فهرس الكتاب

تحريم الله عز وجل ذريتها عليها السلام على النار

قال الله تعالى: والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير 31 ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير 32 جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير 33 وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور 34 الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب 35. (الفاطر) قال العلامة الطباطائي (ره): المراد بالكتاب في الآية على ما يعطيه السياق هو القرآن الكريم، كيف؟ وقوله في الآية السابقة (والذي أوحينا إليك من الكتاب) نص فيه، فاللام في الكتاب للعهد دون الجنس، فلا يعبأ بقول من يقول إن اللام للجنس والمراد بالكتاب مطلق الكتاب السماوي المنزل على الأنبياء.

وقوله: (من عبادنا) يحتمل أن يكون (من) للتبيين أو للابتداء أو للتبعيض... واختلفوا في هؤلاء المصطفين من عباده من هم... وقيل ـ وهو المأثور عن الصادقين عليهما السلام في روايات كثيرة مستفيضة ـ إن المراد بهم ذرية النبي صلى الله عليه وآله من أولاد فاطمة عليها السلام...

وقوله: (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) يحتمل أن يكون ضمير (منهم) راجعاً إلى (الذين اصطفينا) فيكون الطوائف الثلاث: الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات شركاء في الورثة، وإن كان الوارث الحقيقي العالم بالكتاب والحافظ له هو السابق بالخيرات(1).

الأخبار

1ـ عن الصادق عليه السلام: إن فاطمة عليها السلام لعظمها على الله حرم الله ذريتها على النار، وفيهم نزلت: (ثم أورثنا الكتاب) ـ الآية(2).

2ـ عن عبد خير، عن علي عليه السلام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير هذه الآية، فقال: هم ذريتك وولدك، إذا كان يوم القيامة خرجوا من قبورهم على ثلاثة أصناف: (ظالم لنفسه) يعني الميت بغير توبة (ومنهم مقتصد) استوت حسناته وسيئاته من ذريتك (ومنهم سابق بالخيرات) من زادت حسناته على سيئاته من ذريتك(3).

3ـ عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي محمد ـ يعني الحسن العسكري عليه السلام ـ فسألناه عن قول الله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) قال عليه السلام: كلهم من آل محمد. الظالم لنفسه: الذي لا يقر بالإمام، والمقتصد: العارف بالإمام، والسابق بالخيرات بإذن الله: الإمام. قال: فدمعت عيناي وجعلت أفكر في نفسي ما أعطى الله آل محمد صلى الله عليه وآله، فنظر إلي وقال: الأمر أعظم بما حدثتك به نفسك من عظم شأن آل محمد، فاحمد الله فقد جعلك متمسكاً بحبلهم، تدعى يوم القيامة لهم إذا دعي الناس بإمامهم، فأبشر يا أبا هاشم وإنك على خير(4).

4 ـ وعن الرضا عليه السلام أنه سئل عنها، قال: ولد فاطمة عليها السلام، والسابق بالخيرات: الإمام، والمقتصد: العارف بالإمام، والظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام

5ـ وعنه عليه السلام: أراد الله بذلك العترة الطاهرة، ولو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة لقول الله: (فمنهم ظالم لنفسه) ـ الآية، ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال: (جنات عدن يدخلونها) ـ الآية، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم.

6ـ عن الزكي عليه السلام: كلهم من آل محمد صلى الله عليه وآله، الظالم لنفسه: الذي لا يقر بالإمام، والمقتصد: العارف بالإمام، والسابق بالخيرات: الإمام.

7ـ عن الباقر عليه السلام: هي في ولد علي وفاطمة عليهما السلام.

8ـ وعنه عليه السلام: هي لنا خاصة، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام والشهيد منا، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل، وأما الظالم لنفسه ففيه ما في الناس وهو مغفور له(5).

9ـ قال العلامة الأميني (ره): عن النبي الطاهر صلى الله عليه وآله في بضعته الصديقة (فاطمة): (إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار). أخرجه الحاكم في (المستدرك) 3 ص152 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. والخطيب في تاريخه 3 ص54، ومحب الدين الطبري في (ذخاير العقبى) ص48 عن أبي تمام في فوائده، وصدر الحفاظ الكنجي الشافعي في (الكفاية) ص222 بإسناده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار)، وفي ص223 بسند آخر عن ابن مسعود بلفظ حذيفة، والسيوطي في (إحياء الميت) ص257 عن ابن مسعود من طريق البزار وأبي يعلي والعقيلي والطبراني وابن شاهين، وأخرجه في (جمع الجوامع) من طريق البزار والعقيلي والطبراني والحاكم بلفظ حذيفة اليماني، وذكر المتقي الهندي في إكماله في (كنز العمال) 6 ص219 من طريق الطبراني بلفظ: (إن فاطمة أحصنت فرجها، وإن الله أدخلها بإحصان فرجها وذريتها الجنة). وابن حجر في (الصواعق) من طريق أبي تمام والبزار والطبراني وأبي نعيم باللفظ المذكور وقال: وفي رواية (فحرمها الله وذريتها على النار). ورواه في ص112 من طريق البزار وأبي يعلي والطبراني والحاكم باللفظ الثاني، وذكر الشبلنجي في (نور الأبصار) ص45 باللفظين(6).

