أولادها عليهم السلام |
وأراد رب العــــرش أن يــــلقى بها شجر كريـــــم العــــرق والأغصان فقــــــضـى فـــــزوجـها عـــلياً إنـه كـان الـــــكفى لهـــــا بــــلا نقصان وقــــــضى الإله من أن تولد منهما ولـــــدان كـــــالقمرين يــــلتــــقيان ســـــبطا مـــــحمـد الرسول وفلـذتا كبد البـــــتـول كـــــذاك يـــــعتلقان فـــــبنى الإمـامة والخلافـة والهدى بـــــعد الـــــرسـالة ذانــــك الولدان في حديث: فأنزل الله: (مرج البحرين يلتقيان) يقول: أنا الله أرسلت البحرين: علي بن أبي طالب بحر العلم، وفاطمة بحر النبوة، (يلتقيان) يتصلان، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما. ثم قال: (بينهما برزخ) مانع رسول الله يمنع علي بن أبي طالب أن يحزن لأجل الدنيا، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا (فبأي آلاء ربكما) يا معشر الجن والإنس (تكذبان) بولاية أمير المؤمنين وحب فاطمة الزهراء، فـ(اللؤلؤ) الحسن (والمرجان) الحسين، لأن اللؤلؤ الكبار، والمرجان الصغار، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما، فإن البحر سمي بحراً لسعته(1)... إن لها عليها السلام خمسة أولاد ذكوراً وإناثاً، وهم: الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، الإمام الحسين سيد الشهداء عليه السلام، زينب الكبرى، وزينب الصغرى المكناة بأم كلثوم عليهما السلام، والمحسن عليه السلام الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أسقط في حادث الهجوم على الدار. أما الحسنين عليهما السلام فأمرهما أشهر من أن يذكر، وقد كتب عنهما كتب عديدة قل من لم يكن عارفاً بحياتهما لا سيما كيفية شهادتهما عليهما السلام. وأما الزينبين عليهما السلام وإن كتب فيهما كتب متعددة ـ كما سنوعز إليه إن شاء الله تعالى ـ ولكن لقلة اشتهار أمرهما أحببت أن أتعرض لشيء من حياتهما وبعض ما يتعلق بشأنهما تكميلاً للفائدة، وإتماماً لهذه المائدة الإلهية. وبالله التوفيق. |
1ـ سيدتنا زينب الكبرى عليها السلام |
هي الثالثة من أولاد فاطمة عليها السلام، كانت ولادة هذه الميمونة الطاهرة في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة على ما حققه بعض الأفاضل، وقيل: في شعبان في السنة السادسة للهجرة، وقيل: في السنة الرابعة، وقيل: في أواخر شهر رمضان في السنة التاسعة للهجرة، وهذا القول باطل لا يمكن القول بصحته، لأن فاطمة عليها السلام توفيت بعد والدها في السنة العاشرة أو الحادية عشرة للهجرة ـ على اختلاف الروايات ـ فإذا كانت ولادة زينب في السنة التاسعة ـ وهي كبرى بناتها ـ فمتى كانت ولادة أم كلثوم؟ ومتى حملت بالمحسن وأسقطته لستة أشهر؟ لأن المدة الباقية من ولادة زينب على هذا القول إلى حين وفاة أمها غير كافية. والذي يترجح عندنا هو أن ولادة زينب كانت في الخامسة من الهجرة، وذلك حسب الترتيب الوارد في أولاد الزهراء عليها السلام، أضف إلى ذلك أن الخبر المروي في (البحار) عن (العلل) في باب معاشرة فاطمة مع علي عليهما السلام جاء فيه: (حملت الحسن على عاتقها الأيمن، والحسين على عاتقها الأيسر، وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت إلى حجرة أبيها صلى الله عليه وآله). وأم كلثوم هذه إن كانت هي زينب عليها السلام فذلك دليل على أنها كانت كبيرة. وإن كانت أختها فذاك دليل على أن أمها عليها السلام تركت زينب لتنوب منابها في الشؤون المنزلية، فهي كانت كبيرة إذن، وقد روى صاحب (ناسخ التواريخ) في كتابه: (إن زينب أقبلت عند وفاة أمها وهي تجر رداءها وتنادي: يا أبتاه، يا رسول الله، الآن عرفنا الحرمان من النظر إليك). وروى هذه الرواية صاحب (البحار) عن (الروضة) بهذا اللفظ: (وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة تجر ذيلها متجلببة برداء عليها تسحبهما وهي تقول: يا أبتاه، يا رسول الله، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً). وأم كلثوم هذه هي زينب عليها السلام من غير شك، كما صرح باسمها في رواية صاحب (الناسخ)، ولكونها أكبر بنات فاطمة عليها السلام، وهذا دليل واضح على أنها كانت عند وفاة أمها في السادسة أو السابعة من عمرها ولهذا الخبر نظائر ومؤيدات، منها ما نقله في (الطراز المذهب) عن (بحر المصائب) عن بعض الكتب: (لما دنت الوفاة من النبي صلى الله عليه وآله: رأى كل من أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام رؤيا تدل على وفاته صلى الله عليه وآله، فأخذا بالبكاء والنحيب، فجاءت زينب إلى جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت: يا جداه رأيت البارحة رؤيا أنها انبعثت ريح عاصفة سودت الدنيا وما فيها وأظلمتها، وحركتني من جانب إلى جانب، فرأيت شجرة عظيمة فتعلقت بها من شدة الريح فإذا بالريح قلعتها وألقتها على الأرض، ثم تعلقت على غصن قوي من أغصان تلك الشجرة فقطعتها أيضاً، فتعلقت بفرع آخر فكسرته أيضاً، فتعلقت على أحد الفرعين من فروعها فكسرته أيضاً، فاستيقظت من نومي. فبكى صلى الله عليه وآله وقال: الشجرة جدك، والفرع الأول أمك فاطمة، والثاني أبوك علي، والفرعان الآخران هما أخواك الحسنان، تسود الدنيا لفقدهم، وتلبسين لباس الحداد في رزيتهم)(2). اسمها عليها السلام: لما ولدت زينب عليها السلام جاءت بها أمها الزهراء عليها السلام إلى أبيها أمير المؤمنين عليه السلام وقالت: سم هذه المولودة، فقال: ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله ـ وكان في سفر له ـ ولما جاء صلى الله عليه وآله وسأله علي عليه السلام عن اسمها فقال: ما كنت لأسبق ربي تعالى، فهبط جبرائيل عليه السلام يقرئ على النبي السلام من الجليل وقال له: سم هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم. ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب، فبكى النبي صلى الله عليه وآله وقال: من بكى على مصائب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين. وتكنى بأم كلثوم كما تكنى بأم الحسن أيضاً، ولم نقف على حقيقته، ويقال لها: زينب الكبرى للفرق بينها وبين من سميت باسمها من أخواتها، وكنيت بكنيتها، كما أنها تلقبت بالصديقة الصغرى للفرق بينها وبين أمها الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام(3). ألقابها عليها السلام 1 ـ عالمة غير معلمة. 