاً خبيثاً لقطع الأمة عن جذورها ليسهل للمستعمر ابتلاعها و…

وإذا كان كل ذلك كذلك، فلماذا نسمع همسات من هنا وأصوات من هنالك تنادي بطمس أهم ملامح التاريخ وأهم منعطف تاريخي وأهم محور في معادلة الصراع الكبرى بين قوى الجاهلية والإيمان، حيث تقول الآية القرآنية الشريفة: (أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)(206)؟

مما يستحب للمظلوم

مسألة: يستحب للمظلوم التحدث عن (صبره) والجهر بصموده كما ذكرت فاطمة الزهراء (عليها السلام) ذلك، فانه بيان للحق بهذا الأسلوب، بالإضافة إلى انه يكون بذلك أسوة وقدوة لسائر الناس، قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا)(207).

فان الإنسان الذي يعترض العظم حلقه لا يتمكن من الأكل ولا من الشرب ولا حتى من النوم ولا مزاولة أعماله اليومية، براحة أو بشكل طبيعي.

وكذلك الإنسان الذي في عينه قذى، لا يتمكن من فتح عينه ولا من إغماضها، فهو في ألم مستمر وفي أذى متواصل، وكلامه (عليه السلام) اشارة لعظيم ما تجرعه من الظلم.

وقال (عليه السلام): «فأغضيت على القذى وتجرعت ريقي على الشجى وصبرت من كظم الغيض على أمرّ من العلقم وعالم للقلب من حز الشفار»(208).

وقال (عليه السلام): «ان الله عزوجل امتحنني بعد وفاة نبيه (صلى الله عليه وآله) في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنّه ونعمته صبورا..»(209).

المظلوم والرأي العام

مسألة: يستحب للمظلوم أن يشرح ما جرى عليه من الظلم، وما تركه الظلم عليه من آثار جسدية أو نفسية، شخصية أو نوعية، فان ذلك يوجب التنفر من الظالم، بالإضافة إلى انه يدفع الناس للاقتداء بصبره واستقامته ـ كما سبق ـ، وبذلك يكون له أجران، أجر التنفير من الظالم وأجر الأسوة، فيكون داخلاً في ملاك (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)(210).

وبذلك يعرف ان ما يقوم به المظلومون من عرض ما صار بهم، كآثار مظلوميتهم ـ كأثر التعذيب في سجون الطغاة وغيره ـ على منظمات حقوق الإنسان وعلى الملأ العام وعبر الوسائل الإعلامية، هو مما يؤجر عليه الإنسان لأنه من طرق النهي عن المنكر، وقد يكون ذلك نوعاً من التأسي بالسيدة الزهراء وسائر أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من مؤمن يعين مظلوماً إلا كان له أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام»(211).

وقال (عليه السلام): «من قدر على أن يغير الظلم ثم لم يغيره فهو كفاعله، وكيف يهاب الظالم وقد أمن بين أظهركم لا ينهى ولا يغير عليه ولا يؤخذ على يديه»(212)، وما ذكرناه مما يوجب ردع الظالم كما لا يخفى.

صبر القائد

مسألة: الصبر ـ الواجب منه والمستحب ـ كسائر الحقائق التشكيكية له مراتب، وكما يجب الصبر على من هو في موقع القيادة، كما قالت (ونصبر منكم)، يجب على القاعدة والعامة الصبر أيضاً، إلا أن الفرق في المراتب إذ الصبر في القائد آكد وأشد وأولى.

ثم إن صبرها (عليها الصلاة والسلام) كان واجباً ـ كما سبق ـ لأجل المحافظة على كلمة: لا اله إلا الله، محمد رسول الله، إذ من الواضح أن الإمام أمير المؤمنين علياً (عليه الصلاة والسلام) لو كان يجرد السيف في وجوه الغاصبين لكانت تضعف شوكة المسلمين ويستغل الفرس والروم الفرصة لشن هجوم كاسح على المسلمين، مضافاً إلى أنهم كانوا يشوهون موقف الإمام (عليه السلام).

لا يقال: بأن كلمة التوحيد كانت موجودة.

لأنه يقال: من الواضح أن المسيحيين يقولون بآلهة ثلاثة والمجوس يقولون بإلهين اثنين، وكلاهما على خلاف كلمة التوحيد.

أسلوب مواجهة الطغاة

مسألة: كما يستفاد المصداق من الكلي(213)، يمكن أن يستفاد الكلي من المصداق أحياناً(214) وكلامها (صلوات الله عليها) هاهنا: (ونصبر منكم) وان كان ذكراً للمصداق إلا انه يستفاد منه الكلي في أشباه تلك المواطن.

وذلك هو ما نذهب إليه في أمثال هذه الأزمنة حيث نلتزم بضرورة سلوك طريقة اللاعنف والسلم في مواجهة الحكومات الجائرة.

وكما كان حمل السلاح بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ضد الذين انقلبوا عليه منهياً عنه لمخاطره الأكبر، كذلك نرى النهي عن حمل السلاح ضد الحكومات في هذا الزمن وضرورة الالتزام بالمواجهة السلمية، من إضرابات ومظاهرات ونحوها، فان ذلك أحمد عاقبة، وتجربة غاندي(215) في الهند من شواهد ذلك، وتفصيل الحديث في محله(216).

بيان مظلوميتهم

مسألة: يستحب ـ وقد يجب ـ بيان مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) للعالم، تأسياً بهم (عليهم السلام) حيث ذكروا ذلك، مضافاً إلى أنه من إحياء أمرهم وفضح أعدائهم.

