فهرس الكتاب

أموالها وصدقاتها سلام الله عليها

كانت لها سلام الله عليها سبعة بساتين أنحلها وأعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر من الله عز وجل كما يأتي إن شاء الله، وتسمى هذه البساتين بحوائط السبعة والعوالي.

قال العلامة الطريحي في (مجمع البحرين): كان لفاطمة سلام الله عليها سبعة حوائط، منها العواف ـ بالعين المهملة والفاء ـ والمثيب (كمنبر) بالثاء المثلثة والباء الموحدة بعد الياء المثناة التحتانية، والحسنى، ومال أم إبراهيم عليه السلام. والحائط: الجدار، والبستان من النخيل إذا كان عليه حائطاً(1).

وقال أيضاً: والعوالي وهي قرى بأعلى أراضي المدينة، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية أميال، والنسبة إليها علوي على غير القياس. وفي (المغرب) نقلاً عنه: العوالي موضع على نصف فرسخ من المدينة(2).

وهذه الأموال والبساتين كانت لمخيريق اليهودي، فآمن برسول الله صلى الله عليه وآله وقاتل معه وقتل، فلما حضرته الوفاة قال: أموالي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يضعها حيث شاء.

قال العلامة السمهودي الشافعي: قال المجد: قال الواقدي: كان مخيريق أحد بني النضير حبراً عالماً، فآمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعل ماله وهو سبع حوائط لرسول الله صلى الله عليه وآله.

عن محمد بن كعب: إن صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أموالاً لمخيريق اليهودي، فلما كان يوم أحد قال لليهود: ألا تنصرون محمداً صلى الله عليه وسلم؟ فو الله إنكم لتعلمون أن نصرته حق، قالوا: اليوم السبت، قال: فلا سبت لكم، وأخذ سيفه فمضى مع النبي صلى الله عليه وسلم فقاتل حتى أثبتته الجراح، فلما حضرته الوفاة قال: أموالي إلى محمد يضعها حيث يشاء.

وفيه أيضاً: قال عبد الحميد: وكان ذا مال كثير، فهي عامة صدقات النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: مخيريق خير اليهود.

وفيه أيضاً: وهذه الصدقات مما طلبته فاطمة رضي الله عنها من أبي بكر، وكذلك سهمه صلى الله عليه وسلم بخيبر وفدك.

وفيه أيضاً: وروى ابن شبة فيما جاء في صدقات النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن شهاب: أن تلك الصدقات كانت أموالاً لمخيريق كما سيأتي، وعد منها مشربة أم إبراهيم... وإنما سميت مشربة أم إبراهيم لأن أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ولدته فيها، وتعلقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، فتلك الخشبة اليوم معروفة... قلت: قال في (الصحاح): المشربة بالكسر، (أي بكسر الميم): إناء يشرب فيه، والمشربة بالفتح: الغرفة، وكذلك المشربة بضم الراء. والمشارب العلالي. وليس في كلامه إطلاق ذلك على البستان، والظاهر أنها كانت علية في ذلك البستان وهو أحد صدقات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي يناسب ما تقدم من رواية ابن شبة في سبب تسميتها بذلك.

وقال ابن عبد البر في (الاستيعاب): ذكر الزبير أن مارية ولدت إبراهيم عليه السلام بالعالية في المال الذي يقال له اليوم: مشربة أم إبراهيم بالقف. وروت عمرة عن عائشة حديثاً فيه ذكر غيرتها من مارية وأنها كانت جميلة، قالت: وأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان، وكانت جارتنا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة النهار والليل عندها حتى قذعنا لها ـ والقذع: الشتم ـ فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد، ثم رزقها الله الولد وحرمناه منه(3). وقال المحدث القمي (ره): إن حوائط فدك كانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وأعطتها فاطمة صلوات الله عليها بأمر من الله تعالى... طويت لرسول الله صلى الله عليه وآله الأرض حتى انتهى إلى فدك وأخذ جبرائيل مفاتيح فدك وفتح أبواب مدينتها ودار النبي في بيوتها وقراها، وقال جبرائيل: هذا ما خصك الله به وأعطاكه، وقال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة صلوات الله عليها: قد كان لأمك خديجة على أبيك محمد مهر، وإن أباك قد جعلها ـ أي فدك ـ لك بذلك وأنحلتكها تكون لك ولولدك بعدك، وكتب كتاب النحلة علي عليه السلام في أديم، وشهد عليه السلام على ذلك وأم أيمن ومولى لرسول الله صلى الله عليه وآله...

