فهرس الكتاب

زواجها سلام الله عليها وأنه بأمر الله تعالى

1ـ قال المحقق البارع الشيخ شعيب الحريفش: وكان المختار كلما اشتاق إلى الجنة ونعيمها قبل فاطمة وشم طيب نسيمها، فيقول حين ينشق نسماتها القدسية: (إن فاطمة لحوراء إنسية).

فلما استنارت في سماء الرسالة شمس جمالها، وتم في أفق الجلالة بدر كمالها امتدت إليها مطالع الأفكار، وتمنت النظر إلى حسنها أبصار الأخيار، وخطبها سادات المهاجرين والأنصار، ردهم المخصوص من الله بالرضا، وقال: إني أنتظر بها القضاء.

مــن مـثل فاطمة الزهراء في نسب          وفـي فخار وفــي فضل وفي حسب

والله فـــــضـلها حـــــقاً وشـــرفـها          إذ كــــانت ابـنة خير العجم والعرب

ولقد خطبها أبو بكر وعمر، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أمرها إلى الله تعالى. ثم إن أبا بكر وعمر وسعد بن معاذ كانوا جلوساً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فتذاكروا أمر فاطمة عليها السلام، فقال أبو بكر: قد خطبها الأشراف فردهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إن أمرها إلى الله عز وجل، وإن علياً لم يخطبها ولم يذكرها، ولا أرى ما يمنعه من ذلك إلا قلة ذات اليد، وإنه ليقع في نفسي أن الله تعالى ورسوله إنما يحبسانها لأجله...(1).

2ـ الحافظ الهمداني يرفعه إلى الحسين بن علي عليهما السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة إذ هبط عليه ملك له عشرون رأساً، في كل رأس ألف لسان، يسبح الله ويقدسه بلغة لا تشبه الأخرى، وراحته أوسع من سبع سماوات وسبع أرضين، فحسب النبي صلى الله عليه وآله أنه جبرائيل، فقال: يا جبرائيل لم تأتني في مثل هذه الصورة قط. قال: ما أنا جبرائيل، أنا صرصائيل، بعثني الله إليك لتزوج النور من النور، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من ممن؟ قال: ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب. فزوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من علي بشهادة جبرائيل وميكائيل وصرصائيل.

قال: فنظر النبي صلى الله عليه وآله فإذا بين كتفي صرصائيل: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب مقيم الحجة). فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا صرصائيل منذ كم هذا كتب بين كتفيك؟ قال: من قبل أن يخلق الله الدنيا باثني عشر ألف سنة(2).

3ـ وفي حديث خباب بن الأرت: إن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل: زوج النور من النور، وكان الولي الله، والخطيب جبرائيل، والمنادي ميكائيل، والداعي إسرافيل، والناثرعزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والأرضين. ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك، فنثرت الدر الأبيض والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر واللؤلؤ الرطب، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن إلى بعض(3).

4ـ عن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله تزوجني فاطمة ابنتك، وقد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محملة كلها قباطي مصر، وعشرة آلاف دينار ـ ولم يكن من أصحاب رسول الله أيسر من عبد الرحمن وعثمان ـ. وقال عثمان: وأنا أبذل ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً.

فغضب النبي صلى الله عليه وآله من قالتهما، فتناول كفاً من الحصى فحصب به عبد الرحمن وقال له: إنك تهول عليَّ بمالك؟ فتحول الحصى دراً. فقومت درة من تلك الدرر فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن، وهبط جبرائيل في تلك الساعة فقال: يا أحمد إن الله يقرئك السلام ويقول: قم إلى علي بن أبي طالب فإن مثله مثل الكعبة يحج إليها ولا يحج إلى أحد، إن الله أمرني أن آمر رضوان خازن الجنان أن يزين الأربع جنان، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تحملا الحلي والحلل، وأمر الحور العين أن يتزن (يتزين ظ) وأن يقفن تحت شجرة طوبى وسدرة المنتهى، وأمر ملكاً من الملائكة يقال له: راحيل ـ وليس في الملائكة أفصح منه لساناً ولا أعذب منطقاً ولا أحسن وجهاً ـ أن يحضر إلى ساق العرش. فلما حضرت الملائكة والملك أجمعون، أمرني أن أنصب منبراَ من النور، وأمر راحيل أن يرقى فخطب خطبة بليغة من خطب النكاح، وزوج علياً من فاطمة بخمس الدنيا لها ولولدها إلى يوم القيامة، وكنت أنا وميكائيل شاهدين، وكان وليها الله تعالى، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تنثرا ما فيهما من الحلي والحلل والطيب، وأمر الحور أن يلقطن ذلك وأن يفتخرن به إلى يوم القيامة، وقد أمرك الله أن تزوجه بفاطمة في الأرض(4).

5ـ عن جابر بن عبد الله قال: لما زوج رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة من علي عليهما السلام كان الله تعالى مزوجه من فوق عرشه، وكان جبرائيل الخاطب، وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً(5).

6ـ عن أبي جعفر عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة، فإن تزويجها نزل من السماء(6).

7 ـ عن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت علياً، فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوجته، بل الله منعكم وزوجه، فهبط عليَّ جبرائيل فقال: يا محمد إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه(7).

صداقها سلام الله عليها في السماء

8ـ قيل للنبي صلى الله عليه وآله: قد علمنا مهر فاطمة في الأرض، فما مهرها في السماء؟ قال: سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك، قيل: هذا مما يعنينا يا رسول الله، قال: كان مهرها في السماء خمس الأرض، فمن مشى عليها مبغضاً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة(8).

9ـ قال الصادق عليه السلام: إن الله تعالى مهر فاطمة ربع الدنيا، فربعها لها، ومهرها الجنة والنار فتدخل أولياءها الجنة وأعداءها النار(9).

10ـ في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة، فهي في دار علي عليه السلام(10).

11ـ وقد ورد في الخبر: إنها لما سمعت بأن أباها زوجها وجعل الدراهم مهراً لها، فقالت: يا رسول الله إن بنات الناس يتزوجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن؟ أسألك تردها وتدعو الله تعالى أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبرائيل عليه السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: (جعل الله مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمة أبيها).

فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن، فوضعت، وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أمة أبي.

قال النسفي: سألت فاطمة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وآله أن يكون صداقها شفاعة لأمته يوم القيامة، فإذا صارت على الصراط طلبت صداقها(11).

12ـ في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله مخاطباً للحسنين عليهما السلام: أنتما الإمامان، ولأمكما الشفاعة(12).

13ـ عن عتبة ابن الأزهري، عن يحيى بن عقيل قال: سمعت عقيلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة رضي الله عنها على خمس الدنيا أو على ربعها ـ شك فيه عتبة ـ فمن مشى على الأرض وهو يبغضك في الدنيا فالدنيا عليه حرام ومشيه فيها حرام(13).

14ـ عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله: يا علي إن الله عز وجل زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض، فمن مشى عليها مبغضاَ لك مشى حراماَ(14).

15ـ في خبر طويل عن الباقر عليه السلام: وجعلت نحلتها من علي خمس الأرض وثلث الجنة، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات ونيل مصر ونهروان ونهر بلخ، فزوجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك(15).

