وجوب التحلي بالعفاف

مسألة: يجب التحلي بالعفة، قال (عليه السلام): (عليك بلزوم العفة والورع)(1).

وقال (عليه السلام): (ان افضل العبادة عفة البطن والفرج)(2).

وقال (عليه السلام): (العفة رأس كل خير)(3).

وفي الدعاء: (وارزقني العفة في بطني وفرجي)(4). والمراد بالعفة هنا: العفة عن (ما لا يحل) وهي العفة الواجبة، لأنه من العفة واجب، ومنها مستحب.

والعفة معناها: كف النفس عن الشيء المشين والقبيح(5) فإن كان الشيء المشين محرماً كانت العفة واجبة، وإن كان مرغوباً عنه لا إلى المنع عن النقيض كانت العفة مستحبة، أما العفة في قولها (عليها السلام) فمنصرفة للأمر الواجب للقرينة، فإن العفة حالة تقتضي حفظ اليد واللسان والبطن والفرج وسائر الجوارح، فإذا سرق إنسان خرق عفته، ومن المعلوم أن خرق العفة يؤدي إلى سائر الموبقات، ولذا ترى السارق لا يمتنع عادة من اغتصاب النساء وأكل الحرام، إلى غير ذلك. ومن المعلوم أن تفشي عدم العفة في المجتمع يهدم الإجتماع، ولعل لذلك قرر الشارع للسرقة عقوبة من أشد العقوبات إذا توفرت فيها جميع الشروط المذكور في الفقه ـ قال تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله)(6).

وحرم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية(7)

الشرك الجلي والخفي

مسألة: يحرم الشرك الجلي، وكذلك يحرم الشرك الخـــفي أيضاً(8) في الجملـــة، قـــال تعـــالى: (لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم)(9).

وقال تعالى في الحديث القدسي: (يا عيسى لا تشرك بي شيئاً)(10).

وقال عزوجل: (يا موسى.. لا تشرك بي، لايحل لك الشرك بي)(11).

وهل المراد بالشرك هنا: الشرك الجلي حتى يكون تأكيداً لما تقدم من قولها (عليها السلام): (فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك)، أو الشرك الخفي كالرياء ونحوه حتى يكون تأسيساً؟.

لا يستبعد الثاني، لأن الأصل التأسيس، وإن كان المنصرف من لفظ (الشرك) المعنى السابق فيكون تأكيداً، لكن السياق قد يؤيد الشرك الخفي، إضافة إلى كلمة (إخلاصاً) المقابلة للشرك الخفي، فهذه الكلمة والسياق وعدم التكرار تقاوم الانصراف البدوي، فتأمل.

كما يمكن التفريق بين هذا المقطع وذاك بالقول بأن المراد بالجعل في الكلام السابق التكوين، ويكون المراد بالتطهير أيضاً التكويني، والمراد بـ (حرم): التشريع، فلا تكرار.

أو يقال: إن الأول إيجابي إذ (الإيمان) شيء وجودي، والثاني (الشرك) شيء سلبي باعتباره سلباً للإيمان(12).

أو يقال: بأنه مضاد للأول وكلاهما وجوديان من قبيل (الشجاعة والجبن) ولذا استحق كل منهما الذكر، كغالب الأضداد، سواء كان لها ثالث أم لا، ولا يهم الآن تحقيق ذلك.

ومن لا يشرك فإنه يخلص لله سبحانه بالإذعان له بالربوبية وحده.

ولعلها (عليها السلام) كررت ذلك بلفظين ـ على القول بأنه تكرار ـ لشدة الاهتمام به، وهناك بعض الاحتمالات الآخر، والله سبحانه وأولياؤه (عليهم السلام) أعلم.

ثم إن التحريم ههنا إرشادي، وعلى بعض الآراء مولوي(13).

فاتقوا الله حق تقاته(14)

مراتب التقوى

مسألة: التقوى لها معان ومراتب، وهي عـــلى ذلك تنـــقسم إلى ما هـــو واجـــب وما هـــو مستحب، ومنها ما يكون من درجات المقربين(15).

