35- أفضل الحروب

أما حروبه … في صفين والنهروان والجمل، فكانت كلها دفاعية ولم يبتدأ الإمام فيها بالحرب، وكانت أفضل حروب عرفها العالم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فان الإمام … كان يقتصر على أقل قدر ممكن من القتل، وبمقدار الضرورة فقط، علماً بأن أولئك القوم هم الذين أشعلوا نار الحرب ضد الإمام … سواء في الجمل، أو صفّين، أو النهروان، ومع ذلك نصحهم الإمام … ووعظهم، وميدانياً أيضاً لم يبدأ الإمام … بالحرب، بل هم بدؤوا والإمام انتظر قليلاً ثم أذن لأصحابه بالدفاع، والتفاصيل مذكورة في كتب التاريخ(83).

 

36- عفو الإمام (عليه السلام) عن مشعلي الحرب

ولما انتهت حرب الجمل أصدر الإمام … العفو عن جميع الذين اشتركوا في الحرب حتى رؤوس المؤامرة كعائشة وعبد الله بن الزبير وموسى بن طلحة ومروان ومن أشبه، فعفى عنهم بأجمعهم.

بل فوق ذلك، أرجع (عليه السلام) عائشة إلى بيتها في المدينة المنورة مع جماعة من النساء في قصة معروفة(84)، وكذلك أمر بإرجاع كل ما أخذه عسكره من عسكر أهل الجمل(85).

 

37- وفي صفين والنهروان

وكذلك في حرب صفين.. حيث ورد إن الإمام … إذا ظفر على بعض الذين حاربوه كان يحلّفهم أن لا يساعدوا معاوية بعد ذلك، ثم يطلق سراحهم(86).

وفي النهروان لما انتهت الحرب بانتصار الإمام …، وانهزام الخوارج، ترك الخوارج وشأنهم، بل وصىّ بهم، وقال: «لا تقتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطئه كمن طلب الباطل فأدركه ـ يعني معاوية وأصحابه ـ »(87).

 

العفو عن الساب ونحوه

وهكذا كان الإمام … يعفو ويصفح، وقد عفى (عليه السلام) عن ساب له، كما في نهج البلاغة، حيث سبه رجل من الخوارج في محضره لما تكلم الإمام … بكلمة حكيمة، فقال الخارجي مشيراً إلى الإمام(عليه السلام): «قاتله الله من كافر ما أفقهه».

فهمّ أصحاب الإمام بالانتقام من ذلك الخارجي، فمنعهم الإمام وقال لهم: «انه سبّ بسب أو عفو عن ذنب»(88) يعني انه يحق لي أن أسبه في مقابل سبه، أو أعفو عن ذنبه، وأنا أولى بالعفو، فعفى عنه.

 

38- العفو عن المنافق

وكان أشعث ابن قيس وهو رئيس المنافقين في عسكر الإمام…، وكان الإمام يعامله أحسن معاملة، مع علمه بنفاقه، وكان أحياناً يسب الإمام (كما ورد في قصة)(89) ومع ذلك لم يتعرض له الإمام بسوء (وقصة نفاقه مشهورة وفي نهج البلاغة مذكورة)(90).

فكان أمير المؤمنين … يعفو عن هؤلاء المنافقين.. اقتداءً برسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث عفى عن أكبر منافق، وهو:(عبد الله بن أبيّ) الذي نزلت في شأنه سورة المنافقين كما جاء ذلك في التفاسير والتواريخ(91)، فان النبي (صلى الله عليه وآله) عفى عنه ولم يمسه بسوء، ولما أراد ابن عبد الله بن أبيّ أن يقتل أباه، قال له الرسول (صلى الله عليه وآله): لا تقتله(92)، ولما مات عبد الله بن أبيّ المنافق حضر النبي (صلى الله عليه وآله) على جنازته وأهدى ثوبه المبارك كفناً له(93).

وظهرت بعد ذلك الحكمة في عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما يحدثنا التاريخ.

فلم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) أو علي أمير المؤمنين (عليه السلام) يقتل المنافقين، ولم يحدثنا التاريخ بذلك.

 

39- التهديد فقط

وانما الوارد في القرآن الحكيم بالنسبة للمنافقين صرف التهديد، كما يفسّره عمل الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) حيث قال الله تعالى: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(94).

نعم هذا وعيد بالنار في يوم القيامة، لا في الدنيا. ومن حكمة التهديد: حتى يلتفت المسلمون إلى شرّهم ومكيدتهم، وإلا فان الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) عاملا المنافقين معاملة حسنة.

لماذا هذه المعاملة الحسنة؟

وبهذه المعاملة الحسنة الحكيمة، التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين … تجاه المنافقين والمناوئين تمكّنا من جلب عدد كبير منهم إلى الإسلام ورفض النفاق، وذلك في قصص عديدة مذكورة في التاريخ.

وقد ورد في بعض الأحاديث ان أمير المؤمنين عليّاً (عليه الصلاة والسلام) قبل أن يحاربه الخوارج ويفسدوا في الأرض كان يعطيهم رواتبهم من بيت المال ولم يقطعها على رغم عدائهم له ….

 

40- الإمام .. حبذ عدم قتل ابن ملجم

وأعجب من كل ذلك، ان الإمام (عليه السلام) لما ضربه ابن ملجم، حبذ أولاده على العفو عنه وخيرّهم في ذلك، وقال: ان أردتم القصاص فضربة بضربة ولا تمثلوا بالرجل(95)، وقال كما في (نهج البلاغة) محرضاً لهم على العفو: «إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعفو فالعفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم»(96).