قولها (صلوات الله عليها): (ونصبر منكم على مثل حز المدى).

المدى: جمع مدية وهي السكين والشفرة ونحوهما، يعني: إن صبرنا ليس بالصبر الهين، وان ما صدر (منكم) أمر فادح عظيم وظلم فاحش كبير، فصبرنا على ما صدر منكم تجاهنا كصبر الإنسان الذي يقطع بالمدية وهو صابر كاظم للغيظ.

وكلامها (عليها السلام) إشارة إلى عظم الخطب عليهم وشدته، والتمثيل في كلامها (عليها السلام) تمثيل للأقوى بالأضعف والأعلى بالأدنى وهو من مصاديق البلاغة كما ذكر في محله(217) إذ إن صبرهم (عليهم السلام) في مواجهة ذلك الظلم الفاحش كان أمر وأصعب وأقسى من صبر من يحز بالمدية كما وكيفاً(218) كما لا يخفى.

وهنالك جهة أخرى أيضاً، فان صبر العاجز أهون من صبر القادر، وصبر القادر على الرد والتحدي ـ وكانوا (عليهم السلام) كذلك ـ أصعب وأمر من صبر غيره، فان القادر يصبر صبرين: صبراً على الألم، وصبراً على عدم الرد، وقل وندر من يصبر وهو قادر على الرد(219).

الساكت على الظلم

مسألة: الساكت على الظلم شريك فيه ـ كما سبق ـ وذلك يستفاد من قولها: (منكم)(220) فهم جميعاً في ظلم أهل البيت (عليهم السلام) شركاء.

قولها (عليها السلام): (ووخز السنان في الحشى)، الحشى: داخل الإنسان، والوخز عبارة عن: الطعن.

يعني: إننا نصبر على ما صدر منكم كصبر إنسان يطعن بالرمح أو الخنجر، ويغرز في داخله، فان الأمر ـ كما ذكر ـ صعب جداً وهو بحاجة إلى درجة مثالية من الصبر حتى يتحمله.

 

وانتم الآن تزعمون ان لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون؟ ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون! أفلا تعلمون؟!

تطويق الباطل

مسألة: من اللازم تطويق الباطل من جميع جوانبه ظاهراً وباطناً، صورة ومحتوى، بما يفنده ويبطله ويمحقه، كما صنعت (صلوات الله عليها) حيث قالت: (وأنتم الآن تزعمون) فلم تكتف بالاستدلال على المطلب بل أطرت دعوى الخصم بإطار (الزعم) الدال على كونه خلافاً للحقيقة.

وذلك أقوى في الرد وأبلغ في الحجة وادعى للنهي عن المنـــكر، ومـــن مصاديــق (بل نقـــذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)(221).

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الحق سيف على أهل الباطل»(222).

وقال (عليه السلام): «لا يجتمع الحق والباطل»(223).

وقال (عليه السلام): «ثلاث فيهن النجاة: لزوم الحق وتجنب الباطل وركوب الجد»(224).

وقال (عليه السلام): «من ركب الباطل أهلكه مركبه»(225).

وقال (عليه السلام): «نحن أقمنا عمود الحق وهزمنا جيوش الباطل»(226).

قولها (عليها السلام): (الآن) فيه اشارة إلى أن هذه الدعوى منهم كانت وليدة يومها ولم يقل أحد منهم بها زمن حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وكفى بهذه الكلمة رداً عليهم، وإلا فلماذا لم يطرحوا هذه القضية في حياته (صلى الله عليه وآله) وعند مرضه ليحضوا بتأكيده؟‍!.

متى يجوز النقل بالمضمون

مسألة: يجوز تضمين الحديث بآيات من الذكر الحكيم مع تغيير في الضمائر أو شبهها بما يناسب الخطاب شرط أن لا تكون بدعوى ان ذلك هو نص الكتاب أو في مقام يوهم ذلك، وهذا من مصاديق النقل بالمضمون كما صنعت(عليها السلام) حيث قالت: (أفحكم الجاهلية تبغون)(227).

الحكم بفسقهم

مسألة: يستفاد من تضمينها (عليها السلام) هذه الآية في خطبتها، حكمها بفسقهم تبعاً للقرآن الكريم من قبل، حيث قال تعالى: (وان كثير من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون)(228).

كما يُظهر استنادها (عليها السلام) للآية بعض صفاتهم الأخرى من إتباعهم الأهواء ومحاولتهم الفتنة وتوليهم وإعراضهم عن الحق، إذ قال تعالى:(وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فان تولوا فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وان كثيراً من الناس لفاسقون* أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون)(229).

وقد ورد في تفسير قوله تعالى: (ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)(230) أي: «كفر بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهم العاصون لله ولرسوله»(231).

كما ورد في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)(232) ان أبي قحافة أول من منع آل محمد(صلى الله عليه وآله) حقهم وظلمهم وحمل الناس على رقابهم وهكذا كان الذين جاءوا من بعده(233).

أحكام الله لا تتبدل

مسألة: كما ان من مصاديق استدلالها (صلى الله عليه وآله) بالآية الشريفة: (أفحكم الجاهلية يبغون) (234) الرد على دعوى أن لا ارث لأبناء الأنبياء، كذلك من مصاديق الآية الشريفة(235) دعوى التساوي في الإرث بين الرجال والنساء هذا الزمن بدعوى ان الزمن قد تغير وان المرأة أضحت هي التي تعيل وما أشبه ذلك من أنماط التعليل، ولعل في قولها (عليها السلام) (الآن) إشارة إلى هذا الجانب من الدعاوى التي تحكم بتغيير أحكام الله متعللة بأن الزمن قد تغير وان (الآن) غير (ما كان).

