القضاء في المسجد

مسألة: يجوز الترافع والقضاء في المسجد، كما يفهم ذلك أيضاً من فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وفعل علي (عليه الصلاة والسلام)(1)، وللفقهاء في هذا مبحث مذكور في كتاب القضاء في الفقه(2).

ومن الواضح ان الترافع في المسجد ليس مخالفاً لمقتضى الوقف شرعاً، كما ان من البين إنه يجب أن لا يكون بحيث يعد هتكاً للمسجد عرفاً(3).

الاستفادة من مراكز الإعلام

مسألة: يجوز ـ بالمعنى الأعم الشامل للوجوب ـ الاستفادة من وسائل الإعلام ومراكز التجمع، للمطالبة بالحق وفضح الظالم وإرشاد الناس وبيان الحقيقة، كما استفادت فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) من المسجد، حيث كان المسجد أهم مركز للإعلام آنذاك، باعتباره مركزاً لتجمع مختلف الشخصيات والتيارات الاجتماعية والمركز الرئيسي للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولقيادة الأمة وغير ذلك.

دخول المرأة في مجمع الرجال

مسألة: يجوز للمرأة أن تدخل في مكان قد اجتمع فيه الرجال، أو مع النساء، مع الحفاظ على الحجاب وسائر الشرائط.

إذ الأصل: الإباحة ولا دليل على الحرمـة، بل كـان هذا في زمـن رسـول الله

(صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجده وفي أسفاره وفي الحج، كما انه كان في أيام الفقهاء الكبار، في مشاهد المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) وكذلك في القدس الشريف وغير ذلك.

أما المحرم منه فهو الاختلاط بلا حجاب أو ما أشبه ذلك مما أتى به الغرب إلى بلاد الإسلام واستقبله بعض من لا حريجة له في الدين.

على أبي بكر

الضغط مباشرة

مسألة: يرجح توجيه الضغط على الغاصب أو الظالم نفسه، أو الرجوع إليه رأساً لدى المطالبة بالحقوق وبالحق، إلا إذا كانت الفائدة في غير ذلك.

قال تعالى: ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى)(4) ولذا بادرت فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) للذهاب إلى المسجد ومواجهة أبي بكر بنفسه.

ومن ذلك أيضاً كانت كتابات المعصومين عليهم السلام إلى الطغاة مباشرة، وقد كتب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: (غرك عزك فصار قصار ذلك ذلك فاخش فاحش فعلك فعلك تهدى بهذا)(5).

وذلك إتماماً للحجة وفضحاً للظالم كي لا يدعي عدم العلم ويلقي اللوم على الآخرين ـ كما هي سيرة الظالمين خاصة في فترات الضعف والسقوط ـ وتحطيماً لشوكته وهيبته المصطنعة أمام الناس، ولغير ذلك(6).

وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم

الفضح على رؤوس الأشهاد

مسألة: يستحب وقد يجب ـ إذا توقف الردع وشبهه عليه ـ فضح الظالمين على رؤوس الأشهاد، فإنه نوع من الضغط والتنفير الاجتماعي، وملاكه يشمل الرجال أيضاً.

ولا فرق في ذلك بين المنبر والمحراب والكتاب والإذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائل الإعلام، ولو تحول هذا إلى منهج عام عند الناس، بأن التزم الكل بل حتى الأكثر، بل حتى جمع كثير من الناس، بفضح الظالم والتصدي لظلمه على رؤوس الأشهاد، لما قامت للظالمين قائمة.

إتمام الحجة على الناس

مسألة: يستحب إتمام الحجة على الناس، وقد يجب، لأنه حينئذ يجعل من الحشد شهوداً على كلام الطرفين، وذلك أبلغ في إقامة الدليل والانتصار للحق، قال سبحانه: (لئلا يكون للناس على الله حجـة)(7).

المطالبة بالحق بمحضر الغير

مسألة: يجوز ـ بالمعنى الأعم ـ المطالبة بالحق وكشف القناع عن ظلم الظالم حتى عند من لايتأتى منه أي عمل، أو لايعمل، ويشمله إطلاق قوله تعالى:

(لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)(8).

ومما يوضح الشمول ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في بيان أحد مصاديق الآية الشريفة: (من أضاف قوماً فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه)(9).

وربما يعد من مصاديق ذلك مطالبتها (صلوات الله عليها) بحقها وحق الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في المسجد في حضور المهاجرين والأنصار وغيرهم، حيث لم يكن لكل الأفراد ـ لا بشرط الاجتماع ـ القيام بالمطلوب والمراد من في (الكلية) لا النفي الكلي، فتأمل.

الجهر بالحق لشتى الطبقات

مسألة: ينبغي بيان الحقيقة لمختلف طبقات الناس وأصنافهم لا مجموعة خاصة منهم، وإن كثرت أفرادها، نظراً لأن ذلك أكثر ضماناً لصدق الحديث عن التحفير والتواطي عليه أو النسيان أو التشكيك فيه.