وقصة الإمام … في إجازة العفو عن ابن ملجم أعجب قصة في مجالها، فان الإمام (عليه السلام) لم يقتنع بذلك وانما حرّض العفو عنه كما تقدم، فجعل العفو سبباً لمغفرة الله سبحانه وتعالى..

ولكن المسلمين بعد شهادة الإمام … ضغطوا وأصروا حتى يقتل ابن ملجم، حيث كان جزاؤه القتل، والإمام قد عفى عن حقه الشخصي.

 

41- المنافقون و الحريات الإسلامية

وقد ورد إن بعض المنافقين كانوا يأتون إلى مسجد الكوفة ولم يصلوا مع الإمام … الجماعة، بل كانوا يصلّون فرادى في وقت صلاة الإمام (عليه السلام) تعرضاً بالإمام، فقيل للإمام أن يمنع هؤلاء عن هذا العمل.

وكان الإمام … رئيس أكبر دولة وزعيم أكبر حكومة في عالم ذلك اليوم، وكان بيده كل شيء وله الحق في نهيهم، لكن مع ذلك قال الإمام: اتركوهم وشأنهم، ثم تلا هذه الآية المباركة:(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى)(97).

نعم الإمام … طبق هذه الآية المباركة حتى على صلاة المنافق، لأنه كان يريد إعطاء الحرية للناس، وهذا هو الأسلوب الصحيح في التعامل حتى مع المناوئين.

 

42- حكومة الحرية والاستشارة

وقد كان من سياسة الإمام (عليه السلام) في الحكم أن جعل من الحكومة الإسلامية حكومة استشارية تحترم آراء الشعب، وقد ورد في (نهج البلاغة) ان الإمام (عليه السلام) قال: ان من حقكم علي ــ يعني حق الناس على الإمام ــ أن تعطوني المشورة.

 

ابن كوا  وطعنه بالإمام (عليه السلام)

وفـي قصة أخرى، نرى (ابن كوا) وهو من المنافقين، قرأ ـ والإمام … يصلّي أو يخطب ـ هذه الآية الـمـبـاركـة تعريضاً بالامام: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )(98) وكرّر هذه الآيـة.

فلم يرد عليه الإمام …، إلا ان أجـابـه بـآيـة أخـرى وهـي قـولـه سـبـحـانـه وتـعـالـى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لايُوقِنُونَ)(99) واكتفى … بهذا الجواب(100).

وعلى هذا النمط كان الإمام (عليه الصلاة والسلام) في حكومته كالرسول (صلى الله عليه وآله) في حكومته (وقد عرفت سعة حكومتيهما) فكانا يعاملان الناس أفضل معاملة عرفتها البشرية.

 

43- الإسلام وتعميم الأمن والرفاه

وكذلك نرى الناس في أمن ورفاه وسعادة وخير، في كلّ عهد إسلامي طبق الإسلام ولو في أصوله العامة.

وللمثال على ذلك نذكر ما بينه الاستاذ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء (رضي الله عنه) ) (أستاذ صاحب الجواهر (رضي الله عنه) والعلماء الذين في طبقته) في أول كتابه الثمين (كشف الغطاء) حيث دخل إيران في أيام بعض الملوك القاجارية الذين كانوا يطبّقون شيئاً من الإسلام في ايران، فبقي الشيخ في إيران مدة، وكان هو المرجع الأعلى للشيعة من الإيرانيين وغيرهم ذلك اليوم، وكان الناس يراجعونه وكان بابه مفتوحاً ومحفله عامراً بالذاهبين والجائين كسائر المراجع المشهورين، وبعد ذلك كتب كتابه (كشف الغطاء)، فيقول في مقدمته: «إني دخلت إيران ولم أر فيها باكياً ولا باكية ولا شاكياً ولا شاكية»(101).

فان التطبيق النسبي لقواعد الإسلام الكلّية ـ وان لم يكن تطبيقاً كاملاً وبالمستوى المطلوب ـ من ذلك الملك القاجاري سبب ان هذا العالم الكبير، العادل الورع، أستاذ الفقهاء.. يعبّر عن وضعيّة ايران في ذلك اليوم بهذا التعبير، حيث كانت الحريات الإسلامية الموجبة للرفاه والسعادة تعم البلاد.

 

44- تصديق لقول الصديقة (عليها السلام)

ومما ذكر من أسلوب حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيه أمير المؤمنين علي … يعرف مدى أهمية قول الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام): «وطاعتنا نظاماً للملّة»(102) حيث الحرية والرفاه والسعادة التي كانت تعم الناس في حكمهما.

وكذلك يكون الأمر إذا اخذ الإسلام بالزمام في أي بلد من البلدان حيث يستريح الناس تحت حكم الإسلام ويتنعمون بالرفاه والسعادة والسلام.

 

45- لا للعنف

وربما يتوهم البعض انه لو كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يعامل أبا سفيان والمنافقين بالعنف لم يتمكنوا أن يحدثوا في الإسلام ثغرة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله)، وان أمير المؤمنين علياً … لو كان يعامل المنافقين من أهل الجمل ومعاوية والخوارج ومن أشبه بالعنف لما تمكنوا من الفساد والإفساد بعد الإمام.

والجواب: ـ مع قطع النظر عن أن الرسول والإمام (صلوات الله عليهما) معصومان عن كل خطأ، وأن كل أعمالهما شرعية، ولاتكون إلا بأمر الله سبحانه وتعالى ـ ان العقل الدقيق، حتى وان لم يكن مسلماً، يدل على أفضلية أسلوب النبي والوصي پ وأحسنية ما تعاملاه دون معاملة العنف.