الخطباء والخطب في زواجها سلام الله عليها

والعاقد بينهما هو الله تعالى، والقابل جبرائيل، والخاطب راحيل، والشهود حملة العرش، وصاحب النثار رضوان، وطبق النثار شجرة طوبى، والنثار الدر والياقوت والمرجان، والرسول هو المشاطة، وأسماء صاحب الحجلة، ووليد هذا النكاح الأئمة عليهم السلام(16).

الخطبة الأولى:

في خبر: إنه كان الخطيب راحيل، وقد جاء في بعض الكتب أنه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع، فقال: الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات، وقربنا إلى السرادقات، وحجب عنا النهم للشهوات،(17) وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جل عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين.

ثم قال بعد كلام: اختار الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمته سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه، المصدق دعوته، المبادر إلى كلمته على الوصول، بفاطمة البتول ابنة الرسول.

وروي أن جبرائيل روى عن الله تعالى عقيبها قوله عز وجل: الحمد ردائي، والعظمة كبريائي، والخلق كلهم عبدي وإمائي، زوجت فاطمة أمتي، من علي صفوتي، اشهدوا ملائكتي(18).

الخطبة الثانية:

في حديث طويل: أوحى الله إلى الأمين جبرائيل أن ارق منبر الكرامة، فرقى حتى استوى على المنبر واقفاً، فقال خطيباً: الحمد لله الذي خلق الأرواح، وفلق الإصباح، وصور على عرشه خمسة الأشباح، محيي الأموات، وجامع الشتات، ومخرج النبات، ومنزل البركات... بارئ الأنام، ومنشئ الغمام، لا تشتبه عليه الأصوات، ولا تخفى عليه اللغات، لا يأخذه نوم ولا نسيان...

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، ونشهد أن علي بن أبي طالب خليفة نبيه، واشهدوا يا ملائكة المقربين والملائكة الراكعين والملائكة المسبحين، وجميع أهل السماوات والأرضين بأني زوجت سيدة نساء العالمين بنت محمد الأمين فاطمة الزهراء بعلي بن أبي طالب سيد الوصيين. ألا أن لها بأمر رب العالمين خمس الدنيا أرضها وسماؤها، وبرها وبحرها، وجبالها وسهلها. وأوحى الله تعالى إليهم أني قد زوجت وليي ووصي رسولي علياً ابن أبي طالب بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء...(19).

نثار شجرة طوبى

عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس هذا علي بن أبي طالب، أنتم تزعمون أنني أنا زوجته ابنتي فاطمة، ولقد خطبها إلي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك، أتوقع الخبر من السماء، حتى جاءني جبرائيل عليه السلام ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وقد جمع الروحانيين والكروبيين في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى، وزوج فاطمة علياً، وأمرني فكنت الخاطب، والله تعالى الولي، وأمر شجرة طوبى فحملت الحلي والحلل والدر والياقوت ثم نثرته، وأمر الحور العين اجتمعن فلقطن، فهن يتهادينه إلى يوم القيامة ويقلن: هذا نثار فاطمة(20) نقل الشيخ البهائي (ره) عن والده (ره) في كشكوله: وجد در مكتوب فيه:

أنـــا در مــــن السماء نثرونـي          يـوم تــــزويـج والــد السبطيـن

كنت أصفى مــــن اللجين بياضاً          صــبغتنـي دمـاء نهـر الحسيـن

ولبعضهم في تخميس هذا:

أيـــها السائل المــسائـل دونـي          كل ذي جــــــوهـر عزيـز ثميـن

ماأنا ذا من الثـــرى أخـرجونـي          أنـــا در مـــن السمـاء نثرونـي

يوم تزويج والد السبطين

كنــــــت مـــــن جوهر ولا أعراضا          موضعي في السماء وليس انخفاضا

إنــــــمـا حمـــرتـي أتتني اعتـراضا          كنـــت أصفى مــــن اللــجين بياضـا

صبغتني دماء نحر الحسين(21)

ما نثرت بعد العقد في السماوات

عن بلال بن حمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ضاحكاً مستبشراً، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: بشارة أتتني من عند ربي، إن الله لما أراد أن يزوج علياً فاطمة أمر ملكاً أن يهز شجرة طوبى فهزها، فنثرت رقاقاً ـ يعني صكاكاً ـ وأنشأ الله ملائكة التقطوها، فإذا كانت القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلا يرون محباً لنا أهل البيت محضاً إلا دفعوا إليه منها كتاباً براءة له من النار من أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار(22).

وفي رواية: أنه يكون في الصكوك براءة من العلي الجبار لشيعة علي وفاطمة من النار(23).

للعبدي الكوفي:

صـــــديقة خلــــــقت لصــــــــد          يـــــق شـــــريف فـي المناسب

اخـــــتــاره واخـــــــتـارهـــــــا          طـــــهرين مــــن دنس المعايب

اســــــماهما قـــــرنا على سطر          بـــــــظـل العـــــــرش راتــــب

كــــــان الإلـــــــه وليـــــــهـا و          أمــــــينه جبـــــــريل خـــاطـب

والمـــهر خــــــمس الأرض مو          هــــــبة تـــعالت فــي المواهب

وتـــــهابها مـــــن حمل طوبـى          طيــــــبت تــــــلــك المــــناهـب

قوله: (صديقة) يعني به فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله، سماها بها أبوها فيما أخرجه أبو سعيد في (شرف النبوة) عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال لعلي عليه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يؤتيهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم. (الرياض النضرة، ج2، ص202) قوله: (لصديق) يعني به أمير المؤمنين عليه السلام...

عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال لي ربي عز وجل ليلة أسري بي: من خلفت على أمتك يا محمد صلى الله عليه وآله؟ قال: قلت: يا رب أنت أعلم، قال: يا محمد انتجبتك برسالتي، واصطفيتك لنفسي، وأنت نبيي وخيرتي من خلقي، ثم الصديق الأكبر الطاهر المطهر الذي خلقته من طينتك، وجعلته وزيرك وأبي(24) سبطيك السيدين الشهيدين الطاهرين المطهرين سيدي شباب أهل الجنة، وزوجته خير نساء العالمين، أنت شجرة، وعلي غصنها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها، خلقتهما من طينة عليين، وخلقت شيعتكم منكم، إنهم لو ضربوا على أعناقهم، بالسيوف ما ازدادوا لكم إلا حباً. قلت: يا رب ومن الصديق الأكبر؟ قال: أخوك علي بن أبي طالب. (أخرجه القرشي في (شمس الأخبار) ص33)(25). قوله:

(وتهابها من حمل طوبى...) إشارة إلى ما في حديث بلال بن حمامة كما مر من (تاريخ بغداد).

نكاحها عليها السلام في الأرض

قال ابن أبي الحديد: وإن نكاحه علياً إياها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إياها في السماء بشهادة الملائكة(26).

وكان بين تزويج أمير المؤمنين بفاطمة في السماء وبين تزويجها في الأرض أربعون يوماً(27).

عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أتاني ملك فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني قد زوجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلى، فزوجها منه في الأرض(28).

قال المحقق البارع علي محمد علي دخيل: للزهراء عليها السلام فضائل ومميزات على جميع النساء باعتبارها سيدة نساء العالمين، ومن هذه الفضائل ـ وما أكثرها ـ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام وأنه كان بأمر من الله تعالى، وأن مراسيمه تمت في السماء قبل الأرض، وفي العالم العلوي قبل السفلي، روى ذلك الخاص والعام وتواتر به الحديث(29).