10ـ وقال أيضاً: (قال ابن تيمية الحراني): الحديث الذي ذكر (العلامة) عن النبي صلى الله عليه وآله: (إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار) كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ويظهر كذبه لغير أهل الحديث أيضاً، فإن قوله: (إن فاطمة أحصنت فرجها) الخ باطل قطعاً، فإن سارة أحصنت فرجها ولم يحرم الله جميع ذريتها على النار، وأيضاً فصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله أحصنت فرجها ومن ذريتها محسن وظالم. وفي الجملة: اللواتي أحصن فروجهن لا يحصي عددهن إلا الله، ومن ذريتهن البر والفاجر والمؤمن والكافر. وأيضاً ففضيلة فاطمة ومزيتها ليست بمجرد إحصان الفرج، فإن هذا تشارك فيه فاطمة وجمهور نساء المؤمنين، 2، ص126.

ج ـ عجباً لهذا الرجل وهو يحسب أن الإجماعات والاتفاقات طوع إرادته، فإذا لم يرقه تأويل آية أو حديث أو مسألة أو اعتقاد يقول في كل منها للملأ العلمي: اتفقوا، فتلبيه الأحياء والأموات، ثم يحتج باتفاقهم. ولعمر الحق لو لم يكن الإنسان منهياً عن الكذب ولغو الحديث لما يأتي منهما فوق ما أتى به الرجل. ليت شعري كيف يكون هذا الحديث متفقاً على بطلانه وكذبه؟! وقد أخرجته جماعة من الحفاظ، وصححه غير واحد من أهل المعرفة بالحديث، وليته أوعز إلى من شذ منهم بالحكم بكذبه، ودلنا على تآليفهم وكلماتهم، غير أنه لم يجد أحداً منهم فكون الاتفاق بالإرادة كما قلناه. وقد خرجه: الحاكم، الخطيب البغدادي، البزار، أبو يعلي، العقيلي، الطبراني، ابن شاهين، أبو نعيم، المحب الطبري، ابن حجر، السيوطي، المتقي الهندي، الهيثمي، الرزقاني، الصبان، البدخشي. إذا ثبتت صحة الحديث فأي وزن يقام للمناقشة فيه بأوهام وتشكيكات، واستحسانات واهية واستبعادات خيالية؟! كما هو دأب الرجل في كل ما لا يرتضيه من فضائل أهل البيت عليهم السلام، وأي ملازمة بين إحصان الفرج وتحريم الذرية على النار!؟ حتى يرد بالنقض بمثل سارة وصفية والمؤمنات، غير أن هذه فضيلة اختصت بها سيدة النساء فاطمة، وكم لها من فضائل تخص بها ولم تحظ بمثلها فضليات النساء من سارة إلى مريم إلى حواء وغيرهن، فلا غضاضة إذا تفرد ذريتها بفضيلة لم يحوها غيرهم، وكم لهم من أمثالها.

11 ـ وقال العلامة الرزقاني المالكي في شرح (المواهب) 3، 203، في نفي هذه الملازمة: الحديث أخرجه أبو يعلي والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود وله شواهد، وترتيب التحريم على الإحصان من باب إظهار مزية شأنها في ذلك الوصف مع الإلماح ببنت عمران ولمدح وصف الإحصان، وإلا فهي محرمة على النار بنص روايات أخر. ويؤيد هذا الحديث بأحاديث أخرى، منها حديث ابن مسعود: (إنما سميت فاطمة لأن الله قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة)(7). وقوله صلى الله عليه وآله لفاطمة: (إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك)(8) وقوله صلى الله عليه وآله لعلي: (إن الله قد غفر لك ولذريتك)، وقوله صلى الله عليه وآله: (وعدني ربي في أهل بيتي: من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ إنه لا يعذبهم)(9) وقوله صلى الله عليه وآله لعلي: (يا علي، إن الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك وشيعتك ولمحبي شيعتك)، وقوله صلى الله عليه وآله: (يا علي إن أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والـــحسين، وذرارينا خلـــف ظهورنا، وأزواجنــــا خلف ذرارينا،(10) وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا). وفي لفظ: (أما ترضى أنك معي في الجنة، والحسن والحسين وذريتنا خلف ظهورنا)(11)؟!