فان الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا عامل الناس بالعنف ولم يوفّر الحريات للناس، ولم يعف عن مجرميهم، إلى آخر ما قام به من خلقه الكريم وسياسته الحكيمة.. انشقت صفوف المسلمين في الداخل، والدولة الإسلامية بعدُ فتية، وكان ذلك مما يسبب التحارب ثم استيلاء الفرس أو الروم (وهما أعداء المسلمين في ذلك اليوم) على البلاد الإسلامية، وكان ينمحي ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الأبد..

وإلى مثل هذا أشار أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) حيث قال لفاطمة (عليها الصلاة والسلام): إذا وضعت سيفي فيهم لا تسمعين لمحمد (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك ذكراً».

وكان ذلك السرّ في تعامل علي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) مع الأعداء، فإذا كان يعامل أهل الجمل وأهل النهروان وأهل صفّين والمنافقين بالعنف، كانت الحروب تزداد وتكثر القتلى في صفوف المؤمنين.. وبالنتيجة كان يؤدي إلى محو التشيّع ومحو الإسلام كلياً.

ومع كل ذلك لما قتل الإمام … واستولى معاوية وأعداء علي… على الحكم أرادوا أن يمحوا وينفوا أي ذكر للإمام وللإسلام، وأخذوا يقتلون الشيعة والموالين للإمام … وكانوا يخططون لقتل كل شيعي على وجه الأرض، ولكن(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(103)..

فترى في هذا اليوم من الشيعة خمسمائة مليون في العالم(104)، ومن ذكر الإمام … وفضائله وخطبه وسياسته وسائر أموره ما يملأ الخافقين..

ولم يتمكن الأمويون من محو الإسلام وإطفاء نور أهل البيت… فانهم أرادوا أن لا يبقى من الدين الحنيف الا بقايا كبقايا اليهودية والمسيحية، الم يقل معاوية مغضباً: (وهذا ابن أبي كبشة يذكر اسمه مع اسم الله) يقصد به الرسول (صلى الله عليه وآله)(105)؟

وألم يقل يزيد:

لعــــبت هــــاشم بـــــالملك فلا         خبر جاء ولا وحي نزل(106)

إلى غير ذلك.

وهذه كلها تدل على مدى أهمية قول فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها المشهورة: «وطاعتنا نظاماً للملة»(107).

 

46- خير أسوة للمرأة الصالحة

ان فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) كانت وستكون إلى يوم القيامة خير أسوة للمرأة الصالحة، في أعمالها، في عباداتها، في فضائلها، في تقواها، في تربيتها، في حجابها، وفي كل شؤونها.

 

47- الرسول (صلى الله عليه وآله) يربي فاطمة(عليها السلام)

وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) بنفسه الشريفة يعتني بابنته الطاهرة ويربيها تربية صالحة، حتى ورد ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات مرة جاء إلى بيت فاطمة (عليها السلام) فرأى على باب بيتها ستراً.. ورأى بيد الحسن والحسينپ اسورة من فضة، فلم يدخل البيت، وذهب إلى المسجد..

فعرفت فاطمة (عليها الصلاة والسلام) ان الرسول (صلى الله عليه وآله) يحب أن يكون المسلمون كفاطمة (عليها السلام)، وفاطمة (عليها السلام) كالمسلمين في مستوى واحد من المعيشة، وان هذا الستر لا يليق بالبيت.. وان هذا السوار من الفضة لا يليق بولديها، حيث بعض المسلمين في شدّة من المعيشة..

فنزعت فاطمة (عليها السلام) السوارين من يد الولدين الطاهرين، ولفتهما في الستر المذكور بعد ان أخذت الستر من الباب، وأرسلتها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما رأى الرسول (صلى الله عليه وآله) السوار والستر فرح وقال: «فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها»(108).

لعل القصة من باب التعليم

ولا يخفى أن القصة لعلها كانت لأجل التعليم، يعني ان فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تعلم أنه لا ينبغي هذا النوع من الستر، وهذا السوار، وانما أقدمت على ذلك لمصلحة أهم وهو ما صدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما عملته فاطمة (عليها السلام) بعد ذلك، ليكونا أسوة لكل حاكم إسلامي وذويه.

كما ان الأمر تعليمي في أشباه ذلك: مثل قصة وضوء الحسنينپ أمام ذلك الاعرابي الذي لم يكن يعرف الوضوء فتوضئا بقصد تعليمه.

 

48- الحجاب ضرورة للمرأة

خير أسوة للمرأة الصالحة في حجابها وتعاملها مع الرجل الأجنبي هي فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) وقد أكدت قولا وفعلاً على ضرورة الحجاب للمرأة المسلمة..

روي انـه لـمـا سـئـل عـنـهـا عــن قـول الـرسـول (صـلى الله عليه وآله): «أي شيء خير للمرأة»؟ قالت: «أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل»(109).

والمقصود بطبيعة الحال الرؤية للجسم، أو الرؤية التي نهى عنها الشرع، وأما الرؤية من وراء الحجاب مع رعاية الموازين الشرعية فلابأس به، ويدل على ذلك ذهاب فاطمة (عليها السلام) إلى أحد، وذهابها إلى الحج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أشبه.

 

49- خدمة فاطمة (عليها السلام) للفقراء

وكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تهتم بالفقراء والمساكين وتقوم بمساعدتهم، وفي الحديث: إن أمير المؤمنين علياّ (عليه السلام) كان يمتح الماء من البئر ويملأ القربة.. ثم يخرج بصحبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في الليل، وكانا يأخذان الطعام وما أشبه، وربما أخذت فاطمة الزهراء (عليها السلام) القربة، فيزوران الفقراء والمساكين في بيوتهم، فيوزع الإمام … عليهم الطعام والماء وما يحتاجونه.