عن جابر قال: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة علياً قال له: اخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في إثرك، ومزوجك بحضرة الناس، وذاكر من فضلك ما تقر به عينك. قال علي عليه السلام: فخرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا ممتلئ فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمر فقالا: ما وراك: يا أبا الحسن؟ فقلت: يزوجني رسول الله فاطمة، وأخبرني أن الله زوجنيها، وهذا رسول الله خارج في إثري ليذكر بحضرة الناس، ففرحا وسرا ودخلا معي المسجد، فو الله ما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله وإن وجهه ليتهلل فرحاً وسروراً.

فقال صلى الله عليه وآله: أين بلال؟ فقال: لبيك وسعديك، فقال: وأين المقداد؟ فلباه، فقال: وأين سلمان؟ فلباه، فلما مثلوا بين يديه قال: انطلقوا بأجمعكم إلى جنبات المدينة واجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين. فانطلقوا لأمره، فأقبل حتى جلس على أعلى درجة من منبره، فلما حشد المسجد بأهله قام صلى الله عليه وآله فحمد الله وأثنى عليه وقال:

الخطبة الثالثة في المسجد:

الحمد لله الذي رفع السماء فبناها، وبسط الأرض ودحاها، وأثبتها بالجبال فأرساها، وتجلل عن تحبير لغات الناطقين، وجعل الجنة ثواب المتقين، والنار عقاب الظالمين، وجعلني رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين. عباد الله! إنكم في دار أمل، بين حياة وأجل، وصحة وعلل، دار زوال متقلبة الحال، جعلت سبباً للارتحال، فرحم الله امرئ قصر من أمله، وجد في عمله، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوته، فقدمه ليوم فاقته، يوم تحشر فيه الأموات، وتخشع فيه الأصوات، وتنكر الأولاد والأمهات، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، يوم يوفيهم الله دينهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، يوم تبطل فيه الأنساب وتقطع الأسباب، ويشتد فيه على المجرمين الحساب، ويدفعون إلى العذاب، فمن زحزح عن النار وأدخل في الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.

أيها الناس إنما الأنبياء حجج الله في أرضه، الناطقون بكتابه، العاملون بوحيه، وإن الله تعالى أمرني أن أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي وأولى الناس بي علي بن أبي طالب، والله عز شأنه قد زوجه بها في السماء، وأشهد الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض، وأشهدكم على ذلك.

ثم جلس وقال: قم يا علي واخطب لنفسك، فقال علي: أ أخطب يا رسول الله وأنت حاضر؟ فقال: اخطب، فهكذا أمرني جبرئيل أن آمرك تخطب لنفسك، ولولا أن الخطيب في الجنان داود لكنت أنت يا علي. ثم قال: أيها الناس اسمعوا قول نبيكم: إن الله بعث أربعة آلاف نبي، ولكل نبي وصي، فأنا خير الأنبياء، ووصيي خير الأوصياء. ثم أمسك صلى الله عليه وآله وابتدأ علي عليه السلام فقال:

الخطبة الرابعة من علي عليه السلام:

الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين، وأنار بثواقب عظمته قلوب المتقين، وأوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين، وأبهج بابن عمي المصطفى العالمين، حتى علت دعوته دعوة الملحدين، واستظهرت كلمته على بواطن المبطلين، وجعله خاتم النبيين وسيد المرسلين، فبلغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وأنار من الله آياته، فالحمد لله الذي خلق العباد بقدرته، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ورحم وكرم وشرف وعظم، والحمد لله على نعمائه وأياديه. وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إخلاص ترضيه، وأصلي على نبيه محمد صلاة تزلفه وتحظيه. وبعد، فإن النكاح مما أمر الله تعالى به، وأذن فيه، ومجلسنا هذا مما قضاه الله تعالى ورضيه، وهذا محمد بن عبد الله رسول الله، زوجني ابنته فاطمة على صداق أربعمائة درهم ودينار، وقد رضيت بذلك، فاسألوه واشهدوا. فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله؟ قال: نعم، قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما وجمع شملهما(30).

الخطبة الخامسة:

عن أنس قال: بينا أنا قاعد عند النبي صلى الله عليه وآله إذ غشيه الوحي، فلما سري عنه قال: يا أنس تدري ما جاءني به جبرائيل من صاحب العرش؟ قلت: الله ورسوله أعلم، بأبي وأمي ما جاء به جبرائيل؟ قال: إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة علياً، انطلق فادع لي المهاجرين والأنصار، قال: فدعوتهم، فلما أخذوا مقاعدهم قال النبي صلى الله عليه وآله: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرغوب إليه فيما عنده، المرهوب عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسباً وصهراً، فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، فلكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)(31).

ثم إن الله أمرني أن أزوج فاطمة بعلي، فأشهدكم أني قد زوجته على أربعمائة مثقال من فضة إن رضي بذلك علي.

وكان علي غائباً قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله في حاجته، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بطبق فيه بسر فوضع بين أيدينا، ثم قال: انتبهوا، فبينا نحن ننتبه إذ أقبل علي عليه السلام، فتبسم إليه النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: يا علي إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، فقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة، إن رضيت، فقال علي عليه السلام: قد رضيت يا رسول الله. ثم إن علياً مال فخر ساجداً شكراً لله تعالى، وقال: الحمد لله الذي حببني إلى خير البرية محمد رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بارك الله عليكما، وبارك فيكما، وأسعدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب. قال أنس: فو الله لقد أخرج منهما الكثير الطيب. قلت: هذا حديث حسن عال(32).

مهرها وصداقها سلام الله عليها في الأرض

عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان صداق فاطمة برد حبرة، وإهاب شاة على عرار.

أقول: في اللسان: برود حبرة ضرب من البرود يمانية، يقال: برد حبر وبرد حبرة مثل عنبة (بكسر العين وفتح النون والباء) على الوصف والإضافة. والإهاب: الجلد ما لم يدبغ. والعرار: نبت رائحة الطيب. كافي الكليني (ره): زوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من علي على جرد برد(33). وفي (مجمع البحرين): وانجرد الثوب: انسحق ولان، ومنه: كان صداق فاطمة عليها السلام جرد برد حبرة، ودرع حطمية، وجرد قطيفة لنجرد خملها وخلقت.

عن الحسين بن علي عليهما السلام في خبر: زوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة علياً على أربعمائة وثمانين درهماً. وروي أن مهرها أربعمائة مثقال فضة. وروي أنه كان خمسمائة درهم، وهو أصح(34). وعن الصادق عليه السلام قال: كان صداق فاطمة عليها السلام درع حطمية وإهاب كبش أو جدي(35). عن جعفر بن محمد، عن أبيه: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أصدق فاطمة رضي الله عنها درعاً من حديد، وجرة دوار،(36) وإن صداق نساء النبي صلى الله عليه وآله كان خمسمائة درهم.(37) عن أنس في حديث تزويج فاطمة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: وما عندك؟ قلت: فرسي وبدني ـ يعني درعي ـ قال: أما فرسك فلا بد لك منه، وأما بدنك فبعها. قال: فبعتها بأربعمائة وثمانين درهماً، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وآله فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة فقال: يا بلال ابتعنا بها طيباً(38).