2 ـ فهمة غير مفهمة. 3 ـ كعبة الرزايا. 4 ـ نائبة الزهراء. 5 ـ نائبة الحسين. 6 ـ مليكة الدنيا. 7 ـ عقيلة النساء. 8 ـ عديلة الخامس من أهل الكساء. 9 ـ شريكة الشهيد. 10 ـ كفيلة السجاد. 11 ـ ناموس رواق العظمة. 12 ـ سيدة العقائل. 13 ـ سر أبيها. 14 ـ سلالة الولاية. 15 ـ وليدة الفصاحة. 16 ـ شقيقة الحسن. 17 ـ عقيلة خدر الرسالة. 18 ـ رضيعة ثدي الولاية. 19 ـ البليغة. 20 ـ الفصيحة. 21 ـ الصديقة الصغرى. 22 ـ الموثقة. 23 ـ عقيلة الطالبيين. 24 ـ الفاضلة. 25 ـ الكاملة. 26 ـ عابدة آل علي. 27 ـ عقيلة الوحي. 28 ـ شمسة قلادة الجلالة. 29 ـ نجمة سماء النبالة. 30 ـ المعصومة الصغرى. 31 ـ قرينة النوائب. 32 ـ محبوبة المصطفى. 33 ـ قرة عين المرتضى. 34 ـ صابرة محتسبة. 35 ـ عقيلة النبوة. 36 ـ ربة خدر القدس. 37 ـ قبلة البرايا. 38 ـ رضيعة الوحي. 39 ـ باب حطة الخطايا. 40 ـ حفرة علي وفاطمة. 41 ـ ربيبة الفضل. 42 ـ بطلة كربلا. 43 ـ عظيمة بلواها. 44 ـ عقيلة القريش. 45 ـ الباكية. 46 ـ سليلة الزهراء. 47 ـ أمينة الله. 48 ـ آية من آيات الله. 49 ـ مظلومة وحيدة(4). كلمات الأعلام في شأنها عليها السلام: 1ـ قال العلامة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين (ره): فلم ير أكرم منها أخلاقاً، ولا أنبل فطرة، ولا أطيب عنصراً، ولا أخلص جوهراً، إلا أن يكون جدها واللذين أولداها، وكانت ممن لا يستفزها نزق، ولا يستخفها غضب، ولا يروع حلمها رائع، آية من آيات الله في ذكاء الفهم، وصفاء النفس، ولطافة الحس، وقوة الجنان، وثبات الفؤاد، في أروع صورة من صور الشجاعة والإباء والترفع(5). 2 ـ قال العلامة الشيخ جعفر النقدي: ولقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة وتربية تلك الدرة الثمينة (زينب عليها السلام) في حضن النبوة ودرجت في بيت الرسالة، رضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول، وغذيت بغذاء الكرامة من كف ابن عم الرسول، فنشأت نشأة قدسية، وربيت تربية روحانية، متجلببة جلابيب الجلال والعظمة، متردية رداء العفاف والحشمة، فالخمسة أصحاب العباء عليهم السلام هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها، وكفاك بهم مؤدبين معلمين(6). 3 ـ قال العلامة المجاهد السيد محسن الأمين (ره): كانت زينب عليها السلام من فضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يذكر، وأبين من أن يسطر، وتعلم جلالة شأنها، وعلو مكانتها، وقوة حجتها، ورجاحة عقلها، وثبات جنانها، وفصاحة لسانها، وبلاغة مقالها كأنها تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام من خطبها بالكوفة والشام، وليس عجباً من زينب أن تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيبة النبوية، والأرومة الهاشمية، جدها الرسول، وأبوها الوصي، وأمها البتول، وأخواها لأمها وأبيها الحسنان، ولا بدع أن جاء الفرع على منهاج أصله(7). 4 ـ قال العلامة المامقاني (ره): أقول: زينب، وما زينب! وما أدراك ما زينب! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يحزها بعد أمها أحد، حتى حق أن يقال: هي الصديقة الصغرى، هي في الحجاب والعفاف فريدة لم ير شخصها أحد من الرجال في زمان أبيها وأخويها إلى يوم الطف، وهي في الصبر والثبات وقوة الإيمان والتقوى وحيدة، وفي الفصاحة والبلاغة كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام، كما لا يخفى على من أنعم النظر في خطبتها. ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحد أن ينكر إن كان عارفاً بأحوالها في الطف وما بعده، كيف ولولا ذلك لما حملها الحسين عليه السلام مقداراً من ثقل الإمامة أيام مرض السجاد عليه السلام، وما أوصى إليها بجملة من وصاياه، ولما أنابها السجاد نيابة خاصة في بيان الأحكام وجملة أخرى من آثار الولاية. ألا ترى ما رواه الصدوق في (إكمال الدين) والشيخ (ره) في كتاب (الغيبة) مسنداً عن أحمد بن إبراهيم قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي أبي الحسن العسكري في سنة اثنتين وثمانين بعد المائتين، فكلمتها من وراء حجاب، وسألتها عن دينها، فسمت لي من تأتم به (أو بهم) ثم قالت: فلان ابن الحسن، فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبراً؟ فقالت: خبراً عن أبي محمد عليه السلام كتب به إلى أمه. فقلت لها: فأين المولود؟ فقالت: مستور، فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدة أم أبي محمد، فقلت لها: أقتدي بمن وصيته إلى المرأة؟ فقالت: اقتد بالحسين عليه السلام بن علي بن أبي طالب عليه السلام، إن الحسين بن علي أوصى إلى أخته زينب بنت علي بن أبي طالب في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم ينسب إلى زينب بنت علي تستراً على علي بن الحسين عليهما السلام(8). 5ـ قال العلامة ابن الأثير: وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة، زوجها أبوها علي رضي الله عنهما من عبد الله ابن أخيه جعفر، فولدت له علياً وعوناً الأكبر وعباساً ومحمداً وأم كلثوم، وكانت مع أخيها الحسين رضي الله عنه لما قتل، وحملت إلى دمشق، وحضرت عند يزيد بن معاوية، وكلامها ليزيد حين طلب الشامي أختها فاطمة بنت علي من يزيد مشهور مذكور في التواريخ، وهو يدل على عقل وقوة جنان(9). 6ـ قال الأستاذ محمد فريد وجدي: هي زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام، كانت من فضليات النساء وجليلات العقائل، كانت مع أخيها الحسين بن علي في وقعة كربلا(10). 7ـ في (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الإصفهاني: زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة عليها السلام في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي. وفي (جنات الخلود) ما معناه: كانت زينب الكبرى في البلاغة والزهد والتدبير والشجاعة قرينة أبيها وأمها عليهما السلام، فإن انتظام أمور أهل البيت بل الهاشميين بعد شهادة الحسين عليه السلام كان برأيها وتدبيرها(11). 