كناها سلام الله عليها |
قال العلامة ابن شهر آشوب (ره): وكناها: أم الحسن، وأم الحسين، وأم المحسن، وأم الأئمة، وأم أبيها(1). وقال العلامة الإربلي (ره): كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعظم شأنها ويرفع مكانها، وكان يكنيها بأم أبيها، ويحلها من محبته محلا لا يقاربها فيه أحد ولا يوازيها. سأله علي عليه السلام يوما فقال: يا رسول الله، أنا أحب إليك أم فاطمة؟فقال: أنت عندي أعز منها، وهي أحب منك(2). وقال المولى الأنصاري (ره): وذكر بعضهم إن من جملة كناها: أم الخيرة، وأم المؤمنين، وأم الأخيار، وأم الفضائل، وأم الأزهار، وأم العلوم، وأم الكتاب(3). وقال في (نخبة البيان): فمنها أم أسماء، ذكره الخوارزمي في مقتله، ولعله لتعدد أسمائها الحسنى الحاكية عن صفاتها العليا ومناقبهاالعظمى(4). وجه تكنيتها بأم أبيها: ولعل وجه تكنيتها بأم أبيها هو أنه صلى الله عليه وآله وسلم يعاملها عليها السلام معاملة الولد أُمه، وأنها تعامله معاملة الأم ولدها، كما أن التاريخ يؤيد ذلك والأخبار تعضده، ففي الأخبار الكثيرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم يقبل يدها ويخصها بالزيارة عند كل عودة منه إلى المدينة المشرفة ويودعها منطلقا عنها في كل أسفاره ورحلاته، وكأنه يتزود من هذا النبع الصافي عاطفة لسفره كما يتزود الولد المؤدب من أمها. وتلاحظ من جهة أخرى أن فاطمة الزهراء عليها السلام تحتضنه، وتضمد جروحه، وتخفف من آلامه كالأم المشفقة لولدها. وبالجملة كل ما يجده الولد في أمه من العطف والرقة والشفقة والأنس، فهو صلى الله عليه وآله وسلم يجده في فاطمة عليها السلام وكأنها أمه. ونقل المولى الأنصاري (ره): إن النكتة في هذه التكنية إنما هي محض إظهار المحبة، فإن الإنسان إذا أحب ولده أو غيره وأراد أن يظهر في حقه غاية المحبة قال: (يا أماه) في خطاب المؤنث، ويا (أباه) في خطاب المذكر، تنزيلا لهما بمنزلة الأم والأب في الحرمة على ما هو معروف في العرف والعادة(5). أو أن الله عز وجل لما شرف وكرم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتكنيتهن بأمهات المؤمنين صرن في معرض أن تخطر ببالهن أنهن أفضل النساء حتى من بضعة المصطفى فاطمة الزهراء عليها السلام، ولأجل ذلك كناها أبوها بأم أبيها صونا لهذه الخواطر والوساوس، يعني يا نساء النبي إن كنتن أمهات المؤمنين، ففاطمة عليها السلام أم النبي، أم المصطفى، أم الرسول، أم أبيها. ويمكن أن يراد بهذه التكنية معنى أدق وأعمق من الأول والثاني وإن كان الأول هو الأظهر، وهو: أن أم كل شئ أصله ومجتمعه كما صرح به أهل اللغة كأم القوم وأم الكتب وأم النجوم وأم الطرق وأم القرى وهي مكة شرفها الله تعالى، وأم الرأس وأم الدماغ و... فعليه يمكن أن يقال: إنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد منها أن ابنتي فاطمة هي أصل شجرة الرسالة وعنصر النبوة، كما قال الباقر عليه السلام: الشجرة الطيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرعها علي وعنصر الشجرة فاطمة عليها السلام وثمرتها أولادها، وأغصانها وأوراقها شيعتها(6). وكما أنه لولا العنصر يبست الشجرة وذهبت نضرتها، فكذلك لولا فاطمة لما اخضرت شجرة الإسلام، فإن الشجرة تسمو وتنمو بتغذيتها من أصلها. وشجرة الشريعة الحنيفية قد سمت ونمت بمجاهدتها ودفاعها عن إمامها وبعلها الشريف المظلوم ومجاهدات أولادها وتضحياتهم، لا سيما شبليها الكريمين، فإن الحسن عليه السلام بصلحه أبقى شجرة الإسلام ومنعها من الاصطلام، والحسين عليه السلام بإبائه عن البيعة وبذل مهجته الشريفة سقيها ورباها، ولولا صلح الحسن وقيام الحسين عليهما السلام ليبست شجرة الإسلام وما قام لها عود ولا اخضر لها عمود. ولا يخفى أن أصل الحسن والحسين عليهما السلام أمهما فاطمة الزهراء عليها السلام، ولولاها لم يكن أبوها وبعلها وبنوها عليهم السلام كما تقدم في صدر الكتاب. ولتمام البحث لما يتلى من بعض الأخبار في هذا المعنى: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا شجرة، وفاطمة أصلها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها(7). وعن المفضل بن محمد الجعفي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (حبة أنبتت سبع سنابل)(8) قال: الحبة فاطمة عليها السلام، والسبع السنابل سبعة من ولدها، سابعها قائمهم(9)... وقال بعض أهل التحقيق: سر التعبير عنها عليها السلام بالحبة يحتمل وجهين: الأول: إما كناية عن أنها هي المقصودة أولا وبالذات، وإما أن تكون مجرى هذه الأمانات الإلهية ومظاهر التوحيد الحقيقي صلوات الله عليها، ووجه التشبيه أن من لم يكن من الزراع عنده حبة فهو آيس من تحصيل الزراعة، فأصل النظر عنده دائما إلى الحبة فقط وإلا فالنتيجة منها غير حاصلة، وكذلك وجود فاطمة صلوات الله عليها هي المصدر والأصل لهذه الأنوار الإلهية، رزقنا الله حبها وشفاعتها. الثاني: أن الزراعة أصلا وحقيقة هي تلك الحبة مع إضافات أخرى أعملت فيها، فتصور بصورة أخرى، وإنما الفرق بينهما الإجمال والتفصيل، وإلا هي هي مادة وأصلا. فعلى هذا تكون الأنــــوار المقدسة هي الــمتشعبة والمتشتقة من هــــذه الحبة الإلهية(10)...
|
1 - المناقب: ج3، ص357. 2 - كشف الغمة: ج1، ص462. 3 - اللمعة البيضاء: ص50. 4 - نخبة البيان في تفضيل سيدة النسوان: ص86. 5 - اللمعة البيضاء: ص50. 6 - مجمع البحرين: مادة شجر. 7 - ميزان الإعتدال: ج1، ص234، على ما في (إحقاق الحق) ج9، ص152. 8 - سورة البقرة: الآية 261. 9 - تفسير نور الثقلين: ج1، ص282. 10 - القطرة، للسيد أحمد المستنبط: ص158. |