وفي حديث: إن علياً تزوج فاطمة فباع بعيراً له بثمانين وأربعمائة درهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اجعلوا ثلثين في الطيب، وثلثاً في الثياب(39).

عن علي عليه السلام قال: قالت لي مولاة لي: هل عـــلمت أن فاطمــــة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليـــه وآله؟ قال: لا،(40) قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وآله يزوجك، فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وآله يزوجك، فو الله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله جلالة وهيبة، فلما قعدت بين يديه أفحمت، فو الله ما أتكلم، فقال: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت، فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة؟ قلت: نعم، قال: وهل عندك من شيء تستحلها به؟ قلت: لا والله يا رسول الله، فقال: ما فعلت الدرع التي سلحتكها؟ فقلت: عندي، والذي نفس علي بيده إنها لحطمية، ما ثمنها أربعمائة درهم، قال: قد زوجتكها، فابعث بها فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال في ذيل الحديث: والحطمية: قال شمر في تفسيرها: هي العريضة الثقيلة، وقال بعضهم: هي التي تكسر السيوف، ويقال: هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم: حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع، قال ابن عيينة: هي شر الدروع، وهذا أمس بالحديث

لأن علياً ذكرها في معرض الذم وتقليل ثمنها(41).

إن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة: إن علي بن أبي طالب ممن قد عرفت قرابته وفضله من الإسلام، وإني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟ فسكتت، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها(42).

جهازها وأثاث بيتها

قال الصادق عليه السلام في خبر: وسكب الدراهم في حجره، فأعطى منها قبضة ـ كانت ثلاثة وستين، أو ستة وستين ـ إلى أم أيمن لمتاع البيت، وقبضة إلى أسماء بنت عميس للطيب، وقبضة إلى أم سلمة للطعام، وأنفذ عماراً وأبا بكر وبلالاً لابتياع ما يصلخها، وكان مما اشتروه:

1ـ قميص بسبعة دراهم.

2ـ خمار بأربعة دراهم.

3 ـ قطيفة سوداء خيبرية.

4ـ سرير مزمل بشريط.

5 ـ فراشان من خيش مصر حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم.

6 ـ أربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر.

7ـ ستراً من صوف.

8 ـ حصير هجري.

9 ـ رحاء اليد.

10 ـ سقاء من أدم.

11 ـ مخضب من نحاس.

12 ـ قعب للبن.

13 ـ شن للماء.

14 ـ مطهرة مزفتة.

15 ـ جرة خضراء.

16 ـ كيزان خزف.

17 ـ نطع من أدم.

18 ـ عباء قطواني.

19 ـ قربة ماء. وكان من تجهيز علي داره انتشار رمل لين، ونصب خشبة من حائط إلى حائط للثياب، وبسط إهاب كبش، ومخدة ليف(43).

بيتها عليها السلام

في خبر نزوله صلى الله عليه وآله المدينة وبنائه المسجد والبيوت وخطبة أمير المؤمنين عنها عليهما السلام: فقال له (لعلي عليه السلام) رسول الله صلى الله عليه وآله: هيئ منزلاً حتى تحول فاطمة إليه، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله ما هاهنا منزل إلا منزل حارثة بن النعمان(44).

أقول: هذا عند ابتداء زواجهما عليهما السلام، وأما بعد فكان منزلها ملاصقاً بمنزل النبي صلى الله عليه وآله كما يأتي في فصله(45).

متاع بيت علي ليلة عرس الزهراء عليهما السلام

1 ـ عن علي عليه السلام قال: أهديت ابنة رسول الــــله صلى الله عليه وآله إليّ، فما كان فــــراشنــــا ليلة أهديـــت إلا مسك كبش(46).

2 ـ عن علي عليه السلام: لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش، ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار، ومالي ولها خادم غيرها(47).

3 ـ في رواية: فأتي (النبي صلى الله عليه وآله) وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولاً خرجت منها جنوبنا، وإذا لبسناها عرضاً خرجت منها أقدامنا ورؤوسنا(48).

4 ـ عن أبي يزيد المديني قال: لما أهديت فاطمة إلى علي لم تجد عنده إلا رملاً مبسوطاً، ووسادة، وجرة، وكوزاً(49).

5 ـ عن أنس قال: جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله إني وابن عمي ما لنا فراش إلا جلد كبش ننام عليه، ونعلف عليه ناضحنا بالنهار، فقال: يا بنية اصبري فإن موسى بن عمران أقام مع امرأته عشر سنين ما لهما فراش إلا عباءة قطوانية ـ أي بيضاء كثير الخمل ـ(50).

مقدمة الزفاف والتهيؤ له

1 ـ في حديث: إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين كانوا معه الباقي، فلما عرض المتاع على رسول الله صلى الله عليه وآله جعل يقلبه بيده ويقول: بارك الله لأهل البيت(51).

2 ـ في حديث طويل:... وحملناه جميعاً حتى وضعناه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فلما نظر إليه بكى وجرت دموعه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف. قال علي: ودفع رسول الله صلى الله عليه وآله باقي ثمن الدرع إلى أم سلمة وقال: اتركي هذه الدراهم عندك. ومكثت بعد ذلك شهراً لا أعاود رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر فاطمة بشيء استحياء من رسول الله صلى الله عليه وآله غير أني كنت إذا خلوت برسول الله يقول لي: يا أبا الحسن ما أحسن زوجتك وأجملها! أبشر فقد زوجتك سيدة نساء العالمين(52).

3 ـ في حديث طويل: قال علي عليه السلام: فأقمت بعد ذلك (أي ابتياع متاع البيت) شهراً أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأرجع إلى منزلي ولا أذكر شيئاً من أمر فاطمة عليها السلام، ثم قلن أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا نطلب لك من رسول الله صلى الله عليه وآله دخول فاطمة عليك؟ فقلت: افعلن، فدخلن عليه فقالت أم أيمن: يا رسول الله لو أن خديجة باقية لقرت عينها بزفاف فاطمة، وإن علياً يريد أهله، فقر عين فاطمة ببعلها، واجمع شملها، وقر عيوننا بذلك، فقال: ما بال على لا يطلب مني زوجته، فقد كنا نتوقع ذلك منه؟ فقال علي عليه السلام: فقلت: الحياء يمنعني يا رسول الله.

الدعوة إلى وليمة العرس

... فالتفت إلى النساء فقال: من هاهنا؟ فقالت أم سلمة: أنا أم سلمة وهذه زينب، وهذه فلانة وفلانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هيئوا لابنتي وابن عمي في حجري بيتاً. فقالت أم سلمة: في أي حجرة يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: في حجرتك، وأمر نساءه أن يزين ويصلحن من شأنها.

قالت أم سلمة: فسألت فاطمة: هل عندك طيب ادخرتيه لنفسك؟ قالت: نعم، فأتت بقارورة فسكبت منها في راحتي، فشممت منها رائحة ما شممت مثلها قط، فقلت: ما هذا؟ قالت: كان دحية الكلبي يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول لي: يا فاطمة هات الوسادة فاطرحيها لعمك، فأطرح له الوسادة فيجلس عليها، فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه، فسأل علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك، فقال: هو عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل.