فهي (عليها السلام) خير أسوة للمرأة الصالحة في كل شؤونها، ويجب على النساء أن يتعلمن منها في مختلف الأمور، وبذلك يفزن بالجنة والمغفرة، كما قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ)(110).

وقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: «رأيت أكثر أهل الجنة النساء»(111).

وفي حديث آخر: «علم الله ضعفهن فرحمهن»(112).

وفي حديث ثالث أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) بالتحنّن على النساء وإكرامهن.

إلى غير ذلك من الأحاديث.

وقد وصلت المرأة بفضل فاطمة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها (صلوات الله عليهم أجمعين) إلى مستوى رفيع جداً حتى أصبح أكثر أهل الجنة من النساء، كما ان المرأة في دنياها بفضلها وفضل أبيها وبعلها وبنيها نالت جميع حقوقها ووصلت إلى قمة كرامتها وشخصيتها اللائقة بها.

 

الافراط والتفريط في غير الإسلام

فليست المرأة في الإسلام مفرطة أو مفرّطة بها، كما هو الحال في الغرب والشرق، فانهما قد أفرطا في المرأة أو فرّطا فيها..

فمثلاً في الصين كانت تضطهد المرأة أكبر اضطهاد حتى ان بعضهم كان يجعل رجليها في أحذية من الحديد حتى لا تكبر رجليها، ولا تتمكن من المشي إلى حين موتها، استخفافاً بها أو ما أشبه.

وفي الغرب.. قد أفرطوا في حقها من جهة الخلاعة والسفور والاستهتار، وجعلوها إعلانا للبضائع، وجرّوها إلى مواقع الفساد كالمواخير وغيرها.

بينما نرى الإسلام بفضل المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) سبّب أن تنال المرأة كامل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، فللمرأة أن تتدخل في كل الشؤون التي لاتختلط بالفساد والمحرمات.

نعم يستثني من الشؤون الامارة والقضاء ونحوهما لأدلة خاصة، عقلية ونقلية، على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية.

 

50 - فاطمة الزهراء (عليها السلام) ومكافحة الباطل

وفي المجال السياسي والدفاع عن المظلوم وفضح الظالم.. نرى ان فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) قامت بنهضتها المعروفة المباركة (وان أدت تلك النهضة إلى ظلمها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها واستشهادها واختفاء قبرها) وتمكنت من أن تفضح الباطل وتبين الحق لمن أراد أن يتبعه، وقامت هي بنفسها وأقامت أولادها وأتباعها إلى مكافحة الباطل في كل الاعصار والأمصار.

ولذا نرى أن أولادها كافحوا الباطل وبينوا الإسلام الصحيح وفضحوا الظلم والطغيان، أخذاً من الإمام الحسن (عليه السلام) وانتهاء إلى الإمام الحجة ….. وكذلك سائر أولادها وذراريها.. ففي ظرف خمسين سنة في عهد الإمام الهادي والعسكري پ قام العلويون بما يقارب من عشرين ثورة ضد الظلم والباطل.

 

51- حكومات باسم فاطمة (عليها السلام)

كما ان حكومات عديدة قامت باسمها (صلوات الله عليها)، كحكومة الادارسة بالمغرب(113)، وحكومة الفاطميين في مصر(114)، وحكومة الشرفاء في الحجاز، وحكومة الطباطبائيين في العراق، وحكومة الداعي الكبير، وحكومة الصفويين(115) وغيرهم في إيران..

إلى غير ذلك من الحكومات الشيعية الفاطميّة العلوية المعروفة في التاريخ.

وليس المقصود هنا تصحيح كل تلك الحكومات، وانما الإلماع إلى آثار نهضتها المباركة.

 

52- حب فاطمة (عليها السلام)

وفي الختام نتبرك بذكر هذه الرواية الشريفة التي وردت عن سلمان (رضي الله عنه) قال:

«قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا سلمان من أحب فاطمة فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والحشر والصراط والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي رضيت عنه، ومن رضيتُ عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبتُ عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه، وويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً … وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها»(116).

وأخيراً ليس لي إلا أن أتمثّل بالشعر الذي قاله أحد الخطباء من العلماء، في قصيدة له:

أنــــى لمثــــــلي ان أحصي مآثرها         ام كـيف لي سرد نبذ من سجاياها

فـــالله فــــضّلــــها، والله شرفــــها         والله طـــــهــرهــا، والله زكّـــاهــا

نسأل الله سبحانه التوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا من شيعة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وشيعة أبيها وبعلها وبنيها (صلوات الله عليهم أجمعين) ومن مواليهم، وأن يعرّف بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة.

وهو الموفق المستعان.

 

قم المقدسة

10 شوال 1403هـ

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

-----------------------------------

53- استفتاءات حول السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) (117)

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (دامت بركاته)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إذا سمحتم وتفضلتم بالإجابة على الأسئلة التالية التي تطرح هذه الأيام في بعض المجتمعات ولكم جزيل الشكر:

 

العصمة

س1: هل النبي (صلى الله عليه وآله) وابنته فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) والأئمة الإثنى عشر (عليهم السلام) معصومون؟

وما هي عصمتهم؟

وهل هي عن المعصية فقط، أم عنها وعن الخطأ والنسيان، أم عنها وعن النوم الغالب حتى يمضي وقت الصلاة؟

ج1: بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

النبي الأعظم وابنته فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين والأئمة الأحد عشر من ذريتهما (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) كلهم معصومون عن كل معصية وكل خطأ ونسيان وعن النوم الغالب حتى يمضي وقت الصلاة، بل إنهم معصومون حتى من ترك الأولى، وقد تحدثنا عن الأدلة العقلية والنقلية على هذه العصمة في العديد من كتبنا في أصول الاعتقاد والفقه.