12ـ وقال أيضاً رداً على القصيمي: قال القسطلاني في (المواهب) والرزقاني في شرحه 3 ص203: (روي) عن ابن مسعود رفعه (إنما سميت فاطمة) بإلهام من الله لرسوله إن كانت ولادتها قبل النبوة، وإن كانت بعدها فيحتمل بالوحي (لأن الله قد فطمها) من الفطم وهو المنع، ومنه فطم الصبي (وذريتها عن النار يوم القيامة) أي منعهم منها، فأما هي وابناها فالمنع مطلق، وأما من عداها فالمنوع عنهم نار الخلود فلا يمتنع دخول بعضهم للتطهير، ففيه بشرى لآله صلى الله عليه وآله بالموت على الإسلام، وأنه لا يختم لأحد منهم بالكفر، نظيره ما قاله الشريف السمهودي في خبر الشفاعة لمن مات بالمدينة، مع أنه يشفع لكل من مات مسلماً، أو أن الله يشاء المغفرة لمن واقع الذنوب منهم إكراماً لفاطمة عليها السلام، أو يوفقهم للتوبة النصوح ولو عند الموت ويقبلها منهم (أخرجه الحافظ الدمشقي) هو ابن عساكر. (وروى الغساني والخطيب) وقال: فيه مجاهيل (مرفوعاً) إنما سميت فاطمة (لأن الله فطمها ومحبيها عن النار) ففيه بشرى عميمة لكل مسلم أحبها، وفيه التأويلات المذكورة. وأما ما رواه أبو نعيم والخطيب: أن علياً الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سئل عن حديث: إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار، فقال: (خاص بالحسن والحسين) وما نقله الأخباريون عنه من توبيخه لأخيه زيد حين خرج على المأمون، وقوله: (ما أنت قائل لرسول الله؟ أغرك قوله: إن فاطمة أحصنت؟ الحديث، إن هذا لمن خرج من بطنها لا لي ولا لك، والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله، فإن أردت أن تنال بمعصيته ما نالوه بطاعته، إنك إذاً لأكرم على الله منهم!) فهذا من باب التواضع والحث على الطاعات وعدم الاغترار بالمناقــــب وإن كثـــرت، كما كان الصــحابة المقطوع لهم بالجنة(12) على غاية من الخوف والمراقبة، وإلا فلفظ (ذرية) لا يخص بمن خرج من بطنها في لسان العرب ومن ذريته داود وسليمان ـ الآية. وبينه وبينهم قرون كثيرة، فلا يريد بذلك مثل علي الرضا مع فصاحته ومعرفته لغة العرب، على أن التقييد بالطائع يبطل خصوصية ذريتها ومحبيها إلا أن يقال: لله تعذيب الطائع، فالخصوصية أن لا يعذبه إكراماً لها. والله أعلم.

م ـ وأخرج الحافظ الدمشقي بإسناده عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة رضي الله عنها: (يا فاطمة تدرين لم سميت فاطمة؟ قال علي رضي الله عنه لم سميت؟ قال: إن الله عز وجل قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة). وقد رواه الإمام علي بن موسى الرضا في مسنده ولفظه: (إن الله فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار). أيرى القصيمي بعد أن الشيعة قد انفردوا بما لم يقله أعلام قومه؟ أو رووا بحديث لم يروه حفاظ مذهبه؟ أو أتوا بما يخالف مبادئ الدين الحنيف؟ وهل يسعه أن يتهم ابن حجر والزرقاني ونظراءهما من أعلام قومه، وحفاظ نحلته المشاركين مع الشيعة في تفضيل الذرية؟! ويرميهم بالقول بعصمتهم؟! ويتحامل عليهم بمثل ما تحامل على الشيعة؟ وليس من البدع تفضل المولى سبحانه على قوم بتمكينه إياهم من النزوع من الآثام، والندم على ما فرطوا في جنبه، والشفاعة من وراء ذلك، ولا ينافي شيئاً من نواميس العدل ولا الأصول المسلمة في الدين، فقد سبقت رحمته غضبه ووسعت كل شيء(13).

 

1 - (الميزان) ج17، ص44 ـ45. 

2 - (تفسير الصافي) ذيل الآية.

3 - (شواهد التنزيل) ج2، ص105. 

4 - (غاية المرام) ص352، وفيه ثمانية عشر حديثاً في المسألة.

5 - (تفسير الصافي) ذيل الآية.

6 - (الغدير) جلد2، ص61 ـ62. 

7 - (تاريخ ابن عساكر)، (الصواعق) 96، (المواهب اللدنية) كما في شرحه للرزقاني 3 ص302. 

8 - أخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات، وابن حجر صححه في (الصواعق) 96، 140. 

9 - أخرجه الحاكم في (المستدرك) 3، ص150، وجمع آخرون نظراء الحافظ السيوطي.

10 - كذا، والظاهر إما أن المراد الصالحات القانتات المطيعات منهن، أو إضافة هذه الفقرة في الحديث.

11 - (الغدير) ج3، ص175 ـ176 وص78 و79. 

12 - كذا، وللشيعة الإمامية فيه نظر بل منع. 

13 - (الغدير) ج3، ص294 ـ296.