فإن التقوى قد تطلق ويراد بها (الخشية من الله تعالى وهيبته) وعلى هذا فهي حالة نفسانية وملكة روحانية، وقد يراد بها معنى أدق من هذا(16).

وقد تطلق ويراد بها الإطاعة والعبادة(17) وهو الغالب، وهي على هذا ليست شيئاً وراء إتيان الواجبات وترك المحرمات فقوله سبحانه: (فاتقوا الله ما استطعتم)(18) وقوله تعالى: (اتقوا الله حق تقاته)(19) وما أشبه ذلك، مثل قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)(20) حيث أن الطاعة ليست شيئاً وراء الإتيان بالواجبـات وترك المحرمـات بل هـذه مصاديقهـا، وكذلك ههنا فليست التقوى على هذا المعنى أمراً وراء أداء الواجبات وترك المحرمات لوضوح إنه ليس هناك أمران ونهيان، كما أنه ليس هناك واجبان ومحرمان وثوابان وعقابان، على ما ذكر مفصلاً في علمي الكلام والأصول(21).

وفي الحديث عن ابي بصير قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (فاتقوا الله حق تقاته) قال (عليه السلام): يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر)(22).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة الغدير: (معاشر الناس اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون)(23).

نعم للإطاعة والتقوى مراتب(24) بحسب الأمر والمتعلق وما أشبه، وقد تكون في المستحب والمكروه، لكن لا على سبيل اللزوم والمنع من النقيض وإنما على سبيل الرجحان، بل من التقوى والإطاعة أيضاً ما يرتبط بالمباحات(25) لـ: (ان الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه)(26).

و:(ان الله يغضب على من لا يقبل رخصته)(27) وذلك في قبال من يوجب أو يحرم على نفسه بعض المباحات، قال سبحانه: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)(28).

الاستزادة من التقوى

مسألة: حق التقوى هو العبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى، أي العبودية التي لاتشوبها شائبة رياء أو سمعة أو عجب، او أي نوع من أنواع الأنانية، بل كما قال علي (عليه السلام): (ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك)(29).

وهي التي تتحقق بالرضا بقضاء الله على النحو الأتم، وبتذكره سبحانه وتعالى دوماً بحيث لا يغيب عن القلب والفكر أبداً، بل يجده الإنسان حاضراً ناظراً أبداً، كما نجد ذلك متجـــلياً في حـــياة الــــرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الأطهـــار (عليهم السلام)(30) فهـم معصومون من الغفلة عن ذكر الله

إضافة إلى عصمتهم من مجرد التفكير في الذنب، بل في المكروه أيضاً.

ومن المستحب أن يسعى الإنسان للاستزادة من التقوى يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، نظراً إلى قوله تعالى: (اتقوا الله حق تقاته)(31).

وحق التقوى، له مراتب متصاعدة غير محدودة بحد، مما قد يعبر عنه باللامتناهي اللايقفي، وحيث أن كثيراً من مراتبها مما يتعسر ـ بل مما يتعذر ـ على غالب الناس، قـــال تعالى في آية أخــــرى: (فاتقوا الله ما استطعتم)(32) فقــــوله تعالى: (اتقوا الله حق تقاته)(33) تشير إلى ما هو المبتغى، والمراد الأسمى و(ما استطعتم) تشير إلى ما على الإنسان أن يحققه،فلا يصح على هذا، ما قيل من أن (ما استطعتم) ناسخة للآية الاخرى: (حق تقاته) بل أحداهما مكملة للاخرى(34).

ومن الواضح أن الله سبحانه وتعالى جعل للأشياء حدوداً، فالصلاة في كل يوم خمس مرات، والصوم في كل سنة شهراً، والحج في العمر مرة واحدة، وهكذا مما هو محدد في جانب الكم، وكذلك الكثير مما هو محدد في جانب الكيف، أما التقوى فإنه سبحانه لم يجعل لها حداً بل قال تعالى: (اتقوا الله حق تقاته)(35) لأنه في كل حصة حصة من الحياة تقوى أو لا تقوى.