 

درجات العصمة

س2: هل نسبة العصمة عند المعصومين الأربعة عشر (عليهم الصلاة والسلام) واحدة أم مختلفة؟

ج2: درجات عصمتهم (عليهم الصلاة والسلام) بنسبة واحدة ومتساوية.

المرتبة العالية

س3: ذكرتم في كتابكم القيم (من فقه الزهراء (عليها السلام)) ـ أكثر من مرة ـ أن للزهراء (عليها السلام) مرتبة عالية، فما هي حدود هذه المرتبة؟ هل تفوق الأئمة(عليهم السلام) جميعاً، أم بعضهم، أم أن الأئمة (عليهم السلام) يفوقونها في المرتبة؟

ج3: نعم إن لفاطمة الزهراء (عليها السلام) مرتبة عالية لكن دون مرتبة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي كفؤ لبعلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب … وفوق مرتبة بنيها الأئمة الأحد عشر (عليهم الصلاة والسلام).

ما حدث بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)

س4: ذكرتم أيضاً في نفس المصدر بعض الحوادث التي حصلت بعد ارتحال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فما هو نظركم فيها؟

ج4: قد أخبر القرآن الكريم عن ذلك، حيث قال: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)(118).

شهادة فاطمة (عليها السلام)

س5: هل أن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) شهيدة؟ وقد ذكرتم في كتابكم القيم (من فقه الزهراء(عليها السلام) ) أنها استشهدت؟

ج5: نعم ورد ذلك في روايات صحيحة وقد ذكر في كتب التاريخ أيضاً.

الصديقة الكبرى

س6: هل أنها (عليها السلام) كانت صديقة، كما قال القرآن الكريم عن مريم بنت عمران (عليها السلام) بأنها كانت صديقة؟

ج6: نعم ورد في الأثر المعتبر بأنها (عليها السلام) كانت صديقة، ولذا غسلها كفؤها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب… مع وجود امرأة كان يمكنها أن تقوم بذلك، حيث أن الصديق لا يتولى غسله إلاّ صديق، وهي (عليها السلام) أفضل من مريم الصديقة (عليها السلام) كما صرح بذلك المتواتر من الروايات الشريفة.

ما جرى عليها (عليها السلام)

س7: ما هو تقييمكم للتواريخ التي ذكرت ضرب الزهراء (عليها السلام)، وغصب فدكها، وعصرها بين الحائط والباب، وإسقاطها محسناً…، وأمثال ذلك؟

ج7: كل ذلك ثابت وصحيح.

الولاية التكوينية والتشريعية

س8: ما هو نظركم بالنسبة إلى الولاية التكوينية والتشريعية للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) بصورة عامة، ولفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بصورة خاصة، وقد نوهتم عنهما في كتابكم القيم (من فقه الزهراء(عليها السلام) )؟

ج8: دلت الأدلة المعتبرة المؤيدة بالموارد الكثيرة: أن فاطمة الزهراء وسائر المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) لهم جميعاً الولاية التكوينية والتشريعية معاً، وقد جاء في زيارة الإمام الحسين… التي قال عنها الشيخ الصدوق عليه الرحمة: (إنها اصح زياراته … رواية) ما يلي: (إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم والصادر عما فصل من أحكام العباد)(119).

 

الرجعة

س9: ما هو نظركم في الرجعة، أصلها، نسبتها، وإلى أي واحد من المعصومين (عليهم السلام)؟

ج9: الرجعة ثابتة بالأدلة المعتبرة، أصلها من القرآن الكريم ونسبتها لجميع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) وتبدأ بعد ظهور الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

س10: هل الدليل على إمامة المهدي (عجل الله فرجه) يختلف عن دليل إمامة الأئمة الآخرين (عليهم السلام) أم لا؟

ج10: كلا.. لا اختلاف، فإن هناك أدلة مشتركة على إمامة الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام)، وهي عشرات الآيات القرآنية المأولة ـ حسب الروايات المعتبرة والمتواترة ـ بالأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) ومتواتر الروايات ومختلف الأدلة العقلية القاطعة، كما أن هناك أدلة عقلية ونقلية خاصة على إمامة كل واحد من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) وكذلك الإمام المهدي… فقد ورد بشأنه آلاف الروايات في مئات الكتب، إضافة إلى الأدلة العقلية القائمة على إمامته (صلوات الله عليه).

 

الأئمة بعدي اثنا عشر

س11: هل الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الأئمة بعدي إثنا عشر) متواتر عندكم؟ وهل هناك شبهة في ولادة الثاني عشر منهم، وهو الإمام المهدي (عليه الصلاة والسلام)؟

ج11: الحديث متواتر ولا شبهة في ولادة الإمام الثاني عشر… والأدلة عليها كثيرة، فإنه لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها، وإنه لو كان اثنان يعيشون على الأرض لكان أحدهما الحجة، كما ورد بذلك متواتر الروايات بالدلالات المتعددة.