8ـ قال العلامة أسد حيدر: ويرتفع صوت الفضيلة المنتصرة، فتظهر زينب ابنة علي في ميدان الجهاد بثبات قلب ورباط جأش، فتعلن هنا أهداف ثورة الحسين، وترجع الناس ببليغ بيانها إلى أيام الإمام علي، لأنها ببلاغتها كأنما تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام، كما وصفها شاهد الموقف. أنها لم تقف موقف المرأة التي استولى عليها التأثر والحزن العميق فيملك مشاعرها فتكون أسيرة حزن وحليفة ذهول ورهينة فجيعة لعظم المصاب وفداحة الرزء الذي أصابها. وإذا كان موقف زينب موقف جزع فمن يكفل لهذه العائلة سلامتها؟ ومن يرعى أطفالاً صغاراً لا كافل لهم سواها... فقد مثلت دور البطولة في جهادها، وثبتت أمام المكاره ثبوت الجبل أمام العواصف، إنها تحملت المصائب والنكبات طلباً لمرضاة الله، وجهاداً في سبيله، وإعلاءً لكلمته(12). 9ـ قال الحافظ جلال الدين السيوطي في رسالته (الزينبية): ولدت زينب في حياة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله ـ وكانت لبيبة جزلة عاقلة، لها قوة جنان ـ فإن الحسن ولد قبل وفاة جده بثمان سنين، والحسين بسبع سنين، وزينب الكبرى بخمس سنين. 10ـ عن النيسابوري في رسالته العلوية: كانت زينب ابنة علي عليه السلام في فصاحتها وبلاغتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى وأمها الزهراء عليهما السلام. 11ـ الفاضل الأديب حسن قاسم في كتابه السيدة (زينب): السيدة الطاهرة الزكية زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وشقيقة ريحانتيه لها أشرف نسب، وأجل حسب، وأكمل نفس، وأطهر قلب، فكأنها صيغت في قالب ضمخ بعطر الفضائل، فالمستجلي آثارها يتمثل أمام عينيه رمز الحق، رمز الفضيلة، رمز الشجاعة، رمز المروءة وفصاحة اللسان، قوة الجنان، مثال الزهد والورع، مثال العفاف والشهامة، إن في ذلك لعبرة... (وقال أيضاً) فلئن كان في النساء شهيرات فالسيدة أولاهن، وإذا عدت الفضائل فضيلة فضيلة!... من وفاء وسخاء وصدق وصفاء وشجاعة وإباء وعلم وعبادة وعفة وزهادة فزينب أقوى مثال للفضيلة بكل مظاهرها(13). عبادتها عليها السلام: أما زينب صلوات الله عليها فلقد كانت في عبادتها ثانية أمها الزهراء عليها السلام، وكانت تقضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن. قال بعض ذوي الفضل: إنها صلوات الله عليها ما تركت تهجدها لله تعالى طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرم. قال: وروي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال: رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس. وعن الفاضل القائيني البير جندي، عن بعض المقاتل المعتبرة، عن مولانا السجاد عليه السلام أنه قال: إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية. عن الفاضل المذكور: إن الحسين عليه السلام لما ودع أخته زينب عليها السلام وداعه الأخير قال لها: يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل. وهذا الخبر رواه هذا الفاضل عن بعض المقاتل المعتبرة أيضاً. وفي (مثير الأحزان) للعلامة الشيخ شريف الجواهري قدس سره: قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام: وأما عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة (أي العاشرة من المحرم) في محرابها تستغيث إلى ربها، فما هدأت لنا عين، ولا سكنت لنا رنة. وروى بعض المتتبعين عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال: إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من قيام: الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك فقالت: أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال، لأنها كانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الأطفال، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة. أقول: فإذا تأمل المتأمل إلى ما كانت عليه هذه الطاهرة من العبادة لله تعالى والانقطاع إليه لم يشك في عصمتها صلوات الله عليها وأنها كانت من القانتات اللواتي وقفن حركاتهن وسكناتهن وأنفاسهن للباري تعالى، وبذلك حصلن على المنازل الرفيعة والدرجات العالية التي حكت برفعتها منازل المرسلين ودرجات الأوصياء عليهم الصلاة والسلام(14). عفتها وحياؤها عليها السلام: وحدث يحيى المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله تخرج ليلاً والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين عليه السلام فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن مرة عن ذلك، فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب(15). مجدها وعلو منزلتها عليها السلام: جاء في بعض الأخبار: إن الحسين عليه السلام كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها، وكان يجلسها في مكانه. ولعمري أن هذه منزلة عظيمة لزينب لدى أخيها الحسين عليه السلام، كما أنها كانت أمينة أبيها على الهدايا الإلهية، ففي حديث مقتل أمير المؤمنين عليه السلام الذي نقله المجلسي (ره) في تاسع (البحار): نادى الحسن أخته زينب أم كلثوم: هلمي بحنوط جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، فبادرت زينب عليها السلام مسرعة حتى أتته به، فلما فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب(16). قال العلامة السيد جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي في (تحفة العالم): زينب الكبرى زوجة عبد الله بن جعفر تكنى (أم الحسن)، ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت على الحسين عليه السلام وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الأرض وقام لها إجلالاً(17). علمها ومعرفتها بالله تعالى: كفاك في فضلها ومعرفتها عليها السلام احتجاج الصادق عليه السلام بفعلها وعملها في حادثة الطف، كما في (الجواهر) في جواز شق الثوب على الأب والأخ وعدمه، عن الصادق عليه السلام: (ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب). قال صاحب الجواهر (ره): إذ من المعلوم فيهن بناته وأخواته(18). قال العلامة الشيخ جعفر النقدي: أما زينب المتربية في مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوي، المتغذية؟ بلبانه من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها، وقد طوت عمراً من الدهر مع الإمامين السبطين يزقانها العلم زقاً، فهي من عياب علم آل محمد عليهم السلام وعلب فضائلهم التي اعترف بها عدوهم الألد (يزيد الطاغية) بقوله في الإمام السجاد عليه السلام: (إنه من أهل بيت زقوا العلم زقاً)، وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين عليهما السلام: (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة)، يريد أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع، أفيض عليها إلهاماً لا بتخرج على أستاذ وأخذ عن مشيخة، وإذن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها، أو لمحض انتمائها إليهم واتحادها معهم في الطينة المكهربين لذاتها القدسية، فأزيحت عنها بذلك الموانع المادية، وبقي مقتضى اللطف الفياض وحده... وعن الصدوق محمد بن بابويه طاب ثراه: كانت زينب عليها السلام لها نيابة خاصة عن الحسين عليه السلام، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين عليه السلام من مرضه. وقال الطبرسي: إن زينب عليها السلام روت أخباراً كثيرة عن أمها الزهراء عليها السلام. وعن عماد المحدثين: إن زينب الكبرى كانت تروي عن أمها وأبيها وأخويها وعن أم سلمة وأم هاني وغيرهما من النساء، وممن روى عنها ابن عباس وعلي بن الحسين وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين الصغرى وغيرهم. وقال أبو الفرج: زينب العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة صلى الله عليها في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي عليه السلام. ويظهر من الفاضل الدربندي وغيره أنها كانت تعلم علم المنايا والبلايا كجملة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، منهم ميثم التمار ورشيد الهجري وغيرهما، بل جزم في أسراره أنها صلوات الله عليها أفضل من مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات النساء. وذكر قدس سره عند كلام السجاد عليه السلام لها عليها السلام: (يا عمة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة): أن هذا الكلام حجة على أن زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام كانت محدثة أي ملهمة، وأن علمها كان من العلوم اللدنية والآثار الباطنية. وقال العلامة الفاضل السيد نور الدين الجزائري في كتابه الفارسي المسمى بالخصائص الزينبية، ما ترجمته: عن بعض الكتب: إن زينب عليها السلام كان لها مجلس في بيتها أيام إقامة أبيها عليه السلام في الكوفة، وكانت تفسر القرآن للنساء. ففي بعض الأيام، كانت تفسر (كهيعص) إذ دخل أمير المؤمنين عليه السلام عليها فقال لها: يا نور عيني سمعتك تفسرين (كهيعص) للنساء؟ فقالت: نعم، فقال عليه السلام: هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم شرح عليه السلام لها المصائب، فبكت بكاءً عالياً صلوات الله عليها(19). صبرها واستقامتها عليها السلام: قال العلامة المقرم (ره): فقلن النسوة: بالله عليكم إلا ما مررتم بنا على القتلى، ولما نظرن إليهم مقطعين الأوصال قد طعمتهم سمر الرماح، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح، وطحنتهم الخيل بسنابكها، صحن ولطمن الوجوه، وصاحت زينب: يا محمداه، هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة. فأبكت كل عدو وصديق حتى جرت دموع الخيل على حوافرها. ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ورفعته نحو السماء وقالت: (إلهي تقبل منا هذا القربان). وهذا الموقف يدلنا على تبوئها عرش الجلالة، وقد أخذ عليها العهد والميثاق بتلك النهضة المقدسة كأخيها الحسين عليه السلام، وإن كان التفاوت بينهما محفوظاً، فلما خرج الحسين عن العهدة بإزهاق نفسه القدسية، نهضت (العقيلة زينب) بما وجب عليها، ومنه تقديم الذبيح إلى ساحة الجلال الربوبي والتعريف به، ثم طفقت سلام الله عليها ببقية الشؤون، ولا استبعاد في ذلك بعد وحدة النور وتفرد العنصر. واعتنقت سكينة جسد أبيها الحسين عليه السلام فكانت تحدث أنها سمعت يقول: شيــــــعتي مـــــــا إن شـــربتم عـــــذب مــــــاء فــــــاذكروني أو سمـــــــعتـــــــم بـــــغريــب أو شـــــــهــــيد فــــــانــدبوني ولم يستطع أحد أن ينحيها عنه حتى اجتمع عليها عدة وجروها بالقهر. وأما علي بن الحسين فإنه لما نظر إلى أهله مجزرين، وبينهم مهجة الزهراء بحالة تنفطر لها السماوات، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هداً، عظم ذلك عليه واشتد قلقه، فلما تبينت ذلك منه زينب أهمها أمر الإمام، فأخذت تسليه وتصبره وهو الذي لا توازن الجبال بصبره، وفيما قالت له: (ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟ فو الله إن هذا لعهد من الله إلى جدك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة والجسوم المضرجة فيوارونها، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يمحى رسمه على كور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا علواً)(20). مصائبها عليها السلام: معــــــلولة الأيدي إلـى الأعناق تسبى علـى عجــــف من النياق حاســــرة الــــوجه بغيـر برقـع لا ستر غيـــــر ســـاعـد وأذرع قد تــــركت عزيزها على الثرى وخلفته فـــــي الهجيـر والعرى إن نـــــظرت لها العيون ولولت أو نظرت إلى الــرؤوس أعولت تود أن جســــــمهـا مــــــقبـور ولا يــــراها الـــشامـت الـكفـور (المقبولة الحسنية) ص63، لحجة الإسلام الشيخ هادي كاشف الغطاء. قال العلامة المقرم (ره): وسمعت منه ـ أعلى الله مقامه ـ أنه لما كان ينقل إلى البياض ما يكتبه في المسودة، فلما وصل إلى قوله: (تود أن جسمها مقبور...) شاهد بعده: وهــــــي بــــــأستار من الأنوار تـــــحجبها عـــــن أعين النظار فتعجب منه حيث لم ينظمه، وزاد في تعجبه أنه لما نقله إلى البياض وعاد إلى