ثم التقوى أيضاً كما سبق على درجات، فهي ممتدة كماً إلى آخر نفس من أنفاس الحياة ـ وعدم الحد هنا نسبي ـ كما أنها في الكيف غير محدودة بنحو اللايقفي كما سبق.

قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)(36).

وقال (عليه السلام): (ان خير الزاد التقوى)(37).

وقال (عليه السلام): (ان التقوى حق الله سبحانه عليكم)(38).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (نحن كلمة التقوى)(39).

ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون(40)

الموت على الإسلام

مسألة: الموت بما هو هو أمر غير اختياري، إلا أن الموت على صفة وحالة اختيارية اختياري، ولذلك يمكن أن يؤمر به أو ينهى عنه بهذا اللحاظ، فـ (الموت على الإسلام) مأمور به، قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)(41) يعني وجوب الاستمرار في الاعتقاد الحق إلى آخر لحظة من لحظات العمر. فالجملة السابقة(42) تشير إلى الجانب الكيفي، وهذه الجملة(43) إلى الامتداد الزمني، أي: اتقوا الله حق تقاته واستمروا على ذلك إلى حين الموت، والمسلم الحقيقي هو الذي يطيع الله في كل شئ وفي كل لحظة من لحظات العمر، فلا يموت الإنسان إلا وهو في طاعة الله سبحانه.

وفي الحديث: (وأعوذ بالله من شر عاقبة الأمور)(44). وقال (عليه السلام): (اشـــد الناس ندمـــاً عند الموت العـــلماء غـــير العاملــــين)(45). وقال (عليه السلام): (اياك ان ينزل بك الموت وأنت آبق عن ربك في طلب الدنيا)(46).

‎حسن العاقبة

مسألة: كل ما يؤدي إلى حسن العاقبة للإنسان فهو راجح ومطلوب، فان كان في مرتبة المنع من النقيض كان واجباً، وإلا كان مستحباً، وذلك عقلي قبل أن يكون شرعياً، وإنما المصاديق غالباً مما يؤخذ من الشارع، لقصور العقل عن التوصل إلى كثير من جهاتها أو تزاحماتها.

وقد قال سبحانه: (والى الله عاقبة الأمور)(47).

وقال تعالى: (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)(48).

وقد ورد في الدعاء: (واجعل عاقبة أمري الى غفرانك ورحمتك)(49).

و: (فاجعل عاقبة أمري الى خير)(50).

و: (واختم لنا بالتي هي أحسن وأحمد عاقبة وأكرم مصيرا)(51).

و: (اللهم اني اسألك حسن العاقبة)(52).

الاقتباس من الكتاب

مسألة: يستحب الاقتباس من الكتاب العزيز في الحوار والخطاب، وقد اكثر المعصومون (صلوات الله عليهم أجمعين) من إدراج آيات القرآن في كلماتهم كما اقتدى بهم اتباعهم، لان القرآن شفاء ونور وبلاغ، ولأنه جامع لعلوم الأولين والآخرين ولعلوم الدنيا والآخرة في مختلف المجالات و الأبعاد.

قال تعالى: (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)(53).

وقال سبحانه: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)(54).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من لم يستشف بالقرآن فلا شفاء الله)(55).

وفي الحديث الشريف: (في القرآن شفاء من كل داء)(56).

وقال(عليه السلام): (داووا مرضاكم بالصدقة واستشفوا له بالقرآن، فمن لم يشفه القرآن فلا شفاء له)(57).

وفي الدعاء: (وان تجعل القرآن نور صدري وتيسر به أمري)(58).

لذلك فقد استند إليه اتباعهم في شتى المنطلقات وفي شتى الابعاد، كل حسب قابليته وفي دائرة أبعاده ومدار اهتمامه أو تخصصه وتوجهه.

وليس ثمة كتاب سماوي أو ارضي اعتنى به أهل ملته واتباعه مثل القرآن الحكيم، فان علماء الإسلام ـ تبعا لقادة الإسلام ـ أعطوه من الأهمية والعناية ما لم يعط لكتاب قبله ولا ولن يعطى لكتاب بعده، حسب معتقدنا من كونه الكتاب الوحيد المتفرد والمتميز بهذه الكيفية.