قال تعالى: (لا تبديل لكلمات الله)(236).

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «ما خلق الله حلالاً ولا حراماً إلا وله حد كحد الدور وان حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة»(237).

لا يجوز القول بعدم إرثها (عليها السلام)

مسألة: يحرم القول بان لا ارث لها (عليها السلام) فانه من مصاديق (قال الله وأقول)، وحكم بغير ما أنزل الله، وتكذيب لآل الله.

وكذلك يحرم القول بكل ما يخالف الإسلام أصولاً وفروعاً، مع اختلاف درجات الحرمة قوة وضعفاً، بلحاظ المتعلق والمنسوب إليه والملابسات وما أشبه.

ابتغاء حكم الجاهلية

مسألة: يحرم (ابتغاء حكم الجاهلية) بصورة عامة، والتحريم في خصوص حكمها (عليها السلام) في الإرث نظراً لانطباق عناوين أخرى محرمة عليه(238) أشد.

وابتغاء حكم الجاهلية له ثلاثة مصاديق:

1- العمل وفق حكم الجاهلية.

2- القول بحكم الجاهلية.

3- الاعتقاد بحكم الجاهلية فيما يضر فيه الاعتقاد على خلاف الحق.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك» وذلك في قصة خالد حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللهم اني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد»(239).

وفي حديث سئل الإمام الصادق (عليه السلام): «أفيعتد بشيء من أمر الجاهلية؟ فقال(عليه السلام): إن أهل الجاهلية ضيعوا كل شيء من دون إبراهيم (عليه السلام) إلا الختان والتزويج والحج فانهم تمسكوا بها ولم يضيعوها»(240).

قال تعالى: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)(241).

وقال (صلى الله عليه وآله): «ألا وكل مأثرة أو بدعة كانت في الجاهلية أو دم أو مال فهو تحت قدمي هاتين ليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى»(242).

وقال (صلى الله عليه وآله): «يا أيها الناس إن الله قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، إن العرب ليست بأب ووالدة، وإنما هو لسان ناطق فمن تكلم به فهو عربي، ألا أنكم من آدم وآدم من تراب وأكرمكم عند الله أتقاكم»(243).

ثم إن حكم الجاهلية أعم من الحكم الذي كان موجوداً في الجاهلية وخالف الإسلام، وما لم يكن بحكم الإسلام وان لم يكن حكماً موجوداً في الجاهلية، ومن مصاديقه أنواع البدع.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة»(244).

وقال (صلى الله عليه وآله): «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»(245).

هذا وقد ابتدعوا صلاة التراويح وقال فيها: «بدعة ونعمة البدعة»(246).

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيها الناس ان النافلة بالليل في رمضان جماعة بدعة... فان قليلاً من سنة خير من كثير في بدعة، ألا أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار»(247).

لا أحد أحسن من الله حكماً

مسألة: ينبغي بيان انه ليس أحد أحسن من الله تعالى حكماً، فانه العالم بجميع خصوصيات الإنسان وغيره.

(احسن) وان كان من باب أفعل التفضيل إلا ان المراد به هنا المصدر وهو (الحسن)، إذ من الواضح ان حكم غير الله لا حسن فيه حتى يقابله حكم الله الأحسن، بل حكم الله ـ الذي تجلى في الإسلام ـ هو الحسن بلا منازع.

وذلك مثل (أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى)(248) ومثل (أذلك خير نزلاً)(249) وأمثالهما من الآيات والروايات والتعابير البلاغية.

إن قلت: حكم العقل أيضاً حسن(250).

قلت: حكم العقل شعبة من شعب حكم الله، إذ العقل حجة الله الباطنية كما أن الأنبياء (عليهم السلام) حجة الله الظاهرة(251)، ولذا قيل: العقل نبي من باطن والنبي عقل من خارج، وورد أن أول ما خلق الله العقل وقال له: بك أثيب وبك أعاقب(252) هذا لو قيل بان للعقل حكماً، وإلا فعلى القول بأنه مدرك لا غير فالإشكال منتف موضوعاً.

وليس المراد من القوم الجماعة فحسب، بل هو تعبير بلاغي يشمل كل فرد فرد أيضاً، كما انه ليس المراد به خصوص الرجال بل يشمل النساء أيضاً.

لا حسن في غير حكم الله

مسألة: يحرم القول، بان غير حكم الله حسن استناداً إلى أدلة استحسانية يؤدي إليها العقل القاصر، كالقول بان الشطرنج رياضة فكرية، وان الغناء محفز نفساني، وان الرقص رياضة جسمانية، وهكذا وهلم جرا.

والمفاضلة بين حكمه تعالى وحكم غيره لاستنتاج أن حكم الغير حسن وحكمه أحسن أيضاً فيه إشكال.

وقولها (عليها الصلاة والسلام): (وانتم تزعمون ان لا ارث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون).

فان عدم إرث البنات من الآباء كان حكماً جاهلياً(253)، والله سبحانه وتعالى نســـف ذلــك الحكم بحكمـــه: (للذكـــر مثل حـــظ الانثيين)(254) فالإناث يرثن أيضا، إلا أن للأنثى نصف ما للذكر من الإرث.

كما أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون الصبي الصغير ولا الجارية من ميراث آبائهم شيئاً.

وكانوا لا يعطون الميراث إلا لمن يقاتل.

وكانوا يرون ذلك في دينهم حسناً..