المسودة فلم ير البيت مثبتاً في المسودة، فعلم أنه شيء غيبي لا ينكره أهل الإيمان، ولا غرابة من الحجة المنتظر عجل الله فرجه إذا كتب هذا(21). وفاتها ودفنها عليها السلام: قد اختلف في تاريخ وفاتها ومدفنها، وليس هذا بأول قارورة كسرت في الإسلام، بل يوجد هذا الاختلاف في مواليد أكثر الأئمة عليهم السلام ووفياتهم، ولعل السبب لا يخفى على الناقد البصير. وإليك ما قيل في ذلك: قيل: إنها توفيت ودفنت في المدينة المنورة، وكان ذلك بعد رجوعهم من الشام... وقيل: إنها توفيت حوالي الشام... وقيل: إنها توفيت في الشام... وقيل: إنها توفيت في إحدى قرى الشام... وتلهج الألسن في سبب ذلك بحديث المجاعة التي أصابت أهل المدينة المنورة، فهاجرت مع زوجها عبد الله إلى الشام وتوفيت هنالك... ونقل عن النسابة العبيدلي في (أخبار الزينبيات) بعد ذكر قصة تبعيدها من المدينة بأمر يزيد، أنها عليها السلام اختارت مصر، وتوفيت بها عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة اثنتين وستين هجرية، ودفنت في دار الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري. ونقل الموافقة له في الدفن الشريف ناشر كتاب (الزينبيات) عن عدة من المؤرخين(22). الكتب المؤلفة فيها عليها السلام: إن اسم زينب عليها السلام يلمع في كتب التاريخ والسير والتراجم، وهو أكثر إشعاعاً في البحوث والكتب التي تتحدث عن مأساة كربلاء. ويستطيع المتتبع أن يؤلف كتاباً مستقلاً عن المصادر التي تتحدث عن العقيلة، واقتصرت في هذا الفصل على الكتب المستقلة التي رأيتها أثناء كتابة هذا الكتاب، والتي أشار إليها الآخرون: 1ـ بطلة كربلاء زينب بنت الزهراء /الدكتورة بنت الشاطئ/ ط2 صفحة 155، قطع الربع /مكتبة الأندلس/ بيروت. 2ـ خطب الحوراء زينب سلام الله عليها /جاسم السيد حسن شبر/ صفحة 46، قطع الربع /دار النشر والتأليف/ النجف. 3ـ الخصائص الزينبية /السيد نور الدين الجزائري/ نقل عنه الشيخ جعفر نقدي ص36. 4ـ الرسالة الزينبية /ابن طولون الدمشقي/ نقل عنها حسن قاسم في كتابه ص57. 5ـ الرسالة الزينبية /شمس الدين السخاوي المصري/ نقل عنها حسن قاسم في كتابه ص8. 6ـ زينب أخت الحسين /محمد الحسين الأديب/ صفحة 64، قطع الكف /الحيدرية/ النجف. 7ـ زينب الكبرى /جعفر النقدي/ صفحة 154، قطع الربع /ط4 الحيدرية/ النجف. 8ـ زينب /عبد العزيز سيد الأهل/ صفحة 180، قطع الربع/ القاهرة. 9ـ الرسالة الزينبية /جلال الدين السيوطي/ نقل عنها النقدي وفرج آل عمران. 10ـ سيدة زينب /محمد الحاج سالمين/ نقلت عنه الدكتورة بنت الشاطئ. 11ـ السيدة زينب /أحمد فهمي/ نقل عنه فرج آل عمران. 12ـ السيدة زينب /حسن محمد قاسم/ صفحة 59، قطع الربع /المطبعة المحمودية/ مصر. 13ـ السيدة زينب /محمد علي المصري/ نقل عنه فرج آل عمران والنقدي. 14ـ السيدة زينب /محمود اليبلاوي/ ذكرها عمر رضا كحالة في أعلام النساء 2/91. 15ـ شرح الخطبة الزينبية /هادي البناني/ ذكره في الذريعة 13/221. 16ـ الطراز المذهب /عباس قلي خان/ صفحة 660، قطع الكبير/ إيران. 17ـ عقيلة بني هاشم /علي بن الحسين الهاشمي، صفحة56،قطع الكبير/مطبعة الآداب/ النجف. 18ـ عقيلة الوحي زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام /عبد الحسين شرف الدين/ صفحة 31، قطع الكف /مطابع ابن زيدون/ دمشق. 19ـ القصيدة الزينبية(23) /علي رضا الهندي/ صفحة 16، قطع الكف /مطبعة الأزهر/ بغداد. 20ـ المرقد الزينبي /فرج آل عمران/ مطبوع مع كتابه زينب الكبرى. 21ـ مع بطلة كربلاء /محمد جواد مغنية/ صفحة 146، قطع الربع /المكتبة الأهلية/ بيروت 1962. 22ـ مقام السيدة زينب /البيان العام للتبرعات والنفقات في بناء وتعمير المقام الشريف ابتداء من 1950 لغاية 1958/ صفحة 24، قطع الربع /مطبعة ابن زيدون/ دمشق. 23ـ نفحات من سيرة السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنها /أحمد الشرباصي المدرس بالأزهر/ صفحة 48 /مطبعة دار التأليف/ مصر 1365. 24ـ وفاة زينب الكبرى /فرج آل عمران القطيفي/ صفحة 84، قطع الربع /المطبعة الحيدرية/ النجف 1379(24). |
2ـ السيدة أم كلثوم سلام الله عليها |
هي الرابعة من أولاد فاطمة سلام الله عليها، قال العلامة المامقاني في (تنقيح المقال) في فصل النساء: أم كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام، هذه كنية لزينب الصغرى، وقد كانت مع أخيها الحسين عليه السلام بكربلا، وكانت مع السجاد عليه السلام إلى الشام ثم إلى المدينة، وهي جليلة القدر، فهيمة بليغة، وخطبتها في مجلس ابن زياد بالكوفة معروفة وفي الكتب مسطورة، وإني أعتبرها من الثقات والمــشهور بين الأصــــحاب. وفي الأخبار أن عمر بـــن الخطاب تزوجها غصباً، وأنكر ذلك جمع(25). وهي سلام الله عليها حفيدة الرسول صلى الله عليه وآله، وبضعة البتول عليها السلام، وهي شاركت أختها زينب الكبرى في جميع الأحداث والمصائب، وهي التالية لشقيقتها فضلاً وسناً وفصاحة وبلاغة، وهي سليلة النبوة، وكريمة الوحي، نشأت في حجر الزهراء عليها السلام، وتأدبن بآداب أمير المؤمنين عليه السلام، ونمت برعاية الحسن والحسين. ولدت في السابعة من الهجرة، وتوفيت بالمدينة بعد الرجوع من الشام بأربعة أشهر وعشرة كما في (أعلام النساء) علي محمد علي دخيل، وزوجها عون بن جعفر، وأنها لم تتزوج بغير ابن عمها عملاً بالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وهو: (نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى أولاد علي وجعفر عليهما السلام فقال: بناتنا لبنينا، وبنونا لبناتنا)(26). حديث مختلق: ومن هنا يعلم كذب ما جاء في بعض الأخبار من تزويجها بعمر بن الخطاب، إلا أن يكون للتقية والاضطرار. ونحن ننقل نبذة يسيرة من كلمات الأعلام والأعاظم حتى يتضح الحق إن شاء الله تعالى. 1ـ قال الأستاذ علي محمد علي دخيل: ومن هذه الزواجات الوهمية، وما أكثرها زواج أم كلثوم بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من عمر بن الخطاب. روى ابن عبد البر وابن حجر وغيرهما: خطبها عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب فقال: إنها صغيرة، فقال له: زوجنيها، يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، فقال له علي: أنا أبعثها إليك فإن رضيتها فقد زوجتكها. فبعثها إليه ببرد، وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك، فقالت: ذلك لعمر؟ فقال: قولي له: قد رضيت. ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. ثم خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء، فقال: يا بنية إنه زوجك. (الإصابة) ج4، ص492. (الاستيعاب) ص490، ط دار صادر(27). وقال: إن جل من ذكر زواجها من عمر ذكر أنه تزوج بها بعد قتل عمر عون بن جعفر، وعون هذا استشهد يوم تستر سنة 17 للهجرة في خلافة عمر، فكيف يتزوج بها من بعده؟... وأغرب ما جاء في تهويس القوم في هذه المهزلة هو كلام ابن عبد البر، فقد قال: ومحمد بن جعفر بن أبي طالب هو الذي تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد موت عمر بن الخطاب. وقال في نفس الكتاب: استشهد عون بن جعفر وأخوه محمد بن جعفر في تستر، مع العلم بأن يوم تستر كان في خلافة عمر وقبل وفاته بسبع سنين، فكيف يستقيم ما ذكره؟ وقال أيضاً: الصورة التي مرت عليك من إرسال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ابنته إلى عمر وهو يكشف عن ساقها وهي لا تعلم بالأمر، فهل ترتضيها أنت أيها القارئ الكريم لنفسك فضلاً عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؟(28). 2 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام في تزويج أم كلثوم فقال: إن ذلك فرج غصبناه)(29). 3 ـ عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما خطب إليه قال له أمير المؤمنين عليه السلام إنها صبية. قال: فلقي العباس فقال له: ما لي؟ أبي بأس؟ قال: وما ذاك؟ قال: خطبت إلى ابن أخيك فردني، أما والله لأعورن زمزم، ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، ولأقيمن عليه شاهدين بأنه سرق، ولأقطعن يمينه. فأتاه العباس فأخبره، وسأله أن يجعل الأمر إليه، فجعله إليه(30) (31). 4 ـ قال العلامة المجلسي (ره): هذان الخبران لا يدلان على وقوع تزويج أم كلثوم رضي الله عنها من الملعون المنافق ضرورة وتقية، وورد في بعض الأخبار ما ينافيه، مثل ما رواه القطب الراوندي عن الصفار بإسناده إلى عمر بن أذينة قال: قيل لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس يحتجون علينا ويقولون: إن أمير المؤمنين عليه السلام زوج فلاناً ابنته أم كلثوم. وكان متمكناً فجلس وقال: أيقولون ذلك؟ إن قوماً يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل، سبحان الله! ما كان يقدر أمير المؤمنين عليه السلام أن يحول بينه وبينها فينفذها، كذبوا ولم يكن ما قالوا، إن فلاناً خطب إلى علي عليه السلام بنته أم كلثوم، فأبى علي، فقال للعباس: والله لئن لم تزوجني لأنتزعن منك السقاية وزمزم. فأتى العباس علياً فكلمه، فأبى عليه، فألح العباس، فلما رأى أمير المؤمنين مشقة كلام الرجل على العباس وأنه سيفعل بالسقاية ما قال، أرسل أمير المؤمنين إلى جنية من أهل نجران يهودية يقال لها: سخيفة بنت جريرية، فأمرها، فتمثلت في مثال أم كلثوم وحجبت الأبصار عن أم كلثوم، وبعث بها إلى الرجل، فلم تزل عنده... وقال (ره) في معنى الحديث الأول: فالمعنى غصبناه ظاهراً وبزعم الناس، إن صحت تلك القصة(32). 5ـ وقال (ره): بعد إنكار عمر النص الجلي وظهور نصبه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام يشكل القول بجواز مناكحته بغير ضرورة ولا تقية، إلا أن يقال بجواز مناكحة كل مرتد عن الإسلام، ولم يقل به أحد من أصحابنا(33). 6ـ قال الشيخ السعيد الأقدم المفيد (ره): إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام من عمر غير ثابت، وهو من طريق الزبير بن بكار، وطريقه معروف، لم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متهماً في ما يذكره، وكان يبغض أمير المؤمنين عليه السلام، وغير مأمون فيما يدعيه عنه على بني هاشم، وإنما نشر الحديث إثبات أبي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه، فظن كثير من الناس أنه حق له لروايته رجل علوي، وإنما رواه عن الزبير بن بكار. والحديث نفسه مختلف، فتارة يروى أن أمير المؤمنين عليه السلام تولى العقد له على ابنته، وتارة يروى عن العباس أنه تولى العقد له عنه، وتارة يروى أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروى أنه كان من اختيار وإيثار. ثم إن بعض الرواة يذكر إن عمر أولدها ولداً أسماه زيد، وبعضهم يقول: إنه قتل من قبل دخوله بها، وبعضهم يقول: إن لزيد بن عمر عقباً، ومنهم من يقول: إنه قتل ولا عقب له، ومنهم من يقول: إنه وأمه قتلا، ومنهم من يقول: إن أمه بقيت بعده، ومنهم من يقول: إن عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألف درهم، ومنهم من يقول: أمهرها أربعة آلف درهم، ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم. وبدء هذا القول وكثرة الاختلاف فيه يبطل الحديث، ولا يكون له تأثير على حال. ثم إنه لو صح لكان له وجهان لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام، أحدهما: إن النكاح إنما هو على ظاهر الإسلام الذي هو الشهادتان، والصلاة إلى الكعبة، والإقرار بجلية الشريعة، وإن كان الأفضل ترك مناكحة من ضم إلى ظاهر الإسلام ضلالاً لا يخرجه عن الإسلام، إلا أن الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الإسلام زالت الكراهة من ذلك، وساغ ما لم يكن يحتسب مع الاختيار. وأمير المؤمنين عليه السلام كان محتاجاً إلى التأليف وحقن الدماء، ورأى أنه إن بلغ مبلغ عمر عما رغب فيه من مناكحة بنته أثر ذلك الفساد في الدين والدنيا، وأنه إن أجاب إليه أعقب ذلك صلاحاً في الأمرين، فأجابه إلى ملتمسه لما ذكرناه. والوجه أن مناكحة الضال كجحد الإمامة وادعائها لمن لا يستحقها حرام إلا أن يخاف الإنسان على دينه ودمه، فيجوز له ذلك كما يجوز له إظهار كلمة الكفر المضادة لكلمة الإيمان، وكما يحل له الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورات وإن كان ذلك