 

الدفاع عن الولاية

س12: ذكرتم في كتابكم القيم (من فقه الزهراء (عليها السلام)) اهتمامها (صلوات الله عليها) بالدفاع عن ولاية بعلها الإمام أمير المؤمنين … وبنيها الأئمة الأحد عشر (عليهم السلام)، فما هو حدود ذلك؟ وهل يجب علينا أيضاً ذلك في هذا الزمان؟

ج12: لقد كانت فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) المدافعة الأولى بعد أبيها النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) عن ولاية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب … وفي هذا السبيل ضحت بنفسها وابنها المحسن پ وما تركت مجالا يمكن الانتصار من خلاله للإمام أمير المؤمنين … وإثبات حقه إلاّ استفادت منه، والواجب على المؤمنين الاقتداء بها (صلوات الله وسلامه عليها)، وذلك بما يناسب كل زمان ومكان وحسب الشروط الشرعية المذكورة في كتب الفقه، فإن كل قول وعمل وتقرير منها (عليها السلام) حجة شرعية.

 

خطبة فدك

س13: ذكرتم في المصدر نفسه أيضاً: استحباب رواية خطبة فدك، لرواية عدد من المعصومين(عليهم السلام) لها، فهل ترون أيضاً استحباب ذكر كل ما يتعلق بفاطمة الزهراء (عليها السلام) مما جرى عليها بعد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

ج13: نعم يستحب ذلك جميعاً، وكله لا يخلو من كونه من قولها (عليها السلام) أو فعلها أو تقريرها، وكلها حجة كما ذكرنا، وما خرج عن ذلك مما يتعلق بفضائلها ومناقبها (صلوات الله وسلامه عليها) فلا إشكال في استحباب ذكره ونقله ونشره، بل قد يجب ذلك إذا كان مصداقاً للواجب من الأمر بالمعروف والدعوة إلى الخير وترويج الدين الحنيف.

 

وجوب الطاعة

س14: ذكرتم في الجزء الأول من كتابكم القيم (من فقه الزهراء(عليها السلام)) أنها (صلوات الله عليها) كانت ممن فرض الله طاعتهم على جميع الخلائق، واستندتم في ذلك إلى بعض الروايات، فهل هذه الروايات بنظركم الكريم معتبرة؟

يرجى من سماحتكم الجواب ولكم من الله جزيل الأجر والثواب.

ج14: نعم إن هذه الروايات معتبرة وقد أكدنا اعتبارها في الكتاب المذكور وذكرنا غيرها من الأدلة الأخرى هناك أيضاً، كما وقد ذكرنا تفصيلاً لبعض المذكورات في كتابنا (الفقه: البيع) وفي العديد من كتبنا الأخرى.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من زمرة المتمسكين بها وبأبيها وبعلها وبنيها (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ومن المتبرئين من أعدائهم، ومن الذاكرين لفضائلهم، والناشرين لآثارهم، والمروجين لتراثهم، والفائزين بولايتهم في الدنيا والآخرة، إنه قريب مجيب، والسلام عليكم وعلى جميع إخواننا المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

 قم المقدسة

محمد الشيرازي

الختم الشريف

 

-----------------------------------

54- من مصادر التهميش

- إعلام الورى

- إرشاد القلوب

- الإقبال

- الاحتجاج

- الأمالي للشيخ الصدوق

- الأمالي للشيخ المفيد

- الخرائج والجرائح

- الخصال

- السياسة من واقع الإسلام

- الصراط المستقيم

- الكافي

- الكنى والألقاب

- اللهوف

- بحار الأنوار

- بصائر الدرجات

- بلاغات النساء

- تأويل الآيات

- تحف العقول

- تفسير أطيب البيان

- تفسير الإمام الحسن العسكري…

- تفسير القمي

- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر

- دلائل الامامة

- روضة الواعظين

- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد

- شواهد التنزيل

- علل الشرائع

- عيون أخبار الرضا …

- فاطمة الزهراء (عليها السلام) في القرآن

- فضائل الخمسة

- فقه القرآن

- كتاب الجمل

- كتاب سليم بن قيس

- كشف الغمة

- مثير الأحزان

- مشكاة الأنوار

- مكارم الأخلاق

- من فقه الزهراء (عليها السلام)

- من لا يحضره الفقيه

- مناقب ابن شهر آشوب

- منية المريد

- نهج الحق

- وسائل الشيعة

- وقعة صفين

- ولأول مرة في تاريخ العالم

83 - راجع كتاب الجمل: ص336، وفيه: إن أمير المؤمنين… رحل بالناس إلى القوم غداة الخميس لعشر مضين من جمادى الأولى وعلى ميمنته الأشتر وعلى ميسرته عمار بن ياسر وأعطى الراية محمد بن الحنفية ابنه، وسار حتى وقف موقفاً ثم نادى في الناس: لاتعجلوا حتى أعذر إلى القوم.. ودعا عبد الله بن العباس (رض) فأعطاه المصحف وقال: امض بهذا المصحف إلى طلحة والزبير وعائشة وادعهم إلى ما فيه، وقل لطلحة والزبير: ألم تبايعاني مختارين فما الذي دعاكما إلى نكث بيعتي وهذا كتاب الله بيني وبينكما.

قال عبد الله بن العباس: فبدأت بالزبير وكان عندي أبقاهما علينا وكلّمته في الرجوع وقلت له: إن أمير المؤمنين … يقول لك: ألم تبايعني طائعاً فلم تستحل قتالي وهذا المصحف وما فيه بيني وبينك فان شئت تحاكما اليه، فقال: ارجع إلى صاحبك فانا بايعنا كارهين ومالي حاجة في محاكمته.

فانصرفت عنه إلى طلحة والناس يشتدون والمصحف في يدي... فقلت له: إن أمير المؤمنين… يقول لك: ما حملك على الخروج وبما استحللت نقض بيعتي والعهد عليك؟ فقال: خرجت أطلب بدم عثمان...