فلما أنزل الله فرائض المواريث وصبروا من ذلك وجداً شديداً، فقالوا انطلقوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنذكره ذلك لعله يدعه أو يغيره، فأتوه فقالوا: يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها! ويعطى الصبي الصغير الميراث! وليس أحد منهما يركب الفرس ولا يجوز الغنيمة ولا يقاتل العدو؟!

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بذلك أمرت»(255).

كما أن المواريث كانت عند بعضهم على الأخوة لا على الرحم، وكانوا يورثون الحليف والموالي الذين اعتقوهم، ثم نزل بعد ذلك (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)(256).

قولها (عليها السلام): (أفلا تعلمون) أي: أفلا تعلمون بأن الله سبحانه وتعالى جعل للبنات الإرث، كما جعل ذلك للذكور، نعم لو كان له ولد واحد أو بنت واحدة فانه ـ أو إنها ـ يرث الإرث كله ولا يشترك معه ـ أو معها ـ من ليس في طبقته أو طبقتها.

لا يقال: لماذا لم تتعرض الزهراء (عليها السلام) في الاحتجاج إلى ان فدك نحلة لها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع العلم أنها قد كانت نحلة لها بالفعل؟

لأنه يقال: هذه الخطبة كانت بعد يأسها عن قبول القوم (النحلة)، إذ كانت الخطبة كما ذكر جماعة من المحققين بعد ما رفضوا شهادة أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) ومن شهد معه على أنها، نحلة لها فتمسكت بحديث الميراث لأنه من ضروريات الدين، مما صرح به في القرآن الحكيم.

وهذا من إلزام الخصم بما لا مفر له منه، وهو من الحكمة اذ كان يراد لهذه الخطبة ان تكون قوية مفعمة لا تترك ثغرة يمكن الغمز منها وعبرها وبها.

فحيث أنكر القوم بأن فدكاً نحلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) وصبوا كلامهم على انه لو كان لها فهـو مـن بـاب الإرث، وان الرسـول(صلى الله عليه وآله) قـال: (نحـن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)(257) لذلك صبت الزهراء (عليها الصلاة والسلام) كلامها حول إثبات الإرث لها، حتى انهم إذا أنكروا النحلة وجب أن يعترفوا بأن فدك إرث لها فلا وجه لاغتصابها منها.

لا يقال: إذا كانت فدك إرثاً ورثت منها مع الزهراء (عليها الصلاة والسلام) زوجاته (صلى الله عليه وآله) أيضاً فلم تكن لها وحدها؟

لأنه يقال: هذا الجواب من قبيل الاستدلال بمسلمات الطرف مما يسمى بالجدل بالاصطلاح المنطقي(258) وحتى إذا فرض ان للزوجات معها شيء منها ـ على تقدير كونه إرثاً ـ فالقسم الأكبر من فدك يكون للزهراء (عليها الصلاة والسلام) دون شك فلماذا تمنع عنها بالكامل(259)؟

وعلي أي حال، ففدك لها إما نحلة أو ارث ـ بكاملها أو بمعظمها ـ فلا وجه ولا مسوغ لمنعها كلاً عنها (صلوات الله عليها).

(أفلا تعلمون): استفهام إنكاري.

(يوقنون): أي بالله، أو بهذه الحقيقة، أو بالمآل، أو بجميعها.

(اليقين) كاشف عن الواقع ولا يطلق على الجهل المركب، فالموقن هو الذي يعلم أن حكم الله هو الحكم الأحسن.

والعلم في (أفلا تعلمون) يراد به المطابق للواقع واطلاقه على الجهل المركب مجاز، ومن استخدام العالم الحقيقي كأهل البيت (عليهم السلام) كلمة العلم يستكشف أن مطابقه هو (الحق) دون ريب أو شك.

 

بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية: أني ابنته

من أساليب الدعوة

مسألة: من أساليب الدعوة ومن طرق الحرب الإعلامية ومن وسائل النهي عن المنكر دغدغة وجدان الظالم وتذكيره بالحقيقة الصارخة من جهة، ومن جهة أخرى كشف القناع للشعب عن أن المعتدي يعرف الحقيقة بصورة كاملة ومع ذلك يجحدها ويتخذها ظهرياً.

ولعل من هذين المنطلقين كان قولها (عليها السلام): (بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته) فهي تشير إلى انهم أضحوا مصداق قوله تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم)(260) وذلك مما يسبب التحريض ضد الظالم أكثر فأكثر وهو واجب في الجملة.

* * *

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

قم المقدسة   

محمد الشيرازي

 

1 - سورة الكهف: 50.

2 - سورة البقرة: 124.

3 - أي بما ذكر من ان ما فعلوه جعلهم في عداد الظالمين.

4 - سورة الكهف: 50.

5 - الخصال: ص176 ح235 باب الثلاثة.

6 - الخصال: ص355 باب السبعة ح36.

7 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص272 باب عقاب من ظلم.

8 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص273.

9 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص274.

10 - سورة الأعراف: 96.

11 - سورة آل عمران: 85.

12 - سورة آل عمران: 85.

13 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص348 المجلس 55 ح7.

14 - سورة الأحزاب: 43.

15 - المناقب: ج3 ص80.

16 - سورة البقرة: 257.

17 - المناقب: ج3 ص81.

18 - سورة التوبة: 32.

19 - المناقب: ج3 ص82.

20 - سورة الروم: 30.

21 - تأويل الآيات: ص427 سورة الروم.

22 - سورة النساء: 137.

23 - راجع تفسير العياشي: ج1 ص281 سورة النساء، ح289.

24 - سورة الحشر: 20.

25 - تفسير فرات الكوفي: ص477 ح623 سورة الحشر.