محرماً مع الاختيار. وأمير المؤمنين عليه السلام كان مضطراً إلى مناكحة الرجل لأنه يهدده ويواعده، فلم يلزم أمير المؤمنين عليه السلام لأنه كان مضطراً إلى ذلك على نفسه وشيعته، فأجابه إلى ذلك ضرورة كما قلنا إن الضرورة توجب إظهار كلمة الكفر، قال الله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)(34). وليس ذلك بأعجب من قوم لوط عليه السلام كما حكى الله تعالى عنه بقوله: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم)(35) فدعاهم إلى العقد عليهن لبناته وهم كفار وضلال، وقد أذن الله تعالى في إهلاكهم. وقد زوج رسول الله صلى الله عليه وآله ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام، أحدهما عتبة بن أبي لهب والآخر أبو العاص بن الربيع، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله فرق بينهما وبين ابنتيه، فمات عتبة على الكفر، وأسلم أبو العاص بعد إبانة الإسلام، فردها عليه بالنكاح الأول(36). 7ـ قال سبط ابن الجوزي: وذكر جدي في كتاب (المنتظم): إن علياً بعثها إلى عمر لينظرها، وإن عمر كشف ساقها ولمسها بيده. قلت: وهذا قبيح والله، لو كانت أمة لما فعل بها، ثـــم بإجماع المسلمين لا يــجوز لمس الأجــنبـــية، فكيف يـــنسب عمر إلى هذا؟!(37). أقول: قد رد هذا الحديث المختلق أيضاً عدة من الأعلام كالشارح العلامة الخوئي (ره) في شرحه ج3، ص51، وقد أفرد العلامة البحاثة السيد ناصر حسين الموسوي الهندي رسالة في ذلك أسماها (إفحام الأعداء والخصوم بتكذيب ما افتروه على سيدتنا أم كلثوم عليها سلام الله الملك الحي القيوم)، وقد أعرضنا عن تطويل الكلام فيه لوضوح المرام. تذييل: قال العلامة المحقق التستري دام ظله: أم كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام، قال: هي كنية زينب الصغرى. أقول: ما ذكره هو المفهوم من (الإرشاد) فقال في تعداد الأولاد له عليه السلام: (زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم من فاطمة عليها السلام) إلا أن الظاهر وهمه، فاتفق الكل حتى نفسه على أن زينب الصغرى من بناته عليه السلام لأم ولد. فلو كانت هذه أيضاً مسماة بزينب كانت الوسطى لا الصغرى. وظاهر غيره كون أم كلثوم اسمها، فلم يذكر غيره لها اسماً، بل قالوا: في بناته من فاطمة عليها السلام زينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى. وقالوا: زينب الصغرى وأم كلثوم الصغرى من أمهات أولاد كما في (نسب قريش) مصعب الزبيري وفي (تاريخ الطبري) وغيرهما. وبالجملة أم كلثوم له عليه السلام اثنتان: الكبرى من فاطمة عليها السلام والصغرى من أم ولد، ولم يعلم لإحداهما اسم. قال المصنف: في الأخبار أن عمر تزوجها غصباً، وللمرتضى رسالة أصر فيها على ذلك، وأصر آخرون على الإنكار... قال الصادق عليه السلام: لما خطب عمر... (وذكرالحديث الذي تقدم). وفي (نسب قريش) مصعب الزبيري: (ماتت أم كلثوم وابنها زيد بن عمر، فالتقت عليهما الصائحتان فلم يدر أيهما مات قبل، فلم يتوارثا). وروى مثلها الشيخ وقالوا: كان لها منه بنت مسماة برقية أيضاً وزاد البلاذري بنتاً أخرى مسماة بفاطمة، ولم أر غيره قال ذلك. هذا، وفي (معارف) ابن قتيبة: (تزوجها بعد عمر محمد بن جعفر، فمات عنها، ثم تزوجها عون بن جعفر، فماتت عنده).وفي (نسب قريش) مصعب الزبيري: (تزوجها بعد عمر عون بن جعفر فمات عنها(38). وتزوجها عبد الله بن جعفر فمات عنها). أقول: فكيف كان، إن كان هذه القصة صادقة تدل على شدة مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام وكيفية قضاء السياسة الحاكمة على المسلمين. دفاعها عن أبيها عليهما السلام: ولما بلغ عائشة نزول أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار كتبت إلى حفصة بنت عمر: (أما بعد، فلما نزلنا البصرة ونزل علي بذي قار والله داق عنقه كدق البيضة على الصفا، إنه بمنزلة الأشقر، إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر). فلما وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك، ودعت صبيان بني تيم وعدي وأعطت جواريها دفوفاً وأمرتهن أن يضربن بالدفوف ويقلن: (ما الخبر، ما الخبر، علي كالأشقر، بذي قار، إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر)، فبلغ أم سلمة (رض) اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سب أمير المؤمنين والمسرة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة، فبكت وقالت: أعطوني ثيابي حتى أخرج إليهن وأوقع بهم. فقالت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام: أنا أنوب عنك، فإنني أعرف منك. فلبست ثيابها وتنكرت وتخفرت واستصحبت جواريها متخفرات، وجاءت حتى دخلت عليهن كأنها من النضارة، فلما رأت إلى ما هن فيه من العبث والسفه، كشفت نقابها وأبرزت لهن وجهها، ثم قالت لحفصة: إن تظاهرت أنت وأختك على أمير المؤمنين عليه السلام فقد تظاهرتما على أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله من قبل، فأنزل الله عز وجل فيكما ما أنزل والله من وراء حربكما. وأظهرت حفصة خجلاً وقالت: إنهن فعلن هذا بجهل، وفرقتهن في الحال(39). حضورها عليها السلام في كربلاء: 1ـ قال المحدث القمي (ره): إن الحسين عليه السلام لما نظر إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى، التفت إلى الخيمة ونادى: يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا أم كلثوم، عليكن مني السلام... 2ـ وقال أيضاً: إنه عليه السلام أقبل على أم كلثوم وقال لها: أوصيك يا أخية بنفسك خيراً، وإني بارز إلى هؤلاء القوم(40). 3ـ وبعد مصرع الحسين عليه السلام أقبل فرسه إلى الخيام، فلما نظر أخوات الحسين عليه السلام وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد رفعن أصواتهن بالبكاء والعويل، ووضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت: وا محمداه، وا جداه، وا نبياه، وا أبا القاسماه، وا علياه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا حسناه، هذا حسين بالعراء، صريع بكربلا، مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء(41). 