قال عليٌّ عليه السلام: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً، ثم قال: من عندنا اللحم والخبز، وعليك التمر والسمن، فاشتريت تمراً وسمناً، فحسر رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذراعه وجعل يشدخ التمر في السمن حتى اتخذه حيساً،(53) وبعث إلينا كبشاً سميناً فذبح، وخبز لنا خبز كثير. ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: ادع من أحببت، فأتيت المسجد وهو مشحن بالصحابة، فأحييت أن أشخص قوماً وأدع قوماً، ثم صعدت على ربوة هناك وناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة، فأقبل الناس أرسالاً،(54) فاستحييت من كثرة الناس وقلة الطعام، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله ما تداخلني، فقال: يا علي إني سأدعو الله بالبركة. قال علي عليه السلام فأكل القوم عن آخرهم طعامي وشربوا شرابي، ودعوا لي بالبركة، وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل، ولم ينقص من الطعام شيء.

ليلة الزفاف ومراسمها

ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله بالصحاف فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه، ثم أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً وقال: هذا لفاطمة وبعلها، حتى انصرفت الشمس للغروب قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أم سلمة هلمي فاطمة، فانطلقت فأتت بها وهي تسحب أذيالها، وقد تصببت عرقاً حياءً من رسول الله صلى الله عليه وآله، فعثرت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله. أقالك الله العثرة في الدنيا والآخرة. فلما وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتى رآها علي عليه السلام(55).

4ـ إن جبرائيل أتي بحلة قيمتها الدنيا، فلما لبستها تحيرت نسوة قريش منها وقلن: من أين لك هذا؟ قالت: من عند الله(56).

5ـ في حديث: فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبي صلى الله عليه وآله ببغلته الشهباء وثنى عليها قطيفة وقال لفاطمة: اركبي، وأمر سلمان أن يقودها، والنبي عليه السلام يسوقــــها، فبينما هو فـــي بعض الطريق إذ ســـمع النبي صلى الله عليه وآله وجبة،(57) فإذا بجبرائيل في سبعين ألفاً، وميكائيل في سبعين ألفاً، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا:

جئنا نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فكبر جبرائيل وكبر ميكائيل وكبرت الملائكة وكبر محمد صلى الله عليه وآله، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة(58).

6ـ عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: لما زفت فاطمة إلى علي عليه السلام نزل جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ونزل معهم سبعون ألف ملك، قال: فقدمت بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله دلدل وعليها شملة، فأمسك جبرائيل باللجام، وأمسك إسرافيل بالركاب، وأمسك ميكائيل بالثفرة،(59) ورسول الله صلى الله عليه وآله يسوي عليها ثيابها، فكبر جبرائيل وكبر إسرافيل وكبر ميكائيل وكبرت الملائكة، وجرت سنة التكبير في الزفاف(60).

7ـ عن ابن عباس قال: لما زفت فاطمة إلى علي عليه السلام كان النبي صلى الله عليه وآله قدامها، وجبرائيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك خلفها، يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر(61).

8ـ كتاب (مولد فاطمة) عن ابن بابويه في خبر: أمر النبي صلى الله عليه وآله بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة، وأن يفرحن ويرجزن ويكبرن ويحمدن، ولا يقلن ما لا يرضى الله، قال جابر: فأركبها على ناقته ـ وفي رواية على بغلته الشهباءـ وأخذ سلمان زمامها، وحولها سبعون ألف حوراء، والنبي صلى الله عليه وآله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم، ونساء النبي صلى الله عليه وآله قدامها يرجزن، فأنشأت أم سلمة:

ســــــرن بــــعـون الله جاراتـي          واشكـرنـــه فــــــي كــل حالات

واذكــــــرن مــاأنعم رب العلـى          من كــــــشف مــــكـروه وآفات

فـــــقـد هــــــدانا بعد كفر وقـد          أنعشـــــــنـا رب الســـــمــاوات

وســــرن مع خير نساء الورى          تـــــــفدى بــــــعمـات وخــالات

يا بنــــت مـــن فضله ذو العلـى          بالــــوحـي مــــــنه والرسالات

ثم قالت عائشة:

يـــــا نـــسـوة استرن بالمعاجـر          واذكرن ما يحسن في المحاضر

واذكـــرن رب الـناس إذ يخصنا          بــــــديـنه مـــــع كل عبد شاكر

والحـــمد لله عـــــــلـى إفضالـه          والشـــــــكر لله الـــعزيـز القادر

ســــــرن بها فالله أعطى ذكرها          وخصــــــها منــه بطهر طاهـر

ثم قالت حفصة:

فـــــاطمة خـــــيـر نساء البشـر          ومن لهـا وجـــــه كـوجه القمر

فضلك الله علـــــى كـــل الورى          بفضل مـــــن خــص بآي الزمر

زوجــــــك الله فــــــتـى فاضـلاً          أعني علــياً خير من في الحضر

فســــــرن جــــاراتـي بهـا إنهـا          كــــريـمة بنــــت عظيـم الخطر

ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ:

أقــــــول قــــولاً فــــيـه ما فيـه          وأذكــــــر الــــــــخيـر وأبديــه

مـــــحــمد خــــــيـر بـــنـي آدم          ما فيــــه مـــــن كـــبر ولا تيـه

بـــــفضلــه عـــــــرفنـا رشـدنـا           فاللــــــه بـــــالخيـر يــجازيــه

ونـــــحن مـــع بنت نبـي الهدى           ذي شـــــرف قــــد مكنت فيـه

فـــــي ذروة شــــامخـة أصلـها          فـــمـا أرى شـــــيئـاً يــــدانيــه

وكانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز، ثم يكبرن ودخلن الدار. ثم أنفذ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام ودعاه إلى المسجد، ثم دعا فاطمة، فأخذ يديها ووضعها في يده وقال: بارك الله في ابنة رسول الله.

وفي رواية: ووضع يد فاطمة في يد علي وقال: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله عندك، فاحفظ الله، واحفظني فيها. (شجرة طوبى، ص254) كتاب ابن مردويه: إن النبي صلى الله عليه وآله سأل ماء فأخذ منه جرعة فتمضمض بها، ثم مجها في القعب، ثم صبها على رأسها، ثم قال: أقبلي، فلما أقبلت نضح من بين ثدييها، ثم قال: أدبري، فلما أدبرت نضح من بين كتفيها، ثم دعا لهما.

كتاب ابن مردويه: اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شبليهما.

وروي أنه قال: اللهم إنهما أحب خلقك إلي، فأحبهما وبارك في ذريتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم. وروي أنه دعا لها فقال: أذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيراً.

وروي أنه قال: مرحباً ببحرين يلتقيان، ونجمين يقترنان(62).

ليلة الزفاف وصبيحة الليلة

1ـ عن علي عليه السلام في حديث طويل مر شطر منه قال: ثم دخل إلى منزلي، فدخلت إليه ودنوت منه، فوضع كف فاطمة الطيبة في كفي وقال: ادخلا المنزل ولا تحدثا أمراً حتى آتيكما. قال: فدخلنا المنزل فما كان إلا أن دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وبيده مصباح، فوضعه في ناحية المنزل وقال لي: يا علي خذ في ذلك القعب ماء من تلك الشكوة،(63) ففعلت ثم أتيته به، فتفل فيه تفلات، ثم ناولني القعب فقال: اشرب منه، فشربت، ثم رددته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فناوله فاطمة وقال: اشربي حبيبتي، فشربت منه ثلاث جرعات، ثم رددته إليه، فأخذ ما بقي من الماء فنضحه على صدري وصدرها وقال: إنما يريد الله ليذهب ـ الآية، ثم رفع يديه وقال: يا رب إنك لم تبعث نبياً إلا وقد جعلت له عترة، اللهم فاجعل عترتي الهادية من علي وفاطمة، ثم خرج.