وبذلك ـ وبجهات أخرى ـ تظهر الحكمة في أقوالها عليها السلام الخطبة في مجمع من المهاجرين والأنصار وغيرهم.

فنيطت دونها ملاءة

الساتر بين الرجال والنساء

مسألة: قد يقال باستحباب وضع ساتر بين الرجال والنساء عند خطاب المرأة، إضافة لتحجب كل واحدة منهن.

وربما يستفاد ذلك من قوله تعالى::(وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب)(10).

وإن كان الانصراف(11) يقتضي الحجاب أو الساتر بالمعنى الأخص لا الساتر إضافة للحجاب المفرعات.

ومنه يعلم استحباب ذلك في كل مكان اجتمع فيه النساء والرجال، كما في المسجد للصلاة، وفي قاعة الدرس، وفي الحسينيات، وغير ذلك، ولذا ورد في هذا الحديث: (فنيطت دونها ملاءة).

لكن ربما يقال: بأنه لايظهر أن ذلك كان على نحو الإستحباب، إذ الفعل لاجهة له، بل ربما كان ذلك من الآداب، ولذا لم يكن في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستر بين الرجال والنساء، وكذلك في المسجد الحرام لم يجعل ستر بين الرجال والنساء، بأن يقرر مثلاً على الرجال أن يطوفوا بجوار الكعبة وعلى النساء الطواف من بعيد، وبينهما ستر، أو بأن يقرر وقت للرجال وآخر للنساء، إلى غير ذلك مما هو واضح.

وربما يقال: بأنه يدل على الاستحباب بالنسبة إلى الشخصيات من النســاء، ولذا ورد ذلك بالنسبة إلى عمل نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد نزول آية الحجاب(12).

أما الاستحباب مطلقاً، فالظاهر العدم، للسيرة المستمرة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عصره الشريف وغيره بالنسبة إلى النساء، وكذلك بالنسبة إلى المسجد الحرام، وغير ذلك، كما سبق.

فجلست

الجلوس في المسجد

مسألة: قد يعد من الآداب عند التواجد في المسجد، الجلوس فيه، فهو أقرب للوقار ولرعاية حرمة المسجد، ولو في الجملة.

كما يجوز القيام، أو الاستلقاء فيه فيما إذا لم يكن هتكاً أو مزاحماً لما هو من شؤون المسجد، وإلا كان مكروهاً أو محرماً ـ حسب اختلاف الموارد ـ كما أن النوم في المسجد مكروه على المشهور، وقد ورد في هذا الحديث: أنها (صلوات الله عليها) جلست(13).

ثم أنت أنة

إسماع الصوت للرجال

مسألة: يجوز للمرأة أن تسمع الرجل صوتها إذا حفظت الموازين الشرعية، بأن لم يكن هناك خوف فتنة، أو من الخضوع في القول مثلاً، قال سبحانه: (ولا يخضعن في القول فيطمع الذي في قلبه مرض)(14).

وقد كانت النساء يتكلمن مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع أمير المؤمنين (عليه السلام) ومع الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ومع علماء الدين إلى عصرنا الحاضر، وعلى ذلك جرت سيرة المتشرعة عموماً، لكن يجب مراعاة الموازين الشرعية.

وما ذكر يدل على جواز ذلك، فإن المحظور هو الخضوع بالقول وما أشبه، فيجوز للنساء إلقاء الخطب وقراءة التعزية في المجالس النسوية وإن وصل صوتها إلى أسمـــاع الرجــــال، كمـــا يجوز تسجــــيل صوت قراءتها(15)، مع مراعاة الجهات الشرعية(16).

 

1 - راجع بحار الأنوار ج14 ص11 ب1 ح20. والبحار ج59 ص167 ب61 ح2.

2 - راجع موسوعة الفقه ج84 ص120-122 (كتاب القضاء) للإمام المؤلف(دام ظله) وفيه: (الظاهر عدم كراهة القضاء في المسجد، بل ما أجمل أن ينفذ حكم الله في بيت الله، وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي(عليه السلام) يقضيان في المسجد [بحار الانوار: ج4 ص277 والبحار ج62 ص167]، وبيت الطشت ودكة القضاء في مسجد الكوفة مشهوران إلى اليوم، وتقدم قول علي(عليه السلام) لشريح أن يجلس في المسجد.

وعن الدعائم، عن علي(عليه السلام) قال: (دخلت المسجد، فإذا برجلين من الأنصار يريدان أن يختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أحدهما لصاحبه: هلم نختصم إلى علي(عليه السلام) فجزعت من قوله، فنظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: انطلق واقض بينهما، قلت: وكيف اقضي بحضرتك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: نعم فافعل، فانطلقت فقضيت بينهما، فما رفع إلي قضاء بعد ذلك اليوم الا وضح لي) [مستدرك الوسائل: ج3 ص197 الباب11 آداب القاضي ح4].