قال السيد ابن طاووس في (كشف المحجة) فيما أوصى إلى ابنه: قد وهب جدك محمد صلى الله عليه وآله أمك فاطمة عليها السلام فدكاً والعوالي، وكان دخلها ـ في رواية الشيخ عبد الله بن حماد الأنصاري ـ أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنة، وفي رواية غيره: سبعين ألف دينار(4).

وعن الباقر عليه السلام: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من خيبر عقد لواء، ثم قال: من يقوم إليه فيأخذه بحقه؟ وهو يريد أن يبعث به إلى حوائط فدك، فقام الزبير إليه فقال: أنا، فقال: أمط عنه. ثم قام إليه سعد، فقال: أمط عنه، ثم قال: يا علي قم إليه فخذه، فأخذه فبعث به إلى فدك، فصالحهم على أن يحقن دماءهم، فكانت حوائط فدك لرسول الله خاصاً خالصاً، فنزل جبرائيل عليه السلام فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تؤتي ذا القربى حقه؟ قال: يا جبرائيل ومن قرباي؟ وما حقها؟ قال: فاطمة، فأعطها حوائط فدك وما لله ولرسوله فيها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة وكتب لها كتاباً جاءت به بعد موت أبيها إلى أبي بكر وقالت: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولابني(5).

عن زيد بن علي قال: أخبرني عن الحسن بن علي عليهما السلام قال: هذه وصية فاطمة بنت محمد أوصت بحق أرطها السبع: العواف والدلال والبرقة والمبيت(6) والحسنى والصافية وما لأم إبراهيم، إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فإن مضى علي فإلى الحسن بن علي عليهما السلام، وإلى أخيه الحسين صلوات الله عليه وإلى الأكبر فالأكبر من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله.

ثم إني أوصيك في نفسي وهي أحب الأنفس إلي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، إذا أنا مت فغسلني بيدك وحنطني وكفني وادفني ليلاً، ولا يشهدني فلان وفلان، ولا زيادة عندك في وصيتي إليك، واستودعتك الله تعالى حتى ألقاك، جمع الله بيني وبينك في داره وقرب جواره. وكتب ذلك علي عليه السلام بيده(7).

عن أبي بصير ـ يعني المرادي ـ قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ألا أحدثك بوصية فاطمة عليها السلام؟ قلت: بلى، فأخرج حقاً أو سفطاً، فأخرج منه كتاباً فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، أوصت بحوائطها السبعة بالعواف والدلال والبرقة والمبيت (والميثب خ ـ ل يه) والحسنى والصافية ومال أم إبراهيم إلى علي بن أبي طالب، فإن مضى علي فإلى الحسن، فإن مضى الحسن فإلى الحسين، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي، تشهد الله على ذلك، والمقداد بن الأسود، والزبير بن العوام. وكتب علي بن أبي طالب عليه السلام.

ورواه الصدوق أيضاً بإسناده عن عاصم بن حميد، ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد نحوه، ورواه أيضاً عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عاصم بن حميد مثله، ولم يذكر حقاً ولا سفطاً، وقال: (إلى الأكبر من ولدي دون ولدك). ورواه أيضاً عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير نحوه إلا أنه أخر ذكر أسماء الحوائط عن ذكر الأولاد(8).

 

1 - المصدر: باب حوط وعلى.

2 - المصدر: باب حوط وعلى.

3 - وفاء الوفاء: ج3، ص990 ـ996 ـ و825 ـ826. 

4 - سفينة البحر: ج2، ص350 ـ351. 

5 - البحار: ج21، ص22 ـ23. 

6 - الظاهر هو (المثيب) كمنبر بالثاء المثلثة والباء الموحدة بعد الياء المثناة التحتانية، كما تقدم عن (مجمع البحرين).

7 - البحار: ج103، ص185 ـ186. 

8 - وسائل الشيعة: ج13، ص311.