قال (ابن عباس) فانصرفت إلى عائشة وهي في هودج مدفف على جملها عسكر وكعب ابن سور القاضي آخذ بخطامه وحولها الازد وحنبة، فلما رأتني قالت: ما الذي جاء بك يا بن عباس والله لا سمعت منك شيئاً، ارجع إلى صاحبك وقل له: ما بيننا وبينك الا السيف، وصاح من حولها: ارجع يا بن عباس لا يسفك دمك.

فرجعت إلى أمير المؤمنين….. وقلت ما تنتظر، والله ما يعطيك القوم إلا السيف، فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليك.

فقال…: نستظهر بالله عليهم.

قال ابن عباس: فوالله ما رمت من مكاني حتى طلع عليّ نشابهم كأنه جراد منتشر فقلت: أما ترى يا أمير المؤمنين مرنا ندفعهم.

فقال …: حتى أعذر إليهم ثانية.

ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له على الله الجنة.

فلم يقم أحذ إلا غلام عليه قباء أبيض.. ونادى ثالثة فلم يقم غير الفتى فدفع إليه المصحف وقال: امض إليهم وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه، فأقبل الغلام حتى وقف بازاء الصفوف ونشر المصحف..

فقالت عائشة: اشجروه بالرماح قبحه الله، فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كل جانب، وكانت أمه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرته من موضعه...

وراجع أيضاً بحار الأنوار: ج32 ص447 ب12 ح394.

84 - راجع كتاب الجمل: ص415، إرسال عائشة إلى المدينة، وشرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج1 ص23.

85 - راجع الجمل: ص 405 فصل في سيرة أمير المؤمنين… في أهل البصرة، وشرح النهج لابن ابي الحديد: ج1 ص23.

86 - راجع كتاب وقعة صفين: ص518.

87 - بحار الأنوار: ج33 ص434 ب26 ح642.

88 - بحار الأنوار: ج33 ص434 ب26 ح643.

89 - بحار الأنوار: ج33 ص431 ب26 ح640.

90 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص297 ب19 الأشعث بن قيس ونسبه، وفيه: من كلام له …، قال للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فقال: يا أمير المؤمنين هذا عليك لا لك فخفض إليه بصره، ثم قال له …: وما يدريك ما علي مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين حائك بن حائك منافق بن كافر والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حبك، وإذا إمرأ دلَّ على قومه السيف وساق إليهم الحتف لحري أن يمقته الأقرب ولا يأمنه الأبعد. وللعلامة المجلسي توضيح مفصل لهذا الحديث مع ترجمة الأشعث فراجع.

91 - راجع تفسير القمي: ج1 ص157 سورة النساء، وج2 ص368 وص370 سورة المنافقين، وفيه:

وهذه السورة نزلت في غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج إليها فلما رجع منها نزل على بئر وكان الماء قليلاً فيها وكان أنس بن سيار حليف الأنصار وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيرا لعمر بن الخطاب فاجتمعوا على البئر فتعلق دلو ابن سيار بدلو جهجاه، فقال سيار: دلوي، وقال جهجاه: دلوي، فضرب جهجاه يده على وجه ابن سيار فسال منه الدم، فنادى سيار بالخزرج، ونادى جهجاه بقريش، وأخذ الناس السلاح وكاد أن تقع الفتنة فسمع عبد الله بن أبي النداء، فقال: ما هذا، فاخبروه بالخبر فغضب غضباً شديداً ثم قال: قد كنت كارهاً لهذا المسير إني لأذل العرب ما ظننت أني أبقى إلى أن أسمع مثل هذا فلا يكن عندي تعبير، ثم أقبل على أصحابه فقال: هذا عملكم أنزلتموهم منازلكم وواسيتموهم بأموالكم ووقيتموهم بأنفسكم وأبرزتم نحوركم للقتل فأرمل نساءكم وأيتم صبيانكم ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم، ثم قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل..

وكان في القوم زيد ابن أرقم وكان غلاماً قد راهق وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ظل شجرة في وقت المهاجرة وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن أبي..

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعلك وهمت يا غلام؟ فقال: لا والله ما وهمت، فقال: لعلك غضبت عليه؟ قال: لا ما غضبت عليه، قال: فلعله سفه عليك؟ فقال: لا والله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لشقران مولاه: أخرج فأخرج احدج فاحدج راحلته وركب وتسامع الناس بذلك فقالوا: ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليرحل في مثل هذا الوقت فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة، فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام:.. فقال: ما كنت لترحل في هذا الوقت؟ إما قال، أو ما سمعت قولا قال صاحبكم؟ قالوا: وأي صاحب لنا غيرك يا رسول الله؟! قال: عبد الله بن أبي زعم انه إن رجع إلى المدينة يخرجن الأعز منها الأذل. فقال: يا رسول الله فانت وأصحابك الأعز وهو وأصحابه الأذل..

فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومه كله لا يكلمه أحد فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه، فحلف عبد الله أنه لم يقل شيئاً من ذلك فقالوا: فقم بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نعتذر إليه فلوى عنقه، فلما جن الليل سار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليله كله والنهار، فلم ينزلوا إلا للصلاة فلما كان من الغد نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزل أصحابه وقد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم، فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحلف عبد الله أنه لم يقم ذلك وانه ليشهد انه لا إله إلا الله وأنك لرسول الله، وأن زيدا قد كذب عليّ، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) منه، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له كذبت على سيدنا عبد الله، فلما رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان زيد معه يقول: اللهم إنك لتعلم أني لم أكذب على عبد الله بن أبي، فما سار إلا قليلاً حتى أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان يأخذه من البرحاء عند نزول الوحي عليه، فثقل حتى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي، فسرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يسكب العرق عن جبهته ثم أخذ بأذن زيد بن أرقم فرفعه من الرحل ثم قال: يا غلام صدق قولك ووعى قلبك وأنزل الله فيما قلت قرآنا، فلما نزل جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين... انتهى.