26 - سورة الكهف: 50.

27 - سورة آل عمران: 85.

28 - سورة الإسراء: 9.

29 - تفسير العياشي: ج2 ص283.

30 - تفسير العياشي: ج2 ص282.

31 - سورة التوبة: 36.

32 - كقوله تعالى: (ولقد قالوا كلمة الكفر) سورة التوبة: 74.

33 - كعدم نطقه بالشهادتين.

34 - كقوله: (وهموا بإخراج الرسول) [ سورة التوبة: 13]، و(يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) سورة النساء: 60.

35 - كقوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) [ سورة الشورى: 23] و(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) سورة النساء: 59.

36 - عيون أخبار الرضا (عليها السلام): ج1 ص226.

37 - أعلام الدين: ص356.

38 - سورة آل عمران: 85.

39 - كالبهائية، وكقسم من العرفاء القائلين بوحدة الوجود ووحدة الموجود وكبعض الصوفية ومن أشبه.

40 - المناقب: ج3 ص72.

41 - الصراط المستقيم: ج2 ص96.

42 - الصراط المستقيم: ج2 ص126.

43 - مائة منقبة: ص80 المنقبة 48.

44 - سورة البقرة: 124.

45 - سورة آل عمران: 85.

46 - قوله (دام ظله) في الجملة: اشارة إلى ما سبق في المسألة السابقة.

47 - سورة آل عمران: 85

48 - سورة الزمر: 15.

49 - الإرشاد: ص89 ب22، تنبيه الخواطر: ج1 ص92.

50 - ككثير من الناس الذين يصرفون أوقاتهم في السهرات (إن لم تتضمن محرماً كالغيبة والتهمة والنميمة وغيرها وإلا كانت السهرة محرمة).

51 - رأس المال هو العمر، والقدرات التي منحها الله للإنسان ليستخدمها في عمارة آخرته هي (كالذكاء والصحة وماء الوجه)، والأرباح المفترضة: (رضوان من الله) [ سورة التوبة: 72]، و(جنة عرضها السماوات والأرض) [ سورة آل عمران: 133].

52 - أعلام الدين: ص268.

53 - وفي بعض النسخ: (ثم لم تبرحوا ريثا)، وفي بعضها: (هذا ولم تريثوا حتها إلا ريث) وفي بعضها: (ثم لم تريثوا اختها).

54 - أي مقدار.

55 - سورة فاطر: 43.

56 - سورة آل عمران: 54.

57 - سورة النساء: 142.

58 - سورة الأنفال: 30.

59 - سورة يونس: 21.

60 - في المخطوطة ههنا كلمة أو كلمات غير واضحة، ولعل المراد: لا يقال: اننا نلاحظ كثيراً من الماكرين لا يحيط بهم مكرهم السيئ ولا يرون العاقبة السيئة للمكر، فأجاب المصنف:

أولاً: بان هذه القضايا غالبية وهي بنحو المقتضي لا العلة التامة.

وثانياً: لنا أن نلتزم بأن هذه القضايا دائمية، وأن المكر السيئ يحيق بأهله إما في الدنيا أو في الآخرة.

61 - راجع موسوعة الفقه: المدخل، كتاب العقائد، و(التفسير الموضوعي للقرآن) للإمام المؤلف دام ظله.

62 - الذي يبدو أن الإمام المصنف فسر (أسرع مكراً) بـ (أسرع في إعداد مقدمات ووسائل المكر) لاالأسرع في إنفاذ المكر نفسه.

63 - أي حتى يوقع الطرف الآخر في المصيدة وفي المحذور الذي فر منه.

64 - الاحتجاج: ص298.

65 - غير خفي أن العدل في الله عزوجل وفي الخلق، والعقل في غيره جل وعلا.

66 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص270 المجلس 46.

67 - غرر الحكم: ص29 ح6481.

68 - غرر الحكم: ص291 ح6486.

69 - الجعفريات: 171.

70 - الإقبال: ص67 و148.

71 - بناء على كونهما إخبارا لا إنشاء.

72 - أي وصيته (صلى الله عليه وآله) للإمام (عليه السلام) بان لا يشهر سيفه وبأن يصبر على غصب حقه رعاية للإسلام. راجع بحار الأنوار: ج28 ص300 ب4 ح48.

73 - أي في قولها (عليها السلام): (ثم لم تلبثوا) و(ثم أخذتم تورون).

74 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص119 باب الغيبة.

75 - سورة المائدة: 2.

76 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص426 المجلس 66.

77 - الخرائج والجرائح: ص1058.

78 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص426 المجلس66.

79 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص235.

80 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص247 باب عقاب من ظلم.

81 - تحف العقول: ص121، وتفسير الفرات: ص366 ح499 سورة الزمر.

82 - كشف اليقين: ص234 المبحث السابع.

83 - الظاهر أن المراد: ما ذكره الفقهاء من أن أي فعل يسند إلى المكلف (كالظلم والبيع والعقد والايقاع) ظاهره انه فعله قاصداً له فـ: (باع) أي باع قاصداً للبيع، و(ظلم) كذلك، اذن الظلم يعني الظلم قاصداً له، فهنالك تلازم بين الظلم والظالم، فأجاب بأن الظهور يتمسك به مع عدم وجود قرينه على الخلاف، والفرض انه (دام ظله) قد صرح بـ (الظلم لا عن قصد) عندما قسم النوع وفكّك، فليدقق جيداً.

84 - روضة الواعظين: ص273.

85 - سورة الإسراء: 71.

86 - بصائر الدرجات: ص33.