وكيف كان ففي المسألة أقوال:

الأول: انه مكروه مطلقاً، ذكره غير واحد، بل في المستند نقل عن المعتمد ان الأكثر قالوا بالكراهة، واختاره هو لمرسلة ابن أسباط: (جنبوا مساجدكم الشراء والبيع والمجانين والصبيان والأحكام والضالة والحدود ورفع الصوت) [ الوسائل: ج 3 ص 507 الباب 27 من أحكام المساجد ح11].

ومرسلة الفقيه: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وشرائكم وبيعكم والضالة والحدود والأحكام) [الوسائل: ج 3 ص 508 أبواب أحكام المساجد الباب 27 ح 4].

وفي الجواهر: استدل لذلك بالنبوي: (جنبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم) قال: والحكومة تستلزم غالباً ذلك بل قد تحتاج إلى إحضار الصبيان والمجانين، بل قد تستلزم إدخال الحيض والمشركين ومن لا يتوقى النجاسة.

الثاني: الاستحباب كما عن ظاهر المقنعة والنهاية والمراسم والسرائر، للأسوة وبعض الروايات المتقدمة.

الثالث: الجواز نظراً إلى تصادم الدليلين من غير مرجح فلا كراهة ولا استحباب، ونقل عن الشيخ في ظاهر خلافه ومبسوطه، وقال المستند في نقل هذا القول قيل بالإباحة.

الرابع: التفصيل بين جعله محلاً للقضاء دائماً، فالكراهة دون غيره، فلا كراهة فيه، اختاره الشرائع والعلامة، وذلك للجمع بين دليلي المنع والاستحباب، لكن يرد على الكراهة ان النبي والإمام لا يفعلان مستمراً المكروه، خصوصاً وهما أسوة والناس مأمورون باتباعهما، والتفصيل ينافي ظهور استمرارية فعل علي عليه السلام، فالأمر إما جائز للتصادم، وإن كان بعيداً، إذ كلا الدليلين آب عن ذلك، وإما مستحب، والثاني أقرب صناعة، والأول شهرة، أما دخول الصبيان والمجانين والحيض والمشركين، فاللازم التجنب استحباباً، أو لزوماً، فليس هذا إشكالاً على أحد القولين وإلا يستشكل بالحيض والمشركين على القول بالكراهة أيضاً.

أما من استدل على عدم الكراهة بفورية القضاء المستلزمة للقضاء في المسجد، ففيه ان الفورية عرفية هذا، كما ان من استدل للكراهة برواية جعفر بن إبراهيم: (انما نصبت المساجد للقرآن) يرد عليه: ان الحصر إضافي كما لا يخفى، واشكال المستند على دكة القضاء بمنع ثبوتها أولاً وكونها دكة قضاء علي ثانياً، وكونها من المسجد في الصدر الأول ثالثاً، لا يخفى ما فيه لمن راجع التاريخ، ولما ذكرناه قال في الجواهر: قد يقال ان القضاء من حيث كونه قضاءاً لا كراهة فيه، بل لا يبعد رجحانه.

نعم، قد يقترن بما يرجح تركه في المسجد، أو يرجح فعله، وهو خارج عن محل البحث، وربما كان ذلك أولى بالجمع من غيره. انتهى.

3 - كأن يسبب ضوضاء غير متعارفة وشبه ذلك.

4 - سورة طه: الآية 43.

5 - المناقبب ج2 ص48 فصل في المسابقة بالعلم. وبحار الأنوار: ج40 ص163 ب 93 ح 54. 

6 - راجع حول هذه المباحث: (الفقه: طريق النجاة)، (الفقه: الاجتماع)، (الفقه: السياسة)، (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) و(الصياغة الجديدة) للإمام المؤلف دام ظله.

7 - سورة النساء: الآية 165.

8 - سورة النساء: الآية 148.

9 - تفسير العياشي: ج1 ص283 ح 296، في تفسير الآية (لايحب الله الجهر بالسوء) [النساء: 148]. وعنه في بحار الانوار ج72 ص258 ب66 ح50.

10 - سورة الأحزاب: الآية 53.

11 - أي في الآية المباركة.

12 - وفي بحار الانوار ج22 ص185 ب2 في تفسير قوله تعالى: (واذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب) يعني فإذا سألتم أزواج النبي صلى الله عليه وآله شيئاً تحتاجون اليه فاسألوهن من وراء ستر، قال مقاتل: امر الله المؤمنين ان لا يكلموا نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الا من وراء حجاب. (ذلكم) أي السؤال من وراء حجاب (اطهر لقلوبكم وقلوبهن) من الريبة ومن خواطر الشيطان (وما كان ان تؤذوا رسول الله) بمخالفة ما امر به في نسائه ولا في شيء من الاشياء. انتهى.

13 - حول أحكام المسجد وآدابه راجع موسوعة الفقه ج19 ص 118-298 كتاب الصلاة، وموسوعة الفقه كتاب الآداب والسنن.

14 - سورة الأحزاب: الآية 32.

15 - وبيع أو توزيع تلك الأشرطة مع ملاحظة الموازين الشرعية.

16 - راجع موسوعة الفقه: (كتاب النكاح) المسألة 39.