قال علي عليه السلام: فبت بليلة لم يبت أحد من العرب بمثلها، فلما كان في آخر السحر أحسست برسول الله، فذهبت لأنهض، فقال: مكانك أتيتك في فراشك رحمك الله، فأدخل رجليه معنا في الدثار، ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة، فاستيقظت، فبكى وبكت وبكيت لبكائهما، فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله بكيت وبكت فاطمة وبكيت لبكائهما،(64) فقال: أتاني جبرائيل فبشرني بفرخين يكونان لك، ثم عزيت بأحدهما وعلمت أنه يقتل غريباً عطشاناً، فبكت فاطمة حتى علا بكاؤهما ـ الحديث(65).

2ـ دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على فاطمة ليلة عرسها بقدح من لبن فقال: اشربي هذا فداك أبوك، ثم قال لعلي عليه السلام: اشرب فداك ابن عمك(66).

3ـ قال علي عليه السلام: ومكث رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك ثلاثاً لا يدخل علينا، فلما كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا ليدخل علينا، (ثم ذكر محاورة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وأسماء، ثم قال) وكانت غداة قرة، وكنت أنا وفاطمة تحت العباء، فلما سمعنا كلام رسول الله صلى الله عليه وآله لأسماء ذهبنا لنقوم، فقال: بحقي عليكما لا تفترقا حتى أدخل عليكما فرجعنا إلى حالنا، ودخل صلى الله عليه وآله وجلس عند رؤوسنا، وأدخل رجليه فيما بيننا، وأخذت رجله اليمنى فضممتها إلى صدري، وأخذت فاطمة رجله اليسرى فضمتها إلى صدرها، وجعلنا ندفئ رجليه من القر، حتى إذا دفئتا قال: يا علي ائتني بكوز من ماء، فأتيته فتفل فيه ثلاثاً وقرأ فيه آيات من كتاب الله تعالى ثم قال: يا علي اشربه واترك فيه قليلاً، ففعلت ذلك، فرش باقي الماء على رأسي وصدري(67).

4 - إن النبي صلى الله عليه وآله صنع لها قميصاً جديداً ليلة عرسها وزفافها، وكان لها قميص مرقوع وإذا بسائل على الباب يقول: أطلب من بيت النبوة قميصاً خلقاً، فأرادت أن تدفع إليها القميص المرقوع فتذكرت قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)(68). فدفعت له الجديد، فلما قرب الزفاف نزل جبرائيل وقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام وأمرني أن أسلم على فاطمة وقد أرسل لها معي هدية من ثياب الجنة من السندس الأخضر، فلما بلغها السلام وألبسها القميص الذي جاء به لفها رسول الله صلى الله عليه وآله بالعباءة ولفها جبرائيل بأجنحته حتى لا يأخذ نور القميص بالأبصار، فلما جلست بين النساء الكافرات ومع كل واحدة شمعة ومع فاطمة (رض) سراج، رفع جبرائيل جناحه ورفع العباءة وإذا بالأنوار قد طبقت المشرق والمغرب، فلما وقع النور على أبصار الكافرات خرج الكفر من قلوبهن وأظهرن الشهادتين(69).

كلمات الأعاظم حول أسماء التي حضرت ليلة الزفاف

عن أسماء بنت عميس: حضرت وفاة خديجة عليها السلام فبكت فقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين وأنت زوجة النبي صلى الله عليه وآله ومبشرة على لسانه بالجنة؟ فقالت: ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها فلا بد لها من امرأة تفضي إليها بسرها وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة حديثة عهد بصبى وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمورها حينئذ، فقلت: يا سيدتي لك علي عهد أني إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر.

فلما كانت تلك الليلة وجاء النبي صلى الله عليه وآله أمر النساء فخرجن وبقيت، فلما أراد الخروج رأى سوادي، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا أسماء بنت عميس، فقال: أَلم آمرك أن تخرجي؟ فقلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، وما قصدت خلافك، ولكني أعطيت خديجة رضي الله عنها عهداً، وحدثته، فبكى وقال: تالله لهذا وقفت؟ فقلت: نعم والله، فدعا لي.

قال العلامة الإربلي في ذيل هذا الكلام: قد تظاهرت الروايات كما ترى أن أسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة وفعلت، وأسماء كانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب عليه السلام ولم تعد هي ولا زوجها إلا يوم فتح خيبر، وذلك في سنة ست من الهجرة، ولم تشهد الزفاف لأنه كان في ذي الحجة من سنة اثنتين، والتي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس أختها وهي زوجة حمزة بن عبد المطلب عليه السلام، ولعل الأخبار عنها، وكانت أسماء أشهر من أختها عند الرواة فرووا عنها، أو سها راو واحد فتبعوه(70).

أقول: قد روى مثل تلك الرواية العلامة الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) في الباب 82، ص307 منه مع تغيير وتفاوت تركناها لتكرر مضامينها. ثم قال بعد نقل الرواية: وذكر أسماء في هذا الحديث ونسبتها إلى بنت عميس غير صحيح، وأسماء بنت عميس هي الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب، وهي التي تزوجها أبو بكر فولدت له محمداً بن أبي بكر، وذلك بذي الحليفة فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، فلما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له. وما أرى نسبتها في هذا الحديث إلا غلطاً وقع من بعض الرواة، أو من بعض الوراقين، لأن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة عليها السلام إنما هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري، وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بأرض الحبشة، هاجر بها الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة وولدت لجعفر بن أبي طالب أولاده كلهم بأرض الحبشة.

وبقي جعفر وزوجته أسماء بأرض الحبشة حتى هاجر النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وكانت وقعة بدر وأحد وخندق وغيرها من المغازي، إلى أن فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وآله قرى خيبر في سنة سبع، وقدم المدينة وقد فتح الله عز وجل على يديه، وقدم يومئذ جعفر بامرأته وأهله، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما أدري بأيهما أسر؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وكان زواج فاطمة من علي عليهما السلام بعد وقعة بدر بأيام يسيرة، فصح بهذا أن أسماء المذكورة في هذا الحديث إنما هي أسماء بنت يزيد، ولها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله...

أقول: وفي هامش (البحار) ج43، ص134: وكانت أسماء هذه مكناة بأم سلمة وكانت يقال لها: خطيبة النساء، فما روي في قصة زفافها عن أم سلمة فإنما هي أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع، لا أم سلمة التي زوجها النبي بعد ذلك الزفاف بسنة أو أكثر.