87 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص17.

88 - تحف العقول: ص216 وفيه: «شركاء ثلاثة».

89 - غرر الحكم: ص433 ح9885.

90 - غرر الحكم: ص331 ح7633.

91 - سورة هود: 113.

92 - المناقب: ج4 ص251.

93 - الصوارم المهرقة: 16.

94 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص233.

95 - داسه: أي وطأه برجله وتحت أقدامه.

96 - تحف العقول: حديث وجوه معائش العباد، عن الإمام الصادق (عليه السلام).

97 - سورة التحريم: 6.

98 - سورة المدثر: 28.

99 - سورة البقرة: 24.

100 - سورة الأعراف: 30.

101 - الأمالي للشيخ المفيد: ص349 المجلس 41.

102 - بحار الأنوار: ج65 ص329 ب27 ح1.

103 - تفسير العياشي: ج1 ص191 سورة آل عمران: ح109.

104 - سورة الماعون: 1.

105 - تأويل الآيات: 820.

106 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص11 المجلس 3 ح6.

107 - كشف الغمة: ج1 ص380.

108 - سورة المائدة: 5.

109 - تفسير الفرات: ص121 ح129 سورة المائدة.

110 - بشارة المصطفى: ص198.

111 - الخصال: ص609، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص226 باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في الإيمان وانه معرفة بالجنان واقرار باللسان وعمل بالأركان.

112 - سورة التوبة: 12.

113 - سورة التحريم: 9.

114 - سورة الزخرف: 62.

115 - سورة البقرة: 268.

116 - سورة آل عمران: 175.

117 - سورة النساء: 60.

118 - سورة النساء: 119.

119 - سورة النساء: 120.

120 - سورة المائدة: 91.

121 - سورة الأعراف: 27.

122 - سورة مريم: 44.

123 - أي في (تستجيبون).

124 - راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:ج1 ص179، وشرح النهج: ج17 ص202.

وفي كتاب الفضائل ص76: تحت عنوان خبر مالك بن نويرة قال: «فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بن نويرة، فخرج لينظر من قام مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب الناس، فنظر إليه وقال: أخو تميم، قالوا: نعم، قال: فما فعل وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أمرني بولايته ـ يعني علياً (عليه السلام) ـ ؟، قالوا: يا أعرابي الأمر يحدث بعده الأمر!، قال: بالله ما حدث شيء وإنكم قد خنتم الله ورسوله، ثم تقدم إلى أبى بكر وقال: من أرقاك هذا المنبر ووصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس، فقال أبو بكر: اخرجوا الأعرابي البوال على عقبيه من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)!، فقام إليه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد فلم يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه، فركب راحلته وانشأ يقول:

فـيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر          اطــــعنا رسـول الله ما كان بيننا

فتلك وبيت الله قـــاصمة الظــهر          إذا مـــات بـــكر قام عمر مقامه

يـــجاهد جــماً او يقـوم على قبر          يـــدب ويغــــشاه العــشار كأنما

اقــــمنا ولكـــن القيام على جمر          فــلو قـام فينا من قريش عصابة

قال: فلما استتم الأمر لأبي بكر وجه خالد بن الوليد وقال له: قد علمت مالك على رؤوس الأشهاد، ولست آمن ان يفتق عليناً فتقاً لا يلتئم فاقتله.

فحين أتاه خالد ركب جواده وكان فارساً يعدّ بألف، فخاف خالد منه فأمنه وأعطاه المواثيق، ثم عذر به بعد أن ألقي سلاحه فقتله واعرس بامرأته في ليلته وجعل رأسه في قدر فيها لحم جزور لوليمة عرسه وبات ينزو عليها نزو…» والحديث طويل.

125 - راجع التهميش في الصفحات 247-289 من هذا الكتاب.

126 - (بقول مطلق) متعلق بالمقيد لا القيد.

127 - سورة فاطر: 6.

128 - سورة ص: 82.

129 - سورة الحجر: 39.

130 - قال تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) سورة الروم:30.

131 - سورة الذاريات: 56.

132 - تفسير العياشي: ج1 ص372 ح75، سورة الأنعام.

133 - سورة التوبة: 32.

134 - سورة الصف: 8.

135 - سورة يوسف: 1.

136 - سورة المائدة: 92.

137 - سورة النمل: 79.

138 - إشارة إلى قوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) سورة يس: 12.

139 - تفسير القمي: ج2 ص212 سورة يس.

140 - نهج البلاغة: الخطبة 1.

141 - راجع الأمالي للشيخ الصدوق: ص2 المجلس1 ح2 وللتفصيل راجع (الغدير) للعلامة الأميني (رضي الله عنه).

142 - راجع تفسير العياشي: ج1 ص177 سورة آل عمران ح58.

143 - راجع كشف الغمة: ج1 ص326 ـ 329.

144 - راجع المناقب: ج2 ص318 فصل في طاعة الجمادات له. وكشف الغمة: ج1 ص282.

145 - راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص55، وج6 ص51، ونهج الحق: ص273 المطلب الثاني في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطاب.

146 - بحار الأنوار: ج27 ص216 ب9 ح18.

147 - وفي بعض النسخ: (واهماد) ويكون بمعنى الإطفاء بالكلية.

148 - سورة الأحزاب: 62.

149 - سورة فاطر: 43.

150 - الخصال: ص350، لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعة ح25.

151 - الكافي: ج1 ص58 ح19.

152 - الكافي: ج1 ص59 ح2.

153 - الخصال: ص607 خصال من شرائع الدين.

154 - مشكاة الأنوار: ص152.