فقامت كل طائفة بدراسة فن من فنونه:

فقد اهتم جمع بمعرفة مخارج حروفه وعدد الآيات والكلمات والحروف والسكنات والحركات من الضمة والفتحة والكسرة وغير ذلك.

كما أن ألوف المسلمين ـ في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ كانوا يحفظون القرآن كله من أوله إلى آخره، وإلى يومنا هذا.

واعتنى اللغويون: بمفرد مفرد من مفرداته.

ويعتني النحاة: بالمعرب والمبني والأسماء والأفعال والحروف منه، بل كان اصل تكونه وتأسيسه(59) بتوجيه وإرشاد الإمام علي بن أبى طالب (عليه السلام) على أبي الأسود الدؤلي لأجل التحفظ على صحة قراءة القرآن الكريم وإعرابه(60).

واعتنى أهل الرسم والخط: برسوم كلماته وما يتعلق به من هذا النحو من الخطوط، والتي انهاها بعضهم إلى اكثر من عشرين، بما هو الدارج عند العرب والعجم، وأما سائر الخطوط في اللغات الأخرى فهي كثيرة.

واعتنى المفسرون: بألفاظه، مفردات وجمل(61)، سواء منها الألفاظ المشتركة التي تدل على اكثر من معنى، أم الألفاظ ذات المعنى الواحد، وكذلك الكلي والجزئي، وذكروا المحكم والمتشابه، وان المتشابه له احتمالان او احتمالات، ورجحوا المحتمل على المحتمل استنادا الى تفسير القرآن بالقرآن، او تفسير القرآن بالأحاديث الشريفة، أو حسب القرائن المقامية والسياق والانصراف العرفي وما أشبه.

واعتنى علماء الكلام: بما في القرآن من الأدلة العقلية والشواهد البرهانية والفطرية مما هو كثير.

كما إن المنطقيين: ذكروا الأدلة المستفادة من القرآن في الصناعات الخمس(62).

وكلتا الطائفتين ذكروا ما يستفاد من القرآن الحكيم من الأدلة على وحدانيته تعالى ووجوده وقدرته وعلمه وتنزيهه عما لا يليق به وما أشبه ذلك من صفاته الجمالية والجلالية.

اما المتكلمون فقد ذكروا ذلك في باب أصول الدين، وأما المناطقة فقد ذكروا ذلك(63) في باب الحجة وما هو من شأن المنطق.

والأصوليون: تكلموا في العام والخاص، والنص والظاهر، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي منه، وغير ذلك من الشؤون المرتبطة بأصول الفقه.

والفقهاء: استفادوا من القرآن: الحلال والحرام والواجب والمستحب والمباح، والملاكات اصولا وفروعا.

كما أن جمعا من الفقهاء ذكروا آيات الميراث وخصوصياتها وسموا ذلك بعلم الفرائض مما يرتبط بمختلف طبقات الوراث وانصبتهم، وقد ألف جمع منهم كتباً خاصة بـ (آيات الأحكام) وهي خمسمائة آية بل اكثر.

وعلماء الأدعية: ذكروا أدعية القرآن الحكيم، وهي كثيرة، مع الشؤون المرتبطة بهذه الأدعية الواردة في الكتاب العزيز.

وجماعة: تخصصوا بذكر قصص القرآن عن القرون السابقة والأمم البالية ونقل أخبارهم، وذكروا ما يتعلق بابتداء الكون والدنيا وبدايات الأشياء.

واستفاد المؤرخون منه: مباحث كثيرة في كتاباتهم، واستفاد منه البعض في علم فلسفة التاريخ.

وقامت جماعة: باقتباس الأمثال والحكم والمواعظ والعبر والترغيب والترهيب من القرآن الحكيم، وتطرقوا للوعد والوعيد، والتشويق والتحذير، والموت والنشر، والمعاد والحشر، والحساب والعقاب، والجنة والنار، والميزان والبرزخ وما أشبه ذلك من الروادع والزواجر، مما يفيد أهل الوعظ والإرشاد والخطباء لتوجيه الناس إلى الله والدين والخير والآخرة.