أقول: ولعل أن يكون زواج رسول الله صلى الله عليه وآله مع أم سلمة في أوائل الهجرة قبل زواج فاطمة الزهراء عليها السلام مع أمير المؤمنين عليه السلام، فعلى هذا أن ما روي في قصة زفاف الزهراء عليها السلام هو عن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله، ويؤيد هذا ما ذكره العلامة المجلسي(ره) في مهاجرة فاطمة الزهراء مع أمير المؤمنين عليهما السلام ونساء المهاجرين: وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله النساء وتزوج سودة أول دخوله المدينة، ونقل فاطمة إليها، ثم تزوج أم سلمة، فقالت أم سلمة: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وفوض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله أدأب مني وأعرف بالأشياء كلها(71).

قال العلامة التستري: وأما ما روت العامة في تزويج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من أمير المؤمنين عليه السلام: (أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه وآله فردهما، فقالا لعبد الرحمن بن عوف: اخطب أنت لكثرة مالك، فرده النبي صلى الله عليه وآله أيضاً، فجاءا إلى علي عليه السلام فقالا له: لو خطبتها، فقال: لقد نبهتماني (إلى أن قال في الخبر) فقالت أسماء: يا رسول الله خطب إليك ذوو الأنساب والأموال من قريش فلم تزوجهم وزوجتها من هذا الغلام؟ فقال لها: يا أسماء أما إنك ستزوجين بهذا الغلام وتلدين له غلاماً) فخبر موضوع، والشاهد لكونه موضوعاً أن أسماء بنت عميس كانت ذلك الوقت في الحبشة، وولدت لجعفر ثمة بنيه عبد الله وعوناً ومحمداً، وإنما قدم بها جعفر عام فتح خيبر سنة سبع، وتزوجه عليه السلام كان سنة اثنتين، كما أن خبراً آخر رووا في زفاف فاطمة عليها السلام وأن أسماء بنت عميس قالت: لم يزل النبي صلى الله عليه وآله يدعو لعلي وفاطمة عليهما السلام، إما موضوع وإما محرف بكون بنت عميس فيه زائدة، والمراد بأسماء فيه بنت يزيد بن السكن الأنصاري، كما قاله الكنجي الشافعي، كما أن ورودها في خبر ولادة الحسين عليه السلام كذلك(72).

أقول: كيف يساعد هذا ما أورده العلامة الأميني (ره) فقال: (ومن جراء تلك الموجدة منعت أن تدخلها يوم ذاك عائشة كريمة أبي بكر فضلاً عن أبيها، فجاءت تدخل فمنعتها أسماء فقالت: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر وقالت: هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، فوقف أبو بكر على الباب وقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وآله أن يدخلن على بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد صنعت لها هودج العروس؟ قالت: هي أمرتني أن لا يدخل عليها أحد، وأمرتني أن أصنع لها ذلك)(73) فإنه لا يخفى عليك التصريح بالخثعمية.

وقال الفاضل المحقق السيد كاظم القزويني: والذي يقوى عندي أن الحل الصحيح والجواب المعقول: أن أسماء هذه هي أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة جعفر بن أبي طالب، وأنها هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، ولكنها رجعت إلى مكة وهاجرت إلى المدينة، ولعلها كررت سفرها إلى الحبشة، لأن المسافة من جدة إلى الحبشة هي مسافة عرض البحر الأحمر، وليس قطع هذه المسافة بالصعب المستصعب ذهاباً وإياباً وإن كان التاريخ لم يذكر ذلك لأسماء، فإن التاريخ أيضاً لم يذكر لأبي ذر الغفاري هجرة إلى الحبشة، وقد روي عن أبي ذر: كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة ـ الخ.

وقد ظفرت برواية رواها المجلسي في العاشر من البحار في باب تزويج السيدة فاطمة عليها السلام عن كتاب مولد فاطمة، عن ابن بابويه: أمر النبي صلى الله عليه وآله بنات عبد المطلب ـ إلى أن يقول ـ والنبي صلى الله عليه وآله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها ـالخ. فالتصريح بوجود جعفر يحل هذه المشكلة(74).

أقول: لعل الذي ذهب إليه العلامة الكنجي الشافعي نشأ من تشابه الاسمين، لأن أسماء التي حضرت ليلة الزفاف هي التي حضرت عند وفاة سيدتنا خديجة سلام الله عليها، لأنك لاحظت قولها: (حضرت وفاة خديجة عليها السلام فبكت وقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين)، والحال أن أسماء الأنصارية لم تكن في مكة.

وأما ما ذهب إليه الفاضل المتتبع السيد كاظم القزويني وإن كان وجهاً لطيفاً ولكن لم يرد من أهل السير والتواريخ دليل واضح على تكرر سفر جعفر وزوجته من مكة إلى الحبشة، بل الدليل والشاهد على خلافه، فإنه ذكر في (أسد الغابة) في ترجمة سلمى بنت عميس الخثعمية: فإنه لا خلاف بين أهل السير أن جعفراً هاجر إلى الحبشة من مكة ومع امرأته أسماء، وأنها ولدت له أولاده بالحبشة، ولم يقدم على النبي صلى الله عليه وآله إلا وهو محاصر خيبر(75).

نعم جاء في (البحار) ج43، ص115 كما أشار إليه الفاضل الألمعي: (والنبي صلى الله عليه وآله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها) ولكن هل يكفي ذلك دليلاً لحل هذه المشكلة، مع أن المجلسي (ره) يقول في (البحار) ج18، ص416 بعد كلام طويل: ورجع (عمرو) من الحبشة إلى قريش فأخبرهم أن جعفراً في أرض الحبشة في أكرم كرامة، فلم يزل بها حتى هادن رسول الله صلى الله عليه وآله قريشاً وصالحهم وفتح خيبر، وأتى بجميع من معه.

ومن جهة أخرى: أن الذين يرجعون من حبشة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وفتح خيبر أسماؤهم مضبوطة في الكتب والتواريخ، وليس فيهم جعفر ولا زوجته أسماء، فلاحظ ما جاء في (الكامل) لابن الأثير: واشتدت قريش على المسلمين، فلما قرب المسلمون الذين كانوا بالحبشة من مكة بلغهم أن إسلام أهل مكة باطل، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفياً، فدخل عثمان في جوار أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، فأمن بذلك، ودخل أبو حذيفة بن عتبة بجوار أبيه، ودخل عثمان بن مظعون بجوار الوليد بن المغيرة(76).

وفي (حلية الأولياء): مذاكرة ومشاجرة بين عمر وأسماء بنت عميس، وهي تدل على ما قلنا أو تؤيد ما ذكرناه وهي: ودخلت أسماء بنت عميس فقال لها عمر: هذه الحبشية البجرية؟ قالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وآله، فغضبت وقالت كلمة: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار ـ أو أرض ـ البعداء والبغضاء في الحبشة... فنحن كنا نؤذى ونخاف(77).

وهذه العبارات كما ترى لا تساعد تكرر سفرها من مكة إلى الحبشة، والحال أن الأخبار والأحاديث تصرح بأن أسماء بنت عميس رضي الله عنها كانت في مواقف كثيرة مع أهل البيت، عند وفاة خديجة عليها السلام، وعند فاطمة عليها السلام ليلة زفافها، وعند ولادة الحسن والحسين عليهما السلام بل كانت قابلة لهما، مع أن ولادتهما عليهما السلام كانت في سنة أربع من الهجرة في عام الخندق. وفي (البحار) ج43، ص238 عن علي بن الحسين عليهما السلام، عن أسماء بنت عميس قالت: قبلت جدتك فاطمة عليها السلام بالحسن والحسين عليهما السلام، فلما ولد الحسن عليه السلام جاء النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا أسماء... ـ إلى آخر الحديث، وقد تكرر فيه اسم أسماء بنت عميس.