92 - راجع تفسير القمي: ج2 ص370 سورة المنافقين.

93 - تفسير القمي: ج1 ص302 سورة التوبة.

94 - سورة المنافقون: 4.

95 - راجع المناقب: ج3 ص312 فصل في مقتله …، وبحار الأنوار: ج42 ص206 ب127 ح10، وفيه عن جعفر بن محمد عن أبيه …: أن علي بن أبي طالب… خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح فضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على أم رأسه فوقع على ركبتيه وأخذه فألزمه حتى أخذه الناس وحمل علي … حتى أفاق، ثم قال للحسن والحسين …: احبسوا هذا الأسير وأطعموه واسقوه واحسنوا اساره فإن عشت فأنا أولى بما صنع فيّ إن شئت استقدت وإن شئت صالحت وإن مت فذلك إليكم فان بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به.

96 - بحار الأنوار: ج42 ص206 ب127 ج11، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج15 ص143.

97 - سورة العلق: 9و 10.

98 - سورة الزمر: 65.

99 - سورة الروم: 60.

100 - بحار الأنوار: ج33 ص343 ب23 ح587.

101 - هو الشيخ الأكبر جعفر بن الشيخ خضر الجنانجي النجفي، علم الأعلام وسيف الإسلام، صاحب كتاب كشف الغطاء، توفى سنة 1128هـ قبره في النجف، عن الكنى والألقاب: ج3 ص103.

102 - راجع من لا يحضره الفقيه: ج3 ص568 ح4940، وعلل الشرائع: ج1 ص248 ح2، والاحتجاج: ج1 ص134.

103 - سورة الصف: 8.

104 - الاحصاءات الأخيرة تؤكد على أن عدد الشيعة أكثر مما ذكر، حيث بلغ نفوس المسلمين المليارين. عام 2001م.

105 - راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج5 ص130 ب60، فصل أخبار متفرقة عن معاوية.. قال: وقد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية ولم يقتصروا على تفسيقه، وقالوا عنه إنه كان ملحداً لا يعتقد النبوة ونقلوا عنه في فلتات لسانه وسقطات ألفاظه ما يدل على ذلك..

وقال ابن ابي الحديد: وروى الزبير بن بكار في الموفقيات وهو غير متهم على معاوية ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي … والانحراف عنه، قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي، فيذكر معاوية وعقله ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فامسك عن العشاء ورأيته مغتماً فانتظرت ساعة وظننت انه لأمر حدث فينا، فقلت ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال: يا بني جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم!! قلت: وما ذاك؟.. قال: قلت له وقد خلوت به إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين! ـ معاوية ـ فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً فانك قد كبرت، ولو نظرت إلى اخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه وان ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه، ملَكَ أخو تيم ـ أبو بكر ـ فعدل، وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل أبو بكر، ثم ملك اخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل عمر، وان ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمداً رسول الله، فأي عملي يبقى وأي ذكر بعد هذا، لا أبا لك.. لا والله إلا دفنا دفنا.

106 - كشف الغمة: ج2 ص21، وروضة الواعظين: ص191، والاحتجاج: ص307، واللهوف: ص181.

107 - كشف الغمة: ج1 ص480، والاحتجاج: ص97 ودلائل الامامة: ص33، وبلاغات النساء: ص28.

108 - راجع الأمالي للشيخ الصدوق: ص234 ح7 المجلس الحادي والأربعون، والمناقب: ج2 ص343، وروضة الواعظين: ص443.

109 - مناقب ابن شهر آشوب: ج3 ص119 فصل في سيرتها (عليها السلام).

110 - سورة آل عمران: 133.

111 - راجع مكارم الأخلاق: ص235 الفصل العاشر.

112 - مكارم الأخلاق: ص235 الفصل العاشر.

113 - الدولة الإدريسية: دولة إسلامية شيعية أسسها إدريس بن عبد الله، استقلت عن الخلافة العباسية وملكت المغرب الأقصى وتلمسان (172 ـ 363هـ / 788 ـ 974م) كانت عاصمتها وليلي ثم فاس.

114 - تأسست في مصر عام (297 ـ 567هـ) أسستها سلالة تنتسب إلى الإمام علي … وفاطمة الزهراء (عليها السلام) بلغت أوج اتساعها في عهد المعز الذي أخضع شمالي أفريقية وأصبحت القاهرة عاصمة للدولة، قضى عليها صلاح الدين الأيوبي.

115 - قامت في إيران (1501 ـ 1736م) أعلن فيها المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة عاصمتها تبريز ثم قزوين.

116 - ارشاد القلوب: ص294.

117 - هذه رسالة مستقلة طبعت في بيروت عام 1420 هـ تحت عنوان (أجوبة الإمام الشيرازي دام ظله في المسائل الاعتقادية التي كثر السؤال عليها)، وقد رأينا ان نلحقها بهذا الكتاب تتميماً للفائدة (الناشر).

118 - سورة آل عمران: 144.

119 - الدعاء والزيارة: ص793، زيارة الإمام الحسين … الزيارة الثانية.