كما أن جماعة من المعبرين للرؤيا: استفادوا من القرآن الحكيم إشارات وعلامات، بالتأمل في أغوار قصة يوسف (عليه السلام) والبقرات السمان(64) ورؤيا صاحبي السجن(65)، ورؤيـا إبراهيـم (عليه السلام)(66)، ورؤيا النبي (صلى الله عليه وآله

وسلم)(67)، ورؤيا المسلمين في قصة بدر(68) وما أشبه ذلك.

وعلماء الفلك: استخرجوا من القرآن الحكيم ما يرتبط بعلمهم من المواقيت، والليل والنهار، والشمس والقمر، والبروج ونحوها، كما يشاهد ذلك في المراصد والاسطرلابات والكتب المعنية بهذا الشأن.

والشعراء والكتّاب: استفادوا من القرآن الحكيم في جمال اللفظ وبديع النظم وحسن السياق، والمبادئ والمقاطع، والمطالع والمخارج، والتلون في الخطاب، والإسناد والإيجاز، وغير ذلك مما يرتبط بعلوم البلاغة من المعاني والبيان والبديع على مختلف شؤونها وشجونها(69).

وعلماء المناظرة: استفادوا من القرآن الحكيم أسلوب الحوار والجدال، وذلك من مخاطبة الله سبحانه وتعالى مع الناس أو الملائكة أو الجن، وكذلك في حوار الأنبياء (عليهم السلام) مع الأمم وغير ذلك مما يعلم أسلوب البيان والمحاورات للمنصف والمجادل وغير ذلك.

هذا بالإضافة إلى انه يمكن الاستفادة من كثير من آيات القرآن الحكيم في علم النفس وعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والحقوق والإدارة وغيرها، وقد استفاد عدد من العلماء من بعضها في تلك العلوم(70).

إضافة إلى علوم أخرى كعلم طبقات الأرض، وعلم وظائف الأعضاء والعلوم التي ترتبط بشتى الصناعات وغيرها، وفيه بحوث وإشارات إلى شتى أصناف المخلوقات المادية والمجردة، وقد قال سبحانه: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)(71) فانه تعالى لم يفرط في الكتاب التكويني شيئا قابلا للخلق، كما انه لم يفرط في الكتاب التشريعي شيئاً مرتبطا بشؤون الإنسان، وإنا لم نقصد مما ذكرنا ههنا إلا الإلماع، لأن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ذكرت هنا آية قرآنية كريمة كشاهد على كلامها، وإلا فالتفصيل يحتاج الى مجلد ضخم مما هو خارج عن مبحث هذا الكتاب.

وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه

إطاعة الباري تعالى

مسألة: تجب إطاعة الله تعالى(72) والاهتمام بأوامره ونواهيه، وتحرم المعصية.

قال سبحانه: (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فان الله لا يحب الكافرين)(73).

وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون)(74).

وقال (عليه السلام): (أطيعوا الله حسب ما أمركم به رسله)(75).

وقال (عليه السلام): (جمال العبد الطاعة)(76).

وقال (عليه السلام): (العزيز من اعتز بطاعة الله)(77).

هذا بالنسبة إلى الواجب فعلاً أو تركاً، وكذلك طاعة الله سبحانه وتعالى في القسم الراجح فعلاً وتركاً ـ وهي واجبة إن كان المقصود بها: الالتزام باستحبـاب المستحـب وكراهـة المكروه، ومستحـب إن كان المراد بها الامتثـال

العملي للأوامر الاستحبابية ـ بل تجري الطاعة في المباح(78) أيضا، فان المباح الأصلي غير المباح بعد التشريع، فلا يقال: انه باق على الإباحة فليس بحكم شرعي(79) فتكون الأحكام حينئذ أربعة فقط، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في بعض كتبنا الأصولية.