4 ـ وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت: (يا أهل الكوفة، إن الصدقة علينا حرام) وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي بها (ظ) إلى الأرض. قال (مسلم الجصاص): والناس يبكون على ما أصابهم، ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم! والحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء(42). أقول: قد أجمعت كتب السير والمقاتل على حضورها عليها السلام واقعة الطف وذكروا مواقفها وخطبها، فكيف هذا يجتمع ومع وفاتها ووفاة ابنها زيد من عمر بن الخطاب كما في (الوسائل ج2، ص818، باب أنه يجزي صلاة واحدة على جنائز متعددة)؟ وهذا نص الحديث: (عن عمار بن ياسر قال: أخرجت جنازة أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر، وفي الجنازة الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو هريرة، فوضعوا جنازة الغلام مما يلي الإمام، والمرأة وراءه، وقالوا: هذا هو السنة). فعليه فالحديث عندي مخدوش، بل أصل زواجها به عندي موضوع. في الكوفة: خطبت أم كلثوم بنت علي عليه السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها، رافعة صوتها بالبكاء فقالت: يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه! فتباً لكم وسحقاً. ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم، وأي وزر على ظهوركم حملتم، وأي دماء سفكتموها، وأي كريمة أصبتموها، وأي صبية سلبتموها، وأي أموال انتهبتموها؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي، ونزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إن حزب الله هم الفائزون (المفلحون خ ل) وحزب الشيطان هم الخاسرون. ثم قالت: قـــــتلتم أخـــــي صبراً فويـل لأمكم ستـــــجزون نــــاراً حـــرها يتوقـد سفـــــكتم دمــــاء حـرم الله سفكها وحرمــــــها الـــــقرآن ثـــم محمـد ألا فــــــأبشروا بالـــــنـار أنكم غـداً لفي سقــــــر حــــقاً يقـــيناً تخلدوا وإنـــــي لأبكي في حياتي على أخي على خير مــــن بـــعد النبي سيولد بدمع غـــــزير مســــــتهـل مكفكف عــــلى الـخد مني دائماً ليس يجمد قال الراوي: فضج الناس بالبكاء والنوح، ونشر النساء شعورهن، ووضعن التراب على رؤوسهن، وخمشن وجوههن، وضربن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم، فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم(43). شعرها حين رجوعها من الشام: إن أم كلثوم حين توجهت إلى المدينة جعلت تبكي وتقول: مــــــدينة جــــــدنا لا تــــقبلينـا فبالحـــــسرات والأحزان جــينا ألا فـــــاخبر رســـــول الله عنـا بـــــأنا قـــــد فـــــجعنا في أبينا الأبيات، ومن جملتها: مـــــدينة جــــــدنا لا تـــــقبلينـا فـــــبالحسرات والأحــزان جينا خــــرجنا منــــك بالأهلين جمعاً رجعنا لا رجــــــال ولا بـــــنينـا وكـــنا في الخروج بجمع شمل رجـــــعنا خــــــاسرين مسلبينـا وكنــــــا فــــي أمـان الله جهـراً رجعنا بالقطـــــيعة خـــــائفيــنـا ومــــولانا الحســـيـن لنـا أنيس رجعـــــنا والحسين بـــه رهينا فـــــنحن الضـــــائعات بلا كفيل ونـــــحن النــــائحات على أخينا ألا يـــــا جـــــدنا قــتلـوا حسيناً ولم يـــــرعـوا جــــناب الله فينا ألا يـــــا جـــــدنا بـــلغت عـدانا مناهـــــا و اشتـفى الأعداء فينا لـــــقد هتــكوا النساء وحملوها على الأقـــــتاب قـــهراً أجمعينا والأبيات أكثر من هذه لم نذكرها خوف الإطالة(44).
|
1 - المناقب، لابن شهر آشوب، ج3، ص319. 2 - زينب الكبرى، للنقدي، ص18 ـ19. 3 - زينب الكبرى، للنقدي، ص16 ـ17. 4 - توجد هذه الألقاب الشريفة في (زينب الكبرى) للنقدي، و(خصائص الزينبية) للجزائري، وديوان آية الله الغروي الإصفهاني: (الأنوار القدسية) و(عقيلة الوحي) للسيد شرف الدين. 5 - عقيلة الوحي: ص24. 6 - زينب الكبرى: ص19. 7 - أعيان الشيعة: ج33، ص191. 8 - تنقيح المقال: ج3، ص79. 9 - أسد الغابة: ج7، ص122، بتحقيق محمد إبراهيم البناء، محمد أحمد عاشور. 10 - دائرة المعارف: ج4، ص795. 11 - زينب الكبرى، للنقدي، ص27. 12 - مع الحسين ونهضته: ص294. 13 - زينب الكبرى، للنقدي، ص28 ـ29. 14 - زينب الكبرى، للنقدي، ص62 ـ63. 15 - زينب الكبرى: ص22. 16 - زينب الكبرى، للنقدي ص22 و29. 17 - زينب الكبرى، للنقدي ص22 و29. 18 - جواهر الكلام: ج4، ص307. 19 - زينب الكبرى: ص34 ـ36. 20 - مقتل الحسين: ص396 ـ399. 21 - علي الأكبر عليه السلام، للعلامة المقرم، ص21. 22 - راجع كتاب (زينب الكبرى) للنقدي، ص119 ـ123. 23 - معلقة على الضريح الشريف بدمشق. 24 - زينب بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، علي محمد علي دخيل، ص69 ـ73. 25 - سنتكلم عليه في هذا الفصل إن شاء الله تعالى. 26 - من لا يحضره الفقيه: ج3، ص393، باب الأكفاء. 27 - أعلام النساء، لدخيل، ص14 و22. 28 - أعلام النساء، لدخيل، ص14 و22. 29 - فروع الكافي: ج5، ص346. 30 - فروع الكافي: ج5، ص346. 31 - قال عمر في آخر خطبته: أيها الناس لو اطلع الخليفة على رجل منكم أنه زنى بامرأة، ولم يكن هناك شهود فماذا كنتم تفعلون؟ قالوا: قول الخليفة حجة، لو أمر برجمه لرجمناه. فسكت عمر ونزل، فدعا العباس في خلوة وقال: رأيت الحال؟ قال: نعم، قال: والله لو لم يقبل علي خطبتي لقلت غداً في خطبتي إن هذا الرجل علي فارجموه. (اللمعة البيضاء، ص130). 32 - مرآة العقول: ج20، ص42. 33 - البحار: ج42، ص109. 34 - سورة النحل: الآية 106. 35 - سورة هود: الآية 78. 36 - عدة رسائل، للشيخ المفيد (ره) ص227 ـ229. 37 - تذكرة الخواص: ص321. 38 - قاموس الرجال: ج10، ص205. 39 - الجمل، للشيخ المفيد (ره) ص149، وراجع أيضاً شرح ابن أبي الحديد ج14، ص13، و(سفينة البحار) ج1، ص285، و(جمهرة الرسائل) لأحمد زكي صفوت، ج1، ص377. 40 - نفس المهموم: ص346. 41 - ذريعة النجاة: ص150 و178. 42 - ذريعة النجاة: ص150 و178. 43 - نفس الهموم، للمحدث القمي (ره)، ص399 و471. 44 - نفس الهموم، للمحدث القمي (ره)، ص399 و471. |