ولعل هذه الأحاديث كانت موجبة لقوا بعض فضلاء عصرنا وهو الفاضل المتتبع الدكتور السيد جعفر الشهيدي، فإنه بعد رد قول العلامة السيد كاظم القزويني يقول: يحتمل أن تكون هذه المرأة أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر زوجة زبير بن العوام(78).

ويمكن أن يستدل في تأييد قول هذا المحقق بما جاء في (البحار) ج43، ص243، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء بنت أبي بكر، عن صفية بنت عبد المطلب قالت: لما سقط الحسين عليه السلام من بطن أمه وكنت وليتها عليها السلام ـ الخ.

وقال العلامة المجاهد السيد الأمين (ره): اشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت يزيد ممكن، بأن يكون الراوي ذكر أسماء، فتبادر إلى الأذهان بنت عميس لأنها أعرف، لكن ينافي ذلك آخر الحديث وهو أنها حضرت وفاة خديجة، وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة لم تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة، مع أنه مر ذكر جعفر بن أبي طالب زوج أسماء الذي كان يومئذ مهاجراً بالحبشة، فإذا كان رفع الاشتباه في أسماء فكيف رفع في جعفر؟(79).

أقول: وبالجملة الذي أميل إليه هو ما قاله العلامة الإربلي (ره) أنها سلمى بنت عميس الخثعمية وهي زوجة حمزة، وكانت أختها أشهر، فصارت منشأ الاشتباه، والله أعلم بحقائق الأمور.

 

1 - الروض الفائق: ص256. 

2 - البحار: ج43، ص123. 

3 - البحار: ج43، ص109 ـ110. 

4 - دلائل الإمامة: ص12 ـ13. 

5 - البحار: ج43، ص142. 

6 - البحار، ج43، ص145، 92، 113. 

7 - البحار، ج43، ص145، 92، 113. 

8 - البحار، ج43، ص145، 92، 113. 

9 - البحار، ج43، ص145، 92، 113. 

10 - معالم الزلفى: للسيد هاشم البحراني (ره) ص397. 

11 - إحقاق الحق: ج10، ص367. 

12 - كشف الغمة: ج1، ص507. 

13 - مودة القربى: للسيد علي الهمداني، على ما في ذيل (إحقاق الحق) ج10، ص368. 

14 - كشف الغمة: ج1، ص472. وأن (مبغضاً لها) أشبه، كما في بعض النسخ.

15 - البحار: ج43، ص113. 

16 - البحار: ج43، ص107. 

17 - النهمة: بلوغ الهمة والشهوة في الشيء. 

18 - المناقب: لابن شهر آشوب، ج3، ص348. 

19 - الجنة العاصمة: ص100. 

20 - كفاية الطالب: الباب 79، ص300. 

21 - كشكول البهائي: كما في (رياض المدح والرثاء) للشيخ سليمان البلادي البحراني، ص221 ـ222. أقول: نقل السيد ابن طاووس (ره) في (الإقبال) ص468 في فضل يوم الغدير عن الصادق عليه السلام في حديث طويل: (وفي ذلك اليوم ليتهادون (الملائكة) نثار فاطمة عليها السلام). 

22 - تاريخ بغداد: ج4، ص210. 

23 - المناقب: لابن شهر آشوب، ج3، ص346.

24 - كذا، والصواب (أبا سبطيك). 

25 - الغدير: ج2، ص 305 ـ316. 

26 - شرح النهج: ج9، ص193. 

27 - الجنة العاصمة: ص104. 

28 - ذخائر العقبى: ص31 ـ32. 

29 - فاطمة الزهراء عليها السلام: ص44. 

30 - دلائل الإمامة: للطبري، ص16 ـ17. 

31 - سورة الرعد، الآية 39. 

32 - كفاية الطالب: الباب 78، ص298 ـ299. 

33 - البحار: ج43، ص112 ـ113. 

34 - البحار: ج43، ص112 ـ113. 

35 - البحار: ج43، ص112 ـ113. 

36 - الجرة: إناء من خزف كالفخار، وجمعها: جر وجرار.

37 - إحقاق الحق: ج10، ص357. 

38 - إحقاق الحق: ج10، ص357 ـ360. 

39 - إحقاق الحق: ج10، ص357 ـ360. 

40 - كذا والصواب: (قلت: لا).

41 - ذخائر العقبى: ص27. 

42 - البحار: ج43، ص111 ـ112. 

43 - المناقب: لابن شهر آشوب، ج3، ص352ـ 353. والشريطة: ورقة مفتول يشترط به السرير. والخيش: نسيج خشن من الكتان. والإذخر: حشيش طيب الريح. والمخضب: وعاء لغسل الثياب أو خضبها، والقعب: القدح العظيم الغليظ. والشن: القربة الصغيرة. والزفت: نوع من القير.

44 - البحار: ج19، ص113. 

45 - راجع ص585. 

46 - سنن المصطفى: لابن ماجة ج2، ص538. 

47 - صفوة الصفوة: لابن الجوزي ج2، ص3. 

48 - ذخائر العقبى: ص49. 

49 - المناقب: لأحمد بن حنبل، مخطوط.

50 - السيرة النبوية: لزيني دحلان، المطبوع بهامش (السيرة النبوية) ج2، ص10. وراجع (إحقاق الحق) ج10، ص395 ـ400 والخمل: ما يكون كالزغب على وجه الطنفسة. 

51 - البحار: ج43، ص94. 

52 - كشف الغمة: ج1، ص359. 

53 - الشدخ: كسر الشيء الأجوف. الحيس: تمر يدق ويعجن بالسمن عجناً شديداً حتى يندر النوى منه.

54 - الرسل، محركة: القطيع من كل شيء، الجماعة، والجمع: أرسال.

55 - البحار: ج43، ص95 ـ96. 

56 - المصدر، ص115. 

57 - الوجبة: صوت الساقط. 

58 - أمالي الشيخ: ج1، ص263ـ 264، الجزء العاشر.

59 - ثفر الدابة: ما يجعل تحت ذنبها.

60 - دلائل الإمامة: ص25. 

61 - تاريخ بغداد: ج5، ص7. 

62 - البحار: ج43، ص115 ـ117. 

63 - الشكوة: وعاء من جلد للماء أو اللبن.

64 - كذا، والصواب: (لبكائكما).

65 - دلائل الإمامة: ص24 ـ25. 

66 - البحار: ج43، ص139 و132. 

67 - البحار: ج43، ص139 و132. 

68 - سورة آل عمران: الآية 92. 

69 - نزهة المجالس: للصفوري، ج2، ص226، كما في (إحقاق الحق) ج10، ص402.

70 - كشف الغمة: ج1، ص366. 

71 - البحار: ج43، ص10، نقلاً عن (دلائل الإمامة) ص11. 

72 - قاموس الرجال: ج10، ص382. 

73 - الغدير: ج7، ص228. 

74 - فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد: ص204. 

75 - المصدر، ج7، ص149. 

76 - المصدر، ج2، ص77. 

77 - المصدر، ج2، ص74. 

78 - حياة فاطمة الزهراء: ص69. 

79 - أعيان الشيعة: ج1، ص314.