155 - بحار الأنوار: ج22 ص472 ب1 ح21، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:ج2 ص55ب26.

156 - سورة البقرة: 124.

157 - وفي بعض النسخ: (تسرّون).

158 - سورة آل عمران: 54.

159 - سورة البقرة: 9، وسورة النساء: 142.

160 - الكافي: ج2 ص336 ح1.

161 - الكافي: ج2 ص337 ح3.

162 - الكافي: ج2 ص337 ح4.

163 - الكافي: ج2 ص337 ح5.

164 - الكافي: ج2 ص338 ح6.

165 - راجع موسوعة الفقه: ج93 كتاب (المحرمات).

166 - سورة المائدة: 27.

167 - بحار الأنوار: ج72 ص197 ب62 ح18 عن نهج البلاغة.

168 - الكافي: ج2 ص368 ح3.

169 - من لا يحضره الفقيه: ج4 ص94 ب2 ح5157.

170 - الكافي: ج2 ص600 ح4.

171 - بحار الأنوار: ج4 ص3 ب1 ح4.

172 - سورة غافر: 26.

173 - سورة البقرة: 42.

174 - سورة آل عمران: 71.

175 - سورة البقرة: 146، وسورة الأنعام: 20.

176 - سورة البقرة: 89.

177 - سورة الأحزاب: 33.

178 - فليراجع (الغدير) للعلامة الأميني و(المراجعات) للسيد شرف الدين و(احقاق الحق) وغيرها.

179 - سورة الشورى: 23.

180 - الكافي: ج8 ص93 ح66.

181 - سورة آل عمران: 61.

182 - بحار الأنوار: ج43 ص275 ب12 ح42.

183 - بحار الأنوار: ج43 ص298 ب12 ح62.

184 - بحار الأنوار: ج23 ص144 ب7 ح98.

185 - الكافي: ج2 ص60 ح1.

186 - الكافي: ج2 ص87 ح2.

187 - الكافي: ج2 ص87 ح2.

188 - الكافي: ج2 ص91 ح15.

189 - من لا يحضره الفقيه: ج4 ص386 ب2 ح5834.

190 - من لا يحضره الفقيه:ج4 ص412 ب2 ح5900.

191 - بحار الأنوار: ج22 ص485 ب1 ح31.

192 - بحار الأنوار: ج36 ص264 ب41 ح85.

193 - بحار الأنوار: ج98 ص44 ب5 ح84.

194 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص112 المجلس 24 الحديث 2.

195 - سورة المائدة: 27، قال تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لاقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين).

196 - سورة يوسف: 111.

197 - الكافي: ج2 ص226 ح16.

198 - راجع بحار الأنوار: ج44 ص288 ب34 ح27، وفيه عنهم (عليهم السلام): «من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة، ومن تباكى فله الجنة».

199 - قال تعالى: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) [ سورة يونس: 92].

200 - إشارة إلى قوله تعالى: (لقد كانت في قصصهم عبرة لأولي الألباب) [ سورة يوسف: 111].

201 - إشارة إلى قوله سبحانه: (قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس) [ سورة مريم: 21].

202 - إشارة إلى قوله تعالى: (فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين) [ سورة العنكبوت: 15].

203 - إشارة إلى قوله سبحانه: (ولقد تركناها آية فهل من مدكر) [ سورة القمر: 15].

204 - سورة الشعراء: 84.

205 - سفينة البحار: ج2 ص641 مادة (ورخ) ط القديمة.

206 - سورة آل عمران: 144.

207 - نهج البلاغة: الخطبة3.

208 - بحار الأنوار: ج33 ص569 ب30 ح722.

209 - بحار الأنوار: ج38 ص172 ب62 ح1.

210 - مستدرك الوسائل: ج12 ص230 ب15 ح13962.

211 - مستدرك الوسائل: ج12 ص389 ب22 ح14373.

212 - مستدرك الوسائل: ج12 ص184 ب1 ح13834 عن السيد المسيح (عليه السلام).

213 - أي كما يستفاد حكم المصداق من الكلي.

214 - وذلك بتنقيح المناط ـ عندما يكشف الجامع ـ ومن المصاديق ما عبر عنه المناطقة بالاستقراء المعلل.

215 - موهانداس كرامشاند (1869-1948م) فيلسوف ومجاهد هندي، يعتبر من دعاة السلام المشهورين في العالم، ولد في بور بندر، اشتهر بلقب (المهاتما) أي النفس السامية، دعا إلى تحرير الهند من الاستعمار البريطاني وذلك بالطرق السلمية والمقاومة السلبية بعيداً عن العنف، وكان قد تعلم كثيرا من أساليبه الناجحة من سياسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام الحسين(عليه السلام)، أدت جهوده إلى استقلال الهند عام 1947، اغتاله برهماني متعصب.

216 - للتفصيل راجع (السبيل إلى إنهاض المسلمين)، و(الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرجاء والسلام) و(اللاعنف في الإسلام)، (إذا قام الإسلام في العراق) و(الفقه: النظافة) للإمام المؤلف (دام ظله).

217 - راجع (البلاغة) للإمام المؤلف (دام ظله).