وعلى هذا فان (فيما أمركم به ونهاكم عنه) يكون تأكيدا لهذين المصداقين من الإطاعة، وليس حصرا، وان استشم منه عرفا ذلك ـ فتأمل.

قولها (صلوات الله عليها): (وأطيعوا) تأكيد لما سبق، وتصريح بكل ما وجب وحرم، وشرح لـ (اتقوا الله).

فانه (إنما يخشى الله من عباده العلماء)(80).

 

1 - مستدرك الوسائل ج12 ص71 ب67 ح13541.

2 - الاختصاص: ص228.

3 - غرر الحكم ودرر الكلم ص255 ح5399 الفصل الثاني موجبات عزة النفس.

4 - الإقبال ص198 ب25. والإقبال ص203 ب26. وص220 ب29. وص227 ب31. وص230 ب32. وص234 ب33. وص239 ب34 و...

5 - جاء في كتب اللغة: العفة: الامتناع عن مالا يحل (عن الحرام أو المحارم) وما لا يجمل (أي ما لا يحسن للمرء أن يأتي به) وإنها: النزاهة عن القبائح، وذكروا من مصاديقها: كف النفس عن السؤال من الناس، راجع (مجمع البيان) و(لسان العرب) و(القاموس) وغيرها.

6 - سورة المائدة: الآية 38.

7 - وفي بعض النسخ: (والنهي عن الشرك اخلاصاً له تعالى بالربوبية) راجع دلائل الامامة ص33 حديث فدك.

8 - كالرياء، فانه الشرك الخفي، راجع (منية المريد) ص217 الفصل الثاني في آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الاخلاق.

9 - سورة لقمان: الآية 13.

10 - الامالي للشيخ الصدوق ص522 المجلس78. وتنبيه الخواطر ونزهة النواظر ج2 ص145.  وتحف العقول ص500 مناجاة الله جل ثناؤه لعيسى بن مريم(عليه السلام).

11 - اعلام الدين ص222.

12 - أو يقال بالعكس، نظراً لأن التوحيد سلب الألوهية عما عدا الله، والشرك إثباتها لغيره أيضاً.

13 - من الأقوال في ملاك الأوامر الإرشادية: كل ما استقل به العقل فهو إرشادي، وعلى هذا فتحريم الشرك إرشاد لحكم العقل، ومن الأقوال: ان الإرشادي هو كل ما لزم من اعتباره مولوياً الدور وشبهه، فعلى هذا فتحريم الشرك ههنا مولوي، إذ لايلزم من اعتباره مولوياً محال، فتأمل.

14 - اشارة الى قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) آل عمران: 102.

15 - قد يكون هذا عطفاً للخاص على العام نظراً لأهميته.

16 - قد يكون المراد: تنـزيه القلب عن التفكير في الذنب وهي درجة سامية جداً، وقد يكون المراد: التوقي عن كل ما يشغل القلب عن الله تعالى، بأن يكون القلب معموراً بذكر الله دوماً، وهي درجة أسمى وأعلى كما لا يخفى، وسيأتي بيانه من الإمام المؤلف بعد قليل.

17 - قال الإمام الصادق(عليه السلام) عندما سئل عن تفسير التقوى: (أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك). [الوسائل: ج11 ص189 ب19 ح14، في جواب من قال له: أوصني].

18 - سورة التغابن: الآية 16.

19 - سورة آل عمران: الآية 102.

20 - سورة المائدة: الآية 92.

21 - من مواطن هذا البحث: مبحث (الأوامر) و(التجري والانقياد) و(هل أن الأمر يقتضي النهي عن الضد؟) و(مقدمة الواجب) في علمي الاصول، يراجع (الوصائل إلى الرسائل) و(الأصول)‎ للإمام المؤلف دام ظله.22 - معاني الأخبار ص240 باب معنى اتقاء الله حق تقاته ح1.

23 - العدد القوية ص176 خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم.

24 - الظاهر أن المراد: إن لها مراتب من حيث درجات الوجوب أو الرجحان وأشدية الطلب.

25 - وعلى هذا فيكون المراد من التقوى ههنا: التوقي عن تحريم أو إيجاب ما أحله الله تشريعاً، لا الترقي عن مجرد ترك المباح أو فعله، ولو إستمراراً، كيف والفرض انه مباح.

26 - تفسير القمي ج1 ص16.

27 - سفينة البحار: ج1 ص517 [ الطبعة القديمة]. والمناقب ج4 ص414 فصل في آياته(عليه السلام).

28 - سورة الأعراف: الآية 32.

29 - قصص الانبياء للجزائري ص211 ب11. وغوالي اللئالي ج1 ص404. والغوالي ج2 ص11. والالفين ص128 المائة الثانية. ونهج الحق ص248 الاول في العبادة. وبحار الأنوار: ج69 ص278 ب116 ح1.

30 - ومنه لم يترك أمير المؤمنين(عليه السلام) ذكر الله حتى حين أراد الحلاق قص شارب وطلب منه إطباق شفتيه.

31 - سورة آل عمران: الآية 102.

32 - سورة التغابن: الآية 16.

33 - سورة آل عمران: الآية 102. 

34 - راجع (مجمع البيان) ج5 ص301، وفيه: (ولا تنافي بين هذا وبين قوله (اتقوا الله حق تقاته) لان كل واحد منهما الزام لترك جميع المعاصي، فمن فعل ذلك فقد اتقى عقاب الله، لان من لم يفعل قبيحاً ولا أخل بواجب فلا عقاب عليه، الا ان في احد الكلامين تبيينا ان التكليف لا يلزم العبد الا فيما يطيق، وكل امر أمر الله به فلابد أن يكون مشروطاً بالاستطاعة، وقال قتادة: قوله (فاتقوا الله ما استطعتم) ناسخ لقوله (اتقوا الله حق تقاته) وكأنه يذهب الى ان فيه رخصة لحال التقية وما جرى مجراها مما يعظم فيه المشقة، وان كانت القدرة حاصلة معه.. وقال غيره ليس هذا بناسخ، وانما هو مبين لامكان العمل بهما جميعاً وهو الصحيح). انتهى

35 - سورة آل عمران: الآية 102.

36 - سورة المائدة: الآية 2.

37 - الأمالي للشيخ الصدوق ص107 المجلس 23 ح1.

38 - غرر الحكم ودرر الكلم ص269 ح5855 الفصل الخامس في التقوى.

39 - الخصال ص432 ح14. وتفسير فرات الكوفي ص305 ح412 من سورة الشعراء.

40 - سورة البقرة: الآية 132.

41 - سورة آل عمران: الآية 85.

42 - أي: (اتقوا الله حق تقاته).

43 - أي: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).

44 - الأمالي للشيخ الصدوق ص487 المجلس74.

45 - غرر الحكم ودرر الكلم ص45 ح173 الفصل الثاني في العلم.

46 - غرر الحكم ودرر الكلم ص163 ح3148 الفصل السادس في الموت.

47 - سورة لقمان: الآية 22.

48 - سورة آل عمران: الآية 137.

49 - المقنعة ص339. ومصباح الكفعمي ص622.

50 ـ‎ الاقبال ص197.

51 -‎ الصحيفة السجادية ص176 وكان من دعائه(عليه السلام) في الاستخارة. وفتح الابواب ص197 في دعاء الاستخارة عن الامام زين العابدين(عليه السلام). ومصباح المتهجد ص614. والبلد الامين ص148.

52 -‎ فقه الرضا(عليه السلام) ص406 باب الدعاء في الوتر.

53 - الانعام: 59.

54 - سورة النحل: الآية 89.

55 - مكارم الأخلاق ص363 الفصل الثاني في الاستشفاء. وفقه الرضا(عليه السلام) ص342 باب الادوية الجامعة بالقرآن.

56 - مكارم الاخلاق ص363 الفصل الثاني في الاستشفاء. وفقه الرضا(عليه السلام) ص342 باب الادوية الجامعة بالقرآن.

57 - فقه الرضا(عليه السلام) ص342 باب الادوية الجامعة بالقرآن.