218 - فان الحز بالمدية عادة لحظات، والمصائب التي تواترت عليهم كانت شهوراً طويلة واستمرت لسنوات، ثم ان عمق الألم بالحز بالمدية لا تقارن بعمق الألم بإحدى تلك المصائب العظيمة، كـ: (جر) ولي الله الأعظم في الكون وحجته الكبرى بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) بالحبال أو كما قال العلامة آية الله الشيخ الأصفهاني (رحمه الله) في قصيدة له:

وآيــــة النــــــور عــــلى مــــنارها          أتـــــضرم الــنار بـــــباب دارهــــا

وقال أيضا:

الا بصـــــمـــصام عــــزيز مــقتدر          لكــــن كـــــسر الضلع ليس ينجبر

رزيــــة لا مــــثــــلــهـــــا رزيـــــة          إذ رض تـــــلك الأضــــــلع الزكية

يـــــعرف عـــــظم مــا جرى عليها          ومن نبــــــوع الــــدم مـــن ثدييها

شــــلت يــد الطغيان والتــــعــــدي          وجــــــاوزوا الحـــــد بـــلطــم الخد

وقال أيضا:

بـــيض الســــيوف يوم ينشر اللوا          ولا تـــــزيل حـــــمرة العين سوى

فــــي مــــسمع الـدهر فما أشجاها          وللســـــيــــاط رنـــــة صـــــداهـــا

فــــي عضد الزهراء أقوى الحجج          والأثـــــر الـــــباقي كـــمثل الدملج

يــــا ســــاعد الله الإمام المرتضى          ومــــن ســــواد متنها اسود الفضا

أتــــى بـــــكل مـــــا أتــــــى عليها          ووكـــــز نــــعل السيف في جنبيها

سل صدرها خـــزانــــــة الأســـرار          ولست أدري خــــبـــر المـســـمـار

وهـــــل لهــــم إخـــفاء أمر قد فشا          وفي جنـين المجد ما يدمي الحشا

شـــــــهود صــــــدق مـــا به خفاء          والــــــباب والــــــجدار والــــدماء

فــــــاندكت الـــجبال مـــن حــنينها          لقد جـــــنى الجــــاني على جنينها

حـــــرصاً عـــلى المـلك فيا للعجب          أهـــــــكذا يـــــصنع بــــابنة النبي

عـــــن الــــبكا خوفاً عن الفضيحة          أتــــــمنع المـــــكروبة المقــروحة

مـــــادامت الأرض ودارت الـــسما          تــــــالله يــــــنبغي لهـــا تبكي دما

ولاهتــــــضـــــامها وذل الحـــامـي          لــــــفــــــقد عــــزها أبيها السامي

219 - ولنتصور شخصاً يكيل لك الضربات بكل قوة وأنت قادر على الدفاع ببساطة ولكن تحجم عن الدفاع ويستمر هو في الضرب متجبراً… !

220 - نظراً للتعميم في (نصبر منكم) وعدم تخصيصه بالأقلية الذين باشروا الظلم.

221 - سورة الأنبياء: 18.

222 - غرر الحكم: ص68 ح921.

223 - غرر الحكم: ص68 ح941.

224 - غرر الحكم: ص69 ح973.

225 - غرر الحكم: ص71 ح1033.

226 - غرر الحكم: ص120 ح2096.

227 - والآية هي (أفحكم الجاهلية يبغون) [ سورة المائدة: 50].

228 - سورة المائدة: 49،50.

229 - سورة المائدة: 49 ـ50.

230 - سورة النور: 55.

231 - راجع المناقب: ج3 ص63.

232 - سورة المائدة: 47.

233 - راجع تفسير العياشي: ج1 ص325 ح130 سورة المائدة.

234 - سورة المائدة: 50.

235 - أي الحكم بالجاهلية.

236 - سورة يونس: 64.

237 - بصائر الدرجات: ص148

238 - ككونه تكذيباً لسيدة النساء (عليها السلام)، وإيذاء لفاطمة الزهراء (عليها السلام)، وتضييقاً على آل البيت (عليهم السلام) بحرمانهم من مصدر اقتصادي كبير كان يصب على أيديهم لصالح الدين والفقراء وغير ذلك.

239 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص173 المجلس 32 ح7.

240 - علل الشرائع: ص414.

241 - سورة الأحزاب: 33.

242 - تفسير القمي: ج1 ص171 سورة المائدة.

243 - تفسير القمي: ج2 ص322 سورة الحجرات.

244 - علل الشرائع: ص492.

245 - كشف الغمة: ج2 ص134.

246 - راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج12 ص258 ب223.

247 - الصراط المستقيم: ج3 ص26.

248 - سورة القيامة:34ـ 35.

249 - سورة الصافات: 62.

250 - كحكمه بقبح الظلم وحسن العدل والإحسان و…

251 - قال الإمام الصادق (عليه السلام): «يا هشام ان لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأئمة (عليهم السلام) وأما الباطنة فالعقول» [تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص25، وتحف العقول: ص383].

252 - مستطرفات السرائر: ص621.

253 - راجع فقه القرآن: ج2 ص352.

254 - سورة النساء: 11.

255 - تفسير القمي: ج1 ص154 سورة النساء.

256 - راجع تفسير القمي: ج1 ص137 سورة الأنفال.

257 - حيث افتراه القوم على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

258 - إذ الطرف وهو أبو بكر ومن حوله، كزوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) كانوا مذعنين بعدم حق لزوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) في فدك.

259 - خاصة إذا لاحظنا ان الزوجة ـ كما هو المعروف بين الفقهاء ـ لا ترث من الأرض لا من عينها ولامن قيمتها، وان ورثت من قيمة الأبنية والأشجار، قال الإمام المؤلف (دام ظله) في (المسائل الإسلامية) ص612 ط 38: (المسألة 3240: لا ترث الزوجة من الأرض، لا من عينها ولا من قيمتها، ولاترث من عين الآلات والأبنية والأشجار ولكن ترث من قيمتها).

260 - سورة النمل: 14.