58 - مصباح المتهجد ص335 صلاة اخرى للحاجة.

59 - أي علم النحو.

60 - ففي كتاب (الصراط المستقيم) ج1 ص220-221: (واما النحاة فظاهر، وصفه(عليه السلام) لابي أسود الدؤلي، فانه دخل عليه فرآه متفكرا، فقال له: فيما انت تفكر، قال: سمعت في بلدكم لحنا، واردت ان اصع في اللغة كتابا، قال: فأتيته بعد أيام فألقى الي صحيفة فيها: الكلام كله ثلاثة: اسم وفعل وحرف، والاشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر وغيرهما، فانح هذا النحو..). وفي شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج1 ص19-20: (ومن العلوم علم النحو والعربية، وقد علم الناس كافة انه [علي (عليه السلام)] هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على ابي الاسود الدؤلي جوامعه واصوله، من جملتها: (الكلام كله ثلاثة اشياء: اسم وفعل وحرف) ومن جملتها: (تقسيم الكلمة الى معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الاعراب الى الرفع والنصب والجر والجزم). وفي كتاب (كشف اليقين) ص58: (واما النحو فهو [علي(عليه السلام)] واضعه، قال لابي الاسود الدؤلي: الكلام كله ثلاثة اشياء: اسم وفعل وحرف، وبين له وجوه الاعراب). وفي (كشف الغمة) ج1 ص133: (واما النحو فقد عرف الناس قاطبة ان عليا(عليه السلام) هو الواضع الاول الذي اخترعه وابتدعه ونصبه علما لابي الاسود ووضعه).

61 - فقد ورد عن ابن عباس قال: (حدثني امير المؤمنين(عليه السلام) في تفسير الباء من بسم الله الرحمن الرحيم من اول الليل الى آخره). كشف اليقين ص59.

62 - وهي: البرهان، الجدل، الخطابة، الشعر، المغالطة.

63 - أي الأدلة والحجج والبراهين المستفادة من القرآن.

64 - سورة يوسف: الآية 43، (وقال الملك اني ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ افتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون).  وفي سورة يوسف/ 46: (يوسف أيها الصديق افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي ارجع الى الناس لعلهم يعلمون).

65 - سورة يوسف: الآية 36، (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما اني أراني اعصر خمرا وقال الآخر اني أراني احمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله انا نراك من المحسنين). وفي سورة يوسف/ 41: (يا صاحبي السجن، اما أحدكما فيسقي ربه خمرا واما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الامر الذي في تستفتيان).

66 - سورة الصافات: الآية 102، (فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني ارى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين).

67 - سورة الفتح: الآية 27، (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تحافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً).

68 - سورة الأنفال: الآية 43، (اذ يريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم انه عليم بذات الصدور).

69 - راجع كتاب (البلاغة) للإمام المؤلف دام ظله.

70 - راجع من موسوعة الفقه هذه الكتب: (الفقه: علم النفس) و(الفقه: الاجتماع) و(الفقه: الاقتصاد) و(الفقه: السياسة) و(الفقه: القانون) و(الفقه: الحقوق) و(الفقه: الإدارة) للإمام المؤلف دام ظله.

71 - سورة الأنعام: الآية 38.

72 - هذا الوجوب عقلي وفطري، والأمر هنا إرشادي.

73 - سورة آل عمران: الآية 32.

74 - سورة الانفال: الآية 20.

75 - غرر الحكم ودرر الكلم ص183 ح3471 الفصل الأول في طاعة الله.

76 - غرر الحكم ودرر الكلم ص181 ح3395 الفصل الأول في طاعة الله.

77 - غرر الحكم ودرر الكلم ص184 ح3495 الفصل الأول في طاعة الله.

78 - الإطاعة في المباح هي (الالتزام بإباحته).

79 - الإباحة مجعولة وليست عبارة عن عدم الجعل، فلنا حكم بالإباحة لا مجرد عدم الحكم بالحرمة والوجوب.

80 - سورة